برنامج آفاق

اختلاف احتياجات الرجل والأنثى

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

أحبتي في الله، إخواني وأخواتي:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ۩، ليس فقط من ناحية الجنس، أنه ذكر وهي أُنثى، تقريباً من ناحية كل شيئ، ليس الذكر كالأُنثى، وطبعاً ليست الأُنثى كالذكر، هناك تمايزات.

ربما من خلال بعض الحلقات الماضية يكون بات واضحاً لنا أو لبعضنا أن احتياجات الجنسين مُختلِفة، احتياجات الرجل وحاجاته العاطفية الوجدانية ليست بالضرورة – إخواني وأخواتي – أن تتطابق وأن تكون هي احتياجات أو حاجات زوجته العاطفية، بلا شك هناك مساحة مُشترَكة، يتفقان لأنهما في نهاية المطاف إنسان، ابنا آدم، يتفقان في بعض هذه الاحتياجات، لكن يختلفان في البعض الآخر.

عدم إدراك كل من الزوجين لهذه الحقيقة السهلة البسيطة الميسورة – أن احتياجاتي ليست بالضرورة هي احتياجات زوجتي – ينجم عنه كثيرٌ من المشاكل، عدم إدراك الشريكين لهذه الحقيقة السهلة – كما قلت – والصغيرة البسيطة ينجم عنه كثيرٌ من المشاكل، يُمكِن أن تتفاقم مع الأيام والليالي والشهور والسنين، لتنتهي بتفكك الأسرة ووقوع الطلاق، مروراً طبعاً بنزاعات وخصامات وزعل وغضب وتنغيص و(عكننة) لا يعلمها إلا الله – تبارك وتعالى -، كيف؟ ولماذا؟ 

الزوج يقوم بأشياء أو يعمل أشياء أو يقول أشياء يقصد من ورائها بكل صدق وبكل جدية أن يُسعِد زوجته وأن يسترضيها، ولكنها تستقبل هذا على أنه رسالة مُختلِفة تماماً، فيُجَن جنونه، فماذا يعمل لها؟ أي هو يُحاوِل لها قدر المُستطاع أن يُرضيها وأن يُسعِدها، ولكن تأتي النتيجة على عكس القصد دوماً، يستفزها ويستغضبها بهذه التصرفات أو بتلك الأقوال.

والعكس صحيح، نفس الشيئ! هي تُحاوِل أن تُقدِّم شيئاً تُقدِّر – تُقدِّر هي في نفسها وتظن – أنه قد يُساعِده، قد يُخفِّف عنه، قد يُرضيه، وقد يزيد في رصيدها عنده أو في أسهمها لديه، ولكن تأتي النتيجة عكس التقدير تماماً.

وهنا يتبادلان التُهم، يرمي كل منهما الملام على الآخر، أنه كثير التطلب، شخصية صعبة ومُعقَّدة، صعب الإرضاء، لا يُمكِن إرضاؤه، ماذا أعمل له؟ لا أعرف أنا ماذا أفعل له! كلاهما يقعان في المطب نفسه – يُقال في المطب نفسه وليس في نفس المطب -، والسبب ما هو؟ السبب أن كلاً منهما يجهل احتياجات الآخر الواقعية الفعلية، ويظن أن احتياجاته هي احتياجات الآخر، فإذا لبى احتياجاً للآخر كالذي يحتاجه هو يكون قد لبى احتياج الآخر، غير صحيح! هذا ليس احتياج الآخر، هذا احتياجك أنت.

لذلك لابد أن نفهم كأزواج وكزوجات هذه الحقيقة، لكن هذه الحقيقة إلى الآن مُجرَّد عامة: احتياجاتي واحتياجاتها، لم نفهم شيئاً! لابد أن ندخل في التفصيل، لابد أن ندخل في التفصيل حتى نفهم يا إخواني.

إذن فالحُب ليس هو نهاية المطاف، الحُب يا إخواني هو عاطفة جوانية، عاطفة باطنية نبيلة جداً، لكن الباطن لا يعلمه إلا الله، المُهِم في الحُب بين الزوجين الطريقة والأُسلوب اللذين نُعبِّر بهما عن حُبنا هذا.

يُحِب زوجته هو – كما قلت لكم – صدقاً وحقاً، لكنه يفشل في التعبير، كلما حاول أن يُعبِّر عن هذا الحُب استغضبها، شيئ غريب! فيتأكَّد لديه أنها هي لا تُحِبه أو لا تُريد حُبه، لا تُريد أن تُكافئ حُبه بحُب ومودته بمودة، وأيضاً والعكس صحيح، تفشل هي أن تُعبِّر عن حُبها لزوجها بالطريقة الصحيحة، وتظل دائماً المسكينة مُحبَطة، وربما تُصاب بالاكتئاب من جراء ذلك.

لذلك علينا أن نتعرَّف بدقة تشريحية – إن جاز التعبير – على طبيعة حاجات كل منا، طبيعة حاجات الطرف الآخر، ولنأخذ مُعادَلة يُمكِن أن تُسمى مُعادَلة الثقة والاهتمام، مُعادَلة الثقة والاهتمام! ومعنى كونها مُعادَلة يا إخواني أنها مثل مُعادَلة فعلاً رياضية، أي Equation، مُعادَلة حقيقية، ذات طرفين، في اليمين وفي اليسار، كل تغير هنا يُناظِره تغير هناك، كل زيادة هنا تُقابِلها زيادة هناك، كل نقص هنا يُكافئه نقص هناك، مُعادَلة! إنها مُعادَلة الثقة والاهتمام، الثقة التي تُوليها المرأة لزوجها، والاهتمام الذي يُوجِّهه الرجل لزوجته.

إذن الرجل يُريد ماذا من زوجته من حيث المبدأ؟ يُريد ثقةً، يطلب منها الثقة، وهي ماذا تطلب منه؟ تحتاج إلى ماذا؟ لا تحتاج إلى الثقة، تحتاج إلى الاهتمام، وإلى الرعاية، لكن لابد أن نشرح معنى الثقة ومعنى الاهتمام والرعاية في هذا الباب أو هذا الصدد.

الرجل – أحبتي في الله، إخواني وأخواتي – لا يعنيه كثيراً على عكس ما تظن المرأة أن تظل زوجته تُردِّد أمامه: أُحِبك، وأُحِبك أكثر من أي شيئ، وأُحِبك أكثر من نفسي، وأُحِب أكثر من كذا، هذا لا يعنيه كثيراً، الرجل لا يود أن يسمع هذا كثيراً، هو غير مُهتَم بهذا يا إخواني، المرأة تُحِب هذا، ومن هنا قالوا المرأة تُحِب بأُذنيها، المرأة تُحِب هكذا، رومانسية المرأة، ولذلك على فكرة المرأة قارئة روايات جيدة وقارئة قصص، هي حكّاءة أصلاً، المرأة هي حكّاءة وراوية، كل شيئ يُمكِن أن تصوغه صياغاً روائياً قصصياً، ولأنها رومانسية تُحِب الروايات والقصص يا إخواني، وتُحِب أن تسمع هذا الكلام كثيراً من زوجها، وأن يُنوِّع عليه، أي ليس نفس العبارات، تُحِب أن يُنوِّع كل مرة بصياغة وبطريقة مُختلِفة ويتفنن، تُحِب هذا المرأة، الرجل لا يعنيه كثيراً الكلام هذا، الرجل النموذجي لا يعنيه، الرجل المعياري أقصد طبعاً، لأن حتى الحديث عن الرجل هكذا بالمُطلَق محفوف بجُملة استثناءات ومخاطر، لأن بعض الرجال يا إخواني قد يكونون في أقصى اليمين، في أقصى يمين الطيف الرجولي – إن جاز التعبير -، هناك طيف، طيف رجولي، بعض الرجال فعلاً يُمثِّل الرجولية المُتطرِّفة، وبعضهم في أقصى اليسار يُتاخِم الأُنوثة، فبعض الرجال يُحِب هذا – مثلاً -، وهذا يقع أو يتموضع أو يتموقع في أقصى يسار الطيف الرجولي – إن جاز التعبير -، لكن الرجل المعياري عموماً لا يُحِب هذا كثيراً، لا يعنيه هذا كثيراً، كيف؟ ما الذي يعنيه إذن؟

يعنيه أن تُعرِب زوجته عن ثقتها به، عن موثوقيته لديها، إن نجحت المرأة في هذا تكون هكذا نجحت في التعبير عن الحُب الذي يُريده الرجل، هذا الحُب الذي يُقدِّره، حُب الثقة يا إخواني، ليس حُب الكلام وحُب العواطف والرومانسيات، فما معنى الثقة؟ ما معنى أن تُولي المرأة ثقتها بالرجل وأن تُؤكِّد على موثوقيته لديها؟ أنه أهل لثقتها، تثق به، تثق به كرجل، ومعنى تثق به كرجل أولاً أنه قادر على حمايتها، قادر على الدفاع عنها، خاصة حيال وإزاء الذين يتسبَّبون – يُريدون (سُبيبة) كما يُقال – دائماً إلى التنغيص عليها، وإلى تعكير مِزاجها، وإلى استفزازها، وطبعاً تعلمون أن أكثر هؤلاء من أهله، طبعاً هذا الرجل نفترض أنه رجل مُستقيم وخلوق ومُتديِّن ووصول للأرحام، لكن في الوقت ذاته عنده قدر من التوازن والحكمة والصرامة المُهذَّبة، يستطيع أن يضع به وأن يرسم وأن يختط لكل أحد حده، فتعلم أخته وتعلم قريباته أنه لا يسمح بأن يُتطاول على زوجته أو يُنتقَص من قدرها أو يُرمى بكلام يُراد به استفزازها، يعلمون أن هذا يُغضِبه وأنه لا يسمح بهذا، بأسلوبه الذكي المُتوازِن الصارم – كما قلت لكم -، الزوجة تفخر بهذا، تُحِب هذا، وتشعر بأنها في حماية حقيقية.

تعرفون، أنا واجهت بعض الحالات بين أزواج من خيرة الناس، الرجل من خيرة الرجال والله، والمرأة من خيرة النساء، لكن – سُبحان الله – تصل بينهم المشاكل إلى درجة بعيدة وتتفاقم، في الحقيقة طُلِب الطلاق، المرأة تُلِح إلحاحاً شديداً في طلب الانفصال، لا تُريد أن تستمر، فماذا عن الناحية المادية؟ لا بأس به، ماذا عن الالتزام؟ لا بأس به، الالتزام بالأمور العائلية والأسرية أيضاً جيد – إن لم يكن مُمتازاً -، فما الأمر؟ فقط هذه الحتة، هذه النُقطة! هو يسمح لأهله أن يتطاولن عليها، يسمح لأمه ويسمح لأخواته بالذات أن يتطاولن عليها، وأن ينقصن من قدرها، وأن يسخرن بها بطريقة خفية، بطريقة تضمينية، والكل يفهم هذا، ودائماً هو يفهم هذا، ولكن لا ينتصر لها في الوقت وفي المكان، أي مع الحدث، ينتصر لها بعد أن ينتهي كل شيئ بينه وبينها، أي يُظهِر تعاطفه لها، وهي لا تُحِب هذا، هذا يُغضِبها مزيد إغضاب، الآن جئت لتنتصر لي بيني وبينك؟ أنا لا أُريد هذا، أنا أُريد أن تنتصر لي أمامهن، لأن كرامتي من كرامتك، هي ترى أنها من كرامته، وهذه كرامتك، لماذا لا تنتصر لها؟ تغضب المرأة من هذا.

هذا الرجل الموثوق عند المرأة القادر على أن يفعل هذا، وطبعاً – هذا تحصيل حاصل – الرجل الموثوق عند المرأة رجل في الجُملة يُشكِّل معقد فخار لها، تفخر به، وضعه بين الناس مُحترَم، ليس شرطاً أن يكون مُتعلِّماً تعليماً عالياً أو له وظيفة عالية، لو كان كذلك يكون أفضل، وليس شرطاً أن يكون له وظيفة مُهِمة في المُجتمَع، ولو كان كذلك يكون أفضل، ولكن حتى لو كان عاملاً بسيطاً هو أيضاً موضع فخر، رجل مُستقيم، رجل نزيه، رجل شريف، رجل بمعنى الكلمة أيضاً، والناس يحترمونه، وكما نقول يحلفون بحياته وبرأسه، وهي تشعر بهذا، هي تشعر بهذا! وعموماً طبعاً يا إخواني – هذا عموماً، سُبحان الله، بحُكم طبيعة الأمور – هناك نوع من التناسب، أي رجل بسيط في تعليمه، بسيط في خلفيته الاجتماعية، يأخذ امرأة كما نقول من ثوبه، أي قريبة منه طبعاً، من البعيد جداً أن يأخذ امرأة مُتعلِّمة، كأن تكون أستاذة جامعية أو طبيبة، وهو رجل عامل – مثلاً -، من أجل هذا، ولذلك هذه المرأة البسيطة أيضاً – من ثوب زوجها، من نفس الطبقة الاجتماعية ومن نفس الرُتبة – تشعر بالفخر بهذا الزوج ضمن هذه الطبقة، هكذا هي الأعراف، والعكس صحيح أيضاً، المُتعلِّم يأخذ إنسانة مُتعلِّمة وقريبة من طبقته الاجتماعية وكذا، فيكون أيضاً معقد فخار لها إذا كان كذلك، هذا الرجل الموثوق.

الرجل الموثوق عند زوجته هو الذي يُحسِن إدارة المال، يعرف من أين يأتي به، بحيث لا تلحق به ملامة ولا عتاب ولا مُلاحَقة قانونية ولا حتى دينية، أي تأثم ديني، رجل شريف، يأتي بالمال بشرف، ويعرف كيف يُنفِقه، في غير إسراف وإتلاف وتبذير، وأيضاً في غير كزازة وبخل، أكثر مَن تكرهه المرأة هو الرجل البخيل، أي لو كان لدينا رجلان: مُسرِف وبخيل، لكانت المرأة أشد كرهاً للبخيل منها للمُسرِف، يُمكِن أن تحتمل المُسرِف، عادي جداً! مع أن الإسراف في نهاية المطاف عند المرأة العاقلة الواعية هو خصلة ذميمة، لأنه يضرب شعورها بالأمان أيضاً، لو حدث ما حدث – طُرِد من الوظيفة، لا قدَّر الله، أو مات، أو سُجِن، أو أُصيب بتعويق مُعيَّن، حصل أي شيئ – لن يكون عندها شيئ، ليس عندها لنفسها ولا لأولادها – أي للمُستقبَل، لغد – أي شيئ، ولذلك هي لا تُحِب هذا.

الرجل المُدبِّر تشعر معه بالأمان أكثر، وفعلاً ما عال مَن اقتصد، الرجل المُقتصِد خاصة صاحب العيال المرأة تشعر معه بالأمان أكثر، ليس بخيلاً، لكنه مُقتصِد ومُدبِّر، ولا يمتنع أن يدفع ما ينبغي أن يدفعه، وزيادة دائماً، أي فيه كرم، المرأة تُحِب هذا، وتشعر معه بالأمان.

هناك الرجل القادر والذي يُحسِن ويُجوِّد التعاطي مع الموضوع التربوي، يعرف كيف يُربي أولاده، كيف يُربي أبناءه وبناته، أحياناً – وربما تجدون حالات لا يُحصيها إلا الله – يكون الرجل هو سبب إفساد الأولاد، عنده نوع من التدليل الزائد ونوع من التمييع، والمرأة لا تُحِب هذا، المرأة تكون أذكى – سُبحان الله – وأفطن لهذه النواحي التربوية، تقول له هذا يُفسِد الأولاد يا فلان أو يُفسِد البنات، لكن هو ليس مثلها، يقول خليهم… خليهم… خليهم… وهي لا يُعجِبها هذا، أي المرأة العاقلة الواعية فعلاً، تُفكِّر في مُستقبَل ذُريتها، أبنائها وبناتها، فالرجل محل الثقة هو الذي يُحسِن تربية الأولاد.

وطبعاً هي عملية مُشترَكة بلا شك، ولكن هو يقوم بدوره على الوجه الذي يُرضيها، أي يتصرَّف بطريقة علمية، وبطريقة صحيحة، وهي ترى ثمراتها الحسنة الشهية الطيبة فعلاً في استقامة أولادها، في نجاحهم الدراسي، في أخلاقياتهم، في استقامتهم أيضاً، وفي نفس الوقت في ثقتهم بأنفسهم، ليسوا مقموعين، وليسوا مُرعَبين مُخوَّفين أبداً أبداً، هناك احترام، هناك محبة، هناك عطاء، هناك كرم، وهناك رعاية أيضاً للأولاد، وفي نفس الوقت هناك حدود، هناك ضوابط، وهناك قيم، يُعلِّمهم كيف يكون احترام الكبار، احترام الوقت، احترام الأقرباء، صلة الأرحام، احترام الواجبات الدينية، أعراف المُجتمَع، والآداب والتقاليد المرعية، الأب يغرس هذا مع الأم بالاشتراك، والأم تُلاحِظ هذا، ويُعجِبها هذا جداً، يُهديهم أحسن ما يُمكِن أن يُهديه أب إلى أولاده، يُعامِل الصغار بطريقة، حتى إذا راهقوا البلوغ وبلغوا صار يُعامِلهم بطريقة مُختلِفة، عنده من الحكمة والحنكة والعلم ما يُمكِّنه من ذلك، المُراهِق يُعامَل بطريقة تختلف كثيراً عما يُعامَل به الصغير أو وفقه الصغير، والزوجة تُلاحِظ هذا، شيئ مُمتاز، شيئ طيب!

بعد ذلك تصير هناك تحديات وهناك اختبارات، هناك أشياء حرجة، دائماً ينجح فيها الرجل، والمرأة تُلاحِظ هذا، أي فلان البنت أتت وتتطلب كذا وكذا وكذا، أو الولد المُراهِق يطلب هذا الآن، وهو أو هي في الجامعة، في سنة أولى جامعة، فماذا نفعل؟ ويبدو أن هذا الطلب مُحرِج قليلاً ومما لا تسمح به التقاليد والأعراف المرعية في الظاهر، ماذا نفعل؟ هل نسد الطريق؟ هل نقمعها؟ هل نُنهي الموضوع بكلمة واحدة؟ فيأتي ويتصرَّف بطريقة حكيمة، بحيث تكون النتيجة هي المطلوبة للأب والأم، والأم تُلاحِظ هذا كله، فهذا موضع ثقة.

والآن واجب الزوجة أن تُعبِّر عن شعورها بالثقة، والذي هو مزيج من الأمان والفخر، لو أحبننا أن نُحوصِل ونُلخِّص ونُكثِّف فسنقول إن شعور المرأة بالثقة يا إخواني وتقديرها لثقة زوجها أو موثوقية زوجها هو شعور مُركَّب من أمرين: أمان وفخر، يُشعِرها بالأمان، وفي نفس الوقت بالفخر، ترفع رأسها به، ترفع رأسها! والمرأة تُحِب هذا على فكرة، تُحِب أن ترفع رأسها بزوجها، وتُحِب أن تشعر بالأمان أيضاً معه، أمان في النواحي العاطفية وفي النواحي المادية، فيما يخصه أو فيما يخص أولادها، أمان على جميع المُستويات، هذا موضع ثقتي، تمام!

المرأة عليها إذن أن تُعبِّر عن هذا، تُشعِره أنني أفخر بك وأنني أشعر معك بالأمان، أنا راضية تماماً، تقول هذا، وليس شرطاً أن تقوله هكذا بجُمل، يُمكِن أن تقوله بخمسين ألف طريقة مُختلِفة، تقوله بطرق مُختلِفة، لكن لابد أن تُعبِّر عن هذا، تُعبِّر له عن أنني راضية وقانعة وسعيدة جداً وفخورة، بطريقة تعاملك مع الأولاد، بطريقة سلوكك في المُجتمَع، وبمكانتك بين الناس، كيف تُعامِل الأصدقاء؟ كيف تُعامِل الأقرباء؟ كيف تُعامِل أهلي؟ وكيف تعامل أهلك؟ أي مسلكياتك بشكل عام، تصرفك – كما قلنا – في النواحي المادية وفي كذا، تدينك، استقامتك الأخلاقية، عفتك، شرفك، وحرصك على سُمعتك وسُمعتي وسُمعة الأولاد والأسرة وسُمعة العائلة الكبيرة أيضاً، تُعبِّر! هذا يُرضي الرجل جداً، هذا ما يطلبه الرجل، وليس كلمة أُحِبك أو أُحِبك قد الدنيا أو أُحِبك أكثر من نفسي، ليس هذا، الرجل يطلب ما قلته.

لكن انتبهوا الآن، نحن قلنا مُعادَلة ماذا؟ مُعادَلة الثقة والاهتمام أو الرعاية – الــ Care -، هي تُعطيه الشعور بالموثوقية، وهو لابد أن يُعطيها حيال ذلك أو مُقابِل ذلك أو بإزاء ذلك ماذا؟ ماذا يُعطيها؟ الشعور بالاهتمام، إذا ظن الرجل أن حاجتها من جنس حاجته أو هي حاجته بعينها – تُريد الثقة، أنني راضٍ عن أسلوبك في تربية الأولاد، وراضٍ عن سلوكك وما إلى ذلك – فسيكون مُخطئاً، لا! ليس هذا، ليس هذا ما تطلبه المرأة، جميل أن تشعر أنه راضٍ عن هذه الأشياء طبعاً، ولكن ليس هذا ما تطلبه، انتبهوا! هذا هو، وهنا يحدث الانكسار، هي تطلب شيئاً مُختلِفاً، هل تعرفون ماذا تطلب؟ على فكرة إذا أردنا أن نتكلَّم في عشرات الحلقات عن الحياة الزوجية وحاجات الزوجين فأنا أقول لكم عموماً مطالب الرجل وحاجات الرجل تدور حول ماذا؟ حول الاستقلالية، مطالب المرأة وحاجات المرأة العاطفية تدور عموماً حول ماذا؟ حول المشاعر، حول العواطف، وحول الوجدانيات، سُبحان الله! هي مخلوقة هكذا، المرأة فعلاً كائن جميل وكائن لطيف، كائن رومانسي يا إخواني، المرأة كائن رومانسي، سُبحان الله! أنا دائماً أقول أنا أحسد النساء على هذه الهبة الإلهية المُتاحة لهن، التي وُهِبت لهن، رومانسيات إلى حد بعيد جداً، الرجل ليس كذلك، الرجل عملي ومادي وحسي، سُبحان الله! الرجل حسي فعلاً.

ولذلك حتى الشهوات الجسدية الرجال مُولَعون بها أكثر بكثير من النساء، على عكس الشائع والسائد خطأً، هذا من أخطاء ثقافتنا، بلا شك لديهن نفس الشهوات، ولكن بقدر أقل، مُخفَّف، مُخفَّف كثيراً، لكن يُبالِغن في ماذا؟ يُبالِغن – سُبحان الله، هذا عالم المرأة – في الرومانسيات، في العواطف، وفي المشاعر.

إذن إياك أن تُبادِلها هذه بتلك، فتُعطيها بدل أو كفاء الثقة ثقة، أي تُعطيها ثقةً، وتظن أن الأمر انتهى وأنك عملت ما عليك، لا! هذا يُغضِبها ويُحزِنها ويُحبِطها، هي عبَّرت لك عن ثقتها فيك، وأنت عبِّر لها عن ماذا؟ عن اهتمامك بها، بشخصها، عن حُبك لها، وهي تُحِب الكلمات هذه، كلمات الحُب والعشق والتتيم والشرف، مثل أحلم بكِ وأشتاق إليكِ وكذا، تُحِب هذا.

أيضاً الاهتمام بعواطفها، وذلك حين تراها كئيبة أو حزينة أو تعبانة، وقد تُبالِغ في إظهار هذه المشاعر المرأة، تُحِب هذا، المرأة فنانة حتى في إظهار مشاعرها، وخطر لي أن المرأة – وقد يكون هذا صحيحاً بنسبة مائة في المائة – هي التي ابتدعت فكرة الثوب الأسود، تلبسه للحداد على الميت، أي المرأة لابد بطريقة أو بأُخرى أن تُعبِّر عن عواطفها بأساليب مُختلِفة، فإذا لم يُمكِن في هذه اللحظة أن نُعبِّر بالكلام وأن نُعبِّر للكون ولكل الناس – للذاهب والغادي والرائح والكبير والصغير – فلنلبس هذا الثوب، ليُعبِّر عن أنني حزينة مفجوعة، الرجل لا يلبس ثياب حداد، لكن المرأة تفعل هذا، فواضح أن فكرة ثوب الحداد اختراع أُنثوي، تُعبِّر فيه بطريقة صارخة دون أن تتكلَّم عن مشاعرها، أنها منكوبة، أنها مكروثة، وأنها محزونة، هذا عنصر أساسي في المرأة وحيوي، رقم واحد في المرأة، فعليك أن تُعبِّر عن هذا، عن اهتمامك بعواطفها، هي تهتم بالعواطف، وأنت اهتم أيضاً بالعواطف التي تهتم بها، افعل هذا لو اقترب – مثلاً – ذكرى الزواج أو عيد الزواج كما يُسمونه، لو اقترب عيد الزواج أو ذكرى زواجكما إياك أن تمر هذه الذكرى هكذا عفو الخاطر، ودعوا عنكم هذا الكلام المُتنطِّع، لعن الله قوماً كثرت أعيادهم، هذا ليس عيداً كعيد الجماعة، العيد يكون جماعياً، مثل عيد الفطر وعيد الأضحى، هذا عيد جماعي، الأمة كلها تحتفي به، لكن عيد ميلاد فلان وعيد ميلاد الابن والزوجة وعيد ميلادك وعيد الزواج ليس كذلك، هذا ليس عيداً، هذه مُناسَبة للاحتفال، هذا نوع من المُناسَبة للاحتفال، وعلى كل حال هذا شأن دنيوي، لا علاقة له بالدين، بالعكس! نحن نُشجِّع عليه وندعو إليه، هذا شيئ طيب جداً، يُطيِّب الحياة يا إخواني.

في ذكرى – مثلاً – زواجكما إياك أن تمر هذه الذكرى هكذا عفو الخاطر، المرأة تُفكِّر فيها قبل شهر أو شهرين أحياناً، وكلما اقتربت تُفكِّر فيها أكثر، تقول سوف أرى، هل يتذكَّرها أم نسيها؟ هل يهتم بها أم هو غير مُهتَم بها؟ وهي تعرفها تماماً، باللحظة يا إخواني! فعلاً فالرجل الذكي يأتي بمُفاجأة دون أن يتكلَّم ومن غير أن يُقدِّم بمُقدَّمات في يوم ذكرى الزواج أو في عيد زواجهما، يأتي بهدية، صغرت أم كبرت، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۩، بحسب ما يُوسِّع الله، وهنا على فكرة تُوجَد مسألة رمزية، مسألة Symbolic، رمزية فقط هي! المرأة لا يهمها قدر الهدية وحجم الهدية وقيمة الهدية المادية بمقدار رمزية الهدية، أنه يتذكر عيد زواجنا، وهذا يعني أنه فرح بي، هو يطير بي، وهو يحمد الله على تلك الساعة السعيدة التي اقترن فيها بي، وهكذا! وهذا يُفرِح المرأة جداً جداً، ويُشبِع فيها حاجة، فعليه أن يأتي بمُفاجأة، مُباشَرةً يأتي لزوجته، يحتضنها، يطبع عليها قُبلة، يُعطيها الهدية، ويُعبِّر بكلمات، من أجمل ما يكون هذا للمرأة، وهذا لا تنساه، ويُؤثِّر فيها كثيراً، المرأة تُريد هذا الاهتمام يا إخواني، تُعطيك الثقة وتُعبِّر عن ثقتها فيك، وأنت لابد أن تُعطيها ماذا؟ الاهتمام والرعاية، الذي يدور حول ماذا؟ ما هو مدار ومحور الاهتمام والرعاية؟ مشاعرها وعواطفها، الشيئ الذي تهتم به أنت اهتم به، والأمر نفسع مع الشيئ الذي يُحزِنها، أنت عليك أيضاً أن تُشارِكها في هذا الحزن، بتقبل هذه المشاعر والتوجع من أجلها، وكما قلنا في حلقة سابقة وإياك أن تبدأ تُفسِد القضية وتُفسِد الموضوع كله باستخدام المنطق الصوري، المنطق الحسابي! أي لماذا؟ وما الذي ينقصك؟ وكل شيئ موجود، وما الذي (عكنن) عليكِ؟ لا، لا تفعل هذا أبداً أبداً، تقبَّل مشاعرها، وأظهر أنك حزين لحزنها وأنك مُهتَم بما تهتم به.

المرأة قد تقول لك أنا مصدعة، أصابني صداع، رأسي يُوجِعني، الرجل الذي لا يعرف والذي لم يدرس والذي لا يفهم ماذا يعمل؟ مُباشَرةً يُسارِع إلى الثلاجة أو كذا لكي يأتي بقرص أسبرين Aspirin، تغضب المرأة، تقول لك هذا أهبل، هذا لا يفهم، تغضب جداً، لا يفهم! هي لا تُريد قرص أسبرين Aspirin، هي تنتظر أن تعود من العمل من خمس ساعات لكي تقول لك رأسي يُؤلِمني، أنا مصدعة، رأسي يُوجِعني، هل تقول لك هذا لكي تُعطيها قرص أسبرين Aspirin؟ هي كانت تستطيع أن تأتي به بنفسها! هي لا تُريد قرص أسبرين Aspirin، ولا تُريد حلاً لرأسها، وطبعاً هي لا تكذب، رأسها فعلاً يُوجِعها، أي هي مصدعة، لكنها هي تُريد ماذا؟ كلمات الحُب، الكلمات الدافئة، كلمات الحنان، وكلمات التوجع من أجلها، هذا الذي تُريده، بعد ذلك هي يُمكِن أن تقوم وحدها لكي تُحضِّر لكي الشاي وتأخذ قرص الأسبرين Aspirin، أسبرين Aspirin المرأة هو هذا، أسبرين Aspirin المرأة هو الذي ذكرته لك، التوجع والحُزن من أجلها والكلمات الدافئة، هذا الأسبرين Aspirin، ليس الأسبرين Aspirin الكيميائي.

كونوا معنا أحبتي بعد هذا الفاصل، بارك الله فيكم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم إخواني وأخواتي من جديد.

إذن نعود إلى مُعادَلة الثقة والاهتمام، الثقة حاجة الرجل إلى أن يشعر بأنه موضع ثقة عند زوجته، الاهتمام حاجتها هي، أن تشعر بأنه يهتم بها، يهتم بمشاعرها وعواطفها وأحاسيسها، هذه هي المُعادَلة! ما يزيد هنا مُباشَرةً يُباشِره زيادة هناك، ما ينقص هنا يُكائفه نُقصان هناك، مُعادَلة! مثل المُعادَلة الرياضية، لكن لنا أن نُلاحِظ – أحبتي، إخواني وأخواتي – أن المرأة قد تُعطي الرجل كل ما يطلبه من الشعور بالثقة، وتعترف بهذا، وهو في المُقابِل يُعطيها كل ما تطلبه، كما قلنا الثقة شيئ مُركَّب من أمان وفخر، يُعطيها كل عناصر الأمان وكل دواعي الفخر، لكنه – كما قلنا – يُقصِّر في الحتة هذه، حتة الاهتمام بمشاعرها وعواطفها والتعاطف مع أحاسيسها ووجداناتها، وهذا يُغضِبها جداً، حينئذ قد تنقلب، قد تنقلب إلى مُنكِرة لموثوقية الرجل، يُصبِح عندها غير ثقة، ليس هذا الرجل الذي يستحق ثقتي، وهذا يُغضِب الرجل جداً، يراه غير عادل، ويراه ظالماً متُجنياً، أي هذا السلوك، كيف؟ أنا الذي وفَّرت لكِ واحداً، اثنين، ثلاثة، وعشرة، كله! أنا وفَّرت هذه الأشياء، وأنا غير مُقصِّر لا في الصرف عليكِ ولا على الأولاد ولا على البيت، ثم إني مُستقيم، وأخرج من عملي إلى بيتي، ومن بيتي إلى عملي، وأحرم نفسي من أشياء كثيرة من أجلك ومن أجل أولادك، يرى أن هناك ظلماً، وبالفعل من منظور الرجل ومن زاوية نظره هذا ظلم، ففي الامتحانات العادية الإنسان الذي يحصل على تسعين في المائة يكون ناجحاً بتفوق، لكن الرجل الآن في نظر زوجته فاشل بتفوق، غريب! مع أنه حصل على تسعين في المائة، وهي تعترف بهذا.

المرأة على فكرة حين تُضطَر – حين تُوضَع في الزاوية عند العتاب وعند الحساب، وخاصة في وجود أو مع وجود أطراف أُخرى من ناحية أهله أو من ناحية أهلها أو حتى الأصدقاء – تعترف، ستعترف هي! ستعترف بطرف لسانها وتقول نعم، أنا أعترف، وأنا لا أُنكِر هذه الأشياء كلها، أنه يقوم بكذا وكذا وكذا وكذا، وهو ما شاء الله عليه كذا وكذا، لكن هو لا يُحِبني، هذه الحتة التي تختص بها هي بالذات يا إخواني، هذه في ميزان المرأة ترجح بكل ما ذُكِر، هذه العشرة في المائة ترجح بالتسعين في المائة، ولابد أن نفهم هذا، المرأة هكذا طريقتها في الحساب، عندها طريقة غريبة جداً في الحساب، عندها العشرة تُساوي تسعين، العشرة التي تختص بها هي! فتقول لك هو صحيح يفعل وهو غير مُقصِّر، ولكن هو لا يُحِبني، تمر أشهر طويلة دون أن يسألني مُجرَّد سؤال عن همومي، عن أحزاني، وعن مشاكلي، وطبعاً هو سيغضب، الرجل سينتفض الآن غاضباً، يقول بالعكس، هي لا تحكي الحقيقة، أنا أسأل، ودائماً ما أقول هذا، لكن كيف يسأل طبعاً الرجل؟ معروف سؤال الرجل، خاصة هذا الصنف من الرجال، الذي لا يفهم هذه الحاجات العاطفية للمرأة.

يدخل بين الحين والحين، يُبادِر بإلقاء سؤال روتيني، جامد، بارد، وغير مقصود، كيف الحال؟ كيف حالك؟ هل أنت جيدة – إن شاء الله -؟ هل الأمور (تمام التمام)؟ هل (الأمور عال العال)؟ وهو لا يُريد جواباً، هو يُريد أن يُؤكِّد لنفسه أن الأمور كلها (تمام التمام وعال العال)، ثم ينتهي الأمر، وأنا سألت وعملت ما علىّ، وهو غير جاد في السؤال، ولذلك يُغلِق الباب إذا حاولت هي أن تستغل وتنتهز فُرصة طرح هذا السؤال الروتيني الذي يُغضِبها، وهي تعرف أنه روتيني، خال من الروح، خال من الاهتمام، خال من الروح ومن الاهتمام، قد تنتهز الفُرصة لكي تبدأ تتحدَّث عن مشاعرها وعن متاعبها، لكنه يُغلِق الباب، يُحاوِل بأي طريقة أن يُغلِق الباب سريعاً، وهنا تتأجج نار الغضب بين جوانح الزوجة، فهي فعلاً صادقة، هي صادقة، وأقرب إلى الحقيقة، حين تُؤكِّد أنه لا يسأل عنها، وهو غير مُهتَم بها، وهو لا يدري بما يُوجِعها وبما يُؤلِمها وبما يُتعِبها، هي صادقة، وكلامها صحيح.

وكما قلنا العشرة في المائة هذه – انتبه يا أخي الرجل، انتبه أيها الزوج – يُمكِن أن ترجح بتسعين في المائة، قد يقول لي أحدهم الرسول قال هكذا، الرسول قال لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئاً قالت ما رأيت خيراً قط، والآن نأتي لنُفسِّر، الرسول كلامه دقيق وعلمي، هو كلامنا هذا تماماً، أو بالأحرى كلامنا هذا من كلامه، قال ثم رأت منه شيئاً، هل تعرفون ما هذا الشيئ؟ ليس شرطاً أن يكون تقصيراً مادياً، لا! هذا الشيئ لا تهتم به، المرأة إذا أُعطيت الاهتمام – كما قلنا – العاطفي بشخصيتها، بذاتها، وبنفسها، تُسامِح كثيراً في التقصير المادي وفي أشياء كثيرة، حتى في النواحي الجسمية، وأنتم تفهمون ما أعني، ولذلك هناك حالات كثيرة حول العالم – ليس بين العرب والمُسلِمين فقط، وإنما حول العالم، في كل الأجناس – تصبر فيها المرأة على تعويق زوجها، مُعوَّق وعاجز المسكين، وتصبر سنة أو سنتين أو عشر سنوات، وبعضهن يُؤثِرن أن يعشن بقية حياتهن مع هذا الزوج المُعوَّق العاجز، وتُحِبه حُباً جماً، وتبقى وفية له، حتى إذا مات وتولى قبلها تبقى وفية له.

ولذلك قلت لكم المرأة كائن عظيم يا إخواني، صدِّقوني! عكس ما هو شائع في ثقافتنا العربية، أن المرأة كذا وكذا وأنها شهوانية، غير صحيح! المرأة كائن عظيم ونبيل، أنا شخصياً مُعجَباً جداً بالمرأة وأُقدِّرها، أُقدِّر هذه الخلقة، هذه مخلوق عجيب جداً يا إخواني وكريم فعلاً، وقلت قبل سنوات في أكثر من مُناسَبة لكون هذا المخلوق فعلاً مخلوقاً كريماً ونبيلاً وعظيماً يا إخواني الله – تبارك وتعالى – اختصه بسر، الرجل لا علاقة له به، لم يُجرِّبه، ولن يُجرِّبه مرةً في الدهر، أن الله – عز وجل – آثرها بنفخة الروح بين أحشائها، تشعر بها هي، تشعر بجنينها، وبعد أربعة أشهر يُرسَل هذا الملك وينفخ في الجنين الروح، والمرأة تشعر بهذا حين يتحرَّك الجنين حركة خاصة بعد المائة وعشرين يوماً، هي تشعر بسر الحياة بين أحشائها ينمو يا إخواني، لأنها مُؤتَمنة على هذا السر، هذا الكائن العميق، أي المرأة! الكائن العميق، الكائن النبيل، كما قلت لكم الجميل الرومانسي، لا إله إلا الله! 

ولذلك النبي قال ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم، أي والله! بعض الناس يُهين المرأة، ليس بالضرب وبالسب، وإنما بالأفكار، بالنظريات السخيفة حول المرأة، أنها كذا وكذا، بالعكس! هي ليست كذا وكذا، نحن في بعض المرأة مَن نكون كذا وكذا، فالمرأة كائن نبيل – كما قلت لكم – وعميق، عميق! ولذلك هي تشعر بأشياء يظن الرجل أنها تغيب عنها، هي تشعر بها، لديها القدرة أن تشعر بها، في حين الرجل تغيب عنه هذه الأشياء، لعُمقها يا إخواني، ولقوة الحدس لديها.

قل أن يُمارِس الرجل خيانة لزوجته والمرأة لا تشعر بها، نعم ليس عندها دليل، وليس عندها بُرهان، لكن تشعر، تشعر أنه تغيَّر، وأن هناك شيئاً غير طبيعي في شخصيته، هي تشعر بهذا! ولذلك لا يشيع الحديث عن الزوجة المخدوعة، الحديث الشائع عن ماذا؟ عن الزوج المخدوع، هو لا يشعر، حين تُخطئ هي وتخونه هو لا يشعر بهذا، ليس عنده العُمق هذا وقوة الحدس الباطني، ليس عنده! ليس عنده قوة المشاعر كالمرأة، ولذلك هذه المرأة الأم، سُبحان الله، هذه المرأة الأم، التي جعلتها العناية الإلهية تكون أماً وتستقبل سر الحياة، ولذلك انتبهوا، العشرة في المائة هذه عشرة مُهِمة جداً جداً، لا تستهينوا بها، لا تستهينوا بها وحاولوا دائماً أن تلبوها للمرأة.

ماذا يحدث حين يفشل الرجل في فهم هذه الحقيقة وحين تفشل هي أيضاً بدورها في فهم الحقيقة المذكورة المُتعلِّقة بالثقة؟ حين يفشل الرجل في فهم هذه الحقيقة يتعامل مع عواطف زوجته واهتماماتها الشاعرية الوجدانية بالتجاهل، يتجاهلها أو يتجاوزها أو يُحاكِمها عقلانياً، أي لماذا ولماذا وليس من حقك أن تزعلي وأن تكوني مُحبَطة وما الذي ينقصك وما إلى ذلك، وهذا يُغضِب المرأة، هو يجهل كيف كان ينبغي أن يكون التعامل، المرأة أظهرت عواطف، أعربت عن مشاعر مُحدَّدة، والقاعدة تقول امرأة تُظهِر عواطف، العواطف حاضرة، ولابد مُباشَرةً من التفاعل معها بالتعاطف، تعاطف مع عواطف المرأة، افرح لفرحها، احزن لحُزنها، أظهر ذلك يا سيدي، قد تقول لي لست قادراً، أظهر أنك حزين، أظهر أنك مُتألِّم لألمها، أي مُعتنٍ بحالتها تماماً، وكما قلت لك لا تُبادِر إلى اقتراح الحلول، هي لا تُريد إزاء مشاعرها التي تُظهِرها وتُعرِب عنها حلولاً، لا تُريد حلولاً هي، هي تُريد أن تستمع فقط وأن تتعاطف، بسيطة! مسألة غير مُكلِّفة، وتُريح دماغك، وتُسعِد زوجتك، وتُسعِد الأسرة كلها، بسيطة جداً المُعادَلة، أظهر الاهتمام والتعاطف، وابتعد عن طرح الحلول، إياك أن تطرح حلولاً على المرأة حين تُظهِر مشاعرها، هي لا تُريد حلولاً، تُريد فقط مَن يستمع إليها ومَن يهتم بها ويتعاطف معها فقط!

حين تُخطئ هي في فهم الحقيقة – حقيقة احتياجات الرجل، حاجة الرجل إلى الثقة، أن يشعر أنه موضع الثقة من الزوجة – كيف ستتصرَّف؟ للأسف هذا خطأ النساء، وطبعاً كثيرات جداً منهن يُخطئن في هذا، لم يفهمن هذا، لم يدرسنه، لم تتم توعيتهن به، كيف تتصرَّف المرأة إذن يا إخواني؟ تتصرَّف على النحو الآتي، تبدأ تعمل على تغيير سلوك الرجل، لأن لا يُوجَد رجل كامل طبعاً، لا يُوجَد رجل كامل! لو وجدت الزوجة فعلاً رجلاً كاملاً وكان موضع ثقة من جميع الجوانب والحيثيات نعم  ستُبدي هذا وتُعرِب عنه – هذا إذا كانت ذكية وفاهمة وتعرف كيف تتصرَّف -، لكن هذا غير موجود، مَن فينا كامل؟ كل رجل مثل كل امرأة فيه نقائص، فيه نقائص! وهذه سُنة الله، قليل الكُمّل، كمَّلني الله وإياكم بالعقل والدين وحُسن الأخلاق والسلوك الطيب والتحبب أيضاً للزوجات ولعباد الله أجمعين.

فماذا تفعل المرأة؟ ترى نقصاً أو بعض نقص في جوانب من شخصيته، المفروض لو كانت فاهمة للقاعدة أن تسكت، لا تتكلَّم عن هذا النقص أبداً، لا تتكلَّم! كأنه غير موجود، وتبدأ فقط تُؤكِّد على جوانب ماذا؟ الثقة فيه، وتُعبِّر عن رضاها وعن شعورها بالأمن والفخار، وتسكت على النقائص، المرأة التي لا تفهم هذا ماذا تعمل؟ مُباشَرةً تذهب إلى الجهة المُعاكِسة، وتبدأ تنصح يا إخواني، تنصح وتنتقد بحنان، هل تعرفون تُمارِس ماذا؟ تُمارِس دور الأم، المرأة أم أصلاً، بطبيعتها مخلوقة لتكون أماً، ودور نبيل هذا، وربما يكون أنبل دور حقيقةً، أنبل دور! تُمارِس دور الأم، كما تُمارِسه مع ابنها الصغير أو مع ابنتها، تُمارِس الدور نفسه مع زوجها، تراه ناقصاً وتُحِب له أن يكون كاملاً، تراه معوجاً وتُحِب له أن يكون مُستقيماً، ترى فيه أشياء غالطة وغير صحيحة فتُحِب أن تُصحِّحها، ولذلك تُريد أن تُغيِّر سلوكه، خطؤه هو أنه يتجاهل عواطفها، خطؤها هي أنها تُريد تغيير سلوكه، وهذا غلط، غلط كبير، ولا يسمح به الرجل، وهنا تحدث الغضبة إذن، يغضب الرجل ولا يُسامِح في هذا الشيئ بالذات، لا يتساهل فيه، الرجل يُغضِبه جداً هذا من زوجته، وذلك حين تُمارِس عليه دور ماذا؟ دور مُقوِّم السلوك، تُريد أن تُقوِّم سلوكه، أي أن تربيه، وبالتالي تُفقِده ماذا؟ استقلاله، فلماذا إذن؟ هذا مثل حق أي صديق في تقويمي، وهذه زوجة وليست صديقاً، هي أهم من الصديق، ترى فيك أشياء غالطة وكذا، لكن لا يُريد هذا، طبيعة الرجل لا تسمح بهذا، لماذا إذن؟ سنستوعب النُقطة هذه بمزيد شرح وتفصيل.

طبيعة الرجل يا إخواني طبيعة – كما قلت – تُؤكِّد الاستقلالية، أنه مُستقِل، وهي طبيعة عملية، وليست طبيعة شاعرية أو رومانسية، الرجل عملي، الرجل عملي ويُؤمِن بالإنجاز المحسوس، الآن وهنا! الإنجاز المادي، أي هذه مثل طبيعة العسكري، ولذلك العساكر رجال دائماً، رجال الأمن رجال أبداً، العمالة المادية الجافة الصُلبة الصعبة التي فيها تحدٍ تكون من الرجال، الرياضات – من كمال الأجسام، إلى الملاكمة Boxing، إلى حمل الأثقال، إلى العدو السريع، إلى الكاراتيه Karate، إلى الجودو Judo، إلى الكونغ فو Kung Fu – فيها رجال، سباق السيارت الخطير – هذا فيه حوادث وكذا – فيه رجال، تسلق الجبال فيه رجال، مُعظَم هذه الأشياء يقوم بها الرجال، الرجل يُحِب هذا، يُحِب أن يُترجِم شخصيته في أعمال مادية محسوسة، يتجاوز بها ذاته، ويتغلَّب على التحدي، تحدي المُجتمَع وتحدي الظروف وتحدي الطبيعة وتحدي كل شيئ، هذا الرجل! يُؤمِن بهذا.

ومن طبيعة الرجل – أحبتي، إخواني وأخواتي – أنه يُؤمِن أن لديه القدرة واللياقة أن يفعل هذا وحده، وعلى فكرة العمل الجماعي صعب بين الرجال، الرجل عموماً يُحِب أن يعمل وحده، ليُنجِز وحده، ويُحتسَب له النجاح وحده، هو هذا! طبيعته تنساق أو تسوقه وراء هذا الشيئ، ولذلك الرجل يرى أن طلب المُساعَدة علامة على العجز، ولا يُحِب الرجل أن يبدو عاجزاً، أرأيتم؟ 

قد يقول لي أحدكم لكن لا يُوجَد إنسان كامل، ولا يُوجَد إنسان لا يعجز ويفشل إزاء أشياء، ولا أي واحد! وهذا صحيح، هذا صحيح، لكن انتبهوا، الرجل لا يُريد مَن يأتي يتطوَّع – لا من النساء ولا من الرجال، وخاصة من النساء طبعاً، خاصة النساء! هذا مُهِم لكي تعرفوا التربية والثقافة، وخاصة من النساء، وخاصة الزوجة طبعاً، على وجه أخص الزوجة – ليُبدي له ماذا؟ أنه عاجز، أنا أفهم أنك عاجز ولا تقدر، فدعني أُساعِدك، أي في أبسط الأشياء، والرجل يفتح النت Net لا يُحِب مَن يُساعِده، أنا لاحظتها في نفسي، حين أفتح حتى الكمبيوتر Computer وتُريد زوجتي أن تُساعِدني أُشير لها بيدي حتى تتوقَّف عن هذا، أي أنا سأُكمِل، أنا سأُكمِل الشغل، فالرجل عنده هذا الشيئ، وأحياناً يكون لا شعورياً، لا يُريد من أحد أن يتدخَّل ليُفهِمه كيف يدخل على الصفحة الفلانية – مثلاً -، لا يُحِب هذا، لو حدثت مُشكِلة يُحِب أن يُعالِجها بنفسه، لو كان راكباً في السيارة وتاه في الطريق لا يُحِب من زوجته أن تقول له اذهب ناحية الشمال أو اذهب ناحية اليمين، يغضب جداً، لا يُحِب! فالأفضل أن تسكت، أحسن شيئ أن تسكت حتى يستدل هو على الطريق وحده، ويُمكِن أن تنغص عليه لو أنها دلته، كأن تقول له أنت غلطت، فاعمل كذا وكذا، يغضب جداً الرجل، طبيعته هكذا، سُبحان الله! وهذه أشياء لابد أن نُسلِّم بها، ويُمكِن طبعاً أن يُناقِشنا فيلسوف أو عالم نفس، فيقول لنا لا، هذه ليست طبيعة، هذه ثقافة، لكن هذا موضوع ثانٍ، على كل حال ريثما تتغيَّر هذه الثقافة أو تتعدَّل هذه الطبيعة لابد أن نتعامل مع أنفسنا وأن يتم التعامل معنا من أزواجنا والجنس الآخر اللطيف وفق هذا المنطق، لابد من هذا إلى أن يتغيَّر الوضع، سواء كان طبيعة أو كان ثقافة، لكن هذا موجود الآن في العالم كله، لا تقل لي غير هذا، هذا في الشرق والغرب، الرجل رجل، هو هذا، سمه طبيعة أو سمه ثقافة، هذه مُشكِلة أُخرى، لن نخوض فيها الآن.

فالرجل حين يشعر بالعجز يا إخواني – كما قلت لكم – هو الذي يطلب المُساعَدة، اتركوا له هذه الفُرصة، أن يطلب المُساعَدة، وهو لن يطلبها من أيٍ كان، سيطلب المُساعَدة من الشخص الذي يعتقد أن لديه القدرة والكفاءة ليُساعِده، وسيطلب هذا بانكسار، عزيز عليه أن يطلب هذا، هذا الرجل! وطبعاً هذا الرجل يبدو أنه رجل مُتطرِّف في الرجولة، كما قلنا في أقصى اليمين، أي الرجل المعياري، الــ Standard، هو هكذا! وهناك رجال ليسوا هكذا، وكما قلنا هؤلاء في أقصى اليسار، أي الواحد منهم قريب جداً من طباع الإناث أو النساء، يُحِب هذا بُحكم التربية أيضاً ربما والثقافة والعائلة وسيطرة الأم في البيت على الأب، فيكون هكذا الولد، والذي غداً سيصير رجلاً، فهذا مُمكِن دائماً، عادي! ويُمكِن أن يُحِب أشياء كثيرة مما تُحِب النساء، وهذه مُشكِلة ثانية، لكن نتحدَّث عن الرجل الــ Standard، أي الرجل المعياري، هو هكذا، هو الذي يطلب، فما دام لم يطلب لا تتدخلي أنتِ.

لذلك – أحبتي في الله – أنا مُتأكِّد من الآتي، النساء لاحظن هذا، لكن لم يفهمنه أو مُعظَمهن لم يفهمنه، لكن الرجال يجدون هذا من أنفسهن، يعيشونه! الرجل حين يغرق في مُشكِلة ماذا يفعل؟ ماذا يفعل الرجل حين يغرق في مُشكِلة أو حين يتعرَّض لمُشكِلة؟ في هذه الحالة يا إخواني يدخل مُباشَرةً في غُرفة، يغلق على نفسه، ويبدأ يُفكِّر، بصمت! هذه طريقة الرجل، لا يُحِب من زوجته أن تدخل وتقتحم عليه خُلوته لكي تقول له ما الأمر يا فلان أو يا أبا فلان؟ دعني أُساعِدك، دعني أفعل كذا، لا يُحِب هذا، هذا يُزعِجه، فالرجل حين يتمشكل – يدخل أو يغرق في مُشكِلة – لا يُحِب أن يتكلَّم، إذن يُفكِّر، يُفكِّر في ماذا؟ يُفكِّر في حلول، وحلول عملية، يُريد حلولاً عمليةً، لا يُريد تعاطفاً، أن تتعاطف معه وأن تكون مهومة من أجله وحزينة، لا يُحِب هذا، لا يُريده هو، عكسها تماماً! يُريد حلاً عملياً، وهو يُفكِّر فيه، ما دام لم يطلبه لا تتبرعي بأن تُقدِّمي نصائح، ابعدي عنه، اتركيه، ولا تتدخلي.

هو عكس المرأة تماماً، المرأة حين تشعر بمُشكِلة ماذا تفعل؟ تفزع إلى الحديث، إلى الكلام! تبدأ تتكلَّم مع كل مَن هب ودب، مع أمها أو مع عمتها أو مع خالتها أو مع صديقاتها أو مع زوجها أو مع أولادها – أبنائها وبناتها -، تبدأ تتكلَّم، لابد أن يعلم العالم كله أن لديها مُشكِلة، وطبعاً انتبهوا، وهي أيضاً لا تطلب الحل، تطلب التعاطف الآن، تطلب التعاطف وأن يبكوا من أجلها وأن يذرفوا الدموع وأن يهتموا وأن يسهروا وأن يحكي بعضهم لبعض، هي تُريد هذا! أيضاً هو إذا لم يفهم هذا ورآها في مُشكِلة وبادر مُباشَرةً إلى اقتراح الحل فسيكون أساء وأخطأ، لا! لا تُريد حلاً، هي تُريد عاطفاً، وهذه المُشكِلة، طبيعة مُختلِفة، سُبحان الله! هو على نحو، وهي على نحو آخر.

ولذلك ننصح الرجال – ننصح أنفسنا وإخواننا الأزواج والرجال – بالآتي، قد ترى مرة – وهذا يُزِعجني أحياناً – المرأة وهي واضعة المحمول على أُذنها، وربما تهدهد طفلها، أو تُحضِّر الطعام للغداء أو العشاء، أو تُرتِّب المواعين أو الملابس، وتتكلَّم! تتكلَّم كثيراً، تتكلَّم لرُبع ساعة أو نصف ساعة أو ساعة إلا رُبع أو ساعة، وأحياناً بعض النساء تظل تتكلَّم لساعتين ولثلاث ساعات، والرجل يُلاحِظ مُلاحَظة غريبة، أن كلامها أحياناً لا يكون كثيراً، أي هي تصغي، تسمتع وتستمع وتستمع ثم تُقاطِع بجُملتين أو بثلاث جُمل، ثم تعود تستمع وتسكت، هو يظن أنها أنهت المُكالَمة، ثم يكتشف بعد عشرين دقيقة أنها لا تزال على الخط، ماذا تفعل هذه؟ إياك أن تسأل، لا تسأل، لا تعترض، لا تقل لها كذا أبداً، دعها! المرأة مُتعاطِف كبير، وأنا سأقول لك السر.

في هذه الحالة إذا رأيت المشهد هذا الذي يمتد إلى ثُلث ساعة أو رُبع ساعة أو عشر دقائق، وفيه تُلقي المرأة أو الزوجة بكلمة أو بكلمتين، فاعلم أنها في حالة تعاطف، هي الآن (مُنقرِطة)، في حالة تعاطف، والطرف الثاني من الهاتف – أي من (السكة) كما يُقال – يكون صديقتها أو زميلتها أو أختها ربما، لا نُدري! المُهِم أنها امرأة أُخرى أو فتاة أُخرى، امرأة أُخرى تُحدِّثها عن مُشكِلة لها، مُشكِلة حدثت معها، مُشكِلة عاطفية أو مُشكِلة في الحياة الزوجية، أي مُشكِلة! والمرأة – سُبحان الله كما قلت – تحتاج أن تفضفض، وهذه امرأة تسمع هذه الفضفضة، مُستمِع كبير، ومُستمِع جيد، المرأة تستمع للمرأة تماماً.

ألم تُلاحِظوا أن مجالس النساء يا إخواني كلما أُتيحت لهن الفُرصة تكون مجالس طويلة؟! يُمكِن أن تستمر إلى سبع ساعات أو ثماني ساعات أو عشر ساعات، إذا كانت هناك فُرصة لهذا، لا تُوجَد مُشكِلة، وعموماً تكون هذه المجالس سعيدة، فيها نشوة وسعادة وضحك وما إلى ذلك، اتفاق غير طبيعي! لأن النساء مُتكلِّمات جيدات، وحكّاءات مُمتازات، ومُستمِعات أيضاً لبعضهن البعض، والحديث عموماً – كما قلت لكم – يكون فضفضة وحديث مشاعر واهتمامات وجدانية، امرأة مع امرأة، من أجمل ما يكون! لكن الرجال ليسوا كذلك، الرجال يُحِبون أن يجلسوا ليتدارسوا أي أمر على نحو عملي براجماتي، كيف نحل؟ كيف نعقد الصفقة؟ كيف نطلع هذا؟ كيف ندخل هذا؟ كيف نكسب القضية؟ وكيف كذا وكذا؟ أحاديث عملية، لا تُوجَد أحاديث مشاعر وأحاديث وجدانية طويلة مُسهَبة، لا يُوجَد الكلام هذا، هذا عالم آخر، سُبحان الله! هذا عالم وهذا عالم، فطبيعي أن يحدث ما ذكرت إذا اقترب العالمان، كيف إذا كان هذا الاقتراب اقتراباً امتزاجياً – من المفروض تقريباً أن يكون هكذا، ولا يتحقَّق دائماً هذا الامتزاج – واقتراباً اندماجياً؟ حياة روحين وقلبين وبدنين وتحت سقف واحد! هنا تحدث المشاكل، عالمان مُختلِفان – كما قلنا – إلى حد بعيد.

إذن الذكاء والعلم والمعرفة تُقرِّب هذه الهُوة، وربما تُجسِّر هذه الهُوة، المعرفة! ما نحن فيه هذا، هذا يُجسِّر فعلاً، وجرِّبوا هذا، جرِّبوا وطبِّقوا هذه النصائح، ترونها فعّالة إلى حد مُمتاز، إلى حد أحياناً – كما أصفه – ساحر، سحري! يفعل مفعول السحر يا إخواني.

فإذن هذه طبيعة المرأة وهذه طبيعة الرجل، هذه احتياجات المرأة وهذه احتياجات الرجل، حين يفشل هو في الالتقاط يُخطئ في التصرف، كيف يُخطئ؟ يتجاهل العواطف، يتجاوز العواطف يا إخواني، ويُبرِّر العواطف، وهذا يُزعِج المرأة، وحين تجهل هي أيضاً ماذا تفعل؟ تبدأ تضرب استقلالية الرجل، تضرب استقلالية الرجل مرة ومرة، وذلك بمُحاوَلة تقمص دور الأم، بل لعب دور الأم، هذا دورها، فهي لا تتقمص، لذا تلعب الدور وتُؤديه، تُؤدي دور الأم، تُحاوِل أن تُكمِّله، أن تُعلِّمه حُسن التصرف، أن تُعلِّمه كيف يكون ولداً مُطيعاً ورجلاً مُمتازاً كاملاً، وهو لا يُحِب هذا بالمرة، يُزعِجه! ولذلك نصيحتنا للأخوات وللزوجات لا تفعلن هذا، لا تفعلن هذا!

قد تقول إحداهن هل أتركه إذن بلا نصيحة وأنا أرى أنه يمشي بطريقة غالطة – هو يمشي في السكة الغلط -؟ لا، طبعاً لابد أن تفعلي، لكن في الوقت المُناسِب، فمتى الوقت المُناسِب إذن؟ أنا أُعطيكِ الإشارة، الوقت المُناسِب بعد أن تستفرغي ما عليكِ، بعد أن تستفرغي جُهدكِ، وبعد أن تقومي بكل ما عليكِ في إعطائه الشعور بأنكِ تثقين به، تفتخرين به، تأمنين معه، وقد عبَّرتِ عن هذا بشكل وبآخر، بشكل جميل، وسُر بهذا وفرح وأظهر لكِ هذا، ثم في يوم من الأيام وفي ساعة من الساعات أصبح يُواجِه مشاكل هو، يُواجِه تنغيصات، والآن يُعطيكِ إشارة أنه يُريد منكِ أن تُساهمي معه في الحل، فانتهزيها، ادخلي بسلاسة، بنعومة، وبذكاء أيضاً، ثم حاولي أن تطرحي تفسيراً لأسباب ما هو فيه، لماذا هو وصل إلى هذه المواصل؟ لأن تصرفه في الناحية المُتعلِّقة بصحته – هناك السيجارة مثلاً، الأكل الكثير، العشاء المُتأخِّر، الكذا، والكذا – ليس مُناسِباً، وقولي له أنت تعلم أنه ليس مُناسِباً، وأنا أعرف أنك فاهم وكذا، افعلي هذا بطريقة ذكية، كذلك تصرفك المالي أيضاً، كلما جمَّعت شيئاً ودخلت به في صفقة أو دخلت في عقد مع أُناس دائماً تُكرَث بأنهم خونة وبأنهم كذبة، يستغلون طيبتك، وهذا لا يصح.

إِذَا كَانَ الْغَدْرُ فِي النَّاسِ طَبْعًا                                     فَالثِّقَةُ بِكُلِّ أَحَدٍ عَجْزٌ.

وانصحيه بهدوء وبقدر محدود حين يُعطيكِ الإشارة، ونفس الشيئ مع الرجل حين يفشل وحين ينجح، لابد أن ينجح في البداية، يهتم بمشاعرها وبعواطفها، يُعطيها الاهتمام والرعاية الكاملين التامين، بعد ذلك هي تكون راضية مُطمئنة سعيدة، ومن ثم ستُعطيه إشارة، أي أنا أُريد حلاً أيضاً، الآن انتهى الأمر، انتهينا من التعاطف، والآن نُريد الحل، ادخل على الخط، فيُمكِن أن تقترح بعض الحلول بشكل لائق ولطيف دائماً، وممزوج أيضاً بالتأكيد على الاعتناء وعلى الرعاية وعلى الحُب، باستمرار! أولاً وأخيراً.

أتمنى لكم حياةً زوجيةً سعيدةً وهانئةً من كل قلبي والله، لماذا؟ لأن اعتقادي يا إخواني أن زوجين سعيدين يُساوي أولاداً طبيعيين سعداء مُمتازين، سيكونون ذُخراً ومدداً للمُجتمَع كله، لمُستقبَل الوطن ومُستقبَل البلاد.

إلى أن ألقاكم في حلقة جديدة أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: