إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ۩ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۩ انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ۩ لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ۩ عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ۩

صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:

في السنة الثالثة من هجرة المُصطفى  – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – عقد أمير المُؤمِنين عمر بن الخطاب – رضوان الله عليه – مجلساً لكبار مُستشاريه من أصحاب رسول الله وقال لهم أتاني كتابٌ – صك حكومي أميري  – موعِده شعبان، ولست أدري أي شعبانٍ هو، الذي مضى أم الحاضر أم الذي سيأتي، وقد قسمنا هذا المال من غير توقيت – يُعطى هذا ويُفرَض لهذا لكن بغير تأريخ – فبيّنوا أو فضعوا للناسِ شيئاً يعرفون به، أي أنه أراد – جزاه الله خيراً – أن يُؤرِّخ للإسلام وأمة الإسلام، فمِن قائلٍ اجعلوه بتاريخ الروم، ومِن مُقابِلٍ له بعد تداول الرأي بل تاريخ الفرس، أي اجعلوه تاريخ الفرس، ومن قائل اجعلوا بدايته ميلاد النبي عليه الصلاة وأفضل السلام، ومِن مُقترِحٍ بل اجعلوه بتاريخ وفاته صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، وهكذا تعددت الآراء وتباينت الاقتراحات، فنهض الإمام عليّ عليه السلام وكرَّم الله وجهه –  وكان الخير فيما أجرى الله على لسانه – وقال يا أمير المُؤمِنين أرى أن نجعل بداية التاريخ يوم خرج رسول الله – صلى الله عليه آله وسلم – من بين المُشرِكين، أي الهجرة التي فارق بها ديار الشرك والكفر والوثنية، فراقَ هذا الرأي ووقع موقعاً حسناً من أمير المُؤمِنين عمر ومن سائر الجالسين. رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين.

وهكذا كانت بداية التاريخ، من هجرته – عليه الصلاة وأفضل السلام – ومقدمه المدينة المنورة. على مُنوِّرها ألفُ تحيةٍ وألفُ سلام.
فيما أخرج الإمام أبو عبد الله البخاري – رحمه الله تعالى – في صحيحه من حديث سهل بن سعدٍ – رضيَ الله تعالى عنه – أنه قال لم يعدوا من مبعثه – أي لم يبدأوا التأريخ من مبعثه صلى الله عليه وسلم – ولا من وفاته ولكنهم عدوا – أرخوا وجعلوا بداية العد، أي بداية التأريخ  – من مقدمه – صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً وجزاه الله عنا خير الجزاء – المدينة.

إخواني وأخواتي:

لماذا اختار أصحاب رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – الهجرةَ بالذات من بين الأحداث الكريمة والوقائع الميمونة الأعلام؟ لماذا الهجرة إلى المدينة المُنوَّرة وليس هجرةَ الحبشة لتكون بداية التاريخ الإسلامي؟ لماذا لم يختاروا ميلاده الميمون عليه الصلاة وأفضل السلام؟ يُمكِن أن يُجاب عن هذا السؤال بالقول لأن معنى ميلاده مُستمَدٌ من معنى بعثته الشريفة، ولولا بعثته الشريفة ما كان لميلاده معنىً يُميّزه، وبرهانه أن لا أحد تكلم أو تفطن أو ألمح أو تلمح معنىً يُميّز هذا الميلاد قبل أن يُبعَث النبي المُبارَك عليه الصلاة وأفضل السلام، فكان ميلاداً عادياً كميلاد سائر البشر، إن أغضينا عن المُبالَغات التي اختلقتها الأمة بعد وغذاها الخيال من وقوع كذا وكذا  من العلائم العظائم، فواضح أن هذا تقريباً كله جُملةً مُختلَق، فكان ميلاده شيئاً عادياً، ولو كان على ما وصفوا من العلائم العظام والإمارات الكبيرة اللافتة لعرف هو ولعرف أقرب الناس إليه أن سيكون له شأنٌ كبيرٌ ولا ما فجأه الوحي ولا تهيا لمعنىً من معاني النبوة أو كمعاني النبوة، لكنه كان قبل هذا من الغافلين بنص كتاب الله  وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ۩ – ومن ثم لم يخطر هذا على باله من الدهر مرة، لماذا؟ لأن ميلاده مر مروراً عادياً، لم يُحَط بتلكم العلائم التي حشى بها العلماء وجوه الصحائف، وعلى كلٍ لماذا إذن لم يُؤرِّخوا بمبعثه الكريم؟ إنه تبلجُ فجر الإسلام، إنه ميلادُ المعنى، لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله، فهذا معنى البعثة، لماذا؟ لأنها بذاتها – البعثة – منظوراً إليها لم تكن لتكون معنىً مُنتصِراً، خلق أمةً وأرسى دعائم حضارة جديدة وشق سبيلاً يتضوّأ فيها البشر بهدايات السماء في نهارٍ موصول الشروق بآيات الله التي تُتلى في المحاريب وتُحفَظ على ظهور القلوب، فلم يظهر هذا وإنما بدأ برأسه مُستوحِشاً وشفعه بعضُ مَن صدَّقه من أوائل المسلمين والمسلمات ظلوا قلة إلى أن هاجروا إلى المدينة المُنوَّرة، فلم يكن للرسالة هاته المعاني حتى يُؤرَّخ بها، ثم إنها قدرُ رجل أن يُبتعَث ويستنبيء أو يُنبأ، إنه سعي القدر أو اختيار القدر لا سعي البشر، أما وفاته فهى أبعد المعاني من أن تلتئم بالتأريخ بها، لأنها تُذكِّر بالانقضاء وتُشير إلى الأفول ويتجدد بالتأريخ بها الحزن بل الأحزان على هذه الأمة فلا، الوفاة حظها ضعيفٌ من أن تكون بداية التاريخ، لكن لم الهجرة؟ الهجرة كانت باب الفرج لهذا الدين، باب الفرج لهذا النبي الميمون، باب الفرج للثلة المُبارَكة من السابقين الأولين من أصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، وكانت سبيل النصر والتمكين لهذا الدين ولهذه الأمة، ثم إنها لم تكن قدر فرد بل كانت سعي جماعة، فلم يُهاجِر النبي وحده وإنما هاجر المسلمون إلا مَن حُبِسَ عن الهجرة بمرضٍ أو ضعفٍ أو فتنةٍ في محبسه ومِمَن أثبته المُشرِكون، هاجروا – رضوان الله عليهم – رجالاً ونساءاً وكباراً وصغاراً، فجزاهم الله عنا وعن هذا الدين وعن هذه الرسالة أعظم ما يجزي الصادقين مِمَن شهد لهم الله – تبارك وتعالى – بالصدق، تقول الآية الكريمة أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ۩، فالله يقول أُوْلَئِكَ هُمُ ۩ وهذا قصرٌ ادعائي كما يقول علماء البيان، كأنه يقول هم الصادقون مِن دون الناس، إن بحثت عن الصدق مُتجسِّداً في بشر فهم المُهاجِرون، فليحذر من يشنأ المُهاجِرين وليحذر مَن يتنقص المُهاجِرين وليحذر مَن يطعن في المُهاجِرين في أمةٍ شهد لها الله من فوق سبعِ سماواتٍ بأنهم الصادقون، قال الله لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ۩، فهل هاجروا إلى بلدٍ أكثر خُضرة ورياً أو إلى بلدٍ أجمل وأريح مقيلة؟ لم يحدث هذا أبداً، فإذن هاجروا إلى ماذا؟ هل هاجروا ليحوذوا الدنيا وليكثِّروا ما بين يديهم من أملاكٍ ومتاعٍ وعرض؟ العرض والأملاك والمتاع خلفهم خلوه ووراءهم تركوه، أليس كذلك؟ هم تركوا بيوتهم وتركوا عقاراتهم، ومنهم من ترك الأهلين والولد من بعد ما ترك الدار والبلد، لماذا؟ لأن الأهلين والولد لم يُسلِموا ولم يُسعِدوهم بالإيمان كما آمنوت وجعلوهم الله عدواً لهؤلاء الصادقين  إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ۩ – وقد اتخذوهم أعداء في ذات الله – لا إله إلا الله – بالفعل، وهذا معنى الهجرة، فهم لم يُهاجِروا إلى بلد لأنها بلدٌ أحسن وأجمل وأروع أبداً، وإنما هجرتهم كانت هجرة الروح، هجرة إلى الله ورسوله، وتأملوا في قول الله – عز من قائل – في سورة النساء وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۩، لقد ذكر المولى الأجل – لا إله إلا هو – البداية وإنها لبدايةٌ موقعية وبدايةٌ محسوسة وبدايةٌ مكانية وهى البيت، أي البيت بجُدرِه أو بجدرانه، قال الله وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ  مُهَاجِرًا ۩ إلى أين؟ أما الغاية فليست غايةٍ مكانية، حقيقة الهجرة أن الغايةَ فيها ليست غاية موقعية وإنما غاية روحية، قال الله مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۩، لا إله إلا الله، فهو لم يُهاجِر إلى بلد ولم يُهاجِر إلى حيز مكاني أو إلى تراب، وإنما هاجر إلى الله، قال الله وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۩، فالغاية غاية روحية وليست غايةً موقعية أو غايةً مكانية، إنها هجرة القلب قبل أن تكون هجرة الخُطى والنُقل، فالقلب هو الذي هاجر، القلب والنفس هى التي تغلبت على جواذب الطبيعة وقهرت ضعف البشرية حين تخلت عما من شأنِ الناس أن يُقاتِلوا حتى الرمق الأخير من أجل استبقاء بعضه،
أعني  المال والمتاع والعرض والدار والبلد، وكلنا ذلكم الرجل الذي يُقاتِل حتى الرمق الأخير من أجل ألا يُغلَب على شيئ من ماله أو على شيئ من عقاره ومن ملكه وداره، فهم تركوا هذا كله من أجل ماذا؟ هل تركوه من أجل ما هو أعظم منه ومما هو من جنسه؟ كلا، من أجل ما هو أعظم منه بمراحل لا تُدرَك لا بقياس ولا بفهم ولكن ليس من جنسه، وإنما من رضوان الله ومن قربانه ومن رضاه ومحبته لا إله إلا هو، قال الله وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۩، ولذلك أول هجرة سجلها الكتاب الأغر هى هجرة أبي الأنبياء وخليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة وأفضل السلام، تقول الآية الكريمة فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ ۩، وهنا ليس الذي قال لوط وإنما إبراهيم فانتبهوا حتى لا نُخطيء مع بعض مَن أخطأ من المُفسِرين،  هذه الجملة فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ ۩” جملة معطوفة على فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ ۚ  ۩”، فالذي قال هو إبراهيم، وهذا أمر معروف لأنه أول مُهاجِر في التاريخ هجرة روحية وهجرة ربانية على أنها كانت أيضاً هجرة خُطى ونُقل، فالآية تقول وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ لم يقل إلى فلسطين أو إلى بلاد كنعان – إِلَىٰ رَبِّي ۖ  ۩، فهو يقول مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي ۖ ۩ لأن لا يعنيني أن المكان الذي أُهاجِر إليه ليس فيه جمال ورواء وخُضرة وماء وثمار، هذا لا يعنيني وإنما يعنيني أن الهجرة لله، وفي الصافات تقول الآية الكريمة وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي ۩، لماذا يصف المولى الأجل – لا إله إلا هو – هذه الهجرة الروحية مرةً بالهجرة –  وهى تحتمل الحقيقة والمجاز لأن المُهاجِر مَن هجر ما حرَّم الله عليه كما في النسائي من حديث عبد الله بن عمر، فالمُهاجِر مَن هجر ما نهى الله عنه، وفي رواية ما نهاه الله عنه، والهجرة مجازية هنا – ومرة بالذهاب حيث عبَّر من بعد هذه الهجرة بقوله وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ ۩؟ الذهاب صريحٌ هنا في أنه موقعي، إلى شيئ محسوس، ليدل على رسوخ اليقين، لا شائبة شك أو تردد، فإبراهيم مُهاجِر إلى الله حقاً، وكأن الله غاية – أستغفر الله – تُدرَك بالحس، وهذا يدل على اليقين المُطلَق، ولذلك هؤلاء المُهاجِرون وفي رأسهم سيدهم – صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً – هم آية الآيات ومضرب الأمثال بل مثل الأمثال في اليقين، فمحمد وصحبه الصادقون الذين هاجروا معه وتركوا كل شيئ وتخلوا عن كل شيئ هم آية الآيات في اليقين، علموا أنهم إنما يعقدون الصفقة الأربح مع الله تبارك وتعالى،ووالله لقد كان أربح ليس في حقهم وحدهم بل في حق الأمة والتاريخ والبشرية، ولولا الهجرة ما كان الإسلام ولُوُئدا في مكانه، لأن سدنة الوثنية والشرك قد أجمعوا أمرهم وحسموا رأيهم وانعقد منهم العزم الذي لا ينثني على محو الإسلام أصلاً وعلى وأده في مهده، هم أرادوا ذلك وانحطت عليه آراؤهم، فجاءات الهجرة استنقاذاً للدين ولرسالته وللمعنى والمبدأ ونجحت في هذا كل نجاحٍ، وبعد أقل من مائة سنة فقط من هذا الحدث الجلل تضوّأت الأرض بأنوار ربها ،من الصين شرقاً إلى شبه الجزيرة الأيبيرية إسبانيا غرباً، فمَن يُصدِّق هذا؟ هذه مُعجِزة من المعاجز الإلهية، أمة هؤلاء الحفاء الرعاع – الحضري منهم كالبدوي تقريباً بفارقٍ يسير – يفتحون الأرض من الصين إلى إسبانيا في أقل من مائة سنة، كيف؟ لذلك جزى الله المُهاجِرين عنا وعن هذا الدين وعن البشرية خير جزاء،  ويا نُعم لهم ويا طوبى لهم ويا سُعد لهم، لا يعلم أجرهم إلا الله تبارك وتعالى، تقول الآية الكريمة فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۩، فقال السادة المُفسِّرون أجرٌ لا يُقادَر قدره ولا يعرف قدره إلا الله لا إله إلا هو، وهذا معنى فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۩، لأنكم هاجرتم وتركتك كل شيئ، والواحد منا اليوم لا يستطيع وأحياناً يعجز ويفشل في أن يترك شهوة حقيرة لوجه الله تبارك وتعالى، ثم يتكلم عن الهجرة كأنه يفهم ما هى الهجرة!

نعود إلى درس اليقين، إنه اليقين حيث يقول صديق هذه الأمة – رضوان الله تعالى عليه – أبو بكر عبد الله فرحلنا – أي هاجرنا أنا ورسول الله – وأرسلت قريش الطلب في أثرنا، فركبوا أثرنا، ثم إن أبا بكر يستلي فيقول وكان أول مَن أدركنا سراقة بن مالك بن جُعشُم الأعرابي المُدْلِجي – من بني مُدْلِج  – على فرسه وقد أخذ عدته وتهيأ بالزاد والسلاح والسهام في كنانته، فقال يا رسول الله لم يبق بيننا وبينه إلا قدر رمح أو رمحين، أي اقترب بحيث نراه ويرانا عياناً، يا رسول الله لقد أدركنا، فقال لا تحزن إن الله معنا، ثم قال قلت يا رسول الله اقترب أكثر، لقد أدركنا وبكيت، فقال لم تبكي يا أبا بكر؟ قلت والله لا أبكي على نفسي يا رسول الله وإنما أبكي عليك، أنا إن أهلك فأنا مُجرَّد واحد من هذه الأمة الوليدة، إن تهلك أنت يهلك هذا الدين، فأنت نبيه والدين في أوله وفي تنشئه، فرفع يديه – عليه الصلاة وأفضل السلام – وقال اللهم اكفناه بما شئت، وهذا وصل يعني اكفنا إياه بالفصل، يقول الصديق فساخت أو فساخ فرسه حتى بطنه في أرضٍ صلد، فالأرض صلدة وليست رمال أو رمال مُتحرِّكة ولكنه ساخ بإذن الله تعالى ووقع، فقال يا محمد علمت أنه من صنعك، ادع الله أن يُنجيني مما أنا فيه وسأرجع وأُعمي عليك الطلب، فدعا ولكنه أعرابي لا وفاء له، وهذا أمر عجيب – لا إله إلا الله – لكن لماذا فعل هذا؟ لأن من ورائه مائة ناقة، فقريش جعلت مائة ناقة – هذه ثروة طائلة – لمَن يعود بمحمد، وثلاث مرار يتفق له هذا ثم تسيخ أو يسيخ الفرس وتسيخ قوائمه، ثم يدعو له وهكذا ثلاث مرات، فنظر إليه صاحب اليقين الذي لا يلين ولا يرتاب – عليه الصلاة وأفضل السلام – وقال له يا سراقة ارجع ولك سوارا كسرى وتاجه ومِنطقته، أي التي يتمنطق بها، فقال كسرى بن هرمز؟ قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – بكل يقين نعم كسرى بن هرمز، فما هذا اليقين يا رسول الله؟قال سأرجع وأُعمي عليك الطلب، فاكتب لي كتاباً بهذا يا محمد، قال اكتب يا أبا بكر، فأخذ عظمة من الأرض وكتب عليها كلمات ودفعها إلى سراقة، وتمضي الأيام وتكر السنون وينتهي النبي الميمون – عليه الصلاة وأفضل السلام – من فتح الطائف وذلكم بعد هوازن – حنين – ويأتيه سراقة بن مالك الأعرابي الأزب وهو يتخلل الناس لأنه  يُريد أن ينفذ إليه في كتيبته، فتقرعه الرماح ويُقال له إليك، ماذا تُريد؟ إليك، اذهب، فيقول هذا الأعرابي أريد محمداً، بيني وبينه موعد، أي عهد، فقال النبي اتركوه وخلوا بينه وبيني، فجاء ورفع الكتاب أو رفع هذه العظمة وقال يا محمد هذا كتابي وأنا سراقة بن مالك، فقال ادنه – بهاء السكت – هذا يوم وفاءٍ وبر، أي أنه قال له أنا لم أنس هذا، أنا محمد سيد الأوفياء ولا أنسى وعدي ولا أنسى كلمتي ولا أخيس بعهدي، فوالله العظيم والذي أرسله ما قرأنا ولا سمعنا عن مَن هو أوفى منه، ومَن قرأ سيرته وقرأ السير يعلم هذا، فما قرأنا عن مَن هو أوفى من رسول الله – الله أكبر – لأنه ما قال كلمة وما وعد وعداً وعاد فيه، لا يُوجَد عنده براجماتية ولا يُوجَد عنده سياسة ولا يُوجَد  عنده لعب ولا يُوجَد عنده ضحك، فهو لا يكون اليوم شيئاً ثم يكون غداً شيئاً آخراً، هذا لا يُوجَد عند رسول الله أبداً، ولم يخدع أحداً بوعدٍ أو بكلمة تحتمل لكي يُحرِز حلفاً سريعاً ثم يخيس به أبداً، وسيأتيكم البرهان بل البراهين لأن حياته كلها براهين, وعلى كل حال قال ادنه، اليوم يوم وفاءٍ وبر، قال فدنوت منه وأسلمت، وتمضي الأيام والسنون ويُؤتى أمير المُؤمِنين عمر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – بغنائمِ وأسلابِ مُلكِ فارس بعد القادسية وفتح المدائن، والعجيب – أحبتي في الله – أن من بين تلكم الأسلاب والغنائم تاج كسرى، وهذا قطعاً يُقدَّر اليوم بملايين إن لم يكن مئات ملايين اليوروات، فكان يُوجَد تاج كسرى وسواراه والمِنطقة التي كان يتمنطق بها، فلما رآها عمر استعبر فرحاً وإعجاباً بهذه الأمة العظيمة – هذه أمة محمد وأبي بكر وعمر وعليّ وعثمان ولذا هى أمة عظيمة – وقال إن قوماً أدوا هذا لأُمناء، الله أكبر، كأنه يقول مَن هو الفارس أو مَن هو الرجل الذي وقع تاج كسرى في يده ثم أداه ولم يتغوله ولم يسرقه؟ إن قوماً أدوا هذا لأُمناء، فما هذه الأمانة؟ ما هذه العظمة في هذه الأمة؟ وهذه الأمة كانت جائعة وهؤلاء الأعراب كانوا جوعى، فقال له أبو الحسن عليّ -عليه السلام – يا أمير المُؤمِنين أديت فأدوا ولو رتعت لرتعوا، أي أنه يقول له أنت أمين وأنت رأسنا ومُقدَمنا ومعروف أنك أمين، فلم تتغول حبة من بيت مال المسلمين، وبالتالي لماذا لا يكونوا أُمناء؟ هذا موقف مهيب – والله العظيم – ومثير وعظيم ومُعجِب، فهو  يُثير الإعجاب والإجلال حقاً، ثم قال عمر أين سراقة؟ عمر كما وفى لتركة محمد ولدين محمد ولدعوة محمد يفي مرةً أخرى لوعد محمد ولكلمة محمد ولكُتيب محمد أو لهذه الرقعة أو هذه القطعة من العظم، قال أين سراقة بن مالك بن جُعشُم؟ فتقدم الأعرابي وكان رجلاً أزب، طويل اليدين وكثير شعرهما، فقال :ارفع يديك – يجهر عمر بها ميُعلي صوته حتى يسمع الجمهور الجماء الغفير – يا سراقة، فرفع يديه فألبسه سواري كسرى ووضع التاج على رأسه ومنطَّقه بالمِنطقة وقال له قل يا سراقة الله أكبر، الله أكبر، نزعها من كسرى بن هرمز الذي كان يقول أنا ربُ الناس وألبسها أعرابياً من بني مُدلِج، الله أكبر على هذا الدين، الله أكبر، ما أجمل هذه الأمة كانت وما أعظم هذه الأمة كانت وما أعظم مبادئها كانت، أين نحن اليوم؟

نحن نتحدَّث عن الهجرة، وحين نتحدث عن هجرة المُصطفى وصحبه – صلى الله عليه ورضيَ الله عنهم من عند آخرهم  – يجدر بنا أن نستذكر الظروف التي هيأت لهذه الهجرة، حتى كانت هذه الهجرةُ – كما قلت لكم ووصفت – باب فرج وسبيل نصرٍ وتمكين، ومن أواخر تلكم الظروف ما نال المُصطفى – عليه الصلاة وأفضل السلام – من أذىً وضُر في رحلته التي امتدت عشرة أيام – وقيل شهراً كاملاً – إلى الطائف في عام الحزن بعد أن فقد اثنين من أعز وأحب الناس إلى قلبه وأدناهم وهما أم المُؤمِنين خديجة – عليها سلامات الله في العالمين وإلى يوم الدين – التي نعم النصير كانت ونعم الزوجة ونعم المُعين – وعمه أبا طالب في سنة واحدة وهو عام الحزن، وبعد أن يأتيه أحد الأصاغر الأراذل ويضع القذر فوق رأسه ويكاد يخنقه يشتكي – عليه الصلاة وأفضل السلام – ويقول ما نالت مني قريشٌ إلا بعد وفاة أبي طالب، كأنه يقول لو وُجِدَ أبو طالب لم تكن تستطيع أن تفعل هذا معي، ويذهب إلى الطائف، وتعلمون كيف عرض نفسه على ثقيف وكيف كان ردهم، أي مرجعوتهم إليه، فبئس الرد والمرجوعة، حتى أنهم أغروا به صبيانهم وسفهاءهم، فأدموا عقبيه الشريفين، ولولا ما كان مما صنع زيد بن حارثة مولاه – أي لولا ما كان من هذا الصنيع والإلطاف، وذلك لأنه كان يقي رسول الله بنفسه وبوجهه وبرأسه حتى شُجَ في رأسه شجاجاً مُنكراً لأنه كان يقي رسول الله – لربما شُجَ الرسول نفسه في وجهه كما شُجَ في أحد، فهو كان يقيه بنفسه لكنهم أدموا عقبيه، وتعلمون أنه في قرن الثعالب وقف يبتهل إلى الله – تبارك وتعالى – الابتهال الذي لا نشك أنه ألفاظٌ نبوية وإن ضعفوا إسناده، فاللهجة فيه نبوية وهكذا كان يُخاطِب الأنبياء ربهم، حيث لا يتأتى مثل هذا المنطق وهذا الإفراغ وهذا البيان وهذا الوله وهذا التسليم وهذا الإخبات وهذا الخشوع والتطامن لغير نبي، فهو ليس لفيلسوف ولا لولي وإنما لنبي، حيث قال اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت رب المُستضعَفين وأنت ربي، إلى مَن تكلني؟ إلى بعيدٍ يتجهمني أم إلى عدوٍ ملكته أمري، إن لم يكن بك علىّ غضبٌ فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن تُنزِل بي غضبك أو تُحِل عليك سخط، لك العُتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك.
ويكون ما تعلمون من حديث جبريل وملك الجبال، وينطلق النبي قافلاً محزوزاً مكدوداً  إلى مكة، ولكن لا عصمةَ له بعد الآن في مكة وقد مات الحامي والنصير – أبو طالب – فماذا يفعل؟  يلقى أحدهم ويبدو أنه كان يود النبي شيئاً من مودة ويعرف له بعض حق الرحم فيقول له أمُبلِّغٌ أنت رسالةً مني إلى قريش؟ فقال له نعم يا محمد، فقال له فائت الأخنس بن شريق وقل له – أي على لساني يقول لك محمد – هل أنت مُجيري حتى أُبلِّغ رسالة ربي؟ فأتاه الرجل وعاد وقال له يا محمد يقول لك الأخنس بن شريق إن الحلف لا يُجير على الصريح، أي أنا حليف وأنت صريح – هذا من بني هاشم وذاك من بني كعب – وبالتالي لا يُمكِن هذا، فأنا أوطى وأقل وهذا لا يليق بك، قال فائت سهيل بن عمرو وقل له يقول لك محمد هل أنت مُجيري؟ أي أدخل في جوارك وتمنعني بحيث لا يُتعدى علىّ ولا أُضرَب ولا يُؤتمَر بي ولا يُنال من كرامتي، فهذا هو معنى الجوار، والعرب أمة أبية ذات نخوة، فإذا أجاروا أحداً فضَّلوا وفعلوا أن يُقتلوا من عند آخرهم على أن ينال منه عدوه نيلاً، ولذلك تقول الآية الكريمة اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۩، فيا ليت قريش هى التي منعت ابنها لكن الله – تبارك وتعالى – ادخر الشرف الباذخ والمجد التالد للأوس والخزرج، فمنعوه مِمَن يمنعون منه أُزرهم ونساءهم وأعراضهم – رضوان الله على الأنصار- لكن قريش لم تفعل، فعلها بعضهم فرادى فقط للأسف، وعلى كل حال قال له فائت سهيل بن عمرو وقل له هل أنت مُجيري؟ فأتى سهيل بن عمرو وكان جواب سهيل بن عمرو ما كان لبني عامر بن لؤي أن تُجير بني كعب، أي بنو كعب أعلى، فكيف نُجير بني كعب ونحن أقل؟ لا نُجير بني كعب، فقال له فائت يا فلانُ المُطعِم بن عديّ وقل له كذا وكذا وبلِّغه رسالتي، فقال المُطعِم نعم أُجير محمداً، الله أكبر، في الكفار والوثنيين تُوجَد نخوة وتُوجَد رجولة، والنبي عرف لهم مكانهم ووفَّى لهم بما ينبغي من حق معرفةِ الفضل والجميل، فلم ينس هذا النبي حتى لكافر عاداه ولم يُسلِم معه لله رب العالمين، لم ينس له هذا أبداً، وعلى كل حال قال المُطعِم نعم أُجير محمداً، يقول الرواة فأصبح المُطعِم بن عديّ – ولولا أنه لا يجوز الترحم على كافر، وأنا ظني بل اعتقادي أن الله سيُخفِّف عنه حتى وهو في أطباق جهنم، فهو سيُخفِّف عنه بهذا الفعل طبعاً لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً  كما خفَّف عن أبي لهب الذي تبت يداه في الجحيم مُخلَّداً بفرحه فقط بميلاد الرسول يوم وُلِد حين لم يكن أصلاً رسولاً ولم يعرف أنه سيُرسَل وسيُبعَث رسولاً، لكن الله خفَّف عن أبي لهب في حديث البخاري المُعلَّق عن عروة بن الزبير ، في رؤيا العباس، وعلى كل حال هذا كرم الله وهذا من شكر الله، فهو الشكور لا إله إلا هو – وقد لبس السلاح هو وبنوه وبنو أخيه وغدوا إلى الكعبة، فرآه أبو جهل وقال له تابعٌ أم مُجير؟ قال أجرنا من أجرت، فدخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  وأول ما دخل عمد إلى الكعبة واستلم الركن ثم طاف ما شاء الله، وبعد ذلك طفق – عليه الصلاة والسلام – يعرض نفسه على القبائل في الموسم، ولم ينس لمُطعِم بن عديّ الذي صنع إليه، ففي بدر وأُسارى قريش بين يديه تعلوهم المهانة والخزي ويُجللهم العار الأنتان قال لو كان المُطعم بن عديّ حياً – لكنه كان مات قبل هذا، غهذه الواقعة  لم يمت فيها وإنما مات قبلها – وسألني هؤلاء – أي استوهبني هؤلاء النتنة – لأطلقتهم له، أي أنا أُعطيه كل أسارى بدر وهذا من وفاء النبي، فالنبي لا ينسى مَن أحسن إليه ولا ينسى مَن أسدى إليه معروفاً، فافهم هذا يا أخي المسلم ، يا مَن أكلوا بعقلك – لا أدري ماذا أكلوا بعقلك – الدراهم أو نفذوا المُؤمَرات وأفهموك لأن فلان من الكفرة  فلا حرمةَ له، وقالوا لك لأأنه كافر تأكل في دياره وتأمن بأمانه وتأكل من أموال ضرائبه وأنت مُعزَّز مُكرَّم ثم تُخالِفه إلى ماله وأهله، فتستبيح مرةً ماله ومرةً عِرضه ومرةً دمه، وهذا غير صحيح، فأي إسلام هذا؟ لا أدري مَن الذي علَّمكم هذا، لكن هذا هو محمدكم  – صلى الله على محمد وآل محمد – يقول  لو كانا لمُطعِم بن عديّ حياً واستوهبني هؤلاء النتنة لأطلقتهم له، فاللهم  صل وسلم وبارك على سيدنا محمد في الأولين وفي الآخرين وفي الملأ الإعلى إلي يوم الدين وإلى أبد الأبدين.

إذن هو طفق يعرض نفسه على القبائل في الموسم وكانت بيعة العقبة الأولى، وعرض نفسه على كنده فلم تُجِبه، وعرض نفسه على بني حنيفةقوم مُسيلمة – فلم تُجِبه، وعرض نفسه على بني عامر بن صعصعة ، فقال له فراس بن عبد الله بن بن بن  بن صعصعة – وقبل أن يقول له قال لو ظفرت بهذا الفتى القرشي لأكلت به العرب، فالرجل يُفرِغ عن منطق سُلطة وعن منطق غلب وعن منطق مصالح وعن منطق سياسي فانتبهوا، لكن منطق الرسالة والدين والدعوة غير منطق السُلطة، فيجب أن نفهم هذا، مهما حاولنا أن نختزل بل أن نُقزِّم الإسلام ليكون طريقاً لسُلطة وطريقاً لغلب سوف نُضيِّع الإسلام، سوف يضيع الإسلام ويضيع  جوهره منا قبل أن يضيع على الناس، فانتبهوا لأن هذا درس خطير – يا محمد إن نحن تابعناك وأسلمنا معك وأظهرك الله – تبارك وتعالى – على مَن عاداك أتجعل الأمر من بعدك لنا؟ وهذا منطق سُلطة أيضاً، فهو يقول له سوف ندخل في هذا الدين ولكن يجب أن تنتصر وبعد أن تنتصر يجب أن تكون لنا القيادة والريادة والسيادة والصدارة، فقال عليه الصلاة وأفضل السلام إن الأمر لله، يجعله حيث شاء – أي لا أُعطيك وعداً أبداً، وهذان منطقان شتى، إنهما منطقان شتى حقاً، منطق السياسية والسُلطة والغلب والمصلحة والمنفعة، ومنطق الرسالة والدين والحق، فهذه رسالة وليست سياسة وليست سُلطة، وإنما هى رسالة لإنقاذ البشر ونحن أولهم-، فقال هذا الصعصعي أفتهدَف – أي تُستهدَف وتكون أهدافاً ومرمىً – نحورنا للعرب دونك ثم إذا أظهرك الله جعلت الأمر لغيرنا؟ لا حاجة لنا بدينك، واللهُ لا حاجة به إليك ولأمثالك يا مسكين، لقد ادخرها الله للأوس والخزرج، في بيعة العقبة الأولى ثم بيعة العقبة الثانية ثلاثةُ وسبعون رجلٌ وامرأتان – أم عمارة بنت كعب وأم منيع – لأن المرأة كان لها دور من أول يوم، حيث جاءت لكي تُمثِّل النساء – تُمثِّل نساء الأنصار –  وأمر النبي أبا بكر أن يقف على فم الشِعب – هذا في منى في الموسم – وعليّاً – عليه السلام – أن يقف على الفم الآخر لكي يحرسان المكان، لأن الأنصار أنفسهم لا يعلمون بهذه الحقيقة، فقط المسلمون منهم لكن بقية الأنصار على الشرك لا يعلمون، وكان في القوم العباس عم النبي وهو طبعاً لا يزال على شركه، لكن لماذا جاء؟ هذا ابن أخيه وهو يُريد أن يتوثق له لأنه يخاف عليه طبعاً، كأنه يقول هذا ابن أخي هذا ومن دمي – هكذا هم العرب – لأنه كان يُحِبه،  وليس مثل محمد مَن يُقلى ومَن يُهان، فجاء العباس والتقى بالأوس والخزرج وقال لهم يا معشر الخزرج – وكان العرب يُسمون الأنصار كلهم خزرج، لأن الخزرج أكثر، فمن باب التغليب يُسمونهم الخزرج، أي يا معشر الخزرج والأوس – إن محمداً منا بالمثابة التي تعلمون، وهو في قومه في عز وفي بلده في منعة، إلا أنه أبى إلا الانتقال إليكم والإنحياز إليكم، فهل عساكم إن صار إليكم ألا تفوا له بما وعدتموه؟ فمن الآن فدعوه، وإن وفيتم له بما وعدتموه ومنعتموه فأنتم وما تحملتم مِن ذلك، فقالوا قد سمعنا ما قلت أيها الرجل، فتكلم يا رسول الله، فتكلم براق الثنايا وصاحب المُحيا الجميل – عليه الصلاة وأفضل السلام – فذكر الله وحمده وتلا ما تيسر من كتاب الله – تبارك وتعالى  – ثم قال لهم في آخر كلامه تُبايعوني على أن تمنعون مما تمنعون منه نساءكم وأولادكم، فقالوا يا رسول الله خُذ لنفسك ولربك ما أحببت، الله أكبر على الأنصار، الله أكب، ما أجملهم وما أصدقهم، قالوا له يا رسول الله خُذ لنفسك ولربك ما أحببت، وقال البراء بن معرور – رضوان الله عليه – يا رسول الله بلى ووالله، ووالله لنمنعنك مما نمنع منه أُزرنا، فتعال إلينا فنحن أبناء الحرب وأهل الحلقة –  السلاح – وورثناها كابرٍ عن كابر، أي أننا سوف نمنعك، فاعترض القول بين رسول الله وبين البراء وهما يتقاولان أبو الهيثم بن التيهان – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين – وقال  يا رسول الله – اعترض في الحديث لأن عنده جملة اعتراضية – إن بيننا وبين القوم حبالاً – يُريد بالقوم اليهود، فهو يقول بينا وبين يهود المدينة عهود ومواثيق وأحلاف – ونحن قاطعوها –  أي أن من الواضح أنهم لن يُؤمِنوا بك ولا معك وستقع النفرة والخلاف،  ونحن من لدنا من الآن ليس لدينا مُشكِلة أن نقطع هذه العهود في سبيل الله ورسوله-،  فهل عسيت يا رسول إن نصرك الله وأظهرك على مَن عاداك أن تتركنا وتعود إلى قومك؟ أي أننا نُريدك دائماً معنا هنا، فتبقى في المدينة دائماً لدينا لأننا لا نُضحي بك، وانظروا الآن إلى سيد الأوفياء وسيد مَن وعد فأوفى،  قال عليه الصلاة وأفضل السلام بل الدم الدم والهدم الهدم-، أي دمكم دمي وهدمكم هدمي، كأنه يقول ذمتكم ذمتي -، أنا حربٌ لمَن حاربتم وسلمٌ لمَن سالمتم، قال فابسط يدك نُبايعك يا رسول الله، الله أكبر، كل هذه مُقدِّمات الهجرة، فبسط يده وبايعوه من عند آخرهم – رضوان الله عليهم أجمعين – الأنصار، وكانت هذه مُقدِّمة الهجرة، فالهجرة تُريد الصدق، تُريد الصدق في الكلمة والصدق قبل الكلمة في النية والصدق في الموعدة وفي العهد وفي الحلف وفي النصرة، وبهذا انتصر الإسلام، بقبيلين من الناس بمُهاجِرين وأنصار، فالمُهاجِرين – كما قلت لكم – تغلبوا على جواذب الطبيعة وتركوا كل شيئ لله، والأنصار لولا مُقامهم في بلدهم لكانوا مُهاجِرين أيضاً، فهم كانوا مُهيأين – وبرهنوا على هذا – لأن يتخلوا عن كل شيئ في سبيل الله تبارك وتعالى، ومن هنا اقتران الهجرة في كتاب الله بالجهاد، فلا تكاد تُذكَر الهجرة حتى يُقرَن بها الجهاد باستمرار تقريباً في كتاب الله، لماذا؟ لأن الهجرة لو ذهبنا نُفتِّشها في جوهرها لكنت جهاداً، فإذا كان الجهاد في جوهره التغلب على الضعف البشري وجواذب الطبيعة  فالهجرةُ جهاد، أن أترك بلدي وأهلي وولدي ومالي وعقاري هذا أعظم جهاد، فإذن هى جهاد، ولأن الهجرة كانت هى الترك والتخلي عن الأهل والمال والولد والبلد فالجهاد في حقيقته هجرة، لأنه تركٌ وتخلٍ حتى عن النفس ذاتها، فأنا أتخلى حتى عن نفسي وروحي، ومن ثم الجهاد والهجرة شبيهان جداً، ولذلك هما قرينان في كتاب الله، والأنصارُ والمُهاجِرون إذا راعينا المجاز مع الحقيقية هم جميعاً مُهاجِرون ومُجاهِدون. رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد، إخواني وأخواتي:

ها نحن قد اقتطفنا طرفاً يسيراً وتطرقنا إلى شيئٍ قليل مما تُذكِّر به الهجرة من ماضي هذه الأمة المرحومة فحريٌ قبل أن نُغادِر هذا المقام أن نُذكِّر وأن نلفت إلى شيئ مما له علاقة بمُستقبَل هذا الدين وبمُستقبَل هذه الأمة ونحن في حديث الهجرة التي كانت سبيل نصر الإسلامِ والتمكين للمسلمين، فكيف يُنصَر هذا الدين اليوم؟ وكيف يُمكَّن لأمته اليوم وغداً؟ هذا درسٌ بليغ من دروس الهجرة، وأُحِب أن أقول بكلمة صريحة على عادتي وهى صراحة جارحة ومُؤلِمة وصادمة أن الذي أراه أننا أمة لا تزال مُصِرة على أن تتبعد عن جوهر دينها وتكتفي بالقشور والطقوس والمظاهر والكلمات والدعاوى والأزعومات، وهذا شيئ غريب، حيث يخرج لك الإمام على المنبر  وأول ما يبدأ يقول فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ  ۩ ونحن من أظلم عباد الله لأنفسنا ولبعضنا البعض ثم يتكلم كلاماً في حقيقته هو تبرء مما قال في أول خطبته لأنه كلامٌ ظالم، وأنا أُحِب أن أكون صريحاً لأن مُستقبَل الإسلام في أمته وفي مُستقبَل بلاده، فلا تُحدِّثني عن إسلام بلا أمة وبلا حملة لأنه سوف يضيع، وقطعاً الله سيحفظه لكن بحملته الأنجاب، فنسأل الله أن نكون منهم وأن نسير في طريقهم وأن نُضوِّيء طريقهم لمَن ضل عنها أو ضُلِّل عنها وغبيت عليه وعميت، وكما نقول دائماً نحن نرى أن الحق أوسع للجميع، ومَن ضاق عنه الحق فالباطل أضيق، فمَن لم يسعه الحق – والله الذي لا إله هو – لن يتسع له الباطل، فانتبهوا لأنه يرى أن الباطل واسعٌ جداً له اليوم وهو يصول ويجول ويفعل ما يشتهي ويأتي ما يرغب وهذا غير صحيح، انتبهوا فالأيام دول والدهر قُلَّب ونحن على كوكبٍ دوار الليل والنهار، بالأمس مُبارَك كان في الحكم طاغيةً فرعوناً كبيراً، واليوم في الإقامة الجبرية أو في محبسه أو حيث ألقت فهذالا يعنينا، لكن – سبحان الله – يوم طالب بعض المشايخ من الحربائيين المُتلوِّنين الذين سبَّحوا بحمده سنين عددا ويوم سقط الرجل وهوى طالبوا ليس بأقل من إعدامه تندرنا عليهم وسخَّفنا منطقهم وتبرأنا منهم – حقيقةً فعلنا هذا بفضل الله – ليس حباً في مُبارَك – أعوذ بالله أن اُحِبه – ولا حباً في الطواغيت، ويوم بدر من مرسي وجماعته شيئٌ من ظلم في أحداث الاتحادية شجبنا هذا وقلنا ضحيةُ الأمس جلّاد اليوم – وبغضب قلنا هذا بفضل الله تبارك وتعالى – على أن الذين سقطوا مُعظمهم من جماعة مرسي، انتبهوا لأن هذه الحقيقة وهى معروفة بالأسماء، فقط ربما واحد أو اثنان أو ثلاثة هم الذين ليسوا من جماعة مرسي، فلماذا إذن؟ لأننا لا يعنينا لا مُبارَك ولا مرسي ولا سيسي ولا فلان ولا علان، تعنينا الحقيقة ومُستقبَل الدين والأمة، تعنينا المباديء، ويوم فشل مرسي وجماعته في الحكم قلنا فشلة، هم فشلة فاشلون وأُفشِلوا، وحين خرج الشعب بالملايين قلنا لهم تخلوا عن الحكم ودعوا مصر تهنأ، دعوها هادئة، لا داعِ – وإلى الآن نقول هذا – لأن تحرقوا مصر من أجل كرسي ومن أجل حكم فشلتم فيه، وغضبوا علينا فانتبهوا، واليوم أتينا لنقول مرةً أخرى الذي يتعرض له مرسي  وإخوانه فيه كثيرٌ من الحيف والظلم، الرجل لم يتلق – إلى الآن على الأقل – مُعامَلة تُشعِرنا بالعدل، يا أخي عاملوه كما يُعامَل مُبارَك، على أن مرسي لم يأت من الجرائم في حق الشعب المصري بنسبة واحد ربما على ألف مما فعل مُبارَك، أليس كذلك؟ ماذا فعل مرسي في سنة؟ كما قلنا وجوه من الفشل فقط والإفشال وقتل اثنين أو ثلاثة فيُحاكَم هو وكل مَن تثبت عليه التُهمة، أليس كذلك؟ هذا هو العدل، لكن نُريد مُحاكَمة شفافة، نُريد أن نراها وأن نسمعها أو يُمكِّن على الأقل من النزهاء والوسطاء مَن يأتي ويرقب ويرى ويسمع، فأنتم قلتم الرجل – وهذا هالنا وأفزعنا – أنه تعامل مع استخبارات وأن لديه مُخابَرات مع الكذا والكذا، فنُريد أن نرى الأدلة، إن كانت حقيقية لتأخذ العدالة مجراها، وإن كانت كذباً وزوراً وتدليساً فنحن نُريد أن نعلم، وأنا أقول لكم ليس عدنان إبراهيم أو مسجد الشورى في فيينا هو الذي يُريد هذا وإنما الشعب كله يُريد أن يعرف الحقيقة، والله العظيم أنا أقول هذا وقلبي يتقطع على مصر، وقلبي واجف ووجل على مصر، أنا أقول لكم أن من المُستحيل أن تخدع ضمير شعب، أنت تخدع المأجورين، تخدع مَن تدفع لهم، تخدع مَن تُطعِمعم ومَن تُرهِبهم وتُرغِبهم، لكن لا تستطيع أن تخدع تسعين مليوناً، بعد ذلك سيستيقظ الضمير، وأنا أقول لكم إذا ظل الظلم يتوالى –  والأمور ليس شفافة وليست نزيهة – فإن الأمور تُؤذِن بثورة ثالثة، وأنا أقول لكم أن هذه – لا قدر الله – لو وقعت ستكون الأشرس والأكثر دموية، ونحن لا نُريد أن تذهب مصر في طريق سوريا، لا نُريد هذا ولا نُحِبه ولا نُبارِكه بأي طريقة، ولذلك نقول للمُتعاطِفين مع الإخوان وغير الإخوان اهدأوا واجلسوا كفاكم تخريباً ومُظاهَرات، اجلسوا فهناك أمور أخرى وقضايا أخرى ينبغي أن تُحل، لكن نقول للآخرين كونوا عادلين، لا يُعجِبني منطق بعض المشائخ وبعض العلماء حيث يعتلي أحدهم المنبر ويقول على مَن شاء أنهم خوارج، فانتبهوا لأننا صرنا الآن بين مكفرتية وبين مُخرِجتية كما أسميهم!
بالأمس أخذتم على الناس بالحق والباطل أنهم يُكفِّرون، وأنا أقول لكم لماذا نُفظِّع تكفير مسلم؟ لأن من وراءه القتل –  قتل المسلم – طبعاً، وأنا أقول لكم أن الذي يتهم الناس بأنهم خوارج ويقول أنهم خوارج هذا حاله أفظع، هل تعرفون لماذا؟ لأن الخوارج صحت فيهم الأخبار والآثار أن مَن قتلهم فهو أولى بالله منهم وطوبى لمَن قتلهم وقتلوه وأنهم كلاب النار واقتلوهم تحت كذا، فإذن الذي يتهم الناس هكذا على الحامي والبارد بأنهم خوارج – ويقول خوارج، خوارج، خوارج – هو يقول اقتلوهم، فلتقتلوهم!

لكن يا أخي في أي منطق هذا؟ أين العدل؟ أين الحق؟ أما آن لهذه الأمة أن تتبع الحق في قولها وفعلها وفي رؤيتها وتصورها؟ لأن الحق – والحق وحده والله العظيم – هو الذي سينقذهم وهو الذي سيسعهم، وأنا أقول لكم غداً ستحدث مثل هذه الفتنة ولن نكون من المُحرضين قسماً بالله على الوهابيين رغم مواقفهم منا وتكفيرهم لنا ولغيرنا، فنحن لسنا مع الدم ولسنا مع القتل.

يا إخواني الحياة عملة نادرة في كون – ليس في أمة في الإسلام وإنما في الكون كله – قطره تسعين بليون سنة ضوئية، وإلى الآن غير ثابت أن هناك حياة إنسانية إلا على كوكب الأرض، فهذه عملة إلهية مُقدَّسة وهى عملة نادرة جداً جداً، لذا علينا أن نُقدِّس الحياة وأن نُقدِّر الحياة وألا نستهين بالدماء.

اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت، وجنِّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين، وأصلِح أحوالنا في السر والعلن.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا (8/11/2013)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: