– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، يا رب لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه كما تُحِب وترضى، نعوذ برضاك من سخطك، ونعوذ بمُعافاتك من عقوبتك، ونعوذ بك منك، لا نُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله وصفوته من خلقه، صلى الله تعالى عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً، واهدنا لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي مَن تشاء إلى صراط مُستقيم. آمين اللهم آمين.

أما بعد، إخواني في الله وأحبتي، أخواتي في الله:

السلام عليكم جميعاً ورحمة الله تعالى وبركاته، مع فضيلة الأستاذ الشيخ المُفكِّر الإسلامي المشهور الأستاذ أحمد الكاتب، والعالم الإسلامي والثورة الثقافية، إذن هما مقامان للحديث الذي يُتوخى من خلاله أن يكون تقدمةً أو كالتقدمة – إن شاء الله – لمُحاضَرة الأستاذ الفاضل، الأستاذ الكاتب والعالم الإسلامي والثورة الثقافية.

مَن هو فضيلة الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب؟ طبعاً أيها الإخوة أعتقد أنه غنيٌ لمُعظَم المُثقَّفين والمُثقَّفات عن التعريف، (ملحوظة) قال الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب العفو، واستتلى الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم حديثه قائلاً فهو شخصية جادة ومُفكِّر ودارس وباحث يتصف بروح المسئولية وروح المُتابَعة لما يمسه من الموضوعات والطروحات، وقد طالعنا بوجهه الصبوح على أكثر من فضائية عربية، كالجزيرة والعربية والمُستقِلة والحوار وغيرها وغيرها، كتاباته أيضاً معروفة وأثارت لغطاً ولا تزال في الأوساط الإسلامية، شيعية وسُنية على سواء.

حتى لا أُطيل في تعريف المُعرَّف والمعروف أقول الأستاذ الفاضل أحمد الكاتب عراقي الأصل بل كربلائي على جهة التحديد، نشأ مُنذ نعومة أظفاره نشأةً دينيةً، فالمدارس التي ارتادها في أول عهده لطلب العلم والدرس وإن كانت في الظاهر مدارس مدنية إلا أنها في جوهرها ومضموناتها وبرامجها تقريباً على حد تعبيره كانت بمثابة حوزة مُصغَّرة، حوزة مُصغَّرة تُدرَّس فيها علوم الدين المُختلِفة.

وبعد ذلك التحق بالحوزة – حوزة النجف – وهو ابن بضع عشرة سنة، وتدرَّج في طلب العلم الشرعي بشرطه من أهله وفي محله كما يُقال، إلى أن صار هو بحد ذاته مُدرِّساً، درَّس في أكثر من حوزة في العراق وفي الكويت وأعتقد ربما أيضاً في إيران.

كان الأستاذ الفاضل أحمد الكاتب – حفظه الله تعالى وأمتع به – مُمتلئاً قناعةً كباحث وكعالم أيضاً وفقيه بمباني مذهبه الإمامي الاثني عشري الذي نشأ عليه ورُبيَ عليه، بل تجاوز ذلك إلى مرحلة الدعوة والتبشير، وصنَّف بيراعته خمسة عشر كتاباً في الذب عن المذهب والتعريف به والدعوة إليه في مرحلة نسبياً تُعَد مُبكِّرةً من عمره الذي نسأل الله أن يُبارِكه، حتى أنه حدَّثنا عن رحلة له استغرقت مُدة ليست بالطويلة إلى السودان الحبيب، أفلح فيها في تشييع جماعة من طلّاب العلم وطلّاب الهُدى، حتى صاروا بعد ذلك علماء، صاروا بعد ذلك علماء ودُعاة إلى المذهب الإمامي الاثني عشري، هكذا! لكن حدث تحول وانعطاف يُمكِن أن يُنظَر إليه على أنه تحول طبيعي في حياة مُعظَم الدارسين الجادين الذين يُتابِعون الدرس بُغية معرفة مزيد من الحقائق، فيصطدمون في الإبان وفي الأثناء بحقائق غير مُنتظَرة وغير مُرتقَبة، هذا ما حدث مع الأستاذ الفاضل.

كان قد نشط أو نشطت همته وانبعثت لتحقيق القول على جهة التفصيل والتعمق في مسألة الإمامة، والتي يعدها مُعظَم إخواننا العلماء والأئمة في المذهب الإمامي من أصول الدين لا من فروعه، مُعظَمهم يعتدونها أصلاً لا فرعاً من أصول الدين، فبين هو كذلك إذا فُوجيء بحقيقة أفقدته ربما اتزانه في البداية، مُرة وصادمة جداً من المصادر الإمامية نفسها على أنها ليست شائعة وليست مما يُقال ويُذاع في الأوساط العلمية نفسها، وهي حقيقة أن هناك روايات كثيرة – هو تعرَّض لها بعد ذلك بالدرس في كتاب مُسهَب، في كتاب مُطوَّل – تُؤكِّد أن الإمام الحادي عشر في سلسلة الأئمة الاثني عشر المعروفين – عليهم السلام أجمعين – لدى إخواننا الإمامية وهو الإمام الحسن العسكري – عليه السلام – لم يُعقِب – لم يكن له خلف – على أن إخواننا الإمامية يعرفون معرفة الاعتقاد لا معرفة الترف الفكري أن الإمام العسكري أعقب ولداً ذكراً هو المعروف بالمهدي عليه السلام، الإمام المهدي! الذي طبعاً مارس الإمامة في صغر سنه – دون الخامسة – ليغيب بعد ذلك الغيبة الصُغرى التي امتدت زُهاء سبعين سنة، اتصل خلالها أو إبانها بشيعته وأوليائه عن طريق نوّاب أربعة، ثم تأذن الله بعد ذلك باختفاء الإمام المهدي إلى يوم الناس هذا فيما يُعرَف بالغيبة الكُبرى، فالأستاذ أحمد الكاتب – حفظه الله – وجد روايات كثيرة قوية فيما يقول وفيما يرى تُؤكِّد أن الحسن العسكري لم يكن له ولد ذكر أصلاً، وهذا طبعاً يُؤذِن بانهيار النظرية الاثني عشرية من أصلها، إذا المهدي غير موجود ولم يكن فهذا يعني أن النظرية ستُصبِح في مهب الريح.

طبعاً لم يتعجَّل وكان إذ ذاك في إيران، كان إذ ذاك في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وناقش هذه النتيجة الخطيرة والمُزلزِلة لكن في نطاق ضيق جداً مع جماعة من أهل العلم والتحقيق، لم يُفلِح أحدٌ منهم في ثنيه عن القناعة بما انتهى إليه، لأن دليله فيما يرى كان أقوى، بعد ذلك راسل جماعة من المراجع، ومنهم المرجع الذي كان هو أيضاً بشخصه الكريم تابعاً له وهو المرجع الشيرازي رحمه الله تعالى، محمد الشيرازي! فقال له هذا يعني أنك ستُوصَد في وجهك كل أبواب العيش، لن تستطيع أن تتحرَّك بعد ذلك، انتهى كل شيئ، ستجلس في بيتك، هذا ما أعجبني في الأستاذ أحمد، قال له هذا لا يعنيني، لا يعنيني أعيش أو لا أعيش وارتزق أو لا أرتزق، تعنيني الحقيقة، طبعاً هذا هو الطراز النادر، أنا أقول ليس طبعاً في وجهه، بالعكس أنا دائماً أُعلي من شأن هذا الطراز، الحقيقة تحتاج إلى فدائيين، بغض النظر أصاب طبعاً هو في قناعته أو لم يُصِب وما انتهى إليه بحثه هو حق أو غير حق، هذا لا يعنينا أيضاً، الذي يعنينا أكثر هذه الروح، الروح المسئولة أمام ضميرها وأمام الحقيقة، أمام قدس الحقيقة! لا يعنيني أن أُنفى من طائفتي أو من مذهبي، أن أُوصَم بالزنديق وبالخارج وبالمارق وبالمُهرطِق، أن أتعرَّض ربما لتهديدات أو مُحاوَلات حتى بالقتل والاغتيال، هذا كله لا يعنيني، تعنيني الحقيقة.

طبعاً هذا يُطلَب أكثر ما يُطلَب من المُتلبِّس بالروح الديني، أي دائماً من الدُعاة والعلماء الدينيين، لكن للأسف عبر التاريخ – وحتى الإسلام ليس بدعاً، المُسلِمون ليسوا بدعاً – ندر مثل هذا الطراز الذي ينذر نفسه للحقيقة المُجرَّدة مهما كانت الأكلاف أو الكُلفة كما يُقال باهظة وثقيلة، هذه عملة نادرة جداً جداً جداً.

بعض المراجع الكُبرى – لا نُريد أن نذكر أسماء حتى لا نُحرِج – أيَّدوا بشكل ضمني وقالوا نحن مع حرية البحث والتحقيق إلى آخر غاية، ولم يُدينوا الأستاذ أحمد بفتوى تُكفِّره أو تُخرِجه عن الطائفة – إلى آخره – أبداً، قالوا نحن مع البحث، بعضهم كتب كتابات كالرد، لكنها كما يقول أستاذنا الفاضل من باب رفع الملام والعتب، كانت كتابات هزيلة جداً جداً وعاطفية وخطابية، لا تُناقِش المسألة علمياً كما فعل هو، لم تفعل هذا! وأكَّدت ما هو معروف لدى العامة والخاصة، ولم تأت بجديد، ولا يزال الموضوع مُستمِراً إلى اليوم.

أنا سألت الأستاذ أحمد سؤالاً، وطبعاً بين مُزدوَجين – وهو سيُصادِق على هذا وإخواني سيُصادِقون على هذا – أقول (هو – جزاه الله خيراً – شرَّفني بأن قصد زيارتي في هذا البلد، ربما من باب النُصرة لي، أنت في عشيرتك وطائفتك السُنية مثلي في طائفتي الشيعية، أنا طبعاً أجد العنت وأنت أيضاً تجد العنت، فلنُحاوِل أن نتكاتف وأن نسير معاً حتى نُعلِّم الطائفتين كيف يكون التجرد في البحث عن الحقيقة بغض النظر يرضى مَن يرضى ويغضب مَن يغضب، لكن الذي أُحِب أن أقوله يعلم هو كما أعلم كما يعلم إخواني المُقرَّبون في الدائرة الضيقة إلى الآن لم يخل بي ولم أخل به، أليس كذلك؟ (ملحوظة) قال الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب نعم، واستتلى الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم حديثه قائلاً ولا دقيقة! ولا أنا طلبت أن أخلو به ولا هو رغب أن يخلو بي، ولعله يُسافِر بعد غد صباحاً ولم نخل بأنفسنا حتى دقيقة واحدة، أتعرفون لماذا؟ لأنه ليس هو ولست أنا من أصحاب التقية ومن أصحاب المُخطَّطات والتكتيكات والاستراتيجيات والأجندات الخفية أبداً، نحن باحثون عن الحقيقة، صادعون بها على أعناق المنابر وعلى الطروس والمهارق، هكذا نصدع بها! لكن للأسف الشديد يُبتلى أمثالنا بمَن يزعم دائماً أن هؤلاء يُمارِسون التقية والاستخفاء، وأنهم أذكياء ومكرة ودُهاة، وأن هناك مَن يُخطِّط لهم، وأن هناك مَن يدفعهم، وأن هناك مَن يدفع لهم، وأنا أقول لكم بكلمة واحدة ومن باب التحليل النفسي رمتني بدائها وانسلت).

أنا شخصياً كعدنان – مثلاً – لم يخطر على بالي مرة واحدة في الزمان – مرة واحدة – حين أُناقِش مَن اختلف مِن الأحياء أو الأموات أنه كان مزروعاً أو مدسوساً، هذه الطريقة المُحزِنة المُؤسِفة الكابية لا تخطر على بالي، كل ما يخطر على بالي أن أتصدى للأفكار وأن أُناقِشها، لكن لا أقول هذا دفع أو مدفوع له والكلام الفارغ هذا، حتى كُتِب قبل أيام نحن الآن لدينا دليل بالصوت وبالصورة أن مُجتبى الشيرازي هو الذي اشترى الزنديق عدنان إبراهيم، مُجتبى الشيرازي أنا لا أعرفه، أنا أعرف رجلاً اسمه الشيرازي وهو بذيء اللسان جداً، كنت تناولته دون أن أذكر اسمه أيضاً في خُطبة جُمعية قبل أشهر – ربما خمسة أو ستة – لأنه بذيء اللسان جداً، هالني وصدمني أن رجلاً في مثل سنه وشيبته بدل أن يكون مُتوقِّراً مُترزِّناً مُتأدِّباً يتكلَّم بهذه القذاعات والبذاءات وفي حق صحابة أجلاء يصفهم بما لا يُوصَف به أخس الناس، فانتقدته دون أن أذكر اسمه على طريقتي وهديي، أنا لا أتناول أحداً باسمه ولا أُحِب هذه الطريقة، وإن شاء الله سأبقى سائراً عليها، مع أنها في وسع كل إنسان، أن تذكر الأسماء! فحينها كُتِب مُجتبى الشيرازي اشتراني، وأنا لا أعرف أن أحداً اشتراني، أسأل الله أن يكون الله هو وحده هو الذي اشتراني.

وبين ظفرين حتى لا يُقال يخدعنا (أنا بريء من الإسلام وذمة الله بريئة مني إن كان أحداً ما في العالمين اشتراني أو يشتريني أو يدفع لي، أنا بريء من الإسلام، (ملحوظة) قال الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب أنت أجل من هذا، ثم استتلى الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم حديثه قائلاً هكذا حتى نكون واضحين، وحتى يعلم إخواننا أن طريقة هؤلاء القوم – والعياذ بالله – تقوم على البهت والافتراء والإفك المُبين وأنهم لا يخشون الله تبارك وتعالى، حين تقول لي لدي دليل بالصوت والصورة أن مُجتبى الشيرازي اشترى الزنديق عدنان إبراهيم أعلم أنك أكذب الكاذبين ربما في هذه الحقبة على وجه الأرض – شيئ عجيب جداً جداً – وأنك لا تخشى الله تبارك وتعالى، ولن أرد عليك وسأقول لك كما قال الإمام المُجتبى الحسن – عليه السلام – لمروان بن الحكم عبر وسيطه: ولن أُحِلك مما وقعت به في حقي بأن أسبك مثلما سببتني، ولكن أتركك لله تبارك وتعالى، فالله أشد نقمة، وأنا أقول لهذا الأخ المسكين – هداه الله – لن أُحِلك مما فعلت وأتركك لله تبارك وتعالى، شيئ غريب، طريقة عجيبة، لا أدري! هؤلاء أساتيذ في مُمارَسة هذه الطريقة السخيفة والرقيعة).

على كل حال لم أخل به ولم يخل بي، ليس لدينا أجندات بفضل الله تبارك وتعالى، وإنما يُفكِّر بهذه الطريقة – كما قلت – على حد ما قيل رمتني بدائها وانسلت، يبدو لأنهم لا يفوهون ولا يكتبون ولا يتكلَّمون إلا إذا دُفِعوا أو دُفِعَ لهم، نحن – بفضل الله – فوق هذا بمراحل، ولا نسمح لأنفسنا أن نكون كذلك، وعلى كل حال إن كان هناك منطق للربح والخُسران أو الخسارة الدنيوية أتعرفون مَن هو أكبر خاسر؟ نحن، هو كشيعي وأنا كسُني، نحن أكبر الخاسرين، نحن أول الخاسرين، هو يخسر في طائفته – (ملحوظة) قال الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب إن شاء نحن رابحون – وأنا أخسر في طائفتي، هذا بمنطق الربح والخسارة كما يفهمونه، لكن بمنطق انتصار الحقيقة نحن خُدّام الحقيقة ونحن من الرابحين، نحن من الرادة، نسأل الله أن نكون رادة وروّاداً في هذا السبيل وأن نُفعِم الأرواح الباذخة الشامخة – إن شاء الله – فعلاً بحس المسئولية وحس التجرد للحقيقة بحثاً عنها وخدمةً لها وصدعاً بها ومُحارَبةً من أجلها. اللهم آمين.

على كل حال الأستاذ أحمد الكاتب انتهى إلى هذه النتيجة التي أثارت لغطاً وعجاجةً لا زالت مُستمِرةً إلى يوم الناس هذا، لكنه تابع أبحاثه فانتهى إلى نتائج عجيبة تلزم من هذه النتيجة بطريقة أو بأُخرى، لكنه لم يأخذها بطريق اللزوم المنطق أو الاستلزام المنطقي وإنما بطريق البحث والتقصي والاستقراء العلمي للأدلة والبراهين والبيّنات، فانتهى أيضاً إلى إنكار عقيدة العصمة، رأى أن الأئمة ليسوا معصومين، قال لا، العصمة بالمعنى الذي نفهمه كشعية غير صحيح، ليسوا معصومين، هؤلاء أجلاء، أماثل، أُناس مُتميِّزون جداً، ولهم خصائص فاضلة بلا شك، لكن أن يكونوا معصومين بالمعنى الذي نُقرِّره في حوزاتنا فلا، قال أنا أيضاً تخليت عن هذا، وهذا في كُتبه طبعاً، أنا لا أفتري عليه، هذا في كُتبه العلمية والمنشورة، منشورة في العالمين!

أيضاً الأستاذ أحمد الكاتب – أمتع الله بطول بقائه – لا يرى ضرورة للتقية الآن، طبعاً هو أعاد تفسير التقية تفسيراً دينياً سليماً مُستوحى من كتاب الله، لكن بالطريقة التي يُريد بعض الشيعة أن تُمارَس بها الطريقة رأى أن ذلك يُشكِّل خطراً كبيراً جداً على إسلامنا، إسلام الشيعة وإسلام غير الشيعة! قال هذا مرفوض، خاصة في هذه المرحلة، الآن الشيعة صار لهم دولة وصار لهم عز ومنعة، ما الذي يُحوِج إلى مُمارَسة التقية بهذا الشكل؟ هذا شيئ خطير جداً جداً، فعلينا أن ننظر فيه، ولكن ليس كل الشيعة يُمارِسون التقية، فهو أيضاً غير مُقتنِع بهذا المبدأ أو بهذا المبنى، أي بالطريقة السائدة، وهذا يُشكِّل أيضاً خُطوة جريئة إلى الإمام.

يرى أيضاً أن التشيع – طبعاً في الحقيقة جُملة كثيرة من الباحثين في الشرق والغرب وحتى من المُستشرِقين يرون هذا الرأي من عشرات السنين – بدأ سياسياً وانتهى عقدياً، تقريباً في مُنتصَف القرن الثاني الهجري، وبعض الباحثين يرون هذا في مُنتصَف القرن الثالث، لكن هو دراساته واسعة ومُوثَّقة، وله كتاب عظيم كبير في زُهاء خمسمائة صفحة اسمه التشيع السياسي والتشيع الديني، التشيع السياسي والتشيع الديني حول هذه المسألة، وقد حظيت أيضاً مسألة الإمامة في هذا الكتاب بنصيب الأسد، فيرى أن التشيع بدأ سياسياً وانتهى دينياً، وهذا استخلاص خطير جداً جداً، إذا لم يبدأ التشيع من أول يوم دينياً عقدياً فمعنى ذلك التشيع كما يفهمه إخواننا الشيعة اليوم عليه علامة استفهام، تدور حوله علامات استفهام كثيرة جداً.

ثم يتساءل أخيراً – حتى لا أُطيل عليكم – ما الذي بقيَ من التشيع؟ أي إن نظرية الإمامة التاريخ تجاوزها، طبعاً بقضية الإمام المهدي واختفائه وغيبته – الغيبتين – دخلت النظرية الإمامية في مأزق حقيقي ومأزق خطير، وأورثت حيرة وبلبالاً لإخواننا الشيعة، فمثلاً بعد الإمام الحسن العسكري انقسم الشيعة الإمامية إلى أربع عشرة طائفة، طائفة منها تقول موجود رقم اثنا عشر، وهذا الرقم هو الإمام المهدي الغائب عجَّل الله فرجه، ولدينا ثلاث عشرة طائفة أُخرى، هذه مسألة تمزيقية كبيرة جداً جداً، فلا يُوجَد اتفاق على هذا الشيئ، لكن المهدي لم يظهر إلى الآن!

الإمام الخُميني – رحمة الله عليه – بتدعيمه لنظرية ولاية الفقيه يبدو أنه تجاوز عملياً مسألة الانتظار، أي انتظار المهدي! لأن في الفكري الشيعي الإمامي الاثني عشري يجب أن ننتظر الإمام المهدي لكي يُقيم لنا دولة الإسلام، ممنوع غير هذا، الجهاد موضوع عن الأمة في غيبة الإمام المهدي، حتى الجُمعة ليست واجبة على الأمة، وهناك أمور كثيرة تتعطَّل في غيبة صاحب الزمان، فإذا ظهر صاحب الزمان استأنف الأمر على وجهه، لكن الإمام الخُميني لم يقتنع عملياً، قال لا، نحن الآن نُسنِد مهام كثيرة من مهام الإمام صاحب الزمان إلى الولي الفقيه، ولذلك سوَّغ وبرَّر بل وطبَّق عملياً التنظيم السياسي – العمل السياسي المُنظَّم لجماهير الشيعة وكوادر الشيعة – ثم أقام دولة إثر ثورة مشهورة جداً جداً هزت العالم، بعض الدارسين يرى أنها أعظم ثورة في القرن العشرين، أعظم حتى من الثورة البلشفية، هكذا! بعض الدارسين يرى هذا، فهذا تجاوز عملي لمبدأ المهدوية ومبدأ الانتظار، فالأستاذ أحمد الكاتب بمنطق عملي كأنه يقول – كأنه يقول مُخاطِباً الشيعة كما السُنة أو الشيعة أولاً طبعاً ثم السُنة بالتبع – إذا فرضنا أن المهدي سيظر في يوم من الأيام فيا حيهلاً، نسأل الله أن نكون من أتباعه، لكن إلى أن يظهر لا أثر عملياً لهذه العقيدة، الشيعة نفسها تجاوزت هذا يا إخواني، إلى أن يظهر علينا أن نعتصم بشيئ يخدم الأمة بشيعتها وسُنتها، بإسلامييها وعلمانييها، ما هو؟ عنده أطروحة الديمقراطية، قال الديمقراطية، التداول السلمي على السُلطة، الانتخابات، الصناديق، الاحتكام إلى إرادة الشعب! هذا منطق عملي، لا نقول إنه براجماتي لكنه منطق عملي إلى أن يظهر، فإن ظهر بعد ذلك فلكل حادث حديث، أما أن نتوقَّف وأن نتعطَّل وأن نتشبَّث بنظريات يبدو أن الزمان تجاوزها فهذا شيئ عجيب ويُعطِّل طاقة الأمة، على أن الشيعة عملياً تجاوز هذا، كما قلنا تجاوزت هذا عملياً!

فهو يرى الآن أن الشيعة في إيران طبعاً عندهم انتخابات وصناديق، وفي العراق أيضاً هناك انتخابات وهناك صناديق بعد زوال النظام الطاغي، نظام الطاغية صدام! فما معنى ذلك؟ معنى ذلك أن الشيعة عملياً في باب الفكر السياسي والمُمارَسة السياسية هم سُنة، يحتكمون إلى ماذا؟ إلى الشورى، إلى الديمقراطية، إذن هم سُنة دون أن يدروا ويقولون إنهم شيعة، في هذا الباب هم سُنة الآن، انتهوا إلى الطروحات السُنية، لأن السُنة مُنذ البداية كان يرون نظرية الشورى، لا نظرية النص أو الوصاية، الشيعة يقولون بالنص والوصية للإمام عليّ عليه السلام، السُنة يقولون لا، الانتخاب! مصدر السُلطة الأمة، مصدر التشريع النص – ليس عندنا مُشكِلة – لكن مصدر السُلطات الأمة، وقد بُويع إلى أبي بكر الصديق بهذا.

وبالمُناسَبة الأستاذ أحمد يُجِل أبا بكر وعمر ويترضى عنهما حيث ذكرهما، (ملحوظة) قال الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب وعامة الصحابة، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم وعامة الصحابة طبعاً، وأما حتى سيدنا عثمان رُغم بعض الأشياء التي أُخِذت على عثمان حتى مع الصحابة أنفسهم فيُسميه الصحابي الجليل، هكذا! ويترضى عنه أيضاً، وهذا شيئ طيب، هذا شيئ طيب ويُبشِّر – إن شاء الله – بإمكانية فعلاً تقارب حقيقية بين المُسلِمين، على أنه لا يفعل هذا من باب التقية كما يزعم بعض مُتطرِّفي ومُتعصِّبي أهل السُنة أبداً أو الخديعة أو المُخاتَلة والكلام الفارغ هذا أبداً، كما لا يفعله من باب أيضاً العمالتية أبداً، إنما يفعله بقناعات علمية، هو توصَّل إلى هذا بقناعات، الرجل طبعاً يقول لك النظرية الإمامية الاثنا عشرية – نظرية اثنا عشر إماماً – لم تبرز بشكل واضح إلا على يد سليم بن قيس الهلالي لأول مرة في القرن الرابع الهجري، هذا طبعاً في الرابع لأن حتى الكُليني استفاد منه، وقد نبَّه على هذا المُؤرِّخ الشيعي المسعودي في التنبيه والإشراف، ذكر هذا! فكيف أنا سأُؤمِن بالنظرية الاثني عشرية ونظرية الوصاية والولاية من أول يوم؟ قال هذا غير صحيح، يبدو أن هناك خلطاً ما! إذن لنتحرَّز قليلاً، ولنُحاوِل أن ندرس التاريخ بروح المُؤرِّخ، على كل حال هذه مسألة أُخرى.

سألت أنا الأستاذ أحمد الكاتب في بيتي حين شرَّفني بزيارته – لكن في طبعاً مجمع من إخواني وهم حضور الآن – يا أستاذ أحمد هل تلقيت في هذه الفترة كلها – الآن زُهاء أكثر من عشرين سنة تقريباً، أي من التسعين، من تسعين أو واحد وتسعين إلى الآن برزت الأفكار ونُشِرت، أكثر من عشرين سنة – تهديداً من الشيعة – من إخوانك في المذهب والطائفة – بالقتل أو بأي شيئ؟ قال أبداً، قلت عجيب! ولا مرة؟ قال لي ولا مرة، قلت له هذا يُصلِّح معلومة في ذهني حقيقةً وأنا أعترف بهذا، أنا دائماً كنت أنطوي على اعتقاد أن في السُنة مُتعصِّبين وفي الشيعة مُتعصِّبين لكن تعصب الشيعة أشد، كنت أقول هذا وأُجاهِر به، كان لدي انطباع – يبدو أنه انطباع – بأن لديهم تعصباً أشد من تعصبنا، كنت أقول هذا، وربما هذا كان يجرح شعور بعض إخواننا الشيعة، وثبت لي العكس بعد ذلك، هذا الأستاذ الفاضل انتهى إلى نتائج مُزلزِلة وخطيرة جداً جداً، وهذه النتائج يبدو أن كل شاب أو شابة من إخواننا الشيعة إذا اقتنع بها فإنه سيتخلى عن تشيعه بالمعنى السائد والمعروف، أليس كذلك؟ سيبقى له من التشيع حُب أهل البيت، كما نُحِبهم نحن، نحن بهذا المعنى شيعة، أليس كذلك؟ أنا شيعي واضح إذن بهذا المعنى، لأنني أُحِبهم بل أعشقهم وأتقرَّب إلى الله بحقهم وأبرأ من ظلمتهم ومِمَن قهرهم وشرَّدهم وعذَّبهم، أبرأ منه في الدنيا والآخرة، ولا يُمكِن أن يصطلح قلبي معهم، سأقول هذا بشكل واضح، بهذا المعنى أنا شيعي، كما عاش الإمام الشافعي تقريباً ومات وهو مُتهَم بأنه شيعي، لأنه كان يستعلن بحُبه لأهل البيت وولائه لهم، لكن التشيع بالمعنى المعروف لدى الشيعة أنفسهم شيئ آخر، هذا يعني أنه لن يبقى منه شيئ، شيئ خطير أن يأتي شيعي يدّعي أنه يجتهد ويبحث وينتهي إلى هذه النتائج، بالعكس! أنت تعمل ضد المذهب، ضد الطائف، وضد كل شيئ،  أنت تُقوِّض البناء من الأُسس، تضرب الأُسس! ولكنه لم يتلق تهديداً بالقتل، فأنا أُحِب هنا – وهذا سيُسجَّل وطبعاً سيُشنَّع علىّ به لكن هذه الحقيقة – أن أُسجِّل كلمة شُكر وعرفان لإخواننا الشيعة، أقول لهم أنتم عقلانيون، لديكم قدر كبير من المرونة والتسامح، وأطلب من إخواني وأهلي – ليس من أجل نفسي، أنا لا أهتم فأنا أعيش هنا في النمسا، لا أحد يُهدِّدني ولا أحد يستطيع أن يُزعِجني أصلاً، ولست والله مُنزعِجاً، أنا أدعو لهؤلاء بالهداية، لا أكثر! ولن أتناولهم بشيئ أنتصر به لنفسي كعدنان، لن أفعل هذا إن شاء الله، وأرجو أن أكون أكثر خشية لله من أن أتورَّط في هذا، أن أنتقم لشخصي الضعيف الفقير – وأدعو أحبتي من السُنة أن يتسموا بروح انفتاحية وتسامح أكثر مما هم عليه، نحن كل ما فعلناه أننا فتحنا ملف مُعاوية بن أبي سُفيان، لن أصفه بما ينبغي أن يُوصَف به، بأنه الباغي الطاغية مُعاوية، هذا ملف مُعاوية يا أخي، ليس ملف عمر أو أبي بكر يا أخي، هذه ملفات مُشرِّفة حقيقةً، لكن هذا ملف غير مُشرِّف، ملف مُخزٍ، تقريباً جُنَّ جنونهم، فقدوا أعصابهم، انتهى الأمر إلى التكفير وإلى الزندقة، بقيَ الآن استحلال الدم، ما هذا؟ أين حرية البحث العلمي؟ أين حرية الكلمة؟ أين كرامة الإنسان؟ أين كرامة الحقيقة؟ شيئ عجيب يا أخي، تعصب مُخيف! ولذلك هذا يُشكِّل وعداً قاتماً، وعداً أسود لهذه الأمة إذا تسلَّط هؤلاء على مُستقبَل هذه الأمة، فنسأل الله الهداية لنا ولهم جميعاً.

فرغت من الجُزء الأول، الجُزء الثاني سأعتذر عنه، لأنني لا أُحِب أن أكون أنا المُحاضِر فضلاً عن أن أكون مُحاضِراً مُمِلاً، موضوع العالم الإسلام والثورة الثقافية لن أتحدَّث فيه ولا بأي كلمة، سأُحيل الكلمة إلى أستاذنا الفاضل، الأستاذ الشيخ أحمد الكاتب حفظه الله، بعد ذلك إن كانت هناك مُداخَلات أو أسئلة وأجوبة سأُشارِك مع المُشارِكين، فليتفضَّل الأستاذ الفاضل مشكوراً.

– الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب: بارك الله فيك، شكراً جزيلاً، أحسنت، السلام عليكم أيها الإخوة الكرام ورحمة الله وبركاته، والأخوات العزيزات الكريمات أيضاً.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه المُنتجَبين، قال الله تعالى في كتابه الكريم – بسم الله الرحيم – وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ۩، وقال أيضاً – بسم الله الرحمن الرحيم – إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ۩، وفي آية أُخرى وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ۩.

هذا المسجد أيضاً يُسمى مسجد الشورى، وهذا الاسم هو اسم عظيم وسر بناء الحضارات، وغياب هذا المفهوم هو سر انهيار الأمم، الله – سُبحانه وتعالى – يُنبِّهنا في هذه الآية الكريمة إلى موضوع حضاري خطير جداً، ونحن يكفينا أن نقرأ تاريخنا، تاريخنا كمُسلِمين وليس تاريخ الإسلام، الإسلام ليس تاريخاً، الإسلام  في القرآن الكريم، لكن نحن كمُسلِمين نرى كيف عشنا وكيف نعيش اليوم، وننظر أيضاً في نفس الوقت إلى الأمم الأُخرى المُتقدِّمة في هذه الحياة ونبحث عن سر تفوقها وتقدمها.

أنتم تعيشون في هذا البلد، هذا البلد يُعتبَر في قمة البلاد الأوروبية كما رأيت وأنا الآن لأول مرة أزور النمسا وقارنتها ببريطانيا، نحن في بريطانيا مُتخلِّفون جداً عن النمسا، هنا قبل مائة سنة تقريباً جاء بعض علماء الإسلام – كالشيخ محمد عبده والشيخ جمال الدين الأفغاني – وجالوا في هذه البلاد، وفي تلك الأيام كانت البلاد لا تزال في بدايتها، فقالوا قولتهم المشهورة المعروفة: رأينا الإسلام في هذه البلاد ولم نر المُسلِمين، وفي بلادنا رأينا المُسلِمين ولم نر الإسلام، لم نر إسلاماً! أي رأينا فقط أسماء مُسلِمين.

هنا في هذه البلاد أنتم ترون العلم، ترون الحرية، ترون السلام، ترون الوحدة – الوحدة الأوروبية ووحدة المُجتمَعات، المُجتمَعات أيضاً تقريباً مُتحِدة -، ترون النظام، ترون العدالة، ترون الغنى، ترون القوة، وترون العزة والكرامة، كل إنسان يأتي إلى أوروبا ويعيش فيها – أو حتى يمر بها مروراً – يرى كيف يُعامِلون الإنسان كإنسان، الإنسان يشعر بكرامته وبحريته، الإنسان عزيز ويشعر بإنسانيته، لكن اذهبوا إلى بلادنا، دعونا من التاريخ، اذهبوا الآن إلى مُعظَم البلاد العربية والإسلامية، ترون الفقر، ترون الجهل، ترون التخلف، ترون الفوضى، ترون الرشوة، ترون الفساد، ترون الحروب، ترون الحقد، ترون الكراهية، ترون البغضاء، ترون الاستبداد، ترون الديكتاتورية، ترون الطُغيان، وترون القتل، القتل المجاني! في تلك البلاد الإنسان لا يشعر بإنه إنسان، وإذا شعر بإنه إنسان فهو إنسان عبد أو مُستعبَد.

فعلاً الناس يعيشون مرحلة العبودية أو حالة العبودية، لا يستطيعون أن يفعلوا أي شيئ، لا يستطيعون أن يُفكِّروا بأي شيئ، لا يستطيعون أن يقوموا بأي عمل، دائماً يخافون من الرقيب ومن المُخابَرات ومن أجهزة الشرطة ومن البوليس Police، هم في حالة رعب، وبالتالي البلاد مُتخلِّفة وتسير نحو مزيدٍ من التخلف ونحو مزيدٍ من الانحطاط، نحن كمُسلِمين نعيش في هذه البلاد لا يكفي أن نعيش في هذه البلاد ونتمتع بخيراتها، يجب أن نُفكِّر، لماذا تقدَّمت هذه البلاد؟ ولماذا تأخَّر المُسلِمون؟ وهذا أيضاً سؤال طرحه شكيب أرسلان أعتقد في كتاب قبل حوالي أيضاً مائة سنة، لماذا تأخَّر المُسلِمون وتقدَّم غيرهم؟ كانت هناك مُحاوَلات عديدة للإجابة عن هذا السؤال.

أولاً الشعور بالتخلف، كثير من المُسلِمين في بلادنا – كثر من العرب والمُسلِمين – لا يشعرون بأنهم مُتخلِّفون، لا يعرفون الوجه الآخر للحياة أو الصورة الأُخرى للحياة، وبالتالي هم قانعون بما هم عليه وبما يعيشون فيه، يقولون الحمد لله رب العالمين ويشكرون الحُكّام ويشكرون الطُغاة، دون الشعور بالتخلف ومُحاوَلة البحث عن حلول وأجوبة وعمل، طبعاً كثير من الناس قدَّموا مُقترَحات عديدة، وكثير من الناس أيضاً قالوا بإن سر تخلفنا الهيمنة الاستعمارية علينا، فالاستعمار الذي سيطر علينا من مائة سنة أو مائتي سنة في بعض البلاد أو أقل أو أكثر حطَّمنا ودمَّرنا وهيمن علينا ولا يزال يمنعنا من التقدم، لا يزال يمنعنا من الوحدة ومن التقدم الصناعي ومن التقدم العلمي، يمنع علينا كثيراً من أبواب العلم ويسد علينا الأبواب، ويتدخَّل في شؤوننا ويبث الخلافات بيننا، هذا صحيح بنسبة مُعيَّنة، بنسبة مُعيَّنة ربما نقول إنه لا شك هناك قوى مُعادية للمُسلِمين أو للعرب تُحاوِل أن تُكرِّس عناصر التخلف والانحطاط في هذه الأمة، ولكن نحن تخلفنا وانحطاطنا لم يبدأ من عهد الاستعمار، وإنما هذا التخلف والانحطاط بدأ من مئات السنين، وإذا رجعنا إلى تجربة الصحابة – رضيَ الله عنهم –  الصحابة بعد خمس وعشرين سنة من وفاة الرسول – صلاة الله وسلامه عليه – يدخلون في فتنة كُبرى ويقتتلون، يقتل بعضهم بعضاً ويتفرَّقون شيعاً، وهذه الفتنة استمرت إلى اليوم، الفتنة لم تنته! لم تنته حتى بسيطرة نظام مُعيَّن أو عائلة مُعيَّنة لمئات السنين، لأنهم كانوا يخلقون الفتنة دائماً.

الحاكم الذي يمسك الأمور بقبضة من حديد ويُهيمن على الشعب سوف يخلق مُعارَضة، سوف يخلق فتنة، فهو إذن يخلق الفتنة المُستمِرة التي ستنفجر فيه مُستقبَلاً، وهكذا دواليك! دائماً كنتم ترون الثورات وهي تتفجَّر في البلاد العربية والإسلامية، فترة من الزمن تمر ظاهرها الهدوء وظاهرها السكينة والقوة ربما – هناك مَن ربما يبني قوة أو يبني أسلحة أو يبني مصانع – ثم فجأة تنفجر الأمور وينهار النظام وتشتعل الفتنة من جديد، وهناك أمثلة كثيرة أنتم تعرفونها، فلست في حاجة إلى أن أُؤشِّر إليها.

لماذا؟ لماذا وُجِدَت الفتنة بين الصحابة وهم كانوا في قمة الإيمان وقمة التقوى؟ أي – بصورة عامة أتكلَّم – لماذا يضطرون إلى الاقتتال فيما بينهم؟ لماذا يقتلون عثمان؟ الصحابة يقتلون عثمان! لماذا يقتلونه؟ لأن كانت هناك ثغرات، ثغرات أو ثغرة كبيرة في بناء النظام السياسي العادل في عملية تداول السُلطة بشكل سلمي، نحن نعرف أن أبا بكر – رضيَ الله عنه – انتُخِب بالسقيفة ثم جاء إلى المسجد ثم عرض نفسه من أجل البيعة وبايعه الناس وأصبح خليفة، ثم إنه أوصى لعمر والصحابة رضوا بذلك، بايعوه عن رضا، ليس عن قسر وعن إرهاب، ثم عمر قُتِل فأوصى إلى ستة من قريش، لكي يتداولوا فيما بينهم وينتخبوا أحدهم إماماً، ثم انتخبوا عثمان، ثم عثمان في آخر عهده انتقده الصحابة بسبب أمور سياسية واقتصادية وما إلى ذلك، ثم أدى هذا إلى مقتله، رفض الاستقالة – طالبوه بالاستقالة فرفض أن يستقيل – فصارت مشاكل ووقع قتل وما إلى ذلك فقُتِل، ثم انتخب الثوّار الإمام عليّاً وبايعه مُعظَم المُسلِمين ما عدا الشام الذي كان في قبضة مُعاوية، وبعد ذلك اشتعلت الثورات، عندما شعر بقرب الوفاة أوصى مُعاوية بأن تكون الخلافة في ابنه يزيد، وهو لم يكن مُؤهَّلاً، كان شارباً للخمر ولاعباً للقمار، ولم يكن بمُستوى رجل صالح حتى يتولى، وحتى لو كان رجلاً صالحاً لا يجوز أن يُوصى له، لا يجوز أن يُعهَد له بالإمامة وهناك أُناس آخرون وهناك قوى وهناك أحزاب وهناك قبائل وهناك أُناس لا يرضون بهذا العمل، وهذا تسبَّب في أن أهل العراق كانوا يرفضون بيعته التي يُريد أن يُفرِضها بالقوة والإرهاب وينتخبون الإمام الحُسين، يدعون الإمام الحُسين لكي يأتي ويكون عليهم إماماً، ثم تُقمَع هذه الثورة أو الانتفاضة أو الحركة من أهل العراق وما وراء العراق، وأنتم تعرفون كيف قُتِل الإمام الحُسين، ثم تحدث ثورة في المدينة، ثم تحدث ثورة في مكة، ثم تحدث ثورة في العراق، ثم تشتعل الثورات بصورة مُستمِرة، وهذا استمرار للفتنة، إلى أن يأتي العباسيون في القرن الثاني ويُسيطرون، وأيضاً تشتعل الثورات ضدهم، وتتفرَّق الدولة وتتمزَّق، بقيَ فقط الاسم، في أقل من خمسين أو ستين سنة الدولة العباسية فقدت قوتها وتشرذمت، كل واحد من الولاة كان في ناحية فاستقل بالأمر، وأيضاً كان هناك صراع واقتتال وسيطرة للعسكر على الخلفاء، يومياً يُعيِّنون خليفة ويعزلون خليفة، وبعض الخلفاء فقأوا عيونهم، الجُند فقأ عين الخليفة فأصبح يستجدي أمام الناس على أبواب المساجد، هذه الحالة!

هذه الصور كلها وصراعات القوميات المُختلِفة – العرب والفرس والأتراك والبربر – وغير القوميات المُختلِفة التي كانت تتصارع على السُلطة في ظل الخلافة الإسلامية – كلها تاريخ يكشف عن ثغرة، فنحن غير قادرين على أن نبني نظاماً يُوفِّر العدالة، يُوفِّر الحق، ويحترم الرأي الآخر، طبعاً كل هذه العمليات – الثورات والثورات المُضادة – فيها عمق وفيها دماء وفيها إرهاب وفيها تعذيب وفيها – أكرمكم الله – سباب وشتائم وتكفير، أشياء كثيرة كانت تحدث في خضم هذا التوتر السياسي المُستمِر في الأمة الإسلامية، وهذا مُستمِر إلى اليوم، إلى اليوم نحن نرى كيف يُصاحِب عمليات الثورة كثير من أعمال الشغب والتفرقة والفتنة والقتل والتعذيب وما إلى ذلك.

فنُلاحِظ غياب الشورى، غياب الشورى عند المُسلِمين – هذه الآية مُهمَلة تماماً، وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ۩، أمرهم ليس شورى بينهم، هذا فيما بعد الفترة الأولى – أدى إلى نشوء الاستبداد، والاستبداد هو منبع الفساد ومنبع الظلم، ولا يُوجَد مُستبِد عادل، لا يُوجَد مُستبِد عادل أبداً، لأن المُستبِد بطبيعته أن يظلم، ولابد له أن يظلم، لأنه يُريد أن يستعين بحزب وزبانية وشرطة، ويجب أن يُعطيهم أموالاً، فيجب أن يأخذ أموالاً ظلماً من الناس وأن يُعطيها لأعوانه ولأنصاره، فهؤلاء يرتشون ويقتلون ويذبحون ويفعلون ما يشاءون، وهو يسكت عليهم، لا يُحاسِبهم! لأنه لو بدأ يُحاسِب جماعته سوف يثورون عليه، فإذن هو يُطلِق أيديهم في نهب الثورات ونهب الأمم ونهب الخيرات والفساد في الأرض، فهناك دوائر مُتتالية ومُستمِرة في التخلف والانحطاط، كلما تحاربنا وكلما اختلفنا بصورة عنيفة كلما انحططنا، ثرواتنا وطاقاتنا وجهودنا وشبابنا وكل جهودنا الفكرية تنصب في هذه المعارك العبثية، المعارك العبثية المُستمِرة! وبالتالي نزداد فقراً، نزداد تخلفاً، نزداد أُميةً، نزداد جهلاً، نزداد تفرقةً، نزداد كراهيةً، نزددا عداوةً، ونزداد بغضاءً، وحتى هذا الصراع الموجود والذي ورثناه من آبائنا وأجدادنا – الصراع السُني الشيعي مثلاً – هو مظهر من مظاهر الديكتاتورية، لو كانت هناك ديمقراطية أو كانت هناك شورى سيعتقد كل أحد بما يشاء، أنا سأعتقد بما أشاء وأنا سأحترمك وأنت ستحترمي، ونحن سنتعايش مع بعضنا البعض، وإذا الأمة انتخبتك فأنا سأُعطيك الحق في أن تحكم، وإذا الأمة انتخبتني فأنت ستخضع لي وستتعاون معي وستحترمني، لكن هذا غير موجود، هذا المنطق غير موجود!

نحن سمعنا بعض العلماء الأفاضل في الفترة الأخيرة – في السنوات الأخيرة – يقولون إنهم يُؤمِنون بالديمقراطية – يقولون نحن نُؤمِن بالديمقراطية – ويدعون إلى الديمقراطية، لكنهم يقولون لا نسمح لأحد من الشيعة أن يدعو في البلاد السُنية، ولا نسمح لأحد من السُنة أن يدعو في البلاد الشيعية، أي لمذهبه! لماذا؟ إذا كانت هي حرية وديمقراطية فلنسمح للجميع أن يُعبِّروا عن أفكارهم، ومَن أنت حتى لا تسمح؟ أنت في أي عصر تعيش حتى لا تسمح بهذه الحرية؟ الآن هناك فضائيات، هناك إنترنت Internet، هناك فيسبوك Facebook، وهناك كل شيئ! الناس مُنفتِحون على بعضهم، يقرأون أفكار بعضهم ويتأثَّرون أو يُردون تلك الأفكار الخاطئة، لكن هذا التعصب ومُحاوَلة الحفاظ على الهوية الطائفية في هذا البلد أو ذاك البلد من مظاهر الديكتاتورية ومظاهر العنف وعدم احترام الرأي الآخر.

وأيضاً نحن رأينا الثقافات التي بُنيت في ظل الديكتاتورية، حين قامت هذه الأنظمة الديكتاتورية مُنذ عهد الأمويين الذين اغتصبوا السُلطة بالقوة والعنف والقتال كوَّنوا ثقافة باسم الدين، ثقافة باسم الإسلام تُفيد بأن – هناك أحاديث مُزوَّرة على لسان الرسول صلاة الله وسلامه عليه – الحاكم إذا ضربك وظلمك وأخذ مالك وجلد ظهرك وفعل ما فعل فأنت يجب أن تُطيعه – أي هذا الحاكم – وتخنع له وتسكت له وتُواليه، هذه ثقافة سلبية، هذه خدَّرت الأمة طيلة التاريخ، وهي التي عُرِفَت باسم الثقافة السُنية، وهي ليست من سُنة الرسول، صلوات الله وسلامه عليه، هذه ثقافة مُزوَّرة دخيلة، لعبت دوراً – وتلعب هذا الآن في بعض البلاد، تلعب حتى الآن هذا الدور – سلبياً في تخدير الأمة وفي تعزيز الاستبداد والديكتاتورية والطُغيان، فهذه الثقافة موجودة، في مُقابَلها أيضاً نشأت ثقافة سلبية عند المُعارَضة، الشيعة في العهد الأموي وفي العهد العباسي كانوا يرفعون شعار الثورة وشعار الإصلاح، والإمام الحُسين يقول إنما خرجت لطلب الإصلاح في أُمة جدي، ولكن بعد الحُسين – عليه السلام – بعض الشيعة من المُتطرِّفين أو من الغُلاة أو من المُتحمِّسين بشكل زائد بدأوا يرفعون من شأن الأئمة، أي من شأن أئمة أهل البيت، بدأو يرفعون شأنهم وأضفوا عليهم طبعاً دينياً، قالوا هؤلاء الأئمة معصومون، هؤلاء الأئمة لا يُخطئون، هؤلاء الأئمة – مثلاً – مُعيَّنون من قِبل الله، وأسماؤهم بالتوالي، واحد يُوصِل الآخر، من الله جاء تعيينهم، وأضفوا عليهم هالة مُقدَّسة، طبعاً ليس كل الشيعة كانوا يُؤمِنون بهذا الفكر، عامة الشيعة ما كانوا يُؤمِنون بهذا الفكر، كانوا يُؤمِنون بأن هؤلاء علماء أبرار، كانوا يُؤمِنون بأن أئمة أهل البيت علماء أبرار وهم مُجاهِدون وثوّار يُطالِبون بالعدالة وبالحق وبتطبيق الشريعة، فكانوا يتبعونهم، لكن بعض هؤلاء الذين اندسوا في صفوف الشيعة أو كانوا هم من الشيعة غالوا في شأن الأئمة وأضفوا عليهم لباساً دينياً أو ثوباً دينياً، فأصبحوا يعتقدون بالإمامة كعقيدة وكما أشار فضيلة الأستاذ الشيخ عدنان إلى أن بعضهم قال إن الإمامة أصل من أصول الدين، فمَن لا يُؤمِن بالإمامة أو لا يُؤمِن بالأئمة أو لا يتبعهم إيمانه فيه شك أو دينه فيه خلل وما إلى ذلك، أي يُصبِح مُنحرِفاً، فهذا جاء مُتطرِّفاً.

طبعاً هذا الفكر بعد مائة سنة وصل إلى طريق مسدود، نشأ في أواسط القرن الثاني الهجري، وفي أواسط القرن الثالث الهجري وفاة الإمام الحسن العسكري، هو تُوفى وقال ليس عندي أولاد، انتهى! كثير من الشيعة قالوا انتهى كلام الغُلاة والمُتطرِّفين وهؤلاء الذين كانوا يعتقدون بأن الإمامة تستمر في هذه الذُرية بالوراثة إلى يوم القيامة، الحُكّام الظلمة والطواغيت الأمويون والعباسيون جعلوها وراثية كسرواية وقيصرية وراثية، فلماذا أنتم تجعلون الإمامة وراثية؟ لا تكون الإمامة وراثية! هم قالوا الإمامة وراثية، لكن هذه النظرية – أي الوراثة – وصلت إلى طريق مسدود، الإمام العسكري ليس عنده أولاد، وانتهى الموضوع! أصبحت نظرية الشيعة عملياً -حتى الذين قالوا بأن عنده ولد، في السر ولده موجود وهو غائب وسوف يظهر وما إلى ذلك – نظرية تاريخية، أصبحت نظرية تاريخية وغير عملية، لا يُمكِن تطبيقها، ولكنها لمُدة ألف سنة تقريباً شلت الشيعة، أي أنها أضرت الشيعة قبل أن تضر الآخرين، الذين اعتقدوا بهذه النظرية – بنظرية الإمامة الاثني عشرية والإمام المهدي الغائب وأنه سوف يخرج وأنه يحرم إقامة الدولة في عصر الغيبة – جلسوا ينتظرون هذا الإمام لمُدة ألف سنة أو مئات السنين، وقالوا لا يجوز أن نتحرَّك وأن نقوم بثورة أو أن نقوم بدولة أو أن ندخل في العمل السياسي.

عند الشيعة من بضع مئات من السنين حدثت بدايات ثورة، أي إرهاصات ثورة، بدأ الناس يُدرِكون أن الشيعة باب الاجتهاد عندهم كان مفتوحاً، لم يُغلِقوا باب الاجتهاد، عندما فتحوا باب الاجتهاد القرن الخامس الهجري بدأ الاجتهاد يُصبِح مفتوحاً، خُطوة فخطوة وخطوة فخطوة وعالم بعد عالم بدأوا يفتحون باب الاجتهاد، وكانوا داخلين في نفق، وهو نفق الانتظار، فلا يجوز العمل، لا تجوز الثورة، ولا يجوز التحرر إلا مع إمام معصوم، قالوا لا، هذا الكلام غير معقول وغير مقبول، فبدأوا يحفرون هذا النفق حتى قالوا بنظرية ولاية الفقيه، أن الفقيه يقوم بمقام الإمام، سماه بعضهم قائم مقام الإمام، سماه بعضهم نائب الإمام، سماه بعضهم الولي الفقيه، وسماه بعضهم القائد أو المُرشِد أو أي اسم آخر، فنظرية ولاية الفقيه هي في الحقيقة كانت ثورة على الفكر الإمامي السلبي الذي كان مُخدِّراً ومُحنِّطاً ومُجمِّداً للشيعة طيلة مئات السنين، فعندما آمنوا بهذا الفكر تفجَّرت الثورة في إيران، تفجَّرت الثورة في إيران وقامت الجمهورية الإسلامية وبدأ الشيعة ينشطون، طبعاً كانت هناك نشاطات أُخرى موجودة هنا وهناك قبل حتى قيام الثورة، لكن هذا الفكر الحيوي أحيا الشيعة، هذا أحيا الشيعة لكن الآن هم تيارات عديدة وعندهم نظريات عديدة، حتى في نظرية ولاية الفقيه هناك نظريات عديدة، من أين تستمد شرعيتها: من الله أم من الله الإمام المهدي الغائب أما أنها تستمد شرعيتها الدستورية من الشعب ومن الإمامة ومن ثم يُصبِح الفقيه هو نائب الإمام؟ هناك مَن يرى هكذا وهناك مَن يرى هكذا! الدستور الإيراني يقول لا، الإمام أو المُرشِد أو القائد يُنتخَب من الأمة، رئيس الجمهورية يُنتخَب من الأمة، مجلس البرلمان أو الشورى يُنتخَب من الأمة، لا أُريد أن أدخل في تفاصيل النظام الجمهوري الإيراني – هناك تفاصيل كثيرة وعندي كتاب مُستقِل عنها وإن شاء الله يظهر قريباً أو في المُستقبَل – لكن أُريد أن أُشير إلى شيئ عام، وهو أن هذا الفكر كان فكراً حيوياً وفكراً ثورياً أحيا هذه الأمة، وهذه الثورة الثقافية سبقت الثورة السياسية، الثورة الثقافية في العقل الشيعي سبقت الثورة على نظام الشاه أو على نظام الطاغية، فحرَّرت الشعب وجعلته يُبدِع ويُنتِج.

العالم العربي الذي يُسمى سُنياً – أنا دائماً أقول هذه الأسماء تاريخية قديمة زائلة مُنقرِضة بائدة وليس لها وجود كثيراً، السُنة والشيعة حزبان سياسيان مُنقرِضان، لكن هناك ما يُسمى بالعالم السُني – طبعاً ليس كله كان يعرف الفكر السُني المكتوب في الكُتب والموروث من هؤلاء العلماء الذين أبدعوا في قوانين الخنوع والخضوع، من  العلماء – ربما يعرف هذا فضيلة الشيخ – مَن كان يقول أي حاكم يُسيطر بالقوة يُصبِح إماماً، يُصبِح أمير المُؤمِنين، هذا أحمد بن حنبل! الإمام أحمد بن حنبل قال ذلك في كتابه السُنة، وجعل هذا من أساس الدين، أي واحد يُسيطر على الأمة بالقوة يُقال له أمير المُؤمِنين، وبعد هذا يحرم أن يبيت الإنسان في الليل وهو لا يعتقد بإمامته وبإمرته، يجب أن تعتقد أيضاً بأن هذا إمام، لا يكفي أن تُسلِّم له أو تخضع له وما إلى ذلك، وجاء بعض العلماء الآخرين وقالوا إذا واحد قام بانقلاب على شخص مُعيَّن فذاك سقطت إمارته وهذا يجب أن يُطاع، وإذا رجل آخر جاء وقام بانقلاب عليه فأيضاً ذاك سقطت إمارته وهذا يجب أن يُطاع، وهكذا! ولذلك شاهدنا وشاهد المماليك انقلابات مُتتالية، كل سنة وكل ستة أشهر يقوم أحدهم بانقلاب على آخر، والعلماء أيضاً يُبارِكون هؤلاء الحُكّام والسلاطين إلا ما ندر، إلا ما ندر من العلماء السُنة الذين كانوا يرفضون أو يقولون بالشورى، وهذا جداً قليل، ولكن في الشعوب العربية الآن – من مائة سنة تقريباً، من أيام الخلافة العثمانية – بدأ المُفكِّرون والعلماء وروّاد النهضة الإسلامية يدعون إلى الشورى، وحتى في عهد الخلافة والبرلمان التركي دعوا إلى انتخابات كما تعرفون، في عام ألف وتسعمائة وثمانية جرت الانتخابات في الدولة العثمانية، وانعقد مجلس برلمان – كانوا يُسمونه المبعوثان – ونظَّروا للديمقراطية، نظَّروا للخلافة، نظَّروا للخلافة الديمقراطية! أي الخلافة في ظل الديمقراطية، لكن المُشكِلة أن كثيراً من الإسلاميين أو الحركات الإسلامية أو المُفكِّرين كانوا يعتقدون – ولا يزال يعتقد بعضهم مثل قادة حزب التحرير أو بعض الأحزاب الأُخرى كالقاعدة وغير القاعدة – أن الديمقراطية مُحرَّمة، يقولون هي حرام، شرك وكفر بالله الديمقراطية، لماذا يا إخواني؟ يقولون هذه نتاج غربي، الديمقراطية من نتاج الغرب، ونحن لم نعرف الديمقراطية، نعرف نظام الخلافة فقط، ونظام الخلافة هو نظام أصيل وهو أساس الدين والركن الأهم في الدين، هكذا يقولون! نقول لهم تعالوا نبحث هذه المسألة، هذه العقدة التي تقف عند بعض الناس وتُبرِّر لهم استخدام العنف في الاستيلاء على السُلطة أو تُبرِّر لهم استخدام صناديق الاقتراع كطريق للوصول إلى السُلطة ثم ركل هذه الصناديق، ثم تكسير هذه الصناديق للمرة الأخيرة، بعضهم يُفكِّر هكذا، يقول نستخدم هذه الديمقراطية أو صناديق الاقتراع لكي نصل إلى السُلطة، لماذا لا؟ لكن هنا المسألة المُهِمة التي يجب أن نتوقَّف عندها، وهي أنهم يقولون الدين الإسلامي دين شامل، وهو ليس بحاجة إلى أن يأخذ شيئاً من الغرب أو الشرق، ولا يجوز هذا، وهناك كاتب اسمه أبو محمد المقدسي، عنده كُتب موجودة على الإنترنت Internet وربما أنتم تعرفونها أو تقرأونها، هذا عنده كتاب الديمقراطية دين، والذي يأخذ الديمقراطية كأنه أخذ المسيحية مع الإسلام، هل يجوز الجمع بين الإسلام والمسيحية؟ كفر هذا! سيخرج دين جديد، فإذن لا يجوز الأخذ بالديمقراطية ولا بالانتخابات ولا بأي شيئ، ويُنظِّر في كُتب كثيرة لهذه المسألة، وأتباعه عندما بدأت الديمقراطية في العراق والانتخابات بدأوا يُفجِّرون الناس الذين يقفون في صفوف الاقتراع، يقصفونهم بقنابل المورتر Mortar، أي الهاون، ويضربونهم ويقولون هذا حرام، أي واحد يذهب إلى الانتخابات هو كافر ودمه حلال، بعض العلماء من السُنة قبل الشيعة دعوا إلى انتخابات، لكن هناك مَن ذهب إلى المسجد وقال لأحدهم لماذا تدعو إلى الانتخابات الديمقراطية؟ إذن أنت كافر، فدمك حلال ولابد من قتلك، وتم تفجير هذا الشخص مع المُصلين، لم يقتلوا هذا الشخص وحده، قتلوه مع المُصلين الذين يصلون خلفه، فهذه العُقدة نتوقَّف عندها قليلاً، أن الإسلام دين مُتكامِل ولكن نأتي بالقرآن ونقرأ القرآن، لكي نرى ما هو الإسلام؟ وما هو هذا الدين؟

الدين يتألَّف من عقيدة، العقيدة هي الإيمان بالله الواحد الأحد، الإيمان بالآخرة، الإيمان بالنبوة والأنبياء، وبنبوة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وبفروع الدين، بالعبادات مثل الصلاة، الصوم، الحج، والزكاة، وبالقيم الأخلاقية مثل الصدق، الإحسان، الوفاء، الأمانة، وما إلى ذلك، وبأحكام مُعيَّنة وقوانين أُخرى موجودة عندنا في الاقتصاد، في الإرث، في العائلة، في الطلاق، في الزواج، وما شابه، هذه هي كل القواعد المُتبَعة من الأول إلى الآخر، ولا تجدون غير هذا في القرآن الذي هو خُلاصة الدين، هل يُوجَد في الدين نظام دستوري؟ هل يُوجَد في القرآن نظام دستوري؟ لا يُوجَد نظام دستوري، لماذا؟ هل هذه نقيصة في القرآن الكريم؟ هل هذه نقيصة في الإسلام؟ لا، ليست نقيصة، إنما الدستور يضعه الناس، والله – سُبحانه وتعالى – أوكل هذه العملية للناس، للأمم عبر التاريخ، عبر الزمان والمكان! أنتم يا ناس في أي مُجتمَع وفي أي بلد اتفقوا فيما بينكم على تطبيق آية الشورى، وضعنا لكم مبدأ: وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ۩، هذا هو المبدأ، مبدأ الديمقراطية ومبدأ الشورى، وعليكم أن تتفقوا وتتفهموا وتوقعوا عقوداً فيما بينكم، الدستور هو عقد سياسي وعقد اجتماعي بين الناس وبين الحُكّام، كيف نحكم؟ كم سنة نحكم؟ كيف ننزل على الحُكم؟ وما هي علاقة الحاكم بالمحكومين؟ على أساس العدل والمُساواة، هذه هي قيم الإسلام! على أساس قيم الإسلام يأتي الحاكم بصورة سلمية عبر صناديق الاقتراع.

فإذن الدستور بالضمن موجود في الإسلام ولكن بالتفصيل – أي بالتفصيل الواسع – لا، تجنَّب القرآن الكريم ولم يُبيِّن التفاصيل هذه، لأن كانت هناك ظروف الصحراء قبل ألف وأربعمائة سنة، ولم يكن هناك اتصالات، كيف يُمكِن أن تنتخب حاكماً وأنت في المدينة في حين أن أهل عُمان أو أهل – مثلاً – البحرين بعد أسبوعين أو ثلاثة أو شهر سيصل إليهم الخبر؟ كيف يُمكِن أن تُدير العملية السياسية؟ فالدستور هو ابن الظروف أيضاً، ابن الظروف الاقتصادية والمُواصَلات ونُضج الناس، العصبية القبيلة – مثلاً – حين تكون موجودة كيف يكون الأمر؟ فكل بلد في ظروفه وفي زمانه وفي مكانه يضع دستوراً مُعيَّناً.

إذن فالديمقراطية هي تجربة إنسانية، الغرب سبقنا إليها، لابد أن نعترف دون أن نخجل، نحن كمُسلِمين لسنا أفضل العالم، الإسلام هو أفضل الأديان، لكن نحن كمُسلِمين قد نكون جهلة، قد نكون مُتخلِّفين، قد نكون مُتعصِّبين، قد نكون فاسقين، قد نكون مُنحرِفين، قد نكون بعيدين عن الإسلام، ولكننا رأينا تجربة إنسانية، جاء هذا الغرب طوَّر العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وقال إن الشعب مصدر السُلطة، هذا مبدأ إسلامي! الأمة هي مصدر السُلطة، ولا يتعارض هذا المبدأ – مبدأ مصدرية السُلطة – مع حاكمية الله تعالى، البعض يُحاوِل أن يُحدِث تناقضاً، يقول لا، الديمقراطية تقوم على مبدأ حاكمية الشعب، فإذن هذا يتعارض مع حاكمية الله، إذن الديمقراطية كفر وإلحاد! وحاكمية الحاكم المُستبِد الطاغي ألا تتعارض مع حاكمية الله؟ نسأل سؤالاً نحن! هذه أكثر تعارضاً، فهو يسحق الناس ويقتلهم ويذبحهم، لكن الديمقراطية ليس فيها ذبح وقتل، فيها سلم، فيها محبة، وفيها هدوء، ليس فيها عنف! فإذن هو قابل بالتناقض بين حاكمية الطاغية الذي جعل من نفسه إلهاً وفرعوناً في مُقابِل الله، وهو يأمر بطاعته، هؤلاء المشايخ – أي وعّاظ السلاطين – يأمرون بطاعة هؤلاء السلاطين ولا يرون في ذلك بأساً، لا يرون في ذلك تناقضاً مع الإسلام ومع حاكمية الله، ولكنهم يعترضون عندما تقول لنجعل الحاكمية للشعب الشعب هو الذي ينتخب الإمام، هو الذي يُشرِف على الإمام، يُهيمن على الإمام، ويُراقِب الإمام، الإمام أعني به الرئيس، وكذلك مع الحكومة، فهو يُراقِب الحكومة والإمام، ويعزلهم إذا أخطأوا، وإذا صارت مُشكِلة أو وقع خلاف بينهم يرجعون إلى محكمة، محكمة دستورية! هذه المحكمة كانت غير موجودة في عهد عثمان، لو كانت المحكمة الدستورية موجودة عندنا لما صارت الفتنة، لأنهم اختلفوا مع عثمان والقصة طويلة، اختلف بعض الصحابة مع عثمان وقالوا له أنت كتبت رسالة بقتلنا وما إلى ذلك، ثم طالبوه بالاستقالة، قالوا له أنت رجل ضعيف، وهذا التوقيع المُزوَّر، هناك رسالة صادرة من مكتبك وفيها توقيعك للأمر بقتلنا عبثاً وبلا مُبرِّر، والرسالة كانت مبعوثة إلى والي مصر، فإما أنت كتبتها ومن ثم يجب أن نقتص، وإما لم تكتبها – رجل سرق خاتمك – وهذا يعني أنك شخص ضعيف، لا تستأهل الإمامة والخلافة، ومن ثم يجب أن تستقيل، كان كلامهم منطقياً! قالوا له ينبغي أن تستقيل فقال لن أستقيل ثم قالوا له ينبغي أن تستقيل فقال لن أستقيل، في هذه الحالات إلى أين ينبغي أن يرجعوا؟ عادة في البلاد التي تحدث فيها مثل هذه المشاكل يرجعون إلى المحكمة الدستورية، هي التي تفصل، تقول أنت أخطأت أو أنت لم تُخطئ وأنت ستستقيل أو أنت لن تستقيل، هذا تطور حضاري! أعني المحكمة الدستورية، نحن لم يكن عندنا المحكمة الدستورية، في تاريخنا هل رأيتم في يوم من الأيام أن كان عندنا محكمة دستورية؟ لم يكن عندنا! فإذا استوردنا المحكمة الدستورية – أي فكرة المحكمة الدستورية – وأسَّسنا محكمة دستورية للبت في الخلافات التي تنشأ بين رئيس الجمهورية والبرلمان والأمة والأحزاب الأُخرى فهذا شيئ يتفق مع جوهر الإسلام ومع روح الإسلام، لا يتناقض مع الإسلام!

فإذن الآن في البلاد العربية هناك ثورة، هذه الثورة هي ثورة ثقافية في حد ذاتها على الفكر التقليدي الذي يُسمى بالسُني والمحصور في فئات صغيرة الحقيقة من بقايا علماء السلاطين في بعض البلاد الذين يزالون يتمسَّكون بهذا الفكر ويعتبرون كل حاكم مهما فعل ومهما طغى وكيف جعل السُلطة وكيف تحالف ومهما عمل هو ولي الأمر الذي يجب طاعته بهذه البساطة! هذا فكر خطأ، الثورة العربية هي ثورة العرب عموماً على هذا الفكر، ويجب أن يتعمَّق هذا الفكر، فهذه الثورة ليست ثورة سياسية فقط، إنما ثورة ثقافية ويجب أن يُعزِّز العلماء هذا الفكر وهذه الثقافة المُضادة لتلك الثقافة المُتسلِّلة للإسلام باسم الثقافة السُنية، ونلتقي في هذه الحالة الآن على فكر واحد، وهو الفكر الديمقراطي كما قلت لكم، الشيعة تقدَّموا خُطوات وقاموا بعمليات ثورية جذرية في الفكر الشيعي في التخلص من الفكر الديني، والآن حكوماتهم على هذا النحو ما عدا إيران قليلاً فيها طابع ديني، لكن في العراق وفي لبنان وفي أماكن أُخرى – في الكويت وفي باكستان وفي أفغانستان – هم يُشارِكون في كل الحكومات، في البحرين – مثلاً – كانت هناك انتخابات سابقة، ولم يضفوا صفة دينية ولم يُريدوا إضفاء الصفة الدينية، كانوا يُطالِبون بالديمقراطية! فهذه الخُطوة هامة، الديمقراطية قرَّبتنا إذن، والسُنة الآن العرب – ما يُسمى بالسنة وما يُسمى بالشيعة – أيضاً يُطالِبون الآن بالديمقراطية، يُطالِبون بالحرية، ويُطالِبون بالعدالة، فيلتقون مع بعض في الديمقراطية، الديمقراطية هي التي تُوحِّد بين الناس وذلك بعد الإسلام طبعاً، الإسلام يُوحِّدنا ولكننا مُختلِفون في ظل الإسلام على الأمور السياسية، وإذا التقينا على النظام الديمقراطي سوف تزول خلافاتنا، سوف تبقى خلافات بسيطة أخوية ليست مُهِمة جداً، ومن ثم سوف نتعايش ونقبل الآخر، لأن هناك تعددية، الديمقراطية أو الإسلام لا يُريد من الناس كلهم أن يصبحوا شخصاً واحداً أو رجلاً واحداً أو فكرة واحدة، يبقى كل إنسان عنده أفكار مُعيَّنة، عنده رؤى ونظرات مُعيَّنة، فلا بأس في ذلك، كما في الغرب أيضاً تُوجَد أحزاب مُتعدِّدة وتيارات مُختلِفة.

فالسُنة والشيعة اليوم في الحقيقة يعيشون مرحلة من الوحدة في ظل الديمقراطية والفكر الديمقراطي، الذين لا يُؤمِنون بالفكر الديمقراطي طبعاً هم أعداء الشعوب، هم الحُكّام والسلاطين والطُغاة الذين لا يُؤمِنون بالشعوب، لا يُؤمِنون بإرادة الأمة، ويُحاوِلون إثارة التفرقة بصورة مُستمِرة، هناك ثورة مُضادة على هذه الثورة العربية الإسلامية الشيعية السُنية، هناك ثورة مُضادة من الطُغاة، يُحاوِلون إشعال الفتن حتى يُحافِظوا على عروشهم، يُكبِّرون الخلافات، يُضخَّمون هذه الخلافات، ويُكفِّرون الفرق الإسلامية، ترون الآن في فضائيات عديدة خرجت من فترة التكفير العلني والاتهامات الفظيعة للشيعة مثلاً، وهناك فتن وهناك أُناس مشبوهون باسم الشيعة وباسم أزياء الشيعة يتحدَّثون، رجل صحفي – مثلاً – يأتي ويلبس عمامة وجُبة ويُطيل لحيته ثم يسب ويشتم ويُكفِّر وما إلى ذلك حتى يستفز الآخرين وحتى يُثير الفتنة، وحين تبحث وتُفتِّش عنه وتنظر إلى ما وارئه تجد فعلاً أن هناك أُناساً مشبوهين أو عقولاً مُتحجِّرةً أو أيادي خبيثة مشبوهة أو قوى لا تُريد الخير للمُسلِمين.

المُهِم هؤلاء الطُغاة الآن يُشهِرون سلاح التكفير وسلاح المُتزمِّتين والناس الذين يرفضون الديمقراطية ويعتبرون الديمقراطية كفراً وإلحاداً، وانظروا الآن – مثلاً – إلى العراق، اليوم كانت هناك مجزرة في مسجد، أُناس كانوا يمشون في الطريق، ثم جاء رجل وفجَّرهم، نساء وأطفال وشيوخ، أُناس أبرياء! لم يقتلوا أحداً، لم يعتدوا على أحد، لم يفعلوا أي شيئ، ويومياً الآن – هذا من أسبوع أو أسبوعين – تقع عدة حوادث من هذا القبيل، هذا نتاج الفكر الإرهابي الديكتاتوري التكفيري، التكفير الذي يُشكِّل ثورة مُضادة، ثورة مُضادة لإرادة الأمة العربية والإسلامية كلها، هناك مَن يرفضون الديمقراطية، ويرفضون الاعتراف بالآخر، نفترض – مثلاً – أن بالعراق أكثرية شيعية – هذا مُسمى، تُسمى شيعية – فازت بالسُلطة، ومن ثم نقول أهلاً وسهلاً، لكن هناك مَن سيقول لا يجوز أن يأتي رجل رافضي لكي يحكمنا ويجب أن نُسقِط هذه الحكومة بهذه التفجيرات حتى نُدمِّر هذه الدولة ونُدمِّر هذا الشعب، لماذا يا أخي؟ أنت إذا كنت مُسلِماً ديمقراطياً يجب أن تحترم إرادة الشعوب مهما كانت وبأي لون كانت، يجب أن تسمح لها، لا تُضخِّم المسائل عندك، لا تُكفِّر الناس! لكن هو يُكفِّرهم ويرفض الحرية لهم، هو يُحاوِل أن يقصيهم ويُحاوِل أن يُبيدهم، هذه حرب إبادة الآن في العراق، وكذلك في باكستان وأفغانستان وفي أماكن أُخرى، وهذه غير الجرائم التي يقوم بها الطُغاة والظلمة في اليمن وفي سوريا وفي مصر سابقاً وفي البحرين الآن، فهؤلاء الطُغاة يُثيرون النزعة الطائفية، حتى يخدعوا فريقاً من الأمة بأن المعركة طائفية، المعركة ليست الديمقراطية، ليست بين الشعوب وبين الحُكّام، وإنما بين الشيعة والسُنة، فتعالوا يا سُنة وكونوا معنا أو تعالوا يا شيعة وكونوا معناً  – مثلاً – لكي نُواجِه الشعب، هذا خطأ، المعركة ليست بين الشيعة والسُنة.

الحمد لله الجميع – التيار العام العربي الإسلامي – يلتقي مع بعضه ويُؤازِر بعضه بعضاً ويتألَّم لآلام إخوانه من البلاد العربية، وهو في كتلة واحدة، هي الكتلة الإسلامية الديمقراطية، في مُقابِل الكتلة الديكتاتورية الطائفية، فالديكتاتورية تستخدم الطائفية أداةً في تفريق الشعوب وفي إثارة الفتنة وفي تكفيرهم وفي إقصائهم، وتُحاوِل أن تُدمِّر الإمة الإسلامية وتُبقي على حالة التخلف إلى أبد الآبدين، ولكن – إن شاء الله – نأمل أن تنتصر إرادة هذه الأمة وإرادة العلماء الأفاضل بتعزيز الوحدة الإسلامية، إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ۩، وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ۩، فلابد من تعزيز الوحدة، تعزيز الديمقراطية، الحرية، الاعتراف بالآخر، التعايش السلمي، المحبة، والإنصاف لبناء الأمة علمياً، اقتصادياً، صناعياً، وزراعياً.

نحن الآن نعيش في بعض البلاد العربية التي عندها – ما شاء الله – الكثير من الأموال وما إلى ذلك، لكنها مُتخلِّفة، ماء الشرب ليس عندهم، الأكل ليس عندهم! في الشوارع، التليفون Telephone، الكهرباء، وما إلى ذلك – في كل شيئ – مُتخلِّفون، لماذا؟ لأننا مُبتلون بفتن وبحروب وبمشاكل وبطواغيت لا يسمحون لنا أن نترقى، ونحن رأينا في بعض البلاد العربية أيضاً كالإمارات ناطحات السحاب، حين تذهبون إلى أبي ظبي أو دبي ترون الأبنية الشاهقة، ربما هم أكثر من فيينا في بناياتهم وما إلى ذلك، ولكن هناك أربع أو خمس أساتذة بعثوا رسالة إلى رئيس الدولة يُطالِبونه ببعض الانتخابات في مجلس الشورى وما إلى ذلك فأسقط عنهم الجنسية، أسقط عنهم الجنسية! أنتم لم تعودوا إماراتيين، ابحثوا لكم عن دولة أُخرى لكي تعيشوا فيها، هؤلاء لا يستطيعون أن يذهبوا إلى طبيب، لا يستطيعون أن يُرسِلوا أولادهم إلى المدارس، لا يستطيعون أن يُدبِّروا حياتهم، لا يستطيعون أن يفتحوا محلاً حتى للشغل، في مرة واحدة أسقط عنا كل حقوقنا الإنسانية، إسقاط الجنسية يعني إسقاط كل الحقوق الموجودة، وهذا إرهاب للآخرين، احذروا من أن تفتحوا أفواهكم مرة ثانية لكي تُطالِبوا بالحرية! بماذا تنفع ناطحات السحاب في شعب من العبيد أو شعب مُستعبَد أو شعب لا يستطيع أن يتمتع بالحرية؟ الحرية أساس الإنسان، الإنسان الذي ليس عنده حرية لا يكون إنساناً.

فنحن نُريد الإمارات، نُريد ناطحات السحاب، نُريد صناعة مُتقدِّمة، ولكن في نفس الوقت نُريد حرية، نُريد كرامة، نُريد عزة، ونُريد وحدة، فمن دون بناء أنظمة شعبية – مُنتخَبة من الشعب، تحترم إرادة الشعب، وتحترم تنوع الشعب وتعدد الشعب والأحزاب المُختلِفة والطوائف المُختلِفة – لا يُمكِن أن نُعيد بناء الإمة الإسلامية من جديد وسنبقى مُتخلِّفين إلى ما شاء الله، نأمل من الله تعالى أن يُوفِّقنا لبث هذا الفكر الجديد ولتعزيز الفكر الموجود أكثر وإلى مُحارَبة هؤلاء الطُغاة المُستبِدين الديكتاتوريين الدمويين والطائفيين في نفس الوقت، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين، والسلام عليكم ورحمة الله.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: شكر الله لفضيلة أستاذنا الشيخ أحمد الكاتب على هذه المُحاضَرة الماتعة ونفع الله بها، الآن – إن شاء الله – نُتيح المجال للإخوة والأخوات الذين يُحِبون أن يتداخلوا إما بسؤال أو بإضافة أو بما شاءوا إن شاء الله، لا أدري هل وزَّعتم أوراقاً أم لا؟ (ملحوظة) قال أحد الحضور لا، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم المفروض أن تُوزَّع أوراق، حتى الذي يُحِب أن يُشافِه يستطيع والذي يُحِب أن يُرسِل سؤالاً مكتوباً يستطيع أيضاً لاختلاف رغبات الناس، ابدأ من جهة اليمين، انظر من جهة اليمين هل يُوجَد أي سؤال أم لا، ثم لف وانظر إلى الأخوات، هل في اليمين يُوجَد أي شيئ؟

(ملحوظة) رغب أحد الحضور في طرح سؤالاً، فقال له الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم خُذ الميكروفون Microphone حتى يُسجَّل السؤال، فأخذه وقال الأخ الفاضل تكلَّم عن أن الشيعة ما قاموا بحركات ولا ثورات ولا أي كلام، يا أخي الكريم الشيعة حُورِبوا على مدى التاريخ وقُتِّلوا، واليوم نحتفل بمقتل الحُسين – عليه السلام – لأنه طالب بالحرية، فماذا لو الشيعة في أول أيامهم وقفوا ضد الطُغاة؟ هم وقفوا وأئمتهم وقفوا ضد الطُغاة لكنهم قتَّلوهم، والآن تتكلَّم عن الإخوة الذين سُحِبت منهم الجنسية، بنو أُمية فعلوا مثل هذا، مُعاوية يقول ائتوني مَن يذكر أبي تراب بكلام فاقطعوا عنه الرزق واقطعوا عنه الأموال، كأنها عملية لسحب الجنسية منه، فإذن على مدار ألف وأربعمائة سنة الشيعة كانوا مُطارَدين مُقتَّلين، وهم الآن سكوت، وعندما يتهمونهم بالتقية يكون في الحقيقة هذا اتهاماً جزافياً، لأن التقية بما نفهمه نحن كشيعة تكون في زمن الظلم عندما كانوا يسكتون، ومُؤمِن آل فرعون أيضاً كان يعمل بالتقية، أما عندما يقفون ضد الظلمة فهم لا يستعملون التقية، وحسبنا الحُسين – عليه السلام – عندما وقف ضد هؤلاء الظلمة، قال هيهات منا الذلة، إذن معنى الكلام يا أخي الكريم أن الشيعة في الحقيقة خلاصة ظلم وقع عليهم اجتماعياً، وكلامك كان صحيحاً عندما تحدَّثت عن الموقف السياسي، طبعاً الشيعة وقفوا مع الإمام عليّ عليه السلام، يسأله الرسول المُؤمِنين في يوم الغدير ويقول لهم – سلام الله عليه – ألستم مولاكم وبأولى منكم؟ قالوا بلى، قال مَن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه.

إذن يا أخي نحن لا نأخذ على الصحابة هذا الفكر، فنحن لا نتهمهم أو نسبهم ونشتمهم، لا! نحن نقول شيئاً واحداً، وهو إن هذه الأمة اختارت غير ما اختار الله لها، الله – سُبحانه وتعالى – يُكلِّم إبراهيم – عليه السلام – ويقول له إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ۩، إذن نحن عندنا مبدأ وهو أن الإمامة جعلية، الإمامة من الله سُبحانه وتعالى، الأمة تختار لها لكن ليس موضوع الإمامة الرئيسي، وإنما في موضوع التفاصيل، ومع هذا نحن نُؤمِن بأن الصحابة عندما استلموا قيادة الأمة لم يكونوا على باطل، لكنهم لم يجعلوا اختيار الله اختيارهم، بمعنى أن اختيار الأمة سبق اختيار الله لهم.

ونرجع إلى موضوعك حتى لا آخذ وقتاً من الإخوة، النُقطة الرئيسية هي التحول الذي وقع عندما قال عثمان لا أنزع قميصاً ألبسنيه الله، إذن العملية يا إخوان تحوَّلت من سيدنا أبي بكر وعمر عندما انتقل موضوع الخلافة وشورى الأمة إلى قميص يُلبِسه الله، إذن هذا يعني أن الخلافة أصبحت مثلما يدعون كاتهام للشيعة من الله سُبحانه وتعالى، إذن يا عثمان أنت ما اختارك الصحابة للخلافة، الله جعلك إماماً للناس، لا أُطيل عليكم الحديث، لكن هناك القصة المعروفة التي وقعت، والتي تُوضِّح ماذا فعل مع أبي ذر الغفاري وكيف كسَّر أضلاعه وكيف هجَّر المُسلِمين فضلاً عن الأموال التي سُرِقت، وننتقد الآن ما يحصل في اليمن من أقرباء الرئيس، لو تنظرون بالمُقارَنة لوجدتم أن أقرباء عثمان هم الذين سيطروا على الأمة الإسلامية، فخلاصة الكلام يا أخي الشيعة تعرَّضوا للظلم على مدى حياتهم.

مبدأ ولاية الفقيه، هذا المبدأ في الحقيقة ظهر في التاريخ الإسلامي لفترة قصيرة جداً، والغالبية لا تُؤمِن به، فأغلبية مراجع الشيعة لا يُؤمِنون به، وما حدث في إيران يشمل غنى التجربة الشيعية، فهي تجربة مفتوحة وتتقبَّل كل الأفكار، لكن الآن في الحقيقة إخواننا أهل السُنة رضوا بالحُكّام الظلمة من زمن بني أُمية، قال لهم والله ما جئت لآمركم بالصوم والصلاة ولكن لأقف على أعناقكم أو أُسيطر عليكم، هذا يعني إذن أن هؤلاء الحُكّام أخرجوا لهم وعّاظ السلاطين الذين جعلوهم ينكصون رؤوسهم لهم، الشيعة – بالعكس – وقفوا على مدى التاريخ بثوراتهم ورفضهم لأنظمة الظلم، وبارك الله فيك ولك الشكر.

– الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب: أحسنت.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: يُمكِن أن نأخذ ثلاثة أسئلة، وبعد ذلك يتفضَّل الأستاذ بالجواب ثم نعود، نأخذ ثلاثة أسئلة ونُجيب ثم نأخذ ثلاثة أسئلة حتى لا نُطيل. 

(ملحوظة) رغب أحد الحضور في طرح سؤالاً، فقال السلام عليكم، هل موضوع الشورى الآن لا يُمثِّل خطراً؟ وقاطعه الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب قائلاً ما اسم الكريم؟ فقال أنا اسمي حمدي، ثم استتلى قائلاً الآن إذا أصبح الأمر شورى فهل هذا لا يكون خطراً في النهاية على الأقليات؟ بعبارة أُخرى هناك الأقلية الشيعية الآن مثلاً، وهذا إذا اعتبرنا أن الشيعة الآن ضمن العالم الإسلامي كعدد أقل من عدد السُنة وهذا طبعاً لأسباب سياسية وتاريخية وإلى آخره، لكن الآن في الوضع الحالي إذا صار الأمر شورى فهل هذا ليس خطيراً بالنسبة إلى الشيعة؟ بعبارة أُخرى هل سيذوبون ضمن المُجتمَع ولن تُصبِح لهم كلمة ولن يُصبِح لهم وجود؟ هذه هي الفكرة الآن!

– الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب: نعم، أحسنت، أول مَن تكلَّم ما اسمه الكريم؟ 

(ملحوظة) قال أحد الحضور إن الاسم هو الدكتور غازي، ثم رغب أحدهم في إلقاء سؤالاً، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم أنتم اختاروا بالترتيب، سنأخذ من اليمين بالترتيب حتى لا يُظلَم أحد، فقال أحد الحضور بسم الله الرحمن الرحيم، اسمي مُحسِن عليّ، سؤالي لفضيلة الكاتب المُفكِّر أحمد الكاتب وأيضاً لفضيلة الشيخ عدنان، أليس الأجدر بنا أن نبحث مع علماء عدول أو علماء يتسمون بالوسطية في رسم خريطة طريق لإرجاع الدين الإسلامي إلى أصله أو للأخذ من الماعون الإساسي للدين الإسلامي الذي أُخِذ من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومن قرآن الله الذي حفظه الله من فوق سبع سماوات؟ أعتقد أننا في هذه الآونة من الزمن في حاجة إلى إرجاع الدين إلى أصله وإلى أساسه قبل البحث في الخلافات بين الإخوة وبعضهم، والسلام عليكم.

– الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب: أحسنت، هل أُجيب؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم، تفضل.

– الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب: أحسنت، الأخ الدكتور غازي تطرَّق إلى عدة مواضيع في الحقيقة، النُقطة الأولى أن الشيعة حُورِبوا وقُتِلوا وأنهم قاموا بثورات عديدة في التاريخ، في الحقيقة يُوجَد كتاب يتحدَّث عن الشيعة، كتبه رجل شيعي اسمه النوبختي في نهاية القرن الثالث الهجري، فهو يُعدِّد حوالي سبعين فرقة شيعية في تلك الأيام، الشيعة ليسوا فريقاً واحداً، ليسوا تياراً واحداً، وليسوا مرحلةً واحدةً حتى، يمرون بمراحل! وحتى الفريق الواحد ربما يتطوَّر ويتغيَّر، وعندي كتابي الأول الذي كتبته قبل عشرين سنة تقريباً، اسمه تطور الفكر السياسي الشيعي، الفكر السياسي يتطوَّر، ليس جامداً مُتحجِّراً ثابتاً واحداً ولا يتغيَّر، فالناس يمرون بتطورات، والأفكار أيضاً تمر بتطور، والطوائف والفرق أيضاً تتطوَّر، فلا يُمكِن أن نحكم على طائفة مُعيَّنة أو أمة مُعيَّنة أو شعب مُعيَّن بأنه يحمل هذا الفكر فقط لا غير، فالتيارات الشيعية المُختلِفة والأئمة – أئمة أهل البيت أنفسهم – أكيد قاموا بثورات وقاموا بحركات، وظلوا يقومون بثورات وحركات إلى قرون مُتخلِّفة، وأقاموا دولاً أيضاً ونجحوا، أقاموا دولاً مُختلِفة هنا وهناك، وطبيعي أن يكون هناك صراعاً عنيفاً في تلك الأيام، لم يكن هناك صراع ديمقراطي، والأنظمة الطاغية دائماً ما تقمع المُعارَضة، تقمع الحركات الثورية وخاصة الشيعة الذين كانوا يرفعون راية المُعارَضة، الشيعة كانوا حزباً سياسياً يرفع راية المُعارَضة، فهم كانوا يُسمونهم الشيعة، شيعة أهل البيت – مثلاً – في مُقابِل الأمويين أو في مقابل العباسيين، العباسيون أنفسهم كانوا جُزءاً من الشيعة، هم كانوا جُزءاً من الشيعة ثم سيطروا على السُلطة ولم يُعطوها لفريق آخر، للحسنين أو لمحمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، وهو النفس الزكية الذي بايعه العباسيون، بايعوه قبل الثورة ولكن عندما استلموا السُلطة أنكروا بيعتهم ونكثوا ببعيتهم لذي نفس الزكية محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن.

أنا ما تحدَّثت عن التقية ولم أقل الشيعة مارسوا التقية، هذا كان اتهاماً وكان غطاءً لبعض الناس الذين استخدموا كلمة التقية لكي يُدخِلوا في مذهب أهل البيت ما يُعجِبهم من أفكار ونظريات، والأئمة كانوا يرفضون هذه النظريات، كالإمام الصادق بالذات، والإمام الباقر كان يرفض هذا الكلام الذي يُنسَب له، لذا هذا الشخص المُدّعي يقول لا، الإمام قال لي هذا بالسر وهو يتقي، لا يُظهِر كلامه لعامة الناس، ونحن عندنا مواقف تُذكَر في تراث أهل البيت، تراث الإمام الصادق في الكافي – مثلاً – معروف، كتاب الكافي معروف للكُليني! نرى أن هناك فكرين، يُوجَد فكر منسوب لأهل البيت، ويُوجَد فكر آخر أيضاً منسوب لأهل البيت لكنه ينفي ذلك الفكر الأول، ينفي العصمة، ينفي التعيين من الله، وينفي أنهم أئمة فُرِضوا من الله، يقول لا، نحن العلماء ورثنا روايات عن جدنا رسول الله، نحن لسنا أكثر من ذلك، نحن لا ندّعي النبوة – مثلاً – كما كان يقول بعض الناس أو نزل الوحي علينا أو ما شابه، هذه الأفكار نحن نرفضها، فأولئك الغُلاة كانوا ينسبون فكرهم إلى الأئمة تحت ستار التقية، فالتقية ليست مبدأ من مبادئ الشيعة، وعامة الشيعة والشيعة الآن لا يُمارِسون التقية، ليس عندهم أي داع لكي يُمارِسوا التقية، لديهم دول ولديهم حرية كاملة، فيُعبِّرون عما يشاءون من أفكار ويجدون في بلادهم ديمقراطية حرة، وكذلك في أوروبا وفي أمريكا وفي كل العالم، وبإمكانهم أن يُعبِّروا عن كل أفكارهم، ونحن نرى بعض المُتطرِّفين الغُلاة الذين هم مجانين يُعبِّرون عن أنفسهم فيسبون ويشتمون، وهؤلاء لا يُمثِّلون أحداً، يُمثِّلون أنفسهم فقط، وبالتالي لا يُوجَد شيئ اسمه التقية في تاريخ الشيعة، أفكارهم معروفة وكُتبهم معروفة من أكثر من ألف سنة، ولم يُمارِسوا شيئاً اسمه التقية.

الأمة اختارت غير ما اختار الله والإمامة من الله جعلية، هذه هي النظرية الإمامية التي تحدَّثت عنها، والتي أضفت على الخط السياسي لأهل البيت ما قلت، أئمة أهل البيت كانوا قادة سياسيين وعلماء ربانيين، كانوا علماء وثوّاراً، كانوا يُعارِضون الأنظمة، لم يدّعوا لأنفسهم أنهم كانوا مجعولين من قبل الله، لم يدّعوا أنهم كانوا مُعيَّنين من قبل الله، لم يدّعوا أن الله اختارهم على الأمة، ولم يقولوا الأمة إذا لم تخترنا فقد أخطأت، حتى الإمام عليّ بن أبي طالب كان يقول الأمر أمركم، حين قتلوا عثمان وجاءوا لكي يُطالِبوه بالبيعة حتى يُصبِح إماماً عليهم قال لا، وأنا لكم وزيراً، خير لكم منّي أميراً، لو كان مُعيَّناً من قِبل الله أو الإمامة مجعولة فيه أو كان مَن اختاره الله لما تلكأ وطرد الناس ورفض هذه البيعة، ولسارع إليه، يجب عليه أن يفعل ذلك!

الإمام الحسن بحسب نظرية الإمامة أو النظرية الإمامية كان هو الخليفة بعد الإمام عليّ، لماذا تنازل لمُعاوية؟ فإذن تنازله عن الخلافة لمُعاوية يعني أن المسألة سياسية، المسألة شخصية، المسألة مدنية، مسألة دنيوية، أي الخلافة! ليست مسألة دينية، ليست من الله، ليست مفروضة من الله، فأصلاً هذا الكلام لم يكن موجوداً في ذلك اليوم، الشيعة والأئمة أنفسهم لم يعرفوا شيئاً اسمه جعل إلهي واختيار إلهي وتنصيب ونص وما شابه، إنما في القرن الثاني – بعد مائة سنة – جاء بعض الناس واختلقوا هذه النظرية ونسبوها إلى أهل البيت وركَّبوها عليهم وهم منها براء، نحن لا نقرأ تاريخ أهل البيت بدقة، وأنا عندي كتابي التشيع السياسي والتشيع الديني، في الفصول الأولى تتحدَّث عن كيف كان يُفكِّر الشيعة في ذلك الزمان في الأول، في المائة سنة الأولى، كيف كانوا يُفكِّرون في القرن الأول؟ كيف كان الأئمة يُفكِّرون والشيعة؟ لم يُفكِّروا في أن الإمامة نص وتعيين وجعل إلهي، كانوا يُفكِّرون في أنها نظام سياسي، وهؤلاء نحترمهم، هؤلاء أُناس ثوّار صادقون مُؤمِنون مُخلِصون زُهّاد عُبّاد وكرماء، ونحن نضعهم على رأسنا وننتخبهم أئمة، أهل العراق عندما انتخبوا الإمام الحُسين هل انتخبوه لأنه منصوص عليه من الله؟ اقرأوا رسائل أهل العراق، اقرأوا رسائل أهل العراق التي كتبوها للإمام الحُسين! ماذا قالوا له؟ قالوا ليس علينا إمام، أقدِم علينا، ليس علينا إمام، وانتهى! أنت أحق بالإمامة من غيرك، هذا الفكر لم يكن موجوداً عند الشيعة.

فإذن الشيعة ليسوا شيئاً واحداً وليسوا فرقةً واحدةً وليسوا تياراً واحداً وليسوا حالةً دائمةً، وأما بالنسبة إلى التقية أو نظرية الانتظار فالشيعة كانوا ثوّاراً في القرون الأولى وأقاموا دولاً، ولكن ماذا عن نظرية الانتظار للإمام المهدي؟ اقرأوا كُتب الشيخ الصدوق، محمد بن عليّ بن بابويه الصدوق عنده كُتب كثيرة، اقرأوا كُتب المُفيد والمُرتضى والطوسي في القرنين الرابع والخامس الهجري، هؤلاء أسَّسوا المذهب الاثني عشري، المذهب الاثنا عشري تأسَّس في القرن الرابع الهجري، وفي الخامس ترسَّخ أكثر بكُتب المُفيد والطوسي والمُرتضى، هؤلاء هم الذين قالوا لا يجوز إقامة الدولة والثورة إلا بالإمام المعصوم، وأساساً هم افترضوا وجود الإمام الثاني عشر، أنا أسميت كتابي أيضاً الإمام المهدي حقيقة تاريخية أم فرضية فلسفية؟ وقلت إن الإمام المهدي عند الشيعة – أي الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري – هم يقولون به، والسيد المُرتضى يقول يستحيل إثبات وجود هذا الشخص، تاريخياً وعلمياً يستحيل إثبات وجوده، فليس لدينا أي دليل عليه، بل بالعكس عندنا أدلة مُضادة من الحسن العسكري ومن أهل البيت ومن أهل البيت تقول نحن لم نر أثراً له، والحسن العسكري لم يدع أن عنده ولد، وإنما جاء بعض الناس وافترضوا وجود هذا الإمام، لماذا؟ لأننا إذا لم نفترض وجوده فنظرية الإمامة التي نحن نُؤمِن بها – أن الإمامة دائماً هي جعل إلهي ونصب وتعيين من الله، والأئمة عندهم صفة من الله تعالى – ستصل إلى طريق مسدود إذا وصلنا إلى الحسن العسكري، هو ليس عنده أولاد، فإما نعترف بانهيار نظرية الإمامة ووصولها إلى طريق مسدود، ومن ثم نقول انتهت هذه النظرية وتبيَّن أنها كانت غير صحيحة ولا تستند على أُسس، وبالتالي سنُعيد النظر في كل شيئ، وإما نفترض وجود ولد له، نفترض وجود ولد له ومن ثم نقول هو الإمام وهو غائب، لماذا هو غائب؟ لماذا لا يأتي ويحكم المُسلِمين؟ لماذا لا يقوم بثورة؟ هذا علمه عند الله!

كل هذا صار افتراضاً في افتراض وافتراضاً في افتراض، فصارت هذه نظرية وقالوا للشيعة صلاة الجُمعة مُعطَّلة إلى أن يظهر الإمام، إقامة الحدود مُعطَّلة، الجهاد مُعطَّل، الثورة مُعطَّلة، الحكومة حرام! حزب الدعوة عندما أسَّسه الشهيد السيد محمد باقر الصدر – رحمة الله عليه – كتب البند السادس في أطروحة الحزب – أي في دستور الحزب – وهو أن يقوم الحزب على أساس الشورى، داخلياً هناك الانتخابات، وإذا حكمنا فنحكم على أساس الشورى ونُجري الانتخابات، وعرض الدستور على بعض مراجع النجف مثل الشيخ الحلي والسيد الحكيم والسيد الخوئي والشيخ رضا آل ياسين فضلاً عن بعض المشايخ الآخرين، قال لهم ما رأيكم بهذا الدستور؟ فقالوا له هذا حرام ولا يجوز، لا تجوز الشورى ولا تجوز إقامة الدولة في عصر الغيبة، اترك هذا الموضوع واخرج من الحزب، أخرجوه من الحزب! أخرجوا السيد محمد باقر الصدر في بداية الستينات بعد أن أسَّسه ببضع سنوات، أخرجوه من الحزب! وهو كان شاباً صغيراً في تلك الأيام، أجهضوا حزب الدعوة، لم يدعموه ولم يدعوه يعمل، فجاء صدّام حُسين، صدّام حُسين ثمرة فكرنا المُتخلِّف الذي كان مُهيمناً علينا، مُحطِّماً لنا، مُجمِّداً لنا، ومُدمِّراً لنا.

فإذن الآن الشيعة يعيشون ثورة على هذا الفكر،  الشيعة الآن عامة – الذين اسمهم شيعة، بقيَ اسم شيعة وبقيَ اسم سُنة، أنا استعمل المُصطلَحات ولا أعترف بوجود شيعة ولا بوجود سُنة، أعترف بوجود مُسلِمين ديمقراطيين الآن سواء في العراق أو في إيران أو في لبنان أو في مصر أو في بلاد أُخرى – يُؤمِنون بالديمقراطية، هناك مُسلِم ديمقراطي، لا أكثر ولا أقل، لا يُوجَد أي معنى لأن تقول هذا شيعي أو هذا سُني الإنسان عندما يكون حراً وثائراً ومُطالِباً بكرامته ومُطالِباً بفكر جديد، فكر تماماً – مائة في المائة – يختلف عن فكره القديم، عن فكره المُخربَط، هذا ليس الفكر الصحيح، فكر أهل البيت والفكر الشيعي الأصيل قائم على الشورى، قائم على الشورى فكر أهل البيت! وهذا موجود أيضاً في كُتبي وأشرحه بالتفصيل، فكر أهل البيت والشيعة الأوائل كان قائماً على الشورى، هناك حديث يرويه الصدوق في كتابه عيون أخبار الرضا عن الإمام الرضا عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول مَن جاءكم ويُريد أن يغصب أمركم – يغتصب أمركم – فاقتلوه فقد آذنت لكم في ذلك، أي أحد يغتصب أمر الأمة اقتلوه، لأنه يُريد أن يغتصب أمر الأمة، يُريد أن يتغصب حرية الأمة! هذا فكر أهل البيت، وتُوجَد أحاديث وقصص وأدلة كثيرة لا مجال لشرحها الآن، فالأمة لم تختر!

أما ولاية الفقيه لا يُؤمِن بها مُعظَم علماء الشيعة فنعم، يُؤمِنون بما هو أكثر منها، الآن السيد السيستاني في العراق يُؤمِن بالنظام الديمقراطي أكثر من ولاية الفقيه، في ولاية الفقيه يقولون الفقيه يحكم، عندنا الفقيه يكون هو الحاكم الفوقي على رئيس الجمهورية وعلى مجلس النوّاب أو ما شابه، في العراق السيد السيستاني له فكر جديد، تماماً يختلف عن الفكر القديم، والعلماء الآخرون يُؤيِّدونه أيضاً، يقول الشعب هو الذي يحكم نفسه بنفسه، الشعب هو الذي يُقِر الدستور، الشعب هو الذي ينتخب رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية – مثلاً – إذا أراد، فهذا تطور! نُعطي التحية على هذا التطور، فإذن ليس عندنا مُشكِلة بعد الآن، لماذا نغوص في الفكر القديم؟ لماذا نقول في ماذا كان يُفكِّر آباؤنا وأجدادنا؟ نحن في ماذا نُفكِّر؟ وكيف نتعايش مع الإخوة الآخرين؟ كيف نتعايش مع بقية الناس؟ هذا هو المُهِم.

الأخ حمدي قال هناك خطر على الأقليات في ظل الشورى، هذا لا يتعلَّق بالشيعة فقط، السُنة أيضاً قد يقولون خطر في البلاد الشيعية، مثلاً في العراق قد يقول بعض الناس لا أعترف بوجود أقلية سُنية ولا أكثرية شيعية، أعترف بوجود شعب عراقي واحد، وعلى أساس الديمقراطية كل إنسان له صوت وكل إنسان له حقوق بدون نظرة طائفية للناس أو نظرة قومية أو نظرة قبلية، إذا يُمكِن أن يقول بعض الناس ما هو مصير القوميات والقبائل في ظل الديمقراطية؟ نحن لا نتحدَّث عن قبائل وقوميات وطوائف، نتحدَّث عن الناس واحد واحد، كل إنسان مسؤول عن نفسه، وهؤلاء كلهم يُشارِكون في انتخاب نظام ديمقراطي، وكلهم لهم حقوق مُتساوية بالدستور، يجب أن يكون الأمر هكذا! 

الدستور يكفل الحرية لكل إنسان، الآن الكلام في مصر وفي غير مصر عن أن المسيحي مُتساوٍ مع المُسلِم وله الحق في المُشارَكة في انتخابات رئاسة الجمهورية، أي يُرشِّح نفسه لرئاسة الجمهورية، فإذن لا خوف على الطوائف، المسيحيون لا ينبغي أن يخافوا من هيمنة المُسلِمين عليهم، عندهم النظام يكفل لهم الحرية، يكفل لهم المُساواة، يكفل لهم الحقوق، ويكفل لهم حتى المُشارَكة في البرلمان وفي انتخابات الرئاسة، فإذن لماذا يخافون؟ كما أن المُسلِمين في أوروبا – هنا وهناك في بريطانيا – لا يشعرون بأنهم أقلية إسلامية في بريطانيا مثلاً، وإنما كل إنسان هو إنسان بريطاني وله الحقوق، وكذلك في أمريكا أو في أي بلد آخر، فهو له الحق في أن يُشارِك في الانتخابات وفي أن يُرشِّح نفسه لمجلس البرلمان أو أن يُرشَّح لانتخابات الرئاسة – مثلاً – أو غير ذلك.

الآن تقولون هناك ظروف عملية لا تسمح لهذا أو ذاك أو مشاعر مُعادية للمُسلِمين، أقول لكم نعم، هناك قضايا نفسية وقضايا اقتصادية وقضايا سياسية خفية قد تحول، ولكننا نتحدَّث عن الدستور، الدستور الديمقراطي المفروض فيه أن يكفل الحرية والمُساواة للجميع، هذا لكل شخص من دون حسابات طائفية، أي طائفة تعتقد باعتقادات أُخرى – دينية أو غير ذلك – لها كامل الحرية، كما الآن للمُسلِمين في أوروبا كامل الحرية في الصلاة والصوم والاحتفالات وإقامة المُؤتمَرات وتربية أولادهم كما يشاءون، فهذه حرية أُخرى موجودة في ظل الدستور، أما النظام الديمقراطي فيكفل الحرية والمُساواة للجميع، فإذن لا خوف لا على طائفة ولا على قومية ولا على قبيلة مُعيَّنة ولا على حزب مُعيَّن.

وقلت أيضاً إذا نحن أقمنا نظاماً ديمقراطياً حقيقياً فإذن لن يكون هناك معنى للطوائف بعد، لن يكون هناك معنى للتشيع والتسنن، التشيع والتسنن سنفترضهما كحزبين ملكيين كانا يقومان بالدعوة إلى الملكية سابقاً ويقولان هذه العائلة تحكم أم هذه العائلة التي تحكم، والآن أقمنا نظاماً جمهورياً، وهؤلاء جميعاً يُشارِكون في هذا النظام الجمهوري، فما معنى الدعوة الملكية القديمة التي الآن نُمارِسها؟ الآن عندنا نظام جمهوري، ما معنى أن تدعو تاريخياً إلى هذا الملك الفلاني أو أن يدعو هذا إلى الملك الفلاني؟ هذه أصبحت دعوة تاريخية، وهي دعوة بائدة مُنقرِضة قديمة ولا معنى لها، فإذن المعنى الحقيقي هو الصراع الديمقراطي اليوم، المعركة الديمقراطية المُعاصِرة! هذا هو المُهِم، وهذا ما يهمنا، فإذن نحن – إن شاء الله – ليس عندنا أي خوف لا على الشيعة ولا على السُنة في أي بلد.

الأخ مُحسِن عليّ سأل عن إرجاع الدين إلى أصله أو اقترح هذا الشيئ، وهذا اقتراح جداً جيد ومُهِم، وفي الحقيقة نحن نرجع إلى القرآن الكريم في القيم والمبادئ والأصول، لكن نحن في حاجة إلى تعزيز وتطبيق هذه المبادئ على أُسس واضحة وعلى أُسس دستورية، فيجب أن نُطوِّر دساتيرنا بحيث تكفل هذه الحقوق والمبادئ الإنسانية، نحن لسنا فقراء في المعنى الأول – معنى القيم والأخلاق والمبادئ، هذا موجود عندنا في ديننا – ولكن ما نُعانيه نحن مُنذ ألف وأربعمائة سنة – بعد بداية الإسلام الأولى – هو غياب الدستور الذي نظَّم الحياة السياسية، الذي يضمن عدم حدوث الصراع العنيف ولا يسمح بالانقلابات العسكرية وبالثورات المُسلَّحة وبالتمرد وبالتفجيرات والقتل كما هو جار اليوم، لا يسمح بذلك لأي فئة تتوسَّل بالقوة أن تُسيطر على الأمة باسم الإسلام، كأن يُقال والله نحن نُريد أن نُطبِّق الإسلام، نُريد أن نُقيم الخلافة، إذن فلنذبح الناس! أي خلافة هذه وأنت تدعس على قيم الإسلام وتسحق أصول ومبادئ الإسلام؟ فلا يجوز أن تُقيم الخلافة بهذه الطريقة، أقم الخلافة الديمقراطية، الخلافة الشعبية، كل إنسان هو خليفة الله، كل إنسان مُسلِم، مُؤمِن، يدعو إلى الحق، يدعو إلى الخير، يأمر بالمعروف، وينهى عن المُنكَر هو خليفة الله بحسب حديث أيضاً مروي في هذا المجال، فالله جعلنا كلنا خلفاء، لم يجعل واحداً خليفة علينا، الخلافة في التاريخ كانت خلافة ضد الله، ضد خلافة الشعب والأمة، ولذلك أصبحت خلافة شيطانية، لم تعد خلافة إلهية، فلابد أن نرجع إلى أساس الدين وإلى القرآن الكريم، ولكن علينا أن نأخذ بآليات الديمقراطية وأن نُطوِّرها بحسب ظروفنا وبلادنا، بحيث تُعطي أُكلها وثمارها، هذا الشيئ الآن نفتقده في الحقيقة اليوم.

(ملحوظة) أعطى الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب الكلمة للأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً تفضَّل.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: بارك الله فيك، في الحقيقة أُحِب أن أُساهِم في إضاءة سؤال أخينا المُهندِس مُحسِن، (ملحوظة) قال الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب هذا كان مُوجَّهاً إليك أيضاً، ثم استتلى الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم قائلاً فهو أيضاً وجَّه إلىّ السؤال، واعترض هو في أثناء سؤاله بأن العمل على رسم خارطة طريق للعقلية الإسلامية أو الفكر الإسلامي أولى من التعرض بالبحث في الخلافات، سواء الدينية أو التاريخية أو غيرها.

أنا أختلف تماماً مع هذا الطرح ومع هذا التخوف، تماماً أختلف! وأرى أن البداية لابد أن تكون من خلال خلخلة القناعات لدى الفرق المُختلِفة، لدى الشيعة ولدى السُنة، لأن طبعاً كلا الفريقين لديهما قناعات راسخة وجامدة إلى حد بعيد، لابد أن نعمل على خلخلة هذه القناعات، لكن أي قناعات وفي أي حدود تتم هذه الخلخلة؟ هذا سؤال!

الأستاذ الفاضل أحمد أكثر من مرة نستطيع أن نقول أكَّد على دور المِزاج الديمقراطي – هكذا سأقول، ليس فقط المسعى وإنما المزاج – في حل هذه الأزمات، هذا الموضوع فيه غموض كثير! الطريقة الديمقراطية قد تُساهِم فعلاً في حل مُشكِلة التداول السلمي على السُلطة، ولكن من الصعب أن تكون واضحة تماماً في حل المشاكل الفكرية والثقافية والعقدية والأيديولوجية، بدليل أن المُسلِمين يعيشون هنا في أوروبا أيضاً ويعيشون مُتحارِبين مُتشانئين مُتباغِضين، كأنهم يعيشون في ظل نظام ديكتاتوري، لكن لا يصول بعضهم على بعض، لا يعتدي بعضهم على بعض، لو أمكنتهم الفُرصة ووجدوا ثغرات في القانون وما إلى ذلك سيفعلون للأسف الشديد، إذن ما المُشكِلة؟ ما الذي يحصل؟ ما هو الحاصل؟ ومن هنا أهمية سؤال المُهندِس بارك الله فيه.

أُحِب فقط – لأن هذا موضوع طويل جداً جداً، وهو مُستحوِذ علىّ، أي هذا الموضوع بالذات – أن أضيئه في شكل نقاط مُتسلسِلة:

أولاً الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۩، نزلت هذه في عشية وقفة عرفة من حجة الوداع، إذن قبل أن يترحَّل رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – إلى عالم النور من عالم الديجور الدين كمل والنعمة تمت، طبعاً العقلية الإسلامية على وضوح هذه الآية ووضوح هذا التقرير الإلهي إلى اليوم تفهم الإسلام المُرتهَن إلى أحداث تاريخية تأخَّرت عن وفاة رسول الله زُهاء ثلاثين سنة، الإسلام تاريخ بالمُناسَبة سواء عند الشيعة أو عند السُنة، لا يُمكِن غير هذا، هذا هو الإسلام!

الآن البحث عن جوهر الإسلام، لا نقول حتى إحياء الإسلام وإنما جوهر الإسلام، لُب الإسلام، وأساس الإسلام، مُهِمة صعبة جداً! لماذا؟ لأن المُسلِم الشيعي كما السُني كما طبعاً الإباضي والزيدي وغيرهم يتعاطى مع إسلام هو كُتلة واحدة شديدة التركيب والتعقيد من الأصل والفضول والزيادات والذيول التي تمت مُراكَمتها عبر القرون، والآن يتعاطى معها على أنها هي الإسلام، الإسلام الأصيل الإلهي المُحمَّدي المُصطفوي الرباني كما أنزله الله بل كما أراده الله، وهذه المسألة طبعاً واضح أنها ليست كما تُطرَح على الإطلاق، إذن ماذا نفعل؟ كما قلت البداية تكون إذن من الخلخلة، في البداية سنسمح بهذه الخلخلة، من أجل أن ينجح مسعانا في إثارة ضرورة البحث عن جوهر الإسلام، إذا اختلت القناعات قليلاً سيبدأ الشيعي والسُني يتساءلان إذن ما هو الإسلام الجوهري؟ ما هو الإسلام الذي تحصل به النجاة؟ ما مناط النجاة؟ أنا أُريد النجاة في نهاية المطاف، أُريد النجاة! 

ثانياً حدث الآتي مع طبعاً وضوح أن الدستور واحد وهو القرآن الكريم، للأسف الشديد واحدية هذا الدستور في المُستوى النظري مُقرَّرة لكنها في المُستوى العملي مُعطَّلة تماماً، لأن الشيعي كالسُني كالإباضي كالزيدي أبى أن يكتفي بالقرآن كأساس لمُقرَّرات الاعتقاد والشرائع والأحكام، لا أحد يكتفي به أبداً، لا أحد يكتفي به! ولذلك لو قلنا إن كثيراً أو شطراً عظيماً من مصائب وبلايا المُسلِمين أتى مما يُسمى بالأحاديث والسُنة لكان هذا صحيحاً، والشيعة لهم سُنتهم والسُنة لهم سُنتهم والإباضية عندهم أحاديثهم والزيدية عندهم أحاديثهم، هذا هو! ولم يكتفوا بالقرآن الذي يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ۩، أليس كذلك؟ الذي كان كافياً وفيه غنى وكفاية حتى للمُشرِكين أن يعرفوا الحق وأن يُميِّزوه من الباطل، لكن أمة محمد القرآن غدا غير كافٍ لها، غير كافٍ! لا يُمكِن أن يُفهَم إلا بمنظومة طويلة عريضة من الأحاديث التي من خلالها تسلَّلت أفكار ورغبات وأهواء لكل طائفة ولكل فرقة، وهذا الأمر يعمل – ما شاء الله – بنجاح إلى اليوم، بنجاح هو الفشل الأكبر!

إذن القرآن لابد أن يُقدَّم كدستور، مثلاً لو قام نقاش بين شيعي وسُني أنا أرى هذا النقاش لن ينجح ما لم يكتف بالقرآن، لابد أن نُعطِّل السُنة هنا على الأقل مرحلياً، عطِّل سُنتك وأُعطِّل سُنتي، القرآن كافٍ، إلا إذا اتهمناه بأنه غير كافٍ، وطبعاً هو مُتهَم بالمُناسَبة، عملياً هو مُتهَم! كلامي هذا كفيل أن يجعلني مارقاً وزنديقاً عند الشيعي كما عند السُني، وسيأتيك بآيات – أنا الآن لست في وارد أن أُجِيب عن هذه الاستدلالات – من ضمنها وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ۩، هذه الآية واضحة تماماً لدى هؤلاء من الشيعة والسُنة في أن القرآن يحتاج إلى النبي، وهذا غير صحيح! الآية لا تقول هذا، مع أن أكثر العلماء على الإطلاق قالوا إنها تقول هذا، إن شاء الله ربما في خُطبة جُمعية سأُثبِت للناس من القرآن وحده أن الآية لا تقول هذا، الآية تقول القرآن هو نفسه البيان وهو البيّن وهو المُبيَّن، القرآن نفسه! كيف هذا؟ عشرات الآيات تُفسِّر هذه الآية، تم تعطيلها وكأنها غير موجودة لكي تتسلَّل السُنة، ومن خلال السُنة يتسلَّل كل أحد بأهوائه وأغراضه، لست قرآنياً كما يقول بعضهم، مع أن النسبة إلى القرآن أكبر شرف وأعز شرف، لكن لست قرآنياً من ناحية مذهبية أو تفكيرية  أو منهجية، لكن أنا مرحلياً أقول لابد أن نكتفي الآن في البداية بالقرآن العظيم.

هل القرآن يُقرِّر أصول الدين؟ بشكل واضح تماماً، والمُتفَق عليه عند كل الأفراق أو الفرق الإسلامية، هل يُقِر أركان الإسلام؟ تماماً، هل يُقِر أصول القيم؟ تماماً، فما الذي يحدث؟ الذي يحدث – كما قلت لكم للأسف الشديد – أن هناك مُؤسَّسات دينية ومُؤسَّسات علمائية مشائخية رزقها ومعاشها ومزاياها المادية والمعنوية كلها تقوم على ضرورة تضخيم الدين وإدخال فضول وذيول وشُعب وزيادات كثيرة تجعل الناس أبداً مُحتاجين إليهم، ولذلك بين قوسين أقول (مُقلِقة جداً ظاهرة أن المُسلِمين في هذا العصر ربما بالذات من أكثر الناس انشغالاً بالشأن الديني، الكلام في الدين على مدار الأربع والعشرين ساعة، ودنياهم مُعطَّلة، كل شيئ مُعطَّل في هذه الدنيا، ليس فقط السياسة، كل شيئ مُعطَّل).

هذا يُذكِّرنا بوضع المسيحيين في أوروبا الوسطى، يقولون النقاش البيزنطي، الكلام كله كان في الدين، كل شيئ يصب في مصب الدين وينبع من منبع الدين، والدنيا مُعطَّلة! لم تتحوَّل هذه الحالة إلا مع نشوء الفكر الإنسانوية أو إعطاء الإنسان أولوية، يا أخي هم أعطوا الإنسان أولوية – أي Humanism بالإنجليزية أو Humanismus بالألمانية – فبدأ الأمر يعتدل، وطبعاً انتهى إلى نهاية أيضاً عدمية للمُبالَغات والإفراط.

نترك هذا، ونعود الآن – وأختم بهذا – إلى النُقطة الثالثة والأخيرة، لو عُدنا إلى القرآن الكريم نُريد أن نستل منه فلسفة للوجود، فلسفة للإنسان، وفلسفة للفعل – فلسفة كينونة وفلسفة فعل – هل يُمكِن؟ وببساطة، ببساطة أيها الإخوة! كيف؟ في القرآن الكريم هناك مُصطلَح الاستخلاف، إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۩، للأسف وجدت بعض العلماء الكبار كالراغب الأصفهاني ومَن حذا حذوه يرون أن الاستخلاف مقصد من مقاصد الله، لا ليس مقصداً أبداً، هو أبو المقاصد، بالعكس! الاستخلاف يُعادِل ويُساوي خلق الإنسان، لأن الإنسان لم يُخلَق ثم أراد أن يستخلفه، مُنذ البداية قال إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۩، فالاستخلاف يُساوي إيجاد الإنسان، إذن هو أبو المقاصد، هو العنوان الأكبر، بعد ذلك يتم الحديث عن مقاصد الاستخلاف، ما هي المقاصد الإلهية من استخلاف هذه الخليقة أو من استخلاف هذا الإنسان؟ أول مقصد: إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ۩، قال الله وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ۩، أي بمعنى إلا ليعرفون كما قلنا، وأول الدين معرفته كما يقول الإمام عليّ عليه السلام، أول الدين معرفته! المقصد الثاني – إخواني وأخواتي – كرامة الإنسان، كرامة الإنسان! وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ۩، ولذلك مقصد كرامة الإنسان وتقرير هذه الكرامة الآدمية يستدعي مقصد العُمران مُباشَرةً، هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ۩، لماذا؟ لأن الآية – آية الإسراء، آية سورة بني إسرائيل – تقول كرامة الإنسان رهن باستبحاره التمديني العُمراني، لماذا؟ قال وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۩، متى تُرجِم هذا الحمل في أحسن صوره؟ في هذا العصر، أحسن صور التاريخ ترجمةً لهذا الحمل الإلهي في هذا العصر، فعلاً نحن محمولون في البر والبحر والجو، بفضل ماذا؟ بفضل الاستعمار، استعمار هذه الأرض! هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ۩.

لا نُطيل، بعد ذلك المقصد الثالث، وهو العدالة والإحسان، العدالة: وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ۩ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ۩، لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۩، عجيب! مقصد إلهي واضح جداً، لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۩، بالعدل! في الأثر الشريف بالعدل قامت السماوات والأرض، ولذلك هذه القيمة – قيمة العدل والقسط والقسطاس – تُقدَّم على قيمة الدين، والعدل مأمور به مع المُوافِق والمُخالِف، ومع الكافر والمُؤمِن على سواء حتى في الحرب، وهو من أمارات وعلائم التقوى، الحرية: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ۩، أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ۩، قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ ۩ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إذْ نَجَّانَا اللَّهُ ۩، إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۩، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ ۩، أليس كذلك؟ آيات كثيرة! القرآن طافح ملآن وريّان بما يُؤسِّس للحرية، بالعكس نحن قلنا مرة في خُطبة الحرية الإنسانية مفهوم سابق حتى على مفهوم التدين نفسه، قبل أن يهبط الإنسان إلى الأرض أُعطيَ ماذا؟ أُعطيَ الحرية والاختيار، عجيب! كأن جوهر كينونة الإنسان يكون في الحرية.

هذه مقاصد قرآنية ينبغي على كل مُسلِم شيعياً كان أم سُنياً أن يُقرِّرها، ينبغي على المُفكِّر المُصلِح والمُجتهِد والمُجدِّد الذي يُريد إعادة اكتشاف الإسلام والذي يُريد وضع الأُصبع على جوهر ولُب لُباب الإسلام أن يُقرِّر هذه المقاصد على أنها مقاصد الاستخلاف، العنوان الأب الأكبر، جميل! هذا هو المطلوب، ماذا يحدث يا إخواني؟ يحدث أن المُفكِّر الديني يظن نفسه للأسف – الفقيه والشيخ المُفسِّر – قادراً على قراءة النص دائماً بآلية واحدة وبخلفيات مُتكافئة، وهذا غير صحيح، غير صحيح بالمرة! ما يحصل أن كل مُفسِّر وكل مُجدِّد وكل مُصلِح وكل ناظر إنما يقرأ النص ويُقارِبه وفق خلفياته المعرفية، انتبهوا! يفعل هذا وفق خلفياته المعرفية، الخلفيات المعرفية تعني شيئين: أولاً حجم المعرفة الناجزة لديه والحاصلة لديه، ثانياً مدى وعيه بالنموذج الإرشادي الذي يتحرَّك في إطاره، هذا يُسمى الإطار، أي Paradigm بالإنجليزية أو Paradigma بالألمانية، يُسمى هو الإطار، النموذج الإرشادي! هذا الشيئ أنا مُتأكِّد طبعاً أي شيخ تقليدي الآن لا يفهمه، لا يسمع به من قبل، لأن طبعاً خلفيته المعرفية في الدراسات النقدية والفكرية صفر تقريباً، أليس كذلك؟ هو يقرأ الأشياء الموجودة في الكُتب الصفراء والحمراء، لا يعرف هذه الأشياء كمُفكِّر تقليدي أو كفقيه أو كعالم أو كمُفسِّر تقليدي، لكن هو محكوم بهذه الأشياء شاء أم أبى، بمعنى في القرون الوسطى الإسلامية النموذج الإرشادي والإطار الذي كان يُفكِّر فيه كان يُقدِّم الواجب على الحق، وبالمُناسَبة ليس الإسلامية فقط حتى وإنما المسيحية أيضاً، في العصور القروسطية جميعاً النموذج الإرشادي كان نموذجاً يُقدِّم الواجب على الحق، مفهوم الحق كان مُتقلِّصاً جداً لصالح مفهوم الواجب، واجبات المُسلِم أو واجبات المسيحي نحو الأسرة، طبعاً واجباته أولاً نحو ربه – أي بإزاء الرب لا إله إلا هو – ثم نحو الأسرة، بعد ذلك نحو الأمة – ليس نحو الوطن، لم يكن هناك مفهوم اسمه الوطن، لم يكن هذا موجوداً، كان يُوجَد مفهوم الأمة، الأمة الإسلامية أو الأمة المسيحية، أمة الكنيسة، أي Kirche بالألمانية أو Church بالإنجليزية – وهكذا، الواجب والحقوق بسيطة جداً جداً، موجودة لكن مُتقلِّصة، لماذا؟ لأن مفهوم الفردية لم يكن قد بزغ بعد، لم يكن موجوداً، لم يكن موجوداً مفهوم الفردية، الإنسان لا يستطيع أن يُدرِك نفسه إلا ضمن ماذا؟ الكل، الكل العشائري، القبلي، والأممي! أما أنا كفرد هكذا هل يُمكِنني حتى أن أختلف مع المجموع في ديني وأن أعيش حياة كريمة كما نفعل الآن؟ نعيش هنا في النمسا ونشعر بفرديتنا واستقلالنا وكرامتنا على أننا مُسلِمون، أليس كذلك؟ نحن في قوم أو هناك بلد أغلب سُكانه من المسيحيين ولا نشعر بضغط هذا الاختلاف الفاقع من ناحية مِلية أو دينية، لماذا؟ هذه فضائل الدولة الحديثة، التي يُسميها العرب خطأً الدولة المدنية، علماً بأن مُصطلَح الدولة المدنية لا يُعرَف في الغرب هنا، لا يُوجَد هنا شيئ اسمه الدولة المدنية، هذا من تأليفات العرب المُعاصِرين، الدولة المدنية يقولون، لا يُوجَد شيئ اسمه الدولة المدنية، هناك شيئ اسمه الدولة الحديثة أو دولة مواطنيها، هذه اسمها الدولة الحديثة The New State، الدولة الحديثة! الكلام لم يكن معروفاً، الآن طبعاً المُسلِم في الشرق وفي الغرب يُدرِك تماماً أن الحقوق مُقدَّمة على الواجبات، يُوجَد نوع من تضخم الخطاب الحقوقي، الحقوق! حقوق الإنسان، حقوق المرأة، حقوق الطفل، حقوق البيئة، حقوق… حقوق… حقوق… هذا نموذج – Paradigm – مُختلِف، هذا يُوجِّهك دون أن تدري، لذلك الآن – مثلاً – ينشط المُفكِّر المُسلِم لا شعورياً مُتأثِّراً بهذا النموذج الإرشادي، يُعيد قراءة النصوص الدينية ويُعيد قراءة المُدوَّنات الفقهية والعلمية والتفسيرية جميعاً تقريباً لكي يُؤكِّد أن الإسلام يفي بشرط إعطاء منظومة حقوقية، هذا لم يكن مفهوماً ولا مُتعاطىً معه بهذا الشكل، بل كان منكوراً، كان مُنكَراً تماماً في القرون الوسطى، على أنه لم يكن أصلاً حتى معروفاً حتى يُنكَر، الآن أصبح شيئاً عادياً، لكنه غير عادي، انتبه! بمعنى بمقدار ما تتسع فعلاً خلفيتك المعرفية وطريقتك في القدرة على التحليل والتركيب – أي أن تكون مُفكِّراً فيلسوفاً، لا مُفكِّراً تقليدياً، بل تكون مُفكِّراً تتمتع فعلاً بلياقات فيلسوف – تستطيع أن تُدرِك النموذج الذي تتحرَّك في خلاله أو في إطاره أو في ضمنه، وبعد ذلك تُنتِج خطاباً إسلامياً يُمكِن أن يفي بشرط الإنهاض والتحريك الذي يُمكِن أن يجعل من هذه الأمة – إن شاء الله – خير أمة الآن أُخرِجت للناس، وهي الآن ليست للأسف وافية بهذا المعنى.

أشياء كثيرة يُمكِن أن تُقال، على كل حال كلامي هذا يُلخَّص في نقاط في النهاية وهو دعوة إلى أن يُوسِّع المُفكِّر المُسلِم والفقيه المُسلِم والمُثقَّف المُسلِم دائرة معارفه وثقافاته، علينا أن نقرأ ونقرأ ونقرأ ونقرأ، وعلينا أن نُقارِن، وعلينا أن نتحاور وأن نلتقي باستمرار مع الشرق ومع الغرب ومع المُسلِم ومع غير المُسلِم، وأن تنفسح صدورنا، وأن نُدرِك أن باستثناء الأصول – وهي قليلة جداً – التي هي مناط النجاة الأمر رهن الاجتهاد، كل شيئ قابل للاجتهاد باستثناء أشياء بسيطة وهي بسيطة جداً جداً، هذا ما أُسميه دائماً الاقتصاد في الاعتقاد، يا ليت هذه الأمة تفقه هذا – والله – وتقتصد في اعتقاداتها لكي تفرغ لفهم كيف تُنمّي وتُبارِك دُنياها وتعمرها، والله – عز وجل – يقول الحق وهو يهدي السبيل.

– الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب: أحسنت، بارك الله فيك.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: قبل أن نعود إلى الإخوة المُشافِهين بالأسئلة نُعطي لأستاذنا سؤالاً مكتوباً، بعد ذلك نعود أيضاً إلى المُشافهة ونُكمِل، حتى نعدل إن شاء الله، تفضَّل أستاذنا، هل يُمكِن من فضلك أن تقرأ السؤال؟

– الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب: نعم، يقول في ظل الثورة العربية والتغيير بالفعل والحركة، هل حان الوقت أن يجتهد مُتفكِّرو الإسلام ويقوموا بتأسيس ديمقراطية إسلامية أو بتأسيس علم جديد لخير المُسلِمين والإنسانية جمعاء؟ ومتى يستطيع المُواطِن العربي العمل مع أخيه العربي في كافة المجالات بدون عنصرية؟ المُهندِس محمود الناصر.

أنا أعتقد فعلاً موجود الشيئ هذا أو هو بدأ يحدث، الشارع العربي يُفكِّر أكثر من بعض المُفكِّرين الذين قد يكونون مُتخلِّفين أو مُتأخِّرين، وهناك طبعاً الكثير من المُفكِّرين الإسلاميين من مائة سنة بدأوا يدعون إلى الديمقراطية، وأنا أشرت إليهم في كتابي تطور الفكر السياسي السُني نحو خلافة ديمقراطية، وقلت كثير من علماء السُنة من مائة سنة – من أيام جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، رشيد رضا، السنهوري، وغيرهم – بدأوا يدعون إلى الديمقراطية، حتى الإمام حسن البنا أيضاً دعا إلى النظام الديمقراطي.

وإن شاء الله يتطوَّر هذا العلم أو يتطوَّر هذا التوجه ويتكرَّر ويتعزَّز حتى يُعطي ثماره، والعربي طبعاً يستطيع أن يحصل على حقوقه في ظل هذه الديمقراطية الإسلامية، لماذا نقول الديمقراطية الإسلامية؟ هذه الديمقراطية ونحن مُسلِمون، نُؤمِن بالإسلام ونلتزم بالإسلام، لكن إدارة حياتنا من شؤون الدنيا، والسياسة من شؤون الدنيا وليست من شؤون الدين، الدين هو القيم والمبادئ، والسياسة العملية هي من أمور الدنيا، واختيار الحاكم من أمور الدنيا أيضاً، إن دنياكم هذه عندي أزهد من عفطة عنز، الإمام عليّ يقول هذا عن الخلافة، يُسميها دنيا! يقول إن دنياكم هذه عندي أزهد من عفطة عنز، هذه لا أشتريها إلا أن أُقيم حقاً أو أدفع باطلاً، فدخول الإمام في السياسة أو دخول المُسلِم أو المُفكِّر والعالم في السياسة ليس من باب الأُبهة والجاه والفخفخة والتمتع بملذات الدنيا، إنما لتطبيق الحق والعدل، هذا هو هدفنا، وهدف كل إنسان ينتمي إلى حزب أو يُشارِك في مُظاهَرة أو يتولى منصباً هو تطبيق الحق والعدل في المُجتمَع إن شاء الله.

(ملحوظة) رغب أحد الحضور في المُداخَلة قائلاً السلام عليكم ورحمة الله، فقال له الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب وعليكم السلام ورحمة الله، ما اسم الكريم؟ فأجاب بدوره قائلاً اسمي محمد مهدي حائري الشيرازي، ثم تحدَّث بلُغة أجنبية وقام أحدهم بترجمة ما قال، ومُلخَّص حديثه أنه شكر مسجد الشورى والأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم مُسجِّلاً بعض الانتقادات، فليس من العدل من وجهة نظره أن يأتي شيخ شيعي لينتقد المذهب الشيعي دون أن يُوجَد مَن يرد عليه، فهذا يُشبه الإتيان بشيخ سُني لانتقاد السُنة دون وجود مَن يرد عليه.

ثم أوضح أن هناك الكثير من الاختلافات الحقيقية بين السُنة والشيعة رغم وجود الكثير من نقاط التلاقي، وهي تُؤثِّر على الفريقين وتُحدِّد وجهاته، مُشيراً إلى دور المرجعية العلمية لأهل البيت، ثم استشهد بقول الله وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ۩ للدلالة على أن الخليفة أو الإمام لابد أن يكون من الله أو من نبي، فضلاً عن استشهاده بحديث الثقلين.

ذكر أن قصة المهداوية ليست قصة قديمة وليست شيعية فقط، فهي أيضاً سُنية، مُشيراً إلى وجود مَن ادّعى المهداوية في السنوات الأخيرة حول الكعبة، وهذا ما حدث أيضاً أيام الدولة العباسية، مُشيراً إلى أن الشيعة الصفويين كانوا قلة وكانوا مقهورين حتى بدأوا يُقاوِمون ويظهرون.

أشار إلى أن موضوع الديمقراطية يُعَد موضوعاً شائكاً مُستشهِداً بقول الله وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۩، وقد ذكر قول الله اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۩، وأكَّد على أن قول الله وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ ۩ نزل في الأمور الدنيوية،

– الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب: نعم، في البداية وجَّه انتقاداً لفضيلة الشيخ لأنه أتى برجل شيعي ينتقد المذهب الشيعي، وهذا ليس صحيحاً، أنا مدحت المذهب الشيعي أكثر مما انتقدته، أليس كذلك؟ لا أعتقد أن مُحاضَرتي كانت مُخصَّصة لنقد المذهب الشيعي أو المذهب الإمامي، كل المواضيع هذه التي بحثها الأخ كتبتها في كتابي تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه وكتابي الآخر الأوسع التشيع السياسي والتشيع الديني، وما جئت هنا لكي أُلقي مُحاضَرة عن كتابي أو عن فكري هذا في الموضوع، لا عن نقد الإمامة ولا عن نقد نظرية الإمام المهدي التي لم أتحدَّث عنها بالتفصيل، إنما أشرت إلى تطورات وإلى آثار النظرية، أنها شلت حركة الشيعة فترة من الزمن ثم حدثت ثورة، قلت هناك ولاية الفقيه والآن العلماء الشيعة يُؤمِنون بالديمقراطية ويُؤمِنون بولاية الأمة على نفسها – مثلاً – أو انتخاب الإمام من قِبل الأمة.

أشرت إلى الجوانب الإيجابية الحديثة والتطورات الجذرية الهائلة التي تُقرِّبهم من إخوانهم السُنة والسُنة أيضاً تخلوا بعض الأشياء وانتقدت الفكر السُني أيضاً بهذا القدر، لأنه كان فكراً سلبياً مُخدِّراً مُحنِّطاً للأمة، يدعو إلى الخنوع ويدعو إلى طاعة الحُكّام الظالمين الفسقة الفجرة، الآن هناك ثورة عربية وإسلامية ضد هذا الفكر، وهناك ثورة ديمقراطية، فإذن الثورتان الديمقراطيتان الشيعية والسُنية تلتقيان في بوتقة واحدة، وهما الآن في قمة التحالف والاتفاق والانسجام بينهما، هذا كان حديثي وجوهر حديثي.

لم أتحدَّث عن نظرية الإمامة، كيف نشأت؟ مَن أنشاها؟ ما أدلتها؟ وما براهينها؟ ولم أُناقِش الآيات والأحاديث التي تفضَّل بها الأخ الأستاذ محمد مهدي، ولم أتحدَّث عن نظرية المهدي، كيف نشأت؟ مَن اختلقها؟ أو ما هي أدلتها؟ هل يُؤمِن السُنة بذلك أم لا يُؤمِنون؟ وهل يُؤمِن الشيعة الآخرون – اثنان وعشرون رجلاً ادعوا المهدوية من الشيعة في خلال ثلاثة قرون – بهذا أم لا؟ أنا لم أتحدَّث عن هذا ولا أُريد أن أتحدَّث، فإذن حديثنا ليس سُنياً في مُقابِل شيعي ولا هو شيعي في مُقابِل سُني.

الأستاذ أيضاً – أي الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم – انتقد الفكر السُني، ولم يرد عليه أحد من السُنة، فإذن هذا ليس منطقاً في الحقيقة، نحن الاثنان تحدَّثنا عن شيئ مُشترَك، وما شاء الله في الإخوة الحاضرين والمُشاهِدين والمُشارِكين مَن يردون، فنحن ما ألقينا بأستاذية على الآخرين فكرنا، لم نُلق بأستاذية فكرنا، نحن قدَّمنا رؤانا، نحن شخصان عاديان وبسيطان إن شاء الله، ليس عندنا عمة على رأسنا ولا نلبس جبة طويلة عريضة، قدَّمنا فكراً، وأي واحد يُحِب أن يتفاعل مع هذا الفكر أهلاً وسهلاً، أما مَن يُريد أن يرد علينا فنحن استمعنا له ونستمع له، ودائماً نحن نُرحِّب بأي نقد أو أي مُراجَعة أو أي شيئ، نعتقد كرؤية وكتحليل أن جذر المُصيبة في العالم الإسلامي هو غياب الشورى، والشورى مفتاح البناء الحضاري، الغرب عرف هذا المفتاح فبنى نظامه الدستوري والسياسي على أساس الشورى أو الديمقراطية، وطوَّروا الديمقراطية عبر قرون إلى ما ترون من الوضع الذي جئنا إليه، بعضنا جاء طوعاً وبعضنا جاء كرهاً في هذا البلاد، إي إجباراً ولجوءاً بسبب الظلمة والطواغيت في بلادنا، ونحن نتمتَّع بهذه الحرية ونعيش إنسانيتنا وكرامتنا، نأمل ونرغب أن يعم هذا السلام وهذه الحرية وهذه الكرامة في بلادنا الأُخرى، فنقاش الأخ كان في تفاصيل الرد على ما لم أتحدَّث عنه في الحقيقة، أنا لم أتحدَّث عن نظرية الإمامة وأدلتها، وهل هي صحيحة أم غير صحيحة؟ أنا قلت الآثار – فقط الآثار – كناقد اجتماعي وليس كناقد باحث، والآن لم أبحثها أساساً، فأعتقد لا تُوجَد ضرورة لأن أخوض في الرد على الآيات والأحاديث التي استشهد بها الأخ، هذه يُمكِن أن تأتي في وقتها إذا أحب أن نعقد ندوة أُخرى، وهو يُمكِن أن يتفضَّل أو أن يأتي بأي واحد آخر لكي نجلس ونبحث هذا الموضوع، وإذا أحببتم هذا أيضاً فليس عندي أي مانع سواء الآن أو في أي فترة أُخرى إن شاء الله، هذا ليس موضوعنا، أنا تكلَّمت عن الحرية والشورى، وليتفضَّل الأخ ليُكمِل ما يُريده.

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: أنا مُوافِق على ما تفضَّلت به، وكجواب على أخي الفاضل أقول له إذا كان يجوز لكل أحد أن ينشر كتاباً – ليس مُناظَرة وإنما يُؤلِّف كتاباً ثم ينشره – يجوز لنا أن نفعل ما فعلنا وهذا أولاً، ثانياً إذا جاز لكل أحد أن يبرز بوجهه على التلفاز أو اليوتيوب YouTube يُلقي مُحاضَرة على الناس تُعبِّر عن قناعاته يجوز لنا أن نفعل ما فعلنا

كل خطيب، كل واعظ، وكل مُحاضِر في جمهوره وبين أتباعه يفعل هذا تقريباً مرات كثيرة، ماذا يفعل؟ يتعرَّض للآخرين بشيئ من النقد، ولا أحد يُنكِر عليه، من حقه! من حق السُني أن يفعل هذا، ومن حق الشيعي والإباضي والمُعتزِلي – وإلى آخره – أن يفعل هذا، لماذا؟ هذا مقام، مقام المُناظَرة أن يُؤتى بشخصين يتناظران أمام جمهور مقام ثان، ولكل مقام مقال، نحن لم نُعلِن أننا هنا – (ملحوظة) قال الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب لسنا هنا في مُناظَرة فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نعم – في مقام مُناظَرة، لم نفعل هذا ولم نقل هذا، هذا هو فقط، لكل مقام مقال، صحيح! لكن لو جئنا فعلاً نُعبِّر عن أننا جئنا هنا – مثلاً – لكي نُناقِش مقولة مُعيَّنة سُنية أو شيعية – لكي نُظهِر عوارها وضعفها وأنها كذا وكذا وكذا – يكون الأفضل – هذا ليس لازماً لكن هو  الأفضل – أن نأتي بطرف آخر مُتحمِّس للدفاع عنها حتى نُظهِر قوة موقفنا على الأقل أو هو يُظهِر قوة موقفه، لكن فعلاً الأمر لم يكن كذلك، والله أعلم.

– الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب: شكراً، هل عندك أسئلة؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم، تفضَّل، هناك سؤال مكتوب.

(ملحوظة) رغب الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب في أن يقرأ الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم السؤال فقال يقول الأخ السائل أو الأخت السائلة قال حسن البنا – رحمه الله طبعاً – لأتباعه أقم دولة الإسلام في نفسك وأهلك قبل أن تُقيمها على الأرض – هي ليست كذلك! أقم دولة الإسلام في نفسك تقم على أرضك -، فهل نحن فعلاً في هذا الزمان والأزمان السالفة مُسلِمون جديرون بالإسلام وإقامته على الأرض؟ أي إقامة دولته! 

الحاكم المُتكبِّر المُستبِد يسود الأمة باسم شرع الله والزوج والأب والأخ المُسلِم أليس مُستبِداً مُتكبِّراً على أهله؟ ألا تتخيَّل  معي أنها علاقة مُؤسَّسة مُنذ براعم الأزمان؟ أي مُنذ القديم! نحن في حاجة إلى ثورة تربوية إيمانية كي نبني ما أتلفته السنون، أعتقد أن حال الأمة ينصلح بأمر الله وعزم أبنائها وبناتها على إعادة عزها ومجدها بجُهدهم وصدق نيتهم وسواعدهم، فالزمن لا يرحم المُتراخي عن السبق، وجزاكم الله خيراً.

– الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب: هذه المُداخَلة نحن مُتفِقون معها، لا يُوجَد أي نقد، هذا كلام صحيح وهذه رسالة مُعبَّرة، هل هناك رسالة أُخرى؟

– الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم: نعم، سنقرأ الأخيرة التي معنا، ثم نعود إلى الإخوة، يسأل أحد الإخوة أو الأخوات ويقول متى ظهر الأسلوب الحالي عند الشيعة في التعبير عن حُبهم وحُزنهم للحُسين – من عندي طبعاً أقول عليه السلام – بأسلوب البكاء والنواح وضرب الصدور والظهور والرؤوس بالحديد؟ أي التطبير وهذه الأشياء، هذا أولاً.

والسؤال الثاني هو أليس الشهيد حياً يُرزَق عند ربه في الجنة بنص القرآن؟ فلماذا الحُزن والبكاء؟ النبي قال أما حمزة فلا بواكي له، مع أنه سيد الشهداء، هذا ثانياً.

ثالثاً هل يُوجَد نص قرآني على ذلك لإظهار الحُب والحُزن بهذه الطريقة؟ أي كلها تدور حول موضوع التطبير وما إلى ذلك.

– الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب: هذه خارج موضوعنا في الحقيقة، لا أدري هل أنا مُضطَر أن أُجيب عنها أم لا، إنما هي عواطف، ليست جُزءاً من العقيدة، هذه عواطف وهؤلاء أناس يسمعون القصة ويتفاعلون معها وقد يفقدون السيطرة على أعصابهم فيضربون رؤوسهم ويضربون أجسادهم، وربما التطرف الذي عند بعض الناس لا يُوافِق عليه جميع الناس وجميع العلماء، ربما هناك مُلاحَظات على بعض الأنواع من التعابير، لأن هذه قضية عادات وتقاليد، وليست لها علاقة بالدين. 

(ملحوظة) قال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم في إيران هذا ممنوع حالياً، أليس كذلك؟ فقال الشيخ الأستاذ أحمد الكتاب الكثير من الأشياء – مثل ضرب السيوف وما إلى ذلك – ممنوعة في إيران وحتى في لبنان، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم نعم، ممنوع التطبير، ثم استتلى الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب قائلاً حتى في لبنان في أماكن حزب الله أيضاً يمنعون هذا الشيئ، وهذه مسائل شخصية على أي حال، ليست مسائل تُمثِّل جُزءاً من العقيدة والدين، نحن حديثنا عن التطورات الإيجابية السياسية، عمود الخلاف يُمثِّل نُقطة أُحِب أن أُشير إليها، الخلاف الأساسي تاريخياً بين الشيعة والسُنة لم يكن حول مسائل فقهية حتى، المسائل الفقهية علماء الشيعة فيما بينهم حولها، كل مُجتهِد عنده مدرسة وعنده مذهب، وعلماء السُنة كذلك، أيضاً يختلفون في مسائل كثيرة، وربما كل المسائل – إذا أمكن أن أقول هذا – هناك مَن يتفق مِن السُنة مع الشيعة ومِن الشيعة مع السُنة حولها، حتى في موضوع الزواج المُؤقَّت مثلاً، قبل أيام الشيخ القرضاوي قال – أكثر من مرة قال هذا الكلام – أن هناك علماء من السُنة كانوا يفتون بالزواج المُؤقَّت، هذه أبرز قضية يختلف فيها وحولها السُنة والشيعة، ومع ذلك هناك علماء من السُنة يُقِرون بذلك، فإذن لا يُوجَد خلاف فقهي أساسي وجوهري بين السُنة والشيعة، الخلاف الأساسي كان بين الإمامية الذين يعتقدون بنظرية النص والإمامة كما شرحها الأستاذ محمد مهدي وكما طرحها أيضاً الدكتور غازي، هذه كانت هي القضايا الخلافية الرئيسية حول النظام السياسي، أي – بعبارة حديثة أو بمُصطلَح حديث – حول الدستور، حول النظام السياسي! الحُكم لمَن؟ ما العائلة التي تستحق الحُكم: العباسيون أو العليون، الحسنيون أو الحُسينيون، الموسويون أو الإسماعيليون، أو غيرهم مثلاً؟ ما هي علاقة الحاكم بالمحكومين؟ هل الناس لهم حق المُعارَضة والنقد وما إلى ذلك للإمام أو لا يحق لهم؟ سواء عند السُنة أو عند الشيعة! فهذه هي النظريات، كان الخلاف والجدل يدور حول النظام السياسي، وهذا النظام كله زال، فهذه الخلافات كلها أصبحت قديمة، لا تُوجَد عائلة علوية تحكم ولا تُوجَد عائلة عباسية ولا أموية تحكم، فإذن الآن نحن رجعنا إلى قاعدة مُشترَكة، قاعدة شعبية ديمقراطية، فهناك فكر جديد هو الفكر الدستوري الديمقراطي، وهو بديل عن الفكر الشيعي والسُني، علماً بأنني أتكلَّم بإيجاز، وليسمح الإخوة المُعارِضون لي، فأنا أُعبِّر عن وجهة نظري، وهم أيضاً إذا أحبوا أن يتناقشوا فأنا مُستعِد، إذا أحبوا أن يحتفظوا بوجهة نظرهم فأهلاً وسهلاً بهم، لكن هذه وجهة نظري، فهذا خلاف تاريخي قديم انتهى وانقرض وباد، هو انتهى ونحن ينبغي أن ننتهي منه، دعونا ننتقل إلى الفكر الجديد، دعونا من الفرضيات ومن التنظيرات التاريخية التي لا وجود لها، الآن بعض الإخوة الإمامية أو المُتعصِّبين عندهم يقولون كل شيئ مُهِم في بحث الإمامة، كما قال الأخ المهدي هذه نقاط خلافية حقيقية وكثيرة، فهي موجودة وهي حول الإمامة، ثم أتى بأدلة وما إلى ذلك، فنأتي ونتجادل حول الإمامة، الإمام عليّ كان مُوصىً به وكان مُعيَّناً وكان منصوصاً عليه وكان مجعولاً وما شابه، لكن هذا الكلام في ماذا يُفيدنا الآن سواء كان أو لم يكن؟ وبعد الإمام عليّ ماذا؟ فنحن ننتقل ومع كل إمام عندنا مُشكِلة في إثبات الإمامة له، كل إمام عندنا  مُشكِلة في إثبات الإمامة له! أي عند الشيعي وليس عندي أنا، المُتكلِّم الشيعة، عند الشيخ المُفيد والشيخ الطوسي وغيرهما، اذهبوا واقرأوا كُتبهم، مع كل إمام يُناقِشون كيفية إثبات إمامته، هل هذا بالنص؟ لا تُوجَد نصوص، هل هذا بالوصية؟ لا تُوجَد وصية، ويأتون بالمعاجز والمعاجز كلمة غامضة!

المُهِم هذه النظرية انتهت، الآن لا يُوجَد أئمة حتى نختلف عليهم، إذن فدعونا نختلف في الشيئ الذي يهمنا الآن ويُفيدنا الآن أو يضرنا الآن إذا لم نفعله، كيف تكون علاقتنا بالحاكم؟ كيف نأتي بهذا الحاكم؟ كيف نُراقِبه؟ كيف نُحاسِبه؟ كيف نُسيطر عليه؟ كيف نمنعه من الطُغيان؟ هذه مُشكِلة أن يأتي كل حاكم حتى عن طريق ديمقراطي أحياناً ثم يُصبِح طاغيةً جديداً، هنا لابد أن نبذل جهدنا وفكرنا، أما أن نأتي لكي نبحث في التاريخ فلا يُفيد.

وأختم بالنُكتة هذه التي ربما سمع بها بعض إخواننا: اثنان من العرب المُسلِمين الأذكياء جداً ذهبا إلى أمريكا، أحدهما شيعي والآخر سُني، فجلسا لكي يتناقشا حول الإمامة، وقالا الخلافة لمَن؟ الخلافة لعليّ أم لعمر؟ اختلفا ثم انفعلا ثم بدأ في التلاكم، تلاكما بالبوكسات – Boxes – وما إلى ذلك، فجاء رجل أمريكي وهدأهما ثم أسكتهما وقال لهما ما القصة؟ لماذا تتعاركان؟ تتعاركان على ماذا؟ قالا نحن نختلف حول الخلاف لمَن؟ مَن أحق بالخلافة: عليّ أم عمر؟ فقال نعم، هل عندكم انتخابات في الشرق الأوسط هذه الأيام؟ فقالا له لا، القصة لا تجري الآن، القصة كانت قبل ألف وأربعمائة سنة، قال لهما والله أنتما من الحمقى Stupids، هذا من ألف وأربعمائة سنة وأنتما تعيشان في الشرق الأوسط وجئتما إلى أمريكا والعالم الجديد ومع ذلك تتعاركان وتتعصَّبان بسبب  قصة حدثت في التاريخ، ما أثر هذه في الحياة؟ هذا من قلة العقل! نحن كمُسلِمين فقدنا حتى عقولنا بسبب الديكتاتورية والاستبداد، ما عدنا نُفكِّر في الأولويات، ما الأولوية؟ ما العقل؟ ينبغي أن ننظر إلى المضمون سواء نحن الآن أثبتنا الخلافة لأهل البيت أو لم نُثبِتها لأهل البيت، أين هم أهل البيت حتى نختلف حولهم؟ أين الإمام؟ فليتفضَّل أي إمام من أهل البيت لكي يحكم المُسلِمين، يقولون الإمام المهدي هو مُكلَّف من الله لكي يُقيم الدولة الإسلامية، أين هو؟ ألف ومائتا سنة أو ألف ثلاثمائة سنة وهو غير موجود، وربما لا يظهر إلا بعد ملايين السنين إذا كان موجوداً حقيقة!

فنحن إذن نختلف على أشياء أسطورية خلافية خُرافية، ليس لها أي واقع، ليس لها فائدة على الأرض، وندّعي أننا نُمثِّل الدين الصحيح ونقول نحن نفهم الدين الصحيح والآخرون لا يفهمون، أي دين هذا الذي في الأوهام؟ هذه أوهام، ويجب أن نتخلَّص منها، لكي نُفكِّر في واقعنا، أنا أمشي في الشوارع وأرى الجسور وأرى البنايات وأرى الهندسة العظيمة، أقول هذه – والله – حضارة قائمة، حضارة عظيمة قائمة! هذه البنايات التي ترونها لا تقوم عبثاً، الجسور التي ترونها والشوارع لا تقوم عبثاً، لكن نحن حضارتنا حتى الآن عاجزة عن هكذا بناء، أمتنا عاجزة! أمتنا الآن عاجزة، اذهبوا إلى العراق مثلاً، ليس عندنا شوارع، كلها مطر ومياه وحفر، ليس عندي مجاري – أكرمكم الله – للمياه الثقيلة، ليس عندنا مياه للشرب، ليس عندنا كهرباء، ليس عندنا إنترنت Internet إلا قليلاً، ليس عندنا طب، ليس عندنا تعليم، آلاف المدارس مدارس طينية، وتهاوى بعضها على رؤوس الطلّاب قبل أيام، ونختلف في العراق مثلاً، والشيعة والسُنة يتقاتلون، على ماذا؟ طبعاً الصراع في العراق ليس بين الشيعة والسُنة، وإنما بين الديكتاتورية والديمقراطية، بين الشعب وبين حزب البعث الديكتاتوري الذي يُحاوِل أن يُسيطر على السُلطة بالقوة فيُثير الأزمة الطائفية، أو بسبب الأنظمة المُحيطة المُستبِدة الطاغية التي ترفض أن يكون على جوارها نظام ديمقراطي وشعب حر حتى لا تنتقل عدوى الديمقراطية إليها، فيُشعِلون الفتن الطائفية، يُفجِّرون، يقتلون، ويذبحون لكي يمنعوا قيام نظام حر ديمقراطي في هذا البلد، فلا تُصدِّقوا أن هناك خلافاً بين الشيعة والسُنة في العالم، لم يكن ولن يكون، هي فتنة مرت، حاول البعض أن يُصوِّرها ويُظهِرها على أنها فتنة طائفية، لكنها لم تكن بين السُنة والشيعة، وانطفئت والحمد لله، هناك زواج بين الشيعة والسُنة، هناك كثير من الناس في العراق لا يعرفون أنفسهم سُنة أو شيعة، تسألهم ماذا أنتم؟ فيقولون لا ندري والله، والناس كانوا يكتشفون الأمر، يقولون هل نحن سُنة أم شيعة؟ لا يعرفون شيئاً عن سُنة وشيعة! بنسبة ثلاثين في المائة تُوجَد زيجات مُتداخِلة، ونأمل – إن شاء الله – أن تصير أكثر، وهناك أحزاب مُشترَكة ومصانع ومدارس وجامعات مُشترَكة ومُختلَطة، تأسسَّست لدينا في لندن قبل كم سنة جمعية اسمها جمعية الحوار الحضاري، يشترك فيها أُناس من السُنة والشيعة، أي ما يُسمى بالسُنة والشيعة كما أقول، ودعونا إلى إنشاء جامعة إسلامية مُختلَطة، لماذا هناك حوزات فقط للشيعة ومدارس فقط للسُنة؟ تعالوا نشترك معاً، ألم يُطالِب الإخوة بالحوار في الندوة؟ نحن نُطالِب بالحوار في الحوزات، الطلبة لابد أن يكونوا من السُنة والشيعة، والأساتذة من السُنة والشيعة، والبرامج والأفكار والنظريات من السُنة والشيعة في القرآن، في التفسير، في الأخلاق، في الفقه، في التاريخ، في السياسة، وفي كل العلوم المُشترَكة! يجلسون مع بعضهم ويتناقشون، يأتي الأستاذ – نفترض السُني أو الشيعي – ويطرح نظرية الإمامة، والطلبة يُناقِشونه، الطلبة يردون عليه، الطلبة يذهبون ويدرسون، يقرأون الكُتب ويتحدَّثون في هذا، والأستاذ السُني أيضاً يأتي ويطرح نظرية الشورى – إذا كان أحد الشيعة لا يُؤمِن بها – أو يطرح أي نظرية أُخرى مثلاً، والطلبة المُختلَطون أيضاً يستمعون إليه ويُناقِشونه، حتى يتكوَّن رأي واحد أو بوتقة واحدة من السُنة والشيعة، وهذه ستصير بوتقة إسلامية ديمقراطية، لكي نبني جيلاً جديداً من المُفكِّرين الإسلاميين الديمقراطيين، ومن ثم سنتخلَّص من كل الخُرافات والأساطير الماضية.

(ملحوظة) سأل الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب عن موعد انتهاء الندوة وختم قائلاً صلى الله على محمد وآله الطيبين وصحبه المُنتجَبين، فقال الأستاذ الدكتور عدنان إبراهيم يبدو أن الأستاذ أُرهِق، نحن لا نُريد أن أُرهِقه بشكل أزيد، يبدو أنه اكتفى، فقط أنا سأُعقِّب بكلمة أيضاً على كلام أخي محمد مهدي، وربما يتساءل آخرون ما الذي يبقى للأخ الشيعي إذا تخلى – مثلاً – عن نظرية الإمامة؟ يبقى له ما تحصل به النجاة، يبقى له ما يبقى لكل مُوحِّد، الإيمان بالله واليوم الآخر والكُتب والنبيين والقدر، هذا هو الإيمان! وهذا المُصرَّح به في كتاب الله بشكل واضح جداً جداً، أي لا ينقصه شيئ بإذن الله، لكن إذا أراد أن يتشبَّث بهذه النظرية فله ذلك، هذا لا يطعن في إيمانه، لا يطعن في إيمانه ولا يُخرِجه إلى حد آخر غير حد الإيمان، هذا مُهِم جداً! لكن – يأتي كلام الأستاذ الفاضل – في نهاية المطاف سيجد نفسه تقريباً يدور في فراغ، لا يُوجَد أثر عملي الآن في الواقع لهذه النظرية، الأثر العلمي غير موجود، فعلاً لو تسلسل أئمة أهل البيت إلى الآن أحياء – لو كانوا أحياء وكان يُورِّث الواحد منهم الآخر – سيكون لهذا أثر عملي – (ملحوظة) قال الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب مصداق عملي – لكن هذا غير موجود، ونحن رهن الانتظار، والله – تبارك وتعالى – أعلم.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومَن والاه، وشكر الله سعيكم على حُسن استماعكم، وشكراً لكم والسلام عليكم ورحمة الله – (ملحوظة) قال الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب السلام عليكم جميعاً – ونشكر أستاذنا الفاضل، الأستاذ الشيخ أحمد الكاتب، ونرجو أن تكون هذه بداية إن شاء الله، يبدو أن المُقام في فيينا طاب له، طابت له النمسا وفيينا، وهذا يُشجِّعه – إن شاء الله – ويُشجِّعنا على أن نستدعيه في مرات أُخرى قادمة ونسعد به كما سعدنا به في هذه الأيام الطيبة، فشكر الله له ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله.

– الشيخ الأستاذ أحمد الكاتب: بارك الله فيكم، وجزاكم الله خيراً.

14/01/2012

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

تعليق 1

اترك رد

  • العالم الإسلامي و الثورة الثقافية …
    أعجب لمن يسمع هذه المقدمة للشيخ الدكتور عدنان ابراهيم و يكون لديه أي ذرة من شك أنه متشيع … إن من يسمع كلامه هنا و لديه قدرة على التحليل و الفهم السليم لظاهر الكلام و باطنه ليدرك أنه في قمة الولاء للحق و لدينه و لديه رقي منقطع النظير في الخطاب الحريص على جمع الكلمة و لم الصفوف و نبذ الخلاف و تأليف القلوب …

%d مدونون معجبون بهذه: