إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.

عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ۩ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۩ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ۩ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ۩ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ۩ ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ ۩ كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ۩ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ۩ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا ۩ ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا ۩ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ۩ وَعِنَبًا وَقَضْبًا ۩ وَزَيْتُونًا وَنَخْلا ۩ وَحَدَائِقَ غُلْبًا ۩ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ۩ مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ۩ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ۩ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ۩ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ۩ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ۩ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ۩ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ۩ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ۩ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ۩ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ۩ أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:

قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ۩، يا لها من جُملة أتت من ربٍ رحيم وسع كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا ۩ في حق إنسانٍ ضعيف لا يملك لنفسه حولاً ولا طولا في كثيرٍ ولا قليل لو عقل، قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ۩، ما أعظم جحده وما أبين كفره بالله العظيم الرحيم الكريم الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ۩ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ۩، قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ۩ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۩ مِن نُّطْفَةٍ – من نطفة أيها الإنسان الذي صرت تظن أن عقلك يسع الوجود وما بعد الوجود نفياً وإثباتاً فتُثبِت ما شئت وتنفي ما هويت وما أحببت ورغبت، أيها الإنسان الذي ظننت نفسك أنك أقوى قوة في هذا الوجود أنت سيد هذا الوجود فأنكرت سيده الحق ومُبدِعه بصدق لا إله إلا هو فتهورت في مهواه وأضعت نفسك ومَن لف لفك وأخذ أخذك – خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ۩، قال الله وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ۩، فالقرآن العظيم يدعونا دعوةً مفتوحة ودائمة – إنها ذات صفة دائمية كما يقول المناطقة دائماً، ما دام الإنسان فالدعوة مفتوحة – أن ينظر إلى نفسه ليعرف حقيقة نفسه وموضعه في هذا الوجود موضعه من مُبدِع الوجود لا إله إلا هو، قال مِن نُّطْفَةٍ ۩، وهذه النطفة فيما يبدو ويظهر أنها النطفة الأمشاج، لأن الإنسان ليس يُخلَق من نطفة الأبِ فقط أو من نطفة الأم وحدها، إنما من نطفة هى مزيجٌ وخِلطٌ، أي نطفة أمشاج من الاثنتين ومن النطفتين، ولكن هذه النطفة ما مقدارها؟ وما خطرها؟ وكيف يتم تخليق الإنسان منها؟ هذه أُعجوبة من العجائب، وخُطبة اليوم ستكونُ دوراناً ومُحاوَلةً لتفسير هذا الكلام العلوي الجليل ومُقارَبة معنى كلام رب العالمين هنا، قال الله – لا إله إلا الله – مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ۩، لكن كيف؟ للأسف أسهم الإلحاد في صعود حول العالم، ومن أسفٍ وأسفٍ عظيم في صعود في عالم العرب والمسلمين، فوأسفاه، أسهم الإلحاد تصعد تتوسَّل العلم الذي صيَّروه ديناً وأيدولوجية وصنماً يتعبَّدون في محرابه، وليست هذه طبيعة العلم ولا رسالة العلم ولا منهج العلم، ولكنهم أبوا إلا أن يجعلوه ديناً يستعيضون به عن أديان السماء وأديان الأرض جميعاً ربما السابقة عليه فضلوا وما اهتدوا، كيف هذا؟ يتوسَّلون العلم، وفي هذا الباب بالذات يتوسَّلون النظريات التطورية الحديثة!

في القرن التاسع عشر رأى العالم الإنجليزي الكبير تشارلز داروين Charles Darwin نفسه غير مُضطَّرٍ أن يخوض في مسألة أصل الحياة، لأن أصل الحياة لا يُشكِّل لغزاً عظيماً جداً، تطور الحياة وبُنى الحياة ووظائف الحياة هو الذي يُشكِّل اللغز الذي قضى عمره بطوله يُحاوِلُ أن يفكه أما أصل الحياة فشيئٌ بسيط، لماذا؟ لم يكن علم الخلية قد تطوَّر بعد، النصير الأعظم بعد توماس هكسلي Thomas Huxley لداروين Darwin في ألمانيا – هكسلي Huxley كان في بريطانيا – هو العالم الشهير إرنست هيكل Ernst Haeckel، هيكل Haeckel قال ما هى الخلية أصل الحياة؟ عبارة عن خارطة أوعن كيس أو عن بالونة صغيرة منفوخة فيها مادة هُلامية، فقط بكل هذه البساطة، وهذه التي خُلِقَ منها الإنسان والحيوان وحتى البكتيريا فهى كائن خلوي وإن كانت بدائية النواة، والنباتات طبعاً كائنات خلوية أيضاً ولها نواة ونواة حقيقية، لأن الكائنات عموماً – هذه قاعدة في علم الأحياء – التي يُمكِن أن تُرى بالعين تكون حقيقية النواة، وهناك ما يكون حقيقي النواة ولا يُرى بالعين كبعض الفطريات ولكنها حقيقية النواة، أما ما يُرى بالعين لابد أن يكون حقيقي النواة ومن الكائنات الحية، وعلى كل حال قال هذه عبارة عن بالونة منفوخة بمادة هُلامية فيها جيلاتين Gelatin، ولذلك داروين Darwin رأى أن المسألة أسهل من أن يقطع فيها شوطاً فلتكن هكذا، وللأسف الشديد العلم تطوَّر وذهب أشواطاً فسيحة وبعيدة جداً وأثبت لنا وبرهن لنا يقيناً أن عالم الخلية – هكذا سأسميه عالم الخلية – وكون الخلية عالم شديد التركيب والتعقيد وشديد المهارة والحذق وشديد الذكاء وشديد الفاعلية وشديد الإدهاش، فهو مُدهِش إلى درجة لا تخطر على قلب بشر، لم يقف على المعلومات التي زوَّدنا وموَّلنا بها علم الخلية Cytology ومع ذلك ظل الملاحدة وإلى اليوم يتعاطون مع المسألة على أنها مسألة يسيرة ويعتصمون بإلههم الزائف الكاذب المُسمَّى بالعشوائية أو الصدفة ويقولون عن كل شيئ حصل بالصدفة By accident، وهذا أمر عجيب، فهم يتركون عقيدة الإله الحي العليم المُريد الشائي القدير الحكيم ويعتصمون بعقيدة العشوائية والصدفة ويظنون أنهم علميون، فهل العلم معهم؟ هل حساب الاحتمالات معهم؟ هل الرياضيات معهم؟ لا شيئ معهم، لا شيئ يمت إلى العلم الحقيقي معهم، إن هى إلا أكاذيب وأوهام يختلقونها ويعطونها أسماء، وانتبهوا إلى هذه الحيلة الخطيرة وهى حيلة سمه، وقد نقلنا غير مرة عن نيتشه Nietzsche أنه قال التسمية سُلطة، وطبعاً هذه سُلطة العلماء والمجامع العلمية والدوائر العلمية والمجلات المُحكَّمة واللجان العلمية المُحترَمة، ولذ إذا أعطت شيئاً إسماً عليك أن تخضع، وهذه حيلة وأكذوبة وأيضاً يُمارِسها العلماء الكبار إسمها أعطه إسماً أو سمه Give it a Name، ونحن نُصدِّق بعد ذلك، فهو يقول لك مسألة أصل الحياة ليست بذلك التعقيد، في حين أنها هى التعقيد نفسه، هى التحدي الأكبر للعلوم الحيوية، وهى أحد أكبر التحديات على الإطلاق أمام كل العقول الإلحادية، ونحن نقول هذا واثقين مما نقول، لا نقوله خطابياً أو وعظياً وإنما علمياً وفلسفياً، فأحد أكبر التحديات على الإطلاق في نظري بعد تحدي سر نشأة الكون كيفية هذه النشأة بالضبط والإحكام الذي حدَّثناكم عنه غير مرة، فهذا هو التحدي الأول، لذلك يقول أحد الفلاسفة وهو فيلسوف علم مشهور جداً إسمه ريتشارد سوينبرن Richard Swinburne قبل أن يتحدَّث هؤلاء في الحياة وأصل الحياة وكيف تطوَّرت الحياة سواء التطور الصغروي أو الكبروي – داخل النوع الواحد أو من نوع إلى نوع، أي والميكرو Micro والماكرو Macro – لابد أن يُجيبوا عن سؤال كيف نشأ الكون؟ والكون لم ينشأ بالصدفة وعشوائياً وإنما وفق خطة مُحكَمة بطريقة أيضاً لا تخطر على خيال بشر ولو كان هذا البشر صوفياً من الصوفية العظام، فهذا شيئ لا يكاد يُتوقَّع، والرياضيات تقول هذا والنماذج الرياضية تقول هذا، فكيف نشأ الكون؟ وهنا لا مجال للحديث عن انتخاب طبيعي لأن لم تكن هناك ملايين أو بلايين الأكوان لتنتخب الصدفة بالانتخاب …ماذا نقول؟ هل نقول الانتخاب الطبيعي؟ هذا الانتخاب يعمل على المُستوى الحيوي في ساحة الأحياء لا في ساحة الفرادات Singularity، بذرة الكون الأولى كانوا يُسمونها البيضة، لكن بيضة ماذا؟ هذه أقل من البيضة بلايين بلايين بلايين المرات أصلاً، هى أقل من أي دقيقة ذرية بلايين المرات، فهى العدم تقريبا، ومن هنا يقول ريتشارد سوينبرن Richard Swinburne أجيبونا، فهو من أكبر فلاسفة العلم في النصف الأخير من القرن العشرين ويقول أجيبوا عن سر الكون أولاً ثم تحدَّثوا بعد ذلك عن تطور الأنواع بالانتخاب الطبيعي والعشوائية والطفرات، فانتبهوا إلى هذا جيداً، لابد أن تكونوا مُرتبَّين حتى لا تقعوا في إرادة الإلحاد كأن تُريدوا أن تكونوا ملاحدة وينتهي كل شيئ، وإلا سوف تنتهون، وعلى كل حال مسألة أن يُريد المرء أن يكون مُلحِداً مسألة تستلفت النظر ربما – ربما على الأقل من جهة شخصية ذاتية – إلى أن يُعيد النظر في موقفه وحساباته، لأنه قد يكون ألحد على أسس نفسية أو على أسس اجتماعية وليس على أسس عقلية وعلمية وفلسفية، فلا يُمكِن أن تعبث بمصيرك الأبدي لأجل أن تنتقم من المُجتمَع أو من المشائخ أو من رجال الدين أو من الذين عذَّبوك بإسم الدين وباسم الإله، انتبه لأن لا يُمكِن أن تلعب هذه اللعبة السخيفة والحمقاء، يجب أن تُفتِّش في نفسك جيداً لأن العقل لا يُساعِدك والعلم ليس معك والمنطق لا يمكِن أن يُظاهِرك في موقفك، فعليك أن تأخذ الأمر بجد حقيقي لأن هذه المسألة ليست لعباً.

إذن نعود إلى ما كنا فيه، داروين Darwin وشركاؤه – مثل هكسلي Huxley ومثل إرنست هيكل Ernst Haeckel – رأوا أن المسألة بسيطة، لكن المسألة ليست بسيطة بالمرة، فهى أكثر تعقيداً مما يظن أي بشر، وسنتحدَّث عن الخلية حديثاً يُناسِب طبعاً جمهور خُطبة جمعة، أي ليس حديثاً مُتخصِّصاً، وسنُبسِّط قدر ما نستطيع – بإذن الله تبارك وتعالى – لنرى هذه الوحدة البنائية للكائنات الحية، أي الخلية Cell،فكيف تتكوَّن هذه؟ تتكوَّن من ثلاثة مُكوِّنات أو عناصر رئيسة: غشاء الخلية الخارجي الذي يحميها من أن تندلع مع المُكوِّنات الأخرى وأيضاً من أن تُخترَق بشكل سلس، فلا تُخترَق بشكل سلس، وهذا الغشاء مُركَّب بطريقة مُعيَّنة وله بوَّابات دقيقة تسمح بدخول وخروج أشياء ولا تسمح بدخول وخروج أشياء أخرى وكأن له عقلاً، وطبعاً يتوجَّه من القيادة أو من مركز القيادة، وكل شيئ في الخلية هو تحت كنترول Control وضبط ورقابة وتوجيه مركز القيادة، أي النواة – نواة الخلية – طبعاً، فإذن هذا هو الغشاء، وبعد ذلك عندنا هيولى الخلية، وهيولى الخلية إسمه السيتوبلازم Cytoplasm، أي هذه المادة الجيلاتنية الهُلامانية أو التي مثل الهُلام، وهذا تسبح فيه عُضَيّات ومصانع ومُركَّبات كثيرة، فهو ليس مُجرَّد كيس أو بالون فيه هُلام، هذا غير صحيح، لكن هيكل Haeckel لم يلتفت إلى موضوع الغشاء، وهذا الغشاء بحد ذاته علم كامل وقصة كبيرة، فلا يُمكِن أن تحيا بغير هذا الغشاء، وأنتم تعرفون كيف ينبض القلب وينبسط وينقبض وينبسط باستمرار، وهذه المسألة ليست سهلة وليست عادية وليست تُفسَّر فقط بأنها تتلقَّى أوامر من القيادة العليا، هذا غير صحيح، فهناك آليات أيضاً، نعم هى تتلقَّى أوامر لكن كيف تكون الآليات؟ أليس كذلك؟ هناك برنامج مُعيَّن يفتح الباب – مثلاً – إذا اقترب منه شخص ثم يُغلِق الباب، ولكن إذا الآلية فسدت فإن هذا البرنامج لن يكون له فاعلية، ونفس الطريقة تحدث هنا، فما هذة الآلية حتى لا نقف عند المرحلة الأولى من مراحل التفسير؟ ما هى هذه الآلية؟ للتبسيط الذي أرجو ألا يكون مُخِلّاً سأقول أن لدينا خلية، وهذه الخلية لها غشاؤها ولها هُلامها – سيتوبلازم Cytoplasm الخلية – طبعاً، والآن لدينا أيونات Ions، أيونات Ions من الصوديوم Sodium ومن البوتاسيوم Potassium وأيونات Ions أخرى، ولكن أهم شيئ الصوديوم Sodium والبوتاسيوم Potassium كما تعرفون، والصوديوم Sodium يتموضَع بتركيز خارج الخلية أكثر منه مما هو في داخل الخلية بخمسةٍ وأربعين ضعفاً، فهو في الخارج أكثر وفي الداخل أقل، وعكسه البوتاسيوم Potassium، فهو يتموضَع داخل الخلية أكثر من تموضعه خارجها بخمسةٍ وثلاثين ضعفاً، وهذا يُحدِث فرقاً – فرقاً كهربياً كما يُقال – عند غشاء الخلية بالنسبة إلى داخلها، لكن ماذا يحدث لكي تأخذ وضعية توازن لكسرٍ من ثانية؟ تفتح البوَّابات للصوديوم Sodium، فيدخل الصوديوم Sodium بسرعة الآن، ويدخل معه قليل من الكالسيوم Calcium وأشياء أخرى، ويدخل البوتاسيوم Potassium حتى نصل إلى مرحلة التعادل – الصفر – في الفارق أو الإيجابية، أي أن نصل حتى إلى الإيجابية، وهنا تنفتح البوَّابات ليتسرَّب شيئ من البوتاسيوم Potassium، وطبعاً في هذه اللحظة حين يدخل الصوديوم Sodium تحدث الشرارة، مثل الشرارة الكهربائية ولكن هى ليست كذلك، وحين تحدث شرارة الشُحنة يحدث انقباض لعضلة القلب، وحين تُفتَح البوَّابات ويتسرَّب البوتاسيوم Potassium بعد مرحلة التعادل أو الإيجابية ينبسط القلب، فهذا هو باختصار قد يكون مُخِلّاً، وهذه العملية تتكرَّر مرات كثيرة في كل لحظة وبها نعيش، وطبعاً نعيش نحن والقلب يدق دائماً، سواء نمنا أو أكلنا أو شربنا أو صلينا أو عصينا أو أطعنا فإن هذا القلب يدق – برحمة الله لا إله إلا هو – ولا يتوقَّف عن الانقباض والانبساط، فيكون في حالة انقباض وانبساط وانقباض وانبساط وانقباض وانبساط، ولكن لا نعرف آليات هذه العملية، فهذا تبسيط مُخِل لآليات هذه العملية، فمَن المسؤول الآن؟ ما هو الدور الأكبر؟ الخلية وبالذات غشاء الخلية وطبعاً مركز الخلية لأن هو الذي يقود هذه العملية، لكنك قد تقول لي كيف هذا؟ هل الخلية شيئ كبير؟ الجسم الإنساني يتكوَّن من مائة تريليون خلية، أي من مائة مليون مليون، والتريليون هو عشرة أس اثني عشر، أي مليون مليون أو ألف مليار – ألف بليون كما يقولون – خلية، فتُوجَد مائة مليون مليون خلية، ويُمكِن أن تضع أنت مائتي خلية أو أكثر ومائتا خلية مرصوصة إلى جانبها فتُشكِّل بالكاد نُقطة على حرف، ولك أن تتخيَّل هذا، فهذا شيئ غريب، لكن هذه هى الخلايا، فهل هذه الأشياء ذات الحجم الضيق الصغير جداً تقوم بهذه العمليات الحيوية والذكية ؟ نعم وأكثر من هذا بكثير، ونحن ندين في مظهرنا وفي بنائياتنا وفي وظائفنا إلى النمط الجيني، فشكل الإنسان ولون شعره ولون عيونه والحجم الخاص به والقامة وحجم العضل وإلى آخره كلها أشياء تتبع النمط الظاهري أو الفينو تايب Phenotype . كما يُقال في علم الوراثة، وأيضاً الوظائف التي لدينا مثل الإبصار والسمع والتحسس والتذوق والشم كلها تتبع أيضاً الفينو تايب Phenotype، فإذن الناحية البنائية والناحية الوظفية – Functional – تتبع الفينو تايب Phenotype، وهناك الجينو تايب Genotype، أي النمط الجيني، والنمط الجيني هو المسئول عن إعطائنا النمط الظاهري، والذي يتحكَّم في النمط الظاهري ويجعله ما هو وعلى ما هو عليه النمط الجيني أو الجينو تايب Genotype، لكن أين هذا النمط الجيني؟ وما المسؤول عنه؟ الخلية، أي نواة الخلية بالضبط وبالذات وبالتخصيص، وفي النواة بالذات ما يُعرَف بالكروموسومات Chromosomes، أي الصبغيات أو الأجسام الصبغية، فالكروموسومات Chromosomes من الكروم Chrome بمعنى الصبغة أما سوما Soma فتعني جسم باللاتيني، أي الأجسام الصبغية، لأنها تُصبَغ حتى تُصوَّر بمادة صبغية، فهى قابلة لهذا الصبغ، وعلى كل حال نحن نراها مُصوَّرة مصبوغة، فهذه هى الأجسام الصبغية، وهذه الأجسام الصبغية تحمل الناسلات والمُورِّثات والجينات Genes، لكن كيف تحملها؟ وما هى القصة؟ سنُفصِّل فيها بعد قليل نوع تفصيل – إن شاء الله – وسنجعلها بسيطة وسهلة ليُدرِكها كل أحد بحول الله تبارك وتعالى ومنه.

نعود إلى ما كنا فيه، إذن هذا بعض أعمال غشاء الخلية، فهذه بعض الأعمال البسيطة ولكنها مُهِمة جداً لغشاء الخلية، والخلية تُصنَّع فيها أشياء مُعيَّنة وتُنقَل إلى أماكن أخرى عبر الغشاء، وقد يسمح بنقلها أو لا يسمح، فهو الذي يتصرَّف، فهناك أشياء مُعيَّنة لا يسمح بنقلها ويُعاد تدويرها داخل السيتوبلازم Cytoplasm وتستخدم كمواد بنائية من جديد، فهذا مصنع مُذهِل ومُحيِّر – كما قلت لكم – جداً، والسيتوبلازم Cytoplasm هذا الذي يتكلَّم عنه باستخفاف إرنست هيكل Ernst Haeckel الدارويني التطوري عالم، فهذا الهُلام عالم وفيه شيئ إسمه المًتقدِّرة – الإخوة السوريون يُترجِمونها بالمُتقدِّرة نسبة إلى القدرة – أو الميتوكوندريا Mitochondria، لكن ما هى هذه الميتوكوندريا Mitochondria أو المُتقدِّرة؟ جسم كبير نسبياً بالنسبة لعُضَيّات الخلية الأخرى مثل الريبوزوم Ribosome والليسوسوم Lysosome، فهذا كبير قليلاً وشكله مثل السجق، وطوله واحد ونصف ميكرون Micron وعرضه نصف ميكرون Micron، أي واحد على الميكرون Micron – على عشرة مليون من المتر – ولك أن تتخيَّل هذا، فهذا واحد ونص ميكرون Micron، وهذا يعني أنه جسم كبير ضخم في الخلية، وعلى كل حال هذه هى المُتقدِّرة، لكن ماذا تفعل هذه المُتقدِّرة؟ تُنتِج لنا الطاقة، كيف تُنتَج الطاقة من الجسم؟ من الغذاء، لكن كيف؟ كيف يتحوَّل الغذاء إلى طاقة؟ هناك مُركَّبات مُعيَّنة وجزيئات كبيرة مُعيَّنة إسمها Adenosine triphosphate، أي الأدينوزين ثلاثي الفوسفات Phosphate، فهذه هى المُركَّبات، وهذا الأدينوزين Adenosine كما نفترض معاه ثلاث فئات فوسفاتية، وإذا انفصل واحد فإنه ينفصل وتخرج طاقة Calories، وإذا انفصل اثنين تخرج طاقة أكثر، وإذا انفصل الثالث يبقى الأدينوزين Adenosine وحده، فهذه هى العملية وهكذا تُحوَّل الطاقة في شكل هذا المُركَّب، فلابد من الأدينوزين Adenosine ثلاثي الفوسفات، وبعد ذلك حين نحذف الفوسفات – نحذف واحد أو اثنتين أو ثلاثة – تتحرَّر الطاقة، فهذا هو الموضوع ببساطة، لكن مَن الذي يفعل هذه العملية المُعقَّدة؟ المُتقدِّرة أو الميتوكوندريا Mitochondria، لكن كيف تفعلها؟ وما هى العملية؟ أنت حين تكون مرتاحاً هكذا فإنك لا تبذل أي حركة، مثلما يحدث في وضع النوم أو الاستلقاء، وفي وضع النوم أو الاستلقاء تحتاج إلى خمسة وأربعين كيلو جرام من هذه المادة التى تُسمى (ATP)، أي الـ Adenosine triphosphate، فهذا إسمه (ATP)، وعلى كل حال أنت تحتاج إلى خمسة وأربعين كيلو جرام، والآن – مثلاً – لا يُوجَد إلا واحد جرام منها، فإذن كيف نعيش؟ كيف نتحرَّك ونُحرِّك العضلات ونتكلَّم ونُفكِّر ونستجيب ونغضب ونرضى وهذا كله يحتاج إلى طاقة؟ الجسم يُولِّد في كل دقيقة مائة مليون جزيئة من (ATP)، فالجسم يُخلِّقها – هذا تخليق – وتتم عملية تحرير الطاقة فيها من أدينوزين Adenosine ثلاثي الفوسفات إلى أدينوزين Adenosine ثنائي إلى المونو Mono في المُتقدِّرة، ولكن هناك إنزيمات Enzymes أو مُعجِّلات Catalizators – مُعجِّلات من يُعجِّل – كما يُقال، وهذه المُركَّبات مُعقَّدة وتُخلِّقها الخلية أيضاً، وفي كل خلية في المُتوسِط ثلاثة آلاف إنزيم Enzyme، وبعضها تحتوي على خمسة عشر ألف إنزيم Enzyme، فما هذا الإنزيم Enzyme؟ مُركَّب أيضاً بروتيني مُعقَّد تُصنِّعه الخلية، ومن غير هذا الإنزيم Enzyme لا يُمكِن أن نحيا ولا يُمكِن أن نعيش، ولكي أقول “لا يُمكِن أن نعيش من غير هذا الانزيم Enzyme” ربما أحتاج مليون سنة لكي أقولها، فكم أحتاج لكي أُفكِّر وأستوعبها؟ أكيد ملايين السنين، لكن هل تعرفون لماذا؟ لأن العمليات الكيميائية داخل الجسم وداخل الخلايا تحتاج إلى طاقة، وهذه الطاقة عالية جداً جداً وهى تحرق الجسم، فالجسم لا يتحمَّلها لأن نُسُجنا – النسيج Tissue الخاص بها – لا يُمكِن أن يتحمَّلها، فهذه طاقة مُذهِلة، لماذا؟ لكي تتم التفاعلات الكيميائية، فالتفاعل الكيميائي يُريد طاقة، والله – تبارك وتعالى – بحكمته خلق هذه المنظومة المُعقَّدة، لكنهم يقولون لك الصدفة – By chance – والعشوائية، فصدفة ماذا؟ وعشوائية ماذا؟ هل العشوائية تُفسِّر لي جُزيئاً؟ لا تستطيع أن تُفسِّر هذا، ولكن كيف تُفسِّر هذه المنظومة المُعقَّدة الكاملة التي فيها خمسين ألف مليون تركيب وشيئ وتعمل مُتعاضِدة وفي النهاية تُسمَّى الإنسان؟ كيف هذا؟ صدفة ماذا هذه؟ سوف نرى حظ الصدفة لتكوين جزيء بروتيني واحد، فهذا لا يُمكِن، لأن بحساب الاحتمالات هذا معدوم الحظ، فكيف الحال مع تكوين إنسان وبنية إنسان كامل بنمطيه الجيني والظاهري؟ كيف هذا؟ ولذلك صدق الله العظيم إذ يقول أَفِي اللَّهِ شَكٌّ ۩، هل يُمكِن أن يشك عقل في الله؟ هل يُمكِن أن يبقى له عقل قادر على المُحاكَمة وقادر على النظر وترتيب الأفكار والاستدلالات ثم يشك في الله ويكفر بالله لكي يُؤمِن بالعشوائية – Randomness – وبالصدفة -Chance أو Accident – بعد ذلك؟ هذا غير معقول، ما هذا الإنسان؟ ولذلك أنا دائماً ما أقول ولا زلت أقول أن الإلحاد هو انتحارٌ عقلي، عليك أن تنتحر أولاً ثم تقول أنا مُلحِد، لكن أن تحتفظ بعقلك ثم تُلحِد فهذا مُستحيل، قد تكفر بالإله كما يُصوِّره بعض الناس وهذه مسألة، لكن أن تكفر بالإله من حيث أتى فهذه مسألة أخرى، وهذه التي يُعادِل الكفر بها في مسألة وجود الله – تبارك وتعالى – الانتحار العقلي، ولكنك قد تكفر بتصوير أديان مُعيَّنة ومشائخ وكهنة وأحبار لله، وأنا أقول لك أن أحياناً يكون عندك بعض الحق، وبعضهم كتب هذا، وأنتم تعرفون حمزة كاشغري وماذا كتب، ونسأل الله أن يهديه – إن شاء الله – وأن يُصلِحه ويفك أسره لكي تنتصر حرية الرأي وحرية الكلام، فنحن لا نُريد أن نقتل مَن يتكلَّم بما يُخالِفنا، ينبغي أن يعيش لأنه لم يحمل سلاحاً ولم يحمل رصاصاً، فعنده الحق أن يعيش مُكرَّماً وافراً دون أن يُهان، هذا هو الإسلام كما نفهمه وكما ندعو إليه ونُحِب أن يُفهَم، وليس إسلام الكهنوت وليس إسلام الفقهاء التاريخيين، ونقولها بوضوح هذه الرسالة، فحمزة كاشغري قال مُخاطِباً الرسول – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله – أحببت فيك أشياء وكرهت فيك أشياء، علماً بأنني لا أُريد أن أعتذر عنه، فلابد أن أُناقِشه أولاً وأن أفهم ما هى هذه الأشياء التي كرهها، ولكن أنا أقول في الجُملة أن عنده الحق أن يكره بعض الأشياء ليست في الرسول وإنما المنسوبة إلى الرسول، فللأسف بلغ من سذاجتنا وسذاجة المشائخ – بعض المشائخ – أنهم يُريدون أن يُصوِّروا للناس أن النبي فعل أشياء هو بريء منها، وأنتم تعرفون لعبه أعطه إسماً Give it a Name، وأنا أقول لك اجعله حديثاً، يكفي أن يُخرَج شيئٌ في كتاب – وخاصة إذا كان كتاباً مُعتمَداً – لكي يظن الناس أو يُراد لهم أن يظنوا أن النبي حقاً كان كذلك أو فعله أو قاله، لكن أنا ليس عندي أي يقين بهذا، وهذه أحاديث آحاد، فمن أين لي أن النبي فعل هذا؟ من أين لي أنه تزوَّج عائشة وعمرها تسع سنوات ودخل بها؟ من أين لي اليقين بهذا؟ من أين لي اليقين بأنه قتل سبعمائة أو ألفاً أو أكثر من اليهود في يوم واحد؟ ومُعظمهم على الإطلاق – باستثناء القادة الكبار الذين خانوا ويستحقون القتل حقيقة – لا يستحقون هذا، فالأطفال الصغار الذين أنبتوا لماذا يُقتَلون؟ هم لم يحملوا سيفاً ولم يُستشاروا أصلاً في حرب ولم يُقل لهم يا أولادنا أو يا غلماننا نريد أن نغدر بمحمد وأن أخذ تصويتاً في هذا الصدد، فلماذا يقتلهم؟ لم يحدث هذا، فأنا في نظري هذا لم يحدث، وقد فنَّدته في أكثر من ست ساعات بفضل الله في مُحاضَرة علمية تاريخية، فأنا فعلت هذا في مُحاضَرة امتدت لأكثر من ست ساعات بفضل الله، لكنهم يقطعون لسانك لأن هذا مروي في البخاري، وكأن البخاري هو رب العالمين أو كأن البخاري هو قرآن كريم، وهذا لا يجوز،ومن هنا أنا أقول سواء حمزة أو غير حمزة عنده الحق مبدئياً أن يقول كرهت بعض الأشياء في الرسول، ليس في الرسول الحقيقي وإنما في الرسول الافتراضي وفي صورة الرسول التي نُقِلَت إلينا، فانتبهوا ولا تقولوا كفر، ولكن قولوا له ماذا كرهت؟ قد يُدلي بأشياء من حقنا أن نكرهها، أنا لا أُحِب أن يقول النبي – قطعاً هو لم يقل ولذلك الحديث ضعيف بفضل الله رغم أنف مَن أراد أن يُصحِّحه، لأنه يُكذِّب به القرآن، لأن القرآن لا يقول وما أرسلناك إلا سيفاً على العالمين أو خنجراً في صدر العالمين أو رمحاً في بطون الناس، وإنما يقول وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ۩ -بُعِثْتُ بين يَدَيِ السَّاعة بالسَّيف وجُعِلَ رِزْقي تحت ظلِّ رُمْحي، الله أكبر، هل كان النبي قاطع طريق؟ حسبنا الله ونعم الوكيل، ومع ذلك يُقال لك لا تقل هذا يا أخيب، قطع الله لسانك، الحديث صحَّحه الشيخ فلان، لكن لا تُحدِّثني عن شيخ أو شيخة لأن لا يجوز هذا العبث، أنت نُهين الرسول وصورة النبي من أجل شيخ وتُهدِر كتاب الله تبارك وتعالى الذي يقول إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ۩، فهو كان رحمة ولم يكن نقمة ولم يكن جحمة ولم يكن لعنة على العالم، النبي – صلوات ربي وسلماته عليه، روحي وأرواح العالمين له الفدى – كان أعظم رحمة، فأنصفوا رسول الله من أنفسكم، أنصفوه من علمائكم ومواريثكم الرثة، فبعضها رثٌ وبال ولذا هذا لا يُمكِن أن يُقبَل، ونحن الآن في عصر العولمة، فالآن أصبح كل شيئ مفتوحاً ومكشوفاً، فلا شيئ يُدَس ولا شيئ يُخبَّأ، ومن ثم أُحرِجنا، فبدأ الآن بعض رجال دين آخرين – نصارى وغير نصارى – يُحرِجوننا من كتبنا ويقولون للواحد منا هذا عندك في مسلمك، تفضل هذا موجود في البخاري وهذا في أحمد وما إلى ذلك، فماذا تفعل؟ هل تُدافِع باستماتة عن كل ما في البخاري ومسلم وتقول أنهما صحيحان؟ إذا فعلت هذا فأنت ستذبح دينك، وأنت حر لكن نحن لن نسلك هذه الخُطة الغبية – هذه خُطة غبية – أبداً، نحن نُحاكِم هذا إلى كتاب الله، وهذه خُطة إلهية، فكتاب الله حاكم على الجميع، قال الله مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ۩، ولذا إسمه كتاب مُبين، قال الله تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩، لكنهم قالوا أنه لا يُبيِّن أكثر الأشياء فاحتاج إلى السُنة، وهذا كذب لأن الله قال تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ۩، فكيف تقولون لا يُبيِّن؟ وعلى كل حال هؤلاء يلعبون بالنصوص، لكن هذا يحتاج إلى مُحاضَرة أخرى ويحتاج إلى خُطب أخرى – بإذن الله – نعود فيها إلى كتاب الله عز وجل، لأن هذه مُشكِلة، فبعض الناس إن كفر بإله تُصوِّره ديانة مُعيَّنة أو فلسفة مُعيَّنة قد يكون عنده الحق، ولكن لا يُمكِن أن يُكفَر بالإله الذي خلق هذا الوجود، فهذا الوجود يحكي ويصرخ ويصيح لا أقول بألف لسان ولا بمليار لسان وإنما بلسان كل دقيقة فيه وبلسان كل جُسيم فيه وبلسان كل خلية حية فيه أن له مُوجِداً. إي والله:

وفِي كلِّ شيءٍ لَهُ آية ٌ                             تَدُلّ على أنّهُ الواحِدُ.

قال الله – لا إله إلا هو – وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَة فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ۩ وقال أيضاً وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ۩، فهم عطّلوا عقولهم!

إذن هكذا يتم إنتاج الطاقة، ونحن كنا مع هذا الإنزيم Enzyme هذا المُعجِّل، وهذا الإنزيم Enzyme حتى لا يحترق الجسم بطاقة لا يمتلكها أصلاً – حتى لو امتلكها سيحترق بها لكن هو لا يمتلكها – له آلية في العمل، والتفاعلات الكيمياوية أو الكيميوحيوية كما يُقال تحتاج إلى طاقة عالية حتى تتم وحتى تنجز، فيأتي هذا المُسرِّع أو هذا الإنزيم Enzyme أو هذا المُركَّب البروتيني العجيب ويُعجِّل التفاعل، لكن كم مرة يُعجِّله؟ هل يُعجِّله ألف مرة؟ يُعجِّله من مليون إلى تريليون مرة، فأين مثل هذا المُعجِّل Catalizator؟ مَن عنده القدرة أن يخلق مثل هذا المُعجِّل Catalizator؟ هل تُوجَد الآن تقنية وصلت إلى هذا الحد؟ لكن هو يفعل هذا من مليون إلى تريليون – عشرة أس اثني عشر – مرة، أي من مليون إلى مليون مليون مرة، وعلى كل حال الإنزيم Enzyme يقوم بتعجيل التفاعل فيتم التفاعل، ولذلك نحن نُفكِّر بسرعة ونُدرِك بسرعة ونتكلَّم بسرعة ونُجيب بسرعة وننفعل بسرعة،بسبب نعمة الله علينا بهذه الإنزيمات Enzymes، ومن هنا يقول العلماء الإخصائيون لولا هذه الإنزيمات Enzymes لاقتضاك الوقت أن تنظر إلى شيئ أمامك – مثل إلى خاتمك أو إلى شيئ ما – وأن تُدرِك ما هو ألوف السنين، فلكي ترى وتُدرِك وتُفسِّر تحتاج إلى ألوف السنين لولا هذه الإنزيمات Enzymes، فإذن الحياة ستكون مُستحيلة – لا إله إلا الله – طبعاً، لكن أين هذا يا هيكل Haeckel ويا داروين Darwin ويا هكسلي Huxley؟ قالوا في هذه البالونة التي فيها هُلام، لكن هذه ليست بالونة وهذا ليس هُلاماً، هذه قصة كبيرة فيها ألوف الإنزيمات Enzymes الموجودة كما قلت، ففي المُتوسِط يُوجَد ثلاثة آلاف إنزيم Enzymes في الخلية وبعضها خمسة عشر ألفاً وهكذا، فهذا الإنزيم Enzyme موجود ويعمل بأمر أيضاً من الإدارة والتوجيه، أي من القيادة ومن ركز القيادة الأعلى في النواة، وسوف نرى ما هذه النواة وما قصة هذه النواة، قال الله مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ۩، فما هذا التقدير؟ وما هذه القصة؟ ما هذا الأمر العجيب الرائع المُدهِش المُبهِر المُحيِّر الحافز على الإيمان حفزاً والدافع إليه دفعاً؟ هذا ليس باختيارك، بعد أن تتعلَّم وبعد أن تحذق من المُستحيل أن تكون مُلحِداً، إلا أن تكون مُنتحِراً عقلياً – كما قلت – على خلفات اجتماعية وعقد نفسية، فهذا شيئ آخر، هذه مُشكِلة المُلحِد وليست مُشكِلة المُؤمِن، وإلا كيف يُقال هذا ولا حظ – كما قلنا – لصدفة ولا حظ لعشوائية هنا؟ في هذا الهُلام أو في هذا الجيلاتين Gelatin أو في السيتوبلازم Cytoplasm هناك أجسام إسمها الريبوسومات Ribosomes، وهى أجسام صغيرة، أصغر بكثير – ألوف المرات – من الميتوكوندريا Mitochondria، فهى صغيرة جداً جداً جداً، ومع ذلك يقول العلماء أنها أشبه بالمصانع، فما هذا الريبوزوم Ribosome؟ هذه
الريبوسومات Ribosomes هى التي تُصنِّع البروتين Protein، والآن نقف مع البروتين Protein، فالبروتينات Proteins كثيرة جداً، وقبل عشرين سنة كان يُقال أن الخلايا الحية في الجسم الإنساني تُصنِّع زهاء مائة ألف بروتين Protein، أي أنها أنواع ويُوجَد زُهاء مائة ألف نوع، لكن الآن يُظَن – قبل سنتين – أن هناك ما يقرب من ثلاثمائة ألف إلى خمسمائة ألف نوع من البروتين Protein، فما هذا؟ مَن يدرس هذه الأشياء؟ مَن يعرفها أصلاً؟ مَن يُصنِّفها؟ لا أحد، فحتى العلم يقول هذا، وهم يعرفونه بطرق مُعيَّنة، ولكن لا يعرف هذا كل الناس، وهذا شيئ لا يكاد يُصدَّق، كما قال أحد الفلاسفة العلم يتكاثر – Growing – بمُتوالية عددية والجهل بمُتوالية هندسية، وهذا صحيح طبعاً، لأننا كلما تقدَّمنا خُطوة على ضرب العلم أدركنا مدى اتساع رقعة جهلنا وأننا ما كنا نفهم، لكن طبعاً بالنسبة لهيكل Haeckel هذه المسألة سهلة جداً ولا تحتاج إلا إلى سطر يقول فيه الخلية كيس أو سطل فيه هُلام وانتهينا، واليوم هذا علم مُعقَّد جداً جداً جداً جداً، يعني مُجرَّد أن يُقال أن الخلايا الإنسانية مُتخصِّصة في إنتاج من ثلاثمائة ألف إلى نصف مليون نوع من البروتين Protein فإن هذا يشل العقل مُباشَرةً، فالعقل يُشَل بسبب هذا ويشعر أكبر عالم مش حائز على نوبل Nobel أو على ألف نوبل Nobel بأنه حقير جداً جداً جداً أمام حكمة الله وقدرة الله المُتمثِّلة في هذه الكُوينة – وليس الكائن – المجهرية المُسمَّى بالخلية، لكن ماذا يُوجَد أيضاً؟ هناك عُضَيّات، بعض مُكوِّنات هذه الكُوينة الصغيرة، أي الريبوزوم Ribosome، وهذا قالوا عنه أنه مصنع أو شبه مصنع، وهذه عُضَيّة وليست حتى جهاز لكنها تقوم بعمل لا تقوم بمصانع، وهذه سنعود إليها ونرى كيف تصنع الريبوسومات Ribosomes البروتينات Proteins، فنعلم كيف تصنعها وما هى القدرة التي تُؤهِّلها إلى هذا، فهذا شيئ مُذهِل، وعبر عمر الإنسان هل تعرفون كم؟ من أهم المُكوِّنات في أبداننا البروتين Protein، فهو من أهم الأشياء، الهرومون Hormone نفسه بروتين Protein، ولذا من أهم الأشياء على الإطلاق بنائياً ووظفياً البروتينات Protein، وقد يقول لي أحدهم نحن نأخذ هذه الأشياء من البروتين Protein النباتي والبروتين Protein الحيواني، لكن أنا أقول له كيف يُقال أن هذا بروتين Protein؟ هذا بالأيض وبالميتوبلازم Metabolism يُعاد بعد ذلك تصنيعه بروتيناً إنسانياً مُتخصِّصاً، وهناك نوعان من البروتينات Proteins، بروتينات Proteins شائعة وبروتينات Proteins مُتخصِّصة، وهذا أمر معروف وكل مَن درس الطب والأحياء يعرف هذا، لكن ما معنى بروتيانات Proteins شائعة في الجسم؟ يعني تقريباً مُعظم الخلايا تستطيع أن تُصنِّعها، فمُعظم خلايانا على الإطلاق تستطيع أن تُصنِّعها، لكن الخلايا الجنسية لا تُصنِّعها، خلايا الدم الحمراء لا تُصنِّعها لأن هذه ليس لها نواة أصلاً، لكن عدا ذلك تقريباً مُعظم الخلايا تُصنِّعها وتُسمَّى شائعة، وهناك بروتينات Proteins مُتخصِّصة، حيث بروتين Protein مُعيَّن للكبد تُصنِّعه خلايا الكبد فقط، وكذلك للكُلية فتُصنِّعه خلايا الكُلية وهكذا لكل عضو عضو ولذا هذه مُتخصِّصة، وكل شيئ في مكانه بدقة وإحكام مُذهِلين، فكمية ما يُصنِّعه البدن الإنساني في طول عمر إنسان واحد من البروتين Protein خمسة أطنان، أي خمسة آلاف كيلو بروتين Protein، والريبوسومات Ribosomes أو العُضَيّات لا تُرى طبعاً إلا بالمجهر بعد أن تُكبَّر مئات مئات المرات فيُمكِن أن تراها، وهذه مصانع عجيبة، لكن كيف تتم العملية؟ الليسوسومات Lysosomes – من Lyso باللاتينية – يُحلِّل ويُذيب، فهذه المُحلِّلات إسمها الليسوسوم Lysosome، لكن ماذا يفعل هذا الليسوسوم Lysosome؟ هذا جهاز تدوير يُساعِد في عملية التدوير، لكن كيف؟ الميتوكوندريا Mitochondria – مثلاً – بعد عشرة أيام من العمل تُستهلَك وتُرهَق لأن هذه المسكينة تقوم بعمل جبَّار جداً، علماً بأن الكبد فيه أكبر كمية في خلاياه من الميتوكوندريا Mitochondria، فهى بالمئات أحياناً، لماذا؟ لأن هذا المسكين يُرهَق بالخمر وبالكحول Alcohol وبالكوكاكولا Coca-Cola فيحتاج إلى جهد بل إلى جهود مُضاعَفة فتشتغل هذه الميتوكوندريات Mitochondrias بشكل جماعي ومُتواصِل وتُرهَق مزيد إرهاق، ولكن عموماً العمر الوسطي للمُقدِّرة الميتوكوندريا Mitochondria عشرة أيام ثم تُستهلَك وتُستنفَذ أغراضها، فماذا يُفعَل بها؟ هل تُطرَد من الخلية؟ لا تُطرَد، بل تُضحي حية وميتة هذه المسكينة، فهى تُضحي من أجل الجسم حية وميتة، حيث تُغلَّف بكيس مُعيَّن ثم يأتيها الليسوسومات Lysosomes هذه وتشتبك بها وتُحلِّلها بكتيدات وأحماض أمينية، في هيولى الخلية يُعاد استخدامها لبناء بروتينات Proteins وغير ذلك من أول وجديد، وهكذافي أغذية أخرى وأشياء أخرى، فهناك نفايات أخرى يُعاد تحليلها بالأجسام المُحلِّلة الليسوسوم Lysosome، ولذا – كما قلت لكم – هذا كوزموس Cosmos، هذا عالم كامل إسمه الخلية، لكن هناك تساؤل ليس للطرفة وإنما – والله – تساؤل حقيقي وهو هل يُمكِن أن يكون هذا الكون كله – الكوزموس Cosmos – خلية أيضاً في نسيج من كائن يعيش في كون آخر؟ كل شيئ مُمكِن، وهذا السؤال لم أطرحه أنا وغنما طرحه عالم فيزيائي كبير مُعاصِر ولا يزال حياً، حيث قال كل شيئ مُمكِن، وفي الأسطورة الدينية الإسرائيلية يُوجَد شيئ مُشابِه، وأنا أقول لكم دائماً الأساطير ماذا تُساوي؟الأساطير هى ترجمة عن الشغف الإنساني والتشوف الإنساني لتعدي الحدود وكل الحدود، مثل أسطورة الجزائر السبع والسندباد وألف ليلة وليلة، وهذه أمور معروفة، لكن لم يكن هناك أي جزائر سبع ولا ما إلى ذلك، لكن هذه الذهنية الإسلامية، ذهن كاتب إسلامي علم أن أمته تقريباً فتحت العالم – تقريباً – فيريد أن يخلق فضاءات ومدايات أخرى افتراضية مُتخيَّلة وأن يقتحمها بخياله كأديب، وهذا معنى الأسطور هنا، فانتبهوا لأنها لا تعني الخُرافة، يُوجَد فرق بين الخُرافة والأسطور، ولكن لكل أسطور جانبها الخُرافي Superstitious aspect، ونعود إلى موضوع الأسطورة الإسرائيلية حيث يُقال أن موسى – عليه السلام – سأل ربه يا رب أنت خيّرت السماوات والأرض أن تأتي إليك طوعاً أو كرهاً – أي أن تبخع وتخضع لأمرك – فأتين طوعا، لكن ماذا لو لم يأتين – طبعاً تُعامَل مُعامَلة المُذكَّر لحكمة بلاغية معروفة – طوعاً؟ فقال كنت أُسلِّط عليهن دابةً من دوابي فتبتلعهما، وهذا هو الخيال الأسطوري، فلا تقل لي هذا حديث صحيح وله إسناد وما إلى ذلك، هذا خيال أسطورة، وهذا الخيال الآن يحفز الأذهان العلمائية – أذهان العلماء وأذهان الفيزيائيين الكبار والكوزمولوجيين العظام – أن يطرحوا السؤال الذي طرحته قبل القليل، أي السؤال التخيلي وهوهل يُمكن أن يكون Unser kosmos أو Our cosmos هذا كله مُجرَّد خلية في نسيج في عضو في جهاز من بدن كائن حي – وحياة آخرى طبعاً ومُستوى آخر – وهذا الكائن يعيش في عالم ضمن كون آخر؟ أف، هذا شيئ بيجنن، لكن العلماؤ قالوا هذا يُمكِن، ولم لا؟ ما يُدرينا؟ قال الله وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ۩، وقال – لا إله إلا هو – أيضاً يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ۚ ۩، مَن الذي يعلم مدى عظمة الخالق الخلَّاق العليم لا إله إلا هو؟ لا أحد، والآن لو كان هذا الليسوسوم Lysosome أو الريبوزوم Ribosome أو حتى النواة أو أي شيئ له عقل كعقل الإنسان – نفترض مثلاً – كان من المُمكِن أن يتساءل قائلاً هل هناك كون آخر غير هذا الكون؟ هل يُمكِن أن نكون نحن جزء من كائن آخر؟ طبعاً يُمكِن، أنتِ هكذا بالضبط، ولكن أَنَّىٰ لنا أن نُوصِّل إلى هذه الرسالة إلى عُضيات الخلية؟ وأَنَّىٰ ربما إلى الكائنات الفوق الكونية والماوراء كونية أن تُوصِّل رسالة لنا نحن الكائنات البسيطة ولكن الذكية – والله – والظلومة الجاحدة أيضاً؟ الله أعلم، هل يا رب تُسلِّط على السماوات والأرض دابة فتبتلعهما؟ وأين هذه الدابة؟ قال في مرج من مروجي، أي بُستان من البساتين التي خلقها، وهذا البُستان فيه دواب، والدابة تبتلع السماوات والأرض، فانظر إلى هذا الخيال إذن، هذا خيال أسطوري، وهو جميل جداً هذا الخيال، فهذا خيال مَن وقَّر الله وعلم شيئاً عن قدرة الله لا إله إلا هو، والآن علماء مُحدَثون مُعاصِرون يطرحون هذه الأسئلة في كتب مُحترَمة وفي فصولها الأولى والله، ففي الفصول الأول يقولون هذا وليس بعد أن يُدوِّخهم العلم، هو دوَّخهم أصلاً فداخوا من عجائب هذا العلم، وعلى كل حال هذه هى الليسوسومات Lysosomes!
لدينا جهاز جولجي Golgi – Golgi apparatus – أيضاً، لكن ماذا يفعل هذا الجهاز العجيب؟ هذا مثل خرائط وأكياس مُتراصة ولكنها ليست مُتصِلة وإنما مُتجاوِرة مع بعضها البعض، فهى أغشية مُسطَّحة وتُشكِّل كأكياس أسطوانية، وواحد أكبر من واحد، وهى مُتراصة إلى جانب بعضها البعض ولكنها غير مُتلاصِقة وغير مُتداخِلة وغير مُتصِلة، لكن ماذا يفعل الجهاز هذا؟ هذا يُنتِج بعض البروتينات Proteins وبعض الكربوهيدرات Carbohydrates بالذات عديدة التسكر، فالسلسلة الكربوهيدراتية يُنتِجها جهاز جولجي Golgi، ولكن هو أيضاً مخزن يُخزِّن، فهو يُخزِّن بعض الدهون والبروتيانات Proteins التي تُصنَّع في الخلية، أي في السيتوبلازم Cytoplasm كما قلنا، وتُبعَث إليه مُحوصَّلة في حويصلات فيستقبلها، أول كيس يستقبلها من جهاز جولجي Golgi، فهو يستقبلها ويُجري عليها تغييرات كيمياوية ويُسلمِّها كما هو استلم إلى الكيس الآخر من جهاز جولجي Golgi ويُجري عليها تغييرات أخرى، فالثالث فالرابع فالخامس وهكذا، ثم تُبعَث إلى الغشاء، فيفتح لها الغشاء وتخرج إلى موضعها من الجسم، وهذا – والله – شيئ يُبكي وشيئ يُفرِح، ماذا نقول؟ نقول سبحان الله العظيم فقط، ما هذا؟ ما هذا العقل؟ ما هذا التدبير؟ ما هذه المصانع؟ ما هذا التخزين؟ ما هذا كله؟ ما هذا يا داروين Darwin ويا هيكل Haeckel ويا ملاحدة؟ هم قالوا لك هذه صدفة وهذه عشوائية وهذا كيس فيه هُلام، فتفضل هذا إذن، ونحن لا نعتب على داروين Darwin طبعاً نحن لأنه تكلَّم على مبلغ علمه، علماً بأننا اليوم سيُضحَك علينا بعد مائة سنة، وسوف يُقال كان يظن أن الخلية هى مُجرَّد كذا وكذا، وهذا الكلام بسيط جداً جداً جداً، هذا كلام أطفال، لأننا الآن اكتشفنا كذا وكذا في الخلية، ثم يبدأون في الحديث عن هذا، ويُمكِن أن يُصبِح جهاز جولجي Golgi علم وحده، مُجلَّد كامل فقط عن هذا الجهاز، ومن ثم سوف يسخرون من أمثالنا، وهذا طبيعي جداً، فهذا هو العلم، لكن الذي يُحيل العلم إلى مذهب وإلى أيدولوجية ودين هو في حقيقة الأمر كفر بالعلم وكفر بالروح وبالمزاجية التقدمية للعلم والتناسخية، وما أجمل كلمة الأديب والمُفكِّر آرثر كوستلر Arthur Koestler حين قال في طريق العلم تجدون العشرات – إن لم يكن المئات – من المُتحجِّرات والأحافير – Fossils – والهياكل العظمية لنظريات علمية كانت في يوم من الأيام هى السائدة المُسيطِرة، أي أنها أصبحت أحفورات وأحافير وهياكل عظمية، مُجرَّد كلام فارغ يُضحَك به علينا، فلم يُراد الآن من نظرية مُعيَّنة أن تُصبِح هى الدين وهى الأيدولوجية وأن يُحكَم بها على أحكام العقل؟ انبتهوا لأن هذه أكبر حماقة يقوم بها مُلحِد مُعاصِر، فهو يقول لك تُناقِشني بأحكام العقل ومبدأ السببية والهوية والتناقض وارتفاع النقيضين واجتماع النقيضين والتعليل والواجب والمُمكِن والمُستحيل، فهذا كلام فارغ لكن ناقشني بالعلم، لكن علم ماذا يا رجل؟ هل تظن أنت أن العلم يحكم على العقل أو أنه أعظم من العقل؟ هذا كلام فارغ، فالعلم ذو صفة تناسخية وتطورية، وتذكروا كلمة كوستلر Koestler وتصور هذه الهياكل العظمية والأحافير التي أكل الدهر عليها وشرب لنظريات كانت في أيامها وفي عهودها وأزمانها هى المُسيطِّرة السائدة، فهى كانت نظريات ذكية تُعبِّر عن أقصى مدى بلغه الذكاء الإنسان في وقتها، والآن هى أحافير ومُتحجِّرات لا قيمة علمية لها الآن، فالآن لا قيمة علمية لها إلا أن يُسخَر منها ومَمَن ينتحلوها، وهذا ما سيحدث مع أفكار كثيرة علمية الآن نُقدِّسها وبسببها نكفر بالعقل وبالله وبالأديان، فانتبهوا لأن علينا أن نتواضع، وأعتقد أن الذي يُفرِّق بين المُؤمِن الحق والمُلحِد الحق ليس الذكاء، لكن هل تعرفون ما هو؟ الخيال Imagination وقوة الخيال، فأنا في نظري أن قوة خيال المُؤمِن أعظم بكثير من قوة خيال الكافر المُلحِد، المُلحِد قوة خيالة كسعاء وكسحاء مُجهَضة، لماذا؟ إلى حد مُعيَّن خياله قادر أن يتحرَّك في حدود البيِّنات العلمية، وعند هذا الحد يقف ليقول ماذا؟ الصدفة، أي إكس (X)، يُوجَد شيئ إسمه إكس (X)، فيقول أن الصدفة أو العشوائية فعلت كل شيئ في زمان طويل، فما هذا؟ لكن المُؤمِن ليس كذلك أبداً، المُؤمِن يتعدى هذا الحد و يتجاوز إبهار المُعطيات العلمية، بالعكس هو يقف مع تواليها ولوزامها، ولوزام هذه الحقائق والبيِّنات العلمية أن هناك شيئاً أكثر ذكاءاً وأكثر دقةً وإحكاماً من كل ما نتحدَّث عنه من عجائب الوجود، هو الذي أوجدها وقونَّنها وهو الذي أعطاها قانونها من أول لحظة، فقبل أن تُخلَق كان رسم وخط لها قانونها وخلقها وفق قانونها الذي سيُسيِّرها بعد ذلك بأمره، فهذا خيال رهيب، لكن هذا هو خيال المُؤمِن، فانتبهوا إلى هذا جيداً وإن كان هذا يحتاج إلى تفصيل لأن هذه الجملة لها طابع فلسفي، ونحتاج الآن إلى أن نُفصِّلها في حلقات الإلحاد، لكن على كل حال هذا ينطبق على المُؤمِن الحق وليس على المُؤمِن المُقلِّد أو المُؤمِن الآبائي الجغرافي الذي يفرح بنفسه، ولذا – كما أقول دائماً – بعض الملاحدة أذكى من كثير جداً من المُؤمِنين، فالمُلحِد على الأقل يُحاوِل ألا يكون تقليدياً، وللأسف يقول لك هناك عامل نستطيع أن نُحدِّد به دين أي إنسان وهو مكان الولادة، وهذا مُضحِك طبعاً لكن هذا هو السائد عموماً، فقل لي أين وُلِدت وسوف أقول لك ما هو دينك، فأنا أستطيع أن أعرف هذا تقريباً، وسوف أُصيب بنسبة تسع وتسعين في المائة، فنادراً ما نجد أحداً بنسبة واحد في المائة مِمَن تمرَّد على الموروث وعلى المُعطى والسائد الثقافي، فإذا وُلِدَ أحدهم في بيئة مسيحي فإنه سوف يكون مسيحياً، وهذا المسيحي قد يكون كاثوليكياً أو بروتستانتياً أو أرثوذوكسياً بحسب بيئة، وكذلك الحال مع المسلم شيعي أو المسلم زيدي أو أي مسلم، فهذا يُحدَّد بحسب مكان الولادة، ومن ثم قل لي أين ولدت وسوف أقول لك الديانة، وإذا قلت في السعودية فإنني سأقول لك في أي مكان؟ فإذا وُلِدت في منطقة كذا فأنت شيعي، وإذا وُلِدت في منطقة كذا – نجد مثلاً – فأنت وهابي، وكذلك الحال إذا وُلِدت في سوريا، ففي منطقة كذا أنت علوي، وفي منطقة كذا أنت مسلم سُني وهكذا، فنحن نعرف هذا بحسب مكان الولادة، لكن هذا عيب، عيب أن الإنسان ينحط إلى هذا المُستوى فلابد أن يُعبِّر عن عقله.
للأسف الوقت يُدرِكنا ولابد أن نقفز الآن قفزة سريعة إلى المُورِّثات وإلى الجينات Genes، فنحن نسمع عن الجينات Genes والمُورِّثات والناسلات، وهذه قصة كبيرة، هذه أعجوبة الأعاجيب في الخلية، فما قصة المُورِّثات؟ قال الله قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ۩ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۩ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ۩، وهى النطفة الأمشاج، أي بوييضة من الأم خصَّبها حيوان منوي – Sperm – من الأب، وهناك المادة الوراثية الموجودة لدينا وهى شريط الـ DNA، لكن ما هو الـ DNA؟ هو الشريط المعروف بالشريط الوراثي، وهو جينوم Genome الإنسان الكامل، أي الحقيبة الوراثية الكاملة، ثلاثة وعشرون من الأب وثلاثة وعشرون من الأم، فإذن يُوجَد ستة وأربعون كروموسوماً Chromosome، لكن الكلب لديه ثمانية وسبعون، فإذا كان الأمر يتعلَّق بالعدد فالكلب أحسن مننا إذن، والدودة المُستطيلة لديها ثمانية وسبعون كروموسوماً Chromosome، والكرنب أقل من ذلك، والفأر قريب جداً منا، والشِمْبانزِي Chimpanzee قريب جداً جداً جداً، فالمسألة ليست بالعدد وإنما بشيئ آخر، قال الله مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ۩، أي قدَّرك إنساناً، وقدَّرك هذا الإنسان بالذات، أي فلان الفلاني بن فلان بن فلان وبصفات كذا كذا كذا بالجينو تايب Genotype والفينو تايب Phenotype، أي النمط الجيني والنمط الظاهري، فهو فعل هذا بالنمطين كلايهما، فإذا قدَّرك في النطفة انتهى كل شيئ، فنمطك الظاهري معروف لله تماماً لأن هذا فُرِغَ منه، أي فُرِغَ من هذه المسألة، لكن هذه المادة الوراثية كم كيلو جرام؟ من الأب ستة بيكو جرام Picogram، والبيكو جرام Picogram عشرة أس ناقص اثني عشر مليجرام Milligram، وهذا يعني أن البيكو Pico هو واحد من التريليون مليجرام Milligram، يا الله، خُذ جرام واحد وقسِّم هذا الجرام مليون مليون جزء، أي مليون مليون زنة، وخُذ زنة واحدة وهذه سوف يكون إسمها البيكو Pico، وعلى كل حال هذا هو البيكو جرام Picogram،ونحن لدينا ستة بيكو جرام Picogram، أي ستة على تريليون مليجرام Milligram، وماذا عن الأم؟ ستزيد اللعبة قليلاً لأن سيكون لدينا ستة بيكو جرام Picogram أيضاً، ومن ثم الناتج هو اثنا عشر ستة بيكو جرام Picogram، أي اثنا عشر على تريليون، لكن قد يقول لي أحدكم وماذا عن البشر كلهم؟ نفترض أننا الآن سبعة مليار من البشر، فماذا عنا؟ سوف نظل في البيكو Pico، والآن سنقول اثنان وأربعون على ألف مليجرام Milligram ويُمكِن أن تحسبوا هذه بطريقة سهلة، وهذا لكل البشر، ولكم أن تتخيَّلوا هذا، فكل البشر – سبعة مليارات أو سبعة ملايير من البشر – ما يُحدِّد أشكالهم وصفاتهم الظاهرية والباطنية يُساوي كم وزناً؟يُساوي – وزناً وليس حجماً – اثنين وأربعين على ألف مليجرام Milligram، يا الله،
يعني كم عدد المليارات التي نحتاجها من البشر لكي يُساووا جراماً Gram واحداً؟ولذلك تقول الآية الكريمة وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ۩، فهذا هو إذن، هذا الإنسان الكامل هو هذا، ستة واثنا عشر بيكو جرام Picogram، ولذلك خاطبنا وصدق الحدس العقدي الإسلامي حين حدَّثنا عن عالم الذر، فهو يُسمي هذا عالم الذر، وهذا هو فعلاً عالم الذر، سبعة ملايير يُساوون اثنين وأربعين على ألف مليجرام Milligram وفيهم كل ما يُعطينا من الصفات الظاهرة والباطنة، يا الله، وهذا أمر عجيب، فما هى هذه العملية؟ ومتى اكتُشِفَ هذا؟ وكيف اكتُشِفَ؟ وما هى البنية؟ وما هى هذه القصة فالحديث عن كروموسومات Chromosomes وجينات Genes ونحن لا نفهم شيئاً؟ لكن المسألة بسيطة جداً جداً جداً جداً، فنحن لدينا خلية ولدينا النواة في مُنتصَف الخلية، وفي النواة موجود لدينا كم كروموسوم Chromosome؟ يُوجَد ستة وأربعون كما قلنا، نصفها من الأب ونصفها من الأم، وفيها واحد هو الذي يُحدِّد الجنس، وإسمه عامل تحديد الجنس Sex determination factor، ولذلك إذا كان عندنا (XX) فهذه أنثى، وإذا كان عندنا (XY) فهذا ذكر، والبوييضة دائماً آخر واحد فيها هو (XX)، والرجل فيه (X) و (Y)، فإذا أتى (Y) منه يكون لدينا الذكر، وهذا أمر معروف، لكن ما هذه الكروموسومات Chromosomes؟ طبعاً هى اثنان وعشرون، وبعد ذلك لدينا المُحدِّد للجنس، والعلماء لم يُعطوها أسماءاً للتبسيط، وبعد ذلك أعطوها للتخصص، ولكن أعطوها أرقاماً بحسب الطول، فأطول كروموسوم Chromosome له رقم واحد، أي يُسمونه رقم واحد، أما اثنان أقل طولاً من واحد، وهكذا إلى أن نصل إلى اثنين وعشرين وهو الأقل وهو الأقصر من بينها، هذا هو فقط، فإذن هم رقَّموا حسب ماذا؟ حسب طولها، من واحد إلى اثنين وعشرين ما عدا المُحدِّد للجنس، لكن ما هو هذا الكروموسوم Chromosome؟ هذا الجسم الصبغي عليك أن تفرده وأن تحله لكي تفهمه، وهو عبارة عن الشريط الوراثي – DNA – مضغوط بشدة وبشكل بالغ الغاية في الانضغاط لكي يشغل حيزاً صغيراً جداً، والكروموسومات Chromosomes تشغل هذا الحيز في النواة وهى صغيرة جداً جداً جداً وضمن الخلية الصغيرة أيضاً، فهى مضغوطة بشكل غير عادي، ولو فردنا كل الكروموسومات Chromosomes في الخلية – أي فردنا ستة وأربعين – ووصَّلناها مع بعضها البعض سوف يصل طولهم إلى اثنين متراً من الخلية، وعندنا مائة تريليون خلية، فإذن عندنا عشرة أس أربعة عشر، وعندنا أيضاً هنا اثنان، فإذن سنقول عشرة أس ستة عشر، أي مائتا تريليون متر، ثم قسِّم على الألف واحسب بالكيلو متر وما إلى ذلك، يعني هذا يُغطي المساحة بيننا وبين الشمس كما حسبتها بحوالي ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين مرة، علماً بأنك قد تجد في بعض الكتب الوراثية أن الرقم هو خمس مليون مرة وهذا خطأ ويُمكِن أن تحسب هذا لأنها عملية سهلة، فنحن بيننا وبين الشمس مائة وخمسون مليون ثم احسبها بالطريقة هذه وحوِّلها إلى كيلومترات، وسوف تجد أن هذا يُغطي المساحة بيننا وبين الشمس كما حسبتها – إن شاء الله ألا أكون مُخطئاً – بحوالي ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين مرة، وعلى كل حال ما هذه الكروموسومات Chromosomes؟ وما هذا الـ DNA؟ يقولون لك هناك اللولب المُزدوَج – Double helix – وهو سر الحياة، فشخصية الإنسان تقريباً هنا كاملةً في هذا اللولب المُزدَوج، وباختصار لأن يُدرِكنا الوقت للأسف سأقول لدينا لولبان – Two Helices، لولب مع لولب آخر – يتداخلان ويعملان على تكوين اللولب المُزدوَج Double helix، لكن ما هو هذا اللولب؟ وكيف يكون مُرتبِطاً؟ وما موضوع الدرجات الموجودة؟ لكي نُبسِّط هذا سوف نأخذ قطعة منه، ومن ثم سنجد السكر الريبوزRibose الخماسي الذي فيه خمس ذرات كربون Carbon، فهذا إسمه السكر الريبوزي Ribose sugar، وهو فيه خمس ذرات كربون Carbon وخمس ذرات أكسجين ولكن هنا منزوع الأكسجين، أي هناك ذرة أكسجين طائرة، ولذلك يُسمونه (Deoxyribose nucleic acid)، أي هذا الحامض، فهذا السكر Sugar منزوع ذرة أكسجين واحدة طائرة هنا على اليمين، وهذا يُسمونه السكر الريبوزي منزوع الأكسجين، وبعد ذلك هو مُرتبِط بمجموعة فوسفات – Phosphat – من فوق، ونفس الشيئ يُوجَد في الجهة الأخرى، أي نفس المُخمَّس ولكنه مقلوب، وهو مربوط من فوق أيضاً ومن تحت مثل الآخر بمجموعة فوسفات، فهذا هو اللولب – Helix – وهو سهل لكن يجب أن نعرف تركيبه كيميائياً، بعد ذلك هذا اللولب Helix – – مُرتبِط في الجهة الأولى بقاعدة نيتروجينية، وهذه القواعد هى الحروف التي كتب الله بها كتابنا الوراثي، وهى أربعة حروف فقط: الأدينين Adenine (A) – الثيمين Thymine، فهنا تُوجَد قابلية كيماوية لأن الأدينين Adenine يقبل الثيمين Thymine والثيمين Thymine يقبل الأدينين Adenine، فهذه قابلية وعشق أو تعاشق كيماوي بينهما، ولا يُمكِن أن تجد أبداً الأدينين Adenine وهو مُرتبِط بالسايتوسين Cytosine – مثلاً – أو بالجوانين Guanine، القابلية فقط بين الأدينين Adenine – الثيمين Thymine والثيمين Thymine – الأدينين Adenine والأدينين Adenine – الثيمين Thymine وهكذا، وعندنا أيضاً ضمن القواعد نيتروجينية التي من أربعة حروف فقط السايتوسين Cytosine – الجوانين Guanine حيث تُوجَد قابلية كيمياوية بينهما، ولذا هذا يرتبط بهذا، أي C-G و C-G و G-C وإلى آخره، فهو باستمرار هكذا، وعلى كل حال عندنا أربع قواعد، ففي الجهة الأولى عندنا قاعدة مُرتبِطة بالسكر الريبوزي المربوط بمجموعة فوسفات Phosphat، وهذا في اللولب – Helix – الأول، أما في اللولب – Helix – الثاني فيُوجَد نفس الشيئ، أي سكر ريبوزي وفوسفات وبعد ذلك عندنا قاعدة، لكن كيف ترتبط القاعدتان أو الحرفان أو أبجديات الوراثة؟برابطة هيدروجينية، فبين السايتوسين Cytosine والجوانين Guanine رابطة ثلاثية، فيُمكِن أن تروا ثلاثة خطوط مُتقطِّعة، وبين الأدينين Adenine والثيمين Thymine تكون الرابطة مُزدوَجة، ومن ثم يُمكِن أن تروا خطين مُتقطِّعين، فهى يُرمَز إليها بخطين مُتقطِّعين، هذا هو فقط، والآن هذه الأشياء كلها على بعضه والتي شرحتها لكم على الجهة الأولى وعلى الجهة الثانية يُسمونها Nucleotide أو النيوكليوتيدا كما يُسميها العرب، واختصاراً يُسمونها القاعدة، وحتى لا تحدث أي خربطة لدينا أود أن أقول أن بعض الكتب غير دقيقة ومن ثم تخربط الطلاب، فهم يسمونها القاعدة، والقاعدة هى الأدينين Adenine والثيمين Thymine والسايتوسين Cytosine والجوانين Guanine لكنهم فعلوا هذا لأن أهم شيئ في هذا التركيب هى هذه القواعد، ومن ثم قالوا سوف نسميها مجازياً كلها على بعضها بالقاعدة أو الأساس أو الحروف الأبجدية الوراثية، ولكن هى كلها على بعضها إسمها النيوكليوتيدا Nucleotide، لكن ما مقدارها في الجسم؟ كم عدد هذه القواعد؟ يصل عددها إلى ثلاثة مليارات ومائتين مليون زوج، وهذا هو الكتاب الوراثي حتى لا نخلط ولا تختلط علينا الأمور.

في كل خلايا الجسم حتى في خلية الجلد الميتة – كل خلايا السطح ميتة تقريباً – مثل خلايا اللسان وخلايا سطح العين وخلايا الجلد – كل هذا ميت ويقع دون أن تدري – فيها نويات وفيها أيضاً هذه الحقيبة الوراثية، إلا الحيوان المنوي فيه نصف حقيبة، والبوييضة عند المرأة فيها نصف حقيبة، لكن كُرية الدم أو خلية الدم الحمراء لا يُوجَد فيها هذا، لماذا؟ لأنها بلا نواة – Without a nucleus – أصلاً، فهى ليس فيها نواة، لكن ما عدا ذلك كل الخلايا فيها حقيبة وراثية كاملة، وانتبهوا إلى أن الحقيبة الوراثية غير مُوزَّعة على الخلايا فهى موجوة في كل خلية خلية، وهذا هو موضوع الاستنساخ، فيُمكِن أن تأخذ خلية واحدة وأن تجد فيها كل أسرار شخصيتك كاملةً غير منقوصة، لكن أين تكون موجودة؟ على ستة وأربعين كروموسوم Chromosome، وهؤلاء يحملون الجينات Genes، وهنا قد يسأل أحدهم قائلاً هل اللولب المُزدوَج – Double Helix – هو الجين Gene؟ وأنا بدوري أقول لا ليس هو، فكل مجموعة تتابعات قاعدية – كل مجموعة النيوكليوتيدات Nucleotides – تساوي جيناً Gene، وهذا كان من الصعب جداً معرفته في الأول، لكن مشروع الجينوم البشري Human genome الذي تم تقريباً في ألفين وثلاثة نجح في هذا نجاحاً بعيداً، فنحن عندنا هذا اللولب المُزدوَج Double -Helix – الطويل أو هذا الشريط الوراثي، فإذا أخذنا جزء منه فإن هذا التتابع يكون جيناً Gene، فعندنا جين Gene – مثلاً – طوله ثلاثة آلاف قاعدة أونيوكليوتيدا Nucleotide، وبعض الجينات Genes يصل طولها إلى أربعة مليون ومائتين ألف، ولك أن تتخيَّل هذا، والكتاب كله يصل إلى ثلاثة مليارات ومائتين مليون زوج، فهذا عالم بحياله وهذا كتاب كبير جداً جداً جداً، لكن هذا الكتاب كتبه الرب – لا إله إلا هو – بماذا؟ بحروف أربعة، أي بهذه القواعد النيتروجينية، فعندنا كل مجموعة منها تُشكِّل جيناً Gene، وكل جين Gene مُتخصِّص في وظيفة مُعيَّنة، والآن في الجين Gene نفسه كل تتابع من أحرف ثلاثة – نفترض مثلاً A – C – A أو A – C – C – يُسمونه كودون Codon، وكودون Codon تعني أنه مُشفِّر، لكنه يُشفِّر لماذا؟ يُشفِّر لحامض أميني واحد، والآن سوف تقول لي لقد دخلنا في الأحماض الأمينية، وهذا صحيح طبعاً، فالجسم الإنساني فيه كم؟ فيه عشرون حامضاً أمينياً، ومن ترتيب العشرين حامض – الأول مع الثالث والثالث مع السابع أو مع الخامس عشر أو السادس عشر وإلى آخره – يكون عندنا البروتينات Proteins، لكن كيف تتم عملية التشفير هذه؟ بالكودونات Codons، وما هو هو الكودون Codon؟ هو تتابع ضمن الجين Gene، فالجين Gene أكبر من الكودون Codon وهو موجود فيه، وعلى كل هذه قصة كبيرة، لكن يجب أن نعلم كيف تتم عملية بناء بروتين Protein لكي يعيش هذا الجسم ويحيا ويكبر ونتكاثر، لكننا سنُوجِز هذا ربما في دقيقتين في الخُطبة الثانية.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

باختصار الآن نُريد أن نعرف كيف يتم تصنيع بروتين Protein مثلاً؟ التصنيع – كما قلت لكم – يتم في سيتوبلازم Cytoplasm الخلية أو في هيولي الخلية، فالريبوزوم Ribosome تُصنِّع البرويتن Protein، أي الريبوسومات Ribosomes، لكن كيف هذا؟ الأمر مُشفَّر على المادة الوراثية – DNA – أو على الشريط الوراثي، لكن ماذا يحصل الآن؟ الخلية أو النواة لا تتخلَّى عن سكانها من هذه الجينات Genes، فهذه دائماً تبقى في النواة، وإذا كنتم تُريدون نُسخة – كوبي Copy – منها أهلاً وسهلاً بشرط أن تبقى في النواة، لكن كيف تأتي هذه النُسخة؟ يأتي حامض نووي آخر أقل استقراراً وأضعف من الـ DNA إسمه الـ RNA لكي يقوم بدوره، علماً بأن هذا الـ RNA يُسمونه الرسول Messenger، لكن أقوى جُزيء على الإطلاق عرفه علم الأحياء ليس في الإنسان وإنما في المُطلَق هو الحامض الريبوزي منزوع الأكسجين، أي الـ DNA، فهو الأقوى على الإطلاق، وعلى كل حال يأتي الـ RNA   ويُريد أن يأخذ نُسخة، لكن كيف تتم العملية؟ تتم عن طريق إنزيمات Enzymes مُعيَّنة، حيث تأتي الإنزيمات Enzymes وتُفكِّك الروابط الهيدروجينية في اللولب المُزدوَج – Double Helix – من النصف، وهى روابط هيدروجينية ثلاثية وثنائية، فهذا الإنزيم عامل ذكي ومن ثم يُفكِّك هذه الأشياء، ويُصبِح لدينا الآن نصف ونصف، وهذا النصف بمُجرَّد أن تراه تستطيع أن تعرف – الآن أي أحد فيكم يُمكِن أن يعرف هذا – ما هو النصف الآخر المُقابِل الضائع مثلاً، كيف؟ لوجود – كما قلنا لكم – القابلية الكيميائية، فإذا رأينا (T) الثيمين Thymine فلابد أن يكون في الجهة الثانية (A)الأدينين Adenine، لأن الأدينين Adenine مع الثيمين Thymine دائماً، وإذا رأينا (G) الجوانين Guanine فلابد أن نجد في الجهة الثانية (C) السايتوسين Cytosine، فيأخذ النصف وينكسر، وبعد ذلك تأتي إنزيمات Enzymes أخرى عند طرفي الحامض فتُمسكِهما حتى لا يحدث اختلاط – هذا عمل مُعقَّد فوق الخيال – وبعد ذلك ينفصل هذا النصف، وهذا الانفصال – كما قلت لكم – يتم بمُساعَدة الـ Helicase Enzyme الذي يُسمى DNA Helicase Enzyme، فهذا الإنزيم Enzyme هو الذي يُفرفِّط السلسلة أو السوستة، وبعد ذلك تتم العملية ويأخذ هذا الرسول Messenger – RNA – النُسخة، ويأتي الآن – سبحان الله – إنزيم Enzyme آخر إسمه بوليميراز Polymerase – DNA Polymerase – ومُباشَرةً يبدأ يعطي الأوامر ويشتغل فيُصنِّع الآن الـ Helix الآخر ليُكمِّل الناقص، فيعود يلتحم ويرجع كما كان دون أن ينقص لدينا شيئ ويخرج الرسول Messenger بالنُسخة، فيذهب إلى الريبوزوم Ribosome ويجلس هناك، وتأتي إنزيمات Enzymes أخرى تُوجِّه الأحماض الأمينية – Amino acids – فتأتي إلى الريبوزوم Ribosome وتبدأ العملية، لكن الآن للأسف انتهى الوقت، وعلى كل حال يُصنَّع هناك البروتين Protein من جديد كما أرادت الخلية وتكون نسبة الخطأ ضئيلة جداً جداً، حين ينفصل هذا الشريط المُزدوَج – ينفصل حتى عند انقسام الخلية والخلية تنقسم دائماً – في أي حالة فإن إمكانية الخطأ بعد ذلك في نقل المعلومات الناقصة – لأن لابد أن نُكمِل – واحد على المليار، وأيضاً حين ينفصل يدور ويتضاغط وينبعج وينكمش، ومن ثم يدور على محوره الوهمي مليار دورة في الدقيقة، فما هذا؟ ما هذا الجهاز؟

هذا الجهاز يقول غباء الإلحاد إنه كيس مليء بهُلام، فهل هو كيس مليء بهُلام أم أنه كونٌ وعالم بحياله يشهد بقدرة الملك العلَّام؟ إنه هو ذا بلا شك.

اللهم إنا نسألك أن تُعلِّمنا ما ينفعنا وأن تنفعنا بما علَّمتنا وأن تزيدنا علماً، اللهم أصلِحنا بما أصلحت به عبادك الصالحين، اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

اغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا وأخواتنا وقراباتنا والمُسلِمين والمُسلِمات معنا بفضلك ومنك أجمعين يا أرحم الراحمين.

اللهم إنا نسألك أن تُهيئ لأمة محمدٍ – صلى الله عليه وآله وسلَّم تسليماً كثيراً – أمر رشدٍ تُعِز فيه أولياءك وتُذِل فيه أنوف أعدائك، يُعمَل فيه بكتابك وسُنة نبيك – عليه الصلاة وأفضل السلام – ويأمن فيه المُؤمِنون إلهنا ومولانا رب العالمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (23/3/2012)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: