إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ ولا نظيرَ له ولا مثالَ له، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ ونجيبهُ من عبادهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعَلَى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المُبارَكين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ وسَلَّمَ تسليماً كثيراً.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه – سبحانه – ومُخالَفة أمره لقوله جل من قائل:
مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩
ثم أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – جل مجده – في كتابه العزيز بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۩ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ۩ الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ۩ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ۩ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ۩ فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ۩ وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ۩
صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
إخواني وأخواتي:
لن تكون خُطبتنا اليوم عن القتال أو الجهاد في سبيل الله، إنها استرشاداً بقوله – تبارك وتعالى – يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ۩ الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ۩، استرشاداً بهذه الآية والتي والتها سنتحدَّث في أمر يخص نهضتنا، يخص إقلاعنا الحضاري، فهذه الخُطبة – بإذن الله – ستُثلِّث الثنتين السابقتين، وقد تعرَّضنا فيهما إلى جُملة وإن كانت يسيرة من أسباب انحطاط وجمود الأمة المُسلِمة، فلا يختلف اثنان على أننا نعيش مُنذ قرون حالة تجمد أو اعتقال حضاري، هناك في علم التاريخ وبالذات في الدراسات التي تدور على الحضارات والمدنيات مُصطلَح التوقف الحضاري، الأمة أو الحضارة حين توقَّف وتجمد وتنحط وتُعتقَل تكون حضارة مُتوقَّفة أو حضارة مُعتقَلة – Arrested civilization – كما يعتقل شرطي مُجرِماً – مثلاً – أو مُتهَماً، فهي مُتوقِّفة مُتحنِّطة ومُتحجِّرة، نحن نعيش هذه الحالة من التحنط والتحجر بلا شك، ولكن الوقوف عند مظاهر الانحطاط وتعدي ذلك إلى البحث والحفر في أسبابه ليس يُكتفى به في أمة تُريد لنفسها مُستقبَلاً، تُريد لنفسها حياة، ونحن نزعم أن الأمة المُسلِمة في إمكانها أن تُقدِّم لنفسها وللعالمين الكثير الكثير، بل نتعدى هذا إلى زعم وإلى دعوى أن المُسلِمين عبر تاريخهم واعتباراً بأزهر فترات هذا التاريخ لم يوفوا على الغرض من رسالة دينهم، لم يوفوا على الغاية، أي أن الإسلام لم تُستنفَذ أغراضه، الإسلام لديه الكثير ليُعطيه، صحيح أن الإمكان الحضاري الآن في هذه اللحظة الراهنة من حياة الأمة تقريباَ شبه معدوم لكن الاحتمال الحضاري قائم وقائم بقوة بإذن الله تبارك وتعالى.
فلاسفة التاريخ – إخواني وأخواتي – علَّمونا أن الأمم عموماً – الأمم بانية الحضارات والمدنيات – تدخل التاريخ فقيرةً في الوسائل المادية، أي في الأسباب، التي سماها القرآن الكريم الأسباب، قال الله إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ۩، تكون هذه الأمم فقيرةً في الأسباب المادية، لكنها حين تدخل التاريخ وتختط لها خطاً وترسم لذاتها أو لنفسها مساراً إلى جانب الأمم الأُخرى العفية المُتقدِّمة الناهضة إنما تكون غنيةً في الروح وفي القيم، روح هذه الأم تكون روحاً قوية مُشرئبة، القيم تكون صحيحة مُعافاة إيجابية عاملة فاعلة وبنّاءة، هذا ما حدث مع هذه الأمة المرحومة، رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – في الخندق بين كانوا يحفرون إذ اعترضتهم كُدية شديدة، والكُدية هي الصخرة الكؤود، اعترضتهم كُدية شديدة أي صخرة كبيرة قاسية، حاولوا معها مراراً فلم يُفلِحوا، فذكروها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً، فأقبل – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله – وأخذ المعول من يد سلمان الفارسي، ثم انهال عليها فضربها ضربةً تصدَّعته منها وبرقت برقة قوية جداً وعظيمة، أي نور، ثم ضربها الثانية فكذلك يقول الراوي، أي برقت برقة عظيمة باصطدام المعول بالصخرة، ثم الثالثة فكذلك فإذا هي كالكثيب الأهيل، تفتَّت تُراباً، سألوه – عليه الصلاة وأفضل السلام – عن هذه البروق أو البرقات الثلاث، هل فيها دلالة؟ قال نعم، قال حين برقت الأولى مع أول ضربة رأيت قصور الحيرة وقصور كسرى وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها، ستُفتَح كسرى، أي ستُفتَح مدائن كسرى، ستُفتَح فارس، وهذا عجيب لكن سوف نرى الآن واقعية المُنافِقين وتطلعات المُؤمِنين، قال ولما ضربت الثانية برقت برقة فرأيت القصور الحُمر من أرض الروم – بيزنطة – وأخبرني جبريل أن أمتك ستظهر عليها، في رواية أن النبي كان يُكبِّر تكبير فتحٍ: الله أكبر، كمَن يُفتَح عليه، ويُكبِّر المُسلِمون من ورائه تكبير فتحٍ، ثم لما برقت الثالثة قال رأيت قصور صنعاء وأخبرني جبريل أن أمتك ظاهرة عليها، المُؤمِنون قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله، قال الله وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۩، أما المُنافِقون فقالوا انظروا إلى محمد، يعدهم بان تُفتَح عليهم كسرى – أي بلاد كسرى – وأحدنا لا يستطيع أن يخرج للبراز، أي يقضي حاجته من شدة الخوف، مُحاصَرون بتسعة آلاف من الكفّار المُشرِكين، برد شديد، ظلام شديد في الليل، خوف شديد، جوع شديد، النبي حين أقبل وأخذ المعول كان شاداً على بطنه صخرة، كان شاداً على بطنه حجراً كبيراً من الجوع، قال الراوي وكنا لم نُصِب ذواقاً مُنذ ثلاث، أي مُنذ ثلاثة أيام لم نأكل شيئاً، والنبي كذلك، ناس جوعى مساكين مُحاصَرون بهذه الألوف المُحتشِدة للإجهاز عليهم لإفنائهم، ويعدهم – عليه الصلاة وأفضل السلام – بأنهم سيرثون فارس وبيزنطة وبلاد اليمن وتلك النواحي، كيف؟ هذا تأميل المُؤمِن، طبعاً النبي يعد عن وحي، عن كشف، جبريل أخبره، والمُؤمِنون يقولون صدق الله ورسوله، أمل! أمل أُمة تُريد الحياة، أمة تُريد أن تبني لنفسها مجداً، أمة لم تفقد الإيمان في نفسها، لم تر نفسها أقل من أي أمة مُتقدِّمة أُخرى، بالعكس ترى نفسها قادرة بالإيمان بمنظومة الاعتقاد والرؤية الكونية، لأن الأفكار والقيم الأخلاقية والاجتماعية تتولَّد عن ماذا؟ عن منظومة الاعتقاد، هكذا هو، عندك منظومة اعتقاد ورؤية كونية تتولَّد منها الأفكار التي تُسيِّر الحياة والمفاهيم، تتولَّد منها القيم الأخلاقية والاجتماعية، ومن هذه وتلك تتولَّد المُؤسَّسات، هذا هو، هذه هي الـ Schema, تتولَّد مُؤسَّسات المُجتمَع، المُؤسَّسات السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية والاجتماعية، من ماذا؟ من القيم والأخلاق والأفكار المُتولِّدة بدورها من العقائد، لدينا عقيدة – عقيدة عظيمة ولا أروع بفضل الله تبارك وتعالى – وهي التي مكَّنتنا أن نُنجِز حضارتنا بسرعة، بسرعة مُدهِشة كما قلنا في الحلقات السابقة، فهكذا كانوا هم، وهم الذين ألهموا مَن بعدهم، محمد وصحبه المُقرَّبون – صلى الله على محمد وآله ورضيَ الله عن أصحابه – هم الذين كانوا مصدر الإلهام الأكبر لكل أجيال الأمة التي شادت الحضارة وبنتها، هم هؤلاء!
أرنولد توينبي Arnold Toynbee – طبعاً كل ما يتكلَّم عن الحضارة سيعتاد أن يسمع هذا الاسم كثيراً جداً، ليس لأه مُؤرِّخ عظيم ومن أعاظم المُؤرِّخين في القرن العشرين بل لأنه تعدى دور ومُهِمة المُؤرِّخ إلى دور جديد وإن كان لا يُعترَف به عند كثير من المُؤرِّخين، أعني هذا الدور، وهو فلسفة التاريخ، وإذا تحدَّثنا عن فلسفة التاريخ فالحديث عن القوانين الحاكمة في مسار التاريخ، هل يُعترَف بها؟ قضية خلافية جداً بين علماء التاريخ، هل هناك قوانين حقاً للتاريخ؟ قوانين للطبيعة نعم، قوانين للتاريخ والاجتماع مسألة خلافية لا تزال، ونحن ننحاز إلى الرأي الأول، نعم هناك قوانين، صحيح لن تكون بأي حال من الأحوال في دقة وتحديدية القوانين الطبيعية لأن الإنسان عالم من الحرية، عالم من الاختيار، ليس كالمادة يخضع للحتميات، لكن هناك قوانين – على كل حال يرى أنه ما من حضارة وما من مدنية وما من نهضة تمت وأُنجِزَت إلا وكان الفضل الأول لفئة مُختارة من البشر، فئة قليلة، ليست فئة عظيمة العدد، فئة قليلة حملت حلماً، حرَّكها طموح، بعثها دافع عظيم، دافع الحياة والبناء والعمران، آمنت بنفسها وبرسالتها، كل أمة – قال – وكل حضارة تدين لأمثال هؤلاء، طبعاً في الحالة الإسلامية واضح جداً جداً جداً: محمد وأصحابه، محمد وأصحابه هم بُناة وعي هذه الأمة، هم الذين خطوا لها أفقاً لا تزال تسير نحوه مبعوثةً بقوة الإيمان، بطموح المُؤمِن، وبقوة اليقين، هو هكذا، ولذلك كانوا فاعلين جداً، أنا بدأت بآيات الأنفال لأُشير إلى هذه الفاعلية يا إخواني، الآن يتحدَّثون عن ماذا؟ يتحدَّثون عن الطوق الحضاري، أي عن الاقتدار الحضاري، القدرة الحضارية، تُساوي ماذا؟ هذه مُعادَلة Equation، تُساوي عدد السكان، سوف تقول لي هذا جميل جداً، في إندونيسيا وماليزيا ومصر عندنا هذا، لكن انتبه إلى أن عدد السكان وحده بغير فاعلية هؤلاء السكان يعود نقمة ويعود إضافة بالسلب كإضافة الدين على الدين والدين على الدين حتى تُصبِح غارقاً في ديونك، إضافة بالسالب وليس إضافة بالمُوجَب، إذن عدد السكان مضروباً في الفعّالية الحضارية أو الاجتماعية لهؤلاء السكان، كم هم فاعلون؟ ما معنى الفعّالية حتى لا نتحدَّث كلاماً غير مفهوم أو كلاماً مُبهَماً وهذه طريقة خاطئة في الحديث؟
الفعّالية باختصار أيها الإخوة يُمكِن أن تكون اجتماع معنيين، بعض العلماء والمُتخصِّصين يُميِّز بين الكفاءة والفعّالية، الفعّالية أن تُنجِز الشيئ الصحيح، يُوجَد شيئ صحيح مطلوب إنجازه، فإن أنجزته تكون أنجزت المطلوب، لم تُنجِز شيئاً غير المطلوب، لكن انتبه إلى أن أنك قد تُنجِز الشيئ المطلوب بخسارة طبعاً، قد تشتري شيئاً يُراد شرائه – مثلاً – لأنك كُلِّفت بشرائه، اشتريت الشيئ بالمواصفات المطلوبة لكن بضعفي ثمنه، أنت خسران، أليس كذلك؟ تُوجَد فعّالية لكن لا تُوجَد كفاءة، لذلك إذا كانت الفعّالية هي إنجاز الشيئ المطلوب وإنجاز الشيئ الصحيح فالكفاءة هي إنجاز الشيئ الصحيح بالطريقة الصحيحة أو الأصح أو الأحسن، بعض العلماء والمُتخصِّصين يدمج المعنين ويُطلِق عليهما الفعّالية، لا بأس، هذه اصطلاحات، وإذا وضح المعنى فلا بأس أن نتوسَّع في العبارة، لا بأس أن نتوسَّع ولا نتشاح في العبارة.
إذن الفعّالية، فعّالية الإنسان الاجتماعية والحضارية، قال الله إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ ۩، مُؤمِن يُعادِل كم ويعدل كم؟ عشرة من الكفّار في ساح الوغى، هذا عنده سيف وهذا عنده سيف، هذا عنده رمح وهذا عنده رمح، هذا عنده نشّاب وهذا عنده نشّاب، هذا تحته فرس وهذا تحته فرس، لكن واحد إلى عشرة، أي نفس الشيئ، هذه فعّالية، فعّالية مُذهِلة، ثم أن هذا الحد الأقصى المذكور في هذه الآية للفعّالية واضح أنه من الصعب جداً أن يبلغه مُعظَم الناس فضلاً عن كلهم، لذلك استتلت الآية التالية فقالت الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۩، ضعف الفعّالية، ليس ابن الإسلام الذي دخل الإسلام في الساعة الأولى ورُبّيَ على مباديء الإسلام وقيم الإسلام وعقائد الإسلام من أول يوم كالذي دخل مُتأخِّراً بعده بعشر سنين أو ببضع عشرة سنة وأحياناً بثماني عشرة سنة، هذا يختلف عن هذا، هذا حتماً سيكون أكثر فعّاليةً من هذا كقاعدة عامة ولكل قاعدة شذوذها واستثناءاتها، قال الله الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ ۩، فصار الميزان واحد إلى اثنين، كأن الله يقول هذا أقل ما يُمكِن أن تنحط إليه فعّالية المُؤمِن، هذه آية مُخيفة، هذه آية فيها اتهام حضاري يا إخواني، هذه الآية فيها إدانة وفيهم دمغ حضاري لنا، نقول له يا رب نحن اليوم تقريباً ليس لدينا فعّالية أصلاً، لدينا فعّالية في السالب، في الدمار، في الإفناء، نحن مهرة جداً في أن يُحرِّض بعضنا على بعض، أن يكره بعضنا بعضاً، أن يذبح بعضنا بعضاً، ما شاء الله رقم واحد في العالم نحن، الأمة العربية المُسلِمة رقم واحد في هذا، مع أنه لا تُوجَد أمم على وجه الأرض يحتاج بعضها بعضاً كما يحتاج المُسلِمون إلى بعضهم البعض، هل تعرف لماذا؟ لأن مُعظَم هذه الدول العربية والإسلامية لا تُفلِح وغير مُؤهَّلة بحكم كتلتها السكانية أن تصل إلى الكتلة المطلوبة – الكتلة العددية المطلوبة – لإنجاز مشروع الإقلاع الحضاري، انس هذا، انس حكاية الاقتباس هذه والنسخ والاستعارة والاستهلاك، هذه ليست حضارة، ليست مدنية، ليست نهضة، المال يفعل هذا، ليست هذه النهضة، وسوف نُفصِّل في هذا بعد قليل، وسوف نعود إلى مفهوم الكُتلة البشرية المطلوبة للإقلاع الحضاري، وهذه لا يُمكِن أن تُنجَز إلا بتضافرنا، بضفر أعدادنا وجهودنا بعضها ببعض ومع بعض، فنحن فعّالون في السلب، وصدقت يا سيدي يا رسول الله، فيما صح عنه عند مُسلِم أنه – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – قال في حديث ثوبان إن الله – تبارك وتعالى – زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها – انظر إلى القدرة الانكشافية لرسول الله، هذا نبي رسول – وإن مُلك أُمتي سيبلغ ما زُويَ لي منها وأُعطيت الكنزين الأحمر والأبيض – قيل الأحمر إشارة إلى الدينار والذهب، والدينار بيزنطي، أي سنرث بيزنطة وهكذا كان، والأبيض إشارة إلى الدرهم الفضي، أي فارس والحضارة الساسانية وهكذا كان – وإني سألت ربي – تبارك وتعالى – لأُمتي ألا يُهلِكهم بسنةٍ عامة – النبي رغب عليه الصلاة وأفضل السلام وآله إلى ربه تبارك وتعالى ألا يُهلِك أمته بالجدب والقحط، أي بالجوع وبالفقر، هل يُوجَد الآن مَن هو أغنى من الأمة العربية؟ أعني بالموارد الطبيعية طبعاً، بالموارد الطبيعية وليس بالمال وبالدخل وبالناتج القومي وإنما بالموارد التي هي أساس الغنى، هي أساس الغنى الحقيقي، وبغير هذه الموارد كان سيُشَل مُعظَم العالم، مُعظَم العالم يحتاج إلى هذه الموارد وفي رأسها النفط على كل حال – وألا يُسلِّط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن الله – تبارك وتعالى – قال لي يا محمد إني إذا قضيت قضاءً – لأنه الرب الذي لا مُعقِّب لحُكمه تبارك وتعالى – فإنه لا يُرَد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أُهلِكهم بسنةٍ عامة – أمتك لن تموت جهداً من الجوع والمسغبة، لن يحصل هذا، وفعلاً هذا لا يحصل – وألا أُسلِّط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم مَن بأقطارها، الله أكبر، لو صار العالم بقومياته وشعوبه وحضاراته وجيوشه إلباً واحداً – لو تألَّب العالم إلباً واحداً – على الأمة المُحمَّدية ما استطاع إفناءها، لدينا تجارب مع الصليبيين – مُعظَم دول أوروبا في الصليبيات – ومع المغول الذين دمَّروا العالم، لكن قوةً ما لم تُسلَّط علينا تسليط استئصال، هل استؤصلنا؟ ماذا نفعل نحن الآن؟ نحن اليوم مُحمَّديون، نحن أمة محمد، موجودون بفضل الله، مليار وثمانمائة مليون، شيئ عجيب، هذه الأمة – قال – لا تُستأصل، الله قال هذا، هذا قضاء الله ولا يُرَد، وجُرِّب هذا على مدى ألف وخمسائة سنة، لم يُرَد فعلاً، لا إله إلا الله.
إذن لن يُسلَّط على هذه الأمة عدو من سوى أنفسها ليستئصلهم، قال وإني أعطيتك لأمتك ألا أُهلِكهم بسنةٍ عامة وألا أُسلِّط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم مَن بأقطارها حتى يكون بعضهم يُهلِك بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً، لا إله إلا الله، انظروا الآن مَن الذي يُهلِك كثيراً من المُسلِمين؟ المُسلِمون، مَن الذي يسبي في المُسلِمين ويُمعِن فيهم؟ المُسلِمون، مَن الذي يفت في عضدهم؟ المُسلِمون، مُسلِم ضد مُسلِم، شيئ عجيب!
بالمُناسَبة حتى أدخل في موضوعي الأساسي أيها الإخوة كنت أشرت في الخُطبة السابقة إلى أنه ينبغي أن نتخفَّف من النزعة الثقافوية الفكروية التي يقع ضحيتها صريعاً لها مُعظَم المُثقَّفون ومُعظَم المُتكلِّمون باسم الفكر وباسم النظر، الجانب الفكري والجانب الثقافي بلا شك له تأثير وتأثير كبير ولكن ليس التأثير الوحيد، وربما لا يكون حتى التأثير الرئيس والأساسي، هل هذا واضح يا إخواني؟ أي أننا إذا تحدَّثنا حتى عن النهضة بالمعنى التقني فقط لها وإذا أردنا أن نتحدَّث عن التحديث – التحديث فقط بعتبار الجانب العلمي والتقني – سوف يبرز لنا ألف مُتحدِّث يتحدَّث عن التراث الإسلامي والعقلية الغيبية والمنظور الظلامي والتراثوية وكل هذا الكلام الفارغ، يا رجل بالله عليك ما هذا؟ يا أخي الاتحاد السوفيتي بمنظومته الشمولية المعروفة أنجز حضارة من ناحية تقنية مادية عظيمة جداً جداً، أليس كذلك؟ كانت المُنافِس الرئيس للحضارة الغربية، الصين الآن ما هي؟ هل هي حضارة مسيحية؟ هل عندها أخلاق توحيدية؟ هل عندها أخلاق مسيحية؟ هل عندها أخلاق يهودية؟ هل عندها أخلاق إسلامية؟ ليس عندها أي شيئ من هذا، معروف ما هي الصين ومعروف نظام الحكم فيها، وهي تُنجِز مشروعها التحديثي بشكل مُذهِل مُحيِّر، ليس كذلك؟ الكل يفعل هذا، هل وقفت على العرب والمُسلِمين؟ إذا أرادوا إنجاز هذا الشيئ هل يُقال الإسلام هو السبب؟ هل يُقال الإسلام هو سبب تأخرهم؟ هذا كلام فارغ، السبب في هذا الإرادة السياسية، هذا السبب الرئيس، ليس هناك إرادة سياسية لنُنجِز، لو أردنا أن نُنجِز لأنجزنا، لكن ربما تعلم هذه القيادات صاحبة الإرادات السياسية أن هذا المشروع لن يُنجَز طالما ظللت صغيراً بسيطاً، طبعاً هذا صحيح!
نأتي الآن إلى موضوع الكُتلة، إذا أردنا أن نُنجِز إقلاعنا الحضاري أيها الإخوة لابد من أن نتوفَّر على الكتلة البشرية المطلوبة، ليست كل كُتلة يُمكِن أن تُنجِز، ولذلك كلام فارغ الحديث عن إسرائيل، هذا غير صحيح، إسرائيل لم تُنجِز حضارة برأسها، إسرائيل جيب من جيوب الغرب، إلى اليوم – من ثماني وأربعين إلى اليوم – هي كذلك، لو انقطع عنها المدد الغربي تسقط تماماً كورقة من على شجرة، تذبل وتسقط، وصدق الله القائل إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ۩، لابد من حبل – حبل سري – يمدها بالغوث باستمرار، في حروبها الصغيرة على جماعات يسيرة هنا وهناك في غزة وجنوب لبنان تحتاج إلى مدد، بعد أسبوع أو أسبوعين تحتاج إلى مدد دائم، طائرات مُتواصِلة بالأسلحة والعتاد وما إلى ذلك، ثم تقول لي حضارة! حضارة ماذا؟ مُستحيل، دُويلة صغيرة بمثل هذا العدد لا يُمكِن أن تُنجِز حضارة تخصها، لكن أن تعيش جيباً من جيوب الغرب نعم، هذا مُمكِن جداً، لذلك نتحدَّث عن الكُتلة البشرية اللازمة، وكما قلنا الطاقة الحضارية تُساوي ماذا؟ عدد السكان، سيُصبِح لكل فرد قيمة مُهِمة جداً، لكن إذا ازدوج هذا العلو السكاني وهذا الارتفاع في عدد السكان بالفعّالية، أي فعّالية المواطن وفعّالية الفرد، ليُصبِح كل فرد مُضافاً إضافة إيجاب، إضافة إيجاب وليس إضافة سلب!
اليابان مائة وثلاثون مليوناً أو أكثر بقليل، حدِّثونا عن مواردها الطبيعية، تقريباً صفر، لا شيئ، المورد الأعظم لليابان وبفضله حقَّقت هذه النهضة ما هو؟ الفرد الياباني، في اليابان كل فرد له قيمة، كل زيادة أيها الإخوة خدمت في هذا المشروع، أي خدمت في مشروع إقلاع اليابان، بسبب فعّالية الفرد الياباني!
للأسف الوقت ضيق لكن أود أن أحكي لكم حكاية البطل الياباني القومي – وهو بطل بكل المعايير أيها الإخوة، هذه البطولة الحقيقية – الذي كان الأساس في إدخال التقنية إلى اليابان لا بمعنى نقلها واستعارتها واستهلاكها وإنما بمعنى استنباتها، هو الذي استزرعها – إن جاز التعبير – واستنبتها ووطَّنها وبيَّئها في البيئة اليابانية، فرد واحد أرسلته حكومته – حكومة الإمبراطور الميكادو Mikado – إلى ألمانيا – تحديداً هامبورغ Hamburg – ليدرس الميكانيكا العلمية ويعود بشهادة دكتوراة، اسمه تاكيو أوساهيرا Takeo Osahira، يقول كان حلمي الأكبر أن أحصل على الموديول، موديول الصناعة الغربية، ما الموديول؟ قلب كل الصناعة الغربية هذه، كل هذه الصناعة والتقنيات لها قلب وجوهر، أي المُحرِّك، المُحرِّك هو الموديول، موديول الصناعة الغربية هو المُحرِّك، كيف يُمكِن أن نصنع المُحرِّك وليس أن ندرس المُحرِّك؟ الدراسة مُهِمة ومطلوبة والتحليل مطلوب لكن نُريد التصميم والتقنية وبعد ذلك تأتي الصيانة، أي التشغيل والتركيب والصيانة، هذه أشياء عملية وليست أشياء نظرية، قال ومن أسف مكثت فترة ليست بالقصيرة وأساتيذي الألمان بدل أن يأخذوني إلى مراكز تدريب والمعامل يمدونني بالكتب، نظريات وتحليلات ومُعادَلات رياضية، قال ماذا أُريد من هذا؟ لن أتمكَّن بهذه الدراسة من أن أصنع مُحرِّكاً أو حتى أن أُصلِّح مُحرِّكاً، هذا غير مُفيد قال، أنا أُريد أن أصنع مُحرِّكاً، لكن الأساتذة لا يُريدون هذا.
بالمُناسَبة هل تظنون – وأتحدَّث الآن بصيغة عامة – أن المُتقدِّمين – أي الدولة المُتقدِّمة – يُمكِن أن تجود علينا بأسرار الصناعة؟ مُستحيل، هي لا تفعل هذا مع بعضها البعض، الشركات في الدولة الواحدة لا تفعل هذا مع بعضها البعض، هذا تنافس ورأس مال واقتصاد، هل تظن أنك بالمال وبمُجرَّد حتى الابتعاث والتعليم أنك سوف تحصل على أسرار الصناعة؟ احلم، أنت اليوم ترى السيارات وتقول شركة بي إم دبليو BMW – مثلاً – باعت بكذا مليار في السنة، هذا تتويج لرحلة استمرت لخمسة قرون، إذا ذكرنا السيارة فإننا نتحدَّث عن أشياء كثيرة في مُقدَّمها تروس نقل الحركة، أليس كذلك؟ مسألة بسيطة استمرت لخمسة قرون إلى أن وصلت إلى هذا المُستوى، ترس نقل الحركة استغرق خمسمائة سنة، هذا ليس لعباً، لكي يُعطوك إياه بالمجان أو ببعض المال هذا حلم بعيد المنال، مُستحيل!
اليابان كيف فعلت هذا؟ أصبحت في الصف الأول للصنّاع العظام، لأصحاب التقنيات العظام في العالم، سوف نرى كيف، وعي وإرادة وطموح! فيا إخواني، يا أيها الشباب بالذات، يا أيتها الشواب: لا تحقروا أنفسكم، لا يرين أحد نفسه أقل من غيره أبداً، أنت تستطيع، تستطيع أن تكون تاكيو Takeo العرب، تاكيو Takeo السودان أو مصر أو السعودية أو عُمان أو لبنان أو أو أو أو إلى آخره.
يقول بعد ذلك قرأت عن معرض للمُحرِّكات إيطالية الصنع في هامبورغ Hamburg، فهُرِعت إليه وفي جيبي مُدخراتي وراتبي الشهري، ووجدت هناك مُحرِّكاً بقوة حصانين، كان ثقيلاً جداً علىّ، دفعت كل ما لدي وأخذته إلى البيت أنظر إليه كأنما أنظر إلى جوهرة ثمينة، أخرجت أوراقي وأقلامي وبدأت أُفكِّك هذا المُحرِّك، قطعة قطعة أرسمها وأُعطيها رقماً، أرسمها وأُعطيها رقماً، كان التحدي أمامي إن أنا أفلحت في تفكيكه ثم إعادة تركيبه وتشغيله فاشتغل أكون قد أنجزت خُطوة مُهِمة على الطريق، هذه بداية اليابان مع التكنولوجيا، ولك أن تتخيَّل هذا، فرد عنده طموح وعنده صدق وعنده وطنية فائضة وليس أشعاراً، قصائد أشعار في أمته ثم هو يُمارِس ذبح أمته! لا، هذا حب حقيقي من غير شعر، حب العمل والجهد والبذل والعطاء والذوبان في الذات القومية، الذوبان في النحن، الذوبان في الأمة، الذوبان في اليابان!
قال استغرقني ذلك ثلاثة أيام، بعد ثلاثة أيام تم التركيب، شغَّلته فاشتغل فكانت فرحتي العُظمى، أنبأت رئيس بعثتنا وكان لي بمثابة الكاهن الروحي يُوجِّهني في الصغير والكبير بإنجازي الكبير ففرح جداً واغتبط ودفع إليّ مُحرِّكاً آخر، قال لي هذا مُتعطِّل، عليك اكتشاف العطل وإصلاحه، خُطوة إلى الأمام الآن! قال أخذ المُحرِّك المُتعطِّل وفعلت نفس الشيئ، قمت بتفكيكه قطعة قطعة ورسمت ورقَّمت، فوجدت أن العطل بسبب ثلاثة أجزاء مُهترئة مُتآكِلة فيه، جميل لكن الآن كيف سأُصلِحه؟ لابد من صناعة هذه الأجزاء الثلاثة – قال – بنفسي، بأدواتي البسيطة – مطرقة ومبرد وما إلى ذلك – صنعت الأجزاء الثلاثة، أعدت تركيبه وشغَّلته فاشتغل، فرحة أعظم، قال استغرقني الأمر هذه المرة عشرة أيام، ذهبت إلى رئيس البعثة فعبَّر عن فرح عظيم جداً بهذا الإنجاز وقال لي الآن عليك أن تبني كل قطع المُحرِّك بنفسك – اصنعها وانحتها نحتاً – ثم تُركِّب منها مُحرِّكاً ليشتغل، من ثم تكون نجحت فيما نُريده، قال أساتيذي الألمان في جامعة هامبورغ Hamburg كانوا يحثوني على إنجاز الدكتوراة، لابد من الدكتوراة، من الدكتوراة – علوم نظرية وتحليلية – ماذا نستفيد؟ لو كان شخصاً أنانياً يُحِب أن يعود بلقب الدكتور وبعد عشر سنين يُقال له الأستاذ البروفيسور Professor لقال ما فائدة المُحرِّك؟ ما علاقتي به؟ الأفضل أن أعود بروفيسوراً Professor يفتخر به الناس، يفتخر بي أهلي وزوجتي وأولادي، لكنه لا يُريد هذا الفخر الكاذب، يُريد مجد الامة وليس مجد الفرد، يُريد مجد الأمة، مجد اليابان، لكي تعيش اليابان.
بالمُناسَبة النبي – عليه السلام – كيف أنجز مشروعه؟ ولماذا كانت المدينة مُهاجَره ودار هجرته؟ لماذا؟ الله حين تحدَّث عن الأنصار ماذا قال؟ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۩، بمثل هؤلاء تُقلِع الأمة حضارياً، بأشخاص فنوا أو كادوا عن أنفسهم في سبيل أمتهم، أنت اليوم ترى الكثيرين جداً لديهم استعداد أن يُفنوا أمتهم في سبيل مصالحهم الصغيرة والحقيرة جداً، هذا غير صحيح، النبي وصف الأنصار فقال يقلون عند الطمع ويكثرون عند الفزع، أي مُعادَلة الحقوق والواجبات، اليوم أيضاً في كل أمة مُتوقِّفة مُعتقَلة ومُتجمِّدة تجد حديثاً لا ينتهي عن الحقوق، في حين يغيب تقريباً أو يكاد لحديث عن الواجبات، لكن الأنصار كانوا أهل الواجبات، يكثرون عند الفزع – عند الجهاد والعطاء وما إلى ذلك يقولون نحن يا رسول الله، نحن الأنصار – وعند الطمع – العطاء والحقوق – يتأخَّرون ويقلون، يا سلام! أرأيت؟ اختيار إلهي، بهؤلاء نُصِر الدين، هؤلاء خميرة نهضة الأمة، خميرة حضارة هذه الأمة، هؤلاء الأنصار المُبارَكون رضوان الله عليهم، فكونوا أنصاراً لأُمتكم، كونوا أنصاراً للأجيال اللاحقة، أنصار النهضة والحضارة بإذن الله تبارك وتعالى، هو هكذا!
قال على كل حال أنا أعرضت وضربت ليتاً عن هذا وقرَّرت أن أخوض التجربة، قال لن أستطيع أن أبني مُحرِّكاً ما لم أتعلَّم صهر المعادن، صهر المعادن؟ طبعاً، المسألة كبيرة، لابد من تعلَّم صهر الحديد والنحاس والألومنيوم، قال وارتضيت لنفسي أن أذهب يومياً إلى هذه المصاهر التي فيها عمّال طليان وعمّال ألمان وغير ذلك وألبس البدلة الزرقاء مع أنني – يقول تاكيو أوساهيرا Takeo Osahira – من الساموراي، هو من أسرة من الساموراي ولك أن تتخيَّل هذا، قال رضيت بهذا، حتى أنني كنت أعمل خادماً للعمّال الطليان في المصاهر في أوقات الغداء، أتواضع لهم، أعمل لهم خادماً، أُقدِّم لهم الشاي والطعام وما إلى ذلك، أخدمهم لكي أرى بأم عيني وأتعلَّم أسرار هذه الصناعات الثقيلة الصعبة، قال مكثت في التعليم والتدريب ثماني سنوات، لا تُوجَد دكتوراة الآن، لا دكتوراة ولا ما يحزنون، أُريد أن أتعلَّم، أُريد أن أُقدِّم شيئاً لأغيِّر به – يقول – اتجاه اليابان، قال سأصنع تاريخاً لبلدي، ووالله صنع تاريخاً الرجل هذا، شيئ عجيب يا أخي، صنع تاريخاً، صدق وطموح ورؤية ومُثابَرة، قال أتبلَّغ بوجبة واحدة في اليوم ولا أنام أكثر من خمس ساعات، عمل مُتواصِل قال، بعد ذلك سمع بي الميكادو Mikado – رئيس البعثة بعث له في اليابان وأعلمه، انظر إلى الإرادة السياسة والاهتمام، ما أحلى رئيس دولة من دول المُسلِمين أو زعيم دولة يهتم بمُبتعَث في دولة غربية أو شرقية، هذا مُستحيل، مُبتعَث ماذا؟ إذا اهتم بالبعثة كلها على بعضها كما يُقال سوف يكون هذا جيداً، لكن هذا اهتم به شخصياً، قرأ تقريره وعرف ماذا فعل وماذا يُريد وما هي طموحاته – فبعث لي من ماله الخاص – ليس من مال الإمبراطورية وإنما من مال الميكادو Mikado الخاص – خمسة آلاف جنية ذهبية، هذه ثروة! قال فرحت بها أعظم الفرح، اشتريت بها تقريباً مصنعاً صغيراً من المُحرِّكات والآلات والأدوات، ولما أردت شحنه إلى اليابان نفد ما كان معي من النقود، النقود الآن كلها ذهبت في شراء هذا المصنع الصغير ولا مال للشحن، قال فاضطررت أنت أدفع كل مُدخَراتي من مُرتبي الشخصي الشهري، دفعها كلها من غير أن يقول لأحد، في سبيل اليابان كل شيئ يهون عنده، نُعطيها التعب ونُعطيها الدموع والجوع والأموال والمُدخَرات أيضاً، هذا كله من أجل اليابان، هذا حب البلاد، هكذا يكون من يُحِب بلده، كما قلت ليس فقط بقصائد الشعر، جيد الشعر لكن ليس فقط بقصائد الشعر والاكتفاء بالشعر، قال ووصلت اليابان معي هذا المصنع الصغير فطُلِبت لمُقابَلة الميكادو Mikado فرفضت، قلت هذا تشريف عظيم لا يليق بأمثالي حتى أُفلِح في بناء مصنع وإن يكن صغيراً يصنع بجهود يابانية المُحرِّكات، أُريد مُحرِّكاً يابانياً، يهدر بالصوت الياباني، في اليابان نحن مَن يصنعه قطعة قطعة، قال استغرقني هذا تسع سنوات، طبعاً أن يُقابِل الميكادو Mikado هذا شيئ عظيم جداً جداً، ابن الشمس هذا، الإمبراطور ابن الشمس مَن يُقابِله؟ هذه عظمة، قال لا، لا أستحق هذا الشرف، لماذا؟ ماذا فعلت أنا؟ لم أفعل شيئاً إلى الآن، أنا أُحاوِل، لا أزال أُحاوِل وأُراكِم النجاحات، قال انقطعت تسع سنوات أشتغل ما بين عشر إلى خمس عشرة ساعة يومياً مع زملاء وتلاميذ لي، قال بعد تسع سنوات حملنا عشر مُحرِّكات إلى صالة تابعة لقصر الميكادو Mikado، حملناها هناك وأدرناها فهدرت جميعها، مُحرِّكات يابانية أصيلة، صُنِعَت في اليابان قطعة قطعة!
إذن موضوع التشغيل والتركيب انتهى، موضوع الصيانة سهل جداً جداً، انتهى الأمر، هكذا تُستزرَع التقنيات والتكنولوجيا، لا تُشترى وتُستهلَك وتُستورَد ثم نفرح بها، وأول ما تعطب نرميها – لا تُوجَد حتى صيانة – ونأتي بالجيل الآخر وهو أغلى، كلعب الأطفال مثل النينتندو Nintendo والبلايستيشن PlayStation، الأمم لا تلعب، الأطفال يلعبون، هذا طفل فيلعب لكن الأمم لا تعيش هكذا!
قال وحينها دخل الميكادو Mikado علينا فانحنيا له نُحييه بالسلام، قال أعذب صوت أسمعه، أجمل موسيقى سمعتها في حياتي: صوت المُحِّركات يابانية، الميكادو Mikado قال هذا، هو هذا، هذا الصوت الجميل، وهذا صحيح فعلاً، هكذا دخلت اليابان على الخط أيها الإخوة واقتعدت لها مكانة سامقة بين الأمم المُتقدِّمة الفارهة في ميدان الحضارة، هكذا وليس بالتقليد وليس بالاستنساخ وليس بالذوان وليس أيضاً بقصائد الشعر في الآخر، أن الآخر مُتقدِّم وعظيم وما إلى ذلك، هذا جيد لكن وأنت ماذا عندك؟
لذلك فقط أحببت أن أُشير بمُناسَبتي عودتي من زيارتي لعُمان – ولعل البعض ينتظر مني ولو تعليقاً يسيراً – إلى أن أكبر ما استفدته من تجربتي القصيرة على مدى سبعة أيام في زيارتي لهذا البلد العربي المُسلِم المُبارَك هو أن كل ما نعيشه من تطاحن واصطراع وتعارك مذهبي وطائفي مُفتعَل محقور مُراد له أن يكون وأن إمكانية الخروج منه والمُعافاة منه من أسهل ما يكون، والسؤال لم لا يكون؟ لم لا نخرج من هذه اللعنة التي تُوشِك أن تأتي على ما تبقى من أخضرنا أما يابسنا فذهب كله حريقاً؟ بقيَ لدينا القليل من الأخضر، اليابس انتهى، هذا الأخضر القليل لم لا نستبقيه لنبني عليه ونستأنف من جديد؟ سؤال حيَّرني ولا أزال مُحتاراً، في عُمان – وأنا أدعو كل مَن يستطيع أن يزور عُمان أن يزور عُمان، هذا البلد المُبارَك الوادع الحكيم بقيادته وشعبه – شيئ يا إخواني لا يكاد يُرى له مثيل في العالم، ليس في العالم الإسلامي فقط وإنما في العالم، ما رأيكم؟ تسامح لا نظير له، تعايش لا مثيل له.
أُصلي المغرب جماعة مع إخواني وأحبابي ثم أسمع بعد ذلك صوتاً مصرياً، نبرة مصرية تتكلَّم في قضايا فقهية، فيقول لي الشيخ – أحد أهل العلم والفضل – يا أخي هذا الرجل مصري يُعلِّم الإباضية – هؤلاء إباضية، ليسوا شوافع وليسوا مالكية ولا حنفية، ليسوا من أهل السُنة – الفقه الشافعي، قلت عجيب! قال لي هذا يحصل دائماً في كل المساجد، وترى شافعية يتعلَّمون عند شيخ إباضي، قال هكذا نعيش نحن، في الصف الواحد يُصلي أحدهم بغير تكتف، يكون إباضياً أو شيعياً إمامياً، وإلى جانبه مَن يُصلي على الطريقة الحنفية – حنفي – أو الطريقة الشافعية أو أو أو إلى آخره، لا أحد يُنكِر، لا أحد يمتعض من الآخر، لا أحد يحدجك ولو بطرف عينه، لا يحدث هذا أبداً أبداً أبداً، التعايش عندهم نسمات يتنسمونها كما يتنسمون الهواء، أي أنه سهل، عملية سهلة جداً جداً، حر يا أخي، كل إنسان حر، وهذا إباضي يتعلَّم الشافعية، هو حر، يُريد أن يتشفَّع، هو حر، شافعي يُريد أن يتأبَّض، هو حر أيضاً، علماً بأن هذا لا يحدث كثيراً، لا تُوجَد انتقالات مذهبية، لكن يُوجَد احترام مُتبادَل من الكل.
في عشاء في بيت السيد المُكرَّم معالي الشيخ رئيس البرلمان – مجلس الشورى – وكان أول عشاء تناولته معهم في أول ليلة حضر طائفة من العلماء ورجالات الدولة أيضاً، جلسنا وبعد ذلك بدأت الأسئلة، هذا يسأل سؤالاً وأنا أُجيب، هذا يسأل وهذا يُناقِش، ثم دخل على الخط أحد أهل العلم – رجل عالم فاضل وقور كبير في السن وفي القدر في دولته – وسألني مسائل في العقيدة مما فيها خلاف بيننا وبينهم – أي بين أهل السُنة وبين إخواننا الإباضية – فأجبت، فرد علىّ فأجبت فناقشته – أخذ وأعطاء – لكن أكثر ما أدهشني أيها الإخوة أمران: العجيبة الأولى كان يتبسَّم، أنت تُخالِفه وترد عليه الحُجة بالحُجة وهو يتبسَّم ويضحك، وانتهى النقاش بالتبسم والضحك، لم يُوجَد اشنمئزاز، لم يُوجَد تواتر، لم يُوجَد علو صوت، لم يُوجَد تهد، لم يحدث هذا أبداً أبداً أبداً، هو يعلم أن هذا مذهبك وأنت تعلم أن هذا مذهبه، فقط تعاطٍ بين أهل العلم، والعجيبة الثانية كان في المجلس جماعة من أهل العلم والفضل – علماء من حملة شهادة الدكتوراة ومن أهل العلم والتأليف – ولم يتدخَّل أحد، انظر إلى أي درجة بلغ الأدب، لم يقولوا هذا سُني بين إباضية فهيا نتعاون عليه، هيا نفعل هذا، ثلاثة ضد واحد، سوف نُظهِر أن الإباضية المذهب الحق، لم يحدث هذا أبداً أبداً، يُوجَد أدب، هو فتح النقاش فليُتِمه هو أيضاً، أدب عجيب جداً في هؤلاء الناس الراقية، كما قال أخي هنا قُبيل قليل فعلاً هذا الشعب بما لامسناه منهم فتح لنا باب الأمل في الأمة، قلت له الأمة المُسلِمة، ليست الأمة العربية فقط وإنما الأمة المُسلِمة، فيحتاج المُسلِم الباكستاني والهندي والماليزي والتركي والإيراني أن يتعلَّم من أهل عُمان، لأن هذا مصاف عالٍ جداً، مصاف راقٍ جداً.
حدَّثني عالم تونسي – عالم من تونس ويعيش هناك مُنذ ثلاثين سنة – قائلاً يا أخي لي هنا ثلاثون سنة – هذا عالم يحمل شهادة دكتوراة وله مُؤلَّفات وتحقيقات، ليس أي كلام، رجل وقور كبير في السن، أمد الله في عُمره – ولم يصدف في يوم من الأيام أن رأيت أو سمعت عُمانياً يسب عُمانياً أو يسب آخر أو يشتمه، قلت له عجيب! قال لي والله ثلاثون سنة، قلت له شيئ غريب، ما هذا الشعب؟ فصدقت يا سيدي يا رسول الله، حين بعث رجلاً من أصحابه إلى حي من أحياء العرب يدعوهم إلى الله وإلى رسوله ضربوه وسبوه وشتموه، هذا في صحيح مُسلِم، فعاد إلى رسول الله قائلاً يا رسول الله بعثتني إليهم فسبوني وشتموني وضربوني، فقال لو أهل عُمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك، يا الله! أي أنهم بهذه الأخلاق من يوم يومهم كما يُقال، العجيب والجميل في أهل عُمان بعد هذه الشهادة المُصطفوية أنهم بذكائهم والحكمة الإلهية المُفاضة عليهم – هم أهل الحكم، أنا رأيت الحكمة ولمستها لمساً يا إخواني، الهدوء والسكينة وكيف كما قلت لكم يتعاطون في كل شيئ، عندهم حكمة عجيبة جداً هؤلاء الناس – عرفوا كيف يُحافِظون على هذه المواريث الطيبة المُكرَّمة، مواريث التسامح والسكينة والحلم والهدوء والتحابب والتعايش، لماذا لا يُستفاد منهم؟ هذا هو السؤال، ولذلك الأمل مُنداح، الصدر مشروح، الأفق قريب جداً أيها الإخوة أن نكون أمة مُتحضِّرة وراقية جداً في هذه الأبواب، لماذا؟ لأن عُمان موجودة، هذا هو، تُوجَد تجربة حية، دولة كاملة، وبالمُناسَبة عُمان ليست دولة بسيطة، عُمان بالأمس القريب كانت إمبراطورية، لم تكن دولة بسيطة وإنما كانت إمبراطورية، واقراو عنها وعن تاريخها، دولة عريقة، ومع ذلك أعرق ما فيها تسامحها ومودتها وحكمتها.
نعود أيها الإخوة في دقائق يسيرة لنتكلَّم – كما قلنا – عن الكُتلة البشرية، إذا كنا نُريد أن نُقلِع لابد لنا من كُتلة، هذه الكُتلة البرشرية لها حدان، حد أدنى وحد أعلى أو حد أقصى، الحد الأعلى أيها الإخوة هو ما تُحدِّده القدرة على إفراز وإنبات وإخراج الكوادر القادرة على بناء المُؤسَّسات الحضارية، طبعاً كل أمة لابد لها من مُؤسَّسات حضارية، هل يُوجَد كادر يستطيع أن يفعل هذا؟ هذا الحد الأدنى، أن يكون لديك الكوادر القادرة على هذا، هذا الحد الأدنى، والحد الأقصى للكُتلة البشرية – وإذا قلنا لكم شعوب صغيرة ودول قصيرة فإنها لا تستطيع أن تُوفِّر الحد المطلوب لأنها صغيرة، والحضارات طبعاُ تُبنى على أكتاف أعداد مهولة من البشر – يكون حين يبلغ المُنحنى الحضاري درجة تدل على التشبع بحيث يعود بعدها كل زيادة في السكان تُمثِّل فائضاً، والفوائض تُمثِّل عبئاً ومُعوِّقات، أي تُصبِح زيادة السكان إضافة بالسالب من جديد، لا نُريد هذا، لكن إذا تحدَّثنا عن الكُتلة البشرية ومُعادَلة الإقلاع أيها الإخوة مُهِم جداً أن نستحضر أن هناك علاقة واضحة وبسيطة وجميلة بين الفعّالية البشرية والفعّالية الحضارية والاجتماعية للفرد وبين الفائض السكاني، عندك (X) وعندك (Y)، أفقياً تُوجَد الفعّالية البشرية، ورأسياً يُوجَد الفائض السكاني، المُنحنى بينهما يُشبِه جُزء من مُحيط دائرة، بمعنى ماذا؟ كلما كانت الفعّالية قليلة كان الفائض كثيراً جداً، هذا هو طبعاً، لا تُوجَد فعّالية بشرية، تقريباُ يُعتبَر مُعظَم السكان زائدين عن الحاجة، إذا كانوا زائدين فهم عبء ومُعوِّق، لذلك لديك بعض الدول الإسلامية تصرخ دائماً من زيادة السكان، وكأن الحل في تحديد النسل وتنظيم النسل، ويُقال هذا من ستين سنة، هذا غلط، ليس هذا الحل، اليابان عندها هائل من السكان، الصين عندها عدد مهول جداً من السكان، هل تعرفون كيف استطاعت الصين أن تُنجِز ما أنجزت؟ ليس فقط بالتحديدات، نعم هي حدَّدت لأن عندها فعلاً فائض رهيب جداً جداً جداً، فقط ربما في السنة الفارطة سمحت بولدين للعائلة الواحدة، قبل ذلك كانت تسمح فقط بواحد، لأن عندها مليار وأربعمائة مليون، شيئ مُخيف جداً جداً هذا، لكن رفعت فعّالية الفرد الصيني وهذا موضوع ثانٍ لكي نعرف كيف، أهم شيئ السياسة التعليمية مع التخطيط، لكن نحن ليس عندنا هذا للأسف، مُعظَم الدول العربية ليس عندها هذا، لا يُوجَد عندنا سياسة تعليمية مُلتئمة بالتخطيط وبالخُطة العامة ولذلك نفشل، نطرح الأسئلة الغلط ونتلقى الأجوبة الغلط، سوف أُوضِّح هذا بعد قليل، فهي رفعت فعّالية الفرد الصيني، ما الذي حصل؟ بهذه الكتلة المهولة التي رُفِعَت فعّاليتها الصين استطاعت أن تلحق بأمريكا، بالعالم الجديد، ولك أن تتخيَّل هذا، لأنها رفعت فّعالية الفرد الصيني، وربما بأمريكا ومُضافاً إليها دولاً أُخرى أيضاً كما يقترح بعض الدارسين المُتخصِّصين، فالحل ليس في تحديد النسل، الحل في رفع الكفاءة.
الآن نأتي إلى المحور الأُفقي، كلما زادت الفعّالية هنا، ما الذي يحصل؟ يقل الفائض، حين تزيد يقل الفائض، المُنحنى يختلف، إذا بلغت الحد الأقصى ينعدم الفائض، في هذه الحالة يتقارب الحد الأدنى والحد الأقصى للكتلة البشرية، لماذا؟ لأنهم بشر فعّالون، كلهم فعّالون، لا يُوجَد فائض عندنا، لكن يوم يصعد المُنحنى مع نقص الفعّالية يزداد الفائض باستمرار، إذن هنا بلغنا الحد الذي لا ينبغي أن نبلغه فنتوقَّف عنده، أي الحد الأقصى.
إذن التحدي هو: كيف نرفع فعّالية؟ هذا الموضوع طبعاً لا أُجيب عنه في خُطبة، لكن – كما قلت – السياسة التعليمية مُهِمة جداً أن تكون مُلتئمة ومُزدوِجة بالرؤية وبالمُخطَّط، تحدَّثت قُبيل قليل عن الكفاءة والفعّالية، قلنا الفعّالية إنجاز الشيئ الصحيح، وقد تكون غير كفوءة هذه الفعّالية، أما الكفاءة – بعضهم يقول الكفاية – فهي إنجاز الشيئ الصحيح بالطريقة الصحيحة، لذلك انتبهوا جيداً، الآن في علم الإدارة الغربي يُقال دائماً الفعّالية بهذا المعنى التفصيلي هي من شأن ومن اختصاص القادة، أما الكفاءة من اختصاص الإدارة، وهذا في صحيح، القائد دائماً ما الذي يُطلَب منه بدرجة أولى؟ هل يُطلَب منه أن يدلنا على الطرق التي نُنجِز بها الأشياء المطلوبة؟ لا، لا يُطلَب منه هذا أبداً، هذه الإدارة، القائد يُطلَب منه تحديد الأشياء المطلوبة، أي الرؤية Vision، يقول لنا ما المطلوب، أين نحن وأين ينبغي أن نصل وما الذي نُريده، بعد ذلك تأتي الإدارة، قيادات أُخرى غير القيادة ذات الرؤية تأتي لتُنجِز رؤية صاحب الرؤية، لتُنجِز الشيئ الصحيح لكن بأقل المغارم، بأقل التكلفة، بأقل الأثمان، العملية التعليمية كذلك، هناك مُخرَجات لكن قبل هذا تُوجَد مُدخَلات، إذا كانت المُخرَجات أكبر من المُدخَلات إذن تُوجَد كفاءة، إذا كانت المُخرَجات أقل من المُدخَلات إذن تُوجَد خسارة، لا تُوجَد كفاءة، فهذا المطلوب، القائد يُطلَب منه تحديد الرؤية، أي الرؤية الغائية، تحديد الغايات والهداف والمطلوبات الصحيحة، تأتي الإدارة لتُحدِّد كيف تُنجَز هذه الأشياء، أليس كذلك؟ هذا مُختلط لدينا تقريباً وبُليت هذه الأمة ببعض القيادات المُصابين بجنون العظمة، يظن أنه يستطيع أن يُنجِز كل شيئ، فيشتغل على مُستوى الفعّالية والكفاءة وكل شيئ يُعطيك إياه، وفي النهاية نحن مكانك سر، أي نُراوِح مكاننا، هذا غير صحيح، لابد من تقسيم العمل واحترام التخصصات، كل شيئ لابد أن يُسنَد إلى صاحبه.
التعليم العربي والتعليم الإسلامي عموماً فيه مُشكِلة كبيرة يا إخواني، في العموم طبعاً، هناك استثناءات مُمتازة الآن لكن في عمومه يُعاني من مُشكِلات ولا نقول مُعضِلات لأن المُشكِلات لها حل لكن المُعضِلات لا حل لها، فهو يُعاني من مُشكِلات يُمكِن أن تُحَل، لدينا كمية هائلة من الخرّيجين في ميدان مُعيَّن ثم نطرح السؤال الغلط: ما هي الوظائف التي يُمكِن أن تُسنَد إليهم؟ هذا غلط، مائة في المائة نفشل، تفشل المسيرة كلها ويفشل هؤلاء الأفراد، المساكين يضيعون، السؤال من البداية كان سؤال الرؤية والتخطيط: ما هي الوظائف المطلوبة في المُجتمَع؟ أليس كذلك؟ وبالتالي نضع في السياسة التعليمية ما يكفل وما يفي بإنجاز كوادر هذه الوظائف المُختلِفة، هذا هو، سياسة تعليمية مع تخطيط ومن ثم ننجح، كذلك تفعل كل الشعوب المُتقدِّمة، نحن لا نفعل هذا، وهذا يحتاج إلى إعادة نظر.
اليابان – وذكرت هذا في الخُطبة السابقة أيها الإخوة – مُعادَلتها ثمانون في المائة مُوجَّهة للتعليم الحرفي والمهني، أليس كذلك؟ العالم العربي إلى وقت قصير يا إخواني كان يغص بصنوف وألوان الحرف والمهن، كان يُوجَد صاحب الكار، أليس كذلك؟ حتى كانت عائلة كاملة تُنسَب إلى الكار، عائلة القزّاز وعائلة الدبّاغ وعائلة الخبّاز وعائة النجّار وعائلة الحدّاد، عائلات تُنسَب إلى الكار، وهذا كان مُهِماً جداً ويُشكِّل كفاية من نوع ما للمُجتمَع، لا نتحدَّث عن هذا، الآن تقريباً اندثرت وانقرضت الحرف في العالم العربي، وننتظر فقط الاستهلاك، نقوم بالاستيراد والاستهلاك، حتى أصبحنا عالة حقيقية، أمة مُعوَّقة، فالتعليم في اليابان ثمانون في المائة منه مهني وحرفي، مُمكِن بعد ذلك تخصيص حوالي عشرة في المائة للتعليم الفني، لماذا؟ لأن التعليم الفني هو الكفيل بتطوير المهنة والحرفة، طبعاً لابد منه إذن، لا نبقى عند حد مُعيَّن، لابد أن نُطوِّر أيضاً الحرف والمهن، ما الذي يكفل هذا؟ التعليم الفني، نحتاج عشرة في المائة من أولادنا – أبنائنا وبناتنا – لكي يتعلَّموا التعليم الفني، ماذا عن العلوم؟ العلوم نفسها – النظرية بالذات – تأخذ خمسة في المائة فقط، أصحاب القرائح الجيدة والأذكياء جداً يتوجَّهون إلى هذه العلوم لكي يُتابِعوا أحدث ما يُنتِج العالم ويُساهِموا في الإنتاج وبعد ذلك يضفروا هذه العلوم قدر المُستطاع بما يُبنى عليها من نتائج عملية، أي من تقنيات وتكنولوجيا، هذا ضروري جداً، يبقى خمسة في المائة من الأمة وهم مثلنا، الذين يشحذون الفعّالية، أعني الوعّاظ والخُطباء والمُفكِّرين وأهل النظر، فقط خمسة في المائة، وهذا كفاية، العالم العربي اليوم قلب المُعادَلة رأساً على عقب، تقريباً يُوشِك أن يكون مُعظَم مَن نرى وجوههم هم أصحاب شحذ الفاعلية، لكن شحذ الفاعلية – إلا ما رحم ربي منهم – للذبح، يُعلِّمك الواحد منهم كيف تذبح أخاك وكيف تكره أخاك وكيف تفتري وكيف تتهم وكيف تتآمر وكيف تُنفِّذ المُخطَّطات والمُؤامَرات على دينك وعلى أمتك، شيئ رهيب جداً.
الشيخ الغزالي من قديم – محمد الغزالي المُعاصِر رحمة الله عليه حكيم من حكماء عصره – كان يستغرب – وانظر إلى الفطرة وذكاء الفطرة – ويقول القرية فيها – نفترض مثلاً – ألف من الأنفار أو خمسمائة، لا تحتاج إلى أكثر من إمام واحد، إمام هو الذي يُصلي ويخطب ويُفتي، انتهى الأمر طبعاً، واحد فقط يكفي، لكن هذه القرية التي فيها خمسمائة تحتاج على الأقل إلى خمسة أطباء، طبيب عام وطبيب مُتخصِّص في الصدرية وطبيب مُتخصِّص في التوليد وطبيب مُتخصِّص في كذا وطبيب مُتخصِّص في كذا، وتحتاج إلى كم مُهندِس وإلى كم زبّال وإلى كم خبّاز وما إلى ذلك، لكن نحن فعلنا العكس، عندنا فقر في أشياء كثيرة وعندنا فائض في أهل الدين، في الكلام الديني الذي ساهم مُساهَمة مغلوطة ومُساهَمة سيئة في مُعظَمها طبعاً لأن هناك استثناءات مُمتازة نُقدِّرها ونحترمها بلا شك وهي إضافة إيجابية.
الموضوع للأسف طويل الذيول، مهما حاولت أن تأخذه من جوانبه يتفلَّت عليك، نكتفي بهذا القدر، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخُطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صَلَىَ الله – تعالى – عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
إخواني وأخواتي:
إذن نقاط باختصار قبل أن نُودِّع هذا المكان حتى تتكامل الفكرة في رؤوسنا:
* بالنسبة لنا كعالم عربي بالذات شبه مُستحيل أن يُنجِز أي منا إقلاعه الحضاري مُنفرِداً، إذن لا مناص ولا محيد – لا مخرج – من أن نتحد قدر المُستطاع، لا أعني أن نتحد بالطريقة التي في وهم بعض الناس بحيث يُوجَد زعيم واحد وما إلى ذلك، هذا كلام فارغ، فقط ينبغي أن نتحد، وأنت ترى الآن الاتحاد الأوروبي، ابحث عن مُسوِّغات ومُبرِّرات ودوافع الاتحاد الأوروبي، اعرف لماذا هو موجود، أوروبا أيضاً فعلت هذا، هذا له علاقة بالكُتلة وهو مدروس ومعروف، هذا كان أولاً.
* ثانياً نصيب كبير جداً جداً أيها الإخوة من المسئولية يُناط بجبين القيادات السياسية، لابد أن نقول هذا واضحاً لنا ولهم، لابد أن تكون السياسية واعية وذات رؤية.
* ثالثاً لابد أن تقوم زعامة حقيقية، الزعامة ليست أن تكون في الكرسي وأن تجمع الأموال وأن تُمارِس الضبط والرقابة والعقاب على الناس، ليس هذا، الزعامة أن تدخل التاريخ من باب وسيع، أن تُخلِّدك الأجيال، أن تبني لك نُصباً تذكارياً ليس في الساحة بأموال الجماهير وإنما في قلوبها وفي عقولها وفي ذاكرتها الجمعية، هذه هي الزعامة، فنُريد منهم أن يكونوا زُعماء حقيقيين، إذن لابد من إرادة سياسية للإقلاع الحضاري الحقيقي.
* هذا الإقلاع – وهذا رابعاً – لا يتم بالاستعارة ولا يتم بالاستهلاك ولا يتم بالشراء، لا يُمكِن، لن تُحقِّقوا هذا، واستفيدوا من تجرية اليابان والصين – ما شاء الله – الآن، إذن لابد أن نستزرع وأن نستنبت وأن نُوطِّن وأن نُبيّء هذه العلوم والتقنيات في بيئتنا العربية المُسلِمة، هذه هي المُعادَلة، المُعادَلة الاجتماعية مُهِمة جداً، لعلكم تذكرون يالمار شاخت Hjalmar Schacht، الدكتور يالمار شاخت Hjalmar Schacht الذي كان رئيس بنك الرايخ Reich في أيام مُستشارية هتلر Hitler، وأيام هتلر Hitler أيضاً كان هو وزير الاقتصاد، اقتصادي عظيم على مُستوى العالم، معروف يالمار Hjalmar، طبعاً حُوكِم في نيرنبرغ Nuremberg وحُكِمَ عليه بثماني سنوات ثم عُفيَ عنه، لا يُوجَد شيئ يُجرِّم الرجل، استضافته إندونيسيا في أوخر الأربعينيات – بعد الحرب العالمية الثانية طبعاً – ووضعت تحت يده كل شيئ، كل الإمكانات أعطته له، قالت له تفضَّل، نُريد أن تُقلِع بالاقتصاد الإندونيسي كما فعلت مع الاقتصاد الألماني أيام هتلر Hitler، قال لهم لا يهمكم شيئ، أنا لها، ولم يكن لها ولا ما يحزنون، فشل فشلاً ذريعاً، المُعادَلة التي اشتغلت مع الشعب الألماني لا تشتغل مع الشعب الإندونيسي، لذلك لابد أن يقوم بهذا أبناء كل بيئة، أبناء كل وطن، أبناء كل أمة مِمَن يعلمون، لأنك تتحدَّث عن نهضة وعن حضارة وعن إقلاع، هذه المسألة ليست مسألة فقط علوم وحرف وتقنيات، شيئ أوسع من هذا بكثير وأعمق من هذا بكثير، إذن لابد أن نتعلَّم هذا الدرس.
* أخيراً – كما قلت – نحن لا نُريد فقط حضارة بمعنى المدنية وبمعنى الآليات والتقنيات وحتى العلوم البحتة والتطبيقية، نُريد هذا زائداً أو إضافةً إلى حضارة الروح والقيم والإنسانية والأخلاق الحقة لكي نكون نبراساً للغير، وهكذا – بإذن الله تبارك وتعالى – نكسب الدنيا والآخرة فنسعد هنا وهناك.
اللهم اجعلنا من المسعودين المُوفَّقين برحمتك يا أرحم الراحمين، علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزِدنا علماً.
نعوذ بالله من علمٍ لا ينفع وقلبٍ لا يخشع وعينٍ لا تدمع ونفسٍ لا تشبع، اللهم اهدنا فيمَن هديت وعافنا فيمَن عافيت وتولنا فيمَن توليت وبارك لنا في كل ما أعطيت برحمتك يا أرحم الراحمين، رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ۩، اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، وأقِم الصلاة.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

17/2/2017

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليق 1

اترك رد

  • احسنت وانا احترمك كثير دكتور عدنان ؟ عندي سؤال ؟الاختلاف بين علماء العرب والمسلمين ماهو ؟ نفرض ان عالم قال الارض تدور حول الشمس وقال عالم اخر ان الشمس تدور حول الارض ؟ هنا تبدى المشكله فكل عالم يريد ان يكون هو على حق بالرغم انهم علماء عرب مسلمين فهم لم يتفقو بينهم على علمهم بالرغم ان العلم ليس ملك احد فهو من عند الله وكل ما تعلم الانسان وعلم فالعلم الذي حصل عليه قليل بمعنى نسبه العلم الذي اتانا الله بها من صفر الى رقم واحد بهذه المسافه اما من رقم 1 الى مالا نهايه فهذا في علم الله فمهما تعلم الانسان عرف الحقائق لا يتكبر على احد ولا يتعرض على علم احد فالعلم هو كله من عند الله سوى العالم الاول او العالم الثا ني ؟ انا اقول لك موضوع مهم جدا العالم الذي يقول ان مركز الكون هو الشمس فكلامه صحيح والذي يقول ان مركز الكون هيا الارض فكلامه صحيح ؟وانا استطيع ان اثبت هذه النضريه ليس فخرا كي اكون عالم ولكن لكي يستفيدو الناس من العلم ويعرفون لماذا يحتكون العلماء بينهم البين بنضريه السفن تن الذي اكتشفتوها من القران في ايه (وجعلنا الليل والنهار ايتين ) فاستطعتو ان اضع قوانين جديده في الفيزيا واستطعتو ان اكتشف الاخطاء في نضريه فيثاغورس للمثلثات وماذا تعني المثلثات بالرغم انني شاب مضى من حركه عمري 29 سنه ولم ادرس في اي جامعه او اتخرج من اي معهد او احصل على درجات ما جستير او برفسورت فقط ثانويه عامه استطعتو ان اعرف ماهيا الثا نيه وما هو الزمن واضع قوانين جديده في الفيزيا والرياضيات والهندسه والكيميا ؟ واستطعتو ان اصل الى الكون والى حقيقه الهرم ؟والى سر الساعه ؟ولكن ربي لما انزلت الي من خير فقير ؟لا املك ريال واحد فالحمد لله فهذا رزقي رزقني الله واعطاني العلم بدل المال فانا لدي علم يعادل العالم ؟

%d مدونون معجبون بهذه: