ردود شيخنا الفاضل حفظه الله على الكثير من التشغيبات حول طرحه لموضوع معاوية مجيبا عن سؤال كبير عن الفتنة النائمة ومن الذي يوقظها؟ والدعوة موجهة للجميع، محبين ومنتقدين، سائلين الله تعالى أن يوحد هذه الأمة وهو هدف شيخنا من طرح هذه المواضيع، حتى يقترب السني من الشيعي والشيعي من السني وليبقى كل على مذهبه، وهي محاولة جادة لتنقية التاريخ من الشوائب والعقول من التسمم الذي أصابها.

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى، نعوذ برضاك من سخطك، ونعوذ بمُعافاتك من عقوبتك، ونعوذ بك منك، لا نُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وعظيمنا محمداً عبد الله ورسوله،اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً. آمين.

أما بعد، إخواني وأخواتي:

السلام عليكم ورحمة الله جميعاً وبركاته، في هذه الحلقة – أيها الإخوة والأخوات – أُحِب في البداية أن أتعرَّض بالجواب على جهة العجل – إن شاء الله تعالى – لسؤال يطرحه بعض الناس، ما الفائدة المرجوة من طرح هذه الموضوعات على أمتنا المحروبة المُتشظية والمُتناحِرة في هذه الوقت بالذات؟

طبعاً بدايةً أود أن أُشير إلى أن هذه الطريقة – أيها الإخوة والأخوات – في التعاطي مع الحقائق والتعاطي مع الأمور الجدية والأمور الحسّاسة للأسف أدمنت عليها الأمة في هذا العصر الأخير، وليت شعري! ما هي القضايا الحقيقية التي أدمنت الأمة على أن تُعالِجها وبحس نقدي يستشعر المسئولية ويُخامِرها بحيث نرى الآثار في واقع الناس؟ شيئ غريب جداً! يُقال هذا حين تُطرَح قضايا فعلاً لها أهمية عملية وأهمية واضحة كأن الأمة اليوم غير مُنقسِمة إلى سُنة وشيعة وزيدية وإباضية ومُتناحِرة ويُراد الآن لها أن تخوض حرباً ضروساً باسم سُنة وشيعة، كأن الأمة غير مُتناحِرة وغير مُتفرِّقة، كأنها شيئ واحد، وكأن السبب الرئيس في تفرق الأمة وتمزقها إلى سُنة وشيعة وإباضية وزيدية وما إلى ذلكم ليس في هذه الحقائق وليس في هذه الموضوعات، في الحقيقة هو في لُب هاته الموضوعات بالذات!

ما لم تُعالَج هذه الموضوعات ستزداد الأمة تناحراً، سيفوز كل مَن يُراهِن على تفرق الأمة وتمزقها كما يفعل أعداء الأمة الآن، ويضلع علماء من هنا ومن هنا – من جميع الجهات – في خدمة هذا المُخطَّط اللعين الماكر، الذي يُهدِّد مُستقبَل الأمة ومُستقبَل دينها، علينا أن نكون واضحين مع أنفسنا، وهذه الطريقة في الحقيقة أيضاً مللناها وسئمناها، طريقة لماذا الآن؟ كلما طُرِح موضوع حقيقي جدي يقولون لماذا الآن؟ كأنهم مشغولون بالحقائق وبالجديات، يكفينا عبثاً ويكفينا التفافاً على الحقائق!

من وراء ذلك أقول ثم إنني لم أتعرَّض لهذه الموضوعات الآن أو في هذا العام، أنا أتناول هاته الموضوعات من سنين بعيدة – من زُهاء عشرين سنة – على المنابر، من زُهاء عشرين سنة هنا في أوروبا – تحديداً في النمسا – وأنا أتناول هاته الموضوعات بالذات، موضوعات الاستبداد السياسي والطُغيان السُلطوي وجذور هذا الاستبداد والطُغيان في تراثنا الإسلامي، وبالذات مع مُعاوية ومع بني أُمية، من عشرين سنة! ومعروف هذا عني.

الجولة الأخيرة التي تناولت فيها هذا الموضوع كانت قبل زُهاء ثمانية أشهر بمُناسَبة ربيع الثورات العربية، كنا في حُميا الدفاع عن هذه الثورات ومُبارَكتها والانتشاء بنصرها المُظفَّر الذي نسأل الله أن يُتمِّمه للأمة وعلى الأمة بخير، وطرح السؤال نفسه من فوره ومن تلقائه من راهنية الحدث، المعنى الذي ضمَّنته عنوان الخُطبة “بداية كارثتنا” استشعاراً مني ووعياً – لا أقول حدساً بل وعياً – بحقيقة أن هذه الثورات السياسية ما لم تُواكِبها وتعضدها وتسندها ثورات فكرية وثقافية حقيقية – أنا أقول لكم – لا أمل كبيراً من ورائها، ستُعيد إنتاج الطُغيان والاستبداد لكن بأسماء أُخرى، المُسمى واحد والأسماء أُخرى! وقد يكون حتى باسم العلمانيين وقد يكون باسم الإسلاميين أو بغير ذلك، لماذا؟ لأن الثقافة هي ذاتها، العقلية لم تتغيَّر!

وبالله عليك كيف يُمكِن لشيخ أو مُتمشيخ أن يشجب وأن يصم وأن يدمغ الظلم المُعاصِر وهو يُدافِع عن الظلم الذي أسَّس له مُعاوية ونهج له؟ وهو ظلم واضح وصارخ لا يُمكِن لأحد شم رائحة التاريخ أو قرأ صحائف معدودة في التاريخ أن يُنكِره أو يُكابِر عليه، ولو لم يكن من ظلم وعسف مُعاوية إلا أنه حمل ابنه السكّير الخمّير الفاجر الفاسق كما قال في وصفه مُعظَم مُؤرِّخي الإسلام وفي رأسهم الذهبي – رحمة الله عليه – لكفى، لو لم يكن منه إلا أن حمل هذا السكّير المُتهتِّك الخليع على الأمة بالقوة وبالسيف وبرشوة الضمائر والنفوس لكفى، لكفى! لماذا؟ لما ترتب على هذا الصنيع المسبوق بصنيع مثله تقريباً في السوء وإن قل عنه قليلاً، وهو الالتفاف واختداع الأمة عن أمرها والالتفاف على خلافتها وتنصيب نفسه بأسلوب وبألف أسلوب مما سنُفصِّل بيانه إن شاء الله – في الحلقات الجائية أمير المُؤمِنين أو ملكاً بالأحرى، كان ملكاً وقد قال رضينا بالمُلك، كان ملكاً على الأمة ثم بعد ذلك ورَّث المملكة والقطيع من الشعوب الإسلامية لخليعه الهتّيك السكّير الفاسق الفاجر الخمّير والعياذ بالله تبارك وتعالى، هذا واضح جداً! يأتي هذا المُتمشيخ ولا أقول الشيخ – لا يُمكِن لشيخ يحترم عقله أن يصدر عن هذا المنطق العجيب الذي يُزري بعقل صاحبه، يُزري ويشهد بسفه رأيه وقلة عقله – ويُدافِع عن الظلم باسم أن الذي ارتكبه صحابي، سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ۩، كيف يُمكِن هذا؟ أنا أتعجَّب! كيف يُمكِن لهذا المُتمشيخ بعد ذلك أن يشجب وأن يصم وأن يدمغ الظلم المُعاصِر؟ أقول بين قوسين(مُعظَمهم لا يفعل)، هذا الجنس أو هذا القبيل من البشر الذي يُفكِّر بهذه العقلية باسم عقلية السلف وباسم أنهم يتشبَّثون بعقلية السلف – السلف منهم براء إلا مَن كان على شاكلتهم مِمَن شوَّهوا وسمَّموا وعطَّلوا العقل الإسلامي والحس الإسلامي النقدي – مُعظَمهم لا يفعل، مُعظَمهم يُبرِّر للسُلطان، وبالمُناسَبة هم عبيد كل سُلطان ظالم في دولته، حتى القذّافي وادخلوا على اليوتيوب YouTube، الحمد لله، يا رب لك الحمد على نعمة النت Net حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه – والله العظيم – إلى أبد الآبدين، بالله العظيم هذا النت Net خدم الحرية والفكر والديمقراطية والأحرار أكثر مما فعل أي كتاب، شيئ عجيب! تسمع هؤلاء تجد أنهم مسوخ، ليسوا بشراً طبيعيين، أنا قلت شوَّهوا سُمعة الدين فتجهَّم، يا إخواني لا أُحِب أن أُقسِم، هم حتى هكذا، المُهِم لا أُحِب أن أُقسِم كما يُقسِمون كثيراً بالحق وبالباطل وبالصدق وبالكذب، تأتيني مُهاتَفات من دول عربية كثيرة، وتتكرَّر فيها لازمة باستمرار، يقولون تقزَّزنا، أصبحنا نتقرَّف من هذا الخطاب الديني، شعور بالقرف! أنا أقول لكم ليس بالملل وإنما بالقرف، أنا أقول هكذا وسيُزعِجهم هذا، وأنا أقول لهم وأنا أول المُتقرِّفين، يشهد الله أنني أتقزَّز من هذا الخطاب مثل ملايين، يجب أن يسمعوا هذا، يجب أن ينظروا في عينيه، مثل ملايين أصبحوا يتقزَّزون.

بالأمس تقول لي القذّافي ما أحسن صوته بالقرآن! يقرأ القرآن على قراءة قالون، يحفظ كتاب الله، أنا صليت خلفه، أُقسِم بالله صليت خلفه، خرَّب الله بيتك! والله خرَّب الله بيتك، أتُقسِم وتحلف يا رجل على طاغوت العصور؟ القذّافي طاغوت العصر، أنا مُدمِن قراءة سير الطواغيت، لأن قضية الطاغوتية هذه خطيرة، وبالمُناسَبة بين قوسين أقول (الآن حتى بعض المشايخ – وبعضهم أحبابي – والعلماء ذهبوا إلى أبي في غزة هناك يُناشِدونه، نُناشِدك بالله أسكت الشيخ عدنان، لماذا يتكلَّم عدنان؟ أسكته) قلت لزوجتي سُبحان الله، الأمم كلها تُهرَع إلى المُستقبَل وهؤلاء – وهم إخواني وأحبابي – يدورون في مكانهم، ألم تذكروا إذ كنت ابن ربما عشر سنين أو إحدى عشرة أو ثنتي عشرة سنة – في سني الأولى – في المسجد؟ هذا اتفق لي معهم وهم الآن سيرونني، اتفق لي معخم على أنني كنت شديد الحياء جداً بفضل الله، لا أكاد أتكلَّم! ولكن أنا شرعت في قراءة ما يروقني من الكُتب، كُتب فكرية وفلسفية، وكانت في مكتبة المسجد ومكتوب عليها يُمنَع أن تُقرأ، وأنا كنت أمين المكتبة طبعاً – صرت أمين المكتبة في ذلكم الوقت على صغر سني – وكنت أُفتِّش طبعاً وأبحث وأُنقِّر، فأنا أُحِب هذه الكُتب بالذات، وبعضها لمُصطفى محمود وغير مُصطفى محمود، فيها رواسب كثيرة! مكتوب بخط كبير: فيها رواسب كثيرة، يُمنَع من قرائتها، وأنا قرأتها ووجدت فيها زاداً طيباً يُجيب عن بعض تساؤلاتي، فعظم عليهم ذلك ولكن لا يستطيعون أن يُواجِهوني على أنني شديد الحياء والأدب، عندي حُجة وهم يعرفون هذا، كنت طفلاً صغيراً، أنا الآن ابن خمس وأربعين سنة، شيئ غريب! هذا نفس المنطق، يذهبون إلى أبي! ثم صيَّروا لي بعض الإخوة يكبرونني سناً، قالوا لي يا عدنان نرجوك، كف عن قراءة هذه الكُتب، لا ينبغي أن تقرأها، في بيتي! قلت لهم لماذا؟ إياد مزهر كان موجوداً وقد يسمعني الآن، قلت له لماذا يا أخ إياد؟ قال هم هكذا صيَّروني، المشايخ الكبار طبعاً، كبار في السن، في الثلاثين أو في الأربعين، قالوا قل لعدنان هذا، فقلت له لا، عليك أن تُناقِشني وعليهم أن يُناقِشوني، إذا أقنعوني فأنا سأكف، إذا لم يُقنِعوني فلماذا أكف؟ هكذا خلقني الله، يا رب لك الحمد، مُذ كنت طفلاً صغيراً خلقني حراً مُستقِلاً على أنني شديد الحياء والأدب كنت، لا أكاد أتكلَّم، لا أستطيع أن أرفع عيني في أحد، ولكن عقلي لا يُمكِن أن أُعيره ولا أستعير عقل أحد، هكذا خلقني الله! وبعد أربعين سنة في الدراسة أو قريب من ذلك أأعود في حافرتي وأرتكس الآن وأنقلب على عقبي وأُعير عقلي للآخرين أو أستعير عقل الآخرين؟ والله لا أستعير ولو كان عقل أعظم الأئمة وهو أعظم عقلاً مني ألف مرة، لا يعنيني! في نهاية المطاف أنا مُكلَّف بعقلي الذي في دماغي وليس بعقله هو الذي في دماغه، هو مُكلَّف بعقله الذي في رأسه وأنا مُكلَّف بعقلي الذي في دماغي أنا، لن أستعير عقله! وأنصح لكم لا تستعيروا عقلي، إياكم أن تستعيروا عقل أحد، ليُعمِل كل منكم عقله، ثم الحقائق ستلوح لكم – أيها الإخوة – في أكثر القضايا الإشكالية، صدِّقوني! واضحة جداً جداً وضوح الشمس في رابعة النهار.

أحياناً تتعاطى حل مُشكِل أو حل مُشكِلة على ضوء تعاطٍ خاطئ سابق يُوحي إليك أحدهم أنه جرَّب بهذه الطريقة ولم يُفلِح، تأتي أنت تُجرِّب فيُشكِل يك الأمر جداً، لماذا؟ أوحى إليك هو بطريقة خاطئة في التناول، لو أنك أتيت لأول وهلة وتعاطيت مع المُشكِلة لوجدت حلها أمامك تماماً واضحاً، يُقدِّم نفسه إليك سماحاً مجاناً، لكن لأن أحداً من الناس أوحى إليك بطريقة خاطئة أنت وقعت في شرك هذه الطريقة، علقت فيها! وبدأت تُناقِش وتُحاوِل أن تُناقِش هذا المُشكِل وأن تحله من خلال هذه الزاوية الخاطئة، ضيَّع عليك الطريق! لذلك أفضل شيئ مهما استطعنا أن نُحاوِل نتخفَّف من أوهاق الطروحات والآراء والإجماعات والاتفاقات ومُعظَم العلماء وهم علماء كبار وأذكياء، لابد أن نتخفَّف من هذا! نُحِب أن نقتنع بأنفسنا، نُريد أن نفهم يا أخي، لسنا أطفالاً! 

وعقلية الوصاية التي سأتلو عليكم جُزءاً منها سيقف شعر أبدانكم لها، الآن مُوثَّقةً بالمصادر! هذا هو التفكير الإسلامي، تفكير هذا الطريق وهذا القبيل من الناس المُتمسلِفين، عقلية الوصاية وعقلية حرق الوثائق وحرق الأدلة وقتل مَن يجهر بالدليل وإعدام الأدلة، ما هذا؟ أين نعيش؟ في أي عصر؟ لك الله يا أمة محمد من هؤلاء، والله العظيم! يا لله ويا للمُستقبَل ويا للأمة من هؤلاء، خطر عظيم مُحدِق بأمتنا، عقلية الشطب والإلغاء والإعدام والإسكات، عقلية مُخيفة! ينقصها – كما قلت في خُطبة قبل أسابيع – سُلطة فقط، ينقص هؤلاء سُلطة زمانية، وأنا قلت عبارة فلتُسجَّل عني أيها الإخوة: وأما زنادقتنا فحاضرون، الزنادقة دائماً حاضرون! كلٌ منا هو زنديق الآخر، قولوا قال عدنان، هذا هو! كلٌ منا هو زنديق الآخر، أنت زنديقي وأنا زنديقك، ينقصنا السُلطة فقط لكي نُمعِن في ذبح بعضنا وإلغاء بعضنا وتطهير الأرض من بعضنا، تطهير الأرض منا في نهاية المطاف، لا يُمكِن!

على كل حال بداية الجولة – واعذروني على الاستطراد – كانت في ربيع الثورات العربية مع “بداية كارثتنا”، حاولت أن أعرف بداية الكارثة استجابةً للمنطق، منطق الوعي التاريخي، المنطق السديد السليم الذي كثَّفه هيجل Hegel – الفيلسوف الألماني المثالي الشهير الجدلي الديالكتيكي – بقوله مُشكِل التاريخ تاريخ المُشكِل، قال مُشكِل التاريخ تاريخ المُشكِل! عليك أن تعرف أين بدأت الكارثة، حين تذهب الآن وأنت عليل – مُعتَل مريض – إلى الطبيب – أول ما يبحث عنه التاريخ History، يقول لك أُريد تاريخ المرض، متى بدأ معك؟ هل عندك زيارات لأطباء آخرين؟ هل دخلت مُستشفى؟ أرني كل شيئ، لابد من التاريخ History، لكي أعرف الــ Prognosis ومآل المرض بعد ذلك وكيف أتعاطى معاه، لا يُمكِن أن آتي هكذا وأنظر في لحظة مُفرَدة، لا تُوجَد أمة تبدأ التاريخ الآن، هذا غير موجود! الأمم كلها في قلب التاريخ، في قلب المعمعان التاريخي، لا تُوجَد لحظة مُفرَدة! لا يُمكِن أن تأخذ لحظة وتقول هذه لحظة يتيمة في التاريخ وسأدرسها مُنعزِلة من وشائجها وعلائقها، لا يُمكِن لمُؤرِّخ يفهم ما هو التاريخ أن يفعل هذا، علماً بأن أقل الأمم وعياً للتاريخ على أنها أكثر الأمم كتبت في التاريخ تدويناً الأمم الإسلامية، وهي أقل الأمم بإطلاق وعياً للتاريخ، هذه الأمة بالمُناسَبة لديها منطق ضد التاريخ وضد الوعي التاريخي، لا تُؤمِن بهذا!

أكثر سؤال يغيظني: لماذا نبحث هذه الموضوعات؟ وفي الحقيقة – ويعلم الله ذلك – أنا كنت مُعتزِماً أن أجعل خُطبتي هذا الأسبوع عن الوعي التاريخي – خُطبة أمس – ولكن لأن الموضوع – لا أقول يُؤرِّقني – يفور دماغي بالأفكار والنظريات فيه، موضوع كبير جداً جداً، لم أعرف كيف أُلملِم أطرافه لأُكثِّفه في خُطبة، فقلت لأُعطي نفسي فُرصةً أُخرى لعلي أتكلَّم في الأسبوع المُقبِل في هذا الموضوع، الذي يغيظني كثيراً تساؤل الناس: لماذا نبحث هذه الموضوعات؟ وهذا يقوله العلماء كما يقول الجهلاء، إن عذرت جاهلاً لا يعرف كوعه من بوعه فكيف أعذر أكاديمياً يا أخي؟ كيف أعذر أكاديمياً أستاذاً جامعياً وأحياناً يكون أستاذاً للتاريخ؟ يقول ما فائدة طرح هذه الموضوعات؟ لا تُوجَد أمة أزعم على وجه الأرض إلا أن تكون أمة من جنس آخر غير البشر وغير بني آدم تطرح مثل هذه التساؤلات، كل الأمم تُدرِك أهمية الوعي التاريخي وتُدرِك أن الحاضر امتداد للماضي.

وأنا أقول لكم قبل أن أُكمِل أكثر أمة حاضرها مرهون لماضيها الأمة الإسلامية، ما رأيكم؟ بل أنا أقول لكم بحسب الطرح السلفي والطروحة السلفية أو المُتمسلِفة هذه مُستقبَل الأمة أيضاً مرهون لماضيها، لأن لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، يُريدون أن يبتعثوا الماضي كما هو، زعموا! مُستحيل هذا، كلام فارغ هذا، لذلك لم يبتعثوا منه إلا اللحى والجلابيب والأسوكة والإقصاء والتكفير وما إلى ذلك على طريقة بعض أسلافهم، أقول على طريقة بعض أسلافهم وإلا سلف الأمة سلف طيف – Spectrum – طويل، فيه كل الألوان، كل الصنوف، وكل التنويعات، لكن هم أخذوا لوناً واحداً قاتماً وقالوا هذا سلف الأمة! فماضي هذه الأمة بالذات حاضر ماثل في قلب حاضرها وفي عين مُستقبَلها، ثم تقول لك يُطرَح هذه الموضوعات؟ صح النوم يا أمتي، صح النوم يا أحبابي، يا أخي صح النوم، صح النوم! والله أعانني الله على ما أنا فيه، أنا أقول لكم والله أعانني الله، أحياناً أشعر أنني سأنفجر، بيني وبين نفسي – وحدي – أقول كتب الله هذا، هل تعرفون ما السبب؟ هذه الأمة لا تقرأ، وأقول حتى لإخواني العلماء والمُثقَّفين أنتم لا تقرأون، أنتم أُناس بطّالون، الذين يقرأون فينا ويقرأون كثيراً للأسف يغلب عليهم الاتجاه الليبرالي والعلماني واليساري، وواضح – وأقولها وأنا مُستاء جداً وحزين – أنهم أحسن ذكاءً من أكثر الإسلاميين، وأنا مُتأكِّد أنكم تعرفون هذا، وكل مَن يقرأ يعرف هذا، لديهم نوع من التماسك النظري ونوع من الذكاء في الطرح أكثر من المُتمسلِمين أو المُتمسلِفين يا أخي، لماذا نحن مكتوب علينا هذا الغُلب، هذا البؤس، وهذه التعاسة الفكرية والثقافية؟ أمة لا تقرأ، أمة بطّالين، حملة شهادات ومُرتَّبات وفضائيات، يُحسِنون الأقسام ويُحسِنون التمثيل، إلا مَن رحم ربي وقليلٌ ما هم، عيب!

علينا أن نتصف بالصدقية، والحمد لله – أنا أقول لكم – هناك جيل ما زلت أُراهِن عليه بفضل، هناك جيل تكشَّفت أو بدأ تتكشَّف له الأمور، والله لن يُخدَع بكم ولا بأمثالكم، جيل – كما قلت لكم – القرف، جيل صار إلى مرحلة القرف من هذا الخطاب ومن أصحاب هذا الخطاب، لن تُفلِحوا معه، ولستم قادرين على هذا،

اتصل أحدهم قبل أيام من دولة عربية عريقة، قال لي مولانا لي صديق مُلحِد ومن عائلة كُبرى لدينا، قال عائلة مُحترَمة ومن كُبريات العائلات، قال لي هو مُلحِد، وأكثر الناس لا يعرفون هذا، عائلة مُحترَمة مُتديَّنة وكبيرة، قال لي فأخذت بعض تساؤلاته وتشككاته وذهبت إلى شيخ كبير أحترمه، ظننت أنه يفقه ويستطيع أن يُجيب عن هذه الشُبهات الإلحادية، فإذا به يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويقول الله أكبر يا أخي، ألم تقرأ أنت؟ ألم تقرأ؟ ويظن أنه السائل! ألم تقرأ قول النبي في الحديث؟ قال لي وقال لي حديثاً، قلت له أكيد حديث يأتي الشيطان، فقال لي هو هذا، الأخ لم يستذكره، لم يعلق في مُخه أصلاً حتى يُقنِعه، قال لي بالضبط مولانا، هو هذا! فقلت له طبعاً هذا جواب أي شيخ تقليدي مُتمسلِم، سيقول لك أعوذ بالله، أستغفر الله العظيم، ألم تقرأ حديث النبي: يأتي الشيطان إلى أحدكم فيقول له مَن خلق هذا؟ فيقول له الله، مَن خلق هذا؟ فيقول له الله – أي مَن خلق الشجر؟ الله، مَن خلق القمر؟ الله، مَن خلق الإنسان؟ الله، مَن خلق الجان؟ الله – حتى يقول له فمَن خلق الله؟ فإذا بلغ أحدكم ذلك فليستعذ بالله وليُمسِك؟ وهنا قد يقول لي أحدكم هل تسخر من هذا الحديث؟ لا أسخر، أعوذ بالله! هذا في الصحيح، في صحيح مُسلِم! الحديث صحيح لكن هذا الخطاب لمَن بالله؟ أنا أقول لكم هذا خطاب لمُسلِم مُوقِن، مُسلِم عنده إيمان! يأتيه الشيطان من باب الوسوسة لكي يُحزِنه ويُشوِّش عليه إيمانه فقط، فالنبي يقول علاجه أن تستعيذ بالله من هذا اللعين، أما إنسان مُرتاب ومُلحِد حقيقةً وعنده لا أقول شُبهات وإنما عنده ما يراه أنه أدلة وبراهين لن ينفع معه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولو قالها ألف مرة لن تنفعه، لابد أن يبحث وأن يُباحِث المُتكلِّمين والمُتفلسِفين والفلاسفة والعلماء وفلاسفة العلم واللاهوت، هذه مسألة مُعقَّدة يا حبيبي! هؤلاء لا علاقة لهم بهذه القضايا – ما شاء الله عليهم – ويُناقِشون الملاحدة، يدّعون أنهم يعرفون الشُبهات وهم لا يعرفون شيئاً في القضايا هذه، لا يعرفون أي شيئ! يحتج الواحد منهم عليه بقال الله وقال الرسول، ما هذا؟ يا أخي هو يقول لك إنه مُلحِد، لا يُؤمِن لا بإله ولا بنبوة، كيف تقول له الله قال والنبي قال؟ مُصادَرة على المطلوب، مُصادَرة على المطلوب هذه! هذا اسمها في المنطق، غير معقول يا أخي، غير معقول!

على كل حال نحن بدأنا في ربيع الثورات إعادة طرح هذا الموضوع، إعادة طرح وإعادة قراءة – أي Rereading، قمنا بعمل إعادة قراءة – لهذا الموضوع، لماذا؟ نُريد أن نُساهِم في تثوير العقلية الآن، ليس تثوير الكُتلة الجماهيرية Mass وإنما العقلية المزاجية الروحية، نُريد أن نُفكِّك الآليات الفكرية والثقافية والمفاهيمية التي اغتالت العقل والنفسية الإسلامية عبر أربعة عشر قرناً بمُفرَدات مثل الطاعوية، مثل الفتنة، مثل تلك أمةٌ، مثل طاعة السُلطان، ومثل الخروج، إلى آخره! أحببنا أن نُفكِّك، لكي نُساهِم في إنشاء ثقافة جديدة أو بالأحرى في دعم – في دعم وليس إنشاء لأن الثقافة موجودة – اتجاه ثقافي مُحدَّد مُستضعَف، يعمل على استحياء وله أصول أصيلة في تراثنا، بالذات في الكتاب والسُنة الصحيحة.

هذا فُرِضَ عليه أن يسكت وأن يصمت أربعة عشر قرناً وأن تُقطَع ألسنة بل الرؤوس التي فيها الألسنة التي تحكي مصادر الاستدلال لهذا الاتجاه، كانت تُقطَع دائماً، ممنوع! سيأتيك اليوم هذا، من أجل حديث واحد كان يُقتَل البشر، بسبب حديث واحد عن رسول الله تُقتَل، تُقتَل! وكأين من أحاديث دُفِنت وطُمِرت وأدلة عن رسول الله! ممنوع، النبي يسكت، إذا الأمر يتعلَّق بأشياء نحن نراها – هي أشياء أيديولوجية – لتحسين صورة بعض الناس بما فيهم مُعاوية – مُعاوية وأمثال مُعاوية – فالنبي يسكت، مُعاوية يتقدَّم، يسكت النبي وتُحرَق أحاديثه الصحيحة، عجيب! مَن قال هذا؟ أحمد بن حنبل قال هذا، أحمد؟ نعم، اليوم سيأتيكم بالصفحة وبالكتاب، سوف تستغربون!

أنا قلت اليوم أعان الله مَن سيستمع إلىّ، سيُصدَم بحقائق صادمة، غير الفكرة الوردية الاكتمالية الأمثلية التي يُعطوننا إياها عن أمتنا، أمة كاملة، أمة مثال، وأمة فخمة نبوية! كأنها صور مُصغَّرة من محمد عليه السلام، ما الكذب هذا؟ لماذا الكذب؟ تخدعون مَن أنتم؟ تخدَعون مَن يا رجل؟ أمة تعيش أربعة عشر قرناً في الاستبداد، تحت الحذاء الثقيل لجلاوزة السلاطين، وتظن نفسها خير أمة وأعظم أمة وأحسن أمة! ما هذا؟ مُكمَّمة الأفواه، مُصادَرة الحريات، مُهدَرة الكرامات، مُضيَّعة الحقوق، مُباحة الدم، ثم يقولون أحسن أمة وخير أمة، بنو أُمية أحسن ناس، العباسيون أحسن منهم، المماليك رضيَ الله عنهم، العثمانيون ما شاء الله، ما هذا؟ وآل فلان وآل علان الآن، وآل خشبة وآل كذا، غير معقول!

أحببنا أن نُفكِّك وأن نُساهِم حقيقةً في هذا التيار الجديد، ومن جهة أُخرى لاحظت بألم ولاحظ معي كل حر من أحرار هذه الأمة المرحومة أن هناك تعبئةً، ما يجري الآن هو نوع من التعبئة، نوع من التجييش، نوع من إحماء النفوس والصدور وضخ دم فوّار في عروق الحزبية والمذهبية والطائفية، من أجل ماذا؟ واضح جداً! كما أقول دائماً لا يحتاج إلى ذكاء كبير حتى تفهمه، من أجل أن تشتعل المنطقة بحرب جديدة، يُراد لأعداء الأمة أن يُسعِّروا نيران هذه الحرب الآن بنا، نحن وقودها، ليس وقودها الحجارة، لا! وقودها الناس سُنة وشيعة، وباسم سُنة وشيعة ستُخاض هذه الحرب، سأقول كلمة الآن للتاريخ مُستبِقاً الأحداث، وأسأل الله أن يُكذِّبني القدر وألا يحدث شيئٌ من هذا، فيتضح أنني كنت غلطان ولم أفهم شيئاً وكنت واهماً، ولا تدفع الأمة ثمناً باهظاً من دمائها وحيوات أبنائها وبناتها، يُمكِن أن تُخاض حرباً وبدل أن يخوضها العدو الأجنبي يخوضها المُسلِم الشيعي ضد أخيه السُني، والسُني ضد الشيعي، والحرب هي حرب غربية، طبعاً هذا هو! لِمَ لا؟ حصل قبل ذلك شيئ قريب من هذا!

الاتحاد السوفيتي كسَّروه – كسَّروه كما يُقال – ودمَّروه وحطَّموه بالسواعد وبالأرواح الإسلامية، حرب إسلامية! ثم اتضح أنها حرب إسلامية أمريكية، أمريكا تُريد هذا الحرب، وهي مدعومة! ما شاء الله رأينا الأنظمة التي تخدم أمريكا في السر والعلن – المُستهامة بالعشق الأمريكي – تُجنِّد هؤلاء الشباب، وهذا يُقال في المساجد وفي الكُتب وفي المنابر، وهناك التبرعات والتجييش والمُعسكَرات والمطبوعات والبروشورات Brochures، ما شاء الله جهاد! باسم الجهاد حدث هذا، ثم اتضح أن هذا الجهاد هو جهاد إسلامي أمريكي، والآن – إن شاء الله – يحدث شيئ قريب من هذا، نُريد أن نُصفي هذه الأمة بعضها ببعض أو بعضها في بعض، لماذا يذهب جُندي غربي لكي يموت؟ لا! يذهب جُندي مُسلِم بلحية مُتمسلِف يقتل الكُفّار الزنادقة الشيعة،  ويتحرَّك رجل شيعي لكي يقتل الوهّابية الملاعين السُنة، وهكذا! يقتل بعضنا بعضاً وهم يتفرَّجون، ما شاء الله! الآن هناك نوع من السياسة لخدمة هذا الاتجاه، نحن لا نُؤيِّد هذا الاتجاه، كل اتجاه يُريد أن يجعل حربنا داخل الأمة لا نُؤيِّده ولن نُؤيِّده بإذن الله تعالى، وهذا سر الغضبة علينا، افهموا! كونوا واضحين مع أنفسكم ومع الحقائق، كلامي هذا خطير، أعرف أنه خطير ويُغضِب جداً جداً، سأقوله! سأقوله إبراءً لذمتي، سأقوله مهما كان ومهما كلَّف، أيها الإخوة انتبهوا!

قد يقول لي أحدكم أنت تقوم بماذا؟ ماذا تفعل؟ أنا أُساهِم، أنا واحد، كما قلت بالأمس أنا صائح في البرية مثل أشعياء عليه السلام، أنا صائح في البرية! لكن أُحاوِل، لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ۩، أُحاوِل أن أنزع الفتيل، فتيل هذه القنبلة التي ستنفجر في الأمة فتأتي على أخضرها ويابسها، وهنا قد يقول لي أحدكم كيف؟ أنا سأقول له كيف ببساطة وسأكون صادقاً معه، منطق الشيعي المُحترِق أنه لا تقارب، لا تعاون، لا تسالم، ولا مُلاينة حتى يفهم هؤلاء الأوغاد – السُنة العامة والوهّابية والنواصب – ضرورة أن يتخلوا عن كل عقائدهم التي تُخالِف كل عقائدي، هذا منطق مجنون! هذا ليس منطق تعاون ولا مُسالَمة ولا نزع فتيل، هذا منطق انتحاري، ومنطق السُني أيضاً المُحترِق المجنون أن هذا الشيعي الزنديق الرافضي – من أحفاد الباطنية – لا مُقارَبة معه، لا مُسالَمة، لا… لا… لا… حتى يُوافِقني في كل عقائدي، وفي رأس هذه العقائد احترام كل الصحابة، بتعريفي أنا للصحابي، ما تعريفك يا سُني؟ الذي رأى الرسول مُؤمِناً به ومات على ذلك، لا يهم سرق أو قتل أو زنى أو دمَّر – أدمَّر الأمة وظلمها وبهدلها – أو انتهك حُرمة أهل البيت وطردهم ولعنهم وسبهم، رضيَ الله عنه وأرضاه، وفي رأس هؤلاء الظلمة مُعاوية، لابد وأن تترضى عليه!

هناك شبه فتاوى باستحلال دم مَن لا يترضى عن الصحابة ويُذكَر فيهم مَن؟ مُعاوية بن أبي سُفيان، هكذا يُذكَر بالاسم، ما شاء الله! الحكاية تتعلَّق بالتكفير والقتل، إذا لم نترض عن هذا الطاغية – إمام جبابرة الإسلام كما سماه الإمام المُقبِلي – فهذا يعني أننا سنُقتَل، ستُسفَك دماؤنا! ما الفتاوى هذه؟ ما العقلية هذه يا أخي؟ غير معقول! فطبعاً هذا كلام فارغ، نحن ماذا نفعل؟ نحن نقول للذي يقف في أقصى اليمين -ومَن شاء أن يكون هو الذي يقف في أقصى اليمين فليقف، السُني أو الشيعي، لا يعنيينا – هذه الوقفة الأقصوية لا تخدمك ولا تخدم الإسلام ولا تخدم المنطقة ولا الإقليم ولا الحقيقة، لا تخدم شيئاً! عليك أن تُخفِّف من أقصويتك هذه ومن غلوائك، تحرَّك خُطوةً أو ثنتين نحو الوسط، تعال قليلاً يا أخي وتخفَّف، هل أنت مُتأكِّد من أن كل ما عندك هو حق مُطلَق؟ يا أخي الحق المُطلَق لله، تواضع قليلاً يا رجل، قليلاً! خُذ خُطوتين، قل في خُطوتين ليس عندي مُشكِلة لكن ليس في مائة خُطوة، وأنت يا مَن تقف في اليسار – في أقصى اليسار – تخفَّف من هذه الأقصوية، فتحرَّك خُطوتين أو خُطوة إلى اليمين، جهة الوسط! سينظر الشيعي إلى أخيه السُني فيراه أقرب إليه، سيقول والله لم أكن أحسب أنه بهذا الجمال، فيه بعض الجمال، مقبول وفيه أشياء طيبة، يبدو أنه مُسلِم، وسينظر السُني إلى الشيعي ويقول عجيب، يبدو أن الرجل مُوحِّد، ليس زنديقاً كما كنت أعتقد وباطنياً، هناك احتمال لأن نتحاور، جميل! هذا الذي نُريده، وبفضل الله – أنا أقول لكم – يُمكِن أن تدخلوا على اليوتيوب YouTube، انظروا إلى التعقيبات والــ Feedback على مُحاضَراتي وخُطبي، سُبحان الله! سُنة وشيعة يقولون الشيئ نفسه، والشيعة أكثر، عجيب! المفروض أن يكون عند السُنة إنصاف أيضاً، هناك مَن يقول أنا شيعي – وأنا أُشهِد الله أُنني شيعي اثنا عشري – ولكن بعد أن استمعت إليك – بعضهم كتب هذا – الآن سأُعيد النظر في موقفي من الصحابة وسب الصحابة، أنت رجل شريف، هذا منطق شريف، وهذا منطق طيب، وهكذا! أنا أعرف ماذا أفعل، واضح أنني أنزع الفتيل.

في الحقيقة أنا لا أكذب على الحقائق، ليس هذا من حرفتي ولا من طبعي ولا من ديدني ولا أستطيعه، أنا لا أُؤمِن بشيئ اسمه دبلوماسية فكرية، وقد يكون هذا عيباً في، لا أُؤمِن بهذا! الدبلوماسية في الدبلوماسية وفي عالم السياسة، الفكر لا فيه دبلوماسية ولا فيه حلول وسط ولا فيه كذب ولا فيه تزييف، في نهاية المطاف الحقيقة المُجرَّدة كما هي – أنا أقول لك والله العظيم – لن تكون مُضِرة، مُفيدة دائماً! الحقيقة كما هي مُفيدة، قد تقول لي بما فيها ما تعمل أنت عليه كتعرية مُعاوية وإبراز حقيقته كما تراها والتي قد تكون الأقرب إلى الحقيقة – ولا أقول هي الحقيقة المُطلَقة – أيضاً؟ هل هذا يخدم؟ نعم، والله يخدم السُنة قبل الشيعة، أُقسِم بالله! وسوف يظهر لك هذا، اليوم ستلمس أشياء عن هذا، لن تتحرَّر كمُسلِم ولن تتحرَّر كسُني حتى تعرف حقيقة هذا الطاغية، والله العظيم! هذا لعب بدينك يا أخي، لعب بتراثك، لكن ماذا أقول؟ كما قلت لكم سينفجر عقلي بكثرة ما فيه، أنا أتمنى أن الله يُعطيني قدرة على أن أدمج الزمان حتى أُحدِّثكم سبعين ساعة أو مائة ساعة مُتواصِلة لكي أُفضي إليكم بكل ما في دماغي، وحينها أنا مُتأكِّد الأكثر سيقول فهمنا، الآن فهمنا! إلى هذه الدرجة كنا مخدوعين؟ واليوم سنعرف هذا، سنُعطيكم في كل مرة جُرعة، هذا موضوع طويل وطويل جداً، فالحقيقة العارية – الحقيقة كما هي – مهما كانت أليمة، مهما كانت قاسية، ومهما كانت مُرة إخواني وأخواتي – أنا أقول لكم – لا يُمكِن أن تكون مُضِرة، دائماً مُفيدة، والله العظيم! ودائماً تخدم الاجتماع الإنساني، تخدم القيم، تخدم المُثل، وتخدم الروحية والأخلاقية، هذه الحقيقة! لا يُمكِن أن تتناقض الحقيقة، أي مقولة الحق مع مقولة القيمة والأخلاق، حاشا لله! حتى الجمال لا يتناقض معهما، أنا أُؤمِن بهذا التآزر المفاهيمي – يُسمونه Conceptual integration، أي التكامل المفاهيمي – بين مفهوم الحق ومفهوم الخير ومفهوم الجمال، لا يُمكِن أن تتعارض وأن تتشاكس، بل تتعاضد وتتآزر دائماً، فالحقيقة نافعة وأخلاقية وجميلة، وهي حقيقة! لابد أن نفهم هذا، لذلك لا أستطيع أن أتقبَّل مُطلَقاً عقلية نعم هذا حق ولكن لندسه تحت التراب، لماذا؟ لا يخدمنا!

كتب أحد الإخوة الآتي، وأنا أعرف من باب الإشفاق أنه مسكين، وأقول له بين قوسين (مسكين)، مسكين هو! هو لا يعرف ما هو الفكر ولا ما هو الحق، عليه أن يتعلَّم! وإذا سمعني فلا يزعل مني، كتب والله يا شيخ أو يا شيخنا – لا أدري – أنت كما يبدو لي يستغلك هؤلاء، مسكين هذا! هذا لا يسمع كلامي، لا يعرف عقليتي، أنت تقول لي يستغلك هؤلاء، حتى لو استغلني الملاحدة والشيوعيون والصهاينة والصليبيون  – إلى آخره – فهذا لا يعنيني يا إخواني، بالعكس يُسعِدني، يُسعِدني أن الحقيقة التي أقولها يتقبَّلها أي فرد كان من أي مذهب ودين، في نهاية المطاف هذه الحقيقة ستخدم في الاتجاه السليم، أنا أقول لك هذا، قال لي يستغلونك! في المدى البسيط كما ترى أنت هذا استغلال – يتم الاستغلال هذا – لكن في المدى البعيد هذا يخدم ولا يضر، بعد ذلك لا عليك، وطبعاً بعض الناس يُمكِن أن يأخذ الأشياء بطريقة جُزئية، وبعض الحقيقة لا يُساوي جُزءاً منها بل قد يُساوي الباطل، انتبهوا! بعض الحقيقة قد لا يُساوي جُزءاً، الحقيقة لا تتجزَّأ، لا يُمكِن أن تُجزِّئها وتقول أنا سآخذ الحقيقة، هذا يحدث في عالم السياسة ويُسمونها الكعكة، يُقال هذه كعكة وهم اقتسموا الكعكة، ينفع هناك، لكن في الحقيقة لا تُوجَد كعكة الحقيقة، نُقسِّم الكعكة وبعد ذلك كل واحد يأخذ جُزءاً، هذه لن تعود حقيقة، هذه ستُصبِح سماً، مثل المُركَّبات الكيمياوية، أرأيتم؟ البروتين Protein مثلاً، حين تضع شيئاً مكان شيئ أو تحذف شيئاً يتحوَّل إلى سُم، هكذا! لكي يبقى بروتيناً Protein فاعلاً ينبغي أن يكون في كُليته وتكامله، كما هو! وهكذا هي الحقيقة، لذلك نحن نُحِب أن نُوالي الحق كل الحق ولا شيئ – كما يُقال في المحاكم – غير الحق، أُقسِم بالله أن أقول الحق كل الحق ولا شيئ غير الحق، وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ۩، أمة محمد تفعل ما فعله بنو إسرائيل، إنها السُنن! النبي قال إنها السُنن، كما فعل بنو إسرائيل تفعل أمة محمد، قولوا بعض الحق ودسوا بعضه تحت التراب، هذا لا يُقال للناس، بل لا يُقال لآحاد العلماء، إذن لمَن يُقال؟ للجهابذة الكبار الذين يُحسِنون التزييف مثل أحبار بني إسرائيل، ستقول لي مَن قال هذا؟ وأنا سأقول لك مَن قال هذا، الذهبي قال هذا، قال هذا لا يُقال للعامة ولا لآحاد العلماء، يُقال لعلماء خاصين، كأنه يقول لمثلي أنا، لمثلي ولمَن مثلي، نحن نعرف ندس ماذا ونُظهِر ماذا، لا يا حبيبي! لا يُوجَد عندنا هذا المنطق والحمد لله، شكر الله سعي النت Net وسعي مَن عمَّم النت Net في العالم، النت Net ليس عنده ندس ونُظهِر، كل واحد عنده الحق في أن يكتب وأن يُنزِّل، الكل سيعرف، انتهى عهد الوصاية، أنا أقول لكم لأول مرة مع الشبكة العنكبوتية التي حطَّمت عروش وثلَّت عروش ظلمة ستثل عروش الظلم الفكري والظلامات الفكرية، الحندس الفكري! انتهى عهد الوصاية، لا يُمكِن لأحد أن يدس، ولا يُمكِن أن تحرق الكُتب، لا يُمكِن أن تُؤمِّن أو تقوم بعمل قائمة للكُتب مُحرَّمة مثل الكاثوليك في أوروبا في العصور السابقة، كل هذا يفشل مع النت Net بفضل الله، هذا عابر ليس للقارات، هذا عابر للأدمغة والعقول والأمزجة يا حبيبي، فضاء العالم كله هذا أصبح ساحة لعمل النت Net، ما عاد يُمكِن هذا، انتهى عهد الوصاية!

إذن هذا أيضاً دافع آخر، أننا نشعر بالتعبئة وبالتجييش لإشعال المنطقة، لا نُريد هذا، نُحِب أن ننزع الفتيل، نحن نخدم الحقيقة ونرى أن خدمة الحقيقة – سُبحان الله – في الوقت ذاته وعينه تنزع الفتيل، وهذا شيئ طيب جداً، هذا من العوارض الطيبة لخدمة الحق والولاء للحق، بعد ذلك هناك مسألة ثالثة لابد أن أكون مُتواضِعاً وصادقاً مع نفسي ومعكم وأُدلي بها، أنا قيل لي ما حُجتك؟ يا جماعة أنا ما أردت لا أن أتناول مُعاوية ولا أن أُحدِث خصومة شخصية معه، ليس لي خصومة شخصية مع الرجل، وأقسمت أكثر من مرة، يُسعِدني جداً أن يخرج الرجل بريئاً، والله العظيم! يُسعِدني جداً جداً، كل مَن انتمى إلى العهد النبوي السعيد يُسعِدني جداً أن تُبرئه الحقيقة، ليس الأكاذيب والزعم والأيديولوجيا والأمزجة وإنما الحقيقة، أما إذا لم يكن بريئاً فليُدن، انتهى! هذه مسائل قيمية أخلاقية، الظلم ظلم، الحق حق، والباطل باطل، لا تقل لي هذا صحابي أو غير صحابي، لا يُمكِن! الباطل باطل، والحق حق، أليس كذلك؟ وإلا لماذا القرآن نفسه يعتب حتى – ليس على مُعاوية ولا على عمر ولا على عليّ – على رسول الله؟ رسول الله يأتي أي مُخالَفة بسيطة وليس عن نية حسنة بل عن أحسن النوايا وعن أشرف القصود وأعظم العزائم والقرآن ينزل مُدوِّياً مُثرِّباً مُرعِداً مُبرِقاً، لا يُمكِن! عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ۩، مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۩، عَبَسَ وَتَوَلَّى ۩، ما هذا؟ شيئ صعب جداً! وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۩، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩، وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ۩، هذا النبي محمد! تعال بعد ذلك وقل ما تقول، لا يُمكِن! اغلبني على عقلي، حين أُصبِح مجنوناً – إن شاء الله – سأُسلِّم لك ولأئمتك ومشايخك وأسلافك وسأسكت عن ظلم مُعاوية وغير مُعاوية، لا يُمكِن! لست بالأبله، لست بمَن يسفه الحق، حاشا لله أن نكون مِمَن غمط الناس وغمصهم وسفه الحق كمُعاوية، مُعاوية رجل سفه الحق وغمط الناس كما قال الإمام عليّ، لذلك هو رجل مُتكبِّر، مُعاوية أُوتيَ من نفسيته، كتب لعبد الله بن عمر يُغريه بالخلافة، وابن عمر أكثر من مرة عُرِضَت عليه الخلافة، هكذا أُغريَ بالخلافة، قيل له تستحقها وأنت أنت وأبوك معروف مَن هو وما إلى ذلك، عدة مرات! فبعث إليه مُعاوية يظن أنه ما اعتزل عليّاً ولم ينصره إلا طعناً منه عليه وسوء رأي منه فيه، فبعث إليه! هل تعرفون ماذا قال له عبد الله بن عمر؟ قال له ويا مُعاويةُ إن الذي أغراك بي من رأيك هو الذي صيَّرك إلى ما صرت إليه، أنت لا تفهم شيئاً قال له، أنت مُدمَّر، الله أهلكك ودمَّرك، أنت مُدمَّر قال له، أنت المصير الذي صرت إليه – والعياذ بالله وكلنا نعرفه، الصحابة والأمة والتابعون – بسبب الرأي الذي أغراك بي وهو مركب الهوى العثور، مركب الهوى عثور! أنت رجل ركب هواه، وهواه زيَّن له كل بواطيله وكل مظالمه وبوائقه، قال له هذا الرأي الذي أغراك بي – لكي تكتب لي الكلام هذا، تُريد أن تُطمِّعني في الخلافة – من رأيك هو الذي صيَّرك إلى ما صرت إليه، قال له ولست أنا كعليّ في سابقته وإيمانه ومكانه من رسول الله و… و… و… قال له هل تظن أنني مثله؟ وما اعتزلته طعناً مني عليه – قال له لم يحدث هذا أبداً، لا تفهم بشكل غالط ثم تُحاوِل أن تُفهِّم الناس هذا، لم يحدث هذا  أبداً، مَن أنا قال له؟ مَن أنا بالقياس إلى عليّ بن أبي طالب؟ لست بشيئ أنا – ولكن حدث أمر لم يكن عندي فيه من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عهدٌ، ليس عندي هذا، ليس عندي توجيه خاص يقول ماذا أفعل إذا حصل واقتتل فئتان من المُؤمِنين والمُسلِمين، ليس عندي توجيه خاص فخشيت، هذه بالنسبة إلىّ فتنة، فتنة أن أخوض في دماء المُسلِمين، قال له هذا موقفي، على أن ابن عمر ثبت عنه في الأرجح والأصح أنه ندم على اعتزاله نُصرة عليّ بعد ذلك، وقال في أُخريات حياته ما آسى على شيئٍ إلا أني لم أنصر عليّاً على الفئة الباغية، قال هذا الذي آسى عليه، يا للخسارة! وطبعاً ابن عمر لم يقل هذا إلا بعد أن رأى نتيجة ذهاب المنهاج العلوي – الطريقة النبوية العلوية الراشدية الخلافية – وابتلاء الأمة بالنموذج والمنهاج الملكي، الفوضى الملكية! رأى ابن عمر ماذا حصل وماذا جرى على الدنيا والدين وعلى الناس وعلى المنهاج، فصار يبكي ويندم، لكن ولات حين ندم!

فقيل لي أنت تكلَّمت عن مُعاوية، ونعم تكلَّمت أنا في حوالي ثلاثين أو أربعين دقيقة في خُطبة جُمعية بما يتسع له المقام، قيل أين حُجتك وأنت تُخالِف العلماء والعلماء يُخالِفونك؟ يا جماعة قلنا ليس هذا ما أردته، أنا أردت فقط أن تفهموا عني أن هذا الرجل ثابت عنه بالتواتر – بالتواتر المقطوع على غيب الأحداث به – أنه دمَّر أمتنا على الأقل في الناحية السياسية، ذبح الشورى وأتانا بالمُلك العضوض المُستكلِب، المُلك الكلِب العاض، دُمِّرنا إلى اليوم! لعل الثورات – إن شاء اللع – تضع حداً – كما قلت – لهذا التاريخ الذي امتد على أربعة عشر قرناً، هذا الذي قلت! جعلوا القضية ليست قضية تفكير سياسي ولا فقه سياسي، جعلوها طعناً في الصحابة وسباً في الصحابة وتنقصاً من الصحابة، وانتهى! أدخلوك في مُدخَل آخر وقالوا هاتوا دليلك، لا تُحوِجونا – قلت – ولا تلزونا، عندنا الكثير الكثير مما سيصدم كل مَن سيسمعه ومما يجهله مُعظَم المُسلِمين على الإطلاق، لا تلزوني! ظلوا يُلحِون وكتبوا أشياء ووضعوا مقاطع على اليوتيوب YouTube، فقلنا حيهلاً بالدليل، تفضَّلوا! إليكم الأدلة، سنتكلَّم! لن نتكلَّم في خُطبة ولا ثنتين ولا ثلاثين ولا أربعين، سنتكلَّم في سبعين أو ثمانين أو مائة ساعة، أعاننا الله على ما سنستقبل من هذا الحديث الطويل المُسهَب، لكن – بفضل الله أقولها ويشهد الله على ما في قلبي – كلما قدَّرت عواقب ولوازم هذا الحديث المُسهَب المُمتَد رأيت من ورائه فوائد جليلة وعوائد ثمينة جداً جداً بفضل الله تبارك وتعالى، سوف ترون من خلال مُحاكَمتنا للتاريخ الإسلامي مُمثَّلاً في شخصٍ واحد هو مُعاوية ومَن لف لفه ودار في حزبه وشايعه على أغراضه التي لا نُريد الآن أن نصفها وهي موصوفة للقاصي والداني كيف يُمكِن للعقل الإسلامي أن يُعيد ترتيب أوراقه وأن يبدأ أيضاً في مُحاكَمة جُملة من مُسلَّماته ومُمهَّداته ومقبولاته ومُسبَقاته ومفروضاته من جديد – يُعيد بحثها وقراءتها – وكيف سيكتشف أنه كان مخدوعاً تقريباً مُدة أربعة عشر قرناً وكيف أدى هذا الاختداع إلى غمز الدين والاعتقاد والنبي الكريم أيضاً – ليس فقط الصحابة – ودفن موروثات كثيرة وتأليف وافتجار موروثات جديدة، شيئ غريب مُحيِّر! وسوف تشعرون ببعض ما أشعر به من سعادة وانعتاق – والله العظيم – وحرية وحدس بأنني بدأت أقترب من الإسلام الرباني، من الدين المُحمَّدي الإلهي الحقيقي، لا من دين مُعاوية! دين مُعاوية – سأقولها بالفم الملآن وليعتب علىّ مَن يعتب – وطريقة التدين الأُموي التي غلبت على حياة المُسلِمين عبر هذه القرون تدين معلول مُلتاث طقوسي شعائري جدفي وميت، لا روح فيه! يتمسَّك بالصغائر وبالقشور والمظاهر ويستحل الكبائر ويتقحَّم العظائم ويرتكب المُوبِقات ولا يرعوي من المُهلِكات والعياذ بالله، دين يُمكِن أن يجتمع مع اللاأخلاقية، مع عبادة السُلطان، مع التنكر لحق الشعوب والإنسان، مع ظلم المُستضعَفين، مع تزييف الحقائق، مع الزور وشهادة الزور، مع الكذب، ومع الانحطاط الأخلاقي حتى، وأنتم تفهمون عني ما أُريد، مع الانحطاط الأخلاقي! حتى في شخوص وعقليات مشايخه ومُمثِّليه الكذب والدجل على الجماهير وعلى الناس، شيئ لا يُصدَّق! تفصيل عبارتي هذه وقائع كثيرة جداً جداً يُمكِن أن تأخذوها من النت Net أيضاً مُصوَّرة، هناك أشياء مُصوَّرة بعضها اعترافات وبعضهم في شكل مسائل وما إلى ذلك، أشياء مُخجِلة ومُخزية، ويُمكِن أن تأخذوا الكم الأعظم من الوقائع التي يعيشها الناس في بلاد الإسلام والمُسلِمين ومن حياة هؤلاء المُتدينين، يُمكِن أن تروا هذا، موجود هذا! لن هذا دين مبني على الجبرية – مفاهيم الجبر – وعلى الإرجاء، وليس الإرجاء العراقي – انتبهوا – وإنما الإرجاء الشامي.

بالمُناسَبة الإرجاء إرجاءان – وقلت هذا مرة في خُطبة قبل أشهر – وهما إرجاء أهل العراق وإرجاء أهل الشام، إرجاء أهل العراق كإرجاء أبي حنيفة، وهذا الإرجاء في الجُملة يُراعي العامة، لا يُحِب أن يشتط ولا أن يشتد على العامة، عكس مذهب الخوارج والمُعتزِلة، يتشدَّد في حق العامة – مثلاً – وإن تشدَّد أيضاً في حق السُلطان، هذا الاعتزال والخروج، المذهب الخارجي! أما الإرجاء الشامي فهو إرجاء يخدم السُلطان، يقول لك السُلطان إذا حكم ثلاثة أيام – إذا أكرمه الله وتغلَّب بالسيف وذبح الناس وقدر على أن يقفز عليها بالسيف ثلاثة أيام – يغفر الله له كل ذنوبه ويدخل الجنة، عجيب! إلى هذه الدرجة مقام الخلافة عظيم عندكم؟ قالوا نعم، حين تصير خليفة لثلاثة ينتهي كل شيئ، والخليفة – بعون الله – لا حساب عليه ولا عذاب، والخليفة – بحسب منطق الحجّاج بن يوسف – أكرم عند الله من رسول الله، أخرجه أبو داود، وقلنا هذا! أخرجه أبو داود، أيكم رسوله في حاجته أكرم عليه من خليفته في أهله، يا حجّاج لعنة الله عليك – يا حجّاج لعنة الله عليك عبر القرون – إن قلت هذا، وطبعاً لعنة الله عليه لأنه فعل مثل هذا وأعظم من هذا، الرجل المحقور المنكور المسعور – هذا كلب مسعور، الحجّاج كان كلباً مسعوراً، أكل لحوم المُسلِمين وشرب دماءهم هذا الحقير المُجرِم، خبيث الأمة! خبيث أمة محمد – هذا يقول الخليفة أكرم وأعظم من الرسول، وبدليل القياس الحماري. أكرمكم الله، يُوجَد نوع من القياس يُسمونه القياس الحماري، سأشرح لكم إياه بعد قليل، لابد أن نُخفِّف في المجلس، أنا مُتوتِّر قليلاً، لكن هناك شيئ اسمه القياس الحماري، هذا قياس حمار مثل الحجّاج، وهو ليس منه ببعيد طبعاً، من نفس العائلة اللعينة هؤلاء، أعني القذّافي والحجّاج ومَن مثلهم، كلهم من نفس عائلة الطُغاة، لعنة الله على هذه العائلة وعلى هذه السلالات الخبيثة، الحجّاج يقول بالعقل وبالقياس – اعمل قياساً أنت – ابعث رجلاً إلى السوق – ابعث رسولاً لك – أو ابعثه برسالة إلى رجل آخر، أيهما أكرم: هذا أكرم أم خليفتك في أهلك – حين تستخلف رجلاً في أهلك – أكرم؟ أكيد خليفتك، إذن الخليفة أعظم من الرسول، هل فهمتم؟ فهمنا أنك حمار يا حجّاج، فهمنا هذا! فهمنا أنك حمار، هذا اسمه القياس الحماري، لعنة الله على هؤلاء الولاة ولعنة الله على مَن ولاهم ولعنة الله على مَن يُريد أن يُزيِّف علينا الحقائق إلى اليوم وأن نبتلع هذه المظالم وأن نُعيد إنتاجها باسم أنه مذهب أهل السُنة والجماعة، انتبهوا! إذا هذا هو السُنة والجماعة فأنا أول مَن يخرج من هذا النادي، لا أُريده، توقَّفت عن هذا، أنا لست سُنياً، إذا هذه السُنة والجماعة فأنا لا أُريدها، لا أُريدها! وحتى أُوفِّر عليكم – حتى لا تُخرِجوني من النادي وتُمزِّقوا العضوية – أقول لكم أنا توقَّفت عن هذا، السلام عليكم، أنا خارج من هذا، تركته لكم ولأمثالكم مِمَن سفه الحق وأزرى بعقله.

بين قوسين أقول (قصة القياس الحماري كالتالي، حمار – أكرمكم الله – في يوم من الأيام كان مُحمَّلاً بالملح، على اليمين يُوجَد ملح وعلى الشمال يُوجَد ملح، وهذا ثقيل على هذا المسكين، فدخل في النهر، حين دخل في النهر ذاب الملح، نزل الحمار فذاب، حين خرج وجد أنه خفيف، قال والله هذا شيئ جميل، ونحن فهمناه! لكنه لم يفهم ما الذي حصل، في المرة الثانية حمَّلوه قُطناً فقال مُمتاز، سوف أعمل نفس الشيئ، فتقاصر! دخل بنفسه في النهر قليلاً فتقاصر، طبعاً القُطن شرب الماء، أصبح أثقل بضعفين أو ثلاثة، خرج الحمار – أكرمكم الله – ووجد أن الحمل أصبح ثقيلاً جداً جداً جداً، فضرب أخماس في أسداس ولم يقدر على أن يفهم ما الذي حصل، فسمَّوه القياس الحماري).

هل تقيس القُطن على الملح؟ وهل أنت تقيس الخليفة في الأهل على الخليفة في الأمة والرسول في السوق الذي نزل لكي يشتري لنا البندورة والباذنجان وما إلى ذلك على رسول الله يا قرد؟ فلذلك يا حجّاج فهمنا أنك حمار، سنقول هذا بشكل واضح! رجل ذات مرة لعنني وقال لماذا أسب الحجّاج؟ حشرك الله معه يا حبيبي، حشرك الله مع أخبث أمة محمد – الحجّاج هذا – يا غبي، علَّموك أن تكون غبياً، تعساً لك ولما تقرأ! والله العظيم الجهل خيرٌ مما أنت فيه.

شيئ غير معقول يا إخواني، غير معقول وضع الأمة هذا، غير معقول! بعد ذلك في نهاية المطاف يا إخواني نحن نتحدَّث عن نهجين: نهج الراشدين ونهج الأُمويين وهو نهج الملوك، الخلافة لها لسان يُعرِب عن قيم وأخلاقيات ومنهاج ومبادئ وثوابت، والمُلك له لسان بل له سيف وذهب طبعاً – ذهب المُعِز وسيفه – يُصدِر ويُفرِغ عن منطق مُختلِف ومنهاج مُختلِف وقيم مُختلِفة، لذلك لابد أن تكون الأمور واضحة أمامنا، واضحة تماماً! فأنا حين أُناقِش وأفتح ملف مُعاوية وأمثال مُعاوية أنا أُريد أن أُنصِف مسار الخلافة من مسار المُلك العاض المُستكلِب الكلِب، اسمه المُلك الكلِب العاض! كالكلب يعض على عظمة، هكذا يجب أن نكون واضحين، وفي نهاية المطاف المبادئ لا تتغيَّر، اسمها مبادئ! ما معنى مبادئ؟ أي مُنطلَقات دائماً يجب أن تنطلق منها، لو انطلقت من غيرها تضل الطريق، انتبه! مُستحيل، مَن ضاعت بدايته تاهت نهايته، اسمها مبادئ Principles، المبدأ هو المُنطلَق، المبادئ لا تتغيَّر، المبادئ بمعنى أن الحق حق والباطل باطل، أليس كذلك؟ الجميل جميل والقبيح قبيح، الظلم ظلم والعدل عدل، لا يُمكِن أن يستحيل الظلم إذا أتاح رجل اسمه صحابي عندك إلى عدل لأن صحابي فعله، لا! الظلم ظلم، ولو فرضنا – لا قدَّر الله – أن أشرف صحابي فعله وليس مُعاوية لابد أن ندمغه كظلم، نقول له هذا الفعل ظلم وهذا ظالم، أليس كذلك؟ ولا تُوجَد مُجامَلة.

أعتقد في حلقات عدالة الصحابة فصَّلت في هذه المقولة بشكل جيد، أنا بهذه العقلية المُصطفوية النبوية أتحرَّك، ولن أُخدَع عنها، لا يُمكِن أن أُخدَع عنها حتى أُغلَب عقلي أو أشك في ديني، إذا أحببتم أن تُشكِّكوا الأجيال فلتفعلوا هذا، وأنا قلت هذا لإخواني بمنطق بسيط وسلس وسهل، أنا ابنتي – كُبرى بناتي بفضل الله – دائماً تأتيني – شيئ غريب – وتقول لي يا أبتِ هذا الموضوع سمعت بعض صديقاتي يقولونه ولم يدخل عقلي، فقلت لهم بابا هذه بدعة، هذا ليس من الدين، هذا حديث موضوع، سُبحان الله في مرات كثيرة – لست أُحصيها ولكن مرات كثيرة – يحدث هذا، في كل مرة تأتي وتقول لي بابا لم يدخل عقلي أقول لها الحمد لله، هذا موضوع بابا، حديث موضوع! هذا كذب، هذه خُرافة، هذه بدعة، فتقول نعم بالعقل بابا، لم يدخل عقلي، هذا لم يدخل عقلي، جيل مُتحرِّر بسيط، يفهم الأشياء هكذا بالبداهة الفطرية، وقلت لإخواني هذا، ما شاء الله! الآن عليك أن تتخيَّل هذا السيناريو، ابنك الذي وُلِدَ في هذا العصر سواء في السعودية أو في النمسا أو في نيويورك أو في القدس أو في طرابلس – لا يعنيني، لأن العصر واحد الآن، هذا عصر! عصر الفضاء النتي السيبري – يأتيك ويقول لك بابا أو ماما أنا استمعت إلى شيوخ في المساجد ولم أفهم ما قالوه، لُغتي العربية ضعيفة، لكن ما فهمته أنه تحدَّث عن الصحابة وذكر مُعاوية وقال هذا رضيَ الله عنه وأرضاه، أخطأ ولكن له أجر إن شاء الله، ذبح وله أجر، قتل أهل البيت وله أجر، رد السُنة وبدَّلها وله أجر، ذبح الشورى وسفك دمها وله أجر إن شاء الله! أي بين قوسين (للأسف كان مُعاوية عليه أن يذبح أكثر ويُدمِّر أكثر حتى لا يفوته الأجر هذا، أجر المُجتهِد المُخطئ) سوف يفهم ابنك مثل هذا، طبعاً يا للخسارة! كان لابد أن يفعل جرائم أكثر لكي يأخذ أجراً واحداً على الأقل، ما دام غير قادر على أن يفعل شيئاً صحيحاً في مرة واحدة فليفعل أغلاط مُجتهِداً فيها ومن ثم يأخذ أجراً، لكن ضاعت عليه الأجور هذه – أجور جرائم لم يفعلها – للأسف الشديد، ابنك سوف يُفكِّر بالعقلية هذه وحده وبالبداهة، سوف يقول لك بابا هل أستطيع أن أفهم أن هؤلاء الصحابة بالذات طبقة خاصة – Schicht أو Class من البشر، ليس في أمة محمد فقط وإنما في كل الدنيا وفي كل البشر – ولهم ضمانة خاصة فمهما فعلوا ومهما سووا ومهما قتَّلوا ومهما دمَّروا وجاروا على الأمة؟ تسبَّبوا في سفك دماء سبعين ألفاً، ليس عشرة آلاف أو ثمانية آلاف، سوف يأتيك اليقين يا حبيبي، سفكوا دماء سبعين ألفاً لكي يأخذوا الكرسي أخدوعة وأزعومة وأكذوبة، ومع ذلك لهم الجنة قطعاً وحتماً؟ سوف تقول له بابا للأسف هذا مذهبنا، نحن أهل السُنة والجماعة هكذا نعتقد! سوف يقول لك بابا هل هذا في القرآن؟ سوف تقول له للأسف بابا – للأسف جداً – هذا ما نفهمه من القرآن، علماؤنا الذين هم من أهل السُنة فهموا هذا، سوف يقول لك بابا هل محمد كان يقول هذا؟ سوف تقول له للأسف ما نفهمه من كلام محمد هو هذا، سوف يقول لك بابا قرآن الله ومحمد لا أُريده! بضربة واحدة ستُرغِم ابنك على أن يكفر، سوف يقول لك لا أُريد ديناً قرآنه ونبيه يقول أصحابي بالذات لأنهم أصحابي لهم الحق أن يقتلوا وأن يذبحوا وأن يفعلوا الأفاعيل – أفاعيل الظلمة – ومع ذلك ممنوع أن تنتقدهم ويجب رغماً عنك وعن عقلك وضميرك أن تقول رضيَ الله عنهم ويجب عليك أن تعتقد محبتهم وإن كرهتهم نفسك، أنا لا أعتقد أن إنساناً سوياً يقرأ – انتبهوا! أقول أقرأ، لا أتحدَّث عن رجل أبله يسمع كلمتين عن مُعاوية، لا! أتحدَّث عن إنسان سوي يقرأ فقط، يقرأ خمسين أو ستين صفحة عن مُعاوية – يُحِب مُعاوية، هل تعرفون ما الدليل؟ قبر مُعاوية ها هو موجود وفي بلاده، هل سمعتم يوماً أن هناك أُناساً نظَّموا رحلات بالحافلات – Buses – أو الطائرات من أجل أن يذهبوا لزيارة قبر مُعاوية؟ لم أسمع هذا مرة في حياتي، ورأيت قبره في اليوتيوب YouTube أشبه بالمزبلة، والله العظيم!  لا أحد عنده، في حين أن قبر الإمام عليّ في الكوفة مُزدحِم، مثل الكعبة! ليل نهار فيه سُنة وشيعة، حتى من علماء السُنة يُزار دائماً، يذهبون هناك ويسألون الله ويتوجَّهون إليه وما إلى ذلك، باستمرار باستمرار باستمرار! وكذلك الحال مع قبر عبد القادر الجيلاني وقبور الصالحين، قبر أحمد البدوي في طنطا وقبور الصلّاح والناس الطيبين، ماذا عن قبر الحُسين ح رأس الحُسين في مصر – يا حبيبي؟ الحُسين وزينب والسيدة سُكينة بنت الحُسين يا بابا! مُعاوية لماذا الأمة تترضى عليه وتُحِبه؟ كذّابة، تكذب على نفسها، تُحِبه لأنه مُرغَمة على أن تُحِبه، هكذا الدين يقول وإلا ستذهب إلى جهنم، مَن سب مُعاوية فأمه هاوية: اسم كتاب! نُكتة هذه، قالوا مَن سب مُعاوية فأمه هاوية، كتاب تقرأ في خمس دقائق، من أسخف ما تقرأ في حياتك، هؤلاء من أئمة السلف المُحدَثين! فأمه هاوية، لا والله! الحمد لله، أترك الله حسابنا لك ولأمثالك، أنت تغتصب صلاحيات الله يا رجل، أمه هاوية؟ أتحكم عليه بأن أمه هاوية؟ الحمد لله لست قسيم الله في الجنة والنار، لا أنت ولا أمثالك! لست قسيم الحق في الجنة والنار حتى تقول أمه هاوية، مَن سب مُعاوية فأمه هاوية! سبه صحابة كبار أشرف مني ومنك مليون مرة، سبه أئمة عظام أيضاً وبالدليل والحق إن شاء الله، نحن لا نُقلِّد في المسائل هذه.

فقلت لكم القلوب لا تهفو إلى قبر مُعاوية، لا تُحِب الناس زيارته قبره، قبره – انظروا إليه في اليوتيوب YouTube – مثل المزبلة، في مكان هكذا مُقرِف، لا أحد عنده، طبعاً وحدَّثتكم بما ذكره المُؤرِّخون بما فيهم ابن كثير في البداية والنهاية وابن عساكر الذي هو – ما شاء الله – مُولِع بمُعاوية وأورد عشرات الأحاديث في فضائله ولم يصح منها شيئٌ، لذلك أشار ابن عساكر نفسه بالسند المُتصِل إلى إسحاق بن راهويه أنه لم يصح في النهاية في فضل مُعاوية شيئ، قال اعذروني، أنا أعرف هذا، أنا حافظ كبير – أبو القاسم بن عساكر – لكن هكذا العصر يُريد وهكذا هي السياسة، وأنا خرّيج النظامية وأتيت بهذه الآثار الكثيرة المكذوبة والسخيفة جداً جداً جداً جداً، قال النبي ثمانون سنة وهو ينتظر يوم القيامة، حزين! أين مُعاوية؟ بعد ذلك يأتي مُعاوية، فيقول أين كنت يا مُعاوية؟ يقول كنت عند رب العزة يُغلِّفني بيده الكريمة، ما شاء الله، من أسخف ما يكون! هذه أحاديث لكن طبعاً ابن عساكر بعد ذلك ضميره أزَّه وأنَّبه – الإثم حزّاز القلوب – ولذا في النهاية ذكر بالسند المُتصِل عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي – وهو إسحاق بن راهويه – الآتي، قال وعن إسحاق بن إبراهيم أنه قال لم يصح في فضل مُعاوية شيئ، لم يصح حديث واحد! وسوف نرجع إلى هذا مع قصة النسائي مرة ثانية على كل حال.

إذن أنت رغماً عن عواطفك وعن نفسيتك لابد أن تُحِب مُعاوية، تقول أنا لا أُحِبه، لكنه قال لك لا، أمك هاوية، سوف تذهب إلى جهنم، تقول ما الدين هذا؟ أيكون الدين بالطريقة هذه يا حبيبي؟ قلبي لا يُحِبه، لا أقدر يا بابا! لكنه قال لك لا، لابد أن تُحِبه حتى لو كنت تكرهه، هذا رغماً عنك، تقول يا جماعة أنا قرأت التاريخ، وكل ما قرأته عنه لا يجعلني أحبه، ومع ذلك يُقال لك لابد أن تُحِبه!

يتصل بي دائماً – يومياً تقريباً – إخوة، ويقولون لي يا شيخنا أنت الآن طمأنتنا، قال لي أحدهم والله حين كنت صغيراً وقرأت أشياء لم أُحِب هذا الرجل، الآن أنا مُطمئن، وكنت أشك في ديني، أقول هذا صحابي، فلماذا أنا لا أُحِبه؟ الآن أنا اطمأننت بعد أن استمعت إلى مُحاضَرتك، فقلت له اطمئن وانبسط، خطر عظيم أن تُحِب هذا الطاغية، أنا أقول لك دينياً – والله العظيم – خطير عظيم أن تُحِب هذا الطاغية الذي عادى الله ورسوله وأهل بيت محمد وسبهم ولعنهم وتعقَّبهم وفعل بهم الأفاعيل كما سيأتيكم مُفصَّلاً بإسهاب مُمِل بفضل الله، ولكنه يُعطي ثلج اليقين – إن شاء الله – وبرده لمَن استمع إليه.

أطالنا، على كل حال نحن نتكلَّم عن حق وباطل، نكتفي – إن شاء الله – في هذه الحلقة المُطوَّلة بهذا، هذا جواب عن سؤال لماذا نتكلَّم الآن؟ ولكن سوف نُتبِعه بحلقة خاصة في خُطبة جُمعية عن الوعي التاريخي، نضوب الإحساس بأهمية الوعي التاريخي عند الأمة المُحمَّدية! سنتحدَّث عن هذا في خُطبة – إن شاء الله – جُمعية، لعلها في الخُطبة الجائية القادمة، والحمد لله رب العالمين.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: