إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيه ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سُبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سُبحانه وتعالى – في كتابه العظيم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ۩ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ۩ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ۩ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ۩ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ۩ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ۩ فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ۩ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ۩ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ۩ أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ۩ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ۩ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ۩ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ۩ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ۩ ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ۩ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ۩ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ ۩

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط، آمين اللهم آمين.

إخواني وأخواتي:

موضوع اليوم موضوع حرج وحسّاس وراهن ومُهِم وضروري إلى أبعد الحدود في كل المنعوت. بمعنى أنه حرج إلى أبعد الحدود، حسّاس إلى أبعد الحدود، راهن إلى أبعد الحدود، مُهِم إلى أبعد الحدود، ضروري إلى أبعد الحدود.

موضوع الساعة الذي يتعلَّق بمُستقبَل أبنائنا، بل للحق وفي الواقع بمُستقبَل النوع الإنساني، بمُستقبَل البشرية، شيئ لا يكاد يُتصوَّر، البشرية اليوم في تقدير الخبراء المُختصين والعلماء الباحثين الدارسين إذا استمرت ومضت في هذا النهج، الذي هو موضوعة خُطبتنا اليوم، موعدها الانقراض وربما أكثر تبكيراً مما نظن، أكثر تبكيراً مما نظن!

أنواع كثيرة – إخواني وأخواتي – عمرت هذه الأرض لملايين السنين، ثم انقرضت. الانقراض سُنة الله – تبارك وتعالى -، الله لم يخلق خلقاً لكي يبقى مُؤبَّداً أبداً، الخلق مُكتنَف بالنقص والشوائب من كل جوانبه، ولكن فرقٌ بين أن ينقرض نوع بعد مليون أو مليوني سنة وبين ما نقول، فمُتوسِّط الأعمار – مُتوسِّط الأعمار الحيوانية والنباتية في علم التاريخ الطبيعي والأحياء – مليون سنة، عمر النوع – أي الــ Species – مليون سنة عموماً، بعضها قد تُعمَّر مائتي مليون سنة أو سبعين مليون سنة أو خمسين مليون سنة، وبعضها قد تُعمَّر أقل من ذلك. يبدو أن الإنسان العاقل – أي نوعنا، الهومو سابينس سابينس Homo sapiens sapiens – للأسف الشديد عمره ليس بالملايين، ويبدو أنه لا يُدرك هذا بغبائه وعدم توائمه، وهذا على عكس ما يعتقد طبعاً، هو مُنتفِخ جداً، ويعتبر نفسه سيد الأكوان، وهو حتى يرى أنه مُستغنٍ عن الله – تبارك وتعالى -، ويُكابِر على وجود الله وعلى قوانينه وشرائعه، مُنتفِخ جداً جداً جداً، واقعه علمياً يُؤكِّد عكس هذا الانتفاخ، لا مُبرِّر لهذا الانتفاخ، هذا النوع – الهومو سابينس Homo sapiens يا إخواني وأخواتي – عمره ليس بالملايين، فقط بمئات ألوف السنين.

من العلماء الدارسين والذين تُرجمت أعمالهم إلى أكثر من أربعين لُغة، مَن يُشكِّكون في أن هذا النوع سيبقى ألف سنة قادمة، ربما ينقرض في أقل من ألف سنة. تخيَّلوا! عجيب.

الآتي هو أحد أسباب هذا الانقراض يا إخواني، والتي لا تُتناول على نحو واسع أو بالقدر الكافي كما يُقال وبالشكل اللائق، وهذا أيضاً بحد ذاته سؤال، لماذا؟ لماذا لا تُتناول؟ الموضوع خطير وحسّاس، لماذا لا تُتناول بشكل كافٍ وبشكل مُكثَّف – أي Heavily كما يُقال، بشكل مُكثَّف، وهذا هو الذي يليق بها، أن يُكثَّف طرح هذا الموضوع -؟ هذا أحد موضوعات وأحد طروحات علم الجهل. هناك علم اسمه علم الجهل أو علم التجهيل، أي Science of misinformation، علم التجهيل! يُوجَد علم يُسمى علم التجهيل. وباختصار – صدِّقوني باختصار – في رأس قائمة سدنة الجهل والتجهيل أصحاب المصالح المادية، الإله المعبود من دون الله في كل عصر، الذهب والفضة، الدولار واليورو، الدينار والريال، الفلوس! من أجل الفلوس والتجارة وأن يزداد أصحاب الملايين، بل أصحاب الملايير، ملايير فوق ملاييرهم، يُمارِسون علم التجهيل، والضريبة: البشرية ستزول. بالنسبة إليهم ومن منطقهم هذا عادي، لأن هؤلاء أوقح الناس، وهؤلاء أخسأ البشر وأسوأ البشر، الذين لا يعنيهم أن تزول حتى البشرية، النوع الإنساني كله بُرمته يزول! ويقول لك أحدهم سيزول الآن في حياتي التي أستمتع فيها بهذه الملايير؟ بل التي لا يدري كيف يستمتع بها، هو يُخزِّنها، لا يستطيع أن يستمتع بكل هذه الملايير، لا يستطيع! ولكن مُعظَمها على الإطلاق مُخزَّن، مُخزَّن! وأرقاماً، أرقاماً فقط، مُجرَّد أرقام، ستنقرض بعد ألف سنة؟ لتذهب إلى حيث ألقت. هكذا منطقهم! ولذلك هؤلاء أخس وأخسأ البشر وأسوأ البشر. ولا يُمكِن أن يُبطَل مُخطَّطهم وأن يُبطَل عبثهم على مُستوى الكون وعلى مُستوى البشرية والنوع الإنساني، إلا بأشرف البشر وأنبل البشر، الذين يتجاوز اهتمامهم وانهمامهم – إن جاز التعبير – حدود عصرهم ونوعهم، فضلاً عن قومياتهم وطوائفهم، إلى مُستقبَل الأجيال، بل إلى مُستقبَل النوع الإنساني. وهؤلاء بلا شك جديرون أن يكونوا وأن يُنعتوا بأنهم أعظم وأكرم وأنبل البشر.

ستقولون يا رجل طوَّلت علينا بهذه المُقدِّمات المُدمدِمة، عن ماذا ستتحدَّث؟ سأتحدَّث عما أنعته وسيكون عنوان هذه الخُطبة، شرك – أي الــ Falle، الفخ – أو فخ إبليس الأشرس. أشرس وأخبث فخ نصبه ولا يزال إبليس للنوع الإنساني، هو هذا الفخ. فخ ماذا؟ الجنس. يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۩. من أول يوم هذا هو الفخ الأشرس. خُطبتي اليوم عن فخ الإباحية، فخ إباحية النت Net، الشبكة العنكبوتية، أي الإنترنت بورنوجرافي Internet pornography، الإنترنت بورنوجرافي Internet pornography فخ خطير، أخطر فخ! وكما قلت لكم لا نشعر بهذه الخطورة، لأن هناك نوعاً من المؤامرة على ألا يُتناول هذا الموضوع بالطريقة المُناسِبة واللائقة وبالقدر الكافي، لأن الكثيرين سيخسرون أموالاً، يتكسَّبونها من إشقاء النوع الإنساني، من إشقاء البشرية، من تدميرنا!

في نظر بعض علماء النفس أخطر ما يتهدد البشر الآن، وأخطر ما يتهدد الصحة – الصحة بالمعنى العام، والصحة الجنسية بالمعنى الخاص -، هو هذا الموضوع على الإطلاق. ما رأيكم؟ عجيب! إلى هذه الدرجة؟ إلى هذه الدرجة. الموضوع أخطر بكثير مما نظن يا إخواني.

كيف لا يكون خطيراً وقد ارتفعت نسبة العجز بين الرجال، وبين الشباب اليافعين، من سن ستة عشر إلى سن أربعين، هذا سن التكاثر والتناسل، أي الــ Reproduction age، هذا سن التكاثر والتناسل، هنا حيث يتزوَّج الرجال ويُنجِبون الذُرية، وهكذا يمتد ويستمر النوع الإنساني، وتعبر الجينات Genes من جيل إلى جيل. للأسف نسبة العجز الجنسي هنا زادت، وهناك ما هو أخطر من العجز الجنسي، وهو نسبة الرغبة عن الإناث، عن المرأة. الزُهد في المرأة! صدِّقوني ترتفع بشكل يا إخواني مُطرد، بشكل… ماذا أقول لكم؟ بشكل مُريع، درامي، مُخيف، كارثي. باستمرار! سنة فسنة، سنة فسنة… بشكل غير معقول، غير معقول، تخيَّلوا!

وبعد ذلك نأتي إلى الشباب يا إخواني، في سن الخامسة عشرة إلى سن الثلاثين، ونسبة العجز عندهم بين خمسة عشر أو أربعة عشر إلى ثمانية وعشرين في المائة، وتزداد بسرعة. شيئ لا يكاد يُصدَّق، ما الذي يحصل؟ ما الذي يحصل؟

العلماء إلى وقت قريب – تقريباً إلى بضع عشرة سنة، حوالي خمس عشرة سنة – لم يكونوا قد حدسوا، ليضعوا في اعتبارهم أن الموضوع له علاقة بماذا؟ بالبورنوجرافي Pornography، بالأدب القذر، بالصور والفيديوهات Videos القذرة. وطبعاً أنا أُشدِّد دائماً – هذا في خُطب حتى قديمة – على أنه ينبغي أن نكون دقيقين في الترجمة، ألا نخون في الترجمة، هذه اللفظة، أي الـ pornos، في الأصل اليوناني، تعني القذارة. فلنُسمه الأدب القذر، الصور القذرة، المقاطع القذرة. القذارة! هذا هو. القذارة! هذه أشياء قذرة، وهناك حتى مَن يقول لك الأدب المكشوف. لا! ليس المكشوف، القذر، الأدب القذر، الأدبيات القذرة، القاذورات كما كان يُسميها أسلافنا الصالحون، هذه قاذورات حقيقية، قاذورات حقيقية! والاسم يدل على هذا، pornos قذر، هي القاذورات إذن. يُقال الأدب الإباحي. لا! غير صحيح، ما هذا؟ القاذورات، لأن الإباحي – ليس حتى الاستباحي وإنما الإباحي – ليست دقيقة، أي كأنه شيئ مُباح. 

وعلى فكرة للأسف الشديد في المُجتمَع الغربي تقريباً هذه الأشياء فعلاً – وهذا عموماً، كقانون مسنون ومفعول – هي من المقبولات. وهذا أحد الأسباب الستة، التي حددها المُختصون في هذا الحقل، وهو حقل جديد جداً – طازج هذا الحقل – للانتشار المُريع للإباحية. وطبعاً لن نقول نحن الأدب المكشوف، سنقول إذن الآن القاذورات. وإذا قلت الإباحية، فأنا أقصد بها القاذورات.

هذه الأسباب ما هي؟ أول شيئ الإتاحة. مُتاحة! قبل عهد النت Net كانت مُتاحة، لكن بتكلف، وكانت مُتاحة في حدود ضيقة، كانت مُتاحة في حدود ضيقة! في شكل المجلات القذرة، وهذه لابد أن تُدفَع فيها النقود، وأن تستخفي بها، وأن تُخبئها، شيئ طبعاً مُخجِل، حتى هنا يخجلون منها، من الصعب جداً أن يفعل هذا الولد أمام والديه أو أمام أستاذه أو أمام حتى جيرانه، يستخفي بهذه الأشياء، أليس كذلك؟ طبعاً! سُبحان الله، الحياء ما زال في الإنسان، لم يفقد إنسانيته حتى آخر قطرة منها، حتى آخر نُقطة فيها. الآن أصبحت الصور أو الأفلام الخليعة أو الأفلام القذرة مُتاحة، فالآن الحكاية لم تعد حكاية أفلام، وحتى الفيلم كان يشتريه الشاب أو الرجل – كان يستأجره أو يشتريه – ويُشاهِده مرة ومرتين وثلاثة، ثم تخف الإثارة، ومع كل مُشاهَدة زائدة تخف الإثارة، حتى تندعم، وسأشرح لكم هذا عصبياً، كيف يشتغل هذا عصبياً؟ ولماذا تخف؟ وهذه مُشكِلة الإباحية أو القاذروات هذه.

الآن الوضع اختلف، يُمكِن مُشاهَدة القاذورات بمُجرَّد نقرة على الفأرة أو على الماوس Mouse، مُجرَّد نقرة، نقرة! ومع كل نقرة يستطيع الفرد وخاصة المُراهِق وخاصة الشاب العزب المُشاهَدة، وحتى المُتزوِّجون للأسف الشديد، لأن هذه قضية – انتبهوا – لا تختص فقط بالمُراهِقين أو بالشباب العزاب، حتى بالمُتزوِّجين! وهي وفقاً لإحدى الدراسات سبب في ستة وخمسين في المائة من حالات الطلاق. ما رأيكم؟ الأسرة تتداعى، الأسرة تضمحل، مُؤسَّسة الأسرة تضمحل، تنتهي! وهذا في رأس الأسباب، القاذروات في رأس الأسباب، وسوف نرى لماذا، لماذا تضمحل؟ لماذا تضمحل؟ الموجود منها يضمحل، وغير الموجود لا يتأسَّس في حالات كثيرة، وبنسب كثيرة لا يتأسَّس، لأن هناك رغبة وهناك عزوفاً عن النساء.

صدِّقوني إلى وقت قريب كنت لاحظت هذه المُلاحَظة وذكرتها عشرات المرات، لن أقول أكثر، وإنما عشرات المرات، في كل مجالسي الشخصية، مع الأهل والأصدقاء والأحباب والمعارف، أقول لهم أنا أُلاحِظ شيئاً. ولم أكن قد ربطت، هذه الدراسات وهذه المُطالَعات نعم ضوأت الطريق أمامي، فهمت واقتنعت، كنت أُلاحِظ أن هذا الجيل من الشباب – جيل أبنائنا وبناتنا – لا يعرفون الحُب الذي عرفناه. جيلنا – أجيال الستينيات – يعرف الحُب، نحن نعرف ما معنى حُب الأُنثى، شيئ… لن نتحدَّث أكثر عن هذا، هذا الجيل يعرفه، كنا يُمكِن أن نُسافِر آلاف الكيلومترات في كل أسبوع، فقط لكي نلتقي بمَن نُحِب، نُعطي هدايا بنصف مصاريفنا السنوية، نُعطيها في ظرف شهر أو شهرين لمَن نُحِب، البكاء والتسهيد مع الشرف والعفة، المُراسَلات الدائمة، آلاف الدولارات فقط للمُكالَمات، شيئ عجيب، حُب! حُب مجنون، ليلى وروميو وجوليت Romeo and Juliet الشيئ نفسه، نحن عشنا هذه الحالة تماماً، نعرف ما هو الحُب، نُقدِّر ما هي الأُنثى، ما هي المرأة، نعشقها، نُقدِّسها. وهي آية من آيات الله، هذه العلاقة من آيات الله – تبارك وتعالى -، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ۩، ولذلك هذه القضية أيضاً لها جنبة إلحادية، لها علاقة بطريقة ما مع الإلحاد، ولكن هذا موضوع آخر، سندخل في فلسفة أعمق قليلاً، لكن ما علينا من هذا. 

إلى أن اكتشفت ما الذي أصاب هذا الجيل، ما الذي أصاب جيل أبنائنا، لا يكادون يعرفون الحُب، الحُب Touch خفيف، لا يُوجَد تسهيد، لا يُوجَد الم، لا يُوجَد مُراعاة، لا يُوجَد حرص حقيقي، وبعد ذلك ارتباط سريع وانفصال سريع، عادي! حتى حين يقع الزواج وتعرفون هذا، الآن حتى في كثير من الدول العربية نسب الطلاق تفوق نسب الزواج، ما معنى هذا؟ المُجتمَع الآن يتدمَّر، انتهى! انتهى المُجتمَع، إذا كانت نسب الطلاق تتفوق على نسب الزواج، فسيُدمَّر هذا المُجتمَع، سيأتيه يوم قريب ينقرض، ينقرض! انتهى، وهذا هو معناه إذا أردنا أن نفهم، ولماذا إذن؟ أنت تزوَّجت شاباً يا أخي، وتزوَّجت من ثلاثة أشهر! نعم، قال لك بسهولة، وهي أيضاً طلبت الطلاق بسهولة. ما الذي يحصل؟

لم نكن نعرف أن القاذورات – أن البورنوجرافي Pornography هذه، أن الإنترنت بورنوجرافي Internet pornography – تتصدَّر رأس القائمة، الكل ساكت، ويدّعي أنه لا يرى وأنه ليس فاهماً وأنه ليس دارساً، وأكثرنا فعلاً لم يكن فاهماً، لم يكن فاهماً ولم يكن واعياً بهذا الشيئ.

أيها الإخوة:

إذن ما الذي يحصل؟ ما الذي يحصل؟ ما هذا العزوف عن الأُنثى؟ ما هذا الاحتقار للأُنثى؟ يُوجَد احتقار للأُنثى، لا تُوجَد رغبة فيها أصلاً. عشرون في المائة من الشباب الفرنسي في إحدى الدراسات فاقدون تماماً لكل رغبة في الأُنثى، لا يُفكِّر في الأُنثى ولا في المرأة ولا يُريدها ولا يحترمها ولا كأنها موجودة، شيئ غريب! فحتى هذا في عالم الحيوانات غير حاصل، في عالم الحيوانات يُوجَد تعلق الذكور بالإناث، ما الذي يحصل لهذا الحيوان الراقي، لهذا الحيوان العاقل الحكيم السابينس Sapiens؟ ما الذي حصل له المسكين هذا؟ هذا الحيوان يبدو أنه لم يستطع أن يتواءم سريعاً مع القفزة في دماغه، مع القفزة في ذكائه، التي مكنته من أن يُسيطر على أشياء كثيرة في الأرض، وأن يُنتِج أشياء كثيرة، ليس دائماً وفق خُطة حكيمة مدروسة، وخاصة في عهد قطع الصلة بالسماء وقطع الصلة بالله والكفر بالله والإلحاد بشرائعه والظن بأنه قد استغنى تماماً، كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ ۩، وهذا طُغيان رهيب، غير مسبوق في هذا الباب، وحتى بشكل حيواني غير مسبوق للأسف الشديد، نعم! وكما قلت على نحو يُهدِّد مُستقبَلنا كنوع، وليس فقط كمُجتمَع أو مُجتمَعات أو حضارة أو ثقافة، كنوع! هذا النوع مُخيف والله، أنا رِعت – أنا رِعت، أي داخلني الروع، الخوف، والفزع – حين قرأت لبعض هؤلاء المُختَصين، كما قلت تُرجِمت أعمالهم إلى أربعين لُغة، أنه مشكوك أن يستمر نوعنا لألف سنة حتى قادمة. إلى هذه الدرجة؟ ما الذي يحصل؟ وهذا غير موضوع الأسلحة الهيدروجينية والنووية، ومُمكِن ألا نستمر، هذا مُمكِن فعلاً، أي هذا كائن أثبت إلى الآن بأنه على درجة كبيرة من الغباء والغرور والغطرسة، سُبحان الله!  هذا هو – كما قلت لكم -، والمُشكِلة أن سلم الإنقاذ أحرقه، لا يُريد صلة الوصل هذه التي كان يُمكِن أن تُنقِذه، ولا تزال قادرة تماماً وستظل على إنقاذه، أي توجيه السماء له، توجيه الحكمة المُطلَقة والعلم الكُلي له، لا يُريده، لا يُريده! ما شاء الله، وسوف نرى ماذا يفعل في نفسه الآن، ها هو ينقرض، يُساهِم في تسريع مسألة انقراضه وزواله.

عالم النفس الذي حدَّثتكم عنه مرة في خُطبة عن الشر وعن نزعتنا العدوانية أو الشرية فيليب زيمباردو Philip Zimbardo صاحب تجربة ستانفورد Stanford الشهيرة في السبعينيات عنده مُحاضَرة في TED Talk – مُؤتمَر تيد TED المشهور عالمياً هذا – اسمها The demise of guys، زوال الرجال، The demise of guys! زوال الرجال؟ زوال الرجال. وطبعاً زوال الرجال حتماً يعني ماذا في الأخير؟ زوال النساء. وبالتالي زوال النوع الإنساني. زوال؟ زوال. فناء الرجال، سيفنون! لماذا يا فيليب زيمباردو Philip Zimbardo؟ عالم نفس على مُستوى العالم هذا الأمريكي! قال لك السبب الجري المحموم، مُنفلِت العقال – أي باللُغة العادية المجنون – وراء الإثارة الزائدة، في مجالين: الإباحيات – أي القاذورات -، والألعاب الإلكترونية. القاذورات رقم واحد! وطبعاً أسباب كثيرة موجودة، لماذا؟ كيف يتبرر هذا الزوال بهذا السعي المحموم للإثارة الزائدة في الحقلين المذكورين؟ أولاً لأن هذا السعي (سيُلخبِط) أو سيعمل على اضطراب وتشويش الأولويات.

بالله عليكم ماذا عن شاب ابن ست عشرة سنة أو سبع عشرة سنة؟ في العصور الوسطى الإسلامية مثلاً كان ابن ست عشرة سنة يقود الجيوش، ويفتح إمبراطوريات. تخيَّلو! ست عشرة سنة، محمد بن القاسم بن محمد الثقفي ماذا يقول فيه شاعرنا؟ يقول:

إن السماحة والمروءة والندى                                          لمحمد بن القاسم بن محمد.

قاد الجيوش لست – أو في رواية لسبع – عشرة حجة                يا قرب ذلك سؤدداً من مولد.

هذا غير معقول، ومتى وُلِد هذا؟ من سبع عشرة سنة. ولد صغير، لا يزال (عيلاً)، سبع عشرة سنة، يقود الجيش، فاتح كبير، فاتح السند، بلاد باكستان، وكذا. قال لك:

إن السماحة والمروءة والندى                                          لمحمد بن القاسم بن محمد.

قاد الجيوش لسبع عشرة حجة                                        يا قرب ذلك سؤدداً من مولد.

غير معقول، قال. هؤلاء هم الشباب، هناك محمد الفاتح، فاتح القسطنطينية، ورجاءً لا نُريد (تعابطات)، أحياناً تكون هناك (تعابطات)، قد يقول لك أحدكم هل لازلتم تتحدَّثون عن هذا؟ لا نُريد أن نفتح ملف الفتوحات وكذا. اتركوا هذا (العبط)، يُوجَد في بعض الناس (عبط)، وهناك أُناس يُعلِّقون بطريقة (عبيطة)، واضح أنهم هكذا، ويبدو أن هذا (العبط) قد يكون أحد أيضاً عقابيل البورنوجرافي Pornography هذا. لأن العقول أصبحت غير راكزة، نحن نستشهد بجانب واحد، كل الأمم على فكرة تفخر بقاداتها وعسكرييها وفاتحيها، كل الأمم! حتى الأكثر تقدماً، انتبه، وتغض الطرف. إلا هذه الأمة التي تنتحر، ليس بورنوجرافياً فقط، وطائفياً ومذهبياً وفلسفياً ودينياً وروحياً، ها هي تنتحر، وأقسمت مليون يمين على أن تنتحر، وواضح أنها تنتحر، ما لم تضع نُقطة وتشرع في طريق جديدة، للأسف الشديد إذا أتيت بمثال مثل هذا، فإن أحدهم سوف يقول لك نعم، أرأيتم؟ أرأيتم؟ يتحدَّث عن الفتوحات. ويبدأ يسب في الإسلام ومحمد والقرآن. فما هذا الجنون؟ ما هذا الجنون يا أخي؟ انظر إلى تراثات الآخرين، وانظر إلى تعامل الآخرين مع تواريخهم، التي في الجُملة لا تُقاس بتاريخك، لناحية شرفه ونزاهته وتسامحه، على بُقع أيضاً ولطخات سود فيه، نعترف بها. أطال الله عمرك كُن موزوناً، ولكن هذا الاتزان حتى فُقِد، ويُمكِن أن يكون هذا أحد الأسباب بصراحة، أي إدمان الإباحيات، لأنك تحس أحياناً بوجود نوع من الاختلال في التعليقات وفي الكلام، فتقول هل هذا شاب طبيعي؟ هل هذا ابن جامعي ويُفكِّر بهذه الطريقة؟ غير معقول.

طبعاً وهذا قد يفتح سؤالاً، قد يقول لي أحدكم وما الذي أدراك أن شبابنا هكذا؟ لا، الشباب في العالم كله بلا استثناء هكذا، وفي الصين المُشكِلة قائمة، وفي أمريكا اللاتينية، وفي إفريقيا، وفي العالم الإسلامي ومع زيادة أيضاً، وهذا لكي نكون صريحين، فنحن لسنا أقل من غيرنا، بل أزيد من غيرنا في هذا الباب السيء، أي في باب القاذورات، ما رأيكم؟ أزيد من غيرنا. مُعظَم نقرات البحث عن القاذورات تأتي من العالم الإسلامي، ما رأيكم؟ أكثر من غيرها. هذا لكي نكون واضحين، لأن حتى فلسفتنا، منظورنا، ورؤيتنا للجنس مُختلة، على أننا أبناء دين – والله الذي لا إله إلا هو – يُمكِن لمَن فهمه حقاً ومن غير تكلف أبداً أن يُفرِغ عن منطق وأن يُبلوِر لنا رؤية في هذا الباب – موقف الإسلام من الجنس، من هذه الغريزة – من أروع ما يكون على الإطلاق، رؤية مُعجبة. 

أي هذا كالذي قاله ذات مرة سورين كيركغور Søren Kierkegaard، وهو أبو الوجودية المُؤمِنة، هذا الدنماركي كان يقول موقف الكنيسة من الجنس هو الذي خلق مُشكِلة الجنس في الغرب. تُوجَد مُشكِلة حقيقية، وهذا الموضوع اليوم أحد عقابيل هذه المُشكِلة، في حين كان ينبغي ألا يكون للمُسلِمين مُشكِلة مع هذا الموضوع بالذات، لكن تُوجَد مُشكِلة بلا شك واقعية، وتُعزى إلى أشياء كثيرة، منها الظلم، ظلم الأنظمة الإسلامية أو المُسلِمة المُستبِدة، التي تسمح لنفسها وتسمح بأن يغتال ويحتاز أفراد – قلة، عشرات أو بضع مئات – ملايين الأمة، في حين أن الشباب يُترَكون والشابات، تبلغ أعمارهم ثلاثين، ثم يُنصِّفون الأربعين، أربعون سنة وهم لا يجدون ما يتزوَجون، والمليارات يتمتع بها قلة من الفسدة وقلة من الظلمة وقلة من الملاعين، فهذا سبب، سبب حقيقي، وإلا الإسلام ليس له خصومة إطلاقاً مع الجنس ومع الشهوة الجنسية، بالعكس! بل أطَّرها ووضعها في حدود تجعلها من الغرائز الراقية في الإنسان، والتي يُمكِن – بل هي كذلك إذا أُخِذت على أصلها وبشرطها – أن تكون مرقاةً، سلماً، زُلفى إلى الله – تبارك وتعالى -.

يا رسول الله يأتي أحدنا أهله ويكون له أجر؟ هذا في حديث أبي ذر الشهير. قال نعم، أرأيت إن وضعه في حرام، أكان عليه وزر؟ قال نعم، قال فكذلك إن وضعه في حلال. لذلك نحن المُسلِمين نعرف الجانب التقديسي، الجانب الراقي النبيل لهذه الغريزة. حتى أن المُسلِم يتأدب ويتسنن، فيأتي أهله مُسمياً باسم الله، باسم الله! الله، باسم الله؟ نعم، باسم الله، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، جنِّبنا الشيطان وجنِّب الشيطان ما رزقتنا. عجيب! هذا هو طبعاً، هذا شيئ نتقرَّب به إلى الله.

نعود إلى موضوعنا أيها الإخوة، فأقول لكم على ذكر وضع المُسلِمين هنا، للأسف لسنا أحسن من غيرنا، بل يبدو أننا أسوأ من غيرنا، لكننا ما زلنا نتكتم، وقد أدمنا التكتم على مُشكِلاتنا، وعدم نقاشها، وعدم الحديث عنها، والله أنا ترددت، لأكون صادقاً معكم ترددت في هذه الخُطبة، وكنت ولا أزال مُحرجاً، كيف سأخطب في هذا الموضوع على منبر، في خُطبة جُمعة، في بيت من بيوت الله؟ استعنت بالله – تبارك وتعالى -، واستهديته، واسترشدته، فشرح صدري، وأدركت أن هذا الموضوع خطير، أسأل الله أن يكون لي ولكم فيه ولمَن استمع أجرٌ ومثوبةٌ عند الله، لأننا قد نُساهِم بإضاءة الطريق، بتنوير الطريق، قد نُساهِم! والذي بعثني لأكون صادقاً مرة أُخرى على أنها في البال وتناولت الموضوع مرات عديدة من زوايا أُخرى، لكن ليس بهذا التركيز ربما، رسالة تلقيتها من أحد أحبابي الذين لا أعرفهم، من الجمهور على النت Net، قلقلتني – والله – وزلزلتني من زُهاء أسبوعين أو ثلاثة، تعليقاً على إحدى الخُطب. من ذلك اليوم وأنا لا أستطيع أن أتوازن مع نفسي، لماذا؟ لأن هذا الشاب أخبرني أنه تقريباً دون العشرين من عمره – وعلى فكرة هي موجودة على النت Net، أي يُمكِن أن تقرأوها، ومن المؤكد أنه لم يذكر اسمه طبعاً، عنده اسم فيسبوكي أو تويتري، لا أعرف بالضبط! لكن عنده اسم هكذا جيلي -، وقال لي يا فلان أنا رجل ذو مواهب. قال لي عندي مواهب بارعة في الأدب، في الفن، في الرسم، في العلم، وفي الفلسفة. قال لي في أشياء كثيرة، الله – تبارك وتعالى – أعطاني قدرات ومواهب جمة. مجموعة مواهب في شخص واحد، وكم أفرح أنا والله! والله أنا أفرح حين أرى بعض الشباب والشابات أو الشواب العرب والمُسلِمين يفتحون مواقع ويكونون Youtubers، ويُقدِّمون مادة نظيفة، ومادة علمية، كم أفرح! أُقسِم بالله، كم أنشرح! وكم أدعو لهم بالبركة والتثبيت والتوفيق! وليس شرطاً أن يكونوا يتكلَّمون بمنطق ديني، قد يتكلَّمون بمنطق علمي بحت، لكنه إيجابي، منطق بنائي، في صالح بناء الفرد، بناء الفرد العربي. أدعو لهم وأُبارِك وأفرح جداً، يعلم الله – تبارك وتعالى – هذا، وأشعر بالفخر، بالفخر! وأقول كثَّر الله من أمثالهم، كثَّر الله من أمثالهن. موجودون على قلة للأسف الشديد، أما الكثرة الكاثرة ضائعة، حالة سيبان، حالة ضياع، حالة تيه! وإلا – على كل حال – لكثرت هذه المواقع الإيجابية جداً.

فهذا الشاب قال لي يا فلان أنا رجل ذو مواهب. وستقرأون هذا، موجود على النت Net، أعتقد هذا كان تعليقاً على خُطبة نوح، قال ولكن المواقع الإباحية – إباحيات النت Net – دمرتني، تخلَّفت دراسياً، تخلَّفت اجتماعياً، تخلَّفت دينياً. تخلَّفت عبادتي، تخلَّف علمي، وتخلَّفت مواهبي، كل شيئ شُل، دُمر! سقطت في وهدة. هذا بمعنى كلامه، أنا لم أُراجِع حتى الرسالة من ذلك اليوم، قال سقطت في وهدة دنيئة سحيقة زرية، لا أعرف كيف أخرج منها. وهو يطلب النصيحة، ويطلب المعونة، فهذه الخُطبة مُهداة إليه وإلى أمثاله وإليكم وإليكن جميعاً وجمعاوات، لأن الذي لم يُبتل بهذا الشيئ هو أب وأم، قد يكون ابنهما مُبتلى به، وطبعاً البنات أقل بكثير – بفضل الله تبارك وتعالى -، ففي إحدى الدراسات ثبت أن الذكور يضعفون الإناث ست مرات في طلب هذه المواد وارتيادها ومُشاهَدتها – والعياذ بالله -، ستة أضعاف! ويُمكِن أن تكون النسبة الحقيقية حتى أكثر من هذا، وهذه مسألة ربانية، لأن الأُنثى عموماً الأصل في موقفها من الغريزة ومن الجنس أنها تعتبر الجنس وسيلة لهدف: بناء أسرة، تخليف أولاد. هذه الأُنثى، وعلى فكرة موقفها أدخل في الحياة وخدمة الحياة، أما الذكر – وما شاء الله على الذكر، ما شاء الله علينا نحن – فإنه ينظر إلى الجنس على أنه هدف بذاته، ولذلك يتزوَّج ويُعدِّد ويخون هنا وهنا وهنا وهنا، وهو يعبث ويرتاد هذه القاذورات أيضاً وهو مُتزوِّج وعنده أولاد وربما هم مُتزوِّجون، شيئ غريب! كائن فيه نوع – كما قلت – من البلاهة ومن عدم الحكمة، ما هذا؟ إلى أين تُريد
أن تذهب؟ أي أنا أُحِب أن أُجيب عن هذا السؤال، أنا أقول لكل واحد مُبتلى بهذا الشيئ بصراحة قف يا أخي، ضع نُقطة نظام وقف مع نفسك، وقل إلى أين أُريد أن أذهب؟ ماذا أُريد أن أصير؟ 

صدِّقني إذا برعت جداً في هذا الموضوع، فأنت ستكون أقل بكثير من قرد – أكرمك الله -، الشِمْبانزِي Chimpanzee هذا الذي تراه يستطيع أن يأتي أهله طيلة اليوم، هذا الشِمْبانزِي Chimpanzee، وكذلك البونوبو Bonobo وهو أقوى منه أيضاً، فهذا الــ Pygmy champ، أي القزم هذا، لكن ذاك هو الــ Common chimpanzee، الشِمْبانزِي Chimpanzee المعروف هذا – أي الشائع – يستطيع حين يُريد أن يأتي أهله (زوجه، أُنثاه) طيلة الليل والنهار، على مدار أربع وعشرين ساعة، كل عشر دقائق أو كل خمس دقائق مرة، دون أن يضعف، ما رأيك؟ فهل ستصير شِمْبانزِي Chimpanzee إذن؟ هو أفضل منك مائة مرة، ماذا تُريد؟ لست رجلاً ولست كائناً مُتميِّزاً بهذا الجانب الحيواني الذي فيك، هذا الجانب موجود فيك، وبلا شك هو مهاد حيواني وجانب حيواني. كما قلنا يختلف الأمر إن أخذته ضمن فلسفة، ضمن رؤية، وضمن منظور مُحترَم، وهذا المنظور لا يُوجَد شيئ يتكفَّل به مثل الدين بفضل الله، ونحن بالذات نتكلَّم عن ديننا الإسلامي، بصراحة مُتميِّز في هذا الباب، نعم! يُمكِن أن تتعطاه على نحو يُساهِم في حفظ النوع الإنساني ومُباركَته – والله العظيم – وتثمير جهوده الإيجابية الحضارية، ولكن بالطريقة الثانية سينحط هذا الإنسان، سواء أكان شاباً صغيراً أم رجلاً كهلاً أم شيخاً كبيراً، إلى أقل من وهدة حيوان، يبقى الحيوان يتفوَّق عليه، أفضل منه، أبرع منه، ماذا تُريد يا رجل؟ فكِّر! ليست هكذا الحياة، لكن المسألة على فكرة ليست مسألة فلسفة وهل عنده منظور أم ليس عنده منظور، هذا جُزء من المسألة، المسألة في جوهرها مسألة عصبية، نورولجية، يسقط المسكين تماماً كالذي يسقط في بئر، ينزلق باستمرار ولا يستطيع أن يتوقَّف في مُنتصف الطريق، أم هناك مَن يقدر على أن يتوقَّف في هواء البئر وما إلى ذلك؟ سينزلق المسكين، هذا الانزلاق السبب فيه عصبي، وسأشرحه الآن ببساطة أو بتبسيط شديد، سأشرحه بتبسيط شديد – إن شاء الله – وأرجو أن يكون واصلاً وواضحاً.

فنعود إخواني وأخواتي، وأنا إلى الآن أفكاري للأسف مُشوَّشة، لأن الموضوع فعلاً أثارني وزلزلني، بفعل رسالة هذا الشاب، وأنا أعلم أن مثله الملايين من الشباب المُسلِم والعربي، ومن الشباب عموماً، فيا حرام، والله يا حسرة، والله يا خيبة، والله يا فشل أن تضيع هذه الجهود وهذه المواهب وهذه اللياقات وهذه القدرات! يقول لي في الرسم والأدب والفن والعلم، في كل شيئ – قال لي – أنا موهوب، قدراتي غير طبيعية. قال لي كل هذا دُمر، كل شيئ دُمر. وطبعاً سيُدمَر، هذا معروف، ومَن يقرأ في هذا الباب يعلم هذا، إدمان الإباحيات سيُدمِّرك فوق ما تتخيَّل، يُحطِّمك تماماً، حتى أن مِمَن أدمنوها ثم تعافوا منها – بفضل الله تبارك وتعالى – قالوا نحن جرَّبنا أنواعاً من الإدمان، إدمانات مُتعدِّدة، إدمانات مُتعدِّدة! إدمان النيكوتين، وإدمان الكحول، وإدمان الهيروين والمُخدّرات، وهذه الأشياء السيئة، وإدمان القاذورات – أي الإباحيات -، ووجدنا أن الأخبث والأشرس والأسوأ عاقبة إدمان الإباحيات. الله أكبر! إدمان الإباحيات؟

وعلى فكرة هذا الدين مُنذ البداية – وهذا من المفروض أن يكون جُزءاً آخر من الخُطبة، وسنعود إليه – كما قلت يتعاطى بشكل دقيق، لا يتغيا إعنات البشر والمُكلَّفين، ليس من مقاصد الشارع – تبارك وتعالى – أن يُعنِت المُكلَّف، مُستحيل أن الله – تبارك وتعالى – يسد في وجهك أو يُوصِد باباً مُشرعاً على السعادة والرضا والاستقرار النفسي والمُتعة هكذا ليُعنِتك، حاشا لله! لكن انتبه، إن جاء الشارع الحكيم وسد باباً، ترى أنه باب مُشرَع على مُتعة، فاعلم أن هذه المُتعة مُدمِّرة، المُتعة ستكون مُدمِّرة.

لذلك الشارع الحكيم لم يترخَّص من حيث الأصل في قضية ماذا؟ في قضية العورات. كما نرى في المُجتمَعات الغربية، نشلها الله ونعشها وهداها، مُجتمَعات تنقرض، ودعنا نقول هذا فقط، لن نقول أكثر من هذا، تنقرض! لأن هناك مجموعة نصابين من المُنظِّرين والفلاسفة والرأسماليين يكذبون على هذه المُجتمَعات للأسف، يقولون لا، الوضع الصحي والوضع الطبيعي، أن تبرز عورتك، في الجيمات Gyms، في الساونات Saunas، في أماكن الرياضة، وعلى البلاجات Plages، وأحياناً حتى في مغاسل المدارس والمشافي. كالبهائم! يتعرون كالبهائم، شيئ غير معقول. النبي عندنا قال لك لا. قال لك لا يخرج الرجلان إلى البراز ليقضيا الحاجة كاشفي عورتيهما يتحدَّثان، فإن الله يلعن على ذلك. يُوجَد لعن هنا، موضوع العورة هذا والنظر إلى العورات ليس شيئاً كما تراه سهلاً. ونحن لم نُكمِل العناصر الستة التي جعلت إدمان الإباحيات أو إدمان القاذورات أمراً سهلاً وسلسلاً وميسوراً، أنها مُتوفِّرة، وأنها تقريباً مجانية. وسوف تسأل سؤالاً، لماذا هي مجانية؟ صناعة! هذه الصناعة القذرة – صناعة القاذورات هذه – تُكلِّف ملايين الدولارات، وتُدخِل ملايير الدولارات. فلماذا تُعطى مجاناً؟ لا، هم يعلمون – لأن عندهم دراسات وعندهم خُبراء وعندهم علماء أعصاب – أن الفرد في البداية يأخذها هكذا، كنوع من التجربة، نوع من المُغامَرة، من الاستكشاف، بروح فضولية استكشافية، وبعد ذلك عما قريب أو عما قليل يُدمِنها، فإذا أدمنها، انتهى الأمر. مثل الذين يُدمِنون السموم البيضاء هذه، الواحد منهم يدفع روحه ودمه، يدفع تعليمه، يدفع كل شيئ، يسرق مال أبيه وأمه ومال الأيتام ومال المسجد، لكي ماذا؟ يُتابِع فيها ويشتريها. وهم يعلمون هذا، ولذلك يُتيحون المقاطع القصيرة وغير القصيرة مجاناً في البداية، وهم يعلمون أنهم سيصطادونه سيصطادونه – أي المسكين الأهبل هذا، (أبو ريالة) سيصطادونه -، وسيدخل في الشبكة ويدفع كل شيئ، إدمان من ألعن أنواع الإدمانات – والعياذ بالله تبارك وتعالى -.

إذن الدين – إن شاء الله – لا يُعنتنا. وربما نُفصِّل في هذا، لا أعتقد أن هذا سيكون في الخُطبة الثانية، ولكنه سيكون بعد الصلاة – بعون الله – في درس الجمعة أو في مجلس الجُمعة، سنُفصِّل في موقف الدين من هذه القضايا، لأنه – كما قلت – ليس بهدف وغاية الإعنات، أن الله يُريد أن يُعنتنا، حاشا لله! ولكن الله يعلم ما الذي يُصلِحنا وما الذي يُفسِدنا.

في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، قال – صلى الله عليه وسلم – حين سُئل، يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال استر عورتك عن كل أحد إلا عن زوجك أو ما ملكت يمينك. إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ۩، قال له هذا الموقف النبوي والقرآني الرباني. قال له يا رسول الله فالرجل يكون خالياً؟ أي وماذا حين أكون وحدي؟ قال له فالله أحق أن يُستحيا منه. نعم! هذه تُزلزِل أي شاب مُسلِم يحترم شرعه ويحترم نبيه ويحترم دينه، وذلك حين يقول لك هذه معناها أنني رجل أُمارِس قلة الحياء مع الله. طبعاً، هذا هو طبعاً، واضح أنك حتى لا تستحي من الله ولا تُوقِّر الله، تستحي من أبيك ومن أستاذك ومن جارك ومن كذا، ولكنك لا تستحي من الله.

وعلى فكرة بحسب الدراسات هذه الأوقات في ازدياد، في البداية يقضي عشر دقائق، يتأنب ضميره أو يُؤنِّبه ضميره، ثم يعود بعد ذلك نصف ساعة، ثم ساعات، ثم ساعات طويلة، يقضي خمس أو عشر ساعات، أحياناً يدخل في الدائرة اللعنة – وأنا أُسميها دائرة الحريق -، دائرة اللعنة! يُصبِح هكذا على مدار الساعة، إلا في أوقات النوم، وهي أوقات أريقة ومُسهَّدة، هذه Insomnia، لأن أحد عقابيل إدمان الإباحيات الــ Insomnia، أرق! لا يعرف كيف ينام أبداً، لا يُوجَد عنده استقرار، أي هذا المسكين. وطبعاً يضعف أو يسمن جداً، وتجد أيضاً هذه الظاهرة في بعض الشباب، مثل العود أصبح هذا المسكين، ووجه أصفر وذابل وتعبان، سهر وقلق وعدم استقرار وخوف وتأنيب ضمير وشعور بالعار وتحقير للنفس، أو رغبة زائدة في السُكر، وسوف نرى لماذا هذه عصبياً تحدث، لماذا هذه تحدث عصبياً؟ لها علاقة بالدوبامين Dopamine وبدائرة المُكافأة – أي الــ Reward circuit – في الدماغ، قصة عصبية أيضاً، قصة مُعقَّدة ومُركَّبة. يا ليتنا نُحاوِل أن نضع نقاطاً، حتى نستطيع أن نُمسِك بمقادة هذا الموضوع المُثير والمُؤذي والمُحزِن، والمُحزِن!

إخواني وأخواتي:

باختصار ما الذي يحصل؟ لدينا في الدماغ ناقل عصبي، والنواقل العصبية كثيرة، بالعشرات! فوق السبعين أو فوق الثمانين، أي الــ Transmitters كما يُسمونها، النواقل العصبية! هناك ناقل عصبي مُهِم جداً، اسمه الدوبامين Dopamine، الدوبامين Dopamine يُسمونه جُزيء المُتعة، أي Pleasure molecule، وفي الحقيقة هذه النسبة نسبة تسببية، نسبة سببية، مجاز عاقل هذا، ومجاز عقلي. لأنه هو في الحقيقة – أي الدوبامين Dopamine – لا يُسبِّب المُتعة، ولكن هو الطريق إلى المُتعة.

باختصار أيضاً للتبسيط، الدوبامين Dopamine – هذا الناقل العصبي – ماذا يفعل؟ هذا الناقل هو الذي يُعطيك ماذا؟ التحفيز. يُحفِّزك، يدفعك، يحثك، لتبحث. عن ماذا؟ عما يُسعِدك، عما يُمتِعك، عما يُشعِرك بالرضا – أي Satisfaction -، هذا ماذا؟ الدوبامين Dopamine. ولذلك من غير دوبامين Dopamine أنت لا تبحث عن أي شيئ. هناك أشياء يُسمونها الحوافز الطبيعية الأساسية، أي الــ key/main reinforcers، حوافز أساسية! كالطعام – الــ Food -، الجنس، الحُب – الــ Love -، الصداقة – الــ Friendship -، وأخيراً التجديد – الــ Novelty -، التجديد والإبداع، عدم التكرار، وعدم الروتين. هذه يُسمونها ماذا؟ Natural reinforcers. يُسمونها مُحفِّزات طبيعية. ماذا تفعل؟

هذه المُحفِّزات الطبيعية هي التي تدفع الدوبامين Dopamine ليدفعك أن تبحث عنها، أي الواحد فينا – وهذا معروف – يشعر بالجوع، أول شيئ هناك الــ Food، وهذا حتى في الحيوانات طبعاً، أول ما يشعر بالجوع، يبدأ يبحث عن الأكل، والأكل الذي يلذ له، لو لم يُوجَد دوبامين Dopamine يُفرَز، وتستقبله طبعاً المشابك – أي الــ Synapses – العصبية والتي يُسمونها المُستقبِلات – هذه الــ Receptors -، لكان من المُستحيل أن تبحث حتى عن الطعام، تموت وأنت جالس. شيئ غريب! إذن معناها أن كل شيئ مُتعلِّق الدوبامين Dopamine. سوف تقول لي معناها أن الدوبامين Dopamine هو السبب في أنني أبحث عن الطعام، وعن وصال أهلي، وعن الحُب مع أهلي ومع الناس ومع أصدقائي، وعن الصداقة والشبكات الاجتماعية الجيدة. طبعاً! وعن التجديد والإبداع، ومعناها هو الذي يجعلني أقرأ الكُتب وأسمع خُطباً مثل هذه، وأُحاوِل أن أسمعها مرة ثانية وأفهمها وأُلخِّصها. هو هذا الدوبامين Dopamine! ومن غير الدوبامين Dopamine لا يُمكِن أن تفعل أي شيئ من هذه الأشياء.

أجروا تجربة معملية على جُرذ – أي Rat، الجُرذ الأبيض هذا، الفأر المعملي -، عطلوا فيه الدوبامين Dopamine، أو فرز الدوبامين Dopamine، وفي الحقيقة هم لم يُعطِّلوا الفرز، وإنما عطَّلوا الاستقبال، أي عطَّلوا المُستقبِلات، الــ Receptors، هل تعرفون ما الذي حدث؟ الجُرذ هذا جاع طبعاً، مر عليه ساعات، شعر بجوع شديد، والطعام أمامه في القفص، أي بينه وبين الطعام عشرة أو خمسة عشر سنتيمترا، ولكنه لم يقم حتى مات، لا يُوجَد دوبامين Dopamine، إذن معناها حين لا يُوجَد دوبامين Dopamine، لا يُوجَد Seek، لا يُوجَد بحث، لا عن أكل، لا عن جنس، لا عن مُتعة، لا عن هواية، لا عن دين، لا عن عبادة، لا عن فكر. ولا شيئ! ميت. عجيب، إذن هذا هو الدوبامين Dopamine، جيد، ما الذي يحصل؟

الآن سأشرح لكم دائرة المُكافأة هذه – أي الــ Reward circuit، الــ Reward أي الجزاء أو المكافأة أو المثوبة، فاسمها الــ Reward circuit – في الدماغ، وذلك باختصار، من غير أن ندخل في الناحية التشريحية، وقد تعرَّضنا لها في خُطبة التوبة العصبية، التوبة العصبية! هذا حتى لا نُعيد أنفسنا ولا نُكرِّر.

الذي يحدث أنك الآن تبحث عن هذا الشيئ، سواء كان الطعام أو الجنس أو الصداقة أو الحُب أو التجديد – أي الــ Novelty -، وحين تصل إلى ما تُريد، وتبلغ قمة الإثارة والرضا، تحدث عندك ماذا طبعاً؟ البهجة، الفرح، اللذة. تكون مُلتذاً فرحاً راضياً. إذن باختصار يا إخواني لماذا؟ لأن في هذه اللحظة تُفرَز أفيونات. أستاذ الأجيال العلّامة المصري الكبير على مُستوى العالم في علم النفس، البروفيسور Professor أحمد عكاشة – مد الله في عمره، وأمتع به – يُسميها المُفرِحات الربانية. عالم على مُستوى العالم – ما شاء الله -، هذا رأس الجمعية العالمية للطب النفسي، أعتقد خمس سنوات، العربي الوحيد الذي فعل هذا، أحمد عكاشة – مد الله في عمره -، أخو الوزير المرحوم ثروت عكاشة، الفنان الكبير. فهو يُسميها المُفرِحات الربانية، يُسميها المُفرِحات! مع أنها ماذا؟ هي أفيونات، أفيونات طبيعية، الله – عز وجل – خلقها.

أي الدوبامين Dopamine يقول لك ماذا؟ أُريد، أنا أُريد، أنا أرغب. هذا هو! هو جُزيء الرغبة إذن، وليس جُزيء المُتعة، ولكن هم يُسمونه هكذا، علاقة – كما قلنا – ماذا؟ مجاز عقلي، علاقة سببية. يُسبِّب الشعور بالمُتعة، ولذلك هم سمونه Pleasure molecule، يقول لك الدوبامين Dopamine أنا أُريد، أنا أرغب. فإذا كان يُريد أو يرغب، وأُفرِز واستُقبِل، ما الذي يحدث عندك؟ تحفيز. تصير مُحفَّزاً ومحثوثاً أن تبحث عن هذا الشيئ، سواء كان طعاماً أو جنساً أو صداقةً أو حُباً أو تجديداً، تقرأ كتاباً جديداً، تفهم نظرية، تذهب إلى المدرسة، تفهم الدرس الجديد وتُراجِعه، هذا هو، هذا هو! تبني شيئاً، تحل مُعادَلة، تحل لغزاً. أي شيئ، أي شيئ! تستكشف برحلة برية أو رحلة بحرية أو رحلة جوية، تستكشف شيئاً جديداً، أي شيئ! الــ Novelty، وهذه أهم خواص الإنسان، أرأيتم؟ هذه يُسمونها ماذا؟ يُسمونها المُحفِّزات الربانية، الطبيعية. الله خلقها هكذا!

ولكن انظر إلى الآتي، وهذا من رحمة الله طبعاً، من رحمة الله – تبارك وتعالى -، أنت لكي تُحفَّز لابد وأن يُفرَز لك الدوبامين Dopamine، نعم! قال لك الطعام يجعل الدوبامين Dopamine يُفرَز بنسبة ماذا؟ مائة أو مائة وخمسين. مُهِم! وماذا عن الجنس؟ يُفرزه بنسبة مائتين. أقوى! وهل تعرف لماذا؟ لأنك لو أكلت من غير أن تتزوَّج سوف تفنى، ولو الكل فعل مثلك سوف ننقرض، هذا Extinction، سوف يموت الجنس البشري. فإذن مَن في الخُطة الأبعد أو في الهدف الأبعد – أي الــ Long-term goal – سيصير الأهم؟ الجنس. هذا مُهِم جداً، الزواج! وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ۩، من آيات الله – تبارك وتعالى -، لكي نستمر ونُمرِّر جيناتنا ولا ننقرض، فلذلك التحفيز على الجنس أكثر، عندك يصير بنسبة مائتين، يُفرَز الدوبامين Dopamine هكذا، هل تعرف ما الذي يُفرزه بنسبة مائتين أيضاً؟ الأفيون، أي الــ Opium وغيرها، الأفيونات هذه تُفرزه بنسبة مائتين. أي إذا أدمن أحدهم الأفيون وتعاطاه وصار عنده إدمان – أي Addiction -، فما الذي سوف يحدث؟ سوف يًفرَز الدوبامين Dopamine كله وهو يقول أُريد، أنا أُريد المُتعة تلك التي كانت عندي حين تناولت الأفيون. هو يُريدها ويبحث عنها، فهو عنده تحفيز قوي، أقوى من تحفيز ماذا؟ الطعام. لذلك الإنسان في سبيل الجنس أحياناً وفي سبيل هذه الأفيونات يُمكِن أن يُضحي بطعامه، أليس كذلك؟ يبات جائعاً، ويُحقِّق الهدف هذا، ليس دائماً، لكن في بعض المرات يفعل هذا، إذا لم يكن هناك تهديد بالهلاك طبعاً.

جميل! قال لك الآن يُوجَد شيئ خطير، ماذا عن الكوكايين؟ يُفرزه بنسبة ثلاثمائة. أف! أكثر من الجنس، وأكثر من الأفيونات، وأكثر طبعاً من الطعام. ثلاثمائة! ثلاثمائة دوبامين Dopamine، وهذا كثير، فيصير مثل المسعور هذا، يبحث بقوة، يُريد تحقيق هذا الشيئ، تحقيق المُتعة التي تحصَّل عليها عن طريق تعاطي ماذا؟ الكوكايين. لماذا؟ أي مُتعة هذه؟ هذا – كما قلنا – إن لم يصل إلى هدفه، يُفرِز المُخ هذه المُخدّرات الربانية، هذه المُفرِحات الربانية كما سماها البروفيسور Professor عكاشة، هل هذا جيد؟ يفرح الإنسان وينبسط، ينبسط! وهو يُطالِب بهذا، يطلب هذا الفرح وهذا الانبساط وهذه البهجة – أي الــ Pleasure -، فهو يطلبها باستمرار، هل هذا جميل؟ المسألة لا تقف عند هذا الحد، سوف تقول لي وأين المُشكِلة إذن؟ انظر الآن أين المُشكِلة، وانظر لماذا إدمان القاذورات والإنترنت بورنوجرافي Internet pornography بالذات خطير؟

سوف يقول لي أحدكم أنت لم تُكمِل العناصر الخمسة أو الستة التي تجعل الإنترنت بورنوجرافي Internet pornography سهلاً. قلنا لأنها مُتاحة، ثانياً لأنها مجانية، ثالثاً لأنها خفية ومُستسِرة، لا يُوجَد فيها شعور بالعار ولا تقع مشاكل، تعملها وأنت مُتخفٍ، طبعاً يعملها حتى الطفل المُراهِق المسكين وهو تحت الفراش، عبر الآيفون iPhone الخاص به، عبر السمارت سيلفون Smart cell phone، يعملها ولا أحد يراه، يعملها في الحمام، يعملها في أي مكان، عادي! يدخل وينقر، نقرة هي! نقرة ويدخل، أليس كذلك؟ إذن معناها فيها خفاء وفيها استسرار، ليس فيها فضيحة وليس فيها عار، ومن ثم يسهل الموضوع، وبعد ذلك فيها ماذا؟ إثارة وتهييج. ورأينا الآن أن الجنس يُفرزه بنسبة مائتين، أكثر من الأكل، طبعاً هذا هو، ولكن لماذا نُدمِن عليه؟ سوف نرى طبعاً، ولماذا نسقط في وهدة لعينة؟ سوف نرى لماذا، لماذا لا يُسبِّب لنا إتياننا أهلنا هذه اللعنة مثلاً؟ نحن نتزوَّج، ونأتي أهلنا – بفضل الله تبارك وتعالى -، ونتمتَّع بهذا الشيئ، لماذا لا نُصاب بإدمان ملعون بحسب هذا المعنى؟ لماذا تُصيبنا البورنوجرافيات Pornographies هذه بالإدمان المعلون وتُصبِح لعنة؟ سوف نرى لماذا، سوف نرى! هل هذا واضح؟

وقال لك أيضاً من الأسباب التجديد والجرأة. طبعاً! الإنترنت بورنوجرافي Internet pornography فيه تجديد، ملايين المقاطع، ملايين الأفلام، وأهم منها الصور طبعاً، الصور استهلاكها أقل بكثير أصلاً من الأفلام والمقاطع الحية – والعياذ بالله -، ملايين! وهناك الويب كام Web Cam هذه، الكاميرا Camera المُباشِرة الحية، بفلوس يتواصلون – والعياذ بالله – مع غواني ومع عواهر، بالفلوس! يدفع فلوساً لكي يتواصل مع كائن حي مُصاب بهذه اللعنة مثله أو يُتاجِر به وبلعنته – والعياذ بالله -، وهناك أيضاً تقنية الثري دي 3D هذه، شيئ غريب، مُجسَّمة! إذن هناك تجديد وهناك جرأة، ما معنى جرأة؟ اقتحام لكل الحدود، لكل المُحرَّمات، لكل البشاعات، لكل الشناعات. ولن نُفصِّل، عيب! نحن في مقام منبر جُمعة، الكل يعرف وعنده فكرة عن هذه الموضوعات.

ومن هنا على فكرة يُوجَد موضوع أخطر أيضاً من قضية الإدمان والعقابيل العادية للإدمان، هل تعرفون ما هو؟ انحراف التفضيلات والذوق الجنسي عند الفرد. أي الفرد يبدأ فرداً طبيعياً، مثل أي واحد فينا، يعشق الأُنثى ويعشق النساء، ينتهي بعد سنتين أو ثلاث أو أربع أو أقل أو أكثر – والعياذ بالله – إلى شخص يُؤمِن بل يلذه ويشوقه جنس المحارم – والعياذ بالله -، إتيان البنت والأخت والأم والخالة و… شيئ يُعد لعنة حقيقية! وأيضاً هناك الجنس الشاذ، السحاقية والليسبية، وكل هذا الشذوذ والانحراف، وجنس الحيوانات، والجنس الجماعي، والجنس الكذا. أشياء في مُنتهى البشاعة والقرف! تُصبِح عنده أشياء مقبولة وعادية، وليس هذا فحسب، تتشوَّه حتى فكرته كلها عن موضوع الجنس، ما رأيك؟ ولذلك الشباب الذين يكونون غير مُزوَّجين بعد سنوات من الإدمان يعزف الواحد منهم أصلاً عن الزواج، وإذا تزوَّج هذا المسكين، فستُفيد النسبة الأعظم بأنه سيفشل، وسيفشل لأسباب كثيرة، ربما نُفصِّلها أيضاً في وقت لاحق، بعد الصلاة – بإذن الله تعالى -. من ضمن هذه الأسباب أنه يُريد أن يُمارِس هذه الوساخات مع زوجته، وقد تكون هي الطاهرة، العفيفة، المُتعلِّمة، الديّنة، الصّينة، بنت الناس، الكريمة بنت الكرام الأماجد، يُريد أن يُمارِس معها الوساخات التي العواهر يُعرِبن باستمرار في مُذكراتهن وفي مقاطع لهن أنهن يُرغمن على هذا إرغاماً، وهو شيئ بشع وقذر ومُقزِّز، هن يعترفن بهذا، وهو – هذا المسكين الأبله الأحمق – يظن أن هذا مُمتِع وهذا جيد وهذا الوضع الطبيعي، ويُريد أن يُمارِسه مع بنت الناس، المُحترَمة! فتكتشف هي هذا، تمنع منعاً باتاً، يصير هناك انكسار، يصير هناك نزاع، يصير هناك الطلاق، أحسن شيئ! بالنسبة لها أحسن شيئ أنها طُلقت من هذا المعتوه الأحمق الأبله الذي لا يفهم شيئاً. 

ولذلك أنا أقول لكم خُطبة اليوم هذه على فكرة ليست علمية وليست دينية وليست كافية وليست وافية أبداً أبداً، ولا تُقارِب أن نكون كذلك، هذه ناقوس، نحن ندق الناقوس فقط، ونقول لكل واحد ما عليك إلا أن تُعيد النظر في هذه المسألة من زاوية علمية، هناك كُتب موجودة بالإنجليزية، بالألمانية، وبلُغات أُخرى، وبعضها تُرجِم، ومن أجودها وأكثرها شيوعاً حقيقةً – أنا قرأت عنه عدة تقارير، ومُتاح على النت Net مجاناً بلُغته الأصلية الإنجليزية – كتاب اسمه Your Brain on Porn، أي بمعنى تأثير البورنو Porno هذا – أي القاذورات – على دماغك، Internet Pornography and the Emerging Science of Addiction، وبزوغ أو نشوء أو ظهور علم الإدمان، لأن إلى الآن هناك علماء وأكاديمون ودارسون لا يُحِبون ولا يُريدون أن يعترفوا بأن البورنوجرافي Pornography هذا الخاص بالنت Net يُسبِّب إدماناً، يقولون لك لا، لا يُوجَد إدمان. لا! غير صحيح، كل خصائص وكل ظواهر الإدمان والمُدمِنين مُتوفِّرة في هذا الحقل يا إخواني، قضية! اقرأوا هذا الكتاب، كتاب جيد وبسيط ويُلخِّص مُعظَمه ما يحدث، وهو مُعتمِد على تجربة كونية، تخيَّلوا! تجربة اسمها تجربة ماذا؟ الــ Reboot، أي تجربة إعادة التشغيل، مثلما تعمل Reboot للكمبيوتر Computer الخاص بك، نُعيد التشغيل، نمسح، نقطع، نبدأ من جديد، بداية جديدة! Reboot experiment، تجربة إعادة التشغيل تجربة رائعة، شارك فيها ألوف من الشباب والشابات وهن أقل طبعاً حول العالم، من كل الثقافات! وعلى فكرة ليس أكثر من سبعة في المائة بدافع ديني كما يقول الكتاب الخاص بجاري ويلسون Gary Wilson وهو أستاذ في علم الأعصاب في أمريكا، جاري ويلسون Gary Wilson صاحب كتاب Your Brain on Porn قال ليس أكثر من سبعة في المائة بدافع ديني. أبداً! والدوافع كلها عند ماذا؟ ثلاثة وتسعين في المائة. ما هي؟ دوافع الصحة. لأنهم لاحظوا أن هذا يُدمِّر صحتهم العامة وصحتهم الجنسية على وجه الخصوص. هل هذا واضح يا إخواني وأخواتي؟

إذن هذه مُجرَّد – كما قلنا – ناقوس، نحن ندق الناقوس، نقول له قف يا رجل، قف يا أخي، يا ابني، يا حبيبي. يا أخي – والله – حُباً فيك ورغبةً في الخير لك أطل على الموضوع بطريقة علمية، لتعلم أين تسير أنت وأين ستنتهي. ستنتهي إلى أن تُدمَّر بالكامل!

هناك دراسة قامت بها جامعة أوكسفورد Oxford بالـ UK، هذه الدراسات قالت بعض هؤلاء المُدمِنين على القاذورات عندهم نزوع  – ميل أو نزوع، أي Tendency – إلى إيذاء أنفسهم، بل إن منهم مَن يُفكِّر في الانتحار. إلى هذه الدرجة هم مساكين، نعم! لعنة، لعنة حقيقية، لعنة حقيقية.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

الخُطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديدٌ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلَّم تسليماً كثيراً.

إخواني وأخواتي:

وفقاً أيضاً لإحدى الدراسات الآن صار – بالأحرى ليس الآن، بل مُنذ عام ألفين وأربعة عشر أيضاً، والله أعلم الآن كيف صار الوضع – مُتوسِّط سن الطفل (الذكر بالذات) الذي يدخل على هذه المواقع ويبدأ مشوار الإدمان هو إحدى عشرة سنة. شيئ مُدمِّر، انتبه! سوف تقول لي يا وكستاه! بالعامية. يا ويلتاه! أي من المُمكِن أن يكون ابني قد دخل على هذه الأشياء، ابني الذي عمره إحدى عشرة سنة أو ثنتي عشرة سنة، ولم يُراهِق البلوغ إلى الآن، أي هذا بعيد، هناك سنتان أو ثلاث سنوات حتى يبلغ، المسكين لم يحتلم، هل يُمكِن أن يدخل على هذه اللعنة؟ نعم. وانظر إلى تأثير هذا حتى على نشأته أو على تنشوئه الجنسي، على نُضجه الجنسي، كيف سيكون؟ فضلاً عن نُضجه الاجتماعي ونُضجه السيكولوجي أو النفسي، تدميري! تدميري حقيقي يا إخواني، تدميري حقيقي.

ولذلك نعود إلى فيليب زيمباردو Philip Zimbardo، في  The demise of guys، أي زوال الرجال. الذي تحدث باختصار عن قضاء أوقات مُفرِطة – مُفرِطة في طولها، عشرات الساعات! كل أسبوع عشرات الساعات – أمام هذه المواقع ومع الألعاب الإلكترونية، هذه ألعاب الهوس التي تمنع الشاب، وتمنع حتى البنت من حياتها، لكن هذا قليل عند البنات  – الحمد لله -، وعلى فكرة الآن عموماً في العالم – وخاصة في العالم الغربي، وحتى في العالم الشرقي – الشباب يلهثون خلف الإناث في النجاحات العلمية الأكاديمية المهنية، البنات أشطر وأحسن باستمرار، نحن أصبحنا بريالة، لماذا؟ بسبب البورنوجرافي Pornography، بسبب القاذورات! لأن لا يُوجَد وقت للدراسة، دراسة ماذا؟ شغّال على هذا، البنت ليست كذلك، البنت عموماً مُختلِفة، سُبحان الله! الأُنثى عبر العصور مُختلِفة، وأنا دائماً – الحمد لله – أفخر بها، أنا فخور بأنني اكتشفت الأُنثى من سنوات طويلة، وأُشيد بها باستمرار، وأعترف وأنا رجل تملأني رجولتي أن الإناث أرقى منا، الأُنثى بشكل عام أرقى من الرجل، وأنبل منا – والله – وأعمق منا، وعندي اجتهاد حتى ديني، هي أصل الحياة، فهي الأصل وليس آدم على فكرة، والقرآن أعطانا هذا، وعندي خُطبة قديمة عن الموضوع هذا. الأُنثى فيها عمق غير طبيعي يا إخواني، ليس أنها فقط ترى الجنس وسيلة إلى غاية نبيلة ومُهِمة لبقاء النوع، لا! حتى الأُنثى لا تُغريها الصور والمُشاهَدات الحسية هذه البهيمية، لا تُغريها! يُغريها ماذا؟ الكلام. ولذا تُحِب أن تقرأ الروايات، روايات غرامية رومانسية هكذا، عن الحُب وعن الوفاء وكذا، هذا يُعجِبها.

لذلك انتبه، إذا كان البعيد – إن شاء الله لا تكون كذلك، إذا كان البعيد، أي أُخاطِب هذا البعيد، هداه الله وأسعده ونظَّفه وطهَّره وعافاه، تحدث له مُعافاة من هذه القاذورات – يظن أنه يُمكِن أن يُثير زوجته – نقول زوجته، نحن نتحدَّث عن الزواج فقط، ليس لنا أي شيئ أيضاً خارج مُؤسَّسة الزواج – بأمثال هذه الخيالات المريضة العقيمة الشاذة المُنحرِفة، فنحن نقول له مرة أُخرى أثبت أنك لا تدري شيئاً، وأنك بريالة وأهبل، هذا ليس صحيحاً أبداً، الأُنثى يُثيرها في الرجل ماذا؟ هل تعرف ماذا؟ استقرار شخصيته، مثابته الاجتماعية، ثقته بنفسه، إنجازاته ومُنجَزاته، وأيضاً الحُب والرومانسية. يُعطيها الحُب، وأهم شيئ في الحُب الوفاء، أن يكون طاهراً ووفياً، وليس فقط فرجه وكذا، لا! وقلبه وخياله لها، لذلك ارتياد هذه المواقع – مُجرَّد الارتياد يا إخواني كما قلت – يتسبَّب في حالات طلاق كثيرة، والأُنثى تعتبر هذه خيانة، وهذا من حقها على فكرة، من حق الأُنثى أن تعتبر هذه خيانة، مع أن هناك بعض علماء الدين مع احترامنا لهم وحُبنا يقولون لك لا، لا تُوجَد خيانة، الخيانة تتعلَّق فقط بمَن يخون الله. غير صحيح! هذا نوع من المُغالاة في الوقوف مع بعض الألفاظ، لا! وتُوجَد خيانة أيضاً للرسول، وتُوجَد خيانة للمُؤمِنين، وبالتالي تُوجَد خيانة في حق البشر. فطبعاً الرجل الذي يترك خياله يسرح مع غير زوجته – والعياذ بالله – ويقضي ساعات يتخيَّل ويتمنى مع غير زوجته، هو يخونها، ولو بخياله طبعاً.

عيسى – عليه السلام – كان يقول أي رجل فكَّر في زوجة جاره – في امرأة لا تحل له – بقلبه، فقد زنى. ومحمد – عليه السلام – أخو عيسى – صلى الله على أنبياء الله ورُسله أجمعين – قال في الحديث المُخرَّج في الصحيحين كُتب على ابن آدم حظه من الزنا، مُدرِك ذلك لا محالة، فالعينان تزنيان وزناهما النظر، والأذن أو الأُذنان تزنيان وزناهما الاستماع، والفم يزني وزناه القُبل، واليد… والرجل… ثم قال والقلب يهوى ويتمنى والفرج يُصدِّق ذلك أو يُكذِّبه.

هناك دراسة مُثيرة جداً يا إخواني وأخواتي أُجريت عام ألفين وسبعة، عُرِض فيها على عدد من الرجال فيها – وأختم بهذا – الآتي، عُرِض عليهم ماذا؟ صور نساء حسناوات، لسن حتى عاريات، نساء جميلات، بشعورهن هكذا وكذا، حلوات! ثم بعد ذلك أُعيد الاستبيان، المُتعلِّق بتقييم هؤلاء الرجال لأزواجهم، أي لزوجاتهم، في الأول طلبوا منهم تقييم الزوجات، قالوا لكل واحد قيّم زوجتك، فأعطاها أحدهم – مثلاً – في الجمال سبعة من عشرة، في الذكاء ثمانية من عشرة، في الجاذبية – أي الــ Attractivity – ستة من عشرة أو سبعة من عشرة، بعد ذلك اختلف التقييم بمُجرَّد فقط أن رأى نساء حلوات، أي وجوه حلوات هكذا، وتعرف أنت طبعاً الموديلات Models هذه التي يضعونها، وكأن هذه المرأة، ليست هذه المرأة، Artificial هذه، هذه مُصنَّعة، هذه صناعية، وتنفخ الشفاة، وتنفخ الخدود، وتضع خمسين ألف نوع من المساحيق، هذه ليست المرأة الحقيقية بصراحة، يضحكون علينا، الشباب مساكين للأسف، يظنون أن المرأة هي هكذا دائماً، وهناك أضواء طبعاً تحت الصورة، هناك أضواء ساطعة، فتطلع – ما شاء الله – وكأنها حورية، أي فرت من يد رضوان وجاءت على الأرض لكي تزورنا، هي ليست هكذا، ليست هكذا! وقد تكون بشعة جداً. على كل حال فبعد ذلك وبمُجرَّد أن تعرض الواحد منهم لأن يرى هؤلاء الحسناوات وكانت هناك صور فقط، قال لك انخفض تقييمهم لنسائهم جداً، بل صار تقييمهم أن نساءهم لسن جذابات ولسن جميلات، وحمقاوات ولسن ذكيات. لم يبق لها حسنة، المرأة المسكينة لم تبق لها حسنة. ليست جميلة وليست كذا وكذا، وقد تكون جميلة ومن أجمل نساء بلدها أو قريتها، لا! لم يعد يرى فيها أي جمال وأي جاذبية، ولا حتى ذكاء، غبية – يقول لك – هذه، غبية؟ والله لا يُوجَد غبي سواك يا أهبل، يا أبا ريالة، مرة ثانية بصراحة أقول هذا، وأنا رجل، والله لا يُوجَد غبي سواك.

فالآن السؤال: كيف بمَن يتعرَّض لهذا الفيض، لهذا القصف من المقاطع المُصوَّرة – فيديوياً، أي المقاطع الحية، شبه المُتحرِّرة، والعياذ بالله – لهذه الأوضاع القذرة الوسخة؟ يكفر بزوجته، ويا ليته يكفر بزوجته فقط، وكما قلنا ونقول الآن للمرة العاشرة يكفر بجنس النساء. أبداً! هناك دراسة إيطالية أُجريت من ألفين وخمسة إلى ألفين وأربعة عشر، أي في ثماني سنوات تقريباً، أليس كذلك؟ قادها عالم، هو المسؤول عن المُجمَّع الإيطالي لعلوم التناسل (لعلوم التناسل أو التناسلية)، قال لك تضاعف ستة أضعاف عزوف المُراهِقين عن البنات. ستمائة في المائة! من أجل ماذا؟ من أجل القاذروات الخاصة بالنت Net.

المسألة أخطر مما نتصوَّر، نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُلهِمنا رشدنا، وأولادنا جميعاً وأولاد العالم، لأننا أبناء النوع الإنساني، كلنا! كلكم لآدم، نسأل الله أن يُلهِمنا ويُلهِم الجميع رُشدنا، وأن يُعيذنا من شر نفوسنا.

اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير مَن زكاها، أنت وليها ومولاها. نعوذ بالله من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن دعوة لا تُسمَع، ومن عمل لا يُرفَع، ومن نفس لا تشبع، ومن الجوع فإنه بئس الضجيع، ومن الخيانة فإنها بئست البطانة.

اللهم جنِّبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، برحمتك يا أرحم الراحمين، وحبِّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

 

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا 8/3/2019

 

ملحوظة هامة:
الدكتور أتم الموضوع في مُحاضَرة طويلة بعد الصلاة، سننشرها لحضراتكم في مقطع مُستقِل، بعنوان: الإباحية.. العقابيل والتعافي.

 

ملحوظة أُخرى هامة:
تم تقسيم هذه المُحاضَرة الطويلة، المُعنونة بـ: الإباحية.. العقابيل والتعافي. تم تقسيمها إلى قمسين: القسم الأول بعنوان: الإباحية.. العقابيل والنتائج. والقسم الثاني بعنوان: الإباحية.. العلاج والتعافي.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: