إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله سبحانه وتعالى من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ۩ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاء فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ۩ أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ۩ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ۩ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
بين كنت أُراجِع بيني وبين نفسي كيف يُمكِن لنا أن نفهم عالمية الإسلام – من الآيات التي تدل على عالمية الإسلام قول الله وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ۩ وقول الله أيضاً وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۩ فضلاً عن أن الرسول قال وأُرسِلت إلى الناس كافة وذلك في حديث أوتيت خمساً لم يُؤتهن أحدٌ من الأنبياء قبلي – وجدت أن مِن المسلمين مَن يستهدي بالتاريخ في فهم هذه العالمية بمعنى أنه يسترجع ذكرى يوم أو أيام ساد المسلمون العالم إلا قليلاً ويقول “هذه عالمية الإسلام أن سُدنا على العالم وبسطنا سُلطاننا وظلنا على الدنيا”، فهكذا هو يفهم العالمية مستهدياً بالتاريخ، وبعضهم يفهمها مُسترشِداً ومُستلهِماً الأمل الرسالي والمُهِمة الرسالية بمعنى أن علينا أن نُعيد بسط سُلطاننا على العالم في يومٍ قابل، وهذا هو ما يدعوه بعضهم بالعالمية الإسلامية الثانية، ثم عُدت إلى كتاب الله – تبارك وتعالى – فوجدته تقريباً يُعطي مُقارَبةً مُختلِفة عن هاتين المُقارَبتين وهى التي يسوغ أو يجوز أن ندعوها المُقارَبة القرآنية، فماذا يُريد لنا القرآن العظيم أن نفهم من وراء مُصطلَح العالمية وعالمية الدين وعالمية الرسالة وعالمية الإسلام؟!
ولأن هذا ليس هو الموضوع الذي انتويت أن أُحدِّثكم فيه فسأختصر جداً وسأقول أنه يُريد بجُملة واحدة مُركَّزة أن يقول لنا أن هذا الدين العظيم يحمل بين جناباته وفي تضاعيفه صلوحيةً ذاتية تجد مقبوليةً عند كل البشر في كل زمان وفي كل مكان إذا ما أحسنا الترجمة عنها، فالمُشكِلة أن الإسلام لا يتحدَّث بذاته، فالقرآن لا يتحدَّث بنفسه وإنما يتحدَّث من خلال أتباعه وحملته، من خلال فهومهم وتفسيراتهم وتأويلاتهم له، ومن هنا يحدث الانكسار، فيحدث أحياناً أن يستمع الآخرون من العقلاء ومن طلّاب الهداية – أيها الإخوة – والنور إلى ترجمتنا للإسلام فيقول “مثل هذه البضاعة يُزهَد فيها أو يُزهَد في مثلها، احتفظوا بها لأنفسكم فنحن لا نُريدها، ومثل هذا الدين لا يُلائمنا ولا يُناسِب العصر، أنتم تُريدون أن تعودوا بالبشرية إلى كذا مائة سنة إلى الوراء، وهذه خسارة وليست ربحاً”، ثم يضربون كشحاً عنا ويمضون في سبيلهم، فنحن أجرمنا في حق ديننا بهذه الطريقة، ولكن مهما أحسنا الترجمة عن كتاب الله – تبارك وتعالى – وعن جوهره وعن أسسه الثابتة العتيدة وجدنا أن مُعظم البشر سيتقبَّل هذا بصدرٍ مُنشرِح وبثلج اليقين وطمأنينة الإيمان وتساوق الشرع مع فطرة الإنسان التي لا تبديل لها، ومن هنا سيقولون “هذا ما كنا نطلبه، هذا ما كانت تهفو إليه النفس وما يتشوَّق إليه الضمير وقد وجدناه لديكم، فنِعمَ ما نحلتمونا ونِعمَ ما هديتمونا”، هذا هو معنى العالمية!
في هذا الإطار العام أُريد أن أتحدَّث عن قضية من أكثر القضايا أهميةً بل هى أكثرها أهمية وخطورة على الإطلاق وهى قضية تتعلَّق بالله – تبارك وتعالى – ولكنني سأُقدِّم لهذا أيضاً بمُقدَّمات على عادتي فاعذروني.
الله – تبارك وتعالى – يقطع لنا مُقرِّراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ۩، أي أن الله يقول لا تُوجَد أمة ولا مدنية ولا حضارة في غابر الدهر إلا بعثنا إليها رسولاً من لدنا ونبياً من عندنا يُبلِّغ ويُبشِّر ويُنذِر ويأمر وينهى وينهج النهج المُستقيم الواضح البيّن اللاحب والصراط المُستقيم، فالله يقطع بهذا من خلال قوله وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ۩ ولذلك نحن نقطع على غيب التاريخ بنص كتاب الله، لأن الله هو الذي أخبر، ولكنه أخبرنا – تبارك وتعالى – أيضاً في مواضع أخرى أن كثيراً من هاته الرسالات وتلكم الدعوات قد درست وعف عليها الزمن ولم يبق منها إلا آثار كآثار الوشم باليدِ، وإليه الإشارة بقوله – تبارك وتعالى – ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا ۩، فهل الكتاب المُنزَّل والشرع المُوحى لا يزال موجوداً ؟!
وسيأتي الجواب عن هذا بلا، فقد تبدَّل وتغيَّر ومن ثم اختلفت النُسخ وتضاربت وتناسخت وتخالفت لكن لابد أن تبقى بقية، فيستحيل أن يُنسَخ الدين كله من أصله وأسه ومن ثم لابد أن تبقى بقية، ولأجل اعتبار هذه البقية فقد عامل الله أهل الكتاب مُعامَلةً خاصة لأن عندهم بقيةً من نور وبقية من هُدى لا تزال موجودة، وإليه الإشارة بكلمة في نفس الآية من الأحقاف حين قال ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ ۩، والذي أفهمه من قوله أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ ۩ أي بقية باقية كصُبابة الإناء أو زبالة الفتيل من وحي الله – تبارك وتعالى – ومن كتاب الله المُنزَّل، فلابد أن تكون فضلت فضلة وبقيت بقية حيث قال الله بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ۩، لأن الذي تدعون إليه من الشرك والوثنيات والثانويات والإلحاد في أسماء الله وصفاته وإنكار ما ينبغي له من الكاملات والجلالات لا يتواءم وشرع الله تبارك وتعالى.
واللافت – وهذا سيلفت حتماً كل مَن يقرأ الأديان لأن كل مَن يأخذ بسهم من غنيمة مُقارَنة الأديان لابد أن يلفته هذا – أنني وجدت على الأقل في حدود ما قرأت واطلعت – وذلك في الأديان المشهورة سواء التوحيدية أو التعديدية، أي الأديان التي تتعاطى مع الله على أنه Persona أو In Persona، إله ذاتوي مُتشخِّص أو إله حلولي غير ذاتوي وغير مُتشخِّص – أن الأديان الأولى كالأديان التوحيدية اليهودية والمسيحية والإسلام تعاطت معه على أنه Persona أي إله ذاتي شخصي، أما الأديان الشرقية الآسيوية تتعاطى معه على أنه In Persona لأنها أديان حلولية تعديدية، إذن قد يُعتقَد بأن هذه مُناقَضة من أول الطريق، لكن خلف هذه المُناقَضة وخلف هذا التخالف والتقابل العقدي يكمن ما يشي بالوحدة فالله يقول وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ۩، لكن كيف؟!
سنُلاحِظ – مثلاً – أن في الديانة الهندوسية – وهى من أقدم الديانات – يُفرِّقون بين شيئين في الوقت الذي يدّعون فيه وجود ملايين الآلهة، حيث يُفرِّقون بين ما يُعرَف بالنيرجونا براهمان Nirguna Brahman وبين ما يُعرَف بالساجونا براهمان Saguna Brahman وذلك على الرغم من أنهم يدّعون وجود زُهاء ثلاثمائة وثلاثين مليون إله، علماً بأنها طبعاً أشكال ووجوه مُختلِفة للإله الواحد، أي أن المسألة أبعد بكثير مما ذهب إليه بعضهم من عدة الآلهة في زمن الشاعر الإغريقي القديم هزيود Hesiod حيث ذهبوا إلى أن عدد الآلهة بلغ ثلاثة وثلاثين ألف إله وهذا لا شيئ بجانب ما نتحدَّث عنه بشأن وجود آلهة يصل عددها إلى ثلاثمائة وثلاثين مليون، ومع ذلك نجد أن الهنادكة أو الهندوس البراهمة يُميِّزون بين المُستويين المذكورين، وهذا أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ ۩ ومن البقية الباقية من هدي الأنبياء والمُرسَلين في تلكم الأمم السحيقة في التاريخ البعيدة في أغواره، حيث فرَّقوا – كما قلنا – بين ما يُعرَف بالنيرجونا براهمان Nirguna Brahman وبين ما يُعرَف بالساجونا براهمان Saguna Brahman .
نيرجونا براهمان Nirguna Brahman أي الإله كما هو في ذاته، وهو يجل ويعلو ويدق عن وعلى كل فهمٍ وتفكير وتوصيف، فلا يُمكِن أن تُدرِكه ولا يُمكِن أن تعرفه معرفة يُعتَد بها ولا يُمكِن أن تصفه أبداً فضلاً عن أن تتخذ له أشكالاً وهياكل ومعابد وصوراً، فهذا هو النيرجونا براهمان Nirguna Brahman، لكن هناك الساجونا Saguna – الساجونا براهمان Saguna Brahman – وهو الإله كما يتجلّى للوعي البشري، إذن هو مُخطَّط ذهني وتركيب عقلي يُشكِّل الاستجابة البشرية لتجلّيات الله في الوجود وفي ضمير الإنسان وحياته، فهذا هو الساجونا Saguna، ولذلك البراهمة يتعاملون مع الساجونا براهمان Saguna Brahman وليس مع النيرجونا براهمان Nirguna Brahman، فيقولون عن النيروجونا Nirguna أنه هذا الشيئ الذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ ۩، وهذا عجيب أن يُقال عنه أنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ ۩ – لا إله إلا الله – فضلاً عن أنهم يقولون أنه يجل عن الوصف وعن الفهم وعن الإدراك وعن الصورة ووعن الشكل، كما أنه مُتعالِ عن الزمان وعن المكان وعن الحدوث وعن كل شيئ، فهو سبب كل شيئ،وهذا شيئ عجيب أيضاً ونُوافِق عليه تماماً بل ونبصم عليه بالعشرة والعشرين لأن الله يقول لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ ۩ فضلاً عن أنه يقول – لا إله إلا هو – أيضاً لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ ۩ ويقول في موضع آخر هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ۩ ويقول أيضاً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ۩، فإذن هذا هو!
أما عن الساجونا Saguna فيقولون ” نحن نعرفه هذا الساجونا Saguna من خلال تجلّياته وتمثّلاته وتمظهراته، فنتخذ له صوراً وأشكالاً وأوثاناً وأصناماً وأسماءً وصفاتٍ وشياتٍ وعلائم كثيرة بل وكثيرة جداً بمقدار الظواهر البشرية والاجتماعية والكونية التي تحتاج إلى تعليل وتبرير وتفسير، وكل ظاهرة نعزوها إلى إله، أي إلى شكل من أشكال الإله أو إلى فاعلية من فاعليات الإله الواحد”، ولذلك من آلاف السنين وإلى اليوم حين يفتتح راهب القرية الهندوسية صلاته اليومية يفتتحها بهذه الجُمل الثلاث أو الأربع التي سنذكرها في ثنايا الخُطبة بالشرح، حيث يقول في البداية “إلهي اغفر لي ثلاث خطايا – جمع خطيئة وليس خطأ وأخطاء ثلاثة – ناجمة عن محدوديتي البشرية”، أي أن هذه الخطايا نجمت عني لأنني بشر، وسنذكر – كما قلنا – الجمل بالتفصيل والشرح لكن لابد أن نُشير إلى أنه من الجميل أن يُدرِك الهندوسي واليهودي والمسلم والبوذي أو أي شخص آخر محدوديته البشرية، فلو تأمّلتم لوجدتم أننا تقريباً نُعيد إنتاج العالم مفهومياً وذهنياً بحسب ذواتنا وبحسب شخصياتنا وبحسب تكويننا حتى الحسي الفيزيقي، ولذلك نقول حين نقول رأس الإنسان، أي رأسي ورأسك وهذا شيئ جميل ومفهوم، ولكننا نقول أيضاً رأس المال وهذا شيئ عجيب، فنحن نقول رأس المال – مثلاً – ورأس الجبال وإلى آخره لأن كل شيئ نُريد أن نُشخِّصه بالمُقارَنة مع الشكلة الإنسانية، ومن ثم نقول يد القدر تلعب وفلان وقع في يد القدر، فنعتقد أن للقدر يد لأن لنا أيدٍ، ومن ثم نقول أن للجبل رأس لأن لنا رأساً، ولأن لنا أرجل نقول أن فلان راسخ القدم في العلم أو أن فلان رسخت قدمه، ونقول أيضاً عن الحرب أنها قامت على قدمٍ وساق، فضلاً عن الكثير من المقولات التي نقولها مثل بطن الوادي، فهل عند الوادي بطن – أي كرش – Bauch؟!
ولا مُشكِلة في هذا لأن هكذا هى كل اللغات وليست العربية وحدها،وهذا ما نُعبِّر عنه بأن الإنسان شاء أم أبى يُعيد إنتاج العالم والوجود ذهنياً بحسب مركزيته، فالإنسان هو المركز وطبعاً الجهات الست تُحدَّد بحسب الإنسان أيضاً، فهذا اليمين من جهه هذه اليد التي تُسمى باليد اليُمنى ومن ثم الذي يليها من جهتها يُقال عنه جهة اليمين، ولذلك هذه المسألة نسبية – Relativ – لأن الشخص الذي يقف إلى جانبي ما يُعَدّ بالنسبة إلىّ يميناً يُعَدّ بالنسبة إليه شمالاً لأنه عن شماله رغم أن الجهة هى نفس الجهة، ولذلك يُقال الجهات إضافية والجهات نسبية، وهكذا يكون الذي عن يساري هو جهة الشمال، والذي فوق رأسي يُسامِته الفوق، لكن إذا وقت أحدهم في الطابق العُلوي سيكون ما هو فوق بالنسبة إلىّ هو تحت بالنسبة له لأن الجهات إضافية، وهكذا الحال في جهة النزول.
ولذلك على العقل المسلم أن يكون مرناً ومُتسِعاً وذكياً مُتألِّقاً حين يتعاطى مع نصوص فيها تشابهات – أي نصوص مُتشابِهة – كالحديث المُخرَّج في الصحيحين وغيرهما عن أن الله – تبارك وتعالى – ينزل في ثلث الليل الآخر لأن النزول هنا لا يعني نزولاً حسياً، حاشا لله فهذا لا يليق به أصلاً، ولكن إما فوَّضت وإما أوَّلت فتقول نزول رحماتي أو نزول استجابته أو نزول القرب، ولكن ليس نزول – حاشا لله – الذات أبداً، هذا مُستحيل لأن الآن ثابت أن الطفل الذي يقرأ وهو في الصف الخامس أو السادس الإبتدائي سيقول لك أنا أعرف معرفة يقين وأقطع بأن الأرض كروية وأن الليل والنهار يتعاورانها – أي أن الليل والنهار يتعاوران هذه الكرة الأرضية – فلا تخلو الأرض أو لا يخلو الكوكب من ليل ونهار، فباستمرار هناك ليل وهناك نهار، فإذا كان الله ينزل إذا بقيَ ثلث الليل الآخر معنى ذلك أنه لن يصعد وسيبقى نازلاً دائماً لأن هذا الثلث موجود دائماً، فهناك ليل مُستمِر، والحديث يُفهِم بظاهره أنه ينزل وبالتالي هناك مُقابِل للنزول وهو الصعود حيث أن النزول حالة خاصة، لكن هنا لن تُصبِح حالة خاصة وإنما حالة دائمة فلا معنى لها إذن، وبالتالي حاشا لله أن تتحدَّث عن نزول بهذا المعنى الحسي، وبالتالي علينا أن نكون أذكياء ورهِفين حين نتعلَّم وأن نحترم مُقرَّرات العقل والعلم وقواطع اليقين الإنساني وفي ضوئها نستهدي بفهم النصوص، لأنها هذه النصوص في نهاية المطاف مصبوبة في قالب اللغة، واللغة شأن بشري وفاعلية بشرية، ومن هنا – كما قلت – هذه اللغة ليست تعمل بمنأى عن إعادة إنتاج العالم ذهنياً بل هى وسيلة ذلك، وعلى كل حال لها شأن أبعد حتى من الشأن الوسلي ولكن هذا يدخل في فلسفة اللغة وهذا موضوع آخر!
ونعود إلى الراهب الذي يقول في بداية صلاته “إلهي اغفر لي ثلاث خطايا ناجمة عن محدوديتي البشرية، أنني أعبدك في هذا المكان – أي في هذا المعبد Temple البسيط، وهذه هى الخطيئة الأولى – وأنت أوسع من أن تكون في مكان”، وهذا صحيح لأن الله لا يحله مكانه ولا يحل في مكان – حاشا لله – أبداً، فلا يُمكِن أن يتحيّز في مكان.
ماذا كان يدعو النبي في الحديث المُخرَّج في الصحيح من حديث أبي هريرة رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه؟!
كان من دعائه – عليه الصلاة والسلام – الذي ورد في الحديث والذي كان يدعو به في صلاة الليل أيضاً “اللهم أنت الأول فليس قبلك شيئ، وأنت الآخر فليس بعدك شيئ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيئ، وأنت الباطن فليس دونك شيئ، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر”.اللهم آمين.
قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي – رحمة الله تعالى عليه – في كتابه الأسماء والصفات وقد استدل بهذا الحديث “مِن أصحابنا مَن استدلوا به على نفي المكان عن الله”، وطبعاً من المفروض أن الأمة باستثناء المُشبِّهة الذين خُولِطوا في عقولهم وأُصيبوا بالمرور والجنون أو ما يُشبِّهه أجمعت على أن الله – تبارك وتعالى – مُنزَّه عن الجسمية وعن هذه الحيثيات الباطلة التي لا معنى لها في حقه – لا إله إلا هو – فهو القائل لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ۩، ومن هنا قال الحافظ أبو بكر البيهقي أنهم استدلوا به على نفي المكان عن الله، وذلك لأن الله لا يتمكَّن، الله ليس مكيناً في مكان، لأن الله – تبارك وتعالى – لا يعتمد على شيئ خلقه، فالله وراء وبعد كل شيئ خلقه وأحدثه، وبالتالي لا ينتسب في وجوده إلى ما أحدثه ولا يعتمد في وجوده على شيئٍ أحدثه – لا إله إلا هو – لأن كل شيئ أحدثه الله – وكل ما عداه مُحدَثٌ له – يعتمد على الله – تبارك وتعالى – في وجوده وينتسب إليه ويفتقر إليه ويقوم به ولا يقوم بذاته، أما الله فيكون وحده ولا يحتاج لأحد، وهذا معنى أنه واحدٌ أحد، حيث يُوجَد تفرّدٌ فارد وإطلاقية مُطلَقة Absoluteness And Uniqueness ومن هنا الله قال قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۩ اللَّهُ الصَّمَدُ ۩ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۩وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ۩ ، علماً بأنن وجدنا أن نصيب النفي أزيد من نصيب الإثبات، فالله قال قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۩ اللَّهُ الصَّمَدُ ۩، أي إثباتان وهما أحدٌ وصمد، ولكنه قال بعد ذلك لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۩ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ۩، أي أن الله أورد النفي ثلاث مرات، ومن ثم فإن نصيب النفي أزيد من نصيب الإثبات!
ولذلك أنا أقول لكم ببساطة واستهداءاً بهذه السورة الجليلة – هذا استهداء بسورة التوحيد التي تعدل ثلث القرآن العظيم والذكر الحكيم – أن الله – تبارك وتعالى – حق معرفته أن نعرفه وفق هذه المُعادَلة الإخلاصية – نسبة إلى سورة الإخلاص – ومن ثم يجب أن يكون نصيب النفي في معرفتنا أزيد من نصيب الإثبات، بمعنى أننا سُنوغِل في معرفته كلما أدركنا أننا أقرب إلى أن نعرف ما ليس هو أكثر مما نعرف ما هو، فمَن الذي يعرف ما هو وهو القائل وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۩؟!
فلا يُمكِن أن نعرف ما هو، ولكن يُمكِن أن نعرف ما ليس هو، فالله ليس كذا وليس كذا وإلى ما هنالك، فتستطيع أن تأخذ في مشوار النفي هذا إلى أن تنقضي حياتك وحياة الأكوان، ومن ثم تنفي عنه كل مُشابَهة لأي شيئ أو حتى لأي معنى أو لأي مفهوم حادث، فتنفي هذا عنه باستمرار، ولكن بعض اللاهوتيين الغربيين المسيحيين للأسف بالغوا وأخطأوا فقال أحدهم “حظنا من معرفته النفي وليس الإثبات”وهذا غير صحيح، وهنا تبرز فائدة القرآن الكريم وعظمة الذكر الحكيم، فهذا هو القرآن الكريم الثابت المحفوظ نصاً وفصاً بفضل الله – تبارك وتعالى – من غير تغيير ولا تحريف ولا زيادة ولا نقصان، والقرآن الكريم أخبرنا أن الله سميعٌ بصيرٌ قويٌ حييٌ مُتكلِّمٌ قادرٌ – لا إله إلا هو – شاءٍ مُريد لطيف جبَّار قهَّار وإلى آخره من صفات، ولكن القرآن أخبرنا أيضاً بشكل عام جُملي عن طريق معرفته بالنفي، فهذا لا يُنال بعبارة لأنه أوسع من كل عبارة، ومن هنا خبَّرنا طريق معرفته بسبيل النفي، قال الله هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ۩، أي هل تعلم له شبيهاً أو ضريعاً أو نظيراً أو مثيلاً؟!
حاشا لله، لا نعلم يا رب أبداً، وحقك وقدسك لا نعلم، وجلالك لا ندري.
ومن هنا الله قال وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ۩ وقال أيضاً سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۩ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۩ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩، فمَن أراد أن يُسلِّمه الله في الدنيا والآخرة عليه أن يُوغِل في تنزيه الله بقدر ما يستطيع ولذلك قال سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۩ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۩ لأنهم أعظم خلق الله تنزيهاً لله، لأن التسبيح كما قال الإمام عبد القاهر أجمعوا على أن معناه تنزيه الله عن ما لا يليق بجلاله، فهذا هو معنى التسبيح، وهذه هى السبيل الألحب والسبيل الأعرض والسبيل الأوسع في معرفته مع سبيل الإثبات، فنحن نُؤمِن بالاثنين – أي بالإثبات وبالنفي معاً – فلا يغرنكم أن الثابت من أسمائه وصفاته أزيد من الثابت بالنفي، لأن الثابت بالنفي مُجمَل يتسع لكل ما يخطر على بال بشر، مُجمَل لأن لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ ۩- لا إله إلا هو – وهذه من مُحكَمات القرآن، فإذن التشابه يدخل في صفات الله وأسمائه المُثبَتة التي حصل حولها خلاف كصفة المجيء وصفة النزول وصفة الاستواء وصفة اليد واليدين وإلى آخره، وهذه المُتشابِهات شقت الأمة إلى اليوم، أما المنفي كقوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ ۩ وقوله هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ۩ – في النهاية هذا مؤداه نفي، أي ليس له سميٌ وليس له مثيلٌ، ومن هنا قوله أيضاً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ۩ – يُعَد من المُحكَمات وإليها تُرَد المُتشابِهات لأنها من أم الكتاب، والأم هو كل أمرٍ جامع يؤوب إليه ما عداه من شعوبه وذيوله، هذا هو الأم وهذا معنى أنهن مُحكَمات وهن أُمُّ الْكِتَابِ ۩.
ونعود إلى الراهب الذي يقول “إلهي اغفر لي ثلاث خطايا ناجمة عن محدوديتي البشرية، أنني أعبدك في هذا المكان وأنت تجل عن كل مكان – ونُوافِق على هذا –
وأنني أعبدك في هذه الصور والأشكال وأنت لا شكل لك ولا صورة”، ونُوافِق على شطره الآخر ولا نُوافِق على الشطر الأول، فلا يجوز أن يُعبَد الله لا في شكل ولا في صورة، فوثنية الهنادكة هذه كوثنية العرب، أما أنه لا شكل له ولا صورة فنعم نحن نُوافِق على هذا لقوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ ۩ ومن ثم فهذا صحيح، وهنا تأتي عظمة التوحيد الإسلامي الذي لا يُبيح لك بناءاً على هذا المُحكَم الثابت أنه لا شكل له ولا صورة ولا يُشبِه شيئاً أن تتخذ صورة بعذر محدوديتك لأن هذه وثنية تُفسِد الدين وتأتي عليه من جذوره أحياناً، ومن ثم الإسلام مُتنزَّه عنها بفضل الله تبارك وتعالى.
الخطيئة الثالثة والأخيرة “أنني أتوجَّه إليك بحمدي وثنائي وأنت مُستغنٍ عن كل حمدٍ وثناء، ولكن أرجوك وأبتهل إليك أن تقبل صلواتي وأثنيتي عليك”، ونُوافِق عليه جزئياً ونرفضه جزئياً فالقرآن الكريم يقول كل مَن يشكر فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ ۩ وبالتالي مَن يعمل إنما يعمل لنفسه، ويقول أيضاً وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ ۩، والله يرضى الشكر لنا وهو لا يحتاجه ومن هنا قال وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ۗ ۩، فالله لا يحتاج لا إلى شكرنا ولا إلى حمدنا ولا إلى تمجيدنا ولا إلى ثنائنا، فسواء عبدناه أو كفرناه الأمر سيان عنده، ولكن لن يكون سيان بالنسبة إلينا لأنه قال فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ۩، ومن ثم سندفع ثمن هذا أو سنُجازى ونُكافأ على ذاك، لكن بالنسبة إليه سيان، وطبعاً تقرير هذا معلوم لأن هذا من بديهيات الدين الآن فلن نخوض ونأتي بالآيات والأحاديث المشهورة في تقرير هذا المعنى حيث أن هذا المعنى توحيدي وثابت للجميع.
ثم يختم الكاهن دعواته الافتتاحية بنفس الشيئ الذي افتتح به فيقول “إلهي اغفر لي ثلاث خطايا ناجمة عن محدوديتي البشرية”، ولكن انظروا إلى المُشترَك اللافت جداً، وهو أنهم في هذا الحديث يتحدَّثون عن الله في مقامين أو ضمن مقامين، فالمقام الأول هو مقام الله في ذاته الذي يقطع فيه الهنادكة بأن الله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ ۩وأنه فوق كل تصور وكل وهم وكل خيال وكل فكر، فهو أبعد من كل شيئ، وهذا صحيح وحقٌ في ذاته فلابد أن يكون أبعد من كل فكر وأبعد من كل خطور خيال أو وهم، ويُنسَب إلى الصديق – رضيَ الله عنه وأرضاه – أنه قال “كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك”، وسواء صحت أو لم تصح النسبة فالمعنى صحيح لأنه مُتأسِّس على القرآن الكريم.
العَجْزُ عَنْ دَرَكِ الإِدْرَاكِ إدْرَاكُ وَالبَحْثُ عَنْ سرِّ ذات السرِّ إشْرَاكُ
وفي الحديث الذي أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات وحسَّن إسناده موقوفاً الحافظ بن حجر في فتح الباري من حديث ابن عباس موقوفاً عليه وليس مرفوعاً إلى رسول الله قال رضيَ الله عنه وأرضاه “تفكَّروا في خلق الله ولا تتفكَّروا في ذات الله”، وأخطأ الشيخ الألباني المُعاصِر فجعله مرفوعاً وصحَّحه، وهذا خطأ لأن هذا لا يصح مرفوعاً، فهو يُروى مرفوعاً ولكن بأسانيد لا تصح، ولكنه بسندٍ حسن مُستجاد موقوفاً على ابن عباس، وطبعاً المعنى صحيح لأن القرآن طافح وملآن من الآيات الآمرة والحاثة على النظر في الملكوت، في تجليات أسماء الله وصفاته وأفعاله، في خلقه وبديع صنعته أو صنعه واقتداره، الله يقول انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ ۩، ويقول فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۩، ويقول أيضاً إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ ۩، ويُذيّل إحدى الآيات في سورة البقرة بقوله لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ۩، ويقول في سورة الغاشية أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ۩، ويقول أيضاً في سورة عبس قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ۩ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۩ وذلك إلى أن يقول فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا ۩، ويقول في سورة ق أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ۩ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ۩، وإلى آخره فالقرآن طافحٌ ومملوءٌ أو ملآن من الآيات الحاثة والآمرة بالنظر في الملكوت، ولكن أوجدوني آيةً واحدة يأمرنا فيها الله – تبارك وتعالى – أن نتفكَّر في ذاته العلية، ليس ثمة آية واحدة تدعو إلى هذا، بل أن الله – تبارك وتعالى – يتحدَّث عن ذاته – لا إله إلا هو – قائلاً لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ۩، ويقول أيضاً لَيْسَ كَمِثْلِهِ – كمثله هو – شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ۩ ومن هنا يقول أيضاً
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۩، فهكذا يُفهِمنا الله ومن ثم فإن حديث ابن عباس صحيح بلا مثنوية وبلا ريب، فالتفكير في نهاية المطاف بحسب العلماء والدارسين هو مُقارَنات، حيث قال ألبرت أينشتاين Albert Einstein أن التفكير هو مُقارَنات، فحقيقة كل فكر هى المُقارَنات بدرجة أو بأخرى، فبماذا نُقارِن الله – تبارك وتعالى – إذن؟!
هذا مُستحيل، لأن الله هو خالق الخلق ومُوجِد كل شيئ، فهو ليس شيئاً من هذه الأشياء، هو شيئٌ ولكن لا كالأشياء لأن الله يقول قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ ۩، ومن هنا قال أهل السُنة “الله يُسمَى شيئاً ولكن لا كالأشياء مُطلَقاً”، فبماذا تُقارِنه؟!
بماذا تُقايس الله وعلى ماذا؟!
لا تستطيع أن تفعل هذا، إذن لن تُدرِكه ولن تُدرِك حقيقة ذاته.
نحن نُدرِك الأشياء بالتصنيف والانتساب، ولذلك في التعريفات المنطقية تذكر جنس الشيئ وتذكر فصله فيتحصَّل لك النوع، وهذا هو التعريف الجامع المانع، ولكن ما هو جنس الله؟!
لا يُوجَد جنس، لا يُوجَد حديقة أو حدائق للآلهة كما في الميثولوجيا – Mythology – اليونانية لتختار لك منها إلهاً ومن ثم تقيسه على سائر الآلهة، أعوذ بالله من هذا الكفر والإلحاد، فلا يُوجَد جنس لله وبالتالي لا نوع لله ولا فصل لله، إذن انتهى كل شيئ فلا يُمكِن أن يُعرَّف الله.
حدَّثتكم مرة أن النحوي الخطير سيبويه – رحمة الله عليه – رُؤيَ في المنام بعد أن توفاه الله فقيل له: يا عثمان – عثمان بن قنبر ما فعل الله بك؟!
فقال “الحمد لله خيراً، غفر لي وأنزلني مُنزَلاً كريماً”، فقالوا: بم؟!
قال “بقولي في الكتاب أن الله أعرف المعارف فلا يُعرَّف”،
أي أنك لا يُمكِن أن تُعرِّف الله بالجنس أو بالفصل أو بالخاصة أو بالعرض العام أو بأي شيئ، الله لا يُمكِن أن يُعرَّف، فهو لا ينتسب إلى شيئ ولكن كل شيئ ينتسب إليه، ومن ثم مُستحيل أن تُعرِّفه.
ولكن قد يتهمنا أحدهم بأننا نتحدَّث عن شيئ معدوم، وهذا غير صحيح ويدل على أن هذا الشخص لم يفهم ولم يُدرِك شيئاً لأننا لا نتحدَّث عن معدوم، ولكنه يتحدَّث كما لو كان أنه فهم – ما شاء الله – ما لم يفهمه كبار الفلاسفة الذين أثبتوا وجود الله تبارك وتعالى، وهذا لا يتعلَّق باليونانيين أو بالإسلاميين وحدهم وإنما بكل الأمم، فكبار الروحانيين وكبار العلماء والعباقرة الفطاحلة في الفكر والعلم والبحث والنظر والتدقيق في الفلسفة والمنطق والعلوم الطبيعية وغيرها أثبتوا هذا، لكن هذا المُعترِض – ما شاء الله – أذكى منهم، علماً بأن برتراند راسل Bertrand Russell لم يكن ذكياً حين تساءل في كتابه لماذا لست مسيحياً قائلاً “أنا مُنذ شببت عن الطوق – وكان ابن ستة عشر سنة تقريباً – أدركت أن الأديان بدعة فارغة وكلام لا معنى له لأنهم يعتمدون دائماً أن هذا الشيئ يحتاج إلى علة وينتهون في الأخير إلى علة يُسمونها الله فيقولون هو خالق كل شيئ، ولكن أنا أتساءل ببداهة وببساطة عن مَن الذي خلقه، ولا جواب عندهم عن هذا ولذلك أنكرته”، ومن هنا أنا أقول لراسل Russell أنه كان في هذه الجزئية جاهلاً وأن هذا التفكير يُعَد تفكيراً سخيفاً على الرغم من أن الرجل كان فيلسوفاً عظيماً وعالماً كبيراً وMathematischer له شأن، فهو رجل خطير الفكر ولكن هنا زلت به القدم، فكما تقول العرب “زل حمار العلم في الطين” لأن سؤاله هنا مُتناقِض، فهو حين يتساءل عن مَن الذي خلق الله يفترض أننا نُوافِقه على أنه معلول لعلة إذن، فصحيح إذا كان معلولاً لابد أن نسأل عن علته، ولكن الفرض هو أن هذه هى علة المعلولات كلها ولا علة لها، ولكن قد يقول لي أحدهم أن هذا الفرض يُعَد فرضاً عدمياً وبالتالي لا ينبغي عليه أن يُؤمِن به وهذا غير صحيح، لأنك لا تُؤمِن به تفضلاً منك ولا مُجاراةً لدعوة نبي أو رسول، وإنما تُؤمِن به بقواعد عقلك على الرغم منك، لأن الكون كله يُثبِت لك بألف دليل وألف برهان أنه لا يقوم بذاته وأنه مُفتقِر إلى شيئ أكبر منه وأوسع منه، وهذا الشيئ هو الذي يقوده ويُدبِّره ويُحكِمه وهو الذي أعطاه اتساقه وانتظامه واستقراره وهو الذي قونَّن أو قنَّن قوانينه – وربما قوّنَن أفضل من كلمة قنَّن – ودستَّر دساتيره، علماً بأنني أثبت لكم قبل أسابيع ربما أو أشهر يسيرة نقلاً عن الفيزيائي الشهير والرياضي التطبيقي بول ديفيز Paul Davis أنه يُؤمِن بأن القوانين لا يُمكِن أن تكون ناجمة من داخل الكون، فالقوانين بطبيعتها كقوانين لابد أن تكون أرفع من الكون وما وراء الكون، إذن يثور السؤال مرة أخرى من داخل الفيزياء التطبقية والرياضة التطبقية: مَن الذي قوّنَن هذه القوانين !
فهذا هو الذي يُلجئنا إلى الإيمان بالله، فنحن نُؤمِن به عبر تجليلات أسمائه وصفاته في وقت العجز عن إدراك ذاته – لا إله إلا هو – حيث أن العقل يقول نعم نُدرِك كل شيئ إلا ذاته لأنها لا تُدرَك فهى – كما قلت لكم – لا تنتسب إلى أي شيئٍ مُبتدَع أو مُحدَث في الكون، هى أصلاً ليس مُبتدَعة وليست مُحدَثة وليست مخلوقة، بل هى خالقة كل شيئ ومن ثم لها أحكام تختص بها إذن وهذا هو الصحيح، هكذا يتسق العقل والضمير ويهدأ الإنسان ويستقر، فهذا هو قرار المُؤمِن الحق.
نسأل الله أن يُثبِّت علينا إيماننا وأن يحفظه علينا وأن يُنمّيه ويزيده ويُثمِّره ويُعظِّمه حتى نلقاه ونحن لا نرتاب في جلاله على ما ينبغي له إثباتاً ونفياً. لا إله إلا هو.
هذا هو، ونعود إلى إلى قضيتنا الرئيسة بعد أن تناولنا شيئاً من الهندوسية، أما بوذية المهايانا Mahayana – علماً بأن بوذية المهايانا Mahayana هى شطر مُختلِف من البوذية لأن أصل البوذية تقريباً أنها لا تتعاطى مع مسألة الإلهية – فتتحدَّث عن الإله بمعنيين وهما “دراماتا دراماكايا Dharmata Dharma-kaya ويوبايا دراماكيا Upaya Dharma-kaya”، فالمعنى الأول وهو دراماتا دراماكايا Dharmata Dharma-kaya يعني الله في ذاته بنفس الطريقة التي تحدَّث عنها الهنادكة، فهو هذا الإله الذي لا يُدرَك ولا يُوصَف وليس له أسماء وليس له شيئ، فهو ما بعد – أي Behind – العقل والفكر وكل شيئ، وأما المعنى الثاني وهو اليوبايا دراماكيا Upaya Dharma-kaya فيعني الله كما يتجلّى لنا وكما نُدرِكه بحسب بنيتنا الذهنية والعقلية وبحسب وسعنا، فنحن نُدرِكه هنا بحسب تجربتنا وبحسب انعكاس أسمائه وصفاته على ساحة العقل والنفس والروح، وهذا الشيئ علينا أن ننتبه إليه ولذلك أنا قلت لكم مرة عبارة مَن لم يفهمها على وجهها من المسلمين ربما رماني بالكفر وهى أن لكلٍ منا في نهاية المطاف الله على قده، فمن المُستحيل أن تقول لي أنك عرفت الله وتُؤمِن بالله بالطريقة التي عرفه بها محمد – صَلَىَ الله عليه وسَلَمَ – طبعاً، فأين أنت من هذا يا حبيبي؟!
بل أن بعض الناس – والله – فكرته واعتقاده في الله لا ترقى عن أفكار الأطفال الصغار، وبعضهم لا يترقى عن أفكار عُبّاد الأوثان، فتجد الواحد منهم يعبد وثناً وهو يُردِّد أن الله هو السميع البصير ولكنه لا يفهم شيئاً مما يقرأ من كتاب الله، ليس لديه تجربة إيمانية حقيقية ومن ثم لا يفهم هذه المسائل ولا يُعنى بها، لأنه مشغول ببطنه وفرجه وبجمع النقود فقط، فلا عناية له بهذه الأشياء، ولذلك هذا المسكين من الخاسرين، لأنه سيموت وسيجد نفسه ضيَّع حياته في شيئ فارغ لا قيمة له، لكن هذا هو أشرف ما تُنفَق فيه الساعات والأعمار!
فإذن البوذيون عندهم نفس الشيئ وعندهم نفس المنطق الذي يتجسَّد في الدراماتا دراماكايا Dharmata Dharma-kaya واليوبايا دراماكيا Upaya Dharma-kaya ، أي الله في ذاته – لا إله إلا هو – والله كما يتجلّى لنا.
وكذلك في اليهودية الشيئ نفسه حيث يتحدَّثون عن جوهر الله – أي الله في ذاته – وعن الله – تبارك وتعالى – كإله لولده أو بني إسرائيل وهو يهوه Jehovah الذي يقولون عنه أنه إله التوراة الخاص بهم والذي عنده علاقة تاريخية خاصة معهم فهو شيئ خاص بهم، لكن الله في ذاته أكبر طبعاً وهو إله العالمين ومن ثم هو شيئ أوسع منهم وأوسع من شعبهم وأوسع من موسى ومن كتابه ومن كل شيئ وهذا صحيح، وكذلك في الكابالا – Kabbalah – اليهودية – وهى التصوّف اليهودي تقريباً – الشيئ نفسه، فهى تتحدَّث عن الله المُطلَق وعن إله التوراة God Of The Bible، حيث أن أتباعها يتحدَّثون عن الله كما هو وعن الله الخاص بالتوراة God Of The Bible، وهو الله الكتابي المُقدَّسي – أي عن الله في الكتاب المُقدَّس بالإضافة، فهذا مُركَّب إضافي – وهذا صحيح!
أما المسيحية فهى أقرب هذه الشرائع والأديان إلى الإسلام علماً بأن لها تراثٌ عريق عكس ما يبدو لبعض مَن لم يعرف المسيحية أيضاً، فهى دين مُتسِع بل هائل الاتساع والمذاهب والأفكار والفلسفات واللاهوتيات، حيث يُوجَد أكثر من لاهوت طبعاً ولكنها أقرب الأديان إلى الإسلام في مُشارَكته هذا المبدأ لأن عندها في هذا الصدد تراث قديمٌ ومُتجدِّد ومن ثم يُؤكِّدون عليه باستمرار، ومن هنا نجد أن سانت أغسطين Saint Augustine يقول “الله وراء كل فكر وكل عقل”، وهذا صحيح فالله الحقيقي فعلاً وراء كل فكر وكل عقل، واللاهوتي الكبير وصاحب الخُلاصة اللاهوتية توما الأكويني Thomas Aquinas أكَّد نفس الاتجاه الأُغسطيني في القرن الثالث عشر، أما سانت أنسيلم Saint Anselm – القديس أنسيلم Anselm من كانتربري Canterbury وهو مشهور جداً في اللاهوت المسيحي وفي الفلسفة الإلهية أيضاً، علماً بأنه صاحب البرهان الوجودي الأنطولوجي – فتحدَّث بنفس الحديث قائلاً “في اللحظة التي تظن أنك عرفت فيها الله – تبارك وتعالى – وعلمت ما هو فأيقن – أي عليك أن تُوقِن – أنك لم تعرفه البتة ولا بأي طريقة لأنه فوق كل ما يُمكِن أن تتعاطى معه”، إذن هم عندهم نفس التراث عن الله في ذاته، والقائمة طويلة جداً ولكنني لا أُريد أن أُطوِّل ومن ثم سأختم بالفيلسوف الإنجليزي الأمريكي الروحاني والمنطقي المشهور جداً الذي شارك راسل Russell في الـ Principia Mathematica وهو ألفـرد نورث وايتهد Alfred North Whitehead لأن ألفـرد نورث وايتهد Alfred North Whitehead يتحدَّث عن الله بالوجود أو بالطبيعة، فيُسميه الطبيعة الأولية وهى طبيعته الجوهرية التي أيضاً هى ما وراء العقل والفكر بالمُطلَق، إذن هو يعترف بهذا هنا ويعترف بقصور العقل، وهذا هو تواضع العقل الإنساني، فإما تواضعت وآمنت على هذا النحو وإما ألحدت وأنكرته، ولكن لماذا؟!
لإرادة القوة، فهنا يُوجَد نموذج من إرادة فرض القوة الذي يتعلَّق بكبر الإنسان، فالكفر عنده في نهاية المطاف جوهر واحد رغم أن عنده أشكال مُتعدِّدة وبواعث كثيرة جداً، لكنه جوهره في نهاية المطاف هو الكبر، فالكبر هو الجوهر الأعتى لكل كفرٍ وعتو – والعياذ بالله – حيث يقول الواحد منهم أنه لن يُؤمِن بشيئ يُخضِع عقله ويكون وراء عقله ومن ثم يُنكِره، فهذا هو الكبر إذن، أما هؤلاء الفلاسفة المُفكِّرون والروحانيون الكبار أُناس مُتواضِعون ولذلك هم أًناس عظماء.
ثم قال ألفـرد نورث وايتهد Alfred North Whitehead “الطبيعة الثانوية لله هى التي تعكس تجلياته في العالم وانعكاسه على الإنسان وأيضاً رد فعل الإنسان على تجليات الله، ومن هنا فإن فهم الإنسان يتعلَّق بالطبيعة الثانوية لله”، ولكن بالمُختصَر المُفيد في اللاهوت المسيحي على اختلاف مدارسه هناك مُصطلَحان، المُصطلَح الأول هو الحق في ذاته أي Real an sich بالألمانية و The Real In Itself بالإنجليزية، والمُصطلَح الثاني عن الله كما يتجلى لنا وكما نتفاعل معه وهوReal Pro Nobis باللاتينية.
Real an sich تعني الحق – أي الحق المُطلَق فهى ليست بمعنى الواقعية هنا وإنما بمعنى الحقيقة Reality – في ذاته دون أي تعيُنات أو تمثلات حتى منا أو تجليلات له في كونه، فهو شيئ وراء ذلك، إذن هذا هو الحق في ذاته Real an sich، أما Real Pro Nobis فتعني الله كما يتجلى لنا وكما نتفاعل معه، لأن الله – لا إله إلا هو – له تجليات ومن هنا قال فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً ۩ وقال الرسول في الحديث الشريف “إن لربكم في أيام دهركم نفحات”، أي أن لله تجليات، فهناك تجليات لله – لا إله إلا هو – بالقهر وتجليات بالجلال وتجليات بالعطاء والكرم والجمال وبغير ذلك، فهذه هى خُلاصة اللاهوت المسيحي وهى خُلاصة مُمتازة كخُلاصة، أما الطرح الإسلامي فهو طرحٌ يبدأ من هنا ليُعطي الجديد، وهنا سترون أن الإسلام يلتقي مع هؤلاء كلهم ويقول لهم “نحن إخوة في تقرير هذه الحقيقة، نحن نتشارك حقيقة واحدة، ولكن اسمحوا لي أن أتقدَّم الآن لأن ما عندكم عندي وما عندي ليس عندكم”، فسيتقدَّم القرآن خُطوة هنا جبَّارة، وهذا هو ما يُعطيه عالميته وما يُرشِّحه أن يكون الدين الخاتم والعالمي الذي يصلح للكل ولا يصلح شيئٌ سواه أو بدلاً عنه ومن ثم لا يُعوِّضه شيئ، ولكن ما هو؟!
لعلنا نستكمل الحديث – إن شاء الله – في الخُطبة المُقبِلة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخُطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
أما بعد:
إذن المسلمون يدعونه الله، اليهود يدعونه أدوناي Adonai، البوذيون يدعونه كما رأيتم في ذاته وكما يتجلى، الهنادكة يدعونه راما Rama أو كريشنا Krishna، والسيخ – وقد كانوا طائفة من المسلمين ولكن للأسف انشقوا عن الإسلام وابتدعوا بدعاً فظيعة جداً – يدعونه إيكو أماكرا، ولكن في نهاية المطاف هل الكل يدعون إلهاً واحداً أم آلهة مُتعدِّدة مُتخالِفة؟!
هذا ما سنُضطَر إلى الجواب عنه أيضاً – إن شاء الله تعالى – في الخُطبة القادمة، علماً بأن هذا الحديث يتصل بسببٍ أو بآخر بما يُعرَف بحوار الأديان ووحدة الأديان والأشياء التي لها علاقة بهذه الموضوعات، وسوف نرى مدى إمكانية أن نبني أو نكتشف أساً لوحدة الأديان التوحيدية والأديان الحلولية – أي أديان الـ Persona وأديان الـ In Persona كما قلت في الخُطبة السابقة – ومن ثم سوف نرى ما يُمكِن أن يُقدِّم القرآن ومحمد هنا في هذه الأشياء الخطيرة بل الأخطر على الإطلاق، لأن في نهاية المطاف أكثر ما يشق الناس هو الولاءات الدينية، فولاء الناس وحب الناس يبقى للأديان، أما الأيدولوجيات الأخرى تذهب وتجيء على عكس الأديان التي تثبت عبر آلاف السنين ومن ثم تُجدِّد الثقة بنفسها وبها بطريقةٍ أو بأخرى.
اللهم إنا نسألك أن تفتح علينا بالحق وأنت خير الفاتحين، علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علماً، اللهم دلّنا عليك دلالة الصادقين وعرِّفنا بك تعريف العارفين إلهنا ومولانا رب العالمين، واجعلنا نخشاك حتى كأننا نراك وأسعدنا بتقواك ولا تُشقِنا بمعصيتك وخِر لنا في قضائك وبارك لنا في قدرتك حتى لا نُحِب تعجيل ما أخَّرت ولا تأخير ما عجَّلت، واجعل اللهم غنانا في أنفسنا ومتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا واجعله الوارث منا واجعل ثأرنا على مَن ظلمنا وأقر بذلك عيوننا، اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا، أنت المُقدِّم وأنت المُؤخِّر، لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

انتهت الخُطبة بحمد الله

فيينا (24/12/2010)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

تعليق 1

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: