إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى من قائل – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ۩ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ۩ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

لما استعصى حصن أو حصون خيبر على رسول الله – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله، وأصحابه رضيَ الله عنهم -، وأرسل سرية، لم يُقيَّض لها النجاح والظفر، فلما كان ذات ليلة قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – مُبشِّراً المُسلِمين ومُعرِباً ومُؤذِناً عن قُرب النصر والفتح لأُعطين الراية غداً رجلاً يُحِب الله ورسوله، ويُحِبه الله ورسوله. فبات الناس يدوكون، يتساءلون، يتندسون، سيُعطيها لمَن؟

يقول الفاروق عمر – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – فما أحببت الإمارة إلا يومئذ. عمر يقول أنا لا أُحِب الإمارة، لا أُريد الصدارة، وإنما أحببتها فقط في تلكم المُناسَبة. لماذا؟ لا لذاتها، وإنما لهذا الشرف الباذخ وهذا المجد السامق العالي، إخبارٌ من أصدق الخلق وحبيب الحق – صلوات ربي وتسليماته عليه -، أن هذا الرجل الذي سيُعطى الراية مِمَن يُحِب الله ورسوله… وهذه سهلة، قد تبدو في نظر أكثرنا، ولكن ما لا يُقدَر عليه إلا بمنّ الله وتوفيقه ومحض كرمه وجوده: ويُحِبه الله ورسوله. أن تُحِب، ربما تكون دعوى، في حاق أو في نطاق الدعوى، والكل يدّعي، وباب الدعوى وسيع عريض، أنني أُحِب الله وأُحِب رسوله، لكن أن يُحِبك الله، تصديق أولاً لمحبتك له، شهادة بأنك صادق مُتحقِّق بالمُحبية.

والمُحِبية مقام عظيم، أعظم منها بمراحل المحبوبية، بمراحل لا يُقادر قدرها، بل الفرق بين المُحبية والمحبوبية هو عين الفرق بين العبد والرب، لأن المُحبية حالك، مقامك، والمحبوبية منه – لا إله إلا هو -، فهذا الفرق بين المُحبية والمحبوبية، هذا الفرق بين أن تُحِب الله ورسوله، وبين أن تكون محبوباً لله ورسوله. اللهم اجعلنا بفضلك ومنّك من أهل محبتك، ومن ذوي مقام محبوبيتك، بحق لا إله إلا الله، محمد رسول الله.

ولذلك قال سمنون المُحِب – رضيَ الله عنه وأرضاه – هيهات، ذهب المُحِبون لله ورسوله بشرف الدنيا والآخرة. أعظم مقام، أبذخ شرف، أعلى منزلة وأسمقها، هي هذه المنزلة. لماذا؟ قال لأنه صح عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – قوله المرء مع مَن أحب. وأنت تُحِب الله، فالله معك وأنت مع الله، هكذا فهمها، وفعلاً فعلاً هي هكذا، أنا جليس مَن ذكرني. ومَن أحب أحداً ومَن أحب شيئاً أكثر من ذكره، وإذا أحببته، لهجت بذكره، لزمت ذكره – لا إله إلا هو – في ليلك ونهارك وحلك وترحالك وخلوتك وجلوتك، بل وفي كل حالك.

فإذا صح أنك تذكره، ثبت أنه يذكرك، وأين ذكرك له من ذكره لك – لا إله إلا هو -؟ إن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منه. لا إله إلا الله! في الملأ الأعلى الصمداني، في الصفيح الأرقى.

إذن هذا هو أعلى وأشرف ما يُمكِن أن تطمح إليه همة المُؤمِن، وتطمع فيه نفس المُوقِن، أن يكون محبوباً لله – تبارك وتعالى -، ولذلك – إخواني وأخواتي – السؤال الذي يثور، ويا له من سؤال! يا حياه الله من سؤال! هل من علامات، هل من دلائل، هل من أمارات، هل من براهين على محبوبية العبد عند الله – تبارك وتعالى -؟ هل يستطيع الواحد منا أن يعرف إن كان حقاً محبوباً عند الله؟ واتركوا أنه يُحِب الله ورسوله، فهذه دعوى – كما قلنا – تتسع للكل، وقد يخدع الإنسان نفسه فيها، أنا أُحِب الله ورسوله! ولا يستطيع أن يُبرهِن، لكن إن ثبت أن الله يُحِبه، ثبت له من باب أولى أنه صادق – كما قلت – في محبة الله، والمُهِم أنه محبوب عند الله.

إن أحبك، لم يُعذِّبك. انتبه! حتى لو أذنبت، شاهده قوله – تبارك وتعالى – وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ۩، كذبتم! لو أحبكم، ما عذَّبكم بذنوبكم. إذن لو أحبك الله، ولست ملكاً، ولست بالملك المعصوم، قد تُخطيء، قد تزل بك القدم مرة ومرات، لن يُعذِّبك.

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد                               جاءت محاسنه بألف شفيع.

لأنك حبيب، محبوب له – لا إله إلا هو -. والحبيب لا يُعذِّب حبيبه، والقرآن قال هذا، قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ ۩، تقولون: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ۩، لستم أبناء له، ولستم أحباء له، أنتم أصحاب دعاوى عريضة، ونعوذ بالله، نعوذ بالله من الدعاوى، من كذب الدعاوى، ومن أوهام النفس وأحابيلها وأخاديعها.

إذن إن أحبك – لا إله إلا هو -، لن يُعذِّبك. إن أحبك، أدناك وأزلفك إليه وقرَّبك. إن أحبك، رفع مثابتك ومقامك عنده. إن أحبك، لم يُخيّبك، ولم يُصفِّر وجهك، ولم يكسر بخاطرك. إن أحبك، أعطاك ما لا يخطر منك على بال. وسيأتي بيانه – بعون الله – عند الحديث عن جوائز مَن يقوم الليل بين يدي الله – تبارك وتعالى -، من أحباب الله. اللهم اجعلنا منهم، أعطاك ما لا يخطر منك ولا من بشر على بال وخاطر، هذا معناه!

في الدنيا – أحبتي، إخواني وأخواتي – يسعى المرء منا جاهداً أن يكون محبوباً، ملحوظاً بعين المحبة والرعاية، من كُبراء الناس، الكُبراء في العلم، الكُبراء في الدين، الصُلحاء، أولياء الله، والكُبراء في شأن الدنيا، الكُبراء في شأن الدنيا مِمَن لديهم سُلطة المال وسُلطة النفوذ – كما يُقال -، فالمرء للأسف هكذا يسعى، لكن أين محبة هؤلاء لك – إن أحبوك ولاحظوك – من محبة الرب – لا إله إلا هو -؟ تالله وبالله ووالله – إخواني وأخواتي – لو حيزت لواحدنا أو لأحدنا الدنيا بمَن فيها وما فيها، فأصبح مليكاً، مُملَّكاً، على كل ما ومَن في هذه الأرض، على شرط المحبة والطواعية والرضا، أنهم يُحِبونك ويُطيعونك ويرضون بمُلكك عليهم. والله الذي لا إله إلا هو ما ساوى هذا ذرة من محبة الله لك.

يا رجل الناس تعصي الله، وتقطع الأرحام، وتنتهك المُحرَّمات، وتقع في المساخط، وتتناءى من مراضي الله ومحابه، وليس في سبيل المُلك على أهل الدنيا ولا على بلد ولا على قبيل من الناس، في سبيل دنيا أحقر من هذا بكثير، وأمامهم الطريق اللاحبة الواسعة، أن يصيروا من أحباب الله، تصير محبوباً لدى الله يا رجل، يا مُؤمِن، يا إنسان، يا مُؤمِنة. نسأل الله التوفيق، ونعوذ بالله من الخذلان، نعوذ بالله من الخذلان وعمى البصائر والأبصار يا إخواني، والله هو هذا.

ولذلك لا نُطوِّل بمُقدِّمات، نبدأ بالعلائم والأمارات الجوامع الكُلية، التي يُستدل بهن على ما وراءهن:

أول ذلك وربما أجمعه – إخواني وأخواتي – أن تُؤتى أنت محبته على شرطه، لا على شرطك. أي إن وجدت من نفسك أنك رُزقت ووُفقت إلى محبته – لا إله إلا هو – على شرطه، لا على شرطك، لتخرج من وهم الدعوى، إذا وجدت نفسك تُحِب الله – تبارك وتعالى – على شرط الله، ما هو شرط الله؟ سهل جداً، ذكره، وليس فعله. يسَّر الله لنا وعلينا فعله، ذكره ميسور جداً جداً، أن يكون هواك تبعاً لأمره ونهيه، فلا تُحِب إلا ما أحب، ولا تكره إلا ما كره، وكل ما كره الله تنفر نفسك منه وتكرهه وتقذره، وإن كان فيه حظ النفس عند الآخرين، لكن أنت نفس مُحِبة، أنت نفس مُحِبة! تُحِب كل ما أحب الله، وتكره كل ما كره الله، ولو كان في هذا الذي تكرهه – كما قلت – حظها، انتصارها، نصيبها، عزتها، غُنمها، غناها. تكرهه لأن الله يكرهه.

مثلاً الانتصار للنفس الله يكرهه، لا تنتصر لنفسك، انتصر للحق، لست إلهاً، لست رباً، وإياك أن تطلب من الناس أن يعبدوك، أن يُعامِلوك كرب، فلا يذكرونك بسوء ولا يغتابونك ولا يظلمونك ولا يبهتونك ولا يفترون عليك، لا! هم يفعلون هذا مع رب العالمين – لا إله إلا هو -، هم بهتوا الله واختلقوا على الله وكذبوا على الله ورُسله، أنت تُريد لنفسك مثابة ليست لله والرُسل يا رجل؟

مَن عاش، كان هدفاً تتناوشه رماح الخلق، وتُسدَّد إليه سهامهم، لن يتركوك، فلا تنتصر لنفسك، اغفر للجميع، تغاض، كأنك لم تسمع، وكأنك لم تر، سامح، سل الله لهم الرحمة والعفو والمغفرة، فإنهم لا يعلمون، وامض على طيتك، ذاكراً لربك، قاصداً وجهه.

كان – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – لا ينتصر لنفسه، ولا يغضب لنفسه. وكأين من مرة سُب فيها – عليه الصلاة وأفضل السلام – ووجهت إليه مقاذع القول! يتبسم، حليم، وكلما زاد الجاهل جهلاً عليه، ازداد هو حلماً، وهذه أمارة نبوته المذكورة في الكتاب الأول – صلوات ربي وتسليماته عليه -، نبي!

لكن تقول عائشة – رضيَ الله عنها وأرضاها، الصدّيقة بنت الصدّيق – كان إذا انتُهكت محارم الله يغضب، فلا يقوم لغضبه شيئ. أمر الله لا، أما أمري أنا، فأنا مُسامِح فيه. يقول لك النبي، تحقَّق بهذا.

كان مولانا بدر الدين الحسني – قدَّس الله سره، مُحدّث الأمة في وقته، ومُحدّث الديار الشامة – يعجب تَلامذته منه جداً، لبعض ما يأتيه. ولعلي ذكرت هذا في درس، ولم أذكره في خُطبة.

ربما سُئل في مسألة من عوائص أو عويصات المسائل، فيُجيب، فإذا أجاب كان كالبحر الذي لا يُنزَح، وكالسيل الهادر الذي لا يُوقَف، إمام جليل! وربما سُئل في مسألة هيّنة يسيرة، يعرفها أصاغر طلّاب العلم، الذين شدوا من العلم حروفاً، فلا يُجيب. فاحتار الناس في أمره، إلا أن خاصة تَلاميذه يعرفون سره، قالوا إذا رمق الشيخ بنور بصيرته من السائل إرادة امتحان أو إرادة تحدٍ ومُنافَسة، لم يُجِبه، وإن كان السؤال يسيراً، قد تقع به التُهمة من الجهلة والحمقى والنوكى، أن الإمام لا يعرف، لا يعرف هذه؟ يعرفها الطلّاب الصغار في المكاتب، ويعرف تلك؟ أعظم منها ألف مرة في ميزان العلم. لكن تلك لله، يتكلَّم. هذه للنفس، تسألني لتُنافِسني، سأُثبِت لك أنني أعرف، لا! لن أُثبِت، اذهب على طيتك، سامحك الله. لا يُجيب، لا يُجيب ولا يتكلَّم، شيئ غريب! تواتر هذا عنه. لماذا؟ لأنه مُحِب لله، هواه مع الله، إن كان هذا لله، أتيناه، إن لم يكن لله، امتنعنا عنه، ودع الناس تقل ما تقول، دع الناس تقل ما تقول! هو هذا، حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به.

ولذلك أن تُحِب الله – تبارك وتعالى – على شرطه، لا يلتئم بــ هذا لك وهذا لي. الصلاة والصوم والزكاة والحج وقيام الليل والقرآن لك، لكن قليل من الغيبة لي يا رب، سامحني فيه، أنا ضعيف، أنتصر لنفسي. جميل! سيقول لك لا شأن لي بك، لست من أحبابي، أنت أضعف من أن تكون حبيباً لي، أنت لا تُحِبني، تكذب، أنت تُحِب نفسك. يقول لك هذا في هذه الحالة، أي حين تستثني بعض الآثام وبعض الأشياء التي تُغذي الأنا فيك (النفس) كإرادة الانتصار، إرادة الانتقام، الحسد، الغيرة، الحقد على الآخرين، الغش، عدم الصدق في النُصح – والعياذ بالله، والعياذ بالله -، وهذه ليست نفساً ربانية، ليست هذه النفس التي يُحِبها الله ويُقرِّبها الله أبداً، أبداً! مُشكِلة كبيرة عند هذه النفس، مُشكِلة كبيرة! في هذه الحالة – انتبه – سيثبت ويتبرهن أن صلاتك وصومك وزكاتك وحفظك للقرآن وتباكيك في المحاريب وقيام الليل، كله حظ النفس، تُريد أن تُثبِت لنفسك أنك مُميَّز دينياً، أنك صالح، أنك من أهل الله. كذب، كله هذا كذب، كله خداع، انتبهوا! لا أخدع من النفس، ولا أخبث من النفس، لذلك طريق الله هي طريق ماذا؟ طريق التفقه في النفس، في أدوائها، في عللها، في أخاديعها، في أفانين كذبها وتوهيمها وإيهامها لصاحبها. أوه! شيئ رهيب – والعياذ بالله – النفس، شيئ رهيب، أعذني من شر نفسي. النبي المُحمَّد – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله – كان يبتهل إلى الله، اللهم ألهمني رُشدي، وأعذني من شر نفسي. هذه النفس – والعياذ بالله -، كذب!

وإنما كله لك يا رب، وليس لي شيئ، كل ما أمرت به أنا آتيه وأُمعِن فيه، كل ما نهيت عنه، كبيراً كان أم صغيراً، أنا أمتنع عنه وأقذره وأكرهه، ولا أُحِبه ولا أهواه. نعم، أنت مُحِب صادق، وآية هذا أن تُحِب أهله وأولياءه، أحياءً وأمواتاً، الأحياء والأموات تُحِبهم وتُجلهم، لماذا؟ لأنهم أهل الله، أولياء الله، أحباب الله. كيف تصدق في حُبك لله وأنت لا تُحِب مَن أحبه الله وأحب الله ورسوله؟ تكذب أو هذا البعيد يكذب. اعذروني! يكذب البعيد، يكذب، والله يكذب.

ولذلك لاحظت شيئاً غريباً يا إخواني في أهل الله، هذا لاحظته في أهل الله الذين جمع الله لهم العلم والحال، أي العلم والعمل الصادق به، على شرط الإخلاص والصدق. أهل الله! أهل الله أهل العلم والحال، في الكُتب وعلى وجه البسيطة الآن لاحظت هذا والله، أنهم يُدلون على بعضهم البعض، يقول لك أحدهم اذهب إلى فلان، هو خيرٌ مني، هو أفضل مني، هو أفقه مني، هو أذكى مني، هو أتقى لله مني، هو… هو… تستغرب أنت، وأنت عالم كبير، ورجل خطير، خطير! يقول لك لا، هو خيرٌ. والآخر يقول لك لا، بل هو خيرٌ مني، أين أنا؟ أي أنا لا آتي تراباً يمشي عليه فلان. وتستغرب أنت، لماذا؟  وهذا – انتبه – ليس تواضعاً على سبيل المُقارَضة، أنني أمدحك لتمدحني، وأتواضع لك لتتواضع لي، وأدل عليك لتدل على. أبداً أبداً أبداً، لا علاقة لهم بهذا البتة، وقد يفعلون هذا في حق أُناس أحياء لا صلة ظاهرية لهم بهم، هذا يعيش في قارة وهذا في قارة، لا صلة ولا اتصال ولا رسائل ولا أي شيئ، يقول لك فلان، أين نحن من فلان؟

وجدت هذا في أولياء الله، شيئ غريب يا أخي، وحصل مرة – وإخواني شهود على هذا – شيئ غريب، هناك رجلٌ من أهل العلم الديني والدنيوي، يحمل دكتوراة في علم دنيوي، وهو من علماء الدين، وهو من أهل الله، من أهل الذكر، من أهل الحال، من أهل الصدق. سُبحان الله وجهه يُنبيك عنه، نور – والله – تراه، ترى النور في وجهه والسكينة والطمأنينة، يُسافِر من بلد إلى بلد، وقبل أن يُسافِر بمُدة يستأذن، ويطلب موعداً، ويأتي إلى أخ له في الله، لماذا؟ من أجل ماذا؟

ليستسمحه في كُليمة بدرت منه، نزغه بها الشيطان في حق أخيه، رآها عظيمة وكبيرة وقعت منه، فهذا لا يقع من أهل العلم الظاهر، الذين يأكلون لحوم بعضهم بعضاً وفي المُنتديات والتلفزيون Television واليوتيوب Youtube والمجالس والمنابر. وسُبحان الله وكأنهم أرباب يُفتّشون عن القلوب، ويتهمون الناس بالنفاق وبالكذب وبالزندقة وبالعمالة وبالكيد للإسلام والكره لله ورسوله. شيئ غريب! لا يرعوون، من غير أن يطرف لهم جفن، وهذا عالم، جمع الله له علم الدنيا وما قُيض له من علم الدين والحال والصدق مع الله، العبادة والذكر والتأله، سُبحان الله! ووسمه بميسم ذلك، صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۩، تعجب حين تراه، نور والله، نور! وجهه يُنبئ عنه، وسكينة وطمأنينة ووقار وحلم وعلم يقطع بلاداً ويتكلَّف ويترك أهله وعمله ومهامه، من أجل كُليمة، بدرت منه، رأى أنها عظيمة، لا تجوز، وما درى به إلا الله. هذا حال أهل الله.

إذن أن تُحِب – انتبه – أهل الله، ثم تُحِب أهل لا إله إلا الله، كل مَن قال لا إله إلا الله، شهد لله بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة، هو أخي وحبيبي، له القسط والحظ على الأقل الأدنى، الذي لا يجوز الانحطاط عنه، لأنهم أهل لا إله إلا الله، هؤلاء شيعة محمد، هؤلاء أنصار محمد، سُنةً كانوا، أشعرية، ماتريدية، صوفية، زيدية، إمامية، إباضية. كل المذاهب! لا يعنينا التصنيف، هم أهل لا إله إلا الله، محمد رسول الله. ستحق محبتهم عندي، في الحد الأدنى أتمنى لهم الخير، أنصح لهم، لا أغشهم، لا أحقد عليهم، لا أكذب عليهم، لا أفتري عليهم، لا أدعو عليهم، لا ألعنهم، لا أُحرِّض عليهم، أبداً! أدعو لهم بالخير، وأتمنى لهم الخير. وأسأل الله أن يُصلِح ما بيننا وبينهم – إن كان ثمة ما فسد -، أن يترقَّع وأن يُرأب الصدع. اللهم آمين.

يذكر أبو القاسم القُشيري الآتي – قدَّس الله سره – في رسالته المعروفة عن قيس بن المُلوّح، من بني عامر، وكان إسلامياً طبعاً – في صدر الإسلام -: تُوفيَ – رضيَ الله عنه وأرضاه -، فرؤيَ في المنام، فقيل له يا فلان ما فعل الله بك؟ قال غفر لي، ورحمني، وأدخلني الجنة، وجعلني حُجةً على المُحِبين. قال الشرّاح جعلني حُجةً على أصحاب دعوى محبة الله. من أهل الإيمان، ومن أهل العرفان، يقولون نحن نُحِب الله، ليس لنا بُغية إلا محبة الله والرسول. جميل! الله أقام عليهم الحُجة من قيس بن المّلوّح، هذا بشرٌ أحب بشراً، أحب امرأةً لها أشباه ونظائر، فكيف بمَن ادّعى محبة مَن لا شبيه له ولا كفؤ ولا نظير – لا إله إلا هو -؟ انتبه!

إن كان حُبك لله أقل من حُب قيس لليلى، فأين أنت من الحُب؟ دعوى، كلام، فضيحة، فضيحة! قال أقامني حُجة على المُحِبين. يُحاجِجنا بها يوم القيامة، يقول هذا حُب بشر لبشر، فاق حُبك لي ألف مرة، ألف ضعف، أتزعم أنك تُحِبني؟ الله أكبر!

ولذلك على ذكر أن مَن صدق في محبته لله، أحب أهل الله لا إله إلا الله، أتساءل كيف لا يُحِب خواص أهل لا إله إلا الله، أولياء الله المُقرَّبين، الذين قطعوا أعمارهم في طاعة الله ورسوله، مُبتدِعين مُتنائين عن الذنوب والقاذورات، ظاهرها وخافيها، إلا ما شاء ربي، بما سبق الكتاب، كونهم ليسوا معصومين؟ فهؤلاء الأولى بالله، والأقرب إلى الله، والأسعد بالله. اللهم اجعلنا منهم.

رأى المجنونُ في البيداءِ كلباً                                 فمدّ له من الإحسانِ ذيلاً.

وهذا من شعره – رحمة الله عليه -.

رأى المجنونُ في البيداءِ كلباً                                 فمدّ له من الإحسانِ ذيلاً.

وفي رواية فجر له من الإحسان ذيلاً.

جلس وقعد، وجعل يتودد إلى الكلب ويُحسِن إليه، يُعطيه الطعام والشراب ويمسح عليه.

فلاموهُ على ما كانَ منهُ                                     وقالوا لقد أنلت الكلبَ نيلاً.

لقد أنلت الكلبَ نيلاً. أتفعل هذا بكلب؟

فقال دعوا الملامةَ فإنّ عيني                                    رأتهُ مرّةً في حيّ ليلى.

الله أكبر! حُجة على المُحِبين يا رجل. قال هذا الكلب ليس كلب ليلى، ذات مرة رأيت هذا الكلب يمر من حي ليلى. أذكرني بليلى – قال -، أنا أوده وأتودد إليه لأن عيني رأته مرةً في حي ليلى، دعوا الملامة.

فقال دعوا الملامةَ فإنّ عيني                                    رأتهُ مرّةً في حيّ ليلى.

فيا مَن تدّعي أنك تُحِب الله ورسوله، ثم أنت تكره المُسلِمين وتكره المُوحِّدين وتحتقر أهل الله وعباده الصالحين وتُحرِّض عليهم، انتبه، انتبه يا أخي – أسعدك الله بالتوبة الصادقة وإياي قبلك -، انتبه، أنت موهم، أنت شاك، أنت مخدوع، أنت غارق في الخداع، تخدع نفسك وما تدري، تخدع نفسك وما تدري!

النفس – كما قلت لكم – أستاذة في الخداع، تقول لك قم الليل. تقوم الليل، اقرأ كل يوم كذا وكذا من كتاب الله. نعم، تقرأ، ولا تعرف أنه قد يكون – أقول قد، قد! في علم الله – باعثك الحقيقي تطمين النفس بصلاحها. هل تعرف ما هو باعثك الحقيقي؟ تطمين النفس بصلاحها. وهي تأبى أن تعترف بمظلمة فلان عندها، لا تُريد! عندك كبر وعزة وأنفة، أن آتي إلى فلان الذي ظلمته في عِرضه أو نفسه أو ماله أو أي شيئ، تقول لا، ليس مثلي مَن يأتي مثله، هو أقل وأصغر مني في كل شيئ، لن أكسر نفسي له. عجيب يا أخي، أنت ظلمته، أنت ظلمت أخاك. تقول لا، لا أُريد، لن أذهب إليه، ولكن – بحمد الله – أنا سأُصلِح حالي، أنا سأتقرَّب. والله لن تتقرَّب، والله لن تُفتَح لك الأبواب، يا أخي أنت تخدع نفسك، هل تظن أنك تخدع الله – تبارك وتعالى – الذي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ۩؟ هو يعلم أنك إنما تفعل هذا لكي تفر من مؤونة وتبعة أن ترد المظالم وتعتذر من أصحابها وتستسمحهم، تبكي وتُقبِّل الأيادي والرؤوس، تقول سامحوني يا إخواني، ظلمتكم، أسأت إليكم. لا، لا تُريد هذا، لا تُريد، كبر! هناك كبر. كيف يتغذى هذا الكبر؟ بقيام الليل، بحفظ القرآن، بالتباكي في المحاريب، بادّعاء… بادّعاء… بادّعاء… بادّعاء… وأنت تُمعِن في البُعد عن الله وأنت لا تدري، ليس هذا، ليس هذا حال المُحِبين، ليس هذا حال أهل لا إله إلا الله، حال مَن وحَّدوا الله ولم يُوحِّدوا أنفسهم، مَن ألَّهوا الله ولم يُؤلِّهوا أنفسهم وأهويتهم، مَن رأوه أكبر كل شيئ، أكبر كل شيئ! أكبر كل شيئ – لا إله إلا هو -. فانتبه يا أخي من هذا.

من كُبريات علائم محبوبيتك عند الله – تبارك وتعالى – أنه يُدنيك، لأنه لو لم يُحِبك، لأقصاك. كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ۩، أليس كذلك؟ ما معنى هذا؟ إن رأيت نفسك مُلازِماً المواضع والمواطن والأحوال التي يُحِبها الله وتُدني إلى الله، فاعلم أنك محبوب له. كأن تُحافِظ على صلواتك، ومهما استطعت وقدرت، وهذا من توفيق الله، في أول أوقاتهن، وذلكم أحب الأعمال إلى الله وأعظمها أجراً عند الله، أعظم من بر الوالدين ومن الجهاد في السبيل كما ورد عن المعصوم – صلوات ربي وتسليماته عليه -، وكيف لا تفعل وأنت تدّعي المحبة يا أخي؟ يا أخي لو كنت قيساً وكانت الصلاة ليلاك، لهُرعت إلى خيالها إذا تخيلته، وليس إلى سوادها، إذا قام إزاءك، خيالها!

ولذلك في مراقي الفلاح للطحطاوي من كُتب سادتنا الحنفية – رضيَ الله عنهم وأرضاهم – حين عُرِّف الأذان (الأذان للصلاة) بأنه إعلام، قالوا إعلام في حق العوام. العوام يحتاجون إلى الله أكبر، حتى يترك الواحد منهم كل شيئ ويُهرَع إلى الصلاة، العامي! أما المُقرَّبون – اللهم اجعلنا من المُقرَّبين – فيختلف شأنهم، ما هذا؟ هنا الطموح، أي إذا كان هناك طموح حقيقي، ليس أن يصير عندي مليون أو مليار دولار، لا! الطموح الحقيقي الشريف، الذي يُورِث سعادة الأبد ومجد الأبد، وليس مجد عشرين سنة تبقوا لك في العُمر، ويُمكِن حتى أن يكون ما تبقى سنتين ويُمكِن أن يكون ساعتين وأنت لا تدري، نسأل الله أن يُطيل أعمارنا في سعادة وفي عافية تامة، في طاعته – لا إله إلا الله هو -، وعلى الوجه الذي يُرضيه منا وعنا، الطموح أن تقرأ الواقعة وتقرأ في الواقعة ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ ۩، أصحاب رسول الله وأتباعه، وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ ۩، وتقول يا رب اللهم اجعلني من هذا القليل. بلا شك تأخرنا بعد خمسة عشر قرناً، نحن مُتأخِّرون جداً عن الركب، مُتأخِّرون جداً! جئنا مُتأخِّرين، ألف وخمسمائة سنة عن رسول الله، نحن الآخرون، ولكن مع كوننا الآخرين ومع كوني من الآخرين يا ربي مطمعي وهمتي وطلبتي ومُناي وعشقي وهواي أن تجعلني من القليل في هؤلاء الآخرين، فتجعلني من زُمرة المُقرَّبين. الله أكبر! طموح، ولِمَ لا؟ خل الناس والدنيا، كما قال الصالحون مَن نازعك الدنيا، ألق بها بقرنيها – خُذها هكذا، وقل له خُذها، ألق بها بقرنيها – في وجهه. قال تُنازِعني الدنيا؟ خُذ الدنيا، لكن اترك لي ديني. وقد ورد عن المعصوم – صلوات ربي وتسليماته عليه – إن الله – تبارك وتعالى – يُعطي الدنيا مَن يُحِب ومَن لا يُحِب. قد تجد الدنيا عند مُسلِم صالح، عند ولي من أولياء الله، وقد تجدها عند كافر مُلحِد عنيد كنود مُجرِم، دنيا عريضة! الدنيا هنا وهنا، موجودة، ولكنه لا يُعطيه الدين إلا مَن أحب. اللهم أعطنا ديننا، واعصمنا في ديننا. هو هذا، هو هذا!

ولذلك خل مُناك هو هذا، أن أكون من هذه القلة، لِمَ لا؟ صحيح يا رب أنك أخبرت أنهم قليلون، سأجهد وأجتهد وأتعب نفسي، والتوفيق منك، وبك المُستغاث، وأنت المُستعان، وعليك التوكلان، أن تجعلني منهم، من هؤلاء القليلين، هم قليلون!

ومن أمارات هذا أن تجلس مجلساً ساعتين أو ثلاث ساعات أو خمس ساعات، لا تُذكَر فيه غيبة ولا كذبة ولا نميمة ولا شيئ مما يُغضب الله، وما أحلاه من مجلس! لن يكون طيرة ولا حسرة عليك ولا على جلّاسك. أربع ساعات كلها في ذكر الله، كلها في الخير، في التأليف بين الناس، في الإصلاح والدعوى إلى ذلك. من العلامات، أنك من المُقرَّبين.

ومن العلامات يا أخي طبعاً – بل ومن أهم العلامات – أنك لا تنام الليل بطوله، وإن صليت العشاء في أول وقتها والفجر في أول وقتها. لا! كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ۩ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ۩، لأن الليل هو وقت لقاء المُحِبين، ومُسارَة بعضهم، ومُساوَدة بعضهم لبعض، أُنس بعضهم ببعض. الليل هو ظرف الاتحاف الرباني، يُتحِف به مَن خلا بهم وخلوا به، يُتحِف اتحافات سنية صمدانية علوية أكرمية أجودية أقدسية. في الليل، وقت التنزل.

يُحكى عن أحدهم والظاهر أن له حظاً من الصلاح أنه يقول اشتريت جارية على شرط البراءة من العيب، فلما ذهبت بها إلى بيتي قدَّمت لها الطعام. فقالت إني صائمة. جارية! مملوكة المسكينة، جارية! إني صائمة. فلما آبت الشمس في مآبها قدَّمت إليها طعام إفطارها، فلم تُصب منه إلا القليل، ثم قامت إلى صلاتها تُحسِنها. عندها عشق وتوله، ارتباط بالله، وليس أكلاً وشرباً ومائدة وبالوعة – والعياذ بالله -، حياة كريهة، من المائدة إلى البالوعة – أي في الحمام -، ومن البالوعة إلى المائدة. ليس هذا، ليس هذا! لم نُخلَق لهذا، نحن لم نُخلَق لهذا. بحسب ابن آدم لُقيمات يُقيمن صُلبه – يقول عليه الصلاة وأفضل السلام -.

قال المُهِم استيقظت عليها في الليل – تحسس، أين الجارية؟ في الليل! قام من الليل، قال استيقظت عليها في الليل – وتحسست. قال فإذا هي في غُرفة في الظلام الدامس تُناجي ربها، تُخاطِبه، تقول أسألك بحُبك لي إلا ما أعطيتني كذا وكذا. قال فتلبثت، فلما سلَّمت قلت يا فلانة، يا فلانة ما أجرأكِ! قالت وما ذاك؟ قال وكيف تعرفين أنك محبوبة لديه، أنه يُحِبك؟ لو قلت أسألك بحُبي لك، لقلنا هذه مُحتمَلة تماماً، لكن تقولين أسألك بحُبك لي؟ ما أدراكِ؟ قالت يا سيدي أما قرأت قوله – تبارك وتعالى – يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ۩، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۩؟ قال بلى، قالت ولولا أنه أحبني ما أقامني وأنامك. أنا قمت، لم أعرف أن أنام، قُمت وقُمت توضأت وصليت لله، وأنت نائم، فواضح أنه يُحِبني. ولو لم يُحِبني لما أقامني وأنامك، كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ۩.

إن وجدت نفسك لا تنشط إلى قيام الليل، إلى صيام الأيام المُبارَكة الطيبة، إلى ذكر الله، إلى تلاوة كتابه آناء الليل وأطراف النهار – لا تنشط، لا تُحِب هذا، يثقل عليك -، إلى الصدقات والمبرات، إلى… إلى… كل الخيور! فابك على نفسك يا أخي ويا أختي، ابك والله، ابك ليل نهار، لأنك قد تكون محروماً مطروداً، مِمَن كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ ۩، لم يُحِبك! واعتبر هذا في نفسك وبنفسك، مع ضيفك وزورك – أي زوّارك -، حين يأتيك ضيف، ويكون خفيفاً على قلبك، مليح المُعاشَرة، حسن المُفاكَهة، جميل المحضر، كلما هم بأن يستأذن لينطلق ولينصرف، تستلبثه وتستمكثه، تقول له لا. تقول له (بدري) – أي لا يزال هناك وقت -، أرجوك، بالله عليك، (لسه بدري)، (بدري). تُحِبه! أليس كذلك؟ والعكس، حين يكون الضيف كحجر الرحى الثقيل على القلب، بأضاد ما ذُكِر من المعاني، أول ما يستأذن، تقول له هل انتهى الوقت إذن؟ إذن بارك الله فيك، سعدنا بك. مع السلامة! كذلكم – ولله المثل الأعلى – لأنه يُحِبك يُديمك في طاعته وعبادته، فتجد لسانك لاهجاً بذكره ليل نهار، ليل نهار! كله ذكر الله، قرآن، تنام ساعتين أو أقل أو كثر، ثم تقوم من الليل، لا تستطيع غير هذا، تتوضأ وتبدأ تُصلي وتدعو وتبكي، وتُحِب هذا، ولا تُحاسِب – (ملحوظة) أشار فضيلة الشيخ إلى الساعة -، لا تقول لي ساعتان أو لي ثلاث ساعات في العبادة. لا تشعر بها لا تشعر بها! هنيئاً لك، يا سُعداك، لتهنأك الولاية، أنت من أولياء الله – بعون الله تعالى -، إن وجدت هذه الحالة عندك. ثم أنت لا تُسمِّع ولا تُرائي، هذا بينك وبين الله، وليس أن لا تُعلِن عنها في الجرائد، أقوم الليل وكذا. إياك، هذا بينك وبين الله أصلاً، وسعادة يا لها من سعادة!

لقد هَتَفَتْ في جُنْحِ لَيْلٍ حَمَامَة ٌ                                                    على فنن وهناً وإني لنائم.

فقلت اعتذاراً عند ذاك وإنني                                                      لنفسي فيما قد أتيت للائم.

أأزعم أني عاشق ذو صبابة (مُدله)                                         بليلى ولا أبكي وتبكي البهائم؟

كَذّبْتُ وبَيْتِ اللّهِ لو كُنْتُ عَاشقاً                                                   لَمَا سَبَقَتْنِي بالْبُكَاءِ الْحَمَائِمُ.

كذّاب – قال – أنا، كذّاب! أقطع الليل كله نائماً، كالجُثة الميتة. أمامنا نوم طويل في القبر يا إخواني، نوم طويل، طويل! إلى قيام الساعة، لِمَ النوم؟

ولذلك – إخواني وأحبابي وأخواتي – إذا أسعدك الله بقُربه، ألزمك بابه وعتبته، ألزمك ذكره وعبادته والاتصال به، وبارك في أوقاتك، وشغلك بما فيه صلاحك في معاشك ومعادك. سُبحان الله! تنقطع عنك شهوة الشهوات، تنقطع شهوات الفُسحات الكثيرة، كل يوم فُسح فُسح! يا أخي الواحد يتفسح مرة في الشهر، أو مرة في نصف الشهر يا سيدي، وليس في كل يوم فُسح، في كل يوم فُسح، في كل يوم فُسح! يُوجَد نوع من عدم السكينة، من عدم الطمأنينة، نوع من (الزهق) كما نقول والملل والتعاسة والبؤس، يقطعه أحدهم بالأفلام، بالأغاني، بالموسيقى، بالزيارات، (رايح جاي، رايح جاي) – أي يذهب ويجيء كثيراً -، مرة على هذا ومرة على هذا ومرة على هذا، أبداً! فأين يا أخي ما ذكرناه؟ وطبعاً تنقضي الأعمار سبهللاً، سُبحان الله! لا نفع، لا دين، ولا دنيا. ذهبت الحياة، ممحوقة، لا بركة فيها. لا! أهل المحبة الخالصة وأهل الرق الصادق وأهل الولاية – اللهم اجعلنا منهم – ليسوا كذلك، أوه! سُبحان الله، أوقاتهم خزائن كما شُبهت، خزائن كلها مملوءة بالخيرات، شيئ عجيب، شيئ عجيب! لو تأخذ ساعة – أي ساعة من حياته هكذا -، تستغرب ما فيها، أوه! الله أكبر، ساعة فقط، في هذه الساعة كم قرأ! كم تعلَّم! كم أصلح بين اثنين! كم دفع! كم توسَّط! كم شفع! كم نفع الناس بماله، بجاهه، بعلمه، بأي شيئ! كم صلى! كم ذكر! كم قرأ من القرآن! كم… شيئ عجيب، وهذه ساعة، هنيئاً له، ما الذي حصل؟ عبد قرَّبه الله، فشغله بما فيه صلاحه وبما فيه سُعده، وبما فيه سُعده في الدنيا والآخرة، علامة!

إخواني وأخواتي:

لا يخفاكم أننا إن أردنا أن نتقصى أو نستقصي هذه العلائم، فهي كثيرة، أكثر من أن تُستوعَب في مقام ومقامين وربما في مقامات، ولكن الطريق سهلة لاحبة ميسورة – بإذن الله تبارك وتعالى -، يسَّرها الله لنا وعلينا.

اقرأ كتاب الله – تبارك وتعالى -، وابحث عن موارد المحبوبية، تعرف أول مورد؟ الإحسان. الله يُحِب المُحسِنين، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ۩، تكرَّرت في موارد، لعلها خمس، أكثر شيئ الإحسان، والإحسان جوهره كما تعلم أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك. ومن الإحسان لأنك تعبد الله كأنك تراه أن تُحسِن كل ما تأتيه. أي إذا أردت أن تكتب حتى رسالة، أحسِنها. إذا أردت أن تقول كلمة، أحسِنها. أحسِن في كل شيئ، في أخذك ومنعك وبيعك وشرائك وعطائك وبذلك، في زيارتك، في ضيافتك، في إكرامك لضيفك، في مِشيتك، في لباسك، في ذِبحتك. إن الله كتب الإحسان على كل شيئ.

قد يقول لي أحدكم ما هذا الدين؟ والله لا يُوجَد ما هو أجمل منه، والله لا يُوجَد ما هو أجمل من هذا الدين، والله لا يُوجَد ما هو أجمل من هذا الدين ولا أرقى من هذا الدين. وماذا أقول؟ ولا يُوجَد طبعاً… ماذا أقول؟ ولا يُوجَد مَن هم أتعس من هذه الأمة اليوم في العموم. شيئ غريب، شيئ غريب يا أخي، هذا ديننا، وهذه جمالية ديننا، ونحن كما نحن! نحن كما تعلمون! ما الذي يحصل؟ اللهم ارزقنا الصدق والجد في أخذ هذا الدين بقوة، خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ ۩، حتى نُصبِح أجمل الدين وأفضل الناس وأحسن الناس وأكرم الناس وأنبل الناس. إن الله كتب الإحسان. وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ۩، أكثر شيئ تكرَّر في كتاب الله عند قوله يُحِبُّ ۩ أتى في الإحسان، قبل التقوى الإحسان، الإحسان! فإذا ذبحتم، فأحسِنوا الذِبحة. حتى حين تذبح أحسِن، إذا قتلتم، فأحسِنوا القِتلة، وإذا ذبحتم، فأحسِنوا الذِبحة، وليُحد أحدكم شفرته وليُرح ذبيحته.

انظر حتى إلى الكلام الذي تتكلمه، أعرِبه، لا تتكلَّم ملحوناً، اذهب وتعلَّم النحو والصرف، والله يُحِب هذا، يُحِبه! لأن هذا دين العربية، قرآن عربي مُبين، تعلَّم لُغته، أفصِح، أبِن، خلك منطيقاً على قانون ودستور البلاغة، تعلَّم، اتعب، حتى يكون كلامك جميلاً، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – للعباس عمه يا عم يا عباس يُعجِبني جمالك. والعباس لم يكن جميلاً، كان طوالاً وضخماً وقوياً وجهير الصوت، مُقبِّل الظعن، لطوله وعظمته، ولكن لم يكن وجهه صبوحاً – عليه السلام، أي العباس -، أولاده كانوا جميلين جداً، وبما فيهم عبد الله بن عباس، كانوا آية في الجمال، والفضل بن العباس آية في الجمال، سُبحان الله! مواريث. فقال يا رسول الله وأين جمالي؟ قال له أنا أعرف نفسي، أنا لست جميلاً. قال له حُسن بيانك. بليغ – قال له – أنت، فصيح، تتكلَّم لُغة جميلة.

وتعرفون قصة العبد قيسي حين تكلَّم في الزبرقان بن بدر، مدحه بكُليمة، فالزبرقان غضب، قال إنه لا يعلم خيراً مما قال. فعاد عليه، قال إنه لزمر المروءة، لئيم الخال، به… وبه… فالنبي نظر هكذا، خشيَ من نظرة النبي، المادح الذام! قال يا رسول الله لا تعتب علىّ، رضيت فقلت أحسن ما أعلم، وغضبت فقلت أسوأ ما أعلم، وما كذبت في الأولى، ولقد صدقت في الآخرة. قال النبي إن من البيان لسحراً. قال له أنت ساحر، ما شاء الله عليك، ما أحلى كلامك! قال له، وذلك حين ذممت وحين مدحت وحين اعتذرت لنفسك – قال له -، فما هذا؟ إن من البيان لسحراً. أعجبه النبي، رجل يُحسِن يُعرِب عن نفسه، نحن أهل العروبة والعربية والقرآن عربي، أحسن حتى في اللُغة، تعلَّم اللُغة، زيّن حُجتك وبُرهانك بلُغة متينة، فهذا في كل شيئ، إن الله كتب الإحسان على كل شيئ.

لذلك الله يُحِب المُحسِنين، الله يُحِب المُتقين، وتعرفون طبعاً التقوى ومثابة التقوى، الله يُحِب المُقسِطين، أهل الإنصاف والعدل والنصفة، الله يُحِب المُقسِطين، الله يُحِب التوّابين، التائب حبيب الرحمن، الله يُحِب المُتطهِّرين، الله يُحِب المُطهّرين، الله يُحِب الذين يُحِبونه، الأذلة على المُؤمِنين، الأعزة على الكافرين. وكل هذا مذكور في كتاب الله، أما المذكور في سُنة رسول الله فهو أضعافه، وكلٌ من عند الله ومن عند رسول الله، وهو خيرٌ وبركةٌ ورحمةٌ وكرامةٌ.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

لا أُريد – إخواني وأخواتي – أن أشق عليكم ولا أن أُطيل عليكم، ولكن لأُنجِز موعدي ووعدي، فقط أذكر لكم هذا الأثر، الذي لم يصح عن رسول الله، ولم يُرو عنه، ولكن رواه الأئمة، أبو طالب المكي في قوت القلوب، والإمام الغزّالي في أحيائه، وتداوله الصالحون والعارفون، وهو في فضل قيام الليل، وكم طبعاً في فضل قيام الليل من آي ومن أحاديث يعلمها أكثركم – إن شاء الله تعالى -!

أوحى الله – تبارك وتعالى – إلى بعض الصدّيقين، أن يا فلان إن لي عباداً يُحِبوني وأُحِبهم، ويذكروني وأذكرهم، ويشتاقون إلىّ وأشتاق إليهم. إن كنت معهم واحتذوت حذوهم، أحببتك وقرَّبتك، وإلا أبعدتك ومقتك – أي كرهتك -. قال يا رب دلني عليهم، ما علامتهم؟ قال أُناس يُراعون الظلال بالنهار. رجعنا مرة أُخرى إلى الصلوات في أول أوقاتها، الصلوات والأذكار والعبادة لله! وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ۩.

لم أُكمِل كلمة مراقي الفلاح، قال الأذان إعلام. قال إعلام للعوام. أما أهل القُرب، أهل لا إله إلا الله، فلا يحتاجون إلى إعلام. مُستحيل! لا تجد صالحاً مُدة عُمره إلا وهو ينتظر الصلاة بعد الصلاة، انتظار، انتظار! قبل أن يدخل الوقت بنصف ساعة أو بساعة إلا ربع يتطهَّر ويجلس يستغفر، حتى ولو كان في عمله، ريث يُرفَع النداء، فهذا لا يحتاج إلى الإعلام، لكن فقط يحتاج إلى ماذا؟ إلى أن يُصحِّح صلاته بدخول وقتها. وإلا هو يرقبها دقيقة فدقيقة، فلا يحتاج إلى إعلام. كلمة جميلة هذه في مراقي الفلاح من كُتب إخواننا وسادتنا الحنفية.

يُراعون الظلال بالنهار. من أجل ماذا؟ من أجل مواقيت العبادة، أن يُوقِعوها في مواقيتها، في ظروفها الزمانية. يُراعون الظلال بالنهار، كما يرعى الراعي الشفوق – أو الشفيق – إبله، ويحنون إلى الليل، كما تحن الطير إلى أوكارها، جنتهم وغُنمهم الليل، الليل! الخلوة بالحبيب الأعظم – لا إله إلا هو -، ويحنون إلى الليل، كما تحن الطير إلى أوكارها، فإذا جنهم الليل واختلط الظلام ونُصبت الفُرش وخلا كل حبيب بحبيبه وكل خليل بخليله، نصبوا إلىّ – أو نصّبوا لي – أقدامهم وافترشوا لي وجوههم وناجوني بكلامي وتملقوني بإنعامي، فبين مُتأوه وباك، وبين صارخ وشاك، وبين قائم وقاعد، وبين راكع وساجد، بعيني ما يجدون في حُبي، وبسمعي ما يُعانون من أجلي، فأول ما أُعطيهم – انظر إلى العطايا الإلهية الآن لأهل قيام الليل، هذا أول ما أُعطيهم – أني أقذف في قلوبهم من نوري، فيُخبِرون عني كما أُخبِر عنهم.

ولذلك وبالله نحلف عليها، يُوجَد لكلام أهل الله من الحلاوة والطلاوة والحياة – فيه حياة – والأثر، بل بُعد الأثر، ما لا يُوجَد شيئ منه أو قريب منه في كلام غيرهم من أهل الكُتب والصحف، يحفظون حفظاً. لا! هذا الرجل يتكلَّم لك من وحي ماذا؟ من وحي العطاء الإلهي، من وحي الكرم، من وحي الفتوح العلوية، من تجربته. كلامه مُميَّز تماماً من كل جهاته ومُؤثِّر، مُؤثِّر! لحظهم مُؤثِّر، وليس فقط كلامهم، مُجرَّد أن تلحظهم مُؤثِّر.

وثاني ما أُعطيهم أني لو وضعت السماوات السبع والأرضين السبع في كفة أحدهم، لاستقللتها عليه. أي هؤلاء أجرهم بغير حساب، بغير حساب! و: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ۩، والعبادة العبادة، تتطلب صبراً، وأي صبر يا إخواني؟ العبادة والاستقامة والبُعد عن كل ما لا يُرضي الله يتطلَّب صبراً، وهو أعظم الصبر، أعظم الصبر! الصبر على الاستقامة.

وثالث ما أُعطيهم أني أُقبِل عليهم بوجهي، أفرأيت مَن أقبلت عليه بوجهي، ماذا أُريد أن أُعطيه؟ لا أحد يعلم، لا نعلم، لا أحد يعلم، الله وحده يعلم ماذا يُريد ملك الملوك ورب الأرباب – لا إله إلا هو -، أن يُعطي مَن أقبل عليه بوجهه. اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم.

اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً ورشداً، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم ارزقنا الصدق في عبادتك، والجد في خدمتك وخشيتك. اللهم اجعلنا نخشاك حتى كأنا نراك، وأسعِدنا بتقواك، ولا تُشقِنا بمعصيتك، وخِر لنا قضائك، وبارك لنا في قدرتك، حتى لا نُحِب تعجيل ما أخَّرت ولا تأخير ما عجَّلت، واجعل اللهم غنانا في أنفسنا، ومتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على مَن ظلمنا.

اللهم إنا نسألك حُبك، وحُب مَن أحبك، وحُب العمل الذي يُقرِّبنا إلى حُبك. اللهم ما رزقتنا مما نُحِب، فاجعله قوةً لنا فيما تُحِب، وما زويت عنا اللهم مما نُحِب، فاجعله فراغاً لنا فيما تُحِب، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم إن أقررت أعين أهل الدنيا من دنياهم، فأقِر عيوننا من عبادتك، يا رؤوف، يا رحيم، يا بر، يا كريم، يا رب العالمين. لا إله إلا أنت سُبحانك إنا كنا من الظالمين.

اللهم ارض عنا وأرضنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وأكرِمنا ولا تُهنا، وزِدنا ولا تنقصنا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وخذّل عنا ولا تخذلنا، برحمتك وقوتك، يا قوي، يا عزيز، يا رب العالمين.

اغفر لنا ولوالدينا، وللمُسلِمين والمُسلِمات، المُؤمِنين والمُؤمِنات، الأحياء منهم والأموات، بفضلك ورحمتك إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

 

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا 26/4/2019

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: