إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ۩ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ۩ قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ ۩ رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ۩ وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ۩ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ۩ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ۩ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ۩ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ۩ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۩ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ۩ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ۩ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ۩ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط.

إخواني وأخواتي:

خُلِقَ النّاسُ للبَقَاءِ فضَلّتْ                                  أُمّةٌ يَحْـسَبُونَهُمْ للنّفادِ.
إنّما يُنْقَلُونَ مِـنْ دارِ أعْـمالٍ                              إلى دارِ شِـقْوَةٍ أو رَشَادِ.
ضَجْعَةُ المَوْتِ رَقْدَةٌ يُستريحُ الــ                 جِسْمُ فيها والعَيشُ مِثلُ السّهادِ.

هكذا نطق حكيم المعرة! خُلِقَ النّاسُ للبَقَاءِ، فضَلّتْ أُمّةٌ… من الربوبيين والملاحدة والمُرتابين، يَحْـسَبُونَهُمْ للنّفادِ، أن مَن مات فات، ثم لا يعود أبداً.

أما القيل الحق – وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً ۩ – فقد سمعتم حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ۩ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۩، فيأتيه الجواب الصادم كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۩. طبع فاسد، طبع مُلتاث، وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ۩ في الأنعام، المعنى ذاته! في (المُؤمِنون) وفي الأنعام، وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ۩، كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۩، إذن هو – هذا الهالك، هذا المائت أو الميت – محجوز ومحصور بحجاز، سماه القرآن برزخاً، محجوز بحجاز أو بحجاب، سماه القرآن برزخاً، إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۩. فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ ۩، أذن الله – تبارك وتعالى – بأن يخرج الموتى، وبأن يُبعثوا، ليُلاقوا جزاء أعمالهم وفاقاً.

أحبتي في الله، إخواني وأخواتي:

قد يسأل سائل، وربما يعترض مُعترِض، من أولئكم القوم المنعوتين، من الثلاثة الأصناف؛ فما بال القرآن يُخبِرنا عن أُناس عادوا من الموت، وفي أكثر من موضع؟ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۩. عادوا! وهم من بني إسرائيل، هؤلاء فرقة من بني إسرائيل، قيل هي القبيلة الأخيرة، وعلى كل حال أيضاً أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ۩، ليس يوماً أو اثنين أو ليلتين أو ثلاثة ليال، إنما مِائَةَ عَامٍ ۩. قال ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۩… الآية الكريمة! إذن هذا عاد من الموت أيضاً.

من آيات عيسى ابن مريم – عليه السلام – أنه كان يُحيي الموتى، أعاد أليعازر وغير أليعازر، أعادهم من الموت! أيضاً فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ ۩، قتيل بني إسرائيل، الذي قتله أبناء عمومته، ورموه به برآء آخرين، فأرشدهم الله على لسان نبيه وكليمه موسى – عليه وعلى نبينا وسائر أنبياء الله الصلوات والتسليمات – إلى أن يضربوا هذا الميت بجُزء أو بعضو من هذه البقرة الصفراء في قصة البقرة المقصوصة علينا في كتاب الله الكريم. وفعلاً ضربوه، فقام الرجل – بعثه الله من رقدته ومن موتته – حياً، أيضاً هذا هو! وإذا وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ۩ ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ۩، شيء غريب!

مثل هذه المواطن في كتاب الله – تبارك وتعالى – تُثير سؤالاً عميقاً، جد عميق! ما هو الموت بالضبط؟ ما هو الموت بالضبط؟ وما قصة البرزخ؟

من غير أن ندخل في تفاصيل كثيرة – وليس هذا هو الموضوع الأساسي لهذه الخُطبة، وإنما يعتلق به لون اعتلاق قوي، ويمسه مساً وثيقاً – نقول هذا السؤال العميق والمُثير والمُهِم يا إخواني يُمكِن أن يُجاب عنه مبدئياً – وقد أكون غالطاً في هذا الاجتهاد، فمن نفسي ومن شيطاني – بأن القرآن العظيم يُحدِّثنا عن مرحلتين متواليتين، يمر بهما الميت، إذا جاءه الموت.

مرحلتان! هما مرحلتان إذن: المرحلة الأولى هي التي يُفارِق فيها نفسه بدنه. نحن نقول الروح، وعندي تحفظ على هذا، الصحيح هو النفس، والقرآن دائماً يقول النفس، التي تموت هي النفس، التي تخرج هي النفس، ليست الروح، الروح شيء آخر، الروح لطيفة ربانية، هي ميزت هذا الإنسان وأعطته الإنسانية، وهذه لا تموت ولا تفنى، أما النفس فهي التي تموت وتنتقل من حالة إلى حالة، وهذا هو القرآن الكريم، هذا القرآن العظيم، على كل حال تخرج النفس وتُزايل بدنها، تُزايل بدنها أو تنفصل عن بدنها، فهذا موت، هذا موت! لكن إلى لدن هذه المرحلة يُمكِن أن يعود هذا الميت، نعم! يدخل هذا المجال الضيق، ثم يعود. وهكذا نُفسِّر الأحوال المذكورة في كتاب الله – تبارك وتعالى -. لكن هناك المرحلة الثانية، وهي المذكورة في سورة (المُؤمِنون) – نقول بين ظفرين في سورة (المُؤمِنين)، وهي مرفوعة على الحكاية طبعاً، هذا اسمها -، وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۩، إذا تعدى هذا الميت، أو بالأحرى النفس إذا تعدت وجاوزت هذا الحجاز أو الحاجز – حاجِز أو حجاز، هذا الحجاز أو الحاجز – أو البرزخ، لم يتأت لها إلى يوم القيامة أن تعود. وهذا نص قوله – تبارك وتعالى – وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۩، هو قطع هذا البرزخ، تعدى هذا الحجاز، إذن يستحيل أن يعود. أما الذين ماتوا ولم أو ولما يتعدوا ولما يتجاوزوا هذا الحجاز، فيُمكِن أن يعودوا.

وهكذا هو قرآنياً، وسُبحان مَن أنزل هذا الكلام، كلام عجيب! هو الذي قال لك وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۩، قص عليك وحكى لك حكايا عن أُناس ماتوا ثم عادوا، ولكنه قال لك الذي يجوز البرزخ، لا يعود إلى يوم البعث. وهكذا إذن نستطيع أن نُفسِّر الحالات المليونية – ليست حالات بالمئات أو بالمئين، ليست بالألوف ولا عشرات الألوف ولا مئات الألوف، وإنما بالملايين -؛ حالات الذين ذهبوا ثم عادوا، ماتوا ثم حيوا – بإذن الله -، بالملايين! بحسب إحصاءات رسمية في الولايات المُتحدة الأمريكية عدد الأمريكان الذين خبروا هذه التجربة، وهي المُسماة بتجربة الاقتراب من الموت – أي Near-death experience، واختصارها NDE، هذه تجربة الــ NDE – حوالي خمسة عشر مليوناً، فقط في أمريكا وحدها! فما بالكم في العالم؟ ما بالكم في العالم؟

طبعاً هذا يختلف عن نسبة الذين يموتون إكلينيكياً أو سريرياً، بمعنى أن الدماغ يتوقف، والقلب أيضاً يتوقف، الوعي ينتهي – أي الــ Consciousness ينتهي، الــ Awareness ينتهي -، دفق الدم ينتهي، التنفس ينتهي، وكل المُؤشِّرات الحيوية تكون صفراً، مُتوقِّفة! موت إكلينيكي، موت عيادي أو سريري. عدد الذين يموتون سريرياً ثم يعودون إلى الحياة عبر الآليات المعروفة بالإحياء أو بالإنعاش – أي  الــ Resuscitation – يتراوح بحسب لانسيت Lancet (الدورية الطبية المشهورة عالمياً) من اثني عشر إلى ثمانية عشر في المائة. عجيب! نسبة كبيرة، تُوشِك أن تقترب من الخُمس، من بين كل ستة تقريباً يموتون موتاً إكلينيكياً، واحد يعود إلى الحياة. لذا قد تقول لي كم يحتاج من الوقت؟ نحن درسنا وسمعنا أنه بعد خمس دقائق تتموت كل خلايا الدماغ، يُصيبها الــ Damage، هناك Damage! فتخرب وتتلف بالكامل. لا! أعجب شيء – وهذا الشيء مُحيِّر ومُخيف – الآن وهو أكثر ما وصل إليه العلماء؛ ثماني ساعات، بعد ثماني ساعات! رجل ميت إكلينيكياً – دماغه ميت، قلبه ميت، وكل شيء ميت، جُثة – بعد ثماني ساعات أُعيد إلى الحياة – بإذن الله تبارك وتعالى -، شيء غريب! ونشأ فرع جديد من الطب، اسمه طب العناية بعد الإنعاش؛ Post-resuscitation care medicine، طب العناية لما بعد الإنعاش! لهؤلاء الذين عادوا من الموت.

الآن هناك نسبة مُعتبَرة من هؤلاء الذين عادوا من الموت، اختلفت طبعاً الدوريات الطبية والعلمية في تقديرها، تختلف من دورية إلى دورية، لكن عموماً هي حوالي خمسة عشر في المائة، وبعضهم يذكر أكثر من هذا. خمسة عشر في المائة من الذين حصلت لهم هذه الحالة، يُخبِرون عن تجاربهم في الموت الوشيك، أو الاقتراب من الموت، أي الــ Imminent death experiences أو الــ Near-death experiences. في البداية كان يُقال ماذا؟ الــ Imminent death، أي الموت الوشيك، وهذا مُصطلَح سكه سنة ألف وثمانمائة وست وتسعين الــ Epistemologist أو عالم الإبستمولوجيا Epistemology وأيضاً عالم النفس الفرنسي فيكتور إيجر Victor Egger، قال لك تجربة الموت الوشيك، أي Experience of imminent death. لكن اختلف الأمر في مُنتصف ثمانينيات القرن العشرين – في ألف وتسعمائة وخمس وسبعين – مع الكتاب الشهير Life After Life، أي الحياة بعد الحياة أو حياة بعد الحياة، للطبيب والفيلسوف وعالم النفس الأمريكي الشهير رايموند مودي Raymond Moody. وابحثوا عنه على النت Net، هذا مشهور، وحي إلى اليوم – أي الرجل هذا -، وهو عجيب، هذا يُعتبَر رائد الــ NDE، رائد الأبحاث والدراسات في تجارب مُقارَبة الموت، أو الاقتراب من الموت، وخاصة في كتابه هذا، خاصة في كتابه هذا! سك هذا المُصطلَح؛ أي Near-death experience، بدل مُصطلَح ماذا؟ Experience of imminent death. فأصبحنا دائماً نقول الــ NDE، الــ NDE! تجارب الــ NDE. هذه الفضل فيها يُعزى إلى هذا الطبيب والفيلسوف وعالم النفس الأمريكي رايموند مودي Raymond Moody. رايموند مودي Raymond Moody على كل حال فعل هذا.

إذن نسبة كبيرة من البشر يموتون ثم يعودون، والله ولله الحُجة البالغة، والله! قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ۩. كان يتشبَّث المُتشكِّكون والملاحدة والربوبيون ويقولون لك ما أحد ذهب وعاد، من أين لنا هذا؟ انتهى إذن، جميل! كذِّب الأنبياء جميعاً، وهم أطهر خلق الله وأشرف خلق الله، كذِّب الأنبياء، كذِّب الرُسل، كذِّب الوحي السماوي، ولا تعترف بهذا، ما عساك تفعل مع ألوف الحالات المُوثَّقة علمياً والتي تُنشَر في الدوريات العلمية المُحترَمة، مثل لانسيت Lancet، ومثل أيضاً دورية الإنعاش المشهورة – أي الجورنال Journal الخاص بالإنعاش المشهور -، وأشياء كثيرة! والدورية الأمريكية – مثلاً – لعلم أمراض الأطفال، فهي نشرت هذا، حالات كثيرة مُوثَّقة علمياً! وخاصة أن هذه الحالات المُوثَّقة تحدث في المشافي، في المُستشفيات، والذين يُوثِّقونها أطباء، عموماً ينطلقون من الــ Paradigm أو النموذج المادي، وهذه الحالات تخضهم وتُزعِجهم.

وإلى الآن طبعاً هناك ما أدعوه أو ما أُسميه الروغان، مُحاوَلات روغان علمي وواضحة! طبعاً الوقت لا يتسع لكي نعرض لكم طرفاً أو نقتص عليكم طرفاً من مُحاوَلات هؤلاء العلماء بنماذجهم المادية الصُلبة المُغلَقة، لتفسير هذه الحالات. قال لك أحدهم هذه حالة من نقص الأكسجة – نقص الأكسجة في الدماغ -، أو زيادة الأكسجة، كالتي تحصل للطيارين في الشواهق والمُرتفَعات، تنقص الأكسجة في أدمغتهم، أي Hypoxia، هذه حالة من حالات الــ Hypoxia. قال لك هكذا! يُمكِن استحثاثها – أي To induce it، يُمكِن أن نستحث هذه الحالة – كهربياً، بتحريض الفص الصدغي، أو الهيبوكامبوس Hippocampus، أي الحُصين عموماً، فهو عند الفص الصدغي تماماً. الهيبوكامبوس Hippocampus إذا استحثثناه كهربياً، يدخل الإنسان في هذه الحالة! أو بزيادة الأكسجة، أو بنقص الأكسجة، أو بإعطاء المريض بعض المُنشطات أو بعض المُهدئات، هناك الكيتامين Ketamine – مثلاً -، يُمكِن أن نُعطيه جُرعة من الكيتامين Ketamine، فيخبر هذه الحالات.

جيد، هذا لا يُؤثِّر ولا يُضيِّع المسألة الرئيسة، لا يُضيِّع المسألة الرئيسة! أين الروغان؟ الروغان يا إخواني أنهم يتحدَّون عما يصفونه – وأقول هذا بين قوسين – بأنه (هلوسة)، يُهلوِّس به المريض، يُهلوِّس به هذا المريض! أنه رأى أرواح بعض الموتى وبعض معارفه، وأنهم حيوه، وكانوا مُحبين، وكانوا Compassionate، مُتعاطِفين رحيمين ودودين، إلى آخره! قالوا لك هذه هلوسات، هلوسات ناشئة عن انخراط مئات ملايين الخلايا العصبية في الدماغ، أي كلها يحدث لها Firing، فهي تشتعل وتلتهب وتنخرط في نشاط، بسبب فقدان كميات من الدم، وبسبب نقص الأكسجة. تفسيرات مادية!

وماذا عن حالة الشعور بالسلام وبالرضا وبالسكينة وبالمُحبة؟ وماذا عن مُزايلة هذا المريض الخوف من الموت؟ يزول عنه، لا يعود يخاف من الموت، بالعكس! يُحِبه ويأنس به، ويُوقِن تماماً بعد تجربته أن الموت انتقال. فعلاً هو Transition، هو انتقالة حقيقية، ليس فناءً، ليس ذهاباً، ليس ضلالاً في عدم أبداً. وهو جرب هذا، ورأى هذا.

هناك مَن يقول لك هذا ناتج عن زيادة الإندروفينات Endorphins، هذا ناتج عن زيادة الإندروفين Endorphin في الدماغ في هذه الحالات، وارتفاع موجات جاما Gamma. وهي ترتفع هذه عند المُتأملين، وعند الذين يُمارِسون الصلاة واليوجا Yoga، وعند أيضاً مَن؟ الذين يقتربون من الموت، يُوشِك أن يموتوا وأن يفنوا ويعدموا. ترتفع الموجات (موجات جاما Gamma)!

وكل هذا روغان وحيدة عن النُقطة الأكثر حراجة في الموضوع والمُوثَّقة علمياً في حالات كثيرة تجل عن العد، ما هي؟ أن كثيرين من – هؤلاء منهم كثيرون، ليسوا قلة! كثيرون من هؤلاء – أخبروا عن أشياء، لا يُمكِن أن يُخبِر عنها إطلاقاً من منظور مادي رجل مُسجى على ظهره، في حالة وعي، وليس في حالة موت إكلينيكي. لماذا إذن؟ لا يُمكِن أن يُخبِر عنها، حتى ولو كان واعياً، ولكن هو ميت، المُؤشِّرات الحيوية كلها Zero، ميت! لا، حتى ولو كان واعياً، لا يُمكِن أن يُخبِر عنها، لماذا؟ هل تعرفون لماذا؟ لأنه يصف الأشياء من نُقطة مُرتفِعة. يصف الأشياء من نُقطة مُرتفِعة! بعضهم وصف المُستشفى نفسها من نُقطة أعلى من كل المُستشفى.

هناك البروفيسور ملفين مورس Professor Melvin Morse. هذا أستاذ جامعي، بروفيسور Professor في طب الأطفال، وعمل دراسة مع ثمانية من زملائه العلماء لفترة طويلة، وهي دراسة مُعتبَرة، دراسة مُعتبَرة نشرتها الدورية الأمريكية لطب الأطفال. ذكر فيها أمرين عجيبين:

الأمر الأول يحكيه عن زميلته في الدراسة كيم كلارك Kim Clark، اسمها كيم كلارك Kim Clark. السيدة كيم كلارك Kim Clark طبيبة، ولكنها مُختَصة في العلاج النفسي لهؤلاء المصدومين ولهؤلاء المذكورين، أي هذا طب الصدمات، وهي مُختَصة في العلاج النفسي لهم. تحكي السيدة كيم كلارك Kim Clark عن مريضة ذهبت إليها في المُستشفى هناك، لكي تُعالِجها، لأنها أُصيبت بأزمة قلبية حادة، وفارقت الحياة إكلينيكاً، وعادت بعد أسبوع. عادت بعد أسبوع! شيء غريب، فهي تُريد أن تُؤهِلها من جديد نفسياً.

تقول السيدة كيم كلارك Kim Clark الذي أدهشني وحيرني أن المريضة لم تكن معنية بقدر لا قليل ولا كثير بنصائحي. لم تكن تلتفت إلى نصحائي! كانت مشغوفة جداً ومدفوعة أن تُحدِّثني عن تجربتها المُثيرة، ففتحت لها المجال، وقلت تفضلي. قالت لها لقد خرجت من بدني. ماذا؟ قالت خرجت من بدني! ووصفت أشياء دقيقة كان يقوم بها فريق الإنعاش، أي الفريق الطبي الذي يُريد أن يُنعِشها، وصفتهم بدقة! وهناك ما هو أكثر من هذا، حتى تقطع الشك باليقين، قالت لها حلقت في السماء، رأيت المُستشفى كله وكل ما حوله، كنت بلا حدود، بحرية كاملة! ورأيت شيئاً في الطابق الخامس عشر الذي عرفت فيما بعد أن مكتبك فيه، قالت لها شباك مكتبك فوقه مصطبة، في المصطبة فردة حذاء، موجودة هناك، رأيتها. ماذا؟

الدكتورة لم تُكذِّب خبراً! وهي طبعاً الآن أُنعشت، هي أُنعِشت وهي لا تزال في السرير، لم تخرج ولم تذهب ولو لمسافة متر، طبعاً هذا يحتاج إلى وقت، حتى تستعيد حالتها الطبيعية. فقامت الدكتورة، وصعدت إلى مكتبها في الطابق الخامس عشر من المُستشفى، فتحت الشباك ولم تجد شيئاً، تحت إصرار المريضة تشبثت وتسلقت قليلاً، ووضعت يدها في المصطبة، فإذا بفردة حذاء. قالت هي، هي بالضبط، هي التي رأيتها.

هناك بارني كلارك Barney Clark. حدثتكم ربما عنه قبل سبع أو ثماني سنوات، أول مَن زُرع له قلب صناعي بارني كلارك Barney Clark. بارني كلارك Barney Clark حدثت له هذه الحالة تماماً، لم يصف فقط لهم، وقد كان ميتاً إكلينيكياً، لم يصف لهم ماذا كانوا يفعلون وماذا قالوا فقط، بل وصف لزوجته – وكانت هي في الــ Corridor، ليست في غُرفة العمليات، وإنما في الخارج. وصف لها بالضبط هذا – ماذا فعلت وماذا قالت وبماذا كانت تنعي حظها وتُؤمِّل لزوجها بين الموت والحياة، تراه وتظن أن هذا ربما يُغادِر، فاستغربوا!

ومثل هؤلاء بالألوف، أي الذين يصفون أشياء ومن أعلى نُقطة. وعلى فكرة نُقطة وصف الأشياء من أعلى نُقطة –  ومرة أُخرى بين قوسين نقول هذا – (لا يُمكِن لمَن كان حياً بكامل وعيه، مُسجى على سريره أو على محفة طبية، أن يصفها)، أم أنكم تقدرون على هذا؟ هل يقدر واحد منا وهو مُسجى هكذا أن يصف هذا المسجد من أعلى نُقطة فيه – مثلاً – وأن يصف من فوق؟ مُستحيل. هم يفعلون هذا! إذن فعلاً هم خرجوا من أبدانهم.

وهذه الأشياء التي خرجت، قطعاً ليست هي الجُزء المادي. الجُزء المادي تحت مبضع الجرّاحين وتحت أدوات المُنعِشين؛ حقن الماء، الملح المُبرَّد، وحقن الأدرينالين Adrenaline، وأمثال هذه الأشياء. يعبثون به ويحقنونه، وهناك أيضاً جهاز الصدمات الكهربائية، وضغطات الصدر. هذا هو البدن! أما النفس، فهي التي زايلت هذا البدن، وهي تراه، ترى بدنها، وتستغرب؛ مَن أنا إذن؟ ومَن هذا؟ وتفهم في لحظة، وتفهم في لحظة! إذن أنا حقيقتي – أي ذاتي الحقيقية، الــ True self – هي هذه، التي خرجت، وليست هذا الثوب الذي نُزع، هذا الثوب منزوع. يا حسرتاه! يا حسرتاه!

يا خادِمَ الجِسم كمْ تشقى بخِدْمَتهِ                لِتطلُبَ الرَّبحَ في ما فيه خُسْرانُ!
أقبِلْ على النَّفسِ فاستكمِلْ فضائلَها               فأنتَ بالنَّفسِ لا بالجِسمِ إنسانُ.

ونحن نضيع حياتنا من أجل الجسم، ونتحدَّث عن التدريبات والــ Gymnastics والجمال واللباس والجسم وما إلى ذلك، فقط الجسم! وأين حظ النفس؟ أين حظ الروح – النفخة الإلهية، وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ۩ -؟ أين حظ الذات الحقيقية فيك؟ ضيعتها، من أجل هذا البدن، أكل وشرب وشهوات وجنس وكلام فارغ وعدوان وغضب، من أجل هذا الجسد! ها هو مُسجى، ثوب! يُرمى هذا في الأرض. وذاتك الحقيقية هي التي تشتمل على الذكريات – الــ Memories -، وعلى الوعي، وعلى الشعور بذاتها، تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا ۩، أي عن ذاتها، يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا ۩، شيء غريب! هذه هي، هذه الذات موجودة، هي هذه، التي تخرج.

لا يُريد هؤلاء العلماء الماديون أن يعترفوا بالحقيقة ويُراوِغون، يُحدِّثونك عن كيفية استحثاث التجربة. لا بأس، استحثوها، كهربياً وعصبياً وما إلى ذلك، ليس عندنا مُشكِلة. يُحدِّثونك عن سبب هذه (الهلوسات)، لكن لا يُحدِّثونك عن هذا الضرب من الوعي المُفارِق، غير المُحايث. وعي مُنفصِل! ما يُسميه البروفيسور Professor البريطاني الشهير شيلدريك Sheldrake العقل أو الوعي المُمتَد، أي الــ Extended mind، هكذا يقول! وطبعاً هو رجل ليس مُتديناً، يقول لك أنا لا أُدخِل الدين، لا علاقة لي بالدين، أنا عالم. ويتحدى! اقرأوا – وأنا أنصحكم بهذا – كُتباً للبروفيسور شيلدريك Professor Sheldrake، فسوف تجدون إن قرأتموها العجب. الرجل يتحدَّث عن وعي مُفارِق فعلاً، وعن عقل مُفارِق، لا تحده الأمكنة ولا الفضاءات، ويجول بينها بحرية. مادياً هذا غير مقبول وغير مفهوم. لكن بالنموذج اللاهوتي، بالنموذج الروحي كما يُسمى، بالنموذج النفسي، وبالنموذج الماورائي الميتافيزيقي، هذا يُفهَم، يُصبِح مفهوماً تماماً إذن، فينا جُزء مُفارِق، جُزء غير مُحايث. هل هذا واضح يا إخواني؟

هناك حالات غريبة. إحدى الحالات التي وثقتها دراسة هولندية علمية مُحترَمة، نُشرت أيضاً في لانسيت Lancet (الدورية الطبية الشهيرة عالمياً)، نُشرت في لانسيت Lancet! هذه الدراسة العلمية الهولندية يا إخواني استمرت لمُدة ثلاث عشرة سنة، ثلاث عشرة سنة في عشر مشافي أو مُستشفيات، وانظر كم درسوا من الحالات! كم درسوا من الحالات!

تقول هذه الدراسة باختصار الآتي، ويُمكِن الوصول إليها، لأنها موجودة على الإنترنت Internet – بفضل الله -. هذه الدراسة تقول لك باللسان القاطع أو بالضرس القاطع التفسير المادي لهذه الحالات غير معقول، لا يُفسِّر أشياء كثيرة، لا يُفسِّر أشياء كثيرة أبداً! نحتاج إلى تفسير أكثر صدقية، وأكثر مرونة.

من الحالات المُوثَّقة في الدراسة الهولندية، حالة ذلك المريض المُسن، الذي بعد أن عاد إلى الحياة بعد أيام أيضاً (بضعة أيام)، فوجئ طاقمه الطبي والإنعاشي، بأنه حدَّثهم بدقة عما كانوا يفعلونه، في لحظة موته سريرياً. كان ميتاً سريرياً، في حالة موت! وقال لهم الطبيب فلان الفلاني هو الذي خلع طاقم أسناني الصناعي، وأعطاه للمُمرضة الفلانية، ووضعته في المكان الفلاني. وهنا أدركوا أن الموضوع جد، ليست هلوسات! هذه ليست هلوسات، هذا الموضوع جد.

إذن هناك جُزء مُفارِق من هذا الإنسان الميت، كان يُراقِب المشهد تماماً، وسجَّله ووثَّقه، ماذا نفعل بهذا؟ أتقول لي هذه هلوسات، ويُمكِن أن تستحث لي  الهيبوكامبوس Hippocampus ويُمكِن أن تعمل لي كذا وكذا؟ هذا كله لا يُفسِّر، بالله عليكم لا يُمكِن هذا، نحن نحترم العلم ونُحِب العلم، والعلم طبعاً أداة خطيرة ومُمتازة ومُحترَمة، ولكن الإصرار على الحيدة والروغان هو خيانة علمية، خيانة علمية! ينبغي أن نتواضع، أول ما يتعلَّم العالم، يتعلَّم التواضع. حين يكون هناك شيء ليس عنده تفسير علمي مادي له، يجب أن يقول لك لا أفهمه، إلى الآن يبدو أن هذا غير مفهوم، هذا يخرق نموذجي المادي، يتعارض معه، لا يتقاطع، وإنما يقطع معه، ماذا أفعل؟ انتهى، أنت حر، ولكن لا تُحاوِل أن تروغ وأن تُفهِمنا أن المسألة هذا نصابها. ليس هذا نصابها، بل هذا نصابها والحرج فيها هو هذا، الحرج فيها هو هذا!

ونعود إلى البروفيسور ملفين مورس Professor Melvin Morse، وقلنا إنه المُختص الأمريكي الشهير، في علم أمراض الأطفال (طب أمراض الأطفال)، هذا الرجل ذكر شيئاً عجيباً يا إخواني حقيقةً، شيئاً – والله – مُبكياً، هل تعرفون لماذا؟ لأن البروفيسور ملفين مورس Professor Melvin Morse مُتخصِّص في الــ NDE الخاص بمَن؟ الخاص بالأطفال. أي في التجارب التي يمر بها الأطفال غير البالغين الحنث، غير البالغين الحلم، الأطفال الصغار! عمرهم اثنا عشر عام فدون. يحدث شيء غريب، حين يمرون بتجارب ماذا؟ مُقارَبة الموت، ومُشارِفة الموت، أي الــ NDE. والله شيء غريب! في الدراسة التي نشرتها الدورية المذكورة قال تجارب الأطفال حين يُشارِفون أو يُقارِبون الموت تتطابق تماماً مع تجارب الراشدين، باستثناء واحد. وهنا لا يملك المُؤمِن إلا أن يقول صدق الله ورسوله، ويبكي قلبه – والله – قبل عينيه -. الحمد لله، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ۩. هذه الآية، هكذا! شيء غريب في هذه الآية، ونقولها في الدنيا – بفضل الله – قبل أن نقولها في الآخرة، لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ۩.

ماذا يقول البروفيسور ملفين مورس Professor Melvin Morse؟ يقول باستثناء شيء واحد، الكبار يا إخواني حين يموتون هذا الموت – لكن لم يعبروا ولا يعبرون البرزخ، لأنهم عادوا – تقريباً كثيرٌ منهم أو مُعظَمهم يُخبِرون عن كيف رأوا أعمالهم، رؤية بانورامية. أي رأوا أعمالهم من سن التكليف، إلى اللحظة، كلها، كلها! السيئات والحسنات وماذا فعل كل واحد، كلها أمامه.

وحدَّثتكم مرة عن أخ ليبي حبيب إلى قلبي وصادق، حدَّثني عن رجل يعرفه وكيف أنه سقط من فوق جسر، فتشبث في آخر لحظة، والجسر كان بعيداً من الأرض، لو هوى، لمات. فجاء مَن يُنقِذه – بفضل الله تبارك وتعالى ولُطفه -، فلما عاد – وهذا شارف الموت طبعاً – كان مصدوماً ومُتفاجئاً مما خبر. هل تعرفون لماذا؟ قال يا إخواني حصل لي شيء عجيب في هذه اللحظة التي كنت فيها بين السماء والأرض وبين الموت والحياة. ويبدو أنه مات، هو مات الموت الأول وليس الموت البرزخي. قال رأيت كل أعمالي التي فعلتها في حياتي في لحظة واحدة. وأنا الآن – قال – على علم بكل صلاة لم أُصلها. أعرف هذا! هكذا قال لي صديقي، وحدَّثتكم بهذه القصة قبل سنوات – بفضل الله -، ولا أقول إلا ما سمعت بحرفه، بنصه وفصه. قال وأنا الآن على علم بكل صلاة لم أُصلها. كل صلاة! في أي يوم وفي أي تاريخ، كله! وبدأ يقضي صلواته، لا إله إلا الله.

أنتم في المُهلة يا إخواني، نحن في المُهلة، استغلوا أعماركم، اتقوا الله، توبوا إلى الله، واعملوا الصالحات، حتى تهنأوا، فما الموت إلا نُقلة، لو كان الموت عدماً، لاستراح أكثر الموتى. الموت ليس عدماً، الموت نُقلة! وصدق حكيم المعرة حين قال:

إنّما يُنْقَلُونَ مِـنْ دارِ أعْـمالٍ                              إلى دارِ شِـقْوَةٍ أو رَشَادِ.

اللهم اجعلنا من الراشدين المسعودين المبرورين – بفضلك -، ولا تجعلنا من الأشقياء المطرودين المحرومين البائسين الخائبين الجاهلين – والعياذ بالله – المغرورين، هو هذا!

المُهِم، يقول البروفيسور ملفين مورس Professor Melvin Morse إلا من هذه الحيثية فقط يفترقون. الأطفال – يقول – لا تُعرَض عليهم أعمالهم. لا إله إلا الله! صدق رسول الله، رُفع القلم عن ثلاث: النائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يحتلم – وهنا الشيء نفسه مع الفتاة، أي والفتاة حتى تحيض -، والمجنون حتى يعقل. من أين لرسول الله هذا؟ لم يكن عنده تجارب NDE ولا دراسات علمية، ولا يقرأ دوريات ولا يعرف كل هذا. قال لك هذا الوحي، لا أقول لكم إلا ما قيل لي. قيل لي هكذا، فأنا أقول لكم. الأطفال – قال – غير مُكلَّفين. ويأتي بروفيسور Professor في القرن الحادي والعشرين ويقول لك أنا رائد في الــ NDE الخاص بالــ Children، وأنا بحسب خبرتي وبحسب دراساتي وجدت هذا، تتطابق تجاربهم وخبراتهم مع خبرات الراشدين من هذا الباب، إلا فقط من حيثية واحدة، وهي حيثية عرض الأعمال، لا تُعرَض الأعمال.

قبل فترة كنت أقرأ في كتاب مُثير جداً، لعالم وطبيب أمريكي مشهور، وهو مسؤول عن بحوث الإنعاش في المُستشفى التي يشتغل فيها، وهو سام بارنيا Sam Parnia. سام بارنيا Sam Parnia عنده كتاب اسمه Erasing Death، محو الموت، أي مُتحدٍ مُستفِز! Erasing Death: The Science That Is Rewriting the Boundaries Between Life and Death، محو الموت: العلم الذي يُعيد ترسيم الحدود بين الحياة والموت. شيء غريب! هذا العنوان الفرعي للكتاب. الفصل الأول منه مُثير، أنت تقرأه، وقلبك… ماذا أقول لك؟ النفس مُتوقِّف، من أول سطر. يتحدَّث عن مريض تسنى له الآتي، وقد دُعيَ بعد ذلك – مع أنه لم يكن من طاقم الإنعاش في هذا المُستشفى بنيويورك، المشهور على مُستوى الولايات المُتحدة الأمريكية – بأنه الأفضل في عملية الإنعاش، وهذا من حظ هذا المريض الأمريكي الإيطالي الأصل؛ تيرالوسي Tiralosi، اسمه جو تيرالوسي Joe Tiralosi.

جو تيرالوسي Joe Tiralosi أنهى دوريته في العمل، وعاد بسيارته إلى بيته. شعر بحرقان، شعر بتعرق شديد، ولم يستطع أن يُوقف التعرق. نوع من الألم في قلبه!. اتصل بزوجته، فقالت له لا تُضع الفُرصة، إلى المُستشفى مُباشَرةً. قال سأُحاوِل. قالت له إياك ان تقود. ثم اتصلت بزميل عمل له، أتاه مُباشَرةً في النُقطة التي هو فيها، أقله إلى المشفى. وحين وصل إلى المشفى، مُباشَرةً أدخِل في الــ ER، أو ما يُسمونها بالــ Emergency room، غُرفة الطوارئ!

الرجل ميت إكلينيكياً، القلب مُتوقِّف، الدماغ مُتوقِّف، التنفس مُتوقِّف، والمُؤشِّرات الحيوية كلها مصفرة؛ Zero… Zero… Zero… لكن هذا فريق إنعاش مشهود له على مُستوى الولايات المُتحدة الأمريكية كلها، أحسن فريق! وهذا من حُسن حظه، وكانوا أكثر من تسعة.

بدأوا يشتغلون عليه لسبع وأربعين دقيقة، لسبع وأربعين دقيقة! أعادوه إلى الحياة بعد ثلاثين دقيقة، أربعة آلاف وخمسمائة ضغظة صدر قاموا بها له، تخيَّل! شيء مُخيف، ثماني صدمات بجهاز الصدمات الكهربائية، ثماني صدمات! هذا الجهاز المُعلَّق والذي تجدونه في شوارع فيينا، مُهِم جداً، والله أنا أنصح حتى العائلات الكبيرة أن تمتلك منه نُسخة في البيت، لأن هذا يُنقِذ الحياة، انتبهوا على الأقل.

على كل حال ثماني صدمات كهربائية، عدد – يقول سام بارنيا Sam Parnia – لا يُعَد – أي Countless – من حقن الأدرينالين Adrenaline، حُقن أيضاً المياه المُملحة أو المِلحة المُبرَّدة. وطبعاً لا بد في الإنعاش مُباشَرةً إلى أن يُصار إلى تبريد الجسم، مُباشَرةً! وهناك جهاز اسمه Arctic Sun، أي الشمس القُطبية. مُباشَرةً أيضاً بهذا الجهاز تنزل حرارة الجسم كله وخاصة الدماغ، حتى لا تتضرر خلاياه. وطبعاً كلما بردناه أكثر، كلما كان هذا أفضل.

المُهِم، شغل عجيب، وفقدوا الأمل، بعد ثلاثين دقيقة بدأ القلب ينبض، أوه! فرحوا فرحة غير طبيعية، وزوجته في الخارج كانت تبكي. عالجوه، ومُباشَرةً وضعوا قسطرة، حتى لا يتأثر بالــ Blockages أو الانسدادات. ثم عاد ميتاً، كل شيء توقَّف! فعادوا إلى الإنعاش لمُدة خمس عشرة دقيقة، وبعدها عاد إلى الحياة.

وهنا وضعوا طبعاً الــ Stents، أو ما يُسمونها هنا بالدعامات – يقول الإنجليز أماكن الــ Stents -. وضعوا الدعامات، ثم أدخلوه في كومة Coma أو غيبوبة أو إغماءة صناعية، هذه يُسمونها Medically induced coma، كومة مُستحثة طبياً، هناك حامض مُعيَّن معروف، يُعطى جُرعة من هذا الحامض، فيدخل في هذا. ثم تركوه أربعة أيام.

بعد أربعة أيام جعلوه يستفيق من جديد، وعاد إلى الحياة الرجل، لكن كالساهٍ، كأنه ليس من هذا العالم، مُستغرِب! استدعوه مَن؟ الدكتور سام بارنيا Sam Parnia. ولماذا؟ لأنه مشهور على مُستوى العالم وعلى مُستوى الاتحاد بالذات في ماذا؟ في دراسات الــ NDE. وعنده كُتب ويشتغل مع زملاء كثيرين في أمريكا في سبع عشرة مُؤسَّسة في أمريكا والمملكة المُتحدة في أبحاث الــ NDE. ليس عنده فقط هذا الكتاب، عنده كُتب أُخرى في هذا الموضوع بالذات. هذا الكتاب يتحدَّث عن إحياء الناس بعد ثماني ساعات كحد أقصى – كما قلنا – وربما يزداد هذا الشيء. وكل هذا ماذا؟ الموت الأول. انتبهوا! الإحياء لا يُمكِن أن يكون إلا في الموت الأول، في الموت الثاني لا يُمكِن، وسوف نرى لماذا، شيء تقشعر له الأبدان.

على كل حال قال فجئت وقابلته، وفعلاً في اليوم الرابع أُعيد إلى الحياة من الكومة Coma المُستحثة طبياً والمصنوعة طبيعاً. قال فوجدت الرجل يُحدِّثني عن تجربة، يُؤكِّد أنها مُثيرة جداً جداً، غير عادية. يقول له يا دكتور أنا حين كنت ميتاً سريرياً، كنت واعياً بكل ما يدور حولي، ورأيت الأطباء وطاقم الإنعاش وماذا قالوا وماذا فعلوا وحركات أيديهم. قال له الدكتور الفلاني كان يعمل هذه الحركات المروحية بيديه. وهذه لا تُرى! وقال رأيته من فوق وعرفت كيف يكون شكله. شيء عجيب!

ذكر أشياء عجيبة، وقال له يا دكتور التجربة التي مررت بها غيرتني كُلياً. أي Totally، أنا مُتغيِّر الآن تماماً! بعد أن عُدت من هذه التجربة، أنا وعيت بشكل واضح هدفي في الحياة، دوري كزوج – موقفي من زوجتي المسكينة -، ودوري كأب، ودوري كصديق لأصدقائي ومعارفي. يا دكتور عُدت هكذا! يقول سام بارنيا Sam Parnia ومثله هنا مثل مُعظَم الذين عادوا، يعودون أقل ماديةً، وأكثر إثاريةً. يُصبِحون كُرماء، أسخياء، يُحِبون البشر، يفعلون الخير، لا يفعلون الشر، يتخفَّفون من مكرهم، من خُبثهم، من حسدهم، من حقدهم، من طمعهم، ومن جشعهم. يُصبِحون كائنات مُتروِحنة – ما شاء الله -، لأنهم رأوا الحقيقة، عاشوا الحقيقة.

إذن ماذا رأيت يا تيرالوسي Tiralosi؛ يا جو تيرالوسي Joe Tiralosi؟ قال رأيت كائناً روحياً، أي Spiritual being. يقول له هناك كائن روحي، لكن – يقول له الآتي، وهذا العجيب – بلا كُتلة، وبلا شكل، أي Without mass and without shape. ليس عنده كُتلة، ليس عنده جسم، وليس عنده شكل! ولكن هو كائن، وواعٍ، وأنا وعيت به، وهو واعٍ بي تماماً، وشعرت بمحبته، وهو كائن مُحِب. لا إله إلا الله! قال كائن مُحِب جداً، وكائن مُتعاطِف، عطوف، شديد العطف، أي Compassionate. يقول، وهو كائن مُنير مُضيء، أي Luminous، مُضيء ومُنير ومُتعاطِف ومُحِب! وأشعرني بالمحبة والدفء والسكينة. أنا سعيد جداً – يقول له – يا دكتور بتجربتي هذه، تعلم لماذا؟ لماذا يا تيرالوسي Tiralosi؟ قال لأنني أدركت تماماً ماذا سيكون عليه حالي حين أنتقل إلى الضفة الأُخرى. لم أعد أخاف من الموت. قال له، انتهى!

ولذلك كذب علينا ويكذب مَن جعل الموت البُعبع الأكبر، وقال إن نزعات الموت أكثر مما نحتمل، ونسبوه إلى النبي المُصطفى، وكذبوا عليه، وحاشاه أن يقول هذا، لم يقله أبداً، أبداً! وخاصة في حق المُؤمِن الصالح، مُستحيل يا أخي، بل إن قال النبي، فقد صدق، وهو صادق في كل ما يقول طبعاً بلا شك، المسألة في مقام الإثباث وليست في مقام الثبوت، الكلام في مقام الإثبات، هل ثبت؟ فإن ثبت، فهو أصدق الخلق طراً بلا شك. الموت تُحفة المُؤمِن. الدنيا سجن المُؤمِن، وجنة الكافر. هذه هي!

دعونا الآن من هذا، والله هناك شيء أيضاً عجيب، ويُمكن أن نعود إلى تيرالوسي Tiralosi، يتعلَّق بالدكتور والعالم الــ Polymathic – أي الــ Polymath، الذي هو كما قلنا عالم نفس، وطبيب بدني أيضاً، وفيلسوف – رايموند مودي Raymond Moody، صاحب كتاب حياة بعد الحياة، أي Life After Life، الذي نُشر في ألف وتسعمائة وخمس وسبعين، رائد الــ NDE – كما قلنا -. هذا الدكتور على فكرة عنده مقاطع في اليوتيوب Youtube جميلة، وهو شخص جميل، حين تراه، تجد أنه يُلخِّص لك كل تجارب هؤلاء وكل ما كتب، وفي الأخير يقول لك أشياء هامة. هناك مقطع من ست دقائق، يقول لك فيه باختصار الموت انتقال. الموت ليس عدماً، وليس ذهباً، هو انتقال. أنت موجود، كيانك الحقيقي، وعيك، ذاكرتك، ذاتك، ضميرك، وحتى أعمالك، كل هذا موجود في هذه الذات، ستنتقل إلى أُفق أرحب وأوسع، إياك أن تظن أنك تُعجِز الله أو تُضِله، إذا مِت وانتهيت، مُستحيل! يُلخِّص القضية، والجميل أنه في كتابه هذا ماذا يقول؟ يقول الذين درستهم وقابلتهم – العائدون من الموت – يُشبِّهون موتهم بواحد من هذه التشبيهات:

بعضهم يُشبِّهه بسجن فر منه، أي الحياة سجن، وقلت لا إله إلا الله، قال رسول الله الدنيا سجن المُؤمِن، وجنة الكافر. هؤلاء الموتى الصالحون، يكونون صالحين و(غلابة)، ونحن نشهد كما شهد إمامنا حُجة الإسلام الغزّالي، وكما يشهد كل الصالحين والعارفين؛ بأن مُعظَم خلق الله في رحمة الله. دع عنك مَن يقولون هؤلاء كفّار وما إلى ذلك. مُعظَم الخلق الذين ترونهم في رحمة الله، أقل هؤلاء الخلق فعلاً في غضب الله وسخط الله، وكما نقول دائماً ليسوا هم الكفّار الذين نظنهم، لا! هم الكفّار الذين آذوا عباد الله، وسعوا في تدمير وإشقاء وتعذيب البشر، هؤلاء في سخط الله.

وعلى فكرة يُمكِن أن تدخل على اليوتيوب Youtube، وهذا مجال لا ينتهي، هناك مئات الصفحات، وهناك مئات المقاطع على اليوتيوب Youtube، مُؤثِّرة جداً، بعضها لعلماء وأطباء وبروفيسورات Professors، شيء مُؤثِّر جداً، أقلها لأُناس كانوا سفلة وأوغاداً، وكانوا عدوانيين وأشراراً. قال لك أحدهم حين انتقلت، وجدت الويل، هناك نار وكبريت وعذاب وشيء مُخيف، والناس الذين كانوا يُساعِدونني على الإثم وعلى المضرة بالبشر، رأيتهم يُريدون أيضاً أن يأخذوني معهم في جحيم. قصة عجيبة! يرى أُناساً هكذا، وبعضهم لا يملك عينيه، ويظل يبكي، وهو مُتعلِّم، يبكي بُكاءً مُراً، كلما تذكَّر هذه التجربة، ويقول مُتأسِّف، كلما تذكَّرت هذه التجربة، أنا أنخرط في البُكاء، مُؤثِّرة جداً! وبعضهم انصلح حاله مثل هذا، وبعضهم كان مُلحِداً، هناك طبيب روسي ومُلحِد، حين صارت له هذه الحالة، عاد مُؤمِناً، وأدرك أن هناك غيباً، وأن هناك آخرة، وأن هناك بعثاً، وأن هناك نشوراً.

وليس هذا فحسب، قال ولما عُدت، عُدت بعلم جم. صار عندي نوع من العلم عجيب، لا أدري كيف اكتسبته، أُعالِج به من أمراض خطيرة جداً، بما فيها السرطانات. وعالج أُناساً، قال أنظر إلى المريض، أعرف ما هو، وأُعالِجه بسرعة. شيء غريب، لما عاد من هذه التجربة! هذا المقطع على اليوتيوب Youtube أيضاً، وهناك مقاطع كثيرة.

هناك ألفريد جاي. آير Alfred J. Ayer. الذي درس المنطق الوضعي أو الوضعية المنطقية، يعرف مَن هو الفيلسوف الإنجليزي المُلحِد الكبير والعقل الضخم ألفريد جاي. آير Alfred J. Ayer، صاحب كتاب اللُغة والحقيقة والمنطق. هذا من أعلام الوضعية المنطقية، مُلحِد! هذا قال لك لا نُؤمِن بالآتي. وهذه هي الوضعية المنطقية على فكرة للأسف الشديد، التي كان يُبشِّر بها في العالم العربي المرحوم زكي نجيب محمود – رحمه الله وغفر له -، قال لك نحن بكل بساطة نقول عن أي شيء لا يُمكِن إعطاء البُرهان عليه مادياً طبيعياً الآن وهنا – أو بطريقة شبيهة من هذا، إمكان مادي على كل حال في الكون – إنه غير موجود، ولا معنى له. لغو من القول، هذا لغو، لغو! فالله لغو، الملائكة لغو، الجن لغو، وكذا الجنة والنار، وكل هذا لغو، لغو! وليس له أي معنى، كلمات أنتم تُصدِّقونها، ولكنها لغو. يا سلام! هذه الوضعية المنطقية، فلسفة إلحادية كسيحة، كسيحة جداً.

ألفريد جاي. آير Alfred J. Ayer يتحدَّث عن نفسه، يقول في سنة ألف وتسعمائة وثماني وثمانين أصابني اختناق أثناء تناول الطعام. أي (زور)، ومات أو شارف الموت، ثم عاد بلُطف الله. قال تجربتي هذه غيَّرت كثيراً من موقفي الصُلب وإيماني الذي لا يتزعزع بعدم وجود الحياة الآخرة. تغيَّر! قال لا. انظر، ها هو، فيلسوف كبير، ليس واحداً مُصاباً بالهبل، هذا ألفريد جاي. آير Alfred J. Ayer!

فهذه التجارب عودوا إليها، وحاولوا أن تروا أكبر قدر منها. المُهِم أن بعضهم يُشبِّه انتقاله من الدنيا بالموت، إلى ما بعد الموت، إلى الضفة الأُخرى، بأنه ماذا؟ بأنه هروب من السجن، أو تخرج من الجامعة أو الثانوية العامة. بعضهم يقول أو كالعودة إلى البيت. كأن هناك بيتاً عندي، وهو بيت جميل ومُمتاز، وأرجع إليه. أنا راجع إلى بيتي، لست ذاهباً إلى عالم لا أعرفه وأنا خائف وموهوم أبداً. واقرأوا قول الله – تعالى – في سورة يونس إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُم بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ۩. ماذا قال المُفسِّرون فيها؟ قالوا المُؤمِن حين يدخل الجنة، لهو أعرف بمكانه في الجنة وبكل ما في الجنة له، من أحدكم بطُرق بيته في الدنيا. لا إله إلا الله! يا الله! أي كتاب الله ما ترك شيئاً فعلاً في المُغيَّبات هذه، وهذا هدف الدين الحقيقي، أن يُعطيك علماً متيناً ربانياً – وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ۩، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ۩ -، فيما يختص بماذا؟ بالغيب، بما بعد جسر الموت أو ضفة الموت. قال لك تذهب إلى هناك، وتعرف جنتك وتعرف بيتك وتعرف كل شيء. هذا قال لك من لحظة الموت كأننا نعود إلى بيوتنا. ورحمة الله على مَن قال – وهو ابن القيم رحمة الله عليه، في القصيدة المشهورة -:

فحيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدنٍ فإنَّها                         مَنازِلَنا الُأولَى وفِيها المُخَيَّمُ.
ولَكنَّنا سَبيُ العدُوِّ فَهَل تَرَى                            نَعوُد إلَى أوطاَنَنا وَنُسلِّمُ؟

الله أكبر! نحن أبناء الجنة يا إخواني – إن شاء الله -، نحن أبناء الآخرة، جئنا هنا للاختبار، فقط للاختبار! فاحرصوا وشدِّدوا على أن تفوزوا في هذا الاختبار، إياكم أن يغركم بالله الغررو، أو تغركم الدنيا. كل هذا زائل، وزائل بسرعة على فكرة، ستمر ستون أو سبعون أو ثمانون سنة، وفي بعض المرات حتى تمر ثلاثون سنة فقط، يموت أحدهم وهو في الثلاثين أو وهو في العشرين، هذه فترة أقصر مما تظنون، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ۩.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليماً كثيراً.

إخواني وأخواتي:

سنُضطر الآن أن نمضي من هذه الخُطبة، بقيت بقية قصيرة؛ ربما عشر دقائق، أو ربع ساعة، أو عشرون دقيقة على الأكثر – إن شاء الله -، بعد صلاة العصر، ربما نُكمِلها، وهي مُهِمة جداً، تتعلَّق بالمُشترَكات. ما هي المظاهر وما هي الخبرات المُشترَكة التي يخبرها الذين يعودون من الموت، أو الذين خاضوا تجربة الموت – الموت الأول إن جاز التعبير، الموت الأول -؟ هناك مُشترَكات، على اختلاف أديانهم وعقائدهم، حتى الملاحدة! يشتركون فيها كلهم، وهذا شيء مُثير، يُؤكِّد أن المسألة حقيقة، ليست أوهاماً وليست هلاوس، نظراً لاختلاف ماذا؟ الأديان والثقافات والمُعتقَدات. وتبقى هذه مُشترَكات، بين الجميع.

فنسأل الله أن يُعلِّمنا علماً نافعاً، يُنير به أبصارنا وبصائرنا.

اللهم اهدِنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت. رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ۩. اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً.

نعوذ بالله من قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن علم لا ينفع، ومن عمل لا يُرفَع، ومن دعوة لا تُسمَع، ومن الجوع، فإنه بئس الضجيع، ومن الخيانة، فإنها بئست البطانة.

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المُنكَرت، وحُب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وإذا أردت بعبادك فتنة، فاقبضنا إليك غير مفتونين ولا ندامى ولا حائرين ولا مُغيِّرين مُبدِّلين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

ربنا لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك. اللهم إنك إن تكلنا إلى أنفسنا، تكلنا إلى ضعف وعورة وعوزة وفقر وحاجة، ونحن لا نثق إلا برحمتك، لا إله إلا أنت سُبحانك إنا كنا من الظالمين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، وسلوه من فضله يُعطِكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

 

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

 

تكملة للخُطبة حول الخبرات المُشترَكة التي يخبرها الذين خاضوا تجربة الموت

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

نُكمِل إخواني وأخواتي – إن شاء الله -، بقيت فضلة بسيطة، وطبعاً الموضوع ليس قصيراً وليس بسيطاً، الموضوع كبير وواسع جداً، لكن كما ربما وقعت الإشارة – أيها الإخوة والاخوات – أحببنا أن نُلِم بالطرف الأكثر أهمية لنا، وهو – كما قلت – الزاوية التي يحيد ويُراوِغ بصددها للأسف كثير من العلماء الذين هيمن عليهم الأنموذج المادي في التفكير، ولم يتواضعوا على الأقل لرصد الحقيقة أو الوقائع كما هي. المفروض أن ترصد الحقائق والوقائع كما هي، ثم بعد ذلك يكون لكم موقف آخر.

فوقائع الاقتراب من الموت، التي وقعت للعلماء بالذات، لها أهمية خاصة، أكيد! وخاصة الأطباء، أو العلماء في العلوم الطبية المُختلِفة، لماذا؟ لأن هؤلاء يُعيدون النظر فيما وقع لهم بعقل طبيب، ليس بعقل فيلسوف أو عقلي ثيولوجي لاهوتي، وليس بعقل إنسان عامي، بعقل طبيب! ومع ذلك، فإن منهم عدداً لا بئس به يُؤكِّدون أن المسألة لها جانبها الماورائي، جانبها الغيبي، الذي يُعجِز النموذج المادي، عن تفسيره، ويعترفون بهذا!

هناك دراسة أو هناك كتاب، اسمه Proof of Heaven، أنصح بقراءته، طُبع في سنة ألفين وثنتي عشرة، لبروفيسور Professor كبير في واشنطن، وهو أستاذ في جراحة الأعصاب، عالم كبير! في سنة ألفين وثنتي عشرة  تقريباً، أو في سنة ألفين وإحدى وعشرين  (في آخرها)، كان مُشارِكاً في سيمنار Seminar علمي، في إسرائيل (دولة الاحتلال)، وسُبحان الله، هناك أُصيب بالمرض السحائي، ومات الرجل إكلينيكاً لأسبوع، وبعد أسبوع وبعد أن يئس الأطباء منه تماماً، قدَّر الله له أن يعود من ميتته، ويكتب هذا الكتاب المُثير. وحتى انظر إلى العنوان؛ Proof of Heaven. فهذا الكتاب جيد.

وهناك كتاب آخر، أعتقد أنه تُرجِم، لست مُتأكِّداً، ولكن نُسخته الإنجليزية موجودة وحتى الألمانية موجودة، أنا اشتريته بالألماني، لأجعل حتى أولادي يقرأوه، كتاب جميل ومُفيد، أي مُفيد في أكثر من باب من الأبواب. وفيه تجربة لهذا أيضاً الطبيب الجرّاح المشهور أمريكياً جيمس آر. دوتي James R. Doty. البروفيسور Professor أو الطبيب دوتي Doty ألَّف كتابه في داخل أو في متجر السحر؛Into the Magic Shop. كتاب مُثير وجميل جداً ومُؤثِّر، وهو كتاب علمي طبعاً، ألَّفه جرّاح كبير وناجح، ورجل أنهى الفترة الأخيرة في حياته – ولا يزال حياً، نسأل الله أن يُطيل في عُمره – بالأعمال الخيرية، بعد التجربة التي مر بها. وتحدَّث عنها على ما أعتقد في الفصل الثامن من كتابه، والكتاب – كما قلت – مُتاح بالألمانية ومُتاح بالإنجليزية، وبالعربية تقريباً تُرجِم، كأني رأيت مرة له دعاية، ولكن لست مُتأكِّداً، اسمه Into the Magic Shop، أي داخل متجر السحر.

يتحدَّث في أواخر تقريباً الفصل الثامن – إن لم تخني الذاكرة – عما حدث له. كان في المُستشفى، وشعر بشعور من النشوة هكذا، فخرج مع جماعة من أصدقائه الأطباء الجرّاحين في جولة هكذا في المدينة، وهو شاعر بنوع من النشوى، بعد أن بلل نسيم الهواء العليل في الليل وجهه. خرج هكذا، وفتح النافذة، وشعر بهذه النشوى، وقال دعونا نذهب إلى الخارج. أخذوا معهم كمية من البيرة، وجلسوا في السيارة، وفتحوا الموسيقى. وإلى هذه اللحظة الرجل كان مادياً، وكان قاسياً – حسبما يصف نفسه -، وكان أنانياً ومغروراً؛ لأنه طبيب ناجح، وحين ترى كيف كانت قصته وكيف أنهى دراسة الطب، تتعجب، قصة كبيرة وجميلة على كل حال، وهو من أسرة فقيرة ومُعدَمة، وحالته صعبة! لكن صنع نفسه بقوة الإرادة وبقوة العزم والإصرار، وأصبح جرّاحاً كبيراً وماهراً، فكان عنده هذا الغرور والكبرياء والغطرسة، على الجميع! حتى على زملائه، وعلى مُديره في المُستشفى، أي لا يُقيم وزناً لأحد، رجل مادي ومُتغطرِس.

فقال كنا في السيارة، ومن حُسن الحظ حين جلست، كأن شيئاً ما – هناك Congestion وما إلى ذلك – قال لي ضع الحزام. أي الــ Belt هذا، حزام الأمان! قال فوضعته. قال السيارة قديمة، وهي لأحد زملائنا من أمه، موديل Model ألف وتسعمائة وأربعة وستين. ويبدو أنه لم يُغيِّر الإطارات كما ينبغي في كل موسم. قال عند حافة مُعيَّنة – أي Curve مُعيَّن – انزلقت. ووقع حادث، وكان هو أكبر المُتضرِّرين. هم أُصيبوا برتوش وخدوش خفيفة، أما هو فقد أشفى على الموت، وفعلاً مات سريرياً الرجل، مات سريرياً! لكن لطف الله به، وعاد من ميتته.

حتى لا أنسى، أُريد أن أقول شيئاً؛ لأن – كما قلنا – القرآن الكريم أيضاً دقيق هنا. الآن بعد صلاة العصر – بفضل الله عز وجل – تذكَّرت إشارة أُخرى؛ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ۩. إذن ميتتان! شيء عجيب، أي شيء يقشعر له البدن، القرآن دقيق هنا، هناك ميتتان، يُمكِن أن تموت الميتة الأولى وتعود، ويُمكِن ألا تعود، ولكن الميتة الثانية مُستحيل أن تعود منها، وهي الأجل المُسمى، إذا بلغتها، فلن يُمكِن أن تعود. والآن الميتة الأولى كيف يُمكِن أن نعود منها وفي أي ظروف؟ عموماً يبدو القاعدة هنا كما وضحها النبي المعصوم – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله – البر، البر! ولا يزيد في العُمر إلا البر. مَن أراد أن يُنسأ له في أثره، فليصل رحمه. وفي حديث ابن منده والبيهقي وصحَّحه ابن قيم وغيره – رحمة الله على الجميع – ورأيت شاباً، جاءه ملك الموت ليقبض روحه. قال روحه، ويبدو أن هذا من الرواة، ونحن قلنا القبض للنفس. فجاءه بره بوالديه، فأخَّر عنه ملك الموت. فأخَّر عنه ملك الموت! إذن وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ ۩، هذه في سورة فاطر أيضاً، والأولى طبعاً في سورة الأنعام (في صدر الأنعام)، ولكن هذه في سورة فاطر. إذن يُمكِن أن يُعمَّر، ويُمكِن أن يُنقَص من عُمره. أجلان؛ الأجل، والأجل المُسمى. الأجل المُسمى مُنتهٍ أمره، أنت تكون غادرت البرزخ أو عبرت لبرزخ، فلا يُمكِن أن تعود إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۩. ميتتان! شيء عجيب يا إخواني.

هل يدخل هذا في قوله – تبارك وتعالى – في غافر (المُؤمِن) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ۩؟ يا للحسرة! هذه الآية… لا أدري… أتعجب حين أتلوها وأسمعها، وخاصة من شيخنا وشيخ المُقرئين ربما حتى في كل عصر عبد الباسط – بسط الله له في النعيم، ورضيَ الله عن روحه الطاهرة -، كيف يقرأها في إحدى القراءات؟ يا الله! يا الله! أنا أشعر أن الجبل يُمكِن أن يخر، ولولا أنني أخجل – عندي خجل -، لحاولات أن أُقلِّد كيف يقرأها هو، كأنه يبكي! يقول قَالُوا رَبَّنَا ۩ بصوت قوي جهير، وعنده حنجرة ذهبية! قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ۩. لا إله إلا الله! يُمكِن أن تدخل فيها، وإلا التفسير المشهور عند جمهرة المُفسِّرين يختلف. كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ۩، إذن هما ميتتان، وحياتان. واختلفوا؛ فمنهم مَن قال وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا ۩ أي قبل أن تُخلَقوا وقبل أن تُعقَدوا بيوضاً أو بُييضات في أرحام الأمهات أو في مبياض الأمهات، وحيامن – أي الــ Sperms – في أصلاب الآباء، طبعاً أي في مناسل الآباء. وبعضهم قال لا، بل هذا الحيمن – أو الــ Sperm – نفسه هو الميتة. لماذا؟ قال ابن قُتيبة على ما أذكر – وقرأت هذا قبل حوالي أربعين سنة، وأنا طفل صغير – الآتي. قال – رحمة الله تعالى عليه – كل ما أُبين من حي، فهو ميتة. فالحيوان المنوي وهو فيك جُزء من حي، لكن إذا خرج منك، يُعتبَر ميتة. هكذا اللُغة تقول، والله أعلم، قصة! لكن الآية يُمكِن أن تحتمل حالة مثل هذه.

على كل حال نعود يا إخواني، يقول وحين أُعِدت طبعاً إلى الحياة بإنعاش زملائي – وكانوا حريصين علىّ، رُغم أنهم كانوا يتأذون مني – تساءلت؛ هل أنا بخير؟ هل أنا مت؟ قالوا أنت مت، وعُدت. ويُمكِن أن تبقى هكذا، إلا أن نقوم بإنهاء حياتك. يُذكِّرونه كيف كان يُعامِلهم! على كل حال قال – هكذا تقريباً قال، البروفيسور جيمس آر. دوتي Professor James R. Doty قال هذا – ما مررت به لا تُوجَد كلمات أو جُمل أو تعابير يُمكِن أن تفي بشرحه. قال اللُغة هنا تعجز، الحالة التي رأيتها أنا لا يُمكِن وصفها، وهذا مادي مُتغطرِس! قال شيء لا يُوصَف، شيء لا يُوصَف! وهذا معنى الكلام. قال ولست مُضطَراً أن أشرحه لغيري. أي لكي تُصدِّق أنت كطبيب وما إلى ذلك، لا يهمني أمرك. قال هذه حالة أنا عشتها، دخلت الحالة هذه وعشتها، لست مُضطَراً لأن أوضح لك، خلها لي، هذه هديتي – أي هدية الغيب لي، هذا بمعنى الكلام -. قال لست مُضطَراً أن أشرحه لأحد.

ما الذي حدث؟ قال حين كنت ميتاً إكلينيكياً، أو عيادياً سريرياً، رأيت أنني أخرج من بدني. وهذا أحد المُشترَكات، بين كل الذين يُقارِبون الموت، أو يُشارِفونه، أو يميتون الميتة الأولى في الأحرى، يبدو أنها ميتة أولى! قال وطفوت فوق جسمي، ثم انطلقت أعبر نهراً ضيقاً، على ضفتي النهر رأيت أشخاصاً أعرفهم وأُحِبهم، وبعضهم كانوا أحياء مثل أمي، التي كانت تُحييني، في حالة وداعة وسلامة ومحبة، كانوا أشخاصاً مُحبين! رأيت أخي الصغير حين كان يعبث معي ويُمازِحني في بيتنا في إنكستر Inkster، ورأيت درّاجتي البرتقالية الحبيبة، ورأيت الفتاة التي أحببتها وأنا في المرحلة الإعدادية، ورأيت.. ورأيت… رأيت كل هؤلاء المُحِبين والحياة الجميلة.

ورأيت في آخر النهر نوراً أبيض شعشعانياً ساطعاً، لكن غير مُؤذٍ. وهذا أحد المُشترَكات، لا يُؤذيك. نور قوي جداً جداً، أقوى مما تخيَّل، ولكن لا يُؤذيك، تنظر فيه. قال وشعرت بشعور عجيب من المحبة والاحتواء. شعرت أنني مُحتوىً علىّ بطريقة لم أخبرها من قبل في حياتي. هناك شيء يحتويني، بدفء وبمحبة كاملة. تخيَّل! وطبعاً أهل الأديان يُفسِّر كل واحد منهم هذا الشيء بطريقته؛ واحد يقول لك روح بوذا Buddha. وراحد يقول لك المسيح. وواحد يقول لك رب العالمين. وما إلى ذلك، هذه تفسيرات، ولكن الحقيقة تبقى حقيقة وحدها، نعم!

قال وشعرت تماماً أنني إن ذهبت إليه، بحيث أتحد به، سوف أتحد مع كل شيء في الوجود – أي تُصبِح شيئاً واحداً مع الوجود كله -، لكن فهمت – أيقن هو أيضاً، وهذه معلومات من غير تعليم، لا يُوجَد كُتب، انتهى! علم وشيء إلهي، قال فهمت هذا – وأيقنت أنني لو فعلت، فلن أعود، لأكون جُزءاً من هذه الحياة، فصرخت – قال أو خُيل إلىّ أنني صرخت – قائلاً لا، ليس الآن. لأنه لم يكن راضياً عن حياته، ولذلك حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ۩، اللهم لا تجعلنا منهم، الحسرة! إياكم يا إخواني أن تكونوا من أهل الحسرة! إياكم! والله العظيم البطل فيكم وفيكن يا أخواتي، الشاطر، مَن هو؟ هل تعرفون مَن هو البطل الحقيقي؟ البطل الذي لو جاءه الموت الآن، يقول له مرحباً بك، لا تُوجَد حسرة، ولا يُوجَد ندم – والحمد لله -. لا تُوجَد ديون علىّ، لا تُوجَد حقوق للعباد، لا تُوجَد أعمال سيئة أُريد أن أتوب منها، الحمد لله توبتي من قديم، تبت من كل ما يُغضِب الله، لست إلا في الخير – بفضل الله -، صلواتي في وقتها، علاقتي مع ربي طيبة، وكذا علاقتي مع أحبابي، ومع زوجتي. أعتز باستقامتي، طُهري، نقائي، وتقواي لله. مُستقيم، أُحِب الخير للبشر، وأفرح به، الحمد لله، الحمد لله أبداً، من ماذا تخاف؟ لا تخاف، أنت سعيد بالموت، تتحرَّر، تتحرَّر! يا مرحباً بلقاء الله يا أخي، حبيب جاء على فاقة. مُعاذ يقول للموت:

حبيب جاء على فاقة                                   لا أفلح مَن ندم.

الله أكبر! أرأيتم الصحابة؟ كانوا يفهمون. اعمل، لئلا تندم، إياك إياك أن تكون الآن في شيء ستندم عليه لو جاءك الموت بغتة، وقد يأتيك بغتة، والموت يأتي بغتة أصلاً، الموت يأتي بغتة، إياك! وليكن عندك عقل.

الآن لا نتحدَّث عن الدين، أي هذا ليس كلام دين وأنبياء الآن، نتكلَّم عن خبرات لبشر، ملاحدة وماديين وما إلى ذلك، فهذا يحصل مع الكل يا إخواني، حقائق هذه! لأن بعض الناس يرتاب، الشيطان كبير، الشيطان هو فيلسوف الشر – لعنة الله تعالى عليه -، يأتي يهزك، ويقول لك يا أخي، يُمكِن أن يُوجَد ويُمكِن ألا يُوجَد، الدنيا كلها ألحدت، والناس ملاحدة، وعلماء كبار ملاحدة، ما الذي يدريك؟ فلماذا تغلب نفسك وتستمع إلى كلام الشيوخ؟ هؤلاء مُصابون بالهبل، هؤلاء كذّابون مُنافِقون. وهؤلاء الشيوخ يُشدِّدون علينا، ولكنهم مُتنعِّمون في حياتهم، ويُمكِن حتى أن يحتمل الموضوع كله أن يُوجَد هذا أو لا يُوجَد. ويُشكِّك – والعياذ بالله -! يقول لك وهل أنت أفهم من الفلاسفة الكبار الملاحدة والعلماء الكبار الذين ملأوا الدنيا وهم ملاحدة؟ ولماذا أنت تُتعِب نفسك وتخنق حالك؟ خُذ العصاة من النصف هكذا، أي هكذا وهكذا، هكذا وهكذا! مرة خير ومرة شر، ومرة صح ومرة غلط، وبعد ذلك إذا كان ربك موجوداً، فهو غفور رحيم. أعوذ بالله، ما هذا؟ بدأ يهزك ويُشكِّك ويجعل حياتك كلها كلام فارغ. ليس هكذا الدين، ليس هكذا نعيم الإيمان واليقين يا إخواني، ما الذي يحدث معك أنت؟ إياك! إياك! وفكِّر في مثل هذه القضايا، ها هي، هذه تحصل لمُؤمِن وكافر، ولملاحدة تحصل الحالات هذه على فكرة! الــ NDE تحصل لملاحدة، وبعضهم تغيَّرت حياتهم، وبعضهم لم يتغيَّروا، وصدق الله العظيم؛ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا ۩، يقول لك أحدهم هذا حصل معي، ولم أتغيَّر. أنت حُر، ماذا أعمل لك؟ شقي! أنت مِمَن ذرأ الله لجهنم؛ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا ۩ – والعياذ بالله -، إذا كنت حطب جهنم، فماذا أعمل لك أنا بصراحة؟ شرير لهذه الدرجة، وتمر بتجربة مثل هذه، وترى أشياء، وترى من فوق، وتعرف أن هناك كذا وكذا، ولا تُريد! ماذا أعمل لك أنا؟ أسأل الله أن يهديك، فقط! أقول أسأل الله أن يهديك، ويا حسرة عليك! أتحسر عليك – والله -، فقط! وأحزن، أحزن على أخي الإنسان، أي إنسان – والله -، يأبى إلا أن يكون حطباً لجهنم، يا للخسارة! لماذا تعمل في نفسك هكذا؟ لماذا؟ ومن ماذا يمنعك الدين؟ الحمد لله، والله ما منع شيئاً، إلا لمصلحتنا. والله العظيم الدين كل شيء منعنا إياه، منعنا إياه لسعادتنا وهنائنا، ونحن من أسعد الناس بهذا المنع، والحمد لله. ماذا؟ زعلان وتقول لماذا منع الزنا؟ نحن نبصق على الزنا، أقبح فاحشة، أوسخ فاحشة، تُدمِّر أسرتك، تُدمِّر حياتك، تُدمِّر أُسر أناس آخرين، أليس كذلك؟ تصير مُتسوِّلاً للجنس وللوساخة، ما القرف هذا؟ عِش حياتك طاهراً نقياً، اقنع بزوجتك. إذا اقتنعت بها، فسوف تراها أحلى واحدة – بإذن الله تعالى -، الله يُعطيك جائزة من عنده. وإذا لم تقتنع – والله العظيم لو كنت كل يوم مع واحدة وبالحرام، ولن تقتنع -، فلن ترتوي، وهذا عقاب الله لك أيضاً، أليس كذلك؟ الحمد لله، عن كل شيء الدين منعه، نقول الحمد لله أنه منعه. ما الذي منعه الدين؟ أنتم تعرفون هذا، أنذكره؟ هذا درس أطفال، والناس كلها تفهم الكلام هذا، منع السرقة والكذب والغيبة والنميمة والزنا والفواحش والربا، وكلها أشياء وسخة، أليس كذلك؟ هذه هي! وأمرنا بكل شيء طيب – بفضل الله -، أليس كذلك؟ في كل شيء – بفضل الله عز وجل -.

فإياك أن يلعب الشيطان بك في العصر هذا، هذا عصر الضياع على فكرة، أنتم تعيشون في عصر الــ Chaos – نطقها فضيلته بالألمانية وبالإنجليزية -، عصر ضياع وفوضى واختلاط، وكل شيء مُختلط، إياكم وهذا، تمسَّكوا بحبال الإيمان، بعروة الله الوثقى يا إخواني، والله العظيم! والهجوا إلى الله باستمرار بالدعاء؛ لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ۩.

المُهِم، قال أنا أدركت هذا، فصرخت، أو خُيّل إلىّ أنني صرخت، قائلاً لا. لماذا؟ لأنه ندمان، مادي! وكان شريراً ومُتغطرِساً، لا تُعجِبه حياته هذا المسكين، رَبِّ ارْجِعُونِ ۩، قال أنا أُريد أن أرجع. وهو طبعاً لم يتجاوز البرزخ، فقال له الله ارجع. لأنه خيّر، وكتابه في الأخير مُبكٍ. والله حين تقرأه تبكي، أنا بكيت، بكيت بُكاء الأطفال، تبكي وتبكي! مُؤثِّر جداً – ما شاء الله -، كيف انقلب هذا الشخص؟ وكيف صار يعمل؟ وكيف ابتلاه ربنا بثروته؟ فقد كل ثروته، وكانت بالملايين، ملايين! هو جرّاح كبير، وناجح وماهر وذكي، ذكي جداً! فقدها كلها، ولم يهتم. فلأفقدها، لا يهمني. وفقد معها الأصدقاء الكذّابين، وقال لك هذا لا يهمني، أحسن أنني فقدتهم، هؤلاء كانوا كذّابين ومُنافِقين.

فهم جوهر الحياة بعد التجربة هذه. جوهر الحياة؛ ذاتي، Myself، أو My true self، هذه ذاتي الحقيقية، هي ليست أموالي، ليست أصدقائي، ليست معارفي، ليست شهاداتي، ليست سياراتي، كله كلام فارغ هذا، كله كلام فارغ! الملوك يتركون أشياء كثيرة، فماذا عنك أنت؟ ماذا عنك؟ ما الذي عندك إلى الآن؟ لا، جوهرك أنت، أنت في ذاتك، وعيك، عقائدك، أفكارك، شخصيتك، والاستثمار الداخلي. هو فهم هذا الكلام، وأصبح شخصية مُختلِفة تماماً، صار يستثمر أمواله كلها في الخير والعطايا والفقراء والمساكين والمشافي. رائع! إنسان رائع، وكتابه جميل، اقرأوه ولن تندموا، أعني Into the Magic Shop.

المُهِم، فالرجل قال فصرخت، قائلاً لا. فشعرت كأنني – يقول – كنت مربوطاً بحلقة مطاطية، مشدودة حتى آخرها، اتجاه النور. قال النور هذا حين اقتربت منه، بدأت أتذكَّر آخر شيء حصل معي قبل الحادث – أي قبل الــ Accident -. وهو حين فتحت شباك النافذة، ولامس الهواء العليل – قال – خدي. حين شعرت بهذا، اقتربت من النور جداً بسرعة هائلة وكدت ألتحم به، وشعرت بنوع من الدفء في هذا النور أيضاً، نوع من الدفء! وما حصل بعد ذلك هو أنني لم أُرد أن ألتحم ولا أن أرجع إلى الدنيا وبالتالي ينتهي كل شيء. هل انتهى الأمر وسلَّمت ورقة الامتحان؟ طويت الصُحف، جفت الأقلام وطويت الصُحف! لا، لا أُريد أن تطوى صحيفتي، لا، لا! أُريد أن أخط فيها أشياء ثانية، أُريد أن أكتب فصلاً جديداً في حياتي، أو فصولاً جديدةً. أحب أن يكتب شباتر – Chapters، أي فصولاً – جديدة في حياته، قال لا.

قال فشعرت أنني أفلت من هذه الحلقة المطاطية التي كانت مشدودة حتى آخرها. أُفلت منها، فعُدت بسرعة هائلة – قال – بعيداً عن النور، وعُدت، وإذا أنا في هذه الدنيا. قال هذه تجربتي التي غيَّرتني. وتبقى سري – قال -، سري الشخصي! لست مُضطَراً أن أُفسِّرها لأحد، لست مُضطَراً أن أشرحها حتى لأي أحد، لكن هذا الذي حدث معي. قال، وبدأ يتحدَّث عن القضية، وهو إنسان واعٍ ومُثقَّف طبعاً، هو بروفيسور Professor، قال لك إن هذا يحصل من قديم، أي عند كل الثقافات، فأفلاطون – أي بلاتو Plato – في الجمهورية (مُحاورة الجمهورية المشهورية) ذكر أسطورة الجندي – أي الــ Soldier – إر Er، اسمه إر Er! يقول لك هذه The Myth of Er. أي أسطورة إر Er! اسمه إر Er، أي E ثم R. وهذه الأسطورة تحكي – ولعلها حقيقة؛ لأن ليس فيها أي شيء أسطوري بصراحة، فلعلها حقيقة – عن قصة جُندي، قاتل ضد أعداء أثينا، ومات، أي سقط قتيلاً في المعركة، واستمرت المعركة عشرة أيام. بعد عشرة أيام – وهو مات في اليوم الأول، أي كم المُدة التي مرت عليه؟ عشرة أيام. تقول الحكاية هذا، أفلاطون Plato يحكي هذا في الجمهورية، قال هذا ما حصل بعد عشرة أيام – لم يتحلَّل. الجُثث الثانية تحلَّلت، بدأت تبلى، تنتفخ وتتحلل، وهو لم يتحلَّل، كأنه نائم، ولكن هو ميت، ودمه ينزف، وانتهى كل شيء، أي هو أيضاً ميت إكيلينيكاً، أكيد! مر عشرة أيام.

أخذوه، وعقدوا له جنازة مع الآخرين، قال وهو موضوع على المحفة هذه الخاصة بالموتى استيقظ؛ السلام عليكم يا جماعة. ما هذا؟ عاد من الموت، شيء غريب! وبدأ يُحدِّثهم بما رأى وما إلى ذلك، ولذلك هذا الجُزء من جمهورية أفلاطون Plato يتحدَّث عن الحياة الأُخرى، عن الجانب الآخر لوجود البشر. ونحن لنا جانبان على فكرة لوجودنا؛ الوجود له جانب هنا، وله جانب الماوراء. وهذه حياتنا طبعاً على فكرة، حياتك ليست حالك هذا، وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۩، هكذا هي الحياة الحقيقية الواسعة، الواسعة! التي لا نهاية لها.

أختم، حتى لا نُطيل بالقصص والأمثلة، هناك مثال أيضاً مُوثَّق علمياً، وثَّقه رجل مشغول جداً بهذه القضايا، وكان مُهندِس طيران نووي ومُتقاعِداً. قصة رجل الدفاع المدني أو الإطفائي، هو إطفائي حرائق، واسمه جيك Jake.

جيك Jake هذا يُحدِّث عن نفسه، وقد عاد من الموت. قال جاءتني المُكالَمة من الــ Station؛ اذهبوا إلى الجبل الفلاني. وهذه حرائق الغابات طبعاً. قيل له هناك حريق هائل. قال ذهبنا، وكالمُعتاد نجحنا في البداية – في الجولة الأولى – في إخماد جُزء من النار، وعملنا الخنادق. وتعرفون أن عندهم آليات مُعيَّنة! فجأة – قال – تغيَّر اتجاه الريح، ارتدت علينا النار. وهنا المُصيبة طبعاً، وفي جبل، مساكين! لم تكن فُرصة للنجاة، لا تُوجَد! سريعة جداً. قال رأيت النار تلتهم أصدقائي وإخواني بالجُملة، وفرداً إثر الآخر أيضاً – خمسة أو ستة من هنا ومن هنا -، ثم حاصرتني، وشعرت بالاختناق. طبعاً لا يُوجَد أكسجين Oxygen، كله ثاني أكسيد الكربون Carbon Dioxide، فتختنق الآن، لا تُوجَد أكسجة للدماغ، ويبدأ الموت الآن. قال شعرت بالاختناق، وآخر ما أتذكَّر أنني كنت أقول إني أموت، إني أموت. أقول هذا لنفسي، حالياً أموت، أنا أموت. هذا ما أتذكَّره.

وفجأة – قال – انتهى الأمر. العالم البدني هذا انتهى، الحياة البدنية انتهت، ومَن حوله كلهم انتهت حياته، هو الوحيد الذي عاد! قال فجأة رأيتني مُسجى في الأرض. مَن الذي رأى؟ أنا. أرى نفسي! يُريد أن يستوعب، ما الذي يحصل؟ كيف أرى نفسي أنا؟ إذن معناها أنني حي. نعم، هذا يعني أن هناك حياة أُخرى.

قال رأيتني مُسجى، ورأيت أجساد زُملائي جميعاً، وكنت أطوف فوق جُثتي، وفجأة انتبهت، وإذا بأطياف – أي أرواح أو نفوس – زملائي جميعاً تطوف فوق جُثثهم. قال رأيتهم ورآوني، وخاطبتهم. قال أعجب ما اتفق لي يتعلَّق بأحد زملائي وهو فلان الذي كان في رجله عيب. يبدو أن هذا المسكين عنده شيء في الرجل، كعرج وما إلى ذلك، هناك عيب مُعيَّن، وهو لم يذكره، قال عيب مُعيَّن، يُوجَد عيب في رجله! قال ولما رأيت طيفه، يطفو فوق جُثته، رأيت رجليه سليمتين، الاثنتين! فقلت له فلان؟ صرخت فيه، قال نعم. قلت له رجلك ليس بها عيب، سليمة. قال نعم، نعم. وهذا عالم النفوس يا حبيبي، هنا!

وسُبحان الله، يبدو أنه – لم نقرأ التفاصيل – تم إنقاذ هذا الرجل بطريقة مُعيَّنة، وعاد ليقص علينا ما الذي حصل له. هذا معناه أنه مات الميتة الأولى، انفصلت النفس عن البدن، والبدن تحت، ها هو! لو كان احترق بالكامل وما إلى ذلك، لما قدر على أن يرجع، انتهى! لا يُوجَد بدن ثانٍ. لكن ربنا حفظه في لحظة مُعيَّنة، ورجع.

والقصص كثيرة، ويُمكِن أن تقرأوها في الكُتب العلمية، وفي المجلات العلمية بالذات، ويُمكِن أن تُشاهِدوا حتى خبرات الناس العاديين، بما فيهم بعض العرب، هناك مُمثِّلون مصريون حصل معهم هذه الحالة، وبعض الناس الذين تعرفهم أنت قد يكونون كذلك، وعلى فكرة نحن نعرف من جيراننا ومن قراباتنا ومن أصهارنا قصصاً كهذه، أي كل واحد فينا يعرف هذا، أنا أعرف عدة قصص من جيران وأصهار وقرابات وما إلى ذلك، وكلنا نعرف قصصاً مثل هذه عن الموت والذي يموت، وبعضهم حتى يكون لا بأس به، أي ليس عنده مرض عُضال مُدمِّر، تكون حالته عادية هكذا، ويبدأ يشعر بأنه يموت، وحين يقولون له هل أنت بخير؟ يقول لهم صلوا على رسول الله، وحِّدوا الله. ثم يقول وسِّع، وسِّع، افتح الباب، افتح، أهلاً وسهلاً. ويبدأ يُرحِّب بمَن يراهم، وهو ومعنا، ويتكلَّم معنا. وفعلاً كأن هذا أيضاً في معنى قوله فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ۩. ترى ما لا يراه الأحياء الآخرون! وهذا المسكين يكون على حافة الموت، ها هو يموت، مُتهيء للموت، تشف النفس، تتحرَّر الروح، فيبدأ يرى، يرى الملائكة، يبدأ يُحييهم، يقول يا أهلاً وسهلاً، وأحياناً يذكر أشخاصاً بالأسماء، هذه تكون نفوساً لأُناس مضوا، وأحياناً يكون بعضهم من الصحابة، وأحياناً تكون روح رسول الله.
هناك الشيخ الشعراوي – رحمة الله عليه -. على رأسنا، العارف بالله، والرجل الصالح. انظروا كيف يحكي ابنه وهو الرجل الطيب قصة وفاة مولانا الشيخ الشعراوي، شيء يُبكي الصخر، والله العظيم. رحمة الله عليه وهنيئاً له! يُقال لكم عن الشعراوي إنه الصوفي المُخرِّف. نعم، مُخرِّف وصوفي، وعلى رأسنا من فوق، ونسأل الله أن يُميتنا ميتة الشعراوي، ويدخلنا مُدخَله، رحمة الله على روحه الطاهرة.

جاءه الرسول، وابنه قال هذا، قاله، شيء عجيب! وكان يعرف كل شيء، وأخبرهم متى سيموت؛ قبل حوالي أربعة أيام، قال لهم الأربعاء، الأربعاء وافتحوا قبري. كان يعرف كل شيء، وابنه قال جئت إليه عند الفجر، فوجدت مدليا رجليه هكذا. وفجأة خرج، ورفع نفسه، وقعد على التخت، وقال لا، ليس أنا. كان يقول هذا – رحمة الله عليه – ليس أنا. وابنه يسمع، شيء لا يكاد يُصدَّق. لست أنا يا رسول الله، مَن أنا حتى تأتي إلىّ؟ أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك عبده ورسوله. ومات – قدَّس الله سره الكريم -، هذا مولانا الشيخ الشعراوي، انظروا كيف تكون الخاتمة الطيبة، هذا حُسن الخاتمة! نسأل الله حُسن الخاتمة، يا رب اختم لنا بأسعد الخواتم، لا يتخبطنا الشيطان، لا في الدنيا ولا عند الموت. هو هذا!

فعلى كل حال نختم يا إخواني الآن بالمُشترَكات، ما المُشترَكات التي يخبرها مَن عاش هذه التجربة العجيبة؛ تجربة مُشارَفة الموت، بل الموت – أنا أُسميها بصراحة الموت، أي واضح أنها موت، الموت الأول، وليس الموت البرزخي، إن جاز التعبير -؟ أولاً انفصال النفس عن البدن. ثانياً الطفو فوق البدن. كلهم حصل معهم الشيء هذا. قال لك أحدهم أحسست بأن كياني هو الذي صعد، وبقيَ هذا – سُبحان الله – المسلاخ. بقيَ المسلاخ، الثوب، القميص، القميص! البدن قميص، لا إله إلا الله! النفس شيء مُختلِف تماماً، هي خرجت، وهو يراه، وكما قلنا طبعاً ويرى أشياء في المُحيط، يرى أشياء في المُحيط!

حدَّثتكم قديماً عن قصة الأخت التونسية، التي كان يشتغل زوجها في القنصلية التونسية هنا، وطلبت هي من زوجها أن أزورهم، والمُهِم زرتهم، وكانت تُحدِّثني بتجربتها، وهي تعتقد أنها تجربة فريدة، لا تحصل للكثيرين. قلت لها هذه في العالم يُوجَد منها ملايين يا أختي. قالت عجيب. قلت لها ملايين! هي كانت لا تعرف. قالت وقع معي – باختصار – حادث، وكانت ابنتي معي في السيارة – أعتقد في الكرسي الخلفي، في كرسي الأطفال -، وقع معي حادث عند المكان الفلاني – وصفته لي، قريب من بيتها، في الحي الثامن عشر -. قالت وحين وقع الحادث – وكأن أغمى عليها طبعاً، لا أدري -، فجأة رأيتني – قالت لي – يا أخي. قلت لها مُتأكِّدة؟ قالت لي رأيتني. رأيت حالي – قالت -، رأيت حالي ورأسي ضاربة في المقود – في الــ Lenkrad -، والدم ينزل، وابنتي تصيح في الخلف، ورأيت الإطفائية والناس والشرطة، رأيت كل شيء، رأيت نفسي! فقلت لها اطمئني، هذه حالة عادية، اسمها كذا كذا، وملايين يعبرون بها. عجيب. قالت، قلت لها ملايين يعبرون بها، والله كتب لك عُمراً جديداً، أنت الآن تعيشين في العُمر الجديد – الحمد لله -، أنت متِ، ثم عُدتِ من الموت. فاطمئنت وفرحت، فهي كانت تظن أنها حالة شاذة ولا تقع كثيراً. فقلت لها لا، هذه وقعت كثيراً، تحصل والحمد لله، وباستمرار! هذه تحصل لأُناس كثيرين – سُبحان الله – كما قلنا.

الشيء الثالث الآن – هذا مُهِم – هو المرور إما بنهر، مثل جيمس دوتي James Doty الذي مر بنهر، وأكثرهم لا يمر بنهر، وإما بنفق – أي Tunnel -، نفق! والنبي ماذا سماه؟ المعراج. لا إله إلا الله! تصعد الأرواح أو النفوس – هي النفوس بالأحرى -، في ماذا؟ في المعراج. يُؤتى بالمعراج. النبي قال لك، وهذا المعراج! ملايين الناس خبروا هذه الحالة، التي وقعت معهم هكذا. قالت لك معراج، نفق.

هيرونيموس بوس Hieronymus Bosch؛ الفنان الهولندي المعروف، في القرن السادس عشر، عنده لوحة Ascent of the Blessed، بمعنى صعود المُبارَك، أي الشخص الولي. وهذه ترى فيها كيف يقعد الناس في الأسفل وتعلم أن هناك الملائكة، وترى كيف يكون النفق طبعاً، الذي يُحيط به بعض الأرواح وما إلى ذلك. هذا النفق، صوَّره هذا الرسّام الهولندي، في القرن السادس عشر، ومعروفة القصص هذه من قديم، الذين رجعوا وحكوا قالوا لك هناك نفق. هذا النفق يكون مُظلِماً في أوله، وينتهي في آخره بنور، وكذلك النهر، تمشي في النهر، وينتهي النهر، كما ينتهي النفق – إما النهر أو النفق، النهر يُمر به بنسبة أقل، أكثرهم يمر بالنفق – بنور، هذا المعراج ينتهي بنور آسر، نور آسر جميل. جيمس دوتي James Doty يصفه، يقول مثل ماذا؟ مثل أقوى ما يكون من أشعة وضياء الشمس حين تقع على ماذا؟ على مرج من الثلج. تخيَّل أنت الثلج الأبيض، حين يقع عليه شُعاع الشمس، كيف يصير؟ باهراً، يحرق العين. قال لكن من غير أن يُؤذي عينك. أقوى من هذا، وتنظر فيه وأنت مرتاح، جميل! هذا عامل مُشترَك، وهو مُهِم جداً جداً.

أيضاً من الأشياء المُشترَكة المُهِمة ماذا؟ عرض الأعمال. وتُعرَض عليك أعمالك، تراها! هذا ضربته، هذا اغتبته، وهذا فعلت فيه كذا لما فعل كذا، حين قلت لأبيك أو لأمك أف لما حصل كذا، لما صليت، لما أعطيت، لما تصدقت، ولما كذا. كله تراه! من خير ومن شر، مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا ۩. كله موجود! بانوراما Panorama دقيقة عجيبة مُذهِلة، والعجيب – كما قلنا – أن البروفيسور ملفين مورس Professor Melvin Morse قال لك إلا الأطفال. وهو مُتخصِّص في ماذا؟ في الــ NDE الخاص بالأطفال. قال لك الأطفال لم يثبت عندي ولا في حالة أنه عُرض على واحد منهم أعماله. لا إله إلا الله، صدق رسول الله، غير مُكلَّفين، صحيح! أرأيتم؟ أرأيتم ديننا؟ كل شيء أعطانا إياه على البارد – بفضل الله -. تمسَّك بهذه العقائد الربانية النبوية، هذا هو! حق كله، كله حق! بفضل الله، الكبار تُعرَض عليهم الأعمال إذن.

وأيضاً من المُشترَكات المُهِمة، أنهم يرون بعض معارفهم وأحبابهم، وأحياناً أُناساً لا يعرفونهم، ولكنهم ماذا؟ يثقون بهم. يشعرون أنهم أُناس موثوقون بهم، أي يُمكِن أن أذهب معهم، يُمكِن أن أقترب منهم، لا يخيفون، مُريحيون.

أيضاً مشاعر الدفء والحُب والسلام والسكينة العجيبة. وعلى فكرة هذا تقريباً تقدر على أن تقول إنه يحصل بنسبة فوق التسعين في المئة. هناك فئة قليلة، ربما نسبتها عشرة أو أقل من عشرة في المئة – سُبحان الله، اللهم لا تجعلنا منهم – يخبرون أموراً مُختلِفة. قال لك رأوا ناراً، ولهيباً، وصراخاً، وأجساماً بشعة. قال لك رأوا أشياء بشعة، وأُناساً كانوا يعرفونهم في الدنيا، كانوا أولياءهم في الشر، وأولياءهم في الإثم والفُحش. قال نراهم في الأول، وتكون صورتهم عادية، وفجأة ينقلب أحدهم في أبشع صورة، يُريد أن يلتهمني أو يعتدي علىّ أو يأخذني معه إلى النار أو إلى الجحيم. شيء – قال – مُخيف مُرعِب. هؤلاء الأشرار على فكرة، وهذا لا يحصل إلا للأشرار، وهو يعرف حاله، يقول لك أنا أعرف حالي، أنا كنت شريراً وكنت وغداً. أي هذا البعيد، يقول أنا كنت وغداً وشريراً، وكنت أعيش الحياة بالطول والعرض، هذا ما رأيته، والحمد لله، الله أعطاني فُرصة أنني رجعت. يرجعون ومنهم مَن ينصلح، منهم مَن ينصلح تماماً، ومنهم مَن غلبت عليه الشقاوة، ويقول لك هذه هلوسات، كنت أهلوس. كما قالت سوزان بلاكمور Susan Blackmore! البروفيسورة سوزان بلاكمور Professor Susan Blackmore قالت لك هذه كلها أشياء عصبية، Increasing neural noise. يرتفع – قالت لك – الضجيج العصبي في الدماغ. كلام فارغ، حيدة علمية، روغان علمي. يرتفع أو لا يرتفع، إندروفين Endorphin أو لا إندروفين Endorphin، قل لي كيف يرى من فوق؟ وكيف يرى الدنيا كلها؟ بالله عليك لا تحد عن النُقطة المُهِمة في المسألة كلها، مَن هذا الذي يرى من فوق؟ أليس كذلك؟ ويصف كل شيء! قطعاً ليس جُزءاً من المادة، ليس هاتين العينين الميتتين إكلينيكياً، كله ميت! مَن هو هذا؟ قل لي فقط، هذا هو! أجبني عن هذا السؤال، لا تدخلني في مُصطلَحات علمية وأشياء وقال لك كذا وكذا. الــ Neural noise. قالت لك، الضجيج العصبي – قالت – يرتفع. ما الكلام هذا؟ فسِّر.

وقال لك يُمكِن استحثاث الحالة. فلتستحثها، وما المُشكِلة؟ نحن نعرف هذا! هذا مُمكِن، طالما النفس يا إخواني تقبع وتسكن في هذا البدن. واقرأوا عينية ابن سينا؛ هبطت إليك من المحل الأرفع. اقرأ العينية، ابن سينا كان يفهم القضايا هذه، وحكاها فلسفياً، من أجمل ما يكون! هذا مُمكِن، طالما البدن يحتوي هذه النفس – التي نُسميها طبعاً الروح، وهي ليست الروح، هو يحتوي النفس -،  طبعاً النفس هنا تكون خاضعة في أكثر أولياتها وميكانيزماتها وأنشطتها وفاعلياتها لقوانين البدن. تضطر أن تستخدم البدن كمركبة، كشاشة عرض، شاشة تلفزيون Television! من أجل ماذا؟ من أجل أن تُعبِّر عن نفسها. أليس كذلك؟ يوم تخرج منه، تتحرَّر. ولذلك على فكرة يُمكِنك الآن أن تفعل الآتي؛ ائت بشخص واخنقه، وامنع عنه الأُكسجين Oxygen. بعد فترة حين يقل الأُكسجين Oxygen الوارد إلى الدماغ، سيبدأ يدخل في ماذا؟ في حالة الاقتراب من الموت. سوف تقول لي أنا أحدثت هذا الخنق. نعم، نعم طبعاً. هذا Hypoxia. أي اعمل له نوعاً من نقص الأكسجة، وهذا سوف يحدث. عند الطيران، يُصاب الطيّار الذي يكون فوق بالحالة هذه، أليس كذلك؟ لو ذهبت أنت وعشت عند التبت هناك، يُمكِن أن يحدث لك شيء كهذا أيضاً، وهم عندهم طفرة في جيناتهم، عادي! لو دخلت مثل الــ Bacao people – الــ Bacao people؛ شعب الباجاو، في أندونيسيا – إلى تحت، على عُمق خمسين وستين وسبعين متراً في البحر، فسوف يحدث لك مثل هذا أيضاً، أي Hypoxia، طبعاً! وبالتالي سوف تشعر بأنك اقتربت من الموت.

وعلى فكرة هذا ذكَّرني بمقطع جميل، للمُمثِّل العالمي الرائع فريمان Freeman؛ مورغان فريمان Morgan Freeman – فريمان Freeman وليس فريدمان Friedman -. مورغان فريمان Morgan Freeman مُمثِّل رائع، هذا صاحب الصوت الرخيم، عنده – أعتقد هكذا – وثائقي أيضاً عن الحياة بعد الموت وما إلى ذلك، وأتى بقصة لأحدهم، وهو إنسان جميل يا أخي، طيب، طيب جداً، وكان يحكي قصته وذكر كيف أنه غرق. قال غرقت، وشبعت من الماء، شرب كل جسمي ماء، وصرت في الأسفل، في الأعماق، انتهيت! قال فجأة رأيت نوراً يأتي من فوق. وحين بدأ يتحدَّث في هذا، كانت تنزل دموعه، رجل صادق! وكان يحكي هذا لفريمان Freeman، قال له نور لا يُمكِن أن أصفه لك، من كل لون، فيه ألوان وأشياء لا تُوصَف. والشيء نفسه: نور جميل جميل جميل ومُسالِم ومُحِب. قال، قال فنظرت فيه، واطمئننت، وفرحت. فقال لي لم تحن ساعتك بعد، لا بد أن تعود الآن. كيف أعود؟ أنا ميت، وغرقان، وشربت ماء الدنيا كله؟ قال له لا. ونحن قلنا يُمكِن أن يموتوا لثماني ساعات، ويُمكِن أن يظلوا ميتين إكلينيكياً لأسبوع وما إلى ذلك، ثم يرجعون بعد ذلك. قال له لا. وعلى فكرة هذا يُقال لكل مَن يرجع، هذا من المُشترَكات! أن يُقال له ماذا؟ لم يحن وقتك بعد، لا تزال عندك لقمة في الدنيا، عندك أعمال، عندك شراب، لا بد وأن ترجع. وبعضهم كأنه يُخيَّر؛ أتُحِب أن تأتي؟ لكن إن أتيت، فلن ترجع. لن ترجع إذا اجتزت هذا البرزخ، أو هذا الباب – وأحياناً يكون في شكل باب -. إن فتحت هذا الباب ودخلت منه، فلن ترجع. إن أردت أن ترجع، فلترجع من الآن. لا إله إلا الله! وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ۩. وقال لك القرآن ليس من عند الله. يا رجل اسكت، اسكت. اللهم لا تغم على قلوبنا. نعم! ما هذا النوع من العناد والاستهبال الذي نحن فيه؟ هذا يُوجَد عند بعض الناس! ما هذا؟ الكلام عن البرزخ وما إلى ذلك، وهو كلام دقيق.

فقال فعلاً حصل هذا، وفجأة رأيتني أطفو. مَن الذي أخرجني إلى أعلى؟ وكيف انتشلني؟ وأنا أصلاً شارب ماء، طلعت إلى فوق، أُنعِشت، وعُدت إلى الحياة – قال له -، وأنا الآن أعيش. وحتى فريمان Freeman تأثَّر جداً بالحالة هذه، وهو إنسان صادق، يُؤثِّق حالته، قال لك هذا الذي وقع معي، النور أنقذني، وقال لي ليس بعد.

هناك فيلم أيضاً يا ليتكم تُشاهِدونه! يا ليتكم تُشاهِدونه حتى مع العائلة! أنا شاهدته مع أولادي وزوجتي مرتين، اسمه مُعجِزات من السماء، أعتقد عُرض في عام ألفين وستة عشر، اسمه Miracles of Heaven، أي هكذا مُعجِزات أو خوارق من السماء. جميل، لأنه قصة حقيقية، وهذا أجمل ما فيه، وبعد أن ترى الفيلم هذا، يجعلك تبكي من قدرة الله. حصل الشيء نفسه؛ فتاة ماتت – فتاة صغيرة، تقريباً عمرها سبع أو ثماني سنوات -، ماتت ثم عادت، الموت الأول! وحصل الشيء نفسه معها؛ رأت النور الجميل هذا في شكل فراشة في الأول وما إلى ذلك، وقال لها لا بد وأن ترجعي، لم يحن وقتك بعد. وهي أحبت تقريباً – على ما أذكر – أن تكون في النور هذا وفي الجمال هذا، فقال لها لا، لم يحن وقتك بعد، لا بد وأن ترجعي إلى أبيك وأمك والدنيا يا ابنتي، ارجعي، اذهبي.

فيلم عجيب! ومُثل في السنة نفسها التي وقعت فيه هذه الحادثة، هو هذا! فيلم عجيب، يا الله! شاهده مع العائلة؛ لأن هذا يُنمي الإيمان عند أولادك، فانتبه. والآن في هذا العصر العلماني والمادي والإلحادي، هذا أحسن من أن تقول له قال الله وقال الرسول، رُغم أنه لا يُوجَد ما هو أصدق من قال الله وقال الرسول، لكن هذا المسكين لا يقتنع، صار مُشوَّشاً مهزوزاً، فليُشاهِد أشياء مثل هذه، هذه قصص حقيقية، ومُثّلَت في العام نفسه، في الفيلم الجميل هذا، يا سلام! ما أجمله هذا! الشيء نفسه؛ رجعت، خُيرت ورجعت، أو أُمِرت.

فهذا من المُشترَكات، أنه ماذا؟ يرى هؤلاء الناس – كما قلنا -، وبعد ذلك تُعرَض الأعمال، وبعد ذلك هناك البرزخ، ويُقال له طبعاً إما أن تعبر ولن ترجع، أو لا بد وأن ترجع، لأن لا يزال عندك أعمال ورسالة هناك، لا بد وأن تُقضيها في الحياة، فيرجع ويُخبِر. فمعناها أن بعض الناس أخطأوا حين قالوا مَن الذي ذهب وجاء؟ أي وكأنه لم يأت أحد. كُثر أتوا! ونحن كنا نظن فعلاً أن الذي يذهب لا يجيء، كما قال قس بن ساعدة الإيادي؛ مَن عاش مات، ومَن مات فات، وكل ما هو آت آت. لا، لم يفت، فات ورجع، ذهب ورجع. يُوجَد هذا ويقع! هل تعرف لماذا؟ صدِّقني الله كان قادراً – بفضل الله – على ألا يفعل. أعتقد أي واحد فينا – وكلنا إن شاء الله مُؤمِنين وصادقين – لا يحتاج إلى هذا، أي واحد مُؤمِن – والله – هكذا! والله ما كنا نحتاج إلى هذا، أنا لم أشعر طيلة عُمري أنني بحاجة – وكلكم هكذا إن شاء الله – إلى ضرورة وقوع هذا حتى أقتنع، لا! انتهى، قال الله، ونحن نعرف أنه صادق، لأن يُوجَد عندنا ألف بُرهان على صدق الله، ونحن جربنا هذا وعشناه، فلا نحتاج إلى هذا، لكن الله أيضاً أراد هذا، لكي يقطع الشك باليقين ولكي يُقيم الحُجة على كل واحد، فلا تأت وتقول له يا ربي أنا الذي بلغني رُسل وأنبياء ماتوا، ولم يكونوا في زماني، ولم أر معجازهم، ولم أر خوارقهم، وشككوني في وحيهم. وتبقى تقول أشياء كهذه، لا! يُوجَد بُرهان وسيُلزِمك؛ لكن أنت سمعت القصص هذه، ورأيتها في الأفلام، وعرفت أنها حقل علمي جديد، وأُلِّفت فيه كُتب، وتحدَّث فيه بروفيسورات Professors وأطباء كبار وعلماء ولانسيت Lancet وغير لانسيت Lancet ودوريات علمية مشهورة. لماذا تعاميت وتصرّفت وكأنك لم تفهم ولم تسمع ولم تُحِب أن تُفكِّر في القضايا هذه؟ لماذا؟ لكي تكمل مسيرتك بكفرك وإلحادك وشهواتك، لا! ليس لك حُجة يا عبدي. أليس كذلك؟ انتبه، الأمر جد وليس هزلاً، الأمر جد وليس هزلاً!

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يهدينا بأحسن الهدايات، وأن يمنّ علينا بأسعد الخواتم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.

 

(انتهت التكملة بحمد الله)

فيينا 1/2/2019

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: