مناظرة بين فضيلة الدكتور عدنان إبراهيم والمهندس شاكر عاصم عن حزب التحرير

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما يُحِب ربنا ويرضى.

اللهم عالم الغيب والشهادة، رب كل شيئ ومليكه، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي مَن تشاء إلى صراط مُستقيم.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المجد والجلال والجمال والكمال والثناء الحسن، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وقدوتنا محمداً عبد الله ورسوله وصفوته من خلقه، صل الله تعالى عليه وعلى آله الطيبين وصحابته المُبارَكين صلاةً وسلاماً أتمين أكملين دائمين بدوام مُلك الله سُبحانه.

أما بعد، أيها الإخوة الأفاضل، أيتها الأخوات الفاضلات:

أُحييكم جميعاً بتحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وأُحيي أخوي: مُدير هذه الجلسة المُهندِس هشام الباغة وأخي المُحاوِر المُهندِس شاكر، وأسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُنزِل علينا السكينة والصبر والرَوح حتى نتلمَّح معالم الحق في هذه المسألة الخلافية، لأنها بلا شك خلافية، ومن هنا أبدأ، أعتذر من أخي مُدير الجلسة، أنا سأبدأ من حيث أُريد أنا كمُناظِر، على كلٍ هذا ما يُعرَف بتحرير محل النزاع، هذا يقوده المُحاوِر.

سأبدأ من هنا لأُذكِّر بكلمة الإمام أبي عبد الله الشافعي رضوان الله تعالى عليه، قال أجمع العلماء على أن الله – تبارك وتعالى – لا يُعذِّب فيما اختلف فيه العلماء، يجب أن تتسع أنظارنا وأن تنداح كما تتسع صدورنا لمسائل خلاف، علينا ألا نُعجَل وألا نَعجَل بإخواننا وألا نَعنف بالمُخالِف فننسبه إلى إثم أو إلى خطأ أو إلى شيئ عظيم، وإنما تبقى المسألة في إطار المُجتهَد فيه، إنها من مسائل النظر الفقهي والمصلحي كما سيأتيكم في وقته وبإبانه شيئاً فشيئاً بإذن الله تعالى.

وضح من العرض المُسهَب – إن جاز التعبير – لأخي المُهندِس شاكر – حفظه الله – والذي هو في الحقيقة تلخيص لهذا الكُتيب الذي وُزِّع علينا قبل سنوات – تلخيص أمين ودقيق لهذا الكُتيب تماماً من أوله إلى آخره – أن هذه هي وجهة نظر حزب التحرير ولهم ذلك، في المُقابِل وعوداً إلى ثمانية عقود تقريباً إلى الوراء سنعثر على كوكبة من العلماء الجِلة الأعلام الذين يُشكِّل كل واحد منهم أمة بحياله، كان لهم رأي مُختلِف، من حقكم علينا أن تقفوا على أن هناك كوكبة من العلماء الكبار وأئمة العلم والهُدى في العصر لهم رأي مُخالِف، في رأسهم الشيخ الإمام المُصلِح محمد رشيد رضا رحمة الله عليه، والذي ذهب إلى أبعد مما أنكره إخواننا في حزب التحرير، وإن كان في الوقت فضلة – إن شاء الله – ربما في آخر النقاش سأتلو عليكم شيئاً من فتواه الشهيرة في مناره، رحمة الله تعالى عليه.

ثم تلى ذلك العلّامة الإمام المُجدِّد المودودي رحمة الله عليه، وقد يستغرب بعض الناس أن المودودي بالذات ينحو هذا المنحى ويقول بهذا القول، لأن المودودي هو علم مُتفرِّد من الأعلام الذين استحوذوا على التبشير وعلى التبليغ بفكرة ومبدأ الحاكمية وأن الحاكمية لله، بل هو في هذا الصدد الأستاذ الأول والشامخ للشهيد سيد قطب – رحمة الله تعالى عليه – بلا خلاف، وهو صاحب كتاب المُصطلَحات الأربعة، لكنه في كتابه المُسلِمون الواقع وسبيل النهوض رأى أنه لا سبيل إلى التغيير في ظل نظام جمهوري علماني إلا بالانتخابات والمُشارَكة فيها، المودودي!

لو سُئلنا بطريقة الاستخلاص التأملي كان ينبغي أن يُحرِّم المودودي هذا المسلك، لكنه لم يُحرِّمه ورآه سبيلاً إلى التغيير، وقد عنف به ودمدم عليه وثرَّب عليه بعض أهل الظاهر وأهل الحروف من مُحدِّثي وحفظة القارة الهندية وباكستان فيما بعد، لأنه دعا جماعته المعروفة بالجماعة الإسلامية – وهي أوسع الجماعات الإسلامية طراً انتشاراً في طول العالم الإسلامي وعرضه مع جماعة الإخوان المُسلِمين، هما أوسع وأكثر الجماعات انتشاراً، الجماعة الإسلامية تعد بعشرات الملايين، هؤلاء المُبايعون في الهند والباكستان – إلى انتخاب وإلى التصويت للعلمانية فاطمة جناح، بنت جناح الشيوعي، وكان مبعث الإنكار عليه حديث أبي بكرة “نُفيع بن الحارث” لن يُفلِح قوم ولوا أمرهم امرأة، والمودودي – رحمة الله عليه – إنما دعا إلى انتخابها بإزاء مَن؟ بإزاء طاغية – أيوب خان – من الطواغيت العلمانيين أيضاً، فرأى أن الضر والمفسدة الحاصلة بترشيح هذه سيكون أقل وأصغر من الضر الحاصل والمفسدة الواقعة بترشيخ الطاغية، والذين أنكروا عليه بمُقتضى الحديث كأنهم يرون أو يتراءون أو يخالون أن انتخاب هذا الطاغية سيكون فلاحاً للأمة، هذا المودودي رحمة الله عليه!

الإمام الشهيد الشيخ حسن البنا رحمة الله عليه، وقد رُشِّح عن دائرة الإسماعيلية مرتين للبرلمان، لمجلس الشعب! وله رسالة مشهورة جداً ومنشورة: لماذا دخل الإخوان مجلس الشعب؟ رُشِّح مرتين، يرى حل ذلك الإمام الشهيد الذي طبعاً ذهب شهيداً سعيداً، لم يكن يُساوِم على دينه ولم يكن ليُساوِم على دينه – رحمة الله عليه – ككل علمائنا – إن شاء الله – الأفاضل.

العلّامة الكبير أحمد شاكر – القاضي والمُحدِّث العظيم – مُحقِّق مُسنَد أحمد، وأحمد شاكر هو من أعلام فكرة ومبدأ الحاكمية في تراثنا الفقهي والعلمي المُعاصِر، خاصة في كتابه مُختصَر تفسير ابن كثير، عُمدة التفاسير! له مباحث ماتعة وواسعة ومُتشدِّدة مُتصلِّبة في الوقوف عند حدود مبدأ الحاكمية، وله كتاب الحُكم لله، ومع ذلك كان يُجوِّز المُشارَكة في الانتخابات البرلمانية في ظل حكومات علمانية، دساتيرها علمانية كما هو معلوم، أحمد شاكر رحمة الله تعالى عليه!

منهم أيضاً الشيخ العلّامة مناع القطان رحمة الله عليه، من علماء الجزيرة العربية العلّامة المرحوم المُفتي عبد العزيز بن عبد الله بن باز، والشيخ العلّامة أيضاً محمد بن صالح بن عثيمين، والشيخ الذي لا يزال حياً – نفع الله به – الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العهودة، كل هؤلاء يرون جواز المُشارَكة في انتخابات برلمانية في ظل نُظم حُكم غير إسلامية، لا تحكم بشرع الله تبارك وتعالى.

أكثر من ذلك الإمام المُصلِح الكبير الشيخ محمد أبو زُهرة، بل جعله واجباً إذا تعلَّق الأمر بأن يُشارِك فيه بتعبير الشيخ محمد أبي زُهرة – رحمة الله عليه – شبابٌ من جماعة الإخوان المُسلِمين على حد تعبيره دينهم له الاعتبار الأول، قال فيكون واجباً جداً. حتى لا يُترَك الأمر لمَن؟ للعلمانيين ولللادنيين، هذا أيضاً كما قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، قال أتتركون لها للعلمانيين واللادينيين؟ لابد أن تدخلوا في هذا المدخل!

العلّامة الفقيه والأصولي العظيم الأزهري عليّ الخفيف رحمة الله تعالى عليه، هو علامة ثبت وحُجة كبير في الفقه والأصول، معروف مَن هو عليّ الخفيف، كان يُفتي بتجويز ذلك رحمة الله عليه، العلّامة الفلسطيني المُعاصِر – مد الله في عمره وفسح في مُدته – الدكتور عمر سُليمان الأشقر، العالم والداعية اللبناني الدكتور فتحي يكن، وله كتاب أنجزه من ثلاثة أجزاء عن هذه المسألة، يرى بعد هذه الدراسة العلمية وهذا التطواف – هذا رأيه  بين الآراء المُختلِفة والمُتباينة والمُتقابِلة – أن الأمر ما عاد – أي ما عاد يُطرَح – في مُستوى التسويغ أو يجوز أو لا يجوز وإنما ارتفع إلى الوجوب، وهذا الذي يُنكِره المُنكِرون على وجه خاص، أن يُقال بوجوب ذلك، لكن الرجل انتهى إلى ذلك بعد ثلاثة أجزاء كبيرة في دراسة العمل البرلماني بالذات وموقف الإسلاميين منه، وغير هؤلاء كثيرون، منهم الفقيه والأصولي المغربي الشهير أحمد الريسوني صاحب التقريب والتغليب، يرى ذلك!

من الجماعات الإسلامية والحركات الناشطة التي تُجاهِد في الله – إن شاء الله – حق جهاده والتي تصدر عن نفس الرأي ونفس وجهة النظر جماعة العدالة والتنمية في المغرب العربي، الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، سلفيو الكويت، الجماعة السلفية والسلفيون أهل حروف، ليسوا أهل مُقايَسة وتعليل، سلفيو الكويت! الجماعة الإسلامية – كما آتاكم قُبيل قليل – في الهند والباكستان، جماعة العلّامة المُصلِح المودودي، حزب الرفاه سابقاً وتلاه حزب الفضيلة في تركيا.

هذا استعراض لا يعني بالنسبة إلىّ كطالب علم شيئاً، ما يعنيني هو الحُجة، لكن وددت أن أُلقيه بين أيديكم رسلاً لكي تطمئن قلوبكم إلى أن مَن خالف في هذه المسألة لم يتبع الشُذّاذ والأنفار القليلين، وإنما اتبع اتجاهاً عاماً كبيراً في العالم الإسلامي مشارقه ومغاربه، حتى يطمئن! لأن بعض العوام تتشوَّش قلوبهم لأدنى تشغيب ولأدنى شُبهة، لأدنى رأي مُخالِف تتشوَّش قلوبهم وربما تهتز ثقتهم، لا! ولذلك نُعيد مرة أُخرى لنقول إجماعهم حُجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة، أنا من هنا أنطلق، من أن اختلاف العلماء رحمة واسعة إن شاء الله تبارك وتعالى.

ونأتي الآن إلى بيت القصيد واللينة التي لها طلع نضيد كما يُقال، نأتي إلى صُلب الموضوع وهو الجانب العلمي في الموضوع، لابد أن نُحرِّر محل النزاع، ولكي نُحرِّر محل النزاع كما يقول علماء المُناظَرات وعلماء المنطق أود أن أُذكِّر بأمرٍ مُهِمٍ أو ذي بال، وهو أنك لن تجد عالماً مُسلِماً من ذوي الرأي والذكر له اعتبار في هذا الميدان يُخالِف في تقرير أن الأصل في المسألة – اليوم وبالأمس وغداً وإلى أن يطوي الله بساط هذا المعمور – أن يتحاكم المُسلِم إلى شرعه، وألا يُولي عليه إلا مَن كان مِن أهل دينه وأهل مِلته وأن يكون القول الأخير والحُكم النهائي لشرع الله تبارك وتعالى، لا يُخالِف في تقرير هذه المسألة عالم مُسلِم، ولكن هذا الذي قرَّرناه مع جُملة العلماء وآحادهم – ويُقرِّره كل طالب علم أيها الإخوة والأخوات – هو ما يُعرَف بالأصل، هذا هو الأصل! لكن هل مسألتنا مسألة أصل أو مسألة استثناء؟ لا شك أن مسألتنا – من هنا سأبدأ تحرير محل النزاع – مسألة استثناء لا مسألة أصل، لسنا نعيش هنا في ظل حُكم إسلامي ولا في ظل دولة أو شعب أو أمة أو جماعة عُظمها أو غالبيتها من المُسلِمين، بل نعيش كما لا يخفى الصغير فضلاً عن الكبير كأقليات مُسلِمة، لكن هذه الأقليات – انتبهوا – لم تعد مُجرَّد جماعات منزورة محقورة العدد ومحقورة الفواعل والمناشط، وإنما تُشكِّل اليوم نسبةً عظيمةً من الوجود الإسلامي أو المُسلِم حول العالم، بعبارة أكثر وضوحاً ثُلث مُسلِمي العالم اليوم أقليات، انتبهوا! 

ماذا يعني هذا؟ يعني هذا أن على العقل المُجتهِد المُسلِم أن يُفكِّر بجدية أكبر وأن يتعالى عن الإغراق في التفكير النظري الأمثلي، الذي يطلب الأمثليات! أنا سأقول لكم بكل وضوح وبكل بساطة التفكير الذي يدور على تصوير المسائل في إطار الأصول تفكير فقهي صحيحٌ لكنه بسيطٌ وساذجٌ، يُحسِنه أصغر فقيه، فضلاً عن فقيه كبير مُجتهِد، أي طالب علم اليوم شدا حروفاً في درس كتاب الله وسُنة رسوله ومُدوَّنات السادة الفقهاء سيقول لنا الأصل أن المُسلِم لا يُحكَم إلا من مُسلِم، وأن الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، وأن التحاكم إلى شرع الله، وأنه لابد أن يُتحاكَم إلى شرع الله، ولابد من نصب إمام أو خليفة يقوم بذلك، هذا بدهي! ونحن نُوافِق عليه ولا خلاف، لكن كلامنا ليس في مسألة الأصل، كلامنا في مسألة الاستثناء!

بالنسبة الآن إلى كلام أخي المُهندِس الشاكر أن هؤلاء كُفّار – مثلاً – ويحكمون ويسنون أو يشترعون قوانين ليست إسلامية أود أن أقول نعم هم ليسوا مُسلِمين، وليسوا مُخاطَبين بفروع الشريعة، ليسوا مُكلَّفين أن يحكموا بشرع الله ولا أن يبحثوا عن شرع الله، لكن الواقع يقول وليس النظر فقط إنهم الأكثرية، هم أهل هذه البلاد، هم قُطّانها وسُكّانها، وحقهم – وهذا عدلٌ – أن يُحكَموا بما يرون، بما ارتأوه هم بأنفسهم لا بما تراه أنت لنفسك، وشرعك لا يراه لهم إلا بسبيل الدعوة، أنت تدعوهم إلى دينك! لكن ما اجتمع عليه رأيهم واطمئنت إليه نفوسهم فهم وذاك، لا نُكلِّفهم بفروع شريعتنا، لأن لا معنى أن يُكلَّف الكافر بشريعة المُؤمِن، هذه واحدة وهي عملية مُهِمة جداً!

الشيئ الثاني أيها الإخوة، الآيات التي ساقها المُهندِس شاكر – حفظه الله – مثل وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ ۩ آيات كثيرة جداً، وهنا سأبدأ الحوار، سأُلقي بين يديه سؤالاً، أخي المُهندِس هل هذه الآيات – آيات التحكيم – تُؤخَذ على ظاهرها؟ لأنني طبعاً أدري أن هناك تهويلاً كبيراً، حين يُقال لمُسلِم انتخب حزباً مُعيَّناً أو مُرشَّحاً لحزب المسألة خطيرة وتتعلَّق بالحاكمية، ثم تُسرَد عليه آيات وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ۩، الآية التي ولتها وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ۩، والآية الثالثة والأخيرة وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ۩ من سورة المائدة، فالأمر جد والأمر خطير كما قال، وقد ويَّح لكم – إن جاز التعبير – وقال ويحكم ما الذي فعلتموه بأنفسكم؟ فأنا أسأله الآن من باب المُناظَرة العلمية، وأنا أرجو أن تبدأ هذه المُناظَرة كما بدأت الآن وأن تنتهي علميةً، بالنسبة إلىّ – أنا قلت هذا لإخواني – أنا وقتي مُتسِع إن شاء الله، لدينا استعداد أن نجلس إلى الصباح، هل يتسع وقتكم؟ هذا يعتمد عليكم، هم – إن شاء الله – وقتهم مُتسَع، نُريد أن نضع النقاط على الحروف، هذه مسائل نظر علمي، لابد أن يُقال فيها كل شيئ بموازين القسط والعدل والصرامة المنهجية، فأسأله الآن لكي أجعل الكرة في ملعبه هل هذه الآيات يا أخي الفاضل – المُهندِس شاكر – على ظاهرها؟ هل تُؤخَذ على ظاهرها؟ ثم هل أخذ أحد من علماء المُسلِمين بظاهرها؟ لننطلق من هنا في نقاشنا، تفضَّل!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم، على كل حال الكلام أن المُسلِم مُطالَبٌ بتطبيق أمر الله وشرع الله أينما كان وأنى كان كلام صحيح في عمومه، لكن ليس فيه ذوق الفقه ولا العلم، لأن هذا الكلام إذا أُخِذ على إطلاقه فإنه إنكار عتيد لنظرية الضرورة الشرعية ونظرية الترخيص، فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ ۩، هناك أحكام المُضطَر في كتاب الله – تبارك وتعالى – وفي سُنة رسول الله وعليها أجمعت الأمة، من حيث الأصل أن المُسلِم مُطالَب بكل شرع الله نعم، لكن هناك الأوضاع الاستثنائية، أنا أشرت في تحريري لمحل النزاع إلى الأوضاع الاستثنائية، هل نعيش أوضاع الأصل أو أوضاع الاستثناء؟ لا تستطيع أن تُنكِر بكلام عام أو كلام خطابي إنشائي أن المُسلِم مُطالَب بكل شرع الله نظرية الاستثناءات والضرورات والتراخيص الشرعية، هذه واحدة!

ثانياً أن الكافر مُطالَب بفروع الشريعة – أكَّدت ذلك – هذا كلام غير صحيح، وأيضاً ليس عليه أثارة من علم، أما أن الكافر سيُحاسَب يوم القيامة وفي نار جهنم سيُصلى لأنه فرَّط في فروع شرعية فنعم هذا صحيح، وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ۩ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ۩، أعرف هذا! ولكن – انتبهوا، هذا العلم، هكذا يكون العلم الشرعي دقيقاً – كما قال السادة الأئمة هذا لا يعني أنهم مُكلَّفون بها في الدنيا، أتعلمون لماذا؟ لمسألة بدهية عليها إجماع المُسلِمين مُنعقِد، وهي أن شرط التكليف الإسلام، لو سألت أي مذهب إسلامي أو أي عالم مُسلِم سيقول لك لا تكليف إلا بشرط الإسلام، لا يُكلَّف بالفروع إلا مُسلِم، فمَن لم يستعلن بالإسلام فليس مُكلَّفاً، ولذلك هؤلاء يدعون في الدنيا إلى ماذا أولاً؟ إلى الإسلام، فإن أسلموا صاروا مُباشَرةً وبطريقة تلقائية مُخاطَبين بكل فروع الشريعة، شأنهم في ذلك شأن المُسلِمين، أما أنهم يُعذَّبون يوم القيامة فنعم سيُعذَّبون على كل شيئ، هذه مسألة غير ما نحن فيه، شرط التكليف هو الإسلام.

بعد ذلك هو قال نعم، أنا آخذ الآية على ظاهرها، وهذا غير صحيح، لا يستطيع هو أن يأخذها على ظاهرها، وسأطرح عليه الآن سؤالاً، أتعرفون لماذا؟ اسمعوا، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ۩، أنا مُسلِم امتنعت عن الحُكم في مسألة بشرع الله، ولم أحكم بغير شرع الله، انتبهوا! لأن ظاهر الآية الله لم يقل ومَن حكم بغير ما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، ظاهرها أن مَن امتنع عن الحُكم بما أنزل فقد كفر، هل قال بظاهرها أحد؟ الخوارج لم يقولوا بذلك، انتبهوا! والخوارج يُكفِّرون بالكبيرة، الخوارج يُكفِّرون بمعصية الكبيرة، لم يأخذوا بظاهر الآية، بل إجماع العلماء على أن مَن امتنع عن الحُكم في مسألة بشرع الله ولم يحكم بشرع غيره فهذا لا شيئ عليه، امتنع! تخوَّف وتحرَّج الرجل، وقد يكون عنده دليل، لماذا؟ لأن حُكم الله – تبارك وتعالى – ليس على وجه واحد في المسائل جميعاً.

وفي حديث بُريدة المُخرَّج في الصحيح قال – صلى الله عليه وسلم – وإن أنت حاصرت أهل حصنٍ فاستنزلوك على حُكم فلا تُنزِلهم على حُكم الله، فإنك لا تدري أتُصيب فيهم حُكم الله أو لا تُصيبه، وإنما أنزلهم على حُكمك وحُكم أصحابك، أخرجه مُسلِم في الصحيح، النبي يعلم أن حُكم الله ليس ظاهراً في كل المسائل على نحو واحد وبوجه واحد، بل هناك منادح للنظر، يتسع فيها النظر في جولانه وفي استنباط الحُكم من مدركه أو استنباط الأحكام من مداركها الشرعية.

أعود أيضاً إلى نُقطة محل النزاع لأقول لأخي المُهندِس شاكر الآتي، وأنا لا أُريد طبعاً أن أُطيل، نستطيع بهذه الطريقة أن نمكث في نُقطة واحدة عشر ساعات، نستطيع! ولكننا نُريد أن نتقدَّم حتى نأتي على الأدلة التي تفضَّل – بارك الله فيه – بذكرها – أدلة هذا الكُتيب – دليلاً دليلاً، طبعاً إن قلتم لي ما هي مذاهب العلماء في آيات الحاكمية سأقول إن المذاهب كثيرة وتنحصر في أربعة مذاهب، حتى لا أُطوِّل عليكم ولا نتكلَّم ربما فيما لا يُصيب المحز إصابة مُباشِرة يُمكِن أن تعودوا إلى رأي العلّامة الإمام ابن قيم الجوزية رحمة الله عليه، فقد حصر اختلافات علماء الأمة في هذه الآية في مذاهب أربعة، أربعة مذاهب! ما معنى وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ۩؟ مذهب ثانٍ، ثالث، ورابع! إذا اقتضى الأمر سأسردها عليكم – بإذن الله تبارك وتعالى – وربما بأدلتها، موجودة حاضرة وعتيدة، لكن سأعود لأقول له مرة أُخرى وضعنا هنا بلا شك كما يقضي به الواقع وضع استثنائي، في الحقيقة لا ينبغي أن يكون تقرير هذه الواقعة محل تساؤل، لأن كما قال علماؤنا – وهذا من كلماتهم الثائرة – لا يُجادِل في الوقائع إلا ممرور، ممرور أي مغلوب على عقله، لأنها وقائع! مثلاً لا يُجادِل في واقع أن هذا الشخص عارٍ أعلاه إلا ممرور، لأن عارٍ المسكين، عارٍ! ليس له ثوب وعارٍ، لا يُجادِل في واقع أن هذه المرأة أرملة – مثلاً فقدت عائلها – إلا ممرور، لأنها أرملة! لا يُجادِل في واقع أننا هنا أقلية نُحكَم بقوانين أغلبية لا يُحكِّمون فيها شرع الله الذي هو الإسلام الحنيف إلا ممرور، هذه واقعة! لذا ينبغي أن نتجاوز هذا السؤال، نحن هنا في وضعٍ استثنائي، فهل يُحكَم الوضع الاستثنائي – انتبهوا – بأحكام الأصل أو بأحكام الضرورة؟ هذا سؤالي.

حتى الشيخ تقي الدين النبهاني – رحمة الله عليه – على تشدده في مسألة وجوب تطبيق أحكام الله جُملة واحدة وحُرمة التدرج في تطبيقها – وأُخالِفه طبعاً ويُمكِن أن أُناظِر في هذا إن شاء الله مَن شاء – ختم هذا الفصل الذي أسماه يجب تطبيق الإسلام كاملاً دُفعةً واحدة ويحرم التدرج في تطبيق أحكامه في كتابه نظام الحُكم في الإسلام بقوله وهذا يدل على جواز عقد مُعاهَدات اضطرارية مع الكُفّار يُدفَع لهم فيها مالٌ – جزية! ندفع جزية نحن عند الاضطرار، وإلا في أحكام الأصل الإسلام يعلو ولا يُعلى، حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ۩ في أحكام الأصل، في أحكام الاستثناء أنت يكون عليك الصغار وتدفع، أنت مُضطَر، والدليل طبعاً الذي استشهد به الشيخ رحمة الله عليه هو ما عرضه النبي على غطفان أن يُعطيهم ثُلث ثمار المدينة، فأبوا إلا النصف، إلى آخر مُحاوَرته ومُفاوَضته مع السعدين، – عند خوف الضرر الشديد المُحقَّق على المُسلِمين، قال الشيخ – رحمة الله عليه – كما يدل على جواز القيام بأعمال في حالة الاضطرار تتناقض مع الحُكم الإصلي.

وطبعاً هذا ليس كلام الشيخ النبهاني فقط، هذا كلام جميع الأصوليين والفقهاء في كل عصر ومصر، فواضح أننا نعيش حالة استثنائية، ليست حالة أصلية، هذه واحدة!

الآن سأطرح عليه سؤالاً، لماذا إذن عمل يوسف الصدّيق الكريم ابن الكرماء لدى حاكم مصر الكافر وفي ظل نظام حُكم كافر غير إسلامي، غير حنيف، وغير مُوحِّد؟ عمل يوسف وامتن الله عليه بهذا العمل، قال وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ ۩، قال مَكَّنَّا ۩، امتن عليه بالتمكين، مع أنه كان يعمل لحاكم كافر، لم يصح إسلامه، وسنُناقِش في هذا مَن شاء، لم يصح إسلامه والقرآن يدل على كفره وكفر قومه، بل بقائهم على كفرهم إلى أن تُوفيَ يوسف عليه الصلاة وأفضل السلام، لماذا عمل يوسف عنده؟ بالمُناسَبة شيوخ الإسلام الكبار وفي رأسهم شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية – رحمة الله عليه – في مواضع كثيرة – سأتلو بعضها عليكم الآن مع أنني أتحفظها لكن هذا من باب التوثيق – استدل بقصة يوسف على جواز أن تتولى وظيفة لحاكم غير مُسلِم أو حاكم ظالم، بل صرَّح سُلطان العلماء الإمام العز بن عبد السلام – رحمة الله عليه – بالآتي، وطبعاً كل طالب علم يعرف مَن هو العز، عز الدين بن عبد السلام السُلمي، صاحب قواعد الأحكام أو القواعد الكُبرى، وهو من أشهر الكُتب الكاشفة عن مناقب وعن مقاصد الشريعة الإسلامية، ويكفيه أنه أستاذ الإمام شهاب الدين القرافي صاحب الفروق، صرَّح هنا في هذا الكتاب العظيم الذي حسب ظني لم يُنسَج على منواله بقوله ولو استولى الكُفّار على إقليم عظيم فولوا القضاء لمَن يقوم بمصالح المُسلِمين العامة، فالذي يظهر إنفاذ ذلك كله جلباً للمصالح العامة ودفعاً للمفاسد الشاملة، إذ يبعد عن رحمة الشارع ورعايته لمصالح عباده تعطيل المصالح العامة وتحمل المفاسد الشاملة لفوات كمال – الكمال الذي يبغيه إخواننا في حزب التحرير وفَّقهم الله ويُشكِلون على ذلك أن يُحكَّم شرع الله جُملةً وتفصيلاً ومرةً واحدة في دولة أو في خلافة إسلامية، هذا غير مُتيسِّر، وهنا بالذات غير مُتيسِّر، نحن لسنا مع عقلية إما كله وإما لا شيئ، نحن مع عقلية الأصوليين والفقهاء الميسور لا يسقط بالمعسور، وما لا يُدرَك كله لا يُترَك جُله، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ۩، نتقي الله ما استطعنا – فيمَن يتعاطى توليتها لمَن هو أهل لها، وفي ذلك احتمال بعيد.

فعاد السؤال إلى المُهندِس شاكر بارك الله فيه، وليُجِبنا إن شاء عن مسألة يوسف، كيف تولى يوسف لحاكم كافر؟ 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سأُجيب عن هذا وليُجِب عن سؤالي، هذا السؤال سهل جداً جداً، لكن أنا أضعه في مكانه، انتبه! طبعاً هذا السؤال سأُجيب عنه الآن دون أي مُشكِلة، أنا أُرتِّب أفكاري، انتبه! هذا السؤال بالنسبة إلىّ هنا ليس موضعه الآن لكن ليكن موضعه الآن هنا، لا تُوجَد مُشكِلة!

هذا السؤال أيها الإخ الأفاضل موضعه متى؟ هذا أيضاً تحرير لمحل النزاع في الجواب عن السؤال، نعم التوكيل في الحرام، لكن ماذا إن ثبت أن هذا الحرام صار رُخصةً؟ قال تعالى فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ ۩، هذه أحكام الضرورة، انتبه! يجب أن نُفكِّر أصولياً، هذا علم، هذا دين! فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۩، ولنفترض – انتبهوا، هذا جوابي الآن – أن شخصاً مُلقىً بأرض صحراء مفازة، يلفظ أنفاسه الأخيرة، يحتاج إلى طعامٍ أو شرابٍ يُمسِك عليه الرمق، وهو يعلم أنه لا يُوجَد في مقربة منه ولكن عيت به قوته إلا ما حرَّم الله من طعام غير مُسلِمين، إما خنزير وإما ميتة وإما دم وإما خمر كشرابٍ وطعامٍ، أنا أسألكم الآن  هل يجوز أن يُوكِّل أحداً لأن قوته عجزت – لا يستطيع، هو يلفظ أنفاسه – ليذهب يشتري له خمراً أو خنزيراً بمقدار ما يُمسِك الرمق؟ طبعاً الجواب نعم يجوز، ويجب على هذا أن يفعل هذا، لا تقل لي هذا لا يجوز، لأنه توكيل في حرام، هو حرام كحُكم أصل وليس حراماً كحُكم استثناء، هذا محل النزاع، انتبه! ولذلك قال أفلاطون Plato – الفيلسوف اليوناني الكبير، أستاذ أرسطو Aristotle – تحرير محل النزاع – انتبهوا – وتحرير الألفاظ المُستخدَمة في النقاش يرفع تسعة أعشار الخلاف، انا هذه طريقتي في النقاش، وهذه طريقتي في العلم والتعليم والفهم يا إخواني.

انتبه ولا تقل لي هذا توكيل في حرام، والأمور بمقاصدها، أخي المُهندِس شاكر ذكر في أول نقاشه أن هذا طريق – والعياذ بالله – فإذا أنت انتخبت حزباً مُعيَّناً وله برنامج فأنت تنتخب البرنامج كاملاً، ولذلك يعود عليك الحُكم، أنك انتخبت برنامجاً كفرياً، برنامجاً علمانياً، برنامجاً يقتضي تحكيم غير شرع الله – تبارك وتعالى – واستنان وتشريع أو اشتراع كما يُقال قوانين ليست من شرع الله تبارك وتعالى، أقول له القاعدة الأمور بمقاصدها، كيف؟ لا تستطيع أن تتكلَّم بطريقة خطابية غير أصولية وتقول لي هذا طريق، بمعنى مَن سلكه – انتهى – له حُكم سلوك هذا الطريق، أقول الأمور بمقاصدها، كيف؟ هناك طريق، طريق كله ريبة، أكرمكم الله مثل @@@1:5: 44 مثلاً، أو مكان، مكان ريبة! ولا يقصده إلا مُريب، لو رأينا رجلاً صالحاً قصده ثم سألناه عن مقصده فإذا قصده أن يستصلح بعض مَن فيه وأن يأمر وأن ينهى فله قصده.

ومن هنا علّامة السعودية المُفتي الشيخ ابن باز لما سُئل – وهو عالم، يعرف ماذا يقول الرجل، عالم كبير بلا شك وإن اختلفنا معه في مسائل كثيرة – عن مسألة الانتخابات البرلمانية في حكومة علمانية قال الأمور بمقاصدها، إن دخلت وقصدك أن تُقلِّل الشر وتُكثِّر الخير وتُحرِز مصالح المُسلِمين أو تدفع عنهم مساوئ ومضار فالأمور بمقاصدها، وهذا يُعيدنا كرةً أُخرى إلى سؤال يوسف، لماذا النبي يوسف الكريم يتولى عملاً في سُلطة غير مُسلِمة؟ هل كان يوسف يجهل هذا؟ هل يجهل يوسف في شرعه إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ ۩؟ مَن الذي تلاها؟ تفضَّل!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أعطاك الله العافية يا مُهندِس شاكر وبارك الله فيه، وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ – وهذه مسألة نية وقصد – أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍۢ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَىٰهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ۩، صورة العمل مُنكَر، حقيقته معروف، لماذا؟ بالنية، أما الصورة واضح أنها مُنكَر، الأمور بمقاصدها!

أيضاً موضوع الاستثناء وموضوع تطبيق أحكام شرع الله جُملةً، أسأل لماذا أجمع الصحابة – كما قال ابن قدامة رحمة الله عليه – على أن الحدود – وهي من أوكد وأهم أحكام شرع العقوبات في الإسلام – لا تُقام في ديار الحرب على المُسلِمين؟ بالإجماع! هذا يخدم النظرية الاستثنائية.

نأتي الآن إلى موضوع الضرورة، تكلَّم المُهندِس شاكر عن أحكام الضرورة الفردية، لم يُعرِّج على الضرورة الجماعية، قال الضرورة ما يُشرِف بها المرء إن لم يجد منها بداً على الهلاك، مخمصة، جوع أو عطش قد يُشفي به على الموت، هذه ضرورة الأفراد! وقال هل نحن هنا في حال ضرورة؟ هل نُهدَّد بالقتل؟ هل نُهدَّد بكذا وكذا؟ أقول له العلماء الكبار والأصوليون الفخام تحدَّثوا – وإن كان حديثاً مُقتضَباً وهذا مما يُؤخَذ عليهم لكنهم تحدَّثوا أيضاً – عن ضرورات الجماعة، والمُتأمِّل في تفاصيل النصوص الشرعية والأحكام الشرعية أيضاً المأخوذة بطريق النص أو معقول النص يُدرِك أن العلماء لم تفتهم أو لم يفتهم تحرير هذه المسألة، وهي النظر واعتبار مصلحة أو ضرورة أو حاجة الجماعة، كيف هذا؟ انتبهوا!

الفرد نعم قد تسطو به ضرورة يُشرِف بها على الهلاك، كذلك الجماعة قد تصير في وضع وفي حالة تُشفي بها على الهلاك في عُمر الجماعة وفي مُدة الجماعة، القرآن العظيم كما السُنة النبوية يتحدَّث عن الجماعة وعن الأمة عن أن لها أجلاً وعن أن لها عمراً، وبلا شك أن عمر الجماعة وعمر الأمة ليس في زمانية عمر الفرد القصيرة، إنما له زمانية طويلة، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۩، متى يأتي أجل الأمة؟ هذه مسألة سُننية، وأقام الشارع عليها لوامع من أدلته.

في الحديث المشهور سألوه يا رسول الله متى القيامة؟ متى الساعة؟ فنظر إلى أصغرهم – كانوا جماعة من قبيلة – وقال إذا هلك هذا قامت قيامتكم، يتحدَّث عن هلاك مجموعة من الناس، ولذلك نحن هنا نعم قد نسلك سبيلاً مُعيَّنة، هذه السبيل بعد عشرين أو ثلاثين سنة تعني في نهاية المطاف هلاكنا، ذوباننا، وانتهاءنا، إما هلاكنا الحقيقي وإما هلاكنا بمعنى المُشخِّصات والهوية، ننتهي كأمة مُسلِمة، مُمكِن!

فإذن الضرورة لابد أن يُراعى أيضاً فيها حال الجماعة، هناك ضرورات للجماعة، وضرورة الجماعة غير ضرورة الفرد، لا يُمكِن أن تقول لي هذا تهلك به الجماعة في زمانية قصيرة، مثل بعد خمسة أيام أو بعد خمسة أسابيع أو بعد خمس ساعات ستهلك الجماعة، غير صحيح! لكن قد تهلك في زمانيتها الطويلة بمسلك مُعيَّن يكون خاطئاً من ناحية مقاصدية أو فقهية، لابد أن يُفهَم هذا، والحمد لله كثيرون من فقهائنا المُحدَثين والمُعاصَرين الذين يُؤصِّلون لفقه الضرورات وفقه الأقليات بدأوا يعون هذه المسألة المبدئية الهامة، وهي مسألة مُراعاة الضرورة في مُستواها وأُفقها الجماعي أو المجموعي وليس الفردي، لا يُمكِن أن تُقاس ضرورة الجماعة على ضرورة الفرد، كأن تقول لي هل نموت الآن؟ هل نُهدَّد بالقتل أو تُلقى علينا قنبلة من السماء فننتهي؟ لا، ليست هذه ضرورة الجماعة، انتبه! وهذا يمتد النقاش فيه إلى أوسع من ذلك، هذه واحدة!

ثانياً أيها الإخوة، هو نسب إلى العلماء وربما إلىّ شخصياً أشياء، نعم كثير من العلماء فعلوا ذلك أما أنا فلم أفعل هذا ولن أفعله، اليوم في حديثي مع أخي أبي عدنان ذكرت له ذلك، ولست أُسوِّغ مسلك العلماء الذي جوَّزوا أمثال هاته المناشط السياسية في حكومات علمانية باسم المصلحة، لأنني أُصولياً واعٍ إلى خطل هذا المسلك، طبعاً المصلحة هنا يستحيل أن تكون مصلحة منصوصة، أي شرعية! وهي طبعاً في نظرهم ليست مصلحة مُلغاة، لأنه لا اعتبار للمُلغى، أي للمُناسِب المُلغى، وإنما المُناسِب المُرسَل، وهو كما عرَّفه – وتعريفه سليم وصحيح – كل مصلحة والمصلحة هي المنفعة وزناً ومعنى لم يشهد دليل شرعي لها بخصوصها بالاعتبار كما لم يقم دليل شرعي على خصوص إلغائها بخصوصها، هذا صحيح! لست أقول بأننا نُفتي اعتباراً للمصلحة المُرسَلة هنا، هذا ليس من قبيل المصلحة، أتعرف لماذا؟ فعلاً لأن الأدلة تدل على أنها مُلغاة، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ… ۩ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ… ۩ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ… ۩، أليس كذلك؟ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۩، والإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، ولا ولاية لكافر على مُؤمِن أيضاً، هذه من الأشياء التي ينبغي أن نذكرها، ولكن أنا أستند إلى ما حرَّرت به وعنده محل النزاع، إلى الحالة الاستثنائية، حالة الضرورة! ضرورة الجماعة والأمة هنا،  نحن نعيش وضعاً واقعياً استثنائياً، ولذلك تخريجي للتسويغ في هذه المسألة مبني على اعتبار درء أعظم المفسدتين بارتكاب أدناهما، وهذا مدلول عليه كتاباً وسُنةً ولدى الأصوليين والفقهاء، بمعنى – حتى أُبسِّط عليكم فالمُصطلَحات أصولية – وباختصار بسيط أيها الإخوة هنا كما قلت مرات كثيرة كنت أقوم بدعاية انتخابية لأخي عمر وغيره، وطبعاً يعلم عمر ليس لي لا ناقة ولا جمل في هذا الموضوع، أنا رجل علم، طالب علم، ويستحيل أن أدعو إلى ما يغلب ظني أنه غير سائغ شرعاً، مُستحيل ولو قامت الدنيا إن شاء الله تعالى، وظني بكل مُسلِم أنه يفعل هذا إن شاء الله تعالى، فهذا ليس بنفسي الفقيرة فقط، وإنما كنت أقول دائماً نحن لسنا هناك صلة نسب بيننا وبين الحزب الاشتراكي أو غير الاشتراكي أو فلان أو علان، ونعلم أنها ليست أحزاباً إسلامية، نعم هذه أحزاب علمانية، وما يعنينا أيها الإخوة  بتحرير بسيط جداً جداً: أي هاته الأحزاب أبعد من ضرنا وأدنى إلى التعاطف معنا؟ لا يُؤلِّب علينا، لا يُحزِّب علينا، لا يتوعَّد، ولا يتهدَّد بطردنا وبالتخويف منا، إسلاموفوبيا Islamophobia! التخويف من الإسلام والإرهاب الإسلامي والمساجد والحجاب و… و… و… إلى آخره! أي هاته الأحزاب؟ فمَن كان أدنى تعاطفاً وأبعد من ضرنا والمفسدة اللاحقة بنا أعطيناه صوتنا، لا تأييداً لمُجمَل برنامجه الانتخابي فضلاً عن تفاصيله، وأنا أزعم – أنا أول الناس، أنا لست على دراية بتفاصيل برنامج هذا الحزب أو ذاك – وأعتقد أن تسعة وتسعين في المائة منكم ليسوا على دراية بذلك، وكل ما عناكم حين صوَّتم لهذا الحزب بإزاء الأحزاب الأُخرى إنما هو ما قام من أدلة وبراهين واقعية أيضاً – واقعية – أن هذا الحزب أكثر تعاطفاً معنا، ليس شرطاً أن يكون مُتعاطِفاً بالكامل – مائة في المائة – لكنه أكثر تعاطفاً، لا يتوعَّد، لا يُهدِّد، ليس عنده عُقدة إسلامية، ليس عنده إسلاموفوبيا Islamophobia! هذا الذي يعنيني، ولذلك التخريج هو باعتبار ماذا؟ باعتبار درء المفاسد، فتُدرء أعظمهما مفسدة بأقلهما ضرراً.

سيأتيكم مقروء في النهاية أو مقبوس كما يُقال من رشيد رضا رحمة الله عليه، العلّامة السلفي رشيد رضا يرى في المنار أن بلية المُسلِمين في القارة الهندية هي تركهم الأعمال والوظائف الحكومية على اختلافها لغير المُسلِمين، وفي بلاد المُسلِمين تركوا هذه الوظائف أيضاً في الحكومات العلمانية أو غير الإسلامية لمَن؟ للإجانب، لفلول وذيول الاستعمار، فضاعت مصالح المُسلِمين وعظمت مفاسدهم وعظمت البلية عليهم بمثل هذا التفكير السطحي الحروفي، فالمسألة ليست مسألة مصالح، لست أقول هنا بالمصلحة المُرسَلة، إنما أقول بمبدأ درء أعظم المفسدتين بارتكاب أدناهما، والأدلة على ذلك من كتاب الله وسُنة رسوله كثيرة جداً جداً جداً، لا نُحِب أن نُطوِّل بها إن شاء الله، هذه مسألة!

نأتي الآن إلى مسألة يوسف عليه الصلاة وأفضل السلام، طبعاً أعلم ولست أجهل مسألة أن شرع مَن قبلنا هل هو – مسألة نزاع – شرع لنا أو ليس شرعاً لنا وبأي شروط، إلى آخره! أعلم هذا ولكن أُخالِف أخي المُهندِس شاكر، كما أُخالِف فضيلة الشيخ المرحوم تقي الدين النبهاني للأسف حين غلط – هذا اسمه غلط، حين غلط تعني أخطأ – على العلماء بنقله وزعم أن الذي عليه قلة من العلماء أن شرع مَن قبلنا شرع لنا بشروط، هذا غير صحيح! أكثر العلماء على أن شرع مَن قبلنا شرع لنا بشروط، مَن هم؟ انتبه! مَن هم؟ المُختار عند الحنفية وقال به أكثرهم، المُختار عند المالكية وقال به فضلاً عن ذلكم بعض الشوافع وبعض الحنابلة.

العلّامة الدمشقي الكبير محمد أديب في كتابه الذي نال عليه الدكتوراة في الأزهر في الستينيات بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى عن هذه الموضوعات – الأدلة المُختلَف عليها – انتهى إلى ما هذا، حين عرض بالذكر – رحمة الله عليه – في رسالة الدكتوراة بالأزهر لموضوع شرع مَن قبلنا انتهى إلى هذا، هذا الذي يُعطيه استقراء كل المصادر الأصولية، فقال بهذا مُعظَم المالكية إذن وهو مُختار عندهم ومُعظَم الاحناف وبعض الشوافع وبعض الحنابلة، لست في وارد أن أُناقِش أدلة شرع مَن قبلنا، هو أتى ببعض الأدلة وأستطيع الآن أن آتيه بأدلة كثيرة أقوى منها وأصرح منها من قبيل قوله في الآية التسعين من سورة الأنعام أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ – يقول لمحمد – فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۩، الهُدى في كتاب الله وسُنة رسوله اسم عامٌ جامعٌ يُطلَق على مجموع الإيمان والشرائع الفروعية باتفاق العلماء، الله يقول له فَبِهُدَاهُمُ ۩، في الأصل وفي الفرع! ولذلك ثبت عن ابن عباس أنه قرأ قوله – تبارك وتعالى – في ص وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا – أي داود – وَأَنَابَ ۩ ثم سجد، أي سجد ابن عباس، فاعتُرِض عليه لأنهم لم يروا الرسول سجد، فقال قد أُمِرَ نبيكم أن يقتدي بهم وداود منهم، إذن هو يرى – أي ابن عباس – أن شرع مَن قبلنا شرع لنا.

طبعاً محل النزاع شرع مَن قبلنا المقصوص علينا بأدلتنا، ليس بالتوراة أو بالإنجيل، هذه لا نُعنى بها، لأنها مُحرَّفة! فيكون مظنةً لأن يكون مدسوساً أو مُحرَّفاً، وإنما شرع مَن قبلنا الذي روته آيات الكتاب أو السُنة الصحيحة الثابتة ولم يقم دليل على منسوخيته بشرعنا وبقيَ هكذا مُعلَّقاً، هذا محل النزاع! فمَن ذكرت لكم قالوا هو شرعٌ لنا، النبي في صحيح البخاري أُوتيَ بامرأة كُسِر سنها فقالوا يا رسول الله ما فيه؟ أي في السن! فقال كتاب الله يقضي بالقصاص، أين هذا في كتاب الله إذن؟ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا – في ماذا؟ في التوراة – أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۩، هذا نص من كتاب الله على أن شرع التوراة النبي اهتدى به وقال كتاب الله يقضي بالقصاص، اهتدى به!

روى أحمد وأبو داود بإسناد صحيح من حديث زيد بن أرقم – رضوان الله عنهم وأرضاهم أجمعين – قال أصحاب النبي يا رسول الله هذه الأضاحي ما هي؟ قال سُنة أبيكم إبراهيم، قالوا ما لنا فيها؟ قال بكل شعرة حسنة… إلى آخر الحديث وإسناده صحيح، الأدلة كثيرة! على كل حال ليس هذا محل نزاعنا، هل تعرفون لماذا؟ لست أيضاً – العبد الفقير – مِمَن يقول مسألة عمل يوسف للريّان بن الوليد – إن صحت تسميته – ملك مصر الكافر من مسائل الفروع، بل هي مُوافَقةً وإسعاداً مني لكم وجرياً على نهجكم – وأنا مُقتنِع به – من مسائل الحاكمية والتحكيم، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ۩، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ۩، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ۩، ونحن جوَّزنا هذا اضطراراً، فعادت المسألة إلى أنها من مسائل الأصول، يستحيل أن يُخالِف يوسف في مسألة أصولية، هل تعرفون لماذا؟ لأن أصول الهُدى الإيماني لا تتغيَّر من دين إلى دين، قال – عز من قائل – شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ… ۩ إلى آخر آية الشورى، ثم أنت كفيتني المؤنة حين ذكَّرت وبحماس طيب يُحمَد لك أن الذي قال إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ ۩ هو يوسف، نعم وأنا أُذكِّرك بهذا، يوسف قبل أن يتنزَّل علينا في قرآننا، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ… ۩ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ… ۩ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ… ۩ قال أيضاً إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ ۩، فكيف يُقرِّر يوسف هذا المبدأ العقدي الأصولي ثم يُخالِفه بتوليته ولاية لحاكم كافر؟ 

المحظور هنا من جهة أُخرى أيها الإخ الفاضل – المُهندِس شاكر – هو هل يجوز لمُسلِم أن يعمل في ولاية كافر أصلاً؟ هل يجوز أن يكون المُولى عليه مُسلِماً والمُتولي كافراً؟ والإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، هذه مسألة! فهي في نظري ليست من مسائل الفروع، إنما من مسائل الأصول، إنها من مسائل الحاكمية، فعاد القول فيها إلى ما قد بدأت به صدر الحديث، وهو مذاهب العلماء في تأويل أو في القول في آيات التحكيم، وهي أربعة مذاهب، ربما سنُلَز أو نُضطَر إلى إعادة التذكير مع ذكر المذاهب في هذه المسألة، فانتبهوا! لست أقول بأن هذه المسألة من مسائل الفروع، وسأختم بكلمة بسيطة لشيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة يوسف، قال – رحمة الله تعالى عليه – ومن هذا الباب تولي يوسف الصدّيق على خزائن الأرض لملك مصر بل ومسألته أن يجعله على خزائن الأرض وكان هو وقومه – أي ملك مصر – كُفّاراً، كما قال تعالى وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ… ۩ – هذه من سورة غافر أو المُؤمِن، قال حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا ۩، وهي حُجة على مَن قال كمُجاهِد بن جبر تَلميذ ابن عباس أن ملك مصر أسلم، غير صحيح! الملك وجمهور أهل مصر كانوا كافرين، ومات يوسف وهم على كفرهم – وقال تعالى عنه يا صاحِبَيَّ السِّجْنِ أأرْبابٌ مُتَفَرِّقونَ خَيْرٌ أمِ اللهُ الواحِدُ القَهَّارُ ۩ ما تَعْبُدونَ – دليل على أنهم كانوا كافرين – مَنْ دونِهِ إلاَّ أسْماءً سَمَّيْتُمُوها أنْتُمْ وآباؤكُمْ… ۩ الآية.

قال ابن تيمية – بالمُناسَبة ابن تيمية من أعلام الحاكمية أيضاً وتحكيم شرع الله والاشتداد في ذلك، لكنه فقيه واسع مناد النظر يا إخواني، مسألة فقه وأصول هذه، ليست مسألة ظواهر آيات – ومعلوم أنه مع كفرهم لا بد أن يكون لهم عادة وسُنة – أي شرع أو قانون – في قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك – بلا شك طبعاً، هم ليسوا أهل عدل، هذا مُستحيل – وأهل بيته وجنده ورعيته، ولا تكون تلك جارية على سُنة الأنبياء وعدلهم – طبعاً كلها محسوبيات ورُشى هذه باطلة -، ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يُريد – أي كل شرع الله، مُستحيل! لا يستطيع – وهو ما يراه من دين الله؛ فإن القوم لم يستجيبوا له، لكن فعل المُمكِن – قال المُمكِن، كما قلت لكم، القاعدة التي أنا محكوم بها وأنتم محكومون بها المعسور لا يسقط بالميسور، لسنا من أهل ما لا يُدرَك كله فليُترَك كله، بالعكس! فليُؤخَذ بعضه حتى، وشيئ أحسن من لا شيئ – مِن العدل والإحسان، ونال بالسلطان مِن إكرام المؤمنين مِن أهل بيته ما لم يكن يُمكِن أن يناله بدون ذلك، وهذا كله داخل في قوله فاتَّقوا اللهَ ما اسْتَطَعْتُمْ ۩ – وأنا احتججت عليكم بهذا، فاتَّقوا اللهَ ما اسْتَطَعْتُمْ ۩ -. فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما؛ لم يكن الآخر في هذه الحال واجباً، ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تارك واجب في الحقيقة.

إلى آخره حتى لا نُطوِّل عليكم، وسنأتي بُعيد قليل أيضاً أيها الإخوة بقصة النجاشي، انتبهوا! الثابت عنه في الصحاح والمسانيد والمُعجَمات والمعاجم أنه أسلم ولم يُقِم شرع الله – الإسلام – في قومه، وتركهم على شرعهم، وبذل ما يستطيع ربما من بذل العدل وتقليل الظلم، ولم يكن بوسعه ولا يستطيع أن يستعلن بإسلامه فضلاً عن أن يُقيمه، هذا النجاشي! سنتكلَّم وسنفتح باباً خاصاً للنجاشي، والنبي أقره على ذلك وشهد له بالخير وصلى عليه، لأنه في حال اضطرار يا حبيبي، ليس في أكثرية مُسلِمة ليُقيم شرع الله ويدعوهم إلى شرع الله تبارك وتعالى، ولذلك قال ابن تيمية أيضاً في مسألة يوسف بل وكما كان يوسف الصدّيق – عليه السلام – مع أهل مصر فإنهم كانوا كفاراً ولم يكن يُمكِنه أن يفعل معهم كل ما يعرفه من دين الإسلام. نفس الشيئ! وأكتفي بهذا – إن شاء الله – في مسألة يوسف ومسألة شرع مَن قبلنا حتى تُصبِح المسألة واضحة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(ملحوظة) رداً على رغبة مُدير الجلسة في الاكتفاء بهذا القدر والبدء في تناول الأسئلة قال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم لا، بالعكس! أنا وجهة نظري كمُحاوِر أن الأسئلة ليست بأهمية، هل تعرف لماذا؟ نحن ما زلنا في بداية النقاش، لابد أن نستوفي في نظري النظر في أدلة هذه المسألة، وأعتقد أن الجمهور – علماً بأنه يُمكِن أن نُصوِّت – مُوافِق على أن نستوفي النظر في أدلة هذه المسألة الإشكالية من عند آخرها، وبعد ذلك إذا بعض الناس عنده شُبهة أو عنده استفسار أو عنده أي شيئ فليتفضَّل إن شاء الله تعالى، حتى نكون على بيان يا أخواني، فهذا موضوع حسّاس، نُتابِع وهذا سيكون أفضل إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بارك الله فيك، أحسنت يا أخي على هذه الكلمات الطيبة، أيها الإخوة:

أخي المُهندِس شاكر كرَّر ربما مرتين أو ثلاث مرار موضوع بوش Bush وأمريكا، وأنا اتفقت معه وقلت له هذا ليس من مدارك الأحكام الشرعية، وقلت له بعض الأنبياء دعا إلى التوحيد، ولم يتبعه أحد، وفي الحديث المُخرَّج في الصحيح يأتي يوم القيامة النبي برأسه، ليس معه أحد، هذا لا يعني أن دعوة التوحيد غير صحيحة في حق هذا النبي أو أمته، غير صحيح! ولكن إن أراد توسل هذا الأسلوب في النقاش فأنا سأقول له أبرك فترة على الإطلاق مرت على مُسلِمي تركيا الكمالية العلمانية الشرشة هي الفترة التي اشتد واشتعل فيها نشاط الإسلاميين الإسلامي، دخول البرلمان وحتى الحكومة وغير البرلمان من أيام حزب الرفاه ثم حزب الفضيلة، والآن كلنا نرى أين وصل الإسلاميون في تركيا بحمد الله تبارك وتعالى، طبعاً ليس وضعاً كاملاً Perfect، ولكنه أفضل ألف مرة من وضعهم قبل ثلاثين أو أربعين أو خمسين سنة، هذا أولاً.

ثانياً الجماعة الإسلامية في الباكستان سنة ألف وتسعمائة وسبع وسبعين دخلت في تحالفات مع جماعات وأحزاب علمانية، ليست إسلامية! من أجل التضييق على ماذا؟ على الحُكم العسكري الطاغي الباغي، وأفلحت في الوصول إلى البرلمان بأغلبية وسنت قوانين إسلامية واستعلنت بتطبيق الشريعة، ثم بعد ذلك انسحب الائتلاف من الحكومة للتضييق على الحاكم العسكري، من أجل فُرصة أن يسقط، أيضاً نجحوا هناك.

الإخوة المُسلِمون في عماّن عندهم تجربة في المجموع جيدة وهي أحسن من عدمها، وقد مكَّنت لهم، بل الدارس السياسي يرى أنها تُضيِّق حتى الخناق على الحكومة هناك وعلى الملك في اتخاذ بعض المواقف، لهم فعل موجود جداً جداً، بالعكس! كثيرون من أبناء الحركات الإسلامية والحركات الإسلامية وبرامجها لم تأخذ بُعداً جماهيرياً حقيقياً إلا بعد توسل العمل السياسي، فإذن هناك تجربة نُقابِلها بمجموع تجارب ناجحة، أنا أعتقد أن المُسلِمين حتى هنا في النمسا – بفضل الله تبارك وتعالى – وضعهم من أحسن أوضاع المُسلِمين، نحن هنا في النمسا وضعنا من أحسن أوضاع المُسلِمين في أوروبا، ليس كاملاً – Perfect – ولكنه من أحسنها ومن أفضلها ونُحسَد عليه، ويشهد معي الإخوة أن الأستاذ المُفكِّر مُراد هوفمان Murad Hofmann في آخر زيارة له – تكلَّم بهذا أمامنا، وكان معي الأخ أبو عمر مُضر، ثم تكلَّم به أمام@@2:1:44 – قال أنا أقول لمُسلِمي ألمانيا حين آتي إلى النمسا هنيئاً لمُسلِمي النمسا في النمسا هنا ، المُسلِم الألماني هنا يحسدنا على ما نحن فيه، سأقول لكم من غير مُجامَلة لأخي المُهندِس عمر أو غيره حقَّقنا مكاسب كبيرة، تخيَّلوا لو كان عندنا عشرة من عمر الراوي ومائة من فلان ومائة من فلان واشتغلنا ببصر وباستراتيجية وبتخطيط وبذكاء، لأصبح وضعنا الآن أفضل ألف مرة، فهذا الاحتكام إلى أشياء ليست هي أدلة الشرع.

نأتي الآن إلى موضوع المفسدة، تكلَّم المُهندِس شاكر كلاماً لا يشفي، ليس فيه أيضاً ذوق الأصول، ليس هكذا كلام علماء الأصول، لا تقل لي المفسدة لا تُعرَف مفسدتها أو ضررها إلا بنص شرعي، سأسألك سؤالاً أصولياً، هل تُريد بالنص الشرعي نصاً بخصوصه وبرأسه على هذه المفسدة برأسها؟ إن قلت بهذا أقل لك – أقل لك وليس أقول لك بالأحرى نحوياً – لم يقل بهذا أحد، وإن قلت ما نقلته عن الإمام أبي حامد الغزّالي وأرى أنك تجاوزت في فهمه أو ربما لم يتضح لك وجهه أقل لك أن أبا حامد ذكر أنه لابد أن تُعضَد بأصل، هل تعلم ما هو الأصل؟ الأصل في لُغة الأصوليين هو الدليل العام، القياس أصل، الإجماع أصل، الاستصلاح أصل، والاستحسان أصل، هذا هو الأصل! لا يُسمى الدليل الخاص الفرعي في مسألة فرعية أصلاً، فأبو حامد يتكلَّم عن أصل.

ومن هنا أُذكِّركم بمُناظَرة عز نظيرها بين علّامة الإسلام وشيخ الإسلام في وقته أبي الوفاء بن عقيل صاحب الفنون – كان مُعتزلياً ثم تسنن وتحنبل، وكتابه يقع في ثمانمائة مُجلَّد، هذا كتاب من كُتبه وهو أعظم كُتب الإسلام، في ثمانمائة مُجلَّد الفنون – وأحد الشافعية، فابن عقيل ناقش شافعياً، والشافعية بالمُناسَبة يُضيِّقون جداً جداً في الاستحسان الحنفي والاستصلاح المالكي للأسف، على كل حال ناقش شافعياً، يبدو أنه كان ضيق الأفق، أي هذا الشافعي، فقال له إن أردت بالسياسة الشرعية ما ورد فيه نص بخصوصه عن الله أو رسوله فقد غلطت وغلَّطت الصحابة والتابعين والأئمة، غير صحيح! وإن أردت بها ما يكون معه أقرب إلى المصلحة وأبعد من – أبعد من الأفصح – المفسدة وأقرب إلى انتظام أمورهم فقد أصبت وأنا معك، وهذا هو الصحيح! فالآن سأقول لك مَن ذا يُنكِر أن الهجوم على الحجاب والتوعد بنزع الحجاب مفسدة؟ هل تُنكِر هذا؟ لا يُنكِره امرؤٌ أعتقد من ذكر أو أثنى، مَن ذا يُنكِر أن التأليب على المُسلِمين والتخويف بالإسلام وبالشرع الإسلامي ومُطالَبة طرد الأئمة وطرد العلماء وطرد كل مَن ستُسَن قوانين جديدة تجعله في حومة أو في ساحة هز الكيان أو التهديد – إلى آخره – من هذه البلاد وسحب الجنسيات مفسدة؟ مفسدة بلا شك! مَن ذا يُنكِر أن الترهيب من بناء المنائر والمساجد وأن هذه عظيمة يدعون بالويل والثبور وعظائم الأمور مفسدة؟ مَن ذا يُنكِر… آلاف الأشياء نستطيع أن نسردها الآن، أشياء كثيرة جداً جداً هم يُصرِّحون بها.

أما قولك يا سيدي العزيز لابد أن تكون مفسدة مُتحقِّقة فكلام غير دقيق، أنا أقول لك أعرف أنك قرأته لأصوليين وخاصة لأمثال أبي حامد، لكن أيضاً لم يتجه لك على وجهه، سأقول لك ما معنى المُتحقِّق هنا، ما الذي لز رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على أن يدعو على جُملة من أصحابه بالموت؟ قال قتلوه قتلهم الله، مَن هم هؤلاء الذين دعا عليهم الرسول بأن يقتلهم الله؟ جماعة من أصحابه – رضوان الله عليهم أجمعين – أفتوا صاحباً أصبح جُنباً وكان قد أصابته جراح في رأسه بضرورة الاغتسال بالماء، فمات الرجل! تمادى به جُرحه فمات، أنا أسألكم لو كانوا يعلمون أن هذه مفسدة مُتحقِّقة وأنه يموت هل كانوا يُفتون بهذا؟ يستحيل! إذن لماذا دعا عليهم النبي؟ لأنه يعلم أن من قواعد الشرع والعقل – العقل المُجرَّد المحض Rein – أن هذا بغلبة الظن يُفضي إلى مفسدة، سأقول لك ما اتفقت عليه الأمة من عند آخرها، شيعة وسُنة وإباضية ومُعتزِلة وإلى آخره! العمليات كلها يكفي فيها غلبة الظن، إن أردت بالتحقق وأن تكون مفسدة مُتحقِّقة ما غلب الظن على أنه يقع فأنا معك، وإن أردت ما قد وقع وما قد حصل فلم يقل بهذا أحد، وإنما أمور العباد في شأنهم دينياً كان أم دنيوياً مُبتناه على غلبة الظن، فيأخذ حُكم ما تحقَّق، والتحقق كل ما غلب الظن أنه يقع!

هنا لا أعتقد أنه يُوجَد مُفكِّر مُسلِم لا كبير ولا صغير ولا ذكر ولا أُنثى سيقبض يديه ويزم نفسه ويقول لست أحكم على أمر بأنه منفعة أو مفسدة إلا أن يُسعِدني دليل فرعي بخصوصه، هذا كلام فارغ! لم يقل به أحد، هذا الكلام يُسقِط مبدأ القياس أيضاً أصلاً ورأسك، ما رأيك؟ غير صحيح، أي هذا كلام عام إنشائي وخطابي، انتبه! ولذلك ما يغلب على الظن أنه يقع وأنه يحصل هو مفسدة، وله حُكم المُتحقِّق، وعلى هذا الاعتبار يُحاسَب البشر.

بعد ذلك مسألة يوسف والحاكمية، عاد إليها بارك الله فيه، وأنا أحببت أن أعود إليها مرة أُخرى، هو يقول لا، الجُزء النظري – يُسمونه العلمي أو الاعتقادي أو الأصولي، كلها أسماء لمُسمىً واحد، أي الجُزء العقدي الأصولي – في مسألة الحاكمية هو الاعتقاد بأن فعلاً الحُكم لله، وليس لغير الله على مُسلِم حُكم، ممنوع! أن تحتكم إلى غير شرع الله وأنت مُسلِم مُستحيل، صحيح! هذا جُزء أصولي بالاتفاق، سؤالي الآن هل يُمكِن عزل الجُزء العملي عن هذا الجُزء الأصولي؟ بمعنى هل ينفكان؟ هل هما قابلان للانفكاك؟ هذا سيُفضي بنا نوبة أُخرى إلى كلامي في المُقدَّمة، وأنا كنت دارٍ بما أقول وبما أُسلِف بين يدي حديثي، ماذا قال العلماء وماذا لهم من وجوه التأويل في آية وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۩؟ 

والآن سأسألك هل كان يوسف ملزوزاً مُضطَراً على أن يعمل في هذا الحُكم؟ انتبه! تصويري للمسألة ليس مسألة أنه حكم بالشرك، مُستحيل! يوسف لم يحكم بالكفر،  مُستحيل أن يحكم بالظلم، مُستحيل أن يحكم بمسألة فيها ظلم يوسف، يستحيل! ولكن ما ينبغي أن يُقال إنه واقع عليه الاتفاق أن يوسف تولى لحاكم كافر، وكان مُولى عليه من قِبل حاكم كافر، وأما قولك يوسف حكم في مسألة – فقط مسألة استرقاق أخيه – بشرع إسرائيل – بشرع يعقوب عليه السلام – وشرع بني إسرائيل واحتال – كما قال تعالى كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۩ فهذه حُجة لي وهي حُجة عليك، لماذا؟ لأن الله قال في السياق مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ۩، الآية واضحة أن الشرع السائد في مصر الذي كان يعمل فيه يوسف مُوظَّفاً ووزيراً للتمويل والخزانة هو شرع الملك، ولا ينبغي ليوسف أن يدخل جُملةً وتفصيلاً في هذا الشرع، لكنه دخل جُملةً، لأنه كان مُولى عليه من هذا الملك الكافر، أما لماذا احتال على شرع الريّان بن الوليد وعاد إلى شرع إسرائيل فهذا لأن مُبتغاه بإجماع المُفسِّرين هو استبقاء أخيه عنده، هو استبقاء أخيه بنيامين عنده! فلو أخذ بشرع مصر – وهو شرع غير شرع الأنبياء – لكان ينبغي أن يُضرَب وأن يُعزَّر وأن يُجرَّس كما قال المُفسِّرون، وبعد ذلك يذهب إلى حال سبيله، يوسف ما أراد هذا! أراد احتباسه عنده، ولذلك احتال، هل هذا واضح؟ فعاد السؤال مرة أُخرى، انتبه! وأنا أُشير إلى وجوه التأول أو التأويل لآية الحاكمية، هل يوسف كان مُضطَراً أن يتولى هذه الولاية؟ هذا أولاً!

ثانياً هل يوسف كان مُخطئاً وهو معصوم؟ هو نبي معصوم فهل أخطأ؟ لأن هناك وجهاً اسمه الخطأ، يحكم خطأً فيُرفَع عنه حُكم الخطأ، رُفِع عن أمتي الخطأ والنسيان، في كل شريعة هذا معمول به! ثالثاً هل يوسف كان – والعياذ بالله – جاحداً لشرع الله فدخل في ولاية رجل يحكم بغير شرع الله؟ مُستحيل، هذا كفر، مَن يقوله فقط كفر، رابعاً هل يوسف دخل على قصد وبنية أن يُحصِّل من المصالح قدر ما يستطيع وأن يبذل العدل بقدر ما يستطيع وأن يدفع من المفاسد ما يُقدَّر له وبهذا القصد وبهذه البُغية مدحه الله وامتدحه الصالحون؟ 

وهذا طبعاً – كما وعدت – سيُفضي بنا إلى قضية النجاشي، النجاشي كان حاكماً مُسلِماً، معروف أنه مُسلِم، وإلا لما صلى عليه النبي صلاة الجنازة، صلاة الغائب! وبالمُناسَبة – معلومة من ابن تيمية – لماذا صلى عليه صلاة الغائب؟ بحسب الأدلة الصحيحة لأن لم يُوجَد من المُسلِمين في الحبشة مَن يُصلي عليه أو لم يُوجَد مَن يستطيع أن يتظاهر بالصلاة عليه على سُنة الإسلام، لكن لماذا بقيَ حاكماً فظل يحكم في المسيحيين ولم يحكم قطعاً بشرع الله الذي هو الإسلام؟ هذه مسألة من جنس مسألة يوسف، وهي مما استدل به شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من مجموع فتاواه، وسنعود إلى القول فيها.

إذن مسألة انفكاك الجُزء الفروعي عن الجُزء الأصولي محكومة بوجه من وجوه أربعة في تأول آيات الأحكام، فأي هذه الوجوه اصطنعه يوسف؟ هذا سؤالي، هكذا يكون النقاش في فهم الآية، تفضَّل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنا كان بودي أن نجلس حتى الصباح حقيقة، لا أكذب عليكم! حتى لا نستوفي الكلام، لأن في نظري هذه المسائل يا إخواني كما تفضَّل الأخ مُدير الجلسة – بارك الله فيه – والأخ المُحاوِر ليست مسائل لاستظهار العضلات ولا للانتصار لرأي حزبي أبداً، لا منا ومنهم! وإنما مسائل علم شرعي، أعتقد أن هذه المسائل لخطورتها وحساسيتها تقتضي منا بعض التضحية لنجلس، لا بأس يا إخواني والله، بالعكس! والله يُمكِن أن يجلس الآن المُسلِمون عشرات الساعات يتناقشون، لا بأس! لعلنا نخرج بشيئ جديد، طبعاً أنا لست طامعاً – مثلاً – أن ينزل إخواني على رأيي ولا أن يستنزلوني عن رأيي، ولكن على الأقل لو انتهينا إلى القول إنها مسألة من مسائل النظر الاجتهادي والجولان المقاصدي يُعذَر فيها – إن شاء الله – مَن خالف بدليل مُتؤوِّلاً يكون هذا خيراً كثيراً إن شاء الله، أنا سمعت أن بعض إخواني – طبعاً ليسوا الإخوة طلّاب العلم وإنما بعض العوام للأسف – بدأوا ينبذون بعض مَن يعلمون أنه ذهب إلى الانتخابات بالكفر، قالوا القضية هذه فيها كفر ويخشى على إيمانه، هذا كلام فارغ، هذا عبث أيها الإخوة، لا نُريد أن نصل إلى هذا المُستوى إن شاء الله، وهذه فُرصة ذهبية – بإذن الله – حتى يرى الناس أن المسألة ليست سهلة، وطبعاً سأكتفي بهذا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم، أيها الإخوة:

المُهندِس شاكر يقول لم يرد في الآيات القرآنية في قصة يوسف في سورته أي دليل على أنه حكم بالكفر، وهل هذه هي دعواي؟ هل أنا أقول يوسف حكم بالكفر؟ وهل ينبغي في حق نبي أن يُقال إنه حكم بالكفر؟ الذي قلته وقلت أُحرِّر به محل النزاع هو كان مُولىً عليه في ولاية حاكم كافر، لا تستطيع أن ترد هذا، واضح جداً! والقرآن أثبت أن هذا الحاكم كان في أمة كافرة، ومات يوسف وهم كافرون، في شك من أمر البعث ومن أمر الدين كله بنص آيات مُؤمِن، غافر! هذا الذي قلته، وقلت – هذا ليس ظني وإنما هو اعتقادي – يوسف ما دخل في ولاية كافر، وأصلاً لا يجوز، أصلاً لا يجوز للمُسلِم أن يدخل في عمل مثل هذا تنفيذي لكافر، لا يجوز إلا بالقصد الصحيح الذي يليق بنبي كريم ابن كرماء، وهو أن يبذل من الخير والمعدلة قدر ما يستطيع، وأن يُقلِّل من السوء والمفاسد قدر ما يستطيع، الآن أيضاً ضمن محل النزاع في دائرة أضيق: وهل كان يتسع شرع أهل مصر وشرع ملك مصر لأمثال هاته المعادل والمصالح؟ نعم، هذا لا يُنكَر في مُعظَم شرائع أهل الأرض، ولا في شريعة النمسا ولا ألمانيا ولا أي شريعة، موجود! لكن المُشكِلة عند إخواننا في حزب التحرير في هذا الكُتيب أنهم لا يُجوِّزون حتى استصلاح المُسلِمين – أي البحث عن مصالحهم ومنافعهم – على أيدي غير مُسلِمين، شيئ عجيب! بدليل ماذا قال؟ بدليل أن هؤلاء من غير المُسلِمين حين يفعلون هذا لا يفعلونه استناداً إلى خلفية إسلامية وإلى أحكام إسلامية، وهذا عجب! أنا لم أخبر ولم يمر بي مثل هذه الطريقة في الاستدلال، الذي أعرفه أن الكافر يجوز حتى أن تعقد معه حلفاً وتحالفاً، بشرط ماذا؟ بشرط أن يكون على الخير وعلى نُصرة المظلومين وإحقاق الحقوق.

لدينا الحديث الشهير المعروف لقد شهدت في دار عبد الله بن جُدعان حلفاً ما أُحِب أن يكون لي به حُمر النعم وأني أنكثه ولو دُعيت به في الإسلام لأجبت، وهل تعرفون ما معنى ولو دُعيت به في الإسلام لأجبت؟ بعض الناس قد يظن لو دُعيت إليه، لا! ليس إليه وإنما به، قال ولو دُعيت به، أي لو قال مظلوم يا لحلف الفضول النبي سيُلبي، وقد وقع في الإسلام فعلاً أن بعض الناس استنجد بأهل حلف الفضول ومَن دخلوا فيه ولبوا، ومنهم الحُسين بن عليّ، لبى مَن استنجد بهذا الحلف، قال العلّامة أبو القاسم السُهيلي في شرحه على سيرة ابن هشام الروض الأنف وهذه الأحلاف نُسِخَت وبقيَ منها حلف الفضول، فهو باقٍ في الإسلام.

الدراسة الفقهية والحديثية المُقارَنة لنصوص الأحلاف – سواء حلف المُطيبين أو حلف الفضول أو حتى حلف الأحلاف وهو مُلغىً، إلى آخره – تُؤكِّد أنه يجوز في اجتهاد للمُسلِم المُعاصِر أن يدخل في تحالفات مع غير المُسلِمين شريطة أن يتحقَّق بهذا مصلحة للمُسلِمين وأن تُدرأ عنهم مفاسد، يجوز! وهذا ما فعله – كما قلت – الجماعة الإسلامية في الباكستان، استندوا على قضية التحالف في الإسلام.

أكثر من هذا النبي نفسه وهو نبي الله وخاتم أنبيائه ورُسله دخل في جوار المُطعِم بن عدي مُنصرَفه من الطائف، من لدن ثقيف، دخل في جوار كافر، لكن النبي لم يتنازل عن شيئ من دينه، ودخل في هذا، إذا كان الكافر يُمكِن أن يبذل لي منفعة أو مصلحة أو يدرأ عني مفسدة فلِمَ لا؟ 

أكثر من هذا ما استنبطه علّامة القصيم الشيخ السعودي العلّامة الكبير والمُفسِّر عبد الرحمن بن ناصر السعدي – رحمة الله تعالى عليه – في تفسيره الشهير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، استنبط من قول قوم شُعيب له وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ۩ الآتي، انظروا إلى العلّامة الكبير، هو علّامة سعودي وهابي رحمة الله عليه، لكنه علّامة حقيقة! استنبط من ذلك أن الله – تبارك وتعالى – يدرأ عن أوليائه بعصبتهم من الكُفّار حتى من غير المُسلِمين، قال الشيخ العلّامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي وعليه فيجوز للمُسلِمين أن يستعينوا بغير مُسلِم كما في حكومة جمهورية – مثلاً – أو ما شاكل، لكي يُمكِّنوا لأنفسهم ويُمكِّنوا لمَن يكون أقرب من العدل وأبعد من الظلم، بدل أن يُسقِطوا ضحية حاكم جبّار عنيد، أي في ديكتاتورية! يجوز، ونعمل تحالفات وما إلى ذلك كما فعل المودودي مع فاطمة جناح ضد أيوب خان، هذا هو الفقه، هذا هو الفهم، هذا ذوق الآيات، هذا هو ذوق الآيات!

أعود مرة أُخرى لأقول – انتبهوا – ما في القرآن أن يوسف كان في ولاية كافر، الآن قاعدة في الأصول تقول الذي معه الأصل لا يُطالَب بالدليل، الذي يُخالِف الأصل والظاهر يُطالَب بالدليل، انتبهوا! الآن إذا يوسف دخل في ولاية كافر فالظاهر إذن أنه خاضع بالجُملة وليس بالتفاصيل لشرع هذا الكافر طبعاً، مُستحيل أنه يُعطيك ولاية وأنت تنقض شرعه وتنقض دينه، مُستحيل! وخاصة في الأعصار القديمة التي غلب فيها الاستبداد وتأليه الحاكمين في مصر وغير مصر، الحاكم كان أشبه بإله والعياذ بالله تبارك وتعالى، مُستحيل أن يُعطيك مثل هذه الولاية التنفيذية وأنت تستبد برأيك في كل أمر، وإنما تعويل يوسف الصدّيق كان على ماذا؟ على الهامش الضيق أو الوسيع الذي يُتيحه له شرع ملك مصر، أن يُقيم المعدلة وأن يبذل الخير وأن يُقلِّل المضار والمفاسد، وهكذا فعل!

بالمُناسَبة في خلافة يوسف تحقَّق بحسب سياق الآيات خير كثير لعموم أهل مصر، وبلا شك أن يوسف تسلَّم هذا أو تسنَّمه سبيلاً للدعوة إلى الله والتعريف بالتوحيد بلا شك، والناس أكثر إصغاءً وأكثر تأثراً بمَن يرون خيرهم على يديه، هكذا كان هذا أسلوباً دعوياً، كان أسلوباً دعوياً أيها الإخوة! هذا واضح، فالآن سأسألكم في المُقابِل وهل في الآيات نص صريح أنه حكم بشرع الأنبياء؟ مُستحيل، لا يُوجَد هذا أيضاً، فنبقى على الظاهر، أنه كان مُولىً عليه في ولاية كافر، ونحتكم إلى الأعراف والسُنن وما تُؤديه الوقائع.

بالنسبة إلى لفظة دين وأنها مُشترَك نعرف هذا، نعرف هذا مُذ كنا صغاراً، وإن خالفتك في تفسير بعض هذه الأشياء، لأن الجزاء من معنى القانون، من مُقوِّمات كل قانون وشرعة هي الجزاء، أَئِنَّا لَمَدِينُونَ ۩، واضح جداً جداً!

الآن تقول لي قرينة، القرينة سياقية وبه قال جماهير المُفسِّرين، أنا الآن أُريد أن أسألك سؤالاً، ائتني بتفسير واحد مُعتمَد لمشايخ الإسلام فسَّر الدين هنا بالاسترقاق، إذ لا معنى لهذا التفسير، هل تعرفون لماذا؟ لأن مُبتغى يوسف كان استرقاق أخيه،  لذلك أنا هززت برأسه حين قال الاسترقاق، شيئ عجيب جداً جداً، هل يقول هذا مَن يفقه كتاب الله – تبارك وتعالى – بطريقة العلماء يا إخواني؟ يوسف أراد استرقاق أخيه، أراد استرقاقه! وهو لا يتوصَّل إلى هذه البُغية إلا بشرع يعقوب أبيه، بشرع الأنبياء! لماذا؟ لأن شرع مصر كان الضرب والتجريس، هذا شرعهم، هذا قانونهم! ولو كان شرع مصر يتأدى إلى استرقاقه لما احتال ولا ما كاد، لقال انتهى، هذا ثبت عليه التُهمة فنأخذه بالشرع، بشريعة البلد، لابد أن يُسترَق، ولكن شرع مصر لم يكن يسمح بهذا، فبقيَ التفسير الأقوم والذي عليه جماهير المُفسِّرين قديماً وحديثاً، أنه مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ ۩ أي في شرع الملك، ثم هذا لا يضرنا، أنا أقول لك اعتباطاً وتنزلاً لو أثبتنا أن حتى هذه الآية لم تنزل وقلنا لا تُوجَد هذه الآية هناك ما لا يُمكِن أن تُجادِلني فيه، وهو ماذا؟ أن يوسف بما أنه في ولاية الكافر كان مُلزَماً جُملةً بشرع هذا الملك يا حبيبي، لا يُوجَد ملك يُعطيك ولاية ويقول لك تصرَّف كما تُريد ولو نقضت شرعي، هذا غير موجود، لم يحصل ولن يحصل أبداً، لم يحصل هذا أبداً! هذا هو الظاهر، الذي يُخالِف الظاهر عليه أن يأتي بدليل.

موضوع النجاشي أنا أعرفه أنه عُضِل به، لم يأت فيه بشيئ، طبعاً عُضِل به معضلة واضحة جداً جداً، النجاشي أسلم، لا يُفيدك يا مُهندِس شاكر – حفظك الله – أن تقول لي متى أسلم خاصة على قواعد شيخك – رحمة الله عليه – أن يبنغي تطبيق الإسلام دُفعةً – قال دُفعةً – واحدة وأنه يحرم التدرج في تطبيق شرع الله، لا يُفيد النجاشي أسلم قبل شهرين أو أسلم قبل ساعتين، كان ينبغي أن يصدع بتطبيق شرع الله مُباشَرةً، وعلى كل حال يُمكِن أن تسألني عن ما يُقال إن هذا هو النجاشي – أصحمة – الأول، وهذا لم يثبت في الصحاح، لكن لا تُوجَد مُشكِلة، هذا كلام مُؤرِّخين وكلام أصحاب السير، أهلاً وسهلاً! لكن كلامهم يُفيد أنه تولى قبل مُدة ليست باليسيرة بعد وفاة أبيه، مُدة ليست باليسيرة! تخيَّل، ليس حتى ساعة أو ساعتين، اسمعوا الآن إلى كلام شيخ الإسلام وخريت الفقهاء والعلماء خاصة في مسائل الأصول، ابن تيمية – قدَّس الله سره – قال وكذلك النجاشي هو وإن كان ملك النصارى فلم يُطِعه قومه في الدخول في الإسلام، بل إنما دخل معه نفرٌ منهم، ولهذا لما مات لم يكن هناك أحدٌ يُصلي عليه، فصلى عليه – لأن صلاة الجنازة بالمُناسَبة لا تكون لمَن صُلى عليه، ممنوع بالأدلة! صلاة الجنازة لمَن لم يُصل عليه – النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، خرج بالمُسلِمين إلى المُصلى فصفهم صفوفاً وصلى عليه، وأخبرهم بموته يوم مات، وقال إن أخاً لكم صالحاً من أهل الحبشة مات، وكثيرٌ من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك – وضع استثنائي -، فلم يُهاجِر – وطبعاً الهجرة كانت واجبة – ولم يجاهد ولا حج البيت، بل قد رُويَ أنه لم يُصل الصلوات الخمس ولا يصوم شهر رمضان ولا يؤدي الزكاة الشرعية، لأن ذلك كان يظهر عند قومه فيُنكِرونه عليه، وهو لا يمكنه مُخالَفتهم، ونحن نعلم قطعاً أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن – واضح جداً هذا، ليس فيه كلام فعلاً، علماً بأن هذه بديهيات -. والله قد فرض على نبيه بالمدينة أنه إذا جاءه أهل الكتاب لم يحكم بينهم إلا بما أنزل الله إليه – لدينا الآية التي استشهدت بها -، وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليه.

ابن تيمية يقول الكلام هذا، لكن إلى ماذا يُريد أن يخلص؟ يُريد أن يقول هذا في حال السعة والاختيار، أما حال النجاشي فهي حال الملزوزية والاضطرار، يعود ابن تيمية ويقول الآتي، فطريقة تفكيري مثل طريقة تفكيره تماماً، تحرير محل النزاع! هل تتكلَّم عن حال اختيار أم عن حال اضطرار واستثناء؟ هذا محل النزاع في المسألة يا إخواني، والخلط بينهما يُوجِب خبطاً كبيراً.

والنجاشي ما كان يُمكِنه أن يحكم بحكم القرآن. فإن قومه لا يُقشرونه على ذلك. وكثيراً ما يتولى الرجل بين المُسلِمين والتتار قاضياً – على كلمة ابن تيمية التتار أقول مُعظَم فقهاء الأحناف، الفتاوى الهندية، الفتاوى التاتارخانية، ابن عابدين في حاشيته رحمة الله عليه، كنز الدقائق، وغير هؤلاء كثيرون لأن هناك مصادر كثيرة راجعتها يُجوِّزون للمُسلِم أن يتولى القضاء من سُلطان كافر إذا كان يعلم أنه يدفع بعض المفاسد ويُحقِّق بحسب طريقتهم بعض المصالح للمُسلِمين، وقرأت عليكم وكونوا على ذُكرٍ من هذا فتوى شيخ المقاصديين في عصره، وأنا أنصح بقراءة هذا الكتاب العجيب، وهو كتاب القواعد الكُبرى، قواعد الأحكام للشيخ العز بن عبد السلام، جوَّز أن يتولى القاضي ذلك بالشرط الذي ذكره لسُلطان كافر، انتبهوا! ولم يأخذ بالعمومات، لن هذه حالة اضطرارية ولا يُمكِن فيها الكمال، يفوت فيها الكمال، انتبهوا! هذه طريقة الفقهاء في التفكيرر -، بل وإماماً، وفي نفسه أمور من العدل – يقول عن النجاشي – يُريد أن يعمل بها؛ فلا يُمكِنه ذلك. بل هناك من يمنعه ذلك، و: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۩ – قال الله فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ۩ يا إخواني -. وعمر بن عبد العزيز عودي وأوذي على بعض ما أقامه من العدل. وقيل إنه سُم َّعلى ذلك! فالنجاشي وأمثاله سُعداء في الجنة، وإن كانوا لم يلتزموا مع شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه؛ بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يُمكِنهم الحكم بها.

هناك كلام كثير في مواضع أُخرى، وأختم أيها الإخوة بشيئ أرد به على فضيلة الشيخ النبهاني – رحمة الله عليه رحمة واسعة وأعلى الله مقامه في الدارين – حين منع من التدرج واستشهد بالحديث الشهير، حديث وهب عن جابر في مسألة وفد ثقيف، وأن النبي لم يُنعِم لهم ولم يُلبهم على ما شرطوه عليه من ودع أو ترك الصلاة، وقال لا خير في دين لا صلاة فيه، انتبهوا! ولذلك قال جُملة واحدة، عقلية كل وإلا فلا، غير صحيح! كان حرياً بالشيخ الفاضل العلّامة النبهاني أن يذكر الحديث على وجهه وبإسناده الصحيح، وهو المُخرَّج عند أبي داود وعند أحمد عن وهب، وحتى نكون دقيقيين، ماذا يقول الشيخ؟ فالواجب واجب ويبقى واجباً ويجب أن يُقام به، والحرام حرام ويبقى حراماً ويجب الابتعاد عنه – مثلما قال أخونا المُهندِس شاكر بارك الله فيه -، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبل من وفد ثقيف عندما وفد عليه أن يدع لهم صنمهم اللات ثلاث سنين، وأن يُعفيهم من الصلاة على أن يدخلوا الإسلام. فلم يقبل منهم ذلك، وأبى عليهم كل الإباء، وأصر على هدم الصنم دون تأخير، وعلى الالتزام بالصلاة دون تأخير.

لماذا لم يُكمِل الشيخ الحديث ولم يأت به على وجهه الصحيح؟ فهو مروي بإسناد صحيح لا مغمز فيه عن وهب، يقول سألت جابراً عن وفد ثقيف إذ وفدوا، فقال – في آخر السياق – وشرطوا عليه ألا يُجاهِدوا – والجهاد من عزمات الدين – وألا يُزكوا فأعطاهم ذلك، قال وسمعت يقول – أي النبي – بعد سيُجاهِدون وسيتصدقون.

هذا الحديث أورده الإمام أحمد في المُسنَد، بماذا علَّق عليه؟ هذا الإمام أحمد! الإمام أحمد الذي يحفظ مليون حديث، قال – رحمة الله عليه – وفي الحديث دليل على صحة قبول الإسلام مع الشرط الفاسد، تدرجاً في حمل الناس، لا يُوجَد شيئ كامل Perfect، لا يُمكِن أخذ كل شيئ مرة واحدة، ارحموا الناس، ارفقوا بالناس، حصِّلوا مصالحهم ووفِّروا دينهم قدر ما تستطيعون شيئاً فشيئاً، وكما قلت الميسور لا يسقط بالمعسور، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ۩.

وعلَّق العلّامة الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي – شارح البخاري – في كتابه جامع العلوم والحكم – شرح للأربعين النووية – على هذا بقوله وفي هذا دليل كما قال أحمد على صحة الإسلام مع الشرط الفاسد، وعلَّق الإمام القاضي المُجتهِد الكبير محمد بن عليّ الشوكاني في نيل الأوطار على هذا الحديث وعلى حديث أنس الآخر وهو صحيح – الذي يقول فيه أنس جاء رجل إلى النبي فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم – أسلم، قال يا رسول الله أجدني كارهاً، قال أسلم وإن كنت كارهاً – بقوله وفي هذا دليل على صحة الإسلام مع الشرط الفاسد وعلى صحة إسلام المُكرَه، لابد أن نرفق بالناس، لابد أن نأخذ الناس بسُنة التدرج.

الشرع كمل والنعمة تمت لا ريب، لسنا نُفرِّق بين شرائع الله ولا بين شعائره، وإنما نلتزمها جُملة، الالتزام في اللُغة الفقهية هل تعرفون ما هو؟  لكي نتكلَّم بلُغة الأصول ما هو الالتزام؟ ليس العمل، ليس الفعل! الالتزام هو الاعتقاد، أن تعتقد أنها كذلك، أما العمل فنحن في سعة بحسبما تُملي عليه ظروفنا إذا لاحت أدلة الشرع وقامت بيّناته، وقد سمعتم أعتقد قدراً كافياً من هاته البيّنات والأدلة، ليس على لسان العبد الفقير المسكين وإنما على لسان أئمة الإسلام الكبار الذين لا يُتهَمون في فهمهم ولا في إمامتهم – انتبهوا – ولا في حُسن أخذهم الأحكام من مداركها إن شاء الله تبارك وتعالى، وأكتفي بهذا القدر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سأجيب عن هذا بكلمتين، الله أيها الإخ السائل الفاضل – بارك الله فيك – يأمر بالعدل، أنا عدنان إبراهيم – عبد الله الفقير – أُصلي خلف كل مُسلِم، أُصلي خلف الإمامية الشيعة، صليت في مسجدهم ولا أُكفِّرهم، أُصلي خلف الإباضية، وعندي مكتبة كاملة إباضية، خوارج عُمان يُسمونهم! أُصلي خلفهم ولا أُكفِّرهم، أُصلي خلف الزيدية، وأُصلي خلف كل إخواني من جميع الأحزاب والجماعات بفضل الله تبارك وتعالى، والله لا أغمز صلاتهم ولا صلاتي خلفهم، ولكن يطرق سمعي أن بعض الناس – ليسوا كثيرين بفضل الله، فقط بعض الناس – يُكفِّرون مَن يستجيز الصلاة خلفي، تخيَّل! إلى هذه الدرجة؟ شيئ عجيب، فنسأل الله أن يفتح عقولهم وبصائرهم، وأنا أعدوهم إلى النقاش، بدل أن تُكفِّرني تعال ناقشني، أنا رجل نقاش، أنا أُحِب النقاش حقيقةً، أُحِب الحوار العلمي، وبالعكس أنا من دُعاة أن تعود الأمة حقيقةً إلى برهنة حقائقها ومبادئها وإعلاء شعائرها بالحوار.

في القديم يا إخواني كان العالم إذا أُريد له أن يُكرَم يُعطى فُرصة في الحوار المُباشِر أول ما يرد على أي نادٍ، أنا أدعو إلى الحوار، لست من دُعاة التكفير ولا النبذ وما إلى ذلك، وعقيدتي حقيقةً في جميع إخواني العاملين للإسلام – من حزب التحرير، من الإخوان، من الإباضية، من الشيعة، وإلى آخره – أنهم – إن شاء الله – على خير، ولست أُسيء الظن – والله – بمُسلِم، أنا أُسيء الظن بإنسان يُحارِب الإسلام ويُحارِب شرع الله ويُحارِب الإسلاميين ويُحارِب الله ورسوله، وبالمُناسَبة أنتم ترون أن معركتي على منبري مع هؤلاء، ليست مع إخواني، أنا أتحدى مَن يأتيني بيوم واحد كتبت فيه منشوراً ضد جماعة إسلامية، وكُتِبت ضدي مناشير وكُتب كالكتاب الأسود، لا أفعل هذا! 

شعاري يوم أتيت إلى هذا البلد – وأختم بهذا وأرجو ألا أكون أطلت – هو أنا أبني وليهدم مَن شاء أن يكون هدّاماً، أنا لست أهدم، هل تعرفون لماذا؟ لأن مَن يبني يكون دائماً في الصاعد، ومَن يهدم دائماً يكون في النازل، أسأل الله أن أكون من البنائين – إن شاء الله – أنا وإياكم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يا إخواني الآية طبعاً واضحة، أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۩، انتبهوا! طاعة رسول الله استقلالاً، كطاعة الله تماماً، أي لا يُقال للرسول هل هذا مما أُمِرت به فنتبعك أو لا؟ غير صحيح! يُطاع استقلالاً، لكنها قالت ماذا؟ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۩، لم تقل وأطيعوا أولي الأمر منكم، فدل على أن طاعتهم ليست استقلالاً، بل هي مرهونة بماذا؟ بمُوافَقة الكتاب والسُنة، ولذلك أعقبها بقوله فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ ۩، في نفس الآية! تنازعوا مع مَن؟ مع الله؟ أعوذ بالله، مع الرسول؟ أعوذ بالله، مع مَن إذن؟ مع أولياء أموركم،يقع تنازع بين السُلطان وبين الرعية، قال فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ – مَن الحكم الآن؟ مَن يُطاع استقلالاً – فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ۩، ومعنى قوله تَأْوِيلًا ۩ أي عاقبةً، عاقبة هذا هي أحسن شيئ، إذن هذا هو فهم الآية كما نبَّه العلماء جميعاً.

بعد ذلك حديث كما تكونوا يولى عليكم، أُخالِف أخي المُهندِس، ليس حديثاً صحيحاً، هو حديث مُرسَل بل مُعضَل، إسناده ليس يصح، الحديث ليس يستند، إنما هو من كلام الحسن البِصري، وبعضهم عزاه إلى غيره، رواه أبو نُعيم وغير أبي نُعيم، وليس من الأحاديث الصحيحة، ولنا عليه تعليقات كثيرة، فهل هذا صحيح إلى حدٍ ما أو غير صحيح؟ 

مبحث الخروج – يقول الخروج على الحكام وكيف كذا وكذا – مبحث واسع الذيول وضافي المسائل، وفيه اختلاف كبير جداً جداً بين أئمة المذاهب، على كل حال رأي جماهير أهل السُنة والجماعة من المذاهب الأربعة أنه لا يُخرَج على الحاكم الجائر أو الظالم أو حتى المُتغلِّب الذي نزع الحكم ما لم يُر كفر بواح عندنا فيه من الله بُرهان ودليل، كفر بواح! ولكن هذا لا يعني أننا نكف أيدينا وألسنتنا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر وقول كلمة الحق حتى نصدع بها في وجه هذا الحاكم الجائر، وهذا من خير الجهاد، والحديث إسناده صحيح عند أحمد وعند النسائي، خير الجهاد هو كلمة حق في وجه سُلطان جائر، لكن لن نتوسَّع الآن في مباحث الخروج، طبعاً الآن أنا عندي أكثر من رسالة – واحدة منهن رسالة دكتوراة – عن موضوع الخروج، موضوع شائك وكبير جداً جداً، ونكتفي بهذا إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طبعاً أطمئن أخي الفاضل بخصوص الآيات القرآنية، أنت رأيت اليوم أن الكلام كله في الآيات القرآنية، ليست العبرة أن تقول لي آيات، العبرة كيف تفهم الآيات؟ انتبه! كيف تُوِّجه الآيات؟ وإلا يستطيع كل طفل حتى أن يقول لك هذه آية، لا ليس هكذا، النقاش العلمي ليس هكذا، ماذا تقول في الآيات؟ ماذا تفهم من الآيات؟ انتبه، هذا هو العلم!

المسألة الثانية يا إخواني، أنا أُثنِّي على كلام أخي الفاضل المُهندِس عمر الراوي في موضوع العاطفية، أنا أُسميها ماذا؟ سأكشف عن المسكوت عنه في طرح أخينا المُهندِس شاكر، يُوجَد شيئ مسكوت عنه بالمُناسَبة وربما لم يتنبَّه أحد منكم إليه، هو يُحاوِل باللُغة التي يُسمونها اليوم العصرية أن يلعب على الحساسية الأخلاقية لدى المُسلِمين، المُسلِمون عندهم حساسية أخلاقية تجاه اللواط، تجاه السحاق، وتجاه كذا، لماذا تلعب على هذه الحساسية؟ المسألة التي حرَّرنا محل نزاعها أعظم مليون مرة من مسألة اللواط وما إلى ذلك، إنها مسألة العمل مع وعد غير مُسلِم، أي باختصار كافر، غير مُسلِم! هل يجوز أن أتحالف معه؟ وتحدَّثنا عن موضوع الجوار وموضوع حلف الفضول وحلف الكذا، أليس كذلك؟ وعن عمل يوسف وعن النجاشي، هل يجوز؟ المسألة تتعلَّق بالكفر، ليس بعد الكفر ذنب، إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ ۩، أنا أُثنِّي وأبصم بالعشرة على موضوع العاطفية هذه، فعلاً لأنه يلعب على الحساسية الأخلاقية عندنا.

أنا شخصياً كعدنان إبراهيم – عبد الله الفقير – مدهوش وسعيد بما سمعته من أخي عمر الراوي، والله العظيم! هذا هو الطرح الفكري السياسي، هذا هو الفهم، هذا هو الفهم لما هو موضوع أحزاب؟ ما الانتخابات؟ ما البرامج؟ فعلاً لا تقل لي اللواط والسحاق، هذا الكلام يُعتبَر استغفالاً لي، حتى لي كعدنان أيضاً هذا استغفال، بعد الذي سمعته أقول هذا كلام جدي، كلام يُسعِد فعلاً، كلام إنسان فاهم الواقع.

تخيَّلوا يا إخواني وأخواتي بعد أربعين سنة الآتي، وبالمُناسَبة مكتوب في كُتيب إخواننا في حفظ التحرير – حفظهم الله – البدائل وما إلى ذلك وأن هناك أُناساً آخرين – أنتم تعرفون مَن هم الآخرون، قلة أو أقلية هنا في النمسا وأنتم تعرفونهم – يعملون على البدائل هذه، وعندهم قوى ضغط، وعندهم تأثير، وعندهم تحقيق لمصالحهم، صحيح! هل تعرفون لماذا؟ هم يصطنعون هذه الوسائل لأنهم لا يستطيعون أن يُراهِنوا على ما يُمكِننا الرهان عليه وبأقصر سبيل، وهو العامل الديموغرافي!

بعد أربعين سنة أنت هنا كمُسلِم يُمكِن أن تُصبِح أكثرية وينتهي كل شيئ، حتى يُمكِن أن يحدث تعديل دستوري للبلد كلها، لكن انتبه! هذا الكلام خطير، الآخرون يخافون منه، لكن هذه حقيقة، نحن نتحدَّث حتى ضمن المنظومة الليبرالية العلمانية الديمقراطية، هذا ديموغرافي يا حبيبي، لكن تخيَّل – ما شاء الله – كثرة هائلة ككثرة إخواننا في فرنسا، أربعة أو خمسة ملايين، كلام فارغ! كثرتهم مثل قلتهم، لا يُوجَد وعي، لا يُوجَد تجانس فكري، إلا مَن رحم الله! تخيَّل بعد أربعين سنة والديموغرافيا تخدمك لكن أنت إلى أربعين سنة وفق طرح إخواننا لم تخض العمل السياسي مع هذه الأحزاب والحكومات على الأرض، أي على أرض الواقع! سوف تكون إنساناً فطيراً – يُسمونه في اللُغة الفصحى الفطير – ساذجاً، يستطيع أي حزب آخر أن يغتال حتى حقوقك، لأنه لا تمرس لديك، العمل السياسي يحتاج إلى الخبرة.

اليوم الكلام الذي تفضَّل به – مثلاً – المُهندِس عمر الراوي لا أستطيع أنا أن أقوله، طبعاً أنا قرأت مثله آلاف الكُتب، آلاف! قد ما قرأه عمر آلاف المرات وهو يعرف ذلك، لكن لا أستطيع أن أقوله، لماذا؟ أنا معلوماتي نظرية، معلومات علمية، قال فلان وقال علان والله والأصول، هو معلوماته من الأرض، أي عملية، هذا الذي أعطى الفرق بين فقيه عظيم مثل أبي يوسف ليكتب كتابه الفذ الخراج – يختلف عن كل كُتب الخراج، هل تعرفون لماذا؟ لأنه دخل في المُعترَك السياسي، اشتغل للرشيد! نحتاج إلى هذا، أنا أُثنِّي وأُبارِك وأُثمِّن حقيقةً وفعلاً مَن يعمل العمل السياسي خاصة – الأمور بمقاصدها – إذا كانت مقاصده حسنة بإذن الله – هذه يعلمها الله وتظهر لنا بدلائلها وعلائمها إن شاء الله تعالى – ولا يُساوِم على دينه ولا على مُعتَقده وعلى ثوابته – الثوابت الأصلية بإذن الله تعالى -، وإنما قصده طيب بإذن الله، نحتاج إلى هذا!

18/10/2008

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: