بالفعل إنهم ينتحرون!؟

video

إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، و أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ  :

 

قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ۩   أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ۩ أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُون ۩   أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ  ۩ أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ۩  أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ  ۩  قُل لّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ۩  بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ۩ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ۩  لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ۩ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

قلت ولا أزال أقول لن تستطيع أن تُلحِد إلا بعد أن تنتحر عقلياً، وكل مَن ألحد حتماً هو مُنتحِرٌ عقلياً، الخبر السيء – هذا ليس فيه جديد – أن هذا المعنى ليس من عندياتي، ليس من لدُني بل هو ما قرَّره جماعة من كبار جهابذة الملاحدة، والخبر الأسوأ أن داروين Darwin نفسه قال هذا، إذن لا يُستعجَلن بنا ولا علينا فيُقال “أنت تنتقص من قدر القوم”، حاشا لله، ليس بنا رغبة ولا حاجة أن ننتقص أحداً من عباد الله وإنما نهوى ونبغي الخير والرشاد والسعادة لكل عباد الله – تبارك وتعالى – ولكن هذه هى الحقيقة، ليس بأيدينا حيلة أن نُقرِّر هذا المعنى وهو مُتقرِّر كما سيطرق مسامعكم تواً إن شاء الله.

داروين Darwin في رسالته إلى ويليام غراهام William Graham – وطبعاً هذا كان في القرن الثامن عشر بعد أن كتب ونشر كتابه الأشهر أصل الأنواع – كتب يقول له “في البداية كنت أعتبر أن أقوى الحُجج الدالة على الله ليست من طبيعة عاطفية بل من طبيعة عقلية، فالعقل هو الذي يُثيرني بقوة حُججه وبراهينه، ومنشأ هذه الإثارة أنه من المُستحيل – أو قال من المُستحيل تقريباً – أن نعتبر كل ما نراه من هذا التعقيد والجمال وخاصة فيما يختص بالذكاء الإنساني أنه جاء على سبيل المُصادَفة، فالعقل يُحيل هذا ويقول هذا مُستحيل” وأضاف داروين Darwin قائلاً “وبهذا المعنى أنا جدير أو أستحق أن أُدعى مُؤمِناً Theist وليس Atheist، وإنما Theist مُؤمِن بالله – تبارك وتعالى – ولكن بعد أن نشرت كتابي أصل الأنواع بدأ الأمر يتغيّر وصار الأمر مُتذبذِباً”، فيبدو أنه جنح بعد أن نشر أصل الأنواع أكثر إلى كفة الإنكار – إنكار وجود الباري لا إله إلا هو -، فكفة الإنكار يبدو أنها من خلال كلامه رجحت، رجحت بكفة الإيمان والإقرار، أي أن الإنكار رجح بالإقرار، لأن في الحقيقة داروين Darwin  لم يمت مُلحِداً، داروين Darwin انتهى إلى اللاأدرية، فو بدأ مُؤمِناً ويبدو أنه بعد ذلك جنح إلى الإلحاد ثم بعد ذلك وقف في موقف الوسط، لا يدري فلم يجزم أن الله غير موجود، وبالمُناسَبة ربما هذه الفقرة من كلام داروين Darwin تُؤكِّد أن هذا الرجل بلا شك أحد كبار العباقرة وأحد أذكياء البشر، ففي بعض التقديرات لبعض علماء النفس أن هذا الرجل كان يتمتّع على الأقل بمائة ثمانين درجة على مقياس ال (IQ)، علماً بأن أينشتاين Einstein مائة وخمس وستين، أما داروين Darwin يتمتع بمائة وثمانين درجة على الأقل، والجدير بالذكر أن الأعلى طبعاً في التاريخ حسبما يُقال – من المشاهير – ليوناردو دافنشي Leonardo da Vinci حيث يتمته بمائتين وخمس وعشرين درجة – شيئ رهيب – ومن ثم حطَّم كل الأرقام ، لا نيوتن Newton ولا أينشتاين Einstein ،رجل عبقري بل مجموعة عبقريات في شخص واحد إسمه دافنشي Da Vinci، مجموعة عبقريات مُذهِلة بلا شك ومُثيرة مُحيّرة، ولكن كون داروين Darwin يتمتع بمائة وخمس وثمانين درجة أيضاً يُعَد شيئاً عجيباً جداً جداً جداً فهو يتخطى أينشتاين Einstein حتى بمدى بعيد، فماذا قال هذا الرجل العبقري والذكي؟!

قال” ثم بدأ الشكُ يساورني بعد ذلك”، فالمسألة لم تكن بتلك السهولة، فلا يُمكِن القول أنه لا إله وأن الانتخاب الطبيعي – الذي هو أستاذ الأساتيذ فيه إلى جانب زميله ألفرد راسل والاس Alfred Russel Wallace – هو الذي يفعل، فالانتخاب الطبيعي لا يُمكِن أن يحل محل يد الله – تبارك وتعالى -، مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا ۩ ، وهو يفهم هذا أكثر من غيره ولذلك بدأ الشك يُساوِره من جديد، ولكن من أي زاوية أو من أي ناحية بدأ الشك يُساوِره؟!

قال:

صار الشكُ يُساوِرني، هل هذا العقل الذي تطوَّر من عقل حيوانات دُنيا جداً محل الثقة ؟!

لأن الإنسان يتمتّع بهذا العقل الذي تطوّر من عقول حيوانات أدنى، حيوانات دُنيا جداً، نعم في مُنتهى السلسلة – في أعلى السلسلة – جاء الإنسان ولكن العقل الإنساني كان مُتطوِّراً من حيوانات دُنيا مروراً بأمثال الرئيسات – مروراً بأمثال وليس بالرئسيات نفسها – Primates .

ومن هنا يقول مُتسائلاً:

هل هذا العقل الذي تطوَّر من عقل حيوانات دُنيا جداً محل الثقة ؟!

فلماذا أثق به؟!

لماذا أثق أن نظريتي في التطوّر أصلاً صحيحة؟!

لماذا أثق بعقلي جُملةً؟!

أوه Oh، وطبعاً هذا الآن غير واضح ولكن الآن سأُوضِّح هذا ولكن عن طريق ملاحدة آخرين لكن يبدو أن لديهم قدراً محموداً من النزاهة ويعترفون بهذه الحقائق.

جي. بي. إس هالدين  J. B. S. Haldane – العالم الوراثي والتطوّري الشرس الذي سبق وأن حدَّثتكم عنه في سلسلة التطوّر فهو أحد عمد أو أعمدة الداروينية المُحدَثة الـ Neo-Darwinism – يقول مرة:

لو كانت المادية – أي الفلسفة المادية، المنظور المادي – صحيحة فلن نعرف أنها صحيحة.

الفلسفة المادية، المنظور المادة للحياة –  Materialism – أن كل شيئ مادة، فلا حياة ولا روح أو نفس، وإنما الكون كله مادة في مادة، فالعقل ابن الدماغ، وما يُسميه الناس نفس وروح كله ابن البدن، فلا يُوجَد شيئ مُستقِل، أي ما يُسمى بالمنظور الواحدي – Monism – فليس لدينا ثنائية ومن هنا لا تقل لي “روح ونفس أو روح وبدن أو نفس وبدن ” فلا مكان لمثل الكلام هذا، إنماهو بدن وفقط، أي مُجرَّد مادة، فالكون مادة مُغلَقة على نفسه ولا يُوجَد شيئ خارج هذا الكون وعداه هذا الكون، وانتهى كل شيئ، فهذا هو ما يُسمى بالمنظور الواحدي – Monism – أو مذهب الواحدية، علماً بأن مذهب الواحدية يُقابِله مذهب الثانوية أو الثنائية، الروح والبدن أو النفس والبدن، والعقل والدماغ، فالعقل شيئ غير الدماغ، نعم يُوجَد علاقة وطيدة بينهما ولكنهما ليسا مُتكافئين ولا مُتعادِلين ولا هذا إفراز هذا فهذا ليس ابن هذا، هذا يشتغل مع هذا ولكنه ليس ابنه فهو مُستقِل عنه، وسوف نُثبِت هذا بعد قليل، أو بالحري لن نُثبِت وإنما سنُشير طبعاً بعيداً عن هذه غطرسة إلى الأبحاث الرائدة والعميقة المُتخصِّصة في هذا الميدان .

فإذن يقول هالدين Haldane الذي كان معروفاً بشدة ذكائه أيضاً:

لو كانت المادية – أي الفلسفة المادية، المنظور المادي – صحيحة فلن نعرف أنها صحيحة.

لماذا؟!

نفس الشيئ، فهو هنا يسير في خُطى داورين Darwin في هذه المسألة، وهنا الانتحار العقلي وهم يعلمون هذا ولكن لا أدري هل هى رغبة أم هل هذا من باب التشوّش ومن ثم فهم مُشوَّشون، لا أدري ما الحكاية، ولذلك يوماً فيوماً – إخواني وأخواتي – تزداد قناعتي بأن الجذر الحقيقي أو الجذور الحقيقية للإلحاد نفسية أكثر منها معرفية عند الكل وبلا استثناء، فهذه الرغبة تزداد على الرغم طبعاً من أن هناك بلا شك مظاهر عقلية وفلسفية وعلمية وحُجج وبراهين على أساس علمي أو شُبهات، ولكن الجذر الحقيقي نفسي، وهم يعلمون هذا، وسأُعطيكم خُلاصة طبعاً مُكثَّفة جداً ويأتي شرحها بعد قليل!

وتأمل كلمة محمد إقبال – هذا الفيلسوف والشاعر العبقري المسلم – حين كتب ” وجود الله غير ثابت في نظرك، ووجودك غير ثابت في نظري”، فهذه الكلمة كانت أشمل وأعمق وربما مما بدا حتى لإقبال نفسه، ما رأيكم؟!

فإذا تحدَّثنا عن وجودي، عن وجودك، عن وجودها، عن وجودنا كخليقة، ككائنات بشرية ما هو جوهر الذي يمثل في قلب هذا الوجود؟!

إذا أردنا أن نختزل هذا الوجود إلى أهم خصائصه وسماته ماذا نقول؟!

الوعي، أهم شيئ فيه الوعي، فنحن في النهاية نُساوي الوعي، ونحن بلا وعي لا نُساوي شيئاً، مثلنا مثل هذه الخشبة، فالوعي أهم ما في وجودنا، وأعني بالوعي في هذا السياق بالذات القدرة العقلية أو الموثوقية بالقدرة العقلية، كقولهم عن شيئ Reliable أي موثوق به، محل الثقة، مُعتمَد، فالآن حين تُنكِر الله لا يُصبِح العقل مُعتمَداً، تفقد الثقة في عقلك، لا يغدو لديك أي أساس تُقيم عليه بناء هذه الثقة فلا يُمكِنك أن تقول أنني واثق بعقلي وقادر على التمييز وعلى الفهم لأن كل هذا سينهار مُباشَرة، وهذا أمر عجيب، أي أنني سأفقد عقلي تماماً – أي الثقة بعقلي طبعاً – إذا لم أُسلِّم بالله.

ديكارت Descartes قبل نحو أربعمائة سنة أثبت أنه بغير التسليم بالله لا يُمكِن أن تُثبِت وجود نفسك، وعنده فلسفة خاصة في هذا الصدد – فلسفة طويلة كُتِبَت في صفحات مُعقَّدة -، والآن علمياً وعلى أسس علمية وجدلية طبعاً بلا شك وفلسفية بغير الله لا يُمكِن أن تُثبِت الموثوقية بعقلك، وسُنثبِت هذا على ألسنة الملاحدة ذاكرين ما قاله داورين Darwin  وهالدين Haldane وغير هؤلاء، ومن ثم سوف نرى بعد قليل كيف ولماذا؟!

فإذن هالدين Haldane يقول ” إذا كانت المادية صحيحة فلن نعرف أنها صحيحة ” إذا المنظور المادي هو الأساس في كل شيئ وهو المُعتمَد وهو العُمدة والعقل ابن المادة ونتاج المادة وهو صحيح فلن نعرف أنه صحيح ،علماً بأن سُذج أو ساذجو الماديين في القرن التاسع عشر – وهم الآن ارتقوا طبعاً درجات عن هذا – كانوا يقولون ” الدماغ يفرِز العقل – Brain and Mind – كما تُفرِز الكبد الصفراء”، فكيف هذا ؟!
لم يُثبِت لنا أحد كيف يتم هذا وتركوه بالكُلية!
توماس هكسلي Thomas Huxley – بولدوج داروين  Darwin’s bulldog – ترك هذا للقرن القادم للأجيال القادمة وقال ” العقل هذا موضوع حركات جزيئية في الدماغ، يُفسِّره بالفيزياء والكيمياء والكهرباء فقط”، أي مادة، وهذا هو المنظور الاختزالي – مذهب الاختزالية Reductionism – الذي يُختزَل علم الأحياء – أيها الإخوة – إلى الكيمياء والكيمياء إلى الفيزياء وانتهى، والفيزياء في النهاية مُمكِن تُختزَل على طريقة لورانس كراوس Lawrence M. Krauss  الفيزيائي الشهير الأمريكي المُلحِد ولكن المُغالِطي، فأنا لم أقع على مُفكِّر مُعاصِر أو فيزيائي عنده قدر من المُغالَطات المفضوحة المكشوفة مثل لورانس كراوس Lawrence M. Krauss صاحب كتاب كونٌ من لا شيئ A Universe from Nothing وعنوانه الفرعي لماذا يُوجَد شيئٌ بدل أو عوض اللا شيئ Why There Is Something Rather than Nothing، فهو يُريد أن يُثبِت لك أن الكون هذا نشأ من العدم علمياً، وهذا الكلام فارغ طبعاً، علماً بأن هذا الكتاب علَّق عليه فيزيائيون مشاهير مثل ديفيد ألبرت David Albert في كولومبيا وغير هؤلاء قائلين بمعنى الكلام” لقد سوَّدت وجوهنا، نعم أنت فيزيائي مرموق ومُحترَم ولكن هذا الكلام مُستحيل” ، وألبرت  Albert قال له ” لقد ارتكبت أو تورَّطت في خطأ قاتل Dead Wrong أي سيُدمِّر سُمعتك كمُفكِّر، فأنت كفيزيائي ابق اشتغل في الفيزياء، ولكن لا تُمارِس دور مُفكِّر أو فيلسوف وتتحدّى اللاهوتيين والفلاسفة اللاهوتيين، فهذا خطأ قاتل والنقود التي وُجِهَّت إليك من طرف الفلاسفة ورجال اللاهوت كلها صحيحة” مع العلم أن ألبرت Albert مُلحِد مثل كراوس Krauss، مُلحِد ومع ذلك قال له أن هذه الطريقة تُعَد كلاماً فارغاً قال له هذا بوضوح، إذن ستقول لي:

فما القضية؟!

ربما نُفصِّل في هذا في آخر الخُطبة، ولكن لماذا يُطنطِن ويُدندِن ويهتاج ملاحدة العرب وصبيان ملاحدة العرب؟!

لأنهم مساكين لا يعرفون شيئاً فيُحِبون أي شيئ، يتشبَّثون بأي شيئ ويقولون لك:” فيزيائي عظيم ومن أعظم الفيزيائيين وأثبت أنه الكون نشأ من العدم”، فما معنى أن يُقال عنه فيزيائي عظيم؟!

تضحكون على مَن؟!

والرجل نفسه في الفصل السابع يقول “اللا شيئ هو شيئٌ ما” وهو يعرف أن هذا كلام فارغ، فهذا مُجرَّد تكتيك مفضوح ومكشوف، وبالعكس يقترح بعض العلماء أن اللا شيئ  – لدى كراوس Krauss – الكراوسي قد يكون – الأحرى به أن يكون – كل شيئ، وسوف نرى ما هو اللا شيئ هذا، فهو كل شيئ، يعني هل يظن لورانس كراوس Lawrence M. Krauss وأشياعه أنه بهذه البساطة وبهذا الاستخفاف يُتجاوَز أعظم سؤال تقريباً – أو هو من أعظم الأسئلة في تاريخ الفلسفة من القديم إلى العصر الراهن – وهو سؤال:

لماذا وُجِد الشيئ ؟!

لماذا كان هناك شيئ بدل اللا شيئ؟!

فما الذي أخرج الشيئ هذا من العدم؟!

لأن أكيد الأصل هو العدم، أنه لا شيئ، فكيف إذن جاء الشيئ من اللا شيئ؟!

وهذا السؤال مُحيّر وصعب جداً جداً جداً ومع ذلك الرجل بكل استخفاف يقول لك” أستطيع أن أُثبِت لك هذا فيزيائياً”، وفي الحقيقة لا أثبت ولا قرَّب على المسألة ولا أتى بأي شيئ – والله العظيم – له أي اعتبار – سبحان الله -، مسخرة ومع ذلك والملاحدة طاروا بهذا، والجدير بالذكر أن طبعاً زميله وصديقه ريتشارد دوكنز Richard Dawkins – المُلحِد الإنجليزي التطوّري وعالم الإحياء المرموق أيضاً – كتب ” لقد أخرج داروين Darwin الإله من علم البيولوجي Biology، فالبيولوجيا Biology الآن تُفسِّر كل شيئ دون الإله، ولكن الأمر في الفيزياء – في حق الفيزياء – ظل قلقاً غير مُستبين وغير واضح حتى أتى ستيفن هوكينج Stephen Hawking وسدَّد الضربة القاسمة”، وهى نفس الضربة طبعاً في التصميم العظيم – Grand Design  – أي أن كراوس Krauss تقريباً في هذه النُقطة عالة على هوكينج Hawking لأنه لم يأت بشيئ جديد على ما أتى به – أو زيادة على ما أتى به – هوكينج Hawking، نفس الكلام المُتعلِّق بوجود حقل كمومي – Quantum Field – وهذا الحقل الكمومي بفعل الجاذبية يخلق الكون، ويُسمّون هذا الغداء المجاني بالمُطلَق The ultimate free lunch، علماً بأنهم جميعهم يقولون لك ” غذاء مجاني”، فكراوس Krauss يقول لك “غداء مجاني”، هوكينج Hawking يقول لك “غداء مجاني”، ميتشيو كاكو Michio Kaku يقول لك” غداء مجاني” وهكذا كما لو كانوا مُتعلِّمين على أستاذ واحد، فهم يستعملون حتى نفس الـ Metaphor ويُكرِّرونه باستمرار باستمرار بطريقة مُمِلة ومُزعِجة، فأين هذا الغداء المجاني؟!

هذا لا يُمكِن، فالوحيد القادر على إخراج شيئ من لا شيئ هو رب كل شيئ – لا إله إلا هو  – وخالق كل شيئ، ولا يُمكِن أن تُفلِح لا الجاذبية ولا الحقل الكمومي ولا كل هذا الكلام الأشبه بعمل الحواة والسحرى، فكلها افتراضات وأكثرها غير قابل للتحقّق منه، افتراضات هكذا مدفوعة ربما بأحلام وأهواء أيدولوجية إلحادية تُريد أن تُعزِّز الإلحاد، تُريد أن تُقيمه على كل حال، وسوف نرى أن المنظور الإلحادي والمادي والتطوري الحيوي أشبه بمَن قطع – أي فعله في هؤلاء الملاحدة – الغصن الذي يجلس عليه أو بمَن يُطلِق النار على قدميه، لماذا؟!

لأنه يُفقِدك الثقة حتى في العقل نفسه، أنت لا تعود مُنكِراً لله بل مُنكِراً لكل حُكم، كل حُكم عندك يُمكِن أن يكون صحيحاً وغالطاً، فلا تدري شيئاً لعدم وجود أي ثقة، ومن ثم تختفي الموثوقية من العقل بالكامل.

ونعود إلى هالدين Haldane الذي يقول” لن نعرف إذن أنها أنها صحيحة أو غير صحيحة” مُبرِّراً ذلك بقوله ” لأنه وفقاً للمنظور المادي لابد أن يكون العقل – الذي هو بدوره محكوم بالدماغ – محكوماً بقوانين الكيمياء – يعني كيمياء وكهرباء طبعاً ونعرف التفسير الفسيولوجي هذا – وليس بقوانين المنطق”، وطبعاً قوانين المنطق واضح أنها ليست قوانين مادية ولا مُكتشَفة في الطبيعة، وسوف نُثبِت هذا بعد قليل، فالآن نحن نتحدَّث عن أشياء عميقة وفلسفية ولكنها مُهِمة، ومن ثم ضروري أن نفهم هذا لأن هذا الشيئ في العمق وإلا لن نفهم، نعم هى أشياء مُزعِجة صعبة ولكن لابد أن نفهمها لأنها في العمق، فلو كان العقل ابن المادة ومنتوجاً – مُنتَجاً – للمادة بدهي أن يكون محكوماً بقوانين المادة، ولو كان محكوماً بقوانين المادة لن يستطيع أن يتجاوزها مُطلَقاً، ولذلك الباحث والكاتب والإذاعي والقصّاص الإيرلندي الشهير سي. إس. لويس C. S. Lewis صاحب ال Miracles وصاحب كتاب قضية أو مسألة المسيحية The Case for Christianity – مشهور جداً هذا، وربما أولادنا وحتى الشباب اليافعون تابعوا المُسلسلات والأفلام الثلاثة لسجلات نارنيا Narnia فسي. إس. لويس C. S. Lewis هو الذي كتب هذا Chronicles of Narnia وهو رجل ذكي بل من أذكى الكتّاب والباحثين – يقول في مسألة

المسيحية أو قضية المسيحية” ما لم أُؤمِن بالله لن أؤمِن بالتفكير، بالعقل:
Unless I believe in God, I cannot believe in thought”

فبالضبط هكذا يقول ” ما لم أُؤمِن بالله لن أستطيع أن أثق بالتفكير، بعقلي”، لماذا؟!

لنفس الحُجة لأن إذا كان العقل منتوجاً مادياً وابن المادة فلن يستطيع إلا أن يكون محكوماً بقوانين المادة ولا يستطيع أن يتجاوزها، إذا هذا الحجاج يبدو أنه قديم فهو من أيام دراوين Darwin، وطبعاً هو قبل ذلك في الفلسفة الإسلامية بشكل واضح وجميل جداً جداً جداً، فهذا مشروع بشكل مُعمَّق تماماً في الفلسفة الإسلامية والفلسفة حتى العقلية الأرسطية بشكل عام ولكن الآن أخذ واجهة علمية، بدأ يأخذ طابعاً أو بعض طابع علمي.
الفيلسوف الأمريكي المسيحي الشهير بلانتين Plantin – ألفن بلانتنجا Alvin Plantinga  – أصبح الآن مشهوراً جداً بأنه طوَّر هذا البرهان وكتب فيه كتابات وله فيه وثائقيات ويُحاجِج ويشرح باستمرار في هذا الصدد ولكن هو مسبوق فهذا مُجرَّد تطوير، علماً بأن من ضمن ما أضافه هذا الفيلسوف الذائع الصيت ” العقل كمُنتَج مادي تطوّري لعملية الانتخاب الطبيعي أو التطوّر بالانتخاب الطبيعي لم يُطوَّر من أجل التفكير”، وهذا ليس كلام الفيلسوف المسيحي، هذا كلام التطوّريين وفي مُقدِّمهم ريتشارد دوكنز Richard Dawkins ، وحتى لا أنسى أيضاً دوكنز  Dawkins نفسه يعترف بأننا التزاماً بالمنظور التطوّري – وهو منظور مادي طبعاً يخلو من أي عمل أو دخالة لله عز وجل – لا يُمكِن الوثوق بأحكامنا العقلية، فهويعترف بهذاطبعاً !

وكما قلت لكم أن كان لديه نوع من التماسك ونوع من النزاهة لابد وأن يعترف، فإذا قال أحدهم هذا العقل ليس له أي أصل إلهي أوأي أصل ما ورائي لأنه ابن الطبيعة لابد أن يقول أننا يُمكِن أن أثق به لأنه ابن الطبيعة، وسوف نرى تفسير هذا، فداروين Darwins سبق وأن قال لغراهام Graham:

كيف أثق بهذا العقل الذي تطوَّر من عقول حيوانات دُنيا ؟!

كيف لي أن أثق به إلا أن كان لي أن أثق بقناعات عقل قرد من القرود إن كان في ذاك العقل قناعات Convictions؟!

إن كان هناك قرد وعنده قناعات هل أقدر أن أثق بها؟!

العقل الحيواني هذا مُتدنى عن الإنسان، وهو وأنا أيضاً مُتطوِّرون من عقول أدنى وأدنى وأدنى، فكيف نثق بها إذن وهى بنت المادة وليست مُتعالية على المادة؟!

قال داروين Darwins” هذا صعب بل مُستحيل” وفعلاً المسألة مُستحيلة ومع ذلك لن تعدم طبعاً فلاسفة ماديين وتطوّريين الآن يقولون لك” غير صحيح، فالمسألة سهلة جداً جداً جداً”، فهناك فيلسوف أمريكي إسمه دانيال دانيت Daniel Dennett – وبلا شك هو رجل ذكي وفيلسوف ذكي ولكن لديه مُغالَطات يعرفها الفلاسفة أيضاً ومَن تعوَّدوا التفكير الفلسفي العميق – هذا الرجل – دانيال Daniel  أو دان Dan – يقول:

لم كل هذه الجعجعة؟!

لم كان الوعي بالذات أو التفكير هو الشيئ الصعب المُستعصي على التحليل والتفكير؟!

قال:

بالعكس، فالصلابة والسيولة حالتان تُفسَّران بأشياء ليست صلبة ولا سائلة، ونفس الشيئ نحن يُمكِن أن نفسِّر الوعي والذكاء ونُثبِت أن له جذوراً مادية ومع ذلك يبقى داخل المادة، فما المُشكِلة إذن فهو موجود بكل لياقاته، وهنا لديك الصلابة والسيولة اللتان تُفسَّران بأشياء غير صلبة وغير سائلة؟!

وطبعاً خطأ التمثيل هنا واضح جداً جداً جداً، فهذا هو خطأ التمثيل، لأنه يُغالِطك، يختلك، يخدعك، وربما حتى هو نفسه مخدوع ولا يفهم هذه المسألة، فما هو هذا الخطأ؟!

حين تتكلَّم عن الصلابة والسيولة والغازية وحتى حالة البلازما Plasma في الفيزياء النووية ليس لدينا مُشكِلة، فأنت تتحدَّث عن مسألة توزيع الطاقة، مسألة توزيع وليس عن أمور مادية، طاقة مُعادِلة للمادة، وبلا شك في داخل الحقل نفسه – داخل المجال نفسه – يُمكِن أن نتكلَّم عن حالة وحالة أخرى فالأشياء تُفسَّر بأشباهها، ونأتي الآن إلى العقل، فالحديث ليس عن شيئ مادي بالمرة، الحديث عن الخيال، عن الحق، عن الباطل، عن الحُب، عن الإبداع، عن التضحية، وأشياء أُخرى كثيرة يُمارِسها العقل ويفرضها ويصول في ميادينها، وكل هذه المفاهيم لا علاقة لها لا بالمادة ولا بالطاقة فينبغي إذن أن تُفسَّر بشيئ ليس مادياً ولا طاقوياً، فما هو هذا الشيئ إذن؟!

شيئ مُفارِق، ولذلك لدينا مجموعة أسئلة مُحيِّرة – ليست مُحيِّرة لنا بالأحرى وإنما مُحيِّرة لهم، أي للملاحدة وللماديين -،  فكيف أمكن لي كإنسان أعيش في عالم النهايات؟!

كل شيئ مُتناهٍ، أنا مُتناهٍ، قدراتي حتى مُتناهية، العالم الذي أعيش فيه مُتناهٍ، وحتى الكون هذا قطره ثلاثة وتسعين مليار سنة ضوئية فهو مُتناهٍ أيضاً، ولو صار تسعمائة وثلاثين مليار سنة سيظل مُتناهياً أيضاً، وله بداية البيج بانج Big Bang فكل شيئ مُتناهٍ، إذن كيف لي وأنا المُتناهي الذي أعيش في عالم التناهي أن أُدرِك مفهوم اللانهاية؟!

وهذا الشيئ مُهِم جداً فانتبه، كيف تحدث هذه القفزات؟!

ما الذي يحدث؟!

كيف لي وأنا أيضاً الكائن المُركَّب من أجزاء وأشياء كالخلايا  Cells أن أشعر بوحدتي ؟!

الخلايا الحية كم خلية؟!

عشرة أس أربعة عشر مائة تريليون خلية، أي مائة مليون مليون خلية، وهذا الشيئ مُذهِل، الجسم مُكوَّن من مائة تريليون خلية، عشرة أس أربع عشرة خلية، فالجهاز العصبي وحده – هذا الجهاز النبيل – مُكوَّن من عشرة أس إحدى عشرة خلية، ناهيك عن تعقّد الوصلات بين هذه الخلايا – أي الـ Neurons – ، حيث أن بين الخلايا العصبية – الـ Neurons  – يُوجَد وصلات كثيرة جداً جداً جداً ومُعقَّدة تعقيد رهيب، إذن أنت لديك مائة مليار خلية عصبية ضمن بدن مُكوَّن من مائة تريليون خلية بنائية وهذا ما يُعَد شيئاً مُحيِّراً ومُخيفاً، ومن هنا – انتبهوا – كيف لي وأنا المُركَّب من كل هذه اللبنات الكثيرة – عشرة أس أربعة عشر – أن أشعر بوحدتي؟!

أنا واحد، فمن أين الشعور بهذه الوحدة؟!

ستقول لي ” والله أنا أول مرة أسمع هذا ” ، غير صحيح، فهذا السؤال طرحته الفلسفة من قديم وأرسطو Aristotle عنده جواب عن هذا ، ابن سينا عنده جواب من أحلى الأجوبة، حين تقرأ أنت في الإشارات والتنبيهات وفي غيرها أدلة ابن سينا على إثبات النفس – أن هناك نفس، هناك روح – ستتعجَب، وهذه هى المسألة بالذات، فما رأيك؟!

فطبعاً هؤلاء أذكياء، هؤلاء البشر حقاً أذكياء، فلماذا أفعل هذا؟!
أنا أتمتع بهذا وأشعر بمُتعة حين أقرأ لهؤلاء وحين أرد على هؤلاء بهؤلاء، فتخيَّل  أنت أن ترد على عالم فيزياء كبير تطوّري وعالم في القرن الحادي والعشرين – أي من المفروض أن يكون تجاوز كل هذا بمراحل – ببساطة بحُجة قالها فيلسوف قبل ألف سنة أو ألفين سنة، فهذه هى العبقرية الإنسانية، هذه الروعة الإنسانية طبعاً، وأيضاً الأهم من هذا ليس فقط العبقرية والروعة وإنما معرفة أن هذا خطأ بل مقتل النزعة العِلموية – Scientism – ، ومن ثم ستقول لي:

ما العِلموية؟!

العِلموية هى التعصّب المُفرِط بحيث يعتقد صاحب هذه النزعة أن لا سبيل ولا مُقارَبة ولا طريق لفهم الحقائق وكشفها إلا العلم – بمعنى الـ Science، الـ Wissenschaft  – فقط.

ولكن أين الفلسفة؟!
يقولون لك :

لا مكان للفلسفة ولا لهذا الكلام الفارغ.

فأين الدين إذن ؟!

لا مكان للدين ولا لهذه الخُرافات.

فلا مكان للفلسفة ولا للدين، العلم وفقط!

وهذا خطأ فيكف العلم وفقط يا رجل؟!

مُعظم البشر يعيشون مدفوعين – Driven by يعني – بواسطة تجاربهم الشخصية ، فهناك تجارب شخصية تحصل لكل واحد منا وخاصة التجارب الروحية وما إلى هناك، وهذه المسائل خارج نطاق العلم تماماً، وأين الآن كارل جاوس Carl Gauß؟!

هل تسمعون بالألماني جاوس Gauß؟!

هو أكبر رياضيي القرن التاسع عشر وأحد أيضاً أعمدة الرياضيين الذين أنشأوا وشادوا صرح الهندسة اللاإقليدية، فهذا الرجل شيئاً عجيباً فهو من أذكى أيضاً أذكياء الرياضيين في التاريخ الإنساني.

كارل جاوس Carl Gauß يكتب بالحرف قائلاً” هناك ثمة مسائل أوليها من العناية ما يفوق إلى حد بعيد جداً تلك العناية التي أوليها  لمسائل الرياضة أي الرياضيات Mathematics”، مثل ماذا؟!

وكيف أصلاً هذا وأنت رياضياتي ؟!

قال” مثل مسائل علاقتنا بالله، قدرنا، مصيرنا، فضلاً عن المسألة الأخلاقية”،ثم يستتلي قائلاً ” وأنا أعلم أن هذه المسائل وأشباهها تقع خارج نطاق العلم”، وفعلاً ليس لها علاقة علمية،هذه المسائل لا يُمكِن أن تجد حلها في العلم، ومن ثم ستقول لي ” لقد أدركت سر هذه الشوشرة وهذا التشويش والضياع الرهيب – طبعاً والإلحاد أيضاً – عند هؤلاء الذين يتمتّعون ويصدرون عن نزعة علموية مُتطرِّفةExtremist Scientism، فهم لديهم نزعة علموية مُتطرِّفة تقضي بالإيمان بالعلم وفقط فإذا العلم يتكلَّم الكل يسكت، وهذا غير صحيح يا سيدي، وسوف نُثبِت لكم أنه بالطريقة هذه تنتحرون أيضاً علمياً حتى لأن كلامكم سيُصبِح غير معقول بالمرة، فالعلم مُقارَبة من المُقارَبات المُحترَمة وهو مُقارَبة هائلة التأثير بلا شك وخاصة في مُقارَبة الأمور المادية الطبيعية، ولكن في مُقارَبة أمور يبدو أنكم طبعاً بلا شك تُنكِرونها أصلاً وأصالةً لأنها من طبيعة غير طبيعية – ما وراء طبيعية – يفشل العلم تماماً.

كراوس Krauss – لورانس كراوس Lawrence M. Krauss  – أعتقد في الفصل السابع ” اللا شيئ شيئٌ ما “يقول “أنا دائماً كلما التقيت باللاهوتيين الثيولوجيين – رجال الدين، علماء العقيدة اليهود أوالمسلمين أو النصارى – أتحداهم، وإلى اليوم حسب علمي لم يستجب أحد لهذا التحدي”، وأنا أشك في هذا، لأن مع كامل احترامي لكراوس Krauss  ولغيره هذا التحدي أجوف، ولن أقول شيئ ثانٍ أكثر من هذا، وإنما سأكتفي بكلمة أجوف، فما هو هذا التحدي إذن؟!

قال “دائماً أقول لهم أخبروني بأي شيئ قدَّمتموه في مُستوى المعرفة على الأقل في آخر خمسمائة سنة، فأنتم  لم تُقدِّموا أي شيئ ، نحن العلماء قدَّمنا وأنتم لم تُقدِّموا”، وهذا الكلام فارغ ومن ثم هذا تحدٍ أجوف، أتعرف لماذا؟!

لأن الثيولوجيا Theology مبحث الإلهيات، أي أن الثيولوجي هذا – اللاهوتي – ليس مطلوباً منه يُخبِرني عن تركيب الذرة بالمرة، ولا هو معني بهذا أصلاً، فما

ولكن مطلوب منه أنه يُخبِرني عن أشياء تختص بالله – تبارك وتعالى -، بوجوده وعدالته وعلمه وقدرته ورحمته وأشياء مثل هذه، مطلوب منه أن يُفسِّر لي النص المُقدَّس خاصة في موضوع الإلهيات، هذا هو فقط، فهل قدَّموا أم لم يُقدِّموا ؟!

قدَّموا الفسير والله، والله في فلاسفة لاهوتيون مسلمون ويهود ونصارى من أروع ما يكون – من أروع ومن أعمق ما يكون – وهم أذكياء جداً، كانوا ولا يزالون، فهل تطلب أنت من شخص جغرافي أن يُسهِم – مثلاً – في موضوع بناء الذرة ؟!

ما علاقة هذا بهذا؟!

هذه جغرافيا لا علاقة لها بموضوع بناء الذرة ، فإذن أين يُسهِم الجغرافي؟!

في حقل تخصصه، وكذلك الثيولوجي هذا – اللاهوتي – يُسهِم في حقل تخصصه، فلماذا تطلب منه أنت يا كراوس Krauss أن يُسهِم في مسائل علمية طبيعية من جنس المسائل تي تخصَّصت فيها أنت؟!

ما هذا؟!

لو عكس هو عليك الآية وقال لك “أنا أتحداك أن تقول ماذا قدَّمت في حقل المسائل الإلهية”، ستقول ” الإلهية خرافات، عندي خرافات”، عندك فقط خُرافات ولكن عندي وعنده وعند مليارات البشر الآن ليست بخُرافات.

ألف وتسعمائة وسبع وتسعين – أيها الإخوة – بحسب دراسة واستبيان تبيَّن أنه على الأقل من علماء الطبيعة – العلماء بشكل عام في أمريكا يُوجَد أربعون في المائة يُؤمِنون بالإله الشخصي – Personal God – وليس بالإله كقوة، كمجموع قوانين للكون على طريقة – مثلاً – سبينوزا Spinoza أو طريقة ألبرت أينشتاين Albert Einstein ، وإنما بالإله الشخصي أي الإله الذي نتوَّجه إليه بالدعاء والصلاة ونقول له “أعطنا وارحمنا واعمل لنا ما نُريد ولا تُعذِّبنا يا ربنا فحن نرغب إليك ونرهب في كذا” وإلى آخره ، فهذا هو الإله الشخصي، أما الشعب الأمريكي فأكثر من تسعين في المائة يُؤمِنون بالإله الشخصي !

ثم تأتي أنت بكل غطرسة وعجرفة وتعتبر كل هذا الكم من العلماء ومن البشر أغبياء وجُوف ولا يفهمون شيئاً ويُؤمِنون بالخرافات – Superstitions والكلام الفارغ؟!

الغطرسة هذه عيب، ولذلك حين يتكلَّم هؤلاء فعلاً تجد نوعاً من الغطرسة والتعالي فهم لا يُجمجِمون ولا يتردَّدون في سبنا – في سب الناس -، فدوكنز Dawkins دائماً يقول وبكل عجرفة مُتخطياً حتى حقوق الإنسان ولياقات في التخاطب ” دائماً ما يُقال لنا عليكم أن تحترموا الرأي الآخر وأنا أقول لهؤلاء – يقصد المُؤمِنين وهم مليارات من البشر – اذهبوا إلى الجحيم، تباً لكم ولن أحترم آراءكم ”

وإذا انتُقِد وقيل عنه “ينتحر عقلياً ” يقولون هذا عيب، وكيف تتكلَّم بهذه الطريقة؟!

يا سلام !

فما هذا؟!

أنت حُر!
وحين يضحك الناس من مُغالَطة مكشوفة يقع فيها يغضب جداً ويقول:

ما المُضحِك في هذا ؟!

المُضحِك أنك تتورَّط في مُغالَطات مفضوحة جداً جداً جداً ولا ينبغي أن تتورَّط فيها، ومن ثم يضحك الناس، يضخكون على المُغالَطات المفضوحة فيغضب الرجل!
إذن عليك أن تحترم الآخرين أيضاً، علماً بأن ليس هناك منطق عِلموي يسمح لك أن تُلحِد، فما رأيك ؟!

ولا يسمح لك أيضاً أن تُؤمِن ، فكما أقول دائماً العلم وحده لا يفعل هذا إلا أن زوَّدته بالفلسفة، بالمُقارَبات الفلسفية والمنطقية، حين إذن الأمر يختلف ويُصبِح التعويل على مثل هذه المُقارَبات، إذن نزعة هؤلاء ليست عِلمية وإنما عِلموية فنحن نعترف بالعلم، وإنما نزعة عِلموية – لا تُؤمِن إلا بالعلم وحده وتُهدِر ما سواه، ومن هنا نحن نحترم النزعة العلمية التي تُعوِّل على العلم في ميادينه وفي مجالاته وتحترم أيضاً المُقارَبات الأخرى والمنظورات الأخرى في ميادينها وفي مجالاتها، ولعلي حدَّثتكم في المرة السابقة عن المبدأ الأنثروبي وكيف يقف منه هؤلاء الملاحدة، ملاحدة علماء الأحياء وعلماء الكيمياء والفيزياء الموجودون حول العالم، والعجيب أنهم كأنهم اكتشفوا أن هذا المبدأ –  Anthropic Principle ، المبدأ الإنساني الأنثروبي وليس الأنثروبولوجي، فهو من بارانثروبوس Paranthropus ، أي قرد وكذا ثم إنسان – لا يخضع لقابلية الدحض البوبرية – نسبةً إلى كارل بوبر Karl Popper – بمعنى أنه في بنيته ليس علمياً، وهذا ما اكتشفوه وفعلاً هذا صحيح فالمبدأ الأنثروبي ليس نظرية علمية، أي أن المبدأ الأنثروبي لا يُمكِن أن تنتظر منه بطريقة ما إضافة أو تجديداً في فهم أو في اكتشاف ما لم يُكتشَف من ظاهرات الكون وقوانينه، فهو لا يفعل هذا، ولكن المبدأ الإنساني أو الأنثروبي هو مبدأ وراء علمي – ميتا Meta بالإنجليزية أو ميتاه Meta بالألمانية فميتاه Meta تعني وراء – ولذلك السؤال الأنثروبي هذا هو سؤال ورائي يُطلِقون عليه تسمية Meta Question، وهذا الما فوق علمي ولكنه مُؤسَّس على مُعطيات علمية مُحترَمة.

وطبعاً لابد أن يكون جزءً اليوم من حديثي عن المبدأ الأنثروبي  وكيف يتعاطى معه الملاحد أيضاً بشكل دقيق حتى نُوصِّل المعلومة، ولكننا سنعود إذن الآن إلى قضية الانتحار العقلي:

بلانتنجا  Plantinga يقول “باعتراف التطوّريين العقل تطوّر لا من أجل أن يُفكِّر أبداً”، فمن أجل ماذا إذن؟!

To ماذا؟!

من أجل أن يبقى صاحبه – To survive not to think – وليس من أجل أن تُفكِّر.

وهذه القضية أيضاً انتحارية رهيبة ولكن هذا هو الصحيح ولا يُمكِن أن تقول عكس هذا تطوّرياً فلا يُمكِنك كتطوري أن تقول لي ” العقل تطوّر من أجل أن يُفكِّر” فهذا غير صحيح، تطوَّر من أجل أن يبقى وأن يتكاثر فقط، ولكن ما بال هذا العقل جبَّاراً جداً؟!

نحن كان يُمكِن أن نبقى ومُرشَّحون أن نبقى بدون كل هذا العقل الجبَّار الضخم،يا أخي الغزلان موجودة، الديدان موجودة، الفراش موجود، ونحن أقوي وأفضل من هذه الكائنات الساذجة الدُنيا، وكان مُمكِن أن نبقى بعشر بوعيشير هذا العقل – وهذا صحيح ومأزق كبير – باعتراف التطوّريين، فما بال هذا العقل الضخم الرهيب هكذا؟!

ما باله مشغولاً بقضية الله؟!

هل الله موجود أم غيرموجود؟!

وماذا عن الجنة والنار والآخرة والملائكة والخُرافات والحقائق والأغاليط والمنطق والمنطق الصوري والمنطق الرمزي والمنطق الكذائي؟!

فما هذه القضية إذن؟!

ما بال هذا العقل مشغولاً جداً حتى أصابته حُمّي البحث في أدق مُكوِّنات الوجود؟!

فلم يكتف بالذرة ونزل إلى ما يُسمونه بالمُستويات دون الذرية Subatomic Levels، فبحث في الإلكترون Electron، في النيوترون Neutron، في البروتون Proton، ورأى شُحنة هذا كم تعدل وشُحنة هذا وكُتلة هذا، وليس هذا فحسب بل وقال لك ” وبعد هذا النيوترون Neutron  يُوجَد مُركَّب من كواركات Quarks، والكوارك Quark هذا قصة”، فما القصة هذه إذن؟!

لماذا؟!

وفي المُقابِل يبحث في الكون – في الكوزموس Cosmos – الذي قطره ثلاثة وتسعين مليار سنة ضوئية ، يبحث فيه، في مساره وفي مصيره وفي منشأه، وكيف نشأ ومن أين أتى، فما هذا ؟!

فضلاً عن انشغاله طبعاً بعلم النبات والحيوان وعلم المياه وعلم التعدين أو المعادن والعلوم، فما هذا العقل الجبَّار؟!

أهذا العقل وُجِدَ ليبقى فقط؟!

لماذا هذا العقل الضخم؟!

فلماذا كل هذه القدرات واللياقات؟!

لماذا هذا الثراء المُخيف – الثراء غير الطبيعي – في العقل؟!

المبدأ الأنثروبي يُفسِّر لك اعتماداً على العلم، ولكن قبل أن نقول كيف يُفسِّر أريد أن أقول لك تطوّرياً كيف أننا فعلاً لم نتطوَّر ولم تتطوَّر أدمغتنا وعقولنا من أجل أن نبقى فما الذي ينبني على هذا؟!

ينبني على هذا أيضاً نزع المعقولية، نزع الموثوقية من العقل، فلن يكون لديه أي موثوقية، لأنه تطوّرياً مادياً، والآن هاذا ليس كلامي وإنما كلام بلانتنجا  Plantinga الذي قال”العقل في تصور وتصوير هؤلاء مُجرَّد نتاج للجهاز العصبي ” أي نشاط عصبي كيميائي كهربائي يحدث في الدماغ وينتج له العقل، ونفس النشاط العصبي هذا بطبيعته الكيميائية الكهربائية أو الكهروكيميائية هو الذي يُملي علينا السلوك، والسلوك المفروض فيه أن يكون  تكيفياً Adaptive – – أي أن يكون مُتكيفاً لأنه لابد أن يتكيَّف، فالذي يتكيَّف يستطيع اليعيش، والذي لا يستطيع أن يتكيَّف ينقرض، وهذا هو التطوربالانتخاب الطبيعي، فإذن السلوك لابد أن يكون مُتكيفاً Adaptive فوهو ابن الجهاز العصبي، والعقل نفسه وأحكام العقل والمُعتقَدات – ال Beliefs – المُختلِفة هى نتاج للجهاز العصبي، والجهاز العصبي بدوره هو المُتكيِّف الأكبر طبعاً قبل السلوك وقبل الاعتقادات لكي يستطيع أن يعيش في العالم هذا ويتكيَّف مع كل شيئ، فهذا مُتكيِّف وهذا مُتكيِّف ومن هنا فالمُهِم في المنظور التطوّري أن يتكيَّف سلوك الكائن، فماذا عن المُعتقَدات؟!

لا اعتبار لها بالمرة من جهة الصحة والغلط، الحقية والبُطلان، أي أنها يُمكِن أن تنطوي على مجموعة مُعتقَدات باطلة غالطة تماماً – خُرافات محض، مسخرة – ومع ذلك تعيش وتمتد وتتكاثر، لأن السلوك مُتكيِّف، إذن أهم شيئ السلوك، أما المُعتقَدات لا وزن لها هنا، أن تكون صحيحة أو أن تكون غالطة هذا لا يعبأ به التطوّر، لا يعبأ به الانتخاب الطبيعي.

ستقول لي:

هذا يُورِّطنا في ورّطة عظيمة فأنا أرى دوكنز Dawkins نفسه وكراوس Krauss وهوكينج Hawking وكل الملاحدة عندهم حماس غير طبيعي أن يُقنِعونا بوجهات نظرهم العلمية والأيدولوجية والفلسفية مثل أنه لا وجود لله وأن الأديان كلام باطل والأنبياء كذبة وما إلى هنالك، فلماذا عندهم هذا الشيئ؟!

لماذا أنتم كماديين مُتحمِّسون لمُعتقَداتكم؟!

المفروض كماديين، كتطوّريين إلا يكون لديكم أي تحمس لمُعتقَداتكم، لأن هذه المُعتقَدات يُمكِن أن تكون غالطة على الأقل بنسبة سواء مع كونها – أو مع إمكان كونها – صحيحة، ومن ثم لا ينبغي لكم أن تنفعلوا كثيراً وتُبشِّروا بها.

ولكن هم يرون أن هذا كله كلاماً فارغاً، أهم شيئ بالنسبة لنا كحيوانات عالية أن نمتد – Survive – ونعيش وينتهى الأمر.

ولكن كل واحد فينا لا يستطيع أن يُغالِط أن لديه نزعة داخلية عميقة جداً جداً جداً وليس هذا فحسب بل أن هناك المُتعصِّبون الدينيون والغير الدينيين الذين يموتون من أجل مُعتقَداتهم فيقتلون ويُقتَلون من أجلها، ومن ثم قد تجد أحد الناس يقول لك “أنا مُستعِد أن أموت في سبيل أن اُدافِع عن هذا المُعتقَد، عن هذه الفكرة” فلماذا إذن وهذا ضد ؟!

أليس كذلك ؟!
أهم شيئ في التطوّر أن تعيش وتتكاثر وتتناسل، فلماذا مُستعِد أن تموت أنت؟!

ستقول لي ” لا أعلم لقد عضلت بي المسألة ولكنا أنا لدي في قعر نفسي شعور بأن هذا الشيئ لازم وضروري”، وأنا بدوري أقول لك ” هذا صحيح وأنا عندي أيضاً شعور بأنه ضروري، فمسألة الصح والغلط في الأفكار مسألة حسَّاسة جداً لأنها فعلاً تنتمي إلى العقل وليس إلى المادة، والعقل هذا لم يأت من هنا وإنما من عالم آخر فهو ينتمي إلى شيئ آخر لأنه عطية إلهية، وعلينا أن ننتبه إلى أن هذا العقل هو عطية إلهية”

ونعود إلى سي. إس. لويس C. S. Lewis  في كتابه قضية المسيحية الذي قال فيه “ما لم أُؤمِن بالله لن أستطيع أن أُؤمِن بالعقل، في ظل وجود هذه النزعات العقلية العجيبة الغريبة والواسعة جداً والثرية والفخمة والتي تدس أنفها في كل شيئ لا يعنيها مثل بنية الذرة ومصير الكون وأصل الكون ”

فما علاقتك أنت بهذا كله، علماً بأن هذا غير لازم لك لكي تعيش على الأرض ؟!

فكان من المُمكِن أنت تعيش مثل ما الغزالة تعيش ومثل ماالفراشة والدودة تعيش، فما سر هذا كله؟!

للأسف القضية تحتاج إلى توسعة أكثر!

وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ۩

 

وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ۩

إخواني وأخواتي :

أينشتاين Einstein مرة طرح سؤالاً يُقال كان سؤال عمره  ولكننا سنطرحه بدون مُبالَغة وسنرى كيف أوَّل الملاحدة هذه الكلمة وكيف أوَّلناها نخن ومن غير تجنٍ ومن غير تحيف وسوف يترجَّح تأويلنا إن شاء الله، قال:

ما أُحِب أن أعرفه هل كان لدى الله خيار في خلق الكون ؟!

فما معنى الكلام هذا؟!

هل كان عند الله أي نوع من الخيار في خلق الكون؟!

أتعرفون عن ماذا يُعبِّر أينشتاين Einstein بهذه العبارة ؟!

يُعبِّر عن نفس تأويلنا وهذا واضح جداً طبعاً ، علماً بأن الآخرين – وهم فيهم ملاحدة أيضاً – صدروا عن نفس المنطق ونفس الاندهاش والتعجب والتسليم بالعجز، فتأويلنا يتفق مع المعنى الذي عبَّر عنه أينشتاين Einstein بتعبير آخر أو بصياغة أخرى عن المبدأ الأنثروبي، المبدأ الذي يقول أن أنه هذا الكون كله مُصاغ ومُولَّف – Customed  – ومُعّدومضبوط من أجل أن يُنتِج الحياة – Customed For Life – والحياة تُنتِج الوعي الذي يتمثَّل في أعلى درجاته في الإنسان، وليس فقط درجة بل درجة ونوعاً ، أي وعي نوعي، فكل هذا مُعَد ومضبوط – كما قلنا في الخُطبة السابقة – بطريقة ولا أدق ولن أُعطيكم الآن أمثلة أخرى حتى لا تستغرق وقت الخُطبة كلها، ولكن يُمكِن أن نسوق مثالاً واحداً أو مثالين، يقول الفيزيائي الإنجليزي ورجل الدين جون بولكينج هورن  John Polkinghorne بعد أن قضى مسيرة مهنية مُشرِّفة في الفيزياء واكتشف بعض الجُسيمات الدقيقة وسُجِّلَت بإسمه فهو فيلسوف عظيم وعنده كتب كثيرة في العلم والفلسفة وخاصة الفلسفة الدينية أو اللاهوتية “حين نعود للقهقرة بالزمان إلى زمان بلانك Planck time لدى الانفجار الكبير – زمان بلانك Planck time عشرة مرفوعة للقوة ناقص ثلاثة وأربعين، ولك أن تخيَّل هذا، أي جزء من كذا تريليون تريليون جزء من الثانية، وهناك طبعاً عند زمان  بلانك Planck time تتوقَّف كل النظريات وكل المعارف وكل أدواتنا حتى الرياضيات فضلاً عن الخيال لأن كل شيئ يفسد ويتجمَّد فهذا الشيئ لا يُمكِن أن يُخترَق – وجرى بعد ذلك توزيع المادة – المادة والطاقة طبعاً فلم يكن هناك مادة بالمعنى الآني – جرت مُوازَنة بين قوة البيج بانج Big Bang وهى قوة نابذة طاردة طبعاً – فهذا انفجار يرمي الأشياء إلى بعيد – وبين بين القوة الجاذبة ” الجاذبية” .

إذن هناك مُوازَنة ، وهذه المُوازَنة من رُتبة واحد على عشرة أس ستين ومن ثم اللعب فيها – في هذا الهامش – غير مسموح، فهى واحد على عشرة أُس ستين، أي لو أن هذه أصبحت أزيد أو أنقص في رُتبة واحد على عشرة أُس ستين ستختلف الأمور، فإما أن الكون سيتمدَّد تمدّداً عقيماً ولا يُنتِج شيئاً في النهاية وإما أنه سينهار على نفسه مرة أخرى ويتقلَّص، وأيضاً لن نكون هنا لكي نتكلَّم هذا الكلام ، فهل تعرفون ما معنى واحد على عشرة أُس ستين؟!

الكون الآن يُقال عمره ثلاثة عشر فاصل سبعة من عشرة مليار سنة، أي تقريباً أربعة عشر ألف مليون سنة.

وكل سنة فيها كم يوم وكم شهر؟!

واليوم فيه كم ساعة وكم دقيقة وكم ثانية ؟!

فكم ثانية عمر الكون إذن؟!
ستقول لي ” يمكن أن يكون عشرة أُس ألفين”، غير صحيح ، وإنما عشرة أُس عشرين، وهذا فقط لكي تعرف ما معنى عشرة أُس ستين، فهى شيئ أكثر من أن تُتخيَّل، ستقول لي:

هل يُوجَد أشياء من رُتبة عشرة أُس مائة وعشرين؟!

شيئ رهيب فعلاً وهذه الأمثلة كلها لها علاقة بالمبدأ الأنثروبي !

عمر الكون بالثواني – وهو أربعة عشر مليار سنة إلى الآن – عشرة أُس عشرين ثانية فقط وليس أكثر ، فمارأيك؟!

أي مائة مليون تريليون ثانية فقط، فعشرة أُس ستين تُعَد شيئاً رهيباً!

بول ديفيز Paul Davis الرياضاتي التطبيقي المشهور جداً يقول ” هذا الضبط الدقيق ضمن هذه الحدود يُمكِن أن نُشبِّهه بإصابة هدف مُربَّع ضلعه بوصة واحدة”

تخيَّل بوصة واحدة، اثنين ونصف سم (cm) فقط ومن على بُعد أربعة عشر مليار سنة ضوئية.
يا الله !
يعني تضع لي ذبابة أو أي شيئ في مُربَّع ضلعه اثنين ونصف سم – بوصة، واحد إنش Inch – وتُريد أن تنشِّن عليه من على بُعد كم ؟!

من على بُعد أربعة عشر مليار سنة ضوئية وتُصيبه !

فهل أصبته صُدفة ؟!

لا يُمكِن أن تكون صُدفة، وإلا فأنت مُنتحِر عقلياً، أُقسِم بالله مُنتحِرعقلياً، فكيف تُصيبه ؟!

ومع هذا يقول لك” نعم أُصيبه وهذا يحدث “، فما الذي يحدث يا سفيه ؟!

أنت سفيه فعلاً، وهذا إسمه سفه، ولذلك علماء الفيزياء الكبار – العلماء العظام جداً جداً جداً – يُؤمِنون ويبصمون بالعشرة على صحة المبدأ الأنثروبي وصحة أن الكون هذا يُوجَد ذكاء أوجده وذكاء صمَّمه وولَّفه ومن ثم ذكاء أراد منه أن يُنتِجنا وأراد وفي هذه اللحظة الفارقة من طريق الكون أن نكون هنا لكي ندرسه ونحكم عليه ونكتشفه، أي بتعبيري أنا ” نحن هنا لكي نفض الرسالة” فهناك ثمة رسالة – لا إله إلا الله -، وجميل أن الله – تبارك وتعالى – في الأديان كلها يقول لك ” أنا ابعث الرسل، وهذا هو رسولي” ، فعلاً شيئ يقشعر له البدن – والله – فالكون كله رسالة، ما رأيك؟!

وفي كل شيئٍ له آية .

كل الكون وكل هذا الكلام هو رسالة – والله العظيم – ونحن وُجِدنا هنا لكي نفتضها ونقرأها ونقول “لا إله إلا أنت، سُبحانك إنا كنا من الظالمين، سُبحانك ما خلقت هذا باطلاً”، لكي نقول هذا فنحن مخلوقون من أجل هذا، لكي نعرف الله ونُوحِّده ونُستهام به حُباً وعِشقاً وتتيماً – لا إله إلا هو – أكثر من أي شيئ آخر، فهذه هى الرسالة!

والعجيب والجميل أن جون ويلر John Weller وهو أستاذ الفيزيائي العظيم ريتشارد فاينمان Richard Feynman – فاينمان  Feynman هذا أستاذه ويلر Weller، وهذا الذي في خُطبة حدَّثتكم عن قوله ” تاريخ الكون أنت تُساهِم فيه “والمقطع طبعاً مبثوث على اليوتيوب YouTube طبعاً فأنت ترصد الكون وتغيَّر تاريخه وهذا شيئ لا يكاد يُصدَّق فالرجل عنده خيال وعقل واسع – قال ” ميكانيكا الكم الآن أجبرتنا أن نعتقد أن هذا الكون خُلِقَ ليُساهِم الإنسان نفسه في خلقه” فنحن شركاء في عملية الخلق عبر الرصد، عبر القوة العاقلة.

وهل تعتقدون – مرة أخرى الانتحار العقلي للمُلحِد – أن ابن المادة ومنتوج المادة والمحكوم بقوانين المادة الفيزيائية والكيميائية والكهربية وإلى آخره يستطيع أن يتخطى المادة ليُفكِّر في هكذا قضايا أصلاً؟!
هذامُستحيل، إلا في حالة واحدة فقط أن يكون هناك ذكاءٌ فائق، ذكاء مُطلَق هو الذي قرَّر أن يُزوِّدك بالذكاء.

وجميلة مُلاحظَة تشارلز داورين Charles Darwin حين قال في معرض إعرابه عن إعجابه بذكاء الإنسان الذي هو صورة من ذكاء الرب – فهذا ما قاله في رسالته  أيضاً إلى ويليام غراهام William Graham – نحن لدينا قدرة أن نفض الرسالة.

فأنت حين تبعث رسالة إلى نملة – إلى كائن لا يقرأ ولا يكتب – هل تستطيع أن تقرأها؟!

ولكن يُمكِن أن تبعثها إلى إنسان كاتب وقاريء أوعنده القدرة على أن يتعلَّم ويكتب ومن ثم يستطيع أن يقرأها، فنحن لدينا القدرة إذن، وجميل أن بعض الناس يستمع لأول مرة لمثل هذه القضايا، ولكن الأجمل أن لديه القدرة على أنه يتعاطى معاها ويفهمها وأيضاً أن يُستهام بها، بل ويُستطار فرحاً من النشوة المعرفية، فشيئ جميل أن نتعاطى مع هذه المسائل من هذه المنظورات طبعاً وعندنا القدرة على هذا، فالإنسان مُهيَّأ لهذا، وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا۩ ، وقال الله للملائكة أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ۩ ، فهذا هو لأن الله يعلم مَن الذي يستطيع أن يقرأ هذه الرسائل التي أودعها، فوالله كلما قرأت هذه المُعادَلات وهذه الأرقام  – شيئ يجنِّن أُقسِم بالله – أقول مُتعجِباً “يا الله، يا الله”، ولكنك للأسف تجد بعضهم ملاحدة وهذا شيئ عجيب – وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ۩  – فنسأل الله ألا يُشوِّشنا لكي نظل واضحين وقادرين على أن نستخلص النتائج أياً كانت التبعات، علماً بأنني أعلم أن الضغوط في المُجتمَعات العلمية هنا في أوروبا وأمريكا قوية جداً جداً جداً حتى أن أحد الكتّاب – وهو عالم كبير – قال “أنا أعلم  أن في هذا في هذا المُجتمَع – Community – العلمائي، في هذه الدوائر العلمية عليك أن تترك إيمانك عند الباب”، إياك أن تدخل المُختبَر أوالمُؤتمَر العلمي أو غيره وتقول ” الله”، إياك أن تفل هذا وإلا سيُدمِّرونك، فهناك ضغط رهيب وانتقام، فالمسألة كأنها مسألة انتقام، ولكن الآن يا سيدي هذا ليس كلاماً علمياً، هذا ميتا Meta علمي، واسمحوا لي أن أتكلَّم كلام ميتا Meta علمي لنأخذ العلم ونذهب به إلى أُفق أعلى قليلاً لنستطيع أن نُفسِّر وأن نُلقي نظرة طائرة فنفهم دون أن نغوص في التفاصيل من خلال نظرة الطائر هذه ، فهل هذا مسموح به؟!

غير مسموح به، هذا ممنوع وستُدمَّر، سُمعتك العلمية تُدمَّر، ومن ثم عليك أن تسكت، إياك أن تفعل هذا، ولكن أن تُجاهِر بالإلحاد وتُبشِّر به هذا لا يُدمِّر سُمعتك العلمية – غريب – على الرغم من  أن الإلحاد موقف غبي إذا ما قيس بالإيمان، فالإيمان عنده مُبرِّراته والإلحاد ليس فيه مُبرِّرات حتى علمية على عكس الإيمان الذي لديه أدلة كثيرة ومُتعاضِدة مُتقارِنة يُقوّي بعضها بعضاً، فكل دليل يُقوِّي الدليل الذي سبقه، ومن هنا لا يُمكِن ببساطة أن تتجاوز كل هذا!

فجون ويلر John Weller يقول باختصار دون أن أسوق عبارته لأنها طويلة ”

كل هذه البارامترات –  Parameters – كل هذه الثوابت والأشياء والدقة والتوليفات وما إلى هناللك كلها من أجل ماذا ؟!

من أجل أن نكون هنا.

وكلمة ” من أجل ” هذه تعبير ماذا؟!

تعبيرغائي،  والعلم كافر بهذه الغائية، فممنوع أن تتكلَّم عن الغايات في العلم، ممنوع أن تقول لي ” غاية “، هذا كلام الثيولوجيا Theology والفلسفة أما العلم فليس فيه غايات، العلم ليس فيه ” لماذا” ولكن فيه ” ماذا وكيف What and How”، أما ” لماذا Why ” لا مكان لها في العلم، ممنوع أن تقول هذا، وإلا تُصبِح مُتَهماً بعد ذلك، ولكن ويلر Weller قال ” لأ ” وبالفم الملآن، فهو طبعاً حاملاً لجائزة نوبل Nobel وأستاذ فاينمان Feynman في الفيزياء طبعاً، أي أنه رجلاً مُهِماً ومن ثم له كلمة مسموعة ويحق له أن يستعمل كلمة ” من أجل ” في العلم، فقال” لكي نخوض هذه المُعترَكات لابد من الوعي، فلكي أتكلَّم في الفيزياء أو اللاهوت لابد من الوعي، لكي أتكلَّم عن الكون بأي طريقة – طريقة مُلحِد أو مُؤمِن – لابد من الوعي، وهذا الوعي – يقول ويلر Weller – ما كان له أن يكون بغير الحياة، والحياة ما كان لها أن تكون بغير العناصر الثقيلة وخاصة اللكربون Carbon، والعناصر الثقيلة ما كان لها أن تكون بغير الهيدروجين Hydrogen، وكذا الهيدروجين Hydrogen وعملية إنتاج العناصر الثقيلة التي لا تتمإلا وفقاً لسلسلة مُعقَّدة جداً جداً.

فالكربون Carbon يُنتَج في بطون النجوم – والله العظيم – بطريقة إذا قرأتها ستُسلِّم مع السير فريد هويل Sir Fred Hoyle – المُلحِد البريطاني وصاحب نظرية الحالة المُستقِرة في الكون – Steady State Theory – الذي تراجع عن إلحاده وانتهى  تقريباً إلى صيغة أقرب إلى الإيمان أو اللاأدرية حيث أن مسألة إنتاج الكربون Carbon في بطن النجوم مُعقَّدة فقال “يبدو أن الفيزياء والكيمياء والأحياء تتآمر هنا” هناك مُؤامَرة رهيبة جداً جداً جداً جداً لكي تسمح للكربون Carbon يظهر ولكي نكون نحن الكائنات الكربونية الواعية فهذا الشيئ يُعَد أمراً ليس طبيعياً بالمرة، فنحن لسنا فقط غبار –  Dust – النجوم بل نحن أبناء النجوم أيضاً، وحياتنا هذه تدين طبعاً بعد الله – وكل شيئ يدين لله – علمياً بشكل رهيب للنجوم وما يجري في باطن النجوم.

ونعود إلى ويلر Weller:

ويلر Weller يقول:

ولكي يسمح الهيدروجين Hydrogen  بكذا كذا كذا لابد من طبخ – طبخ حراري نووي في باطن النجوم – وهذا الطبخ Cooking النووي الحراري في باطن النجوم لن يكون صالحاً لكي يُنتِج شيئاً ذا قيمة إلا في زمن يُساوي عشرة أُس تسعة – يقصد مليار سنة -، ولكي يتم هذا في بطن نجم من النجوم وأي نجم من النجوم لابد أن يتوسَّع وفقاً للنسبية العامة لألبرت أينشتاين Albert Einstein ولابد أن يتحيَّز، فيأخذ الكون حيِّزاً على مدى مليار سنة أيضاً.

شيئ يُقشعِّر البدن ومن هنا يتساءل ويلر Weller:

لم الكون ضخم كل هذه الضخامة؟!

الآن ثلاثة وتسعين مليار، أي عدد هائل من مليارات السنوات وما إلى هنالك، فلماذا هذا كله إذن؟!

إذن هو يسأل سؤال سؤالاً غائياً بقوله لم، ثم يُجيب قائلاً” لكي نكون هنا”، علماً بأن لا يستطيع أي لاهوتي يُعبِّر عن ثقته بالمبدأ الأنثروبي -Anthropic Principle – بهذه الجرأة وهذه الطريقة ولكن ويلر Weller فعلها لأنه مدعوم طبعاً بتاريخه – بالــ Career الخاص به – الفيزيائي الرهيب، فكأنه يقول أنا لست جاهلاً أو سفيهاً وأعلم جيداً ماذا أقول، فلا يُمكِن لك أن تنتحر عقلياً وتقول لي أن هذا كله صُدفة، فهذا غير صحيح.
الفيلسوف المُلحِد جون ليزلي  John Leslie استخف مثل كل هؤلاء الملاحدة وقال ” المسألة سهلة جداً جداً جداً جداً، فلو افترضنا أنه هناك ذبابة على حائط على بُعد اثنين متر أو عشرين أو مائتين متر – ولم يقل حائط يبعد مليار سنة ضوئية فلم يُحدِّد المسافة والله، وهذه كلها مُغالَطات – ثم أصابتها طلقة فهذا الأمر مُمكِناً في إحدى حالتين، إما أن القنّاص الماهر يُمارِسه هوايته بالتلسكوب Telescope  فرآها ومن ثم أصابها – كأنه يقول الله موجود ويُريد هذا – وإما هناك عدداً كبيراً من القنّاصين يضربون عشوائياً ومن ثم ستُصيب إحدى هذه الضربات الذبابة”.

وانظر بالله عليك إلى هذا المثال الذي لا يُمكِن أن يُحل أو يُذيب ثقتنا بالمبدأ الأنثروبي المُؤسَّس كمبدأ ميتا Meta علمي – وهو فوق علمي – على عدد من المُعطيات الخاصة بالثوابت والقيم والبارامترات – Parameters  – المُخيفة المُرعِبة في دقتها في الكون، فهل هذا يُمكِن ؟!
فماذا لو قلنا لجون ليزلي  John Leslie:

حسنٌ إذن المسألة ليست رهن تعقّد الشيئ فقط، بل ما ينتج عن هذا المُعقَّد من أشياء أكثر تعقيداً وأكثر تحييراً ، فسنُلغي مثال الذبابة ونفترض أن هنا مفتاح – Switch On ,Off – كهرباء ، وحين تم ضربه فتح باب خزينة أو كنز -Treasure, Schatz  – ، وهذه الخزينة تحوي من بدائع المُركَّبات والمخلوقات والموجودات الكثير – شيئ عجيب جداً – ألا يغدو الأمر أكثر إقناعاً بخطأ وجهة نظرك وهذا طبعاً بعد أن يغدو أكثر تحييراً؟!

فكيف أمكن إصابة هذا المفتاح على بُعد – مثلاً – اثنين كيلو، ولن نقول على بُعد أربعة عشر مليار سنة ضوئية على الرغم من أن هذه هى الحقيقة فهى أربعة عشر مليار سنة ضوئية، وفي اثنين ونصف سم (cm) ومع ذلك أٌصيبَ الهدف بدقة؟!

علماً بأن المسألة أيضاً ليست مسألة مفتاح واحد أو ذبابة واحدة أو إصابة واحدة، فهناك مئات الإصابات وكلها في الاستبعاد والاستحالة الظاهرية على قدم سواء رغم تفاوتها أيضاًوهذا كافٍ لأن نقول” هذا مُستحيل ولا يحصل” فكله هذا مُركَّب مع بعضه البعض.

فهل هذا واضح يا إخواني؟!

للأسف أدركني الوقت، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .

(الخُطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد إخواني وأخواتي:

قد يسأل سائل:

حدَّثتنا حديثاً خاطفاً عابراً عن لورانس كراوس Lawrence M. Krauss  وكتابه كونٌ من لا شيئ فما هو هذا اللا شيئ الذي سخرت منه ؟!

في الحقيقة هذا اللا شيئ الذي تحدَّث عنه هوكينج Hawking في التصميم العظيم  وهو في نظره أهم ما توصَّل إليه – ليس اللا شيئ بحد ذاته وإنما الاستنتاج طبعاً – هو نفسه الذي تحدَّث عنه كراوس Krauss في كتابه المذكور للتو فكما قال هو حقل كمومي يحصل فيه نوع من الغليان، وهذا الغليان يكون للأجسام أو الجُسيمات الافتراضية – Particles Virtual Particles  – المُتخيَّلة، مُشيراً إلى أن هذا لا يتناقض لا مع النسبية ولا مع قانون اللا يقين لفرنر هيزنبرج Werner Heisenberg – Uncertainty Principle – بقوله ” هذا لا يتناقض ” وهو فيزيائي طبعاً ويعرف هذا الشيئ وليس لدينا مُشكِلة هنا، ومن ثم يقول “في هذا الحقل الكمومي تتولَّد هذه الجُسيمات الافتراضية وتذوب – تتلاشى – في لمح البصر وباستمرار”، إذن هذا الحقل الكمومي بتعبيره موَّار لأنه يقول ” هذا الحقل يمور ويغلي” ، ونحن نقول له ” كفى، فما من ضرورة لأن تكمِّل، نعم نحن غير مُتخصِّصين ولكن هذا يكفي، فهل هذا الحقل الكمومي الذي تصفه بالموَّار ويحوي جُسيمات تظهر وتختفي وكذا هو لا شيئ – Nothing  – هذا؟!

هذا شيئ كبير ومُهِم جداً، ونحن حين نتحدَّث عن الــ Nothingness أو اللا شيئ – No Being – نتحدَّث عنه بالمعنى الذي يفهمه كل العقلاء من الفلاسفة ورجال الدين والأُناس العاديين، فإذن ما هو هذا؟!

اللا شيئ لا شيئ!

يا أخي ما أحلى الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام الإسلامي؟!

في علم الكلام كما الفلسفة بحثوا في الزمان ثم بحثوا في المكان – وطبعاً المكان أهم من الزمان -، فهذه كلها مسائل فلسفية مُهِمة ومن هنا بحثوا في المكان وبحثوا في الزمان، وحين بحثوا في المكان بحثوا في الحيز والفرق بين الحيز وبين المكان، ثم ثم بحثوا في الخلاء – Vacuum – وإلى الحين يقولون لك :

فراغ كمومي – Quantum Vacuum – أو حقل كمومي !

أي أنهم بحثوا في الخلاء وتكلَّموا أيضاً عن أنواع الخلاء – فعلى الأقل يُوجَد نوعان رئيسان للخلاء – وهل الخلاء موجود أو غير موجود، وطبعاً كل الفلاسفة تقريباً باستثناءات يسيرة بدءاً من أرسطو Aristotle أنكروا وجود الخلاء  Vacuum ، أنه هناك فراغ فارغ مُطلَقاً، وواضح أنه هنا الفلاسفة كانوا الأذكى، ولكن المُتكلِّمون قالوا لك” الخلاء موجود”، والآن بحسب الـ Quantum هذه – الـ Mechanics والـ Physics – الخلاء بالطريقة هذه غير موجود، فما كان نُسميه خلاءً وفراغاً مُطلَقاً اتضح أنه فراغاً كمومياً يمور بالجُسيمات الافتراضية، إذن هذا يُساعِد وجهة نظر الفلاسفة العقليين فالخلاء غير موجود، عكس المُتكلِّمين سُنة وشيعة الذين أثبتوا الخلاء وكتبوا عشرات الصحائف، إذن هذه المسائل ليست بنت اليوم ولكنها مبحوثة من زمان من قبل العلماء باستخدام وسائل ومُقارَبات مُختلِفة – هذه فلسفة، هذا كلام، هذه فيزياء، وإلى ما هنالك، فأهلاً وسهلاً بهذا – ولكن المسائل مطروحة مُنذ القدم ،

أنا أُحِب ستيفن هوكينج Stephen Hawking وأشعر أنه بريء ، بريء حتى حين يتكلَّم وحين يُدافِع عن إلحاده، فهذا الرجل لديه نوع من البراءة والشفافية فسهل جداً أن تفهمه وتفهم دوافعه وتفهم حتى القابع خلف أو تحت المنطق الخاص به، علماً بأنه تكلَّم عن خُلاصة استنتجاته وكيف أننا حصلنا على عشاء أو غداء مجاني بالمُطلَق وما عُدنا نحتاج إلى الله – عز وجل -، فما حاجتنا  بالله ؟!

هو هذا وانتهى الأمرحيث يُوجَد في الفراغ الكمومي الجاذبية تتكفَّل بهذا الأمر إذا تركت لها الزمن المُناسِب، ولكن أي زمن؟!

أي جاذبية؟!

وأي زمن؟!

سيُحدِّثك عن زمان تخيلي وقصة تُصيب بالدوار لأنه يرى أن قانون الجاذبية أو الجاذبية كفيلة أن تُولِّد لك كوناً، ولكم هل هذا يا هوكينج  Hawking من عدم مُطلَق مثلما يقول الفلاسفة؟!

سيقول  لك “من فراغ كمومي يمور بالجُسيمات الافتراضية”، إذن ليس من عدم مُطلَق، وإنما من شيئ موجود، ومن هنا يأتي السؤال الذي كسَّر رأسنا من أول وجديد  ليقفز في وجوهنا :

ومن أين جاء هذا؟!

وأكثر من هذا – وأختم به علماً بأنني أشرت إليه عدة مرات ففكِّروا فيه بعمق – هل هذا يتم عشوائياً أم أن هناك قانون وأنت تُحاوِل أن تدرسه؟!

وهوكينج  Hawking نفسه قبل سنوات – قبل أن يُصرِّح بإلحاده  – كان عنده عبارة مشهورة حملت بعض العلماء الآخرين أن يُؤلِّفوا كتاباً إسمه هوكينج  Hawking وعقل الرب حيث قال ” إن النظام الرياضي أو الرياضياتي الذي يحكم الكون التعاطي معه هو أشبه برحلة في عقل الإله”، وهذا الكلام جميل ومائة في المائة صحيح، ولكن هل الرحلة في عقل الله صعبة أم سهلة؟!

أصعب مما تتخيَّل حتى وإن اعترضت على هذا بقولك أنها سهلة وليست صعبة كما تظن يا رجل، فأنا أُحاول أن أقرأ لبعض الفلاسفة ووالله لا أفهم شيئاً، وهذا فيلسوف أي بشر مسكين مثلي مثله ولكنه يشتغل في الفلسفة من ثلاثين سنة فقط وليس من ثلاثة مليار سنة ومع ذلك لا أفهم شيئاً عن الذي يتكلَّم عنه، وحتى الفيزياء هذه تقرأها ولا تفهم شيئاً عن الذي يتكلَّمون عنه فهى لغة رياضية مُجرَّدة عالية جداً ومُعقَّدة، فكيف بالرب. لا إله إلا هو؟!

ومع ذلك نحن نُحاوِل ونُنجِز خُطوات على الطريق لكي نفهم بعض الأمور وهكذا شيئ يُصلِح شيئ وشيئ يُصحِّح شيئ وهكذا نُواصِل، فأينشتاين Einstein – كما قلت لكم من قبل – قال” أكثر شيئ عصي على الفهم في الكون – Universe -، في العالم – هو أن العالم قابل للفهم “، وإي والله صحيح، عبقري هذا الرجل فهو يقول” أكثر شيئ عصي على الفهم أو غير مفهوم – Unglaublich –  هو أن الكون قابل لأن يُفهَم”، ومن ثم ما هو الجواب الآن؟!

الجواب هو لأن العقل ليس ابناً للطبيعة ، العقل ابن الله، العقل هبة من الله – عز وجل -، وقبل أن تقول عني مسيحي أقصد بابن الله أي هدية من الله، هبة من الله – تبارك وتعالى -، ومن هنا عنده القدرة أن يفهم الكون ويفهم القوانين.

أينشتاين Einstein  كان مُوحِّداً ومُؤمِناً على طريقة سبينوزا Spinoza- Pantheist – ولكننا سنتركه ونأتي إلى فاينمان  Feynman الذي كان مُلحِداً للأسف الشديد فهو عاش ومات مُلحِداً، فماذا يقول فاينمان Feynman ماذا يقول في كتابه: The Meaning of It All  معنى ذلك كله؟!

يقول فاينمان  Feynman في كتابه The Meaning of It All  معنى ذلك كله – وهو كتاب صغير بالإنجليزي حلو جداً ولطيف – إن مُجرَّد وجود قوانين في العالم الطبيعي قابلة للاختبار هو ضربٌ من المُعجِزة .

أرأيت الُأُناس الأذكياء ؟!

فهو يقول:

مَن قنَّن القانون؟!

مَن ضبط القانون؟!

مِن أين أتى هذا القانون؟!

ولا تحدِّثني عن شيئ من لا شيئ، لأن هناك قوانين، أي هذا الشيئ الذي أتى من لا شيئ – كما تقول – أتى وفق الجاذبية حيث أن هناك حقل كمومي محكوم بقوانين الكم، ولكن القوانين نفسها هذه من أين جاءت؟!

ومَن الذي وضعها؟!

وواضح أنها ليست قوانين عبثية وليست عشوائية فهى سمحت بوجودنا وسمحت بأن نكتشفها في هذه اللحظة من عمر الكون ونتكلَّم ونتجادل حولها، فهذا شيئ مُثير ومُخيف، وفاينمان  Feynman فهم هذا وقال “هذا ضرب من ضروب المُعجِزة “.

واينبرج Weinberg المُلحِد أيضاً والفيزيائي العظيم ذكرناه في الخُطبة السابقة عندما قال لريتشارد دوكنز Richard Dawkins ” انتبه فنحن في ورطة -Trouble -، نحن في مصائب كبيرة يا ريتشارد Richard  فليس معنى أننا قادرون على صياغة القوانين في فورملات – Formats -، في صيغ رياضية أننا نفهمها”، لأن واينبرج Weinberg لا يستطيع أن يفهم لم كان القانون قانوناً، ومَن الذي قنَّن القانون، ومن ثم لماذا هو هكذا، ولكننا بدورنا نُجيب قائلين:

مَن فعل هذا الله.

في البدء كانت المعلومة .

الله، إرادة الله، علم الله، خلق الله، ولكن الخلق ليس بمعنى التكوين وإنما بمعنى التقدير – وسبق وأن أجرينا خُطبة عن هذا الموضوع -، خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ ۩  ، فالمقصود بالخلق التقدير، ومن ثم القانون هو التقدير، فالقوانين هى خلق إلهي، تقدير إلهي – وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ۩ – ، وهذا هو الذي جنَّنهم!
سي. إس. لويس C. S. Lewis الإيرلندي الذكي هذا – والله – عنده كلام جميل في كتابه الثاني Miracles – ووعد أختم بهذا إن شاء الله غير مُخلِف له – فهو لديه كتاب اسمه المُعجِزات من مائة وسبعين صفحة وهو كتاب جميل، كأنه كان يستوحي الفيلسوف التحريري النمساوي العظيم والمُلحِد أيضاً لأن عاش ومات مُلحِداً لودفيج فيتجنشتاين Ludwig Wittgenstein، فماذا كان يقول فيتجنشتاين  Wittgenstein ؟!

كان يقول ” خداع الحداثة –  Deception of Modernism – يكمن في الوهم أو في الظن والحسبان أن القوانين – القوانين مثل قوانين الجاذبية أو أي قانون كقوانين الكم – تُفسِّر العالم، الوجود، والحال أنها لا تفعل ” فهذا كذب، وهى لا تُفسِّر شيئاً وإنما تقتصر على الوصف – Description -، فهى تصف –  Describe – فقط ولا تُفسِّر !

فالحداثة هذه خدعتنا، وهو يقصد الحداثة العلمية بالذات وما دار في مدارها، ففيتجنشتاين  Wittgenstein هذا فيلسوف رهيب وتحليلي خطير، برتراند راسل Bertrand Russell عندما التقى به صُعِق منهذا العقل، علماً بأنه مُهندِساً أيضاً ولكنه فيلسوف درجة أولى ، وبعد أن فهمنا كلمة فيتجنشتاين   Wittgenstein علينا أن نفهم الآن كلمة سي. إس. لويس C. S. Lewis .

لويس  Lewis الذي يقول في المُعجِزات”القوانين وحدها لا تفعل شيئاً بغير الفاعل الشخصي “، أي أنه لابد من فاعل، مُمثِّل Actor ، Creator خالق، فهذه الأمور لا تعمل من تلقاء نفسها، فإذن ما هى القوانين؟!

وما وظيفة القوانين؟!

اسأل أكبر فيلسوف علمي وسيقول لك ” القانون يُعينك على أن تصف الظاهرة وأن تُعلِّل لها وأن تتنبأ  بها فقط من خلال أن يعطيك القدرة على التنبؤ فقط” وبالمُناسَبة هذا ليس كلامي الآن وإنما كلام ريتشارد فاينمان Richard Feynman ففاينمان  Feynman عندما قال ” القوانين ضرب من المُعجِزة ” ضرب مثلاً بقانون التربيع العكسي قائلاً ” قانون الجاذبية لإسحاق نيوتن Isaac Newton يحكي عن تناسب شدة الجاذبية عكساً مع مُربَّع المسافة، وهذا مُستحيل أن تفهمه” لأن بحسب لويس  Lewis هذا لم يخلق المواد المُتجاذِبة ولم يضع كلاً منها في المسافة الموجودة الراهنة، هو لم يفعل شيئاً، ولكنك فقط عندما تفهمه تستطيع أن تفهم ما الذي يحصل.

ولكن ماذا حصل؟!

مَن الذي حصَّله؟!

مَن الذي أوجده؟!

مسألة ثانية هذه!

إذن الوهم الرهيب الذي سقط فيه كراوس  Krauss وهوكينج Hawking ودوكنز Dawkins هو اعتقادهم بأننا إذا فهمنا القوانين العلمية الحاكمة سواء في البيولوجي Biology، سواء في الاسترونومي Astronomy، في الكوزمولوجي Cosmology، في ال Physics، في ال Chemistry فإذن لم يعد هناك ثمة مكان لله لأننا لم نعد نحتاج إليه، وهذا سفه فلسفي وفكري.

يضرب لويس  Lewis مثلاً من أروع ما يكون – ولعلكم تعرفونه جميعاً – بقوله:

القانون يقول ” إذا كان لديك ألف A  – يعني آآه A (بالألماني) – فسيُنتِج عنها باء B، ولكن قبل أن تتكلَّم عن القانون لابد أن يكون لديك ألف وباء.

فمَن الذي أوجد الألف؟!

ومَن الذي أوجد الباء؟!

فقبل أن تتكلَّم عن القانون الذي يُفسِّر لك علاقة الإنتاج بين الألف والباء وكيف تنتج باء عن ألف عليك أن تُجيب عن هاته الأسئلة، ومن هنا يقول لويس  Lewis ” الذين يظنون أو يتوهَّمون أن القوانين هكذا تعمل فهو تماماً كمَن يظن أن حسابه في البنك Bank سوف يمتليء بمُجرَّد مُعادَلات حسابية”، وأسهل مُعادَلة يعلمها “واحد زائد واحد يساوي اثنان “، وهذه المُعادَلة حسابية فإذن مليون زائد مليون يساوي مليونان، إذن هل أصبح عندي اثنين مليون في البنك Bank لمُجرَّد أنني أعلم القانون؟!

هذا وهم وحلم، نعم القانون يا سيدي مليار زائد مليار يساوي ملياران، ولكن أنت لا تمتلك هذا المبلغ لمُجرَّد أنك علمت به، بيل جيتس Bill Gates لديه هذا المبلغ وكذلك الوليد بن طلال ولكن أنت ليس لديك، فالقانون لا يخلق شيئاً، لا يُوجِد شيئاً، هو فقط يصف ويُفسِّر ولكنه لا يخلق، فهذا يُعَد خلطاً رهيباً، ومن هنا قد تعترض لأنك ترىأن ستيفن هوكينج Stephen Hawking عقلاً جبَّاراً، وهو جبَّار فيزيائياً بلا شك ولكنه قزم فلسفياً، تماماً كما قال أمثال هوكينج Hawking من العلماء عن أرسطو Aristotle فأرسطو Aristotle بمقدار ما فلسلفته الميتافيزيقية رائعة ومُذهِلة بمقدار ما فيزياؤه سخيفة وزرية، ومع ذلك هذا لم يضع من قدر أرسطو Aristotle ، فأرسطو Aristotle عندما يتكلَّم في ال Metaphysics يُعَد رهيباً ولكنه عندما يتكلَّم في الفيزياء يُصبِح مُضحِكاً، على الرغم من أنه بالنسبة لعصره عبقري، وهذا نفس الشيئ  الذي نقوله عن هوكينج Hawking وعن أمثاله، فهم على العين وعلى الرأس ومُحترَمون جداً في علومهم بل وعباقرة ونحن نُحبِهم ونستفيد منهم ونحترمهم، ولكن عندما يتكلَّمون في الإلهيات وال Metaphysics والفلسفة يأتون بالعجائب، فأبسط البسائط تغيب عنهم، تغبى عليهم فيعمون عنها.

إذن القانون لا يخلق، القانون يصف علماً بأن فيتجنشتاين Wittgenstein قال  أنه لا يُفسِّر شيئاً ولكننا نقول أنه يُفسِّر بمعنى يصف، على الرغم من أنك ستقول لي أن سؤال ” لماذا ” العلم كفر به، ولكن هذا السؤال مطروح ومُهِم بل هو من أهم المُهِمات، وهذا السؤال هو الذي جعل أينشتاين Einstein وفاينمان  Feynman وواينبرج Weinberg وأمثال هؤلاء مستغربون وغير قادرين على أن يفهموا، فلماذا – مثلاً – كان قانون الجاذبية على ما هو عليه الآن؟!

لا نعرف لماذا ومن ثم عليك أن تسأل الذي وضعه، فإذا كان قانون الجاذبية ذكياً وهو الحال مع بقية القوانين  – فالقوانين ذكية والدليل أنها ذكية وغير اعتباطية أنها أنتجتنا – إذن لابد أن يكون هناك مَن وضعها وهو ذكي وأذكى منها.

رحم الله روح نيوتن Newton – أيزك نيوتن Isaac Newton – عندما كتب في كتابه العظيم الـ  Principia أن مَن يُفكِّر في هذا الوجود وفي هذا الكون يعلم يا بنتلي Bentley – ريتشارد بنتلي Richard Bentley صديقه والعالم الكبير – أن وراء هذا الكون مالك.

إذن هو يقول ” مالك “، مالك كبير ، وهذا المالك ليس عقل الكون وليس مُجرَّد قوة القانون وليس روح الكون، بل مالك الكون ، حتى لا نُصبِح مثل سبينوزا Spinoza أي حتى لا يكون أحدنا  Pantheist، إذن نيوتن Newton قال لابد من وجود مالك، أي أن هناك بينونة، هناك خالق وهناك مخلوق، فأنت لم تكن شيئاً وأصبحت شيئاً وكذلك الكون لم يكن شيئاً وأصبح شيئاً.

اللهم علِّمنا وزدنا وفهِّمنا وافتح علينا فتوح العارفين وفتوح العالمين – إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ۩ -، اهدنا واهد بنا، أصلحنا وأصلح بنا، أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وألطف لنا فيما جرت به المقادير، أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.

عباد الله : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩

وأقم الصلاة !

خطبة متممة لسابقتها عبقرية الإلحاد: شيء من لاشيء تدور حول العقل وعلاقته بالمادة وبالقوانين وعلاقة السلوك بالنشاط العصبي وماهية التكيّف وقابلية العالم للفهم وفعل القوانين والمنطق العلموي وعلاقته بالمقاربات الفلسفية ومذهب الإختزالية مع إجابة عن الكثير من الأسئلة المعقدة التي تبحث في الجذور الحقيقية للإلحاد.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليق 1

اترك رد

  • نعم نبصم بالعشرة أننا ندين للنجوم في كثير من مناحي حياتنا و لذلك ربط الله تعالى نطقنا و قولنا بالسماء و نجومها فقال { و السماء ذات الحبُك إنكم لفي قولٍ مختلف } { و في السماء رزقكم و ما توعدزن * فورب السماء و الأرض إنه لحقٌ مثلما أنكم تنطقون } توافقت [ تنطقون ] مع كلمة [ المنطق ] لستيف هوكينغ … ربما هذا علامة أن هذا الإنسان ربما يسلم فقد قرأت اليوم بشرى أن صاحب الفيس بوك يناصر المسلمين و هو معهم .. ( هل صحيح فهمي للرسالة ) ؟ … و الله يوم نفهم رسائل ربنا كأننا رتقنا فتقاً و شرخاً كبيراً في داخلنا طالما أتعبنا و هدَّ أوصالنا .. لنعلمَ أن اللهَ هو الحق و ما بعده إلا تيهاً ضلاليا **** و أنه الصحة و العافية و النعمة الحقيقية **** و ما بعدهُ إلا السقمُ و العذاب و العيشةُ الشقية **** و أنه الكمالُ و الجمالُ و العزةُ جمعيّة **** و ما بعدهُ إلا مهاوٍ و دركاتٍ سفلية ****** و أنه الحياةُ و الإشراقُ و الصُبحية و ما بعدهُ إلا الوحشة و الموتُ و الظلاميّة ***** و أنهُ الأنسُ و الحنانُ و الوطنُ و الأهلية **** و ما بعدهُ اغترابٌ و تشرّدٌ و لا جذرية **** و أنه الحبُ و السلامُ و الحالةُ الأمنية **** و ما بعدهُ خوفٌ و إرهاقٌ و أمراضٌ ظاهرية و باطنية **** و أنه العز و المجدُ و الرفعةُ السنِية **** و ما بعدهُ ذلٌ و هوانٌ و تشرذمية **** و أنه وحده الجامع المؤلفُ بيننا لا الجامعة العربية ***** و أننا دونه أجزاءٌ متكسرة كشظايا بلورية **** و أنه لا يحلو كلامٌ إلا إن كنا بنعمتهِ محدثين بكرةً و عشيا *** و أن الهممَ لا تعلو إلا إذا طالعتْ حضرتَهُ النية …..

%d مدونون معجبون بهذه: