إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمدُهُ ونَسْتَعينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، و أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سيدنا ونَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَصَفْوَتُهُ مِنْ خلقهِ وأمينهُ على وحيهِ، صَلَّى اللَّهُ – تعالى – عَلَيْهِ وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته المباركين الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ.

عباد الله:

 أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أُحذِّركم وأُحذِّر نفسي من عصيانه ومُخالَفة أمره لقوله سبحانه وتعالى من قائل:

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ۩

ثم أما بعد: 

 

 أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الإخوات المسلمات الفاضلات، يقول الله – سبحانه وتعالى – في كتابه الكريم بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ  ۩ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ  ۩ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ  ۩ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ  ۩ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ  ۩ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ  ۩ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ  ۩ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ  ۩ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ  ۩ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ  ۩ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ  ۩ 

صدق الله العظيم وبلَّغ رسوله الكريم ونحن على ذلكم من الشاهدين، اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين اللهم آمين.
أيها الإخوة الأحباب، أيتها الإخوات الفاضلات:

يبدو أن القَصص القرآني أو القِصص القرآنية تقع في قلب مسائل الاعتقاد والإيمان، وقد يجري تصويرها من بعضٍ على أنها حكايا ومواعظ، وحين نُطلِق كلمة موعظة أو مواعظ يتبادر إلى الذهن – وهذا هو المعنى السائد – معلوماتٌ لا تتسم بالصرامة العلمية أو الدقة الفلسفية تُعطى للتذكير ولإنعاش الإيمان ولو وقتياً، فهذا هو معنى الوعظ في ذهن الناس، بمعنى أن الوعظ ينحل في النهاية إلى معلومات ما رخوة وليست صُلبة – إن جاز التعبير – في مُقابِل التفكير العلمي أو العقلي أو حتى التأصيلي الديني الذي يقوم على أُسس متينة ومُحكَمة، فهذا هو الوعظ إذن، وهذا التصوّر إن وقع فهو باطلٌ مبتدأً ومُنتهىً، فالقصِص القرآنية تقع في قلب مسائل العقيدة، إذن ليس من زاوية الوعظ ولكن من زاوية الاختبار، إنها تُحدِّثنا عن خبرات وتجارب أُناس بأعيانهم، ولكن ماذا نُفيد نحن من هذه التجارب وهى تجارب الآخرين ليست تجاربنا؟!
هذه مُجرَّد إشارة أو رسم لطريق أو نهج لطريق لكي نقوم نحن بدورنا أيضاً بالاختبار، ولا مناص مِن أن نقوم به بشكلٍ أو بآخر أو بصورةٍ أو بأخرى، وفيما عدا ذلك من الصعب جداً أن يُقال إن هذه القِصص مُفيدة ويُمكِن أن نعود منها بشيئ.

قال عز من قائل وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ  ۩، فالله قال مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۩ومن هنا جرت عادة السادة المُفسِّرين على القول “إن هذه الحكايا والقِصص إنما ترد وتأتي تسليةً لرسول الله وتعزيةً لرسول الله، أي تأتي عزاءً له”، وهذا التعبير دقيق، إنها ليست موعظةً  بالمعنى السائد وإنما موعظة بالمعنى الرباني، والوعظ بالمعنى الرباني غير الوعظ بالمعنى السائد في ذهن الناس – معلومات رخوة تُقال للإنعاش الوقتي، فيتأثَّر والناس ويبكون ثم يعودون ولا يبقى أبداً أي أثر ولا أي شيئ للأسف الشديد – لأنها تعزية، والتعزية بداهةً لا تكون إلا للمُصاب، إذن هى تلتقي مع الخبرة، لذلك علينا أن ننتبه إلى أنها تتحدَّث عن خبرة مُختبَرين فتأتي تصميداً وتعزيزاً وتقويةً أيضاً لمُختبَرين آخرين، إنهم يمرون تقريباً بالتجارب المُشابِهة إن لم يكن بالتجارب عينها أو ذواتها ولذلك هى تعزية، كأنها تقول لك “لست أول مَن أُصيب، لست أول مَن فُتِن، لست أول مَن امتُحِن”، فهى تتحدَّث عن مُمتحَن وعن مُصاب وعن مَن يحتاج إلى تسلية وعن مَن يحتاج إلى تعزية، إذن هى بداهةً لا تُعزي أمثالنا من الوارثين أو المُترَفين القاعدين في ظلال النعم طبعاً، وإلا عن ماذا تُعزي؟!

إذن هى تقع في قلب مسائل الإيمان والاعتقاد ولكن من زاوية الاختبار لا من زاوية المواعظ والمعلومات الجاهزة الناجزة، ولذلك حين يمتحن الإنسان نجاعتها في الوقت المُناسِب حين يُختبَر سيجد أنها أكثر من ناجعة، وطبعاً فرقٌ كبير بين أن نعظ غيرنا بالصبر وبين أن نصبر حين نُبتلى، فأن نعظ غيرنا بالصبر ونأمرهم بالصبر ونصبر كلاماً بالنيابة عنهم عملية سهلة يقوم بها أي أحد صبوراً كان أم جزوعاً، لكن أن يصبر حين ينبغي عليه أن يصبر هذا ما يفشل فيه بعض الناس وينجح فيه بعضٌ آخرون.
تحدَّثت لإخواني قبل ليال في درس التفسير أو دروس التفسير عن تجربة عجيبة جداً حقيقةً لأنها لافتة وصادمة جداً وهى من تجارب الهولوكوست  Holocaust أو المحرقة النازية المشهورة في أوائل وأواسط الخمسينيات، أي في العقد الخامس من القرن العشرين المُنصرِم، حيث وُجِدَ جماعة من اليهود يقودهم حاخام أو رابٍ – العالم الخاص بهم – في أحد مُعسكَرات النازيين وطبعاً كانوا يرون كل يوم المصائب والبلايا والقتل والحرق وغير هذا من الأشياء التي لا تُحتمَل بالنسبة إليهم، وكانوا ينتظرون دورهم واحداً إثر واحد، ويبدو أنه تملَّكهم الجزع وحاصرهم اليأس فتهشَّشت قدرتهم وضعُفَت مُقاوَمتهم، فأعلنوا وعلى رأسهم هذا الحاخام أننا – ونعوذ بالله من زلات اللسان – سنُدخِل الله في اختبار، وقالوا “هذه المرة نحن سنختبره
، وبدأوا في الكفر الآن والتجديف على الله وفي وجه  – أستغفر الله العظيم – كما يقولون في لغة الكتاب المُقدَّس، فقالوا “سنُدخِله الآن في اختبار، ليس له الحق وحده أن يختبرنا، فنحن سنختبره”، ولكن ما هذا الاختبار؟!

هذا ليس اختبار مجانين لأن يبدو أنه اختبار عاقل إلى حدٍ ما وعنده وجاهة فلسفية، على الأقل هناك وجاهة لطرح السؤال من خلال أو من رحم المُعاناة، فقالوا: هل هو موجود أو غير موجود؟ هل يُوجَد أو لا يُوجَد؟
وهذا سؤال كلي وجزمي عن وجود الله نفسه، وليس الآن السؤال عن الشريعة وعن التوراة وكتب موسى، وإنما عن وجود الله كإله حاكم في هذا الكون، فهل هو موجود أم غير موجود؟ ثم قالوا “لأنه إذا كان موجوداً فلماذا يرضى بكل هذا العار وبكل هذا الشر وبكل هذه الآلام والعذابات والمرائر؟ فإن كل موجوداً ويرضى وهو قادر على ألا تكون فهو شرير ويُحِب الشر ويُتيح الفرصة للأشرار أن يفعلوا ما يشاءون، فيتحكَّم هؤلاء النازيون طبعاً في الكون، وإن كان موجوداً ويرى هذه العذابات والشرور ولا يستطيع درءها  فهو عاجز، وفي كلتا الحالتين هو ليس إلهاً ، فالشرير لا يكون إلهاً والعاجز لا يكون إلهاً” وهذا صحيح، الشرير لا يكون إلهاً والعاجز ليس إلهاً، فالشيطان ليس إلهاً والعاجز منا ونحن بنو البشر عجزة ولسنا إلهة، ثم قالوا “سنُعطيه آخر فرصة في هذه التجربة في هذه الليلة، لأن  بعد قليل سيُقاد أُناس إلى المحرقة وإلى غرف الغاز، فسوف نرى إن كان قادراً على أن يمنع أو يُريد أن يمنع ما يحدث أم أنه غير قادر ولا يُريد هذا، وسوف نُعلِن عن موقفنا”،ومرت ساعة وساعاتان وثلاث ولم يحصل شيئ، فذُبِحَ مَن ذُبِحَ وقُتِلَ مَن قُتِلَ وأُخِذَ مَن اُخِذ، وهكذا لدى المساء قام الحاخام ومعه المجموعة وقال “لقد أعلنا نتيجة الاختبار، وهى أنه غير موجود، هو أكذوبة، هذا وهم كبير إسمه الله”، ثم بعد ثوانٍ قال لهم “وأما موعد الصلاة المسائية التالية فهو في الوقت الفلاني، لأننا سنُصلي في الوقت الفلاني”، وطبعاً هنا يُصطَدم شعور الإنسان ونُصدَم حين نسمع هذا أو نقرأه، فهذا عجيب، كيف هو غير موجود وأنت الآن تُعلِن عن الصلاة؟ ولكن هذا درسٌ بليغ جداً جداً جداً، فخاتمة القصة رائعة جداً، نعم بدايتها حماقة وتجديف ولكن خاتمتها شيئ رائع بكل المقاييس، لأن هذا الحاخام وبلا شك كان هنا فيلسوفاً مُحِقاً  لأنه كان يُريد أن يقول لنا أو يُمرِّر لنا رسالة تُفيد بأن المُحاجَة العقلية المنطقية الحسابية حول الله وما يتعلَّق بالله ووجوده وعدالته وخيريته وقدرته وإلى آخره أمر يذهب ويجيء، فالحاجة إلى معنى نُضيفه ونضفيه ونُسقِطه على حياتنا ووجودنا وعلى كوارثنا ومصائبنا ومآسينا وعلى هذا الكون حاجة دائمة ولا تجد تلبيةً لها ولا جواباً عنها خارج الصيغة الدينية وخارج التعبد لإله حتى وإن كان وهماً، وهذا الشيئ رائع، فكيف إذا كان هذا الإله هو حقيقة الحقائق  بل هو الحق المُطلَق – لا إله إلا هو- وحده؟! 

يُمكِن أن يكون كل شيئ وهماً ونحن الآن يُمكِن أن نكون وهماً، لكن أن يكون هو وهماً هذا أمر غير مُمكِن بالمرة، فهو الحق لا إله إلا هو، ولذلك من أسمائه الحق، فهو الشيئ الثابت في ذاته، فسواء أدركته أم لم تُدرِكه وسواء آمنت به أو جدَّفت عليه وكفرت هذا لا يضيره شيئاً ويبقى هو الحق ويبقى هو المُسيِّر لهذا الكون المُتصرِّف فيه لا إله إلا هو.
وأعود إلى مُقدِّمة خُطبة اليوم، فالقِصص والحكايا القرآنية تقع في قلب الاعتقاد إذن، وهذا يُثبِت لنا ذلك تماماً، ولكن لماذا؟!

تساءلت: هذا الحاخام وأمثاله ألم يقرأوا أو يسمعوا – مثلاً – بقصة أصحاب الأخدود الذين اُحرِقوا ولكن في محرقة حقيقية؟ فيبدو أن أولى المحارق العقدية هى محرقة أصحاب الأخدود وليست محارق النازيين، فهى محرقة حقيقية تمت في أخدود عظيم من نار تأجَّج وكان يُقذَف فيه الناس والصبيان والأطفال والشيوخ، فيتضوَّرون ويتضاغون ويصرخون ثم تختفي الصرخات في الموت اللاهب المُحترِق، وهذه المحرقة القرآن قصَّها ولم يقل الله أنه منعها بل أن القرآن قال “سمحتُ بها”، والقرآن حدَّثنا عن مذبحة البرءاء الأولى كما أُسميها أنا وليست مذبحة الأطفال في بيت لحم على يد هيرودس Herod وإنما مذبحة أطفال بني إسرائيل في مصر، قال الله يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ ۩، فهناك الألوف إن لم يكن عشرات الألوف من الأطفال الذين قُتِلوا وذُبِحوا، والله يقص هذا والكتاب المُقدَّس يحكي هذا، إذن هذه العذابات تحدث باستمرار.

أقل من هذا إلى حدٍ ما – لكنه أيضاً امتحان ضاغط وصعب جداً – قصة أيوب عليه السلام، هذا النبي الصدّيق أو الصدّيق النبي الذي إذا ذُكِر يُذكَر الصبر والاحتمال والإيمان والتسليم كان عجيب الشأن، قال الله وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ ۩، فهو من الأوابين الصابرين، وقصته في القرآن الكريم مُختصَرة جداً، حيث اختصرها الله في بضع آي في سورتي الأنبياء وص  وإن ذُكِر إسمه كإسم فقط في سور أخر، ولكنها قصة مُختصَرة في حين أنها في الكتاب المُقدَّس – العهد القديم – مُفصَّلة جداً، فهناك سفرٌ بحياله عنها، ومن الجيد أن يقرأه الإنسان بتمعن ولكن لابد أن يكون خبيراً بلغة الكتاب المُقدِّس لأنها قد تُضلِّله، وللأسف الترجمة العربية للكتاب المُقدَّس ترجمة رديئة جداً وغير دقيقة، يعني أحياناً – مثلاً – يذكرون “مُت وخلِّص نفسك، بارك إسم الله”، ففي العبرية القديمة “بارك إسم الله” لا تعني المُبارَكة، وهنا قالت زوجته “بارك إسم الله لكي تموت” بمعنى العن وجدِّف على إسم الله، لأن البركة في اللغة العبرية القديمة تعني معنيين مُتضادين والسياق يُؤكِّد ذلك، فيأتي الآن القاريء منا بالذات الذي لا يعرف ويقرأ هذا فلا يفهم، ولكن هذا هو المقصود وهو جدِّف على إسم الله، وهذا ربما كان ذنب زوجته، على كل حال أنا لن أشرح الآيات القرآنية لأنها معروفة وتقريباً كلنا سمعنا شرحها وتفسيرها، ولكن أنا سأعود إلى السياق الأوسع مع تعليقات لنا كمسلمين على بعض فقرات هذا السياق، والسياق الأوسع في العهد القديم من سفر أيوب.

 أنا مُتعَب فاعذروني قليلاً، لكن طبعاً أيوب – عليه السلام – هو من نسل إبراهيم ولكن ليس من فرع يعقوب وإنما من فرع إسحاق، يعقوب هو أبو الأسباط الاثني عشر المعروفين ومنهم جاء أنبياء بني إسرائيل أو مُعظمهم على الإطلاق تقريباً،
أما أيوب فهو من فرع إسحاق، فإسحاق – عليه السلام – أنجب يعقوب، ويعقوب أنجب الإثني عشر، وإسحاق أنجب أيضاً عيصو أو عيسو، فأيوب هو حفيد أو أحد حفدة عيصو، أي أنه ليس حفيداً ليعقوب وإنما هو حفيد لعيصو، لأن يعقوب طبعاً وعيصو كلاهما ابنا إسحاق ابن إبراهيم عليهم السلام.

قال تبارك وتعالى مُؤكِّداً هذه الحقيقة وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِوالحديث عن إبراهيم وليس عن نوح كما يعني أكَّد المُفسِّرون، فالسياق القرآني يُؤكِّد هذا في الأنعام – دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ ۩، أي مِن ذُرية إبراهيم ولكن عن طريق مَن؟!

عن طريق إسحاق وعيصو ثم بعد ذلك يأتي الأب الأول فيأتي أيوب عليه السلام، إذن هو من ذُرية الأنبياء، فهو من ذُرية إبراهيم لأن إبراهيم هو جده الثالث، عليهم الصلوات والتسليمات أجمعين.

يبدأ سفر أيوب بذكر أنه كان أجل رجل بلد بالمشرق وكان يتوطَّن بلدة عوص، وبلدة عوص كانت مُنفصِّلة عن فلسطين في ذلك الوقت، وكانت تقع في شمالي شرق مصر وهى من بلاد الأدوميين، فكان أيوب يقطن بلدة عوص وله مالٌ كثير، وكان له ثلاثة آلاف رأس غنم وألف جمل وخمسمائة بقرة – هكذا يُحدِّدها سفر أيوب – وخمسمائة من الأُتن أو خمسمائة أتان – وهى أُنثى الحمار أعزكم الله – وعُبدانٌ – أي عبيد – كثيرون وخدم، فكان واسع الثراء إذن.

أما من الولد فقد منّ الله – تبارك وتعالى – عليه فرزقه سبعة من الذكور وثلاثاً من الإناث، فأولاده جميعاً عشرة، وكان له زوجة طيبة يُقال إنها من نسل لوط ويُقال غير ذلك، ويُقال إنها من نسل يعقوب وأمه من نسل لوط، فهناك أقاويل مُختلِطة وهى لا تهمنا كثيراً، ولكنها زوجة صالحة وطيبة، فأولدها  كل هؤلاء الأولاد المُبارَكين الصالحين، وكانوا يعيشون في صفاء ووئام من غير تغاير ومن غير تحاسد بدليل ما ذكره السفر من أنهم اعتادوا أن يُولِموا لبعضهم البعض، فيبدو أن السبعة الذكور كانوا يعقدون سبع ولائم في السنة أو في العام، أي بمُعدَّل وليمة تقريباً كل أربعين يوم وهكذا، وكان يحضرها سائر الإخوة عند هذا الأخ المُولِم فيأكلون ويشربون في صفاء وفي وئام.

وكان من عادة أيوب النبي الشاكر – بدأ شاكراً وانتهى صابراً عليه السلام – أنه بعد أن تنتهي الولائم – أي في آخر العام – يُضحّي عن أولاده جميعاً – عن عشرة أولاده – ويُقرِّب القرابين، لماذا؟!

كان يفعل ذلك خشية أن يكون بدر من أحد أولاده – أبنائه وبناته – كلمة تُغضِب الرب تبارك وتعالى، كأن يكون بدر منه كلمة في غير محلها أو كلمة تعني كفر النعمة أو الاستهزاء أو غير ذلك، فيُضحّي ويُقرِّب عنهم ليغفر الله للجميع ولتتم النعمة، فهكذا كان أيوب!
يذكر السفر أن الملائكة الذين يُسميهم بني الله أو أبناء الله – وهذا هو أصل الاختلاط الذي تطرَّق إلى المسيحية، وحتى الكتاب المُقدَّس القديم وهو كتاب توحيدي كما هو مشهور بيننا أي التوراة وكتب موسى وأسفار العهد القديم كان موجود فيه هذه التعابير، فكان يُوجَد تعبير أبناء الله، وعندنا في الإسلام نقول الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ،فهذا موجود ولا بأس به لكن الانتقال من المجاز إلى الحقيقة هو الذي أوقعنا في التثليث وفي الاختلاط العظيم الذي وقعت فيه المسيحية، فبنو الله هم الملائكة بمعنى عباد الله، فهذه لغات ومجازات إذن – صعدوا إلى الله واندس الشيطان – والله طبعاً عليم ويرى كل شيئ ورأى الشيطان – بينهم لعنة الله تعالى عليه، فسألهم عن أيوب وتوجَّه إلى الشيطان بالذات من أين جئت؟!

 يقول السفر “جاء بعد أن شاط في الأرض”، وفي بعض الترجمات “جال جولاناً”،ولذلك إسمه شيطان لأنه بعيد الشوط  فيطوف الأرض كلها – لعنة الله تعالى عليه – بسرعة ربما في سويعات يسيرة، فقال له الرب هل رأيت عبدي أيوب؟! ومعنى الكلام أن عبدي لا مثيل له في الأرض، فعبدي مُستقيمٌ ولا يحيد، بل يقوم بمرضاتي ويسعى في ما أُريد ولا يحيد، فقال له إبليس: ما العجب في ذلك؟ وهذا  المنطق فعلاً صحيح وسليم، وقد يحصل إلى اليوم أن يقول بعضنا: ما العجب في هذا؟ لماذا لا يشكر الله ولا يعبد  الله وقد أوسع عليه من كل شيئ، فهو له زوجة وأولاد وأموال وهو أجل رجل في المشرق وذلك بعد أن أغناه وأعرضه جاهاً وأوسعه ثراءً؟ فلماذا لا يشكر ولا يعبد الله؟ فالشيطان قال هذا وهذا شيئ طبيعي جداً جداً، ولكن الشيطان دخل الآن في مُراهَنة إن جاز التعبير وقال للرب “لكن مد يدك ومسه في ما له – أي أصبه بمصائب في أمواله أو في أهله أو في أولاده – وانظر بعد ذلك كيف يُجدِّف في وجهك”، أي أنه سيكفر وسيُلحِد كما كفر هؤلاء اليهود في في مخيمات النازي عندما قال الحاخام “الله غير موجود”. 

بين أيوب – عليه السلام – مُتعبِّداً الله – تبارك وتعالى – في محرابه ساجداً قائماً راكعاً شاكراً داعياً إذ دخل عليه أحد رجاله وهو يصيح ويصرخ “مُصيبة يا سيدي، جئتك بخبر سيء جداً يا سيدي سامحني، أنا الناجي الوحيد، لقد جاء السبئيون – رجال أصلهم من سبأ – وضربوا الغلمان ولم ينج إلا أنا، قتلوهم واستاقوا البقر والأُتن – أي أخذوا الأبقار وأخذوا الأُتن – وكل شيئ انتهى”، فقالإِنَّا لِلّهِ ۩”وسلَّم، لكن
لم يكد هذا الرجل يُتِم رسالته المصائبية حتى دخل آخر في نفس الحالة وهو يصيح ويصرخ “يا سيدي، يا سيدي نار عظيمة نزلت من السماء أحاطت بالمكان فأحرقت الأغنام من عند آخرها والغلمان ولم يبق إلا أنا لكي أُخبِرك هذا الخبر فسامحني”،مُباشَرةً سلَّم، وهذا الابتلاء سريع، فهو ليس في وقت مُتمادٍ وإنما سريع، ولعله كان كذلك،الله أعلم بالحقيقة.

ثم جاء الثالث يتحدَّث كيف أن الكلدانيين جاءوا ووزَّعوا أنفسهم في  أفراق – أي فرقاً – واستاقوا الجمال وقتلوا الحرّاس ولم ينج إلا المُخبِر، غراب السوء كما يقولون، ولكن أيوب كان يحتمل هذا إلى الآن، ويقول “ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ۩، الحمد لله كل حال”، حتى جاء الرابع بالنبأ الوجيع الفاجع وقال “يا سيدي، يا سيدي ريحٌ جاءت من جهة الشرق أحاطت بالمنزل من أربع زواياه – تقسَّمت هذه الريح وأحاطت بالمنزل – فتداعى المنزل كله وقضى أولادك العشرة”، فقد كانوا في مأدبة لأحدهم عند كبيرهم –  وهذه أول المآدب في أول السنة – وقضى العشرة، وهذا طبعاً صحيح لقوله تعالى وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ ۩، فلقد قضى أهله جميعاً إلا امرأته، فمات الأولاد العشرة أو العشرة الأولاد!

يقول سفر أيوب “فجزَّ شعره وشق ثوبه وحزن حزناً عظيماً ولكنه سجد مُباشَرةً”، فلم يكفر ولم يتكلَّم كلمة بحق إسم الرب – تبارك وتعالى – مما لا يرضى الله، ويُؤكِّد السفر هذا وهذا صحيح، فهذا نبي ولكنه جزَّ شعره ومزَّق ثوبه لأنه كان يُعبِّر عن ألمه، ثم سجد وقال مُنادياً ربه “عُرياناً من رحم أمي خرجت وعُرياناً إليها –  يُريد إلى أمه الحقيقة الأرض، وفعلاً نموت هكذا بالقطن والكفن – أعود، الرب أعطى والرب أخذ ليتبارك اسم الرب”، الله أكبر، فهذا تسليم كامل حيث سلَّم – عليه السلام – وقال هذا أمر الله وهذا شأن الله، فهو الذي أعطى وهو الذي سلب، وانتهى كل شيئ، وسلَّم لله في حزنه العظيم جداً، وزوجته طبعاً كانت عنده لتواسيه، وهى أيضاً مكلومة ومجروحة ومكروثة وربما أكثر منه وأزيد منه بأولادها وبفلذات كبدها وبثمرات رحمها العشرة، فالعشرة لم يبق منهم أي أحد.

وتصعد الملائكة إلى الله – تبارك وتعالى – ومعهم الشيطان، والله يقول له: ألم تجد؟ ألم تر كيف؟ هذا عبدي أيوب الذي راهنتُ عليه أنا الرب، هو هذا فقد صبر، وهذا يعبدني لأنني أستحق العبادة بل لأنه يُحِبني حُباً صادقاً، فهو ليس عبد الإحسان فقط وإنما عبد الامتحان أيضاً، وهو يعلم أن الكل لي، قال إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ  ۩،الرب أعطى والرب أخذ، وانتهى كل شيئ، فهو سلَّم لأن عنده إيمان، فقال إبليس لعنة الله عليه “جلدٌ بجلد – وهذا تعبير سفر أيوب، ويقصد بقوله جلدٌ بجلد أن هذه الأشياء تُحتمَل، فالأولاد ذهبوا وسوف يأتي غيرهم فيما بعد، لأنه يستطيع أن يتزوَّج زوجة صغيرة ويُولِدها ويأتي بالأولاد، وكذلك الأموال ذهبت وسوف تأتي أموال غيرها، فهذا هو معنى جلدٌ بجلد – ولكن مُد يدك ومسه في لحمه وعظمه”، فالإنسان ما لم يُصَب في نفسه وفي عافيته وفي بدنه فإنه يحتمل، وهذا منطق إبليس، وهذا المنطق غير إنساني لذلك هو منطق إبليسي وهو لا ئق جداً بإبليس، فبالعكس الإنسان يتمنى أن يموت – ليس فقط أن يُصاب – ولا يرى مُصابه في ولده، ولكن هذا منطق إبليس ومنطق الأبالسة من البشر، وهذا أذكرني بقصة لطيفة اتفقت للأستاذ العملاق عباس العقاد – رحمة الله عليه – حين أراد أحد الماسونيين مرة أن يُناقِشه، فقال هل أنا اُناقِش هذا الحمار؟ والعقاد كان قوياً وصعباً فقال أنه حيوان من الحيوانات، فقالوا أن هذا ليس أسلوباً للحوار، فقال على كل حال ائتوني به وسأُثبِت لكم أنه حيوان، فلكي يُصبِح ماسونياً هو قطعاً حيوان، وجاء هذا الماسوني والعقاد يعرف لماذا أصبح ماسونياً، لأنه كان يطلب السُلطة ويطلب الجاه والعزة على الناس، فهكذا هم ينتمون إلى مُنظِّمات لا يعلمون حقيقتها من أجل أن يتسيَّدوا ويتفضَّلوا على أهل بلدهم، فالعقاد – رحمة الله عليه – كان يعرف منطقهم، وهو الذي كتب في المذاهب الهدَّامة طبعاً أكثر من كتاب، فقال العقاد له قبل أن ندخل في النقاش أُريد أن أسألك سؤالاً، فقال ما هو؟ قال مثلاً لو أعطيناك كذا وكذا من المال هل يُمكِن أن تتخلّى عن أولادك؟ فقال لا، فزاد في المبلغ المدفوع وقال له لو أعطيناك كذا وكذا من المال – مبلغ هائل جداً جداً – هل يُمكِن أن تتخلّى عن أولادك؟ فقال مُمكِن أُفكِّر، فقال العقاد أعرف أنك تفعل لأنك حمار، ولذلك أنا لا نقاش لي معك، فأنت لست إنساناً أصلاً.

وطبعاً الذي يفتقر إلى هذه المشاعر ليس إنساناً، وإنما هو إبليس في شكل إنسان، فهذا المنطق يصح فقط من إبليس، فلا يكفي إنه ابتُليَ في أولاده فصبر بل يجب أن يكون الرهان على نفسه، وأنا أقول لكم أن من هنا نجح أيوب، فأيوب الآن جاوز الامتحان بنجاح بالعلامة النهائية، ولكن إبليس لم يفهم هذا لأنه ليس إنساناً مثلنا، ونحن البشر لدينا عواطف إنسانية وإبليس لا يفهمها ولا يستطيع أن يفهمها، فهذا غير مُتاح له، ولذلك قال له “مُد يدك ومسه في لحمه وعظمه وسترى كيف يُجدِّف في وجهك”، أي كيف يكفر ويُجاهِرك بالكفر، وهكذا أذِن الله لإبليس أن يفعل، فخرج من الحضرة الإلهية وأصاب أيوب بقرحٍ من هامته إلى أخمص قدمه – هكذا تقول التوراة – حتى عافه الناس، فأقرب الناس إليه عافوه وتركوه، وبقيت زوجه الحنون الوفية الصابرة تعوله وتمونه، فكانت مُنشغِلة به ليل نهار.

يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – في الحديث الذي أخرجه ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم من رواية أنس بن مالك – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -بقيَ أيوب في البلاء ثماني عشرة سنة حتى عافه الناس كلهم إلا صديقين كانا من أخلص أهل وده وأصحابه – لم يعافاه وظلا يتردَّدان عليه – فقال أحدهما – وهو من أعز الأصدقاء وأعرف الناس بأيوب وبطبعه وباستقامته ودينه – يوماً إن الله – تبارك وتعالى – ما ابتلاه إلا من ذنبٍ عظيم ألمَّ به، أي أنه من المُؤكَّد اقترف ذنباً لا يعمله أحد من العالمين لذا ابتلاه الله لمدة تصل إلى ثماني عشر سنة، فأنكر الآخر هذا وقال لم تقول هذا؟ وما ذاك؟ فقال لقد لبث ثماني عشرة سنة لم يرحمه ربه ولم يكشف عنه ما به، وهذا العذاب أليم فقطعاً هذا يكون جزاءً له على ذنبٍ اقترفه، علماً بأن مُعظم الناس تُفكِّر بهذه العقلية الاتهامية غير البريئة التي أيضاً تعكس تجربة إيمانية مُجهَضة غير مُكتمِلة وغير ناضجة، فتجربة هؤلاء الذين يتكلَّمون بهذا المنطق تجربة غير كاملة وتجربة سيئة ومُجهَضة وطفولية.

يقول – عليه الصلاة والسلام – فدخلا عليه فلم يصبر الذي أنكر أن قال له يا نبي الله لقد قال أخوك هذا فيك كذا كذا كذا، أي أن الرجل تأثَّم وشعر كأنهما وقعا في إثم فقال له هذا قال كذا كذا كذا، فقال أيوب – عليه السلام – ما أدري ما تقولان – أي أنه لا يعرف هذا المنطق الذين يتحدَّثون عنه – غير أني كنتُ أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران إسم الله – أي حلفاً، كأن يحلف أحدهم قائلاً والله أو والله العظيم – فأعود إلى بيتي – وانظروا مبلغ تُقى وورع وإجلال وتوقير إيوب لرب العزة لا إله إلا هو، هذا شيئ عجيب فعلاً، هذا عبد فعلاً يُباهي به الله الملائكة والشياطين، فهو عبد عجيب لا يُوجَد مثيل له، ولذا قال الله إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ ۩ – فأُضحّي وأُقرِّب وأُكفِّر عنهما خشية أن يكونا ذكرا إسم الله بغير حق”، أي أنه كان يخاف أن يكون أحدهما كان كاذباً وقال “والله” وهو غير صادق لأن إسم الله لا يُحلَف به إلا صادقاً، فإسم الله لا يُذكَر إلا في سياق الحق والحقيقة، وهذا شيئ عجيب!
وذُكِرَ عنه في خبر آخر – وهذا من أدبيات المسلمين – أنه – عليه السلام – حين اتُهِمَ دافع عن نفسه أو دفع عن نفسه بقوله “الله – عز وجل – وحده أعلم إن كنت أعلم أحداً يبيتُ جائعاً وأبيتُ أنا شبعان”، أي أن هذا لم يحصل ولو لمرة واحدة، يُريد أن يقول “نعم أنا أغنى الناس ولكن لم يحصل أنني أكلت وبت شبعان وأنا أعلم أن هناك جائعاً واحداً”، فانظر إلى حجم التقى، فهذا الرجل – عليه السلام – كان شاكراً للنعمة، ثم قال “الله وحده يعلم إن كان لي قميصان وأحدٌ يبيتُ عارياً”، أي أن هذا لم يحصل ولا يُمكِن أن يقع، لأنني مُباشَرةً أنزع قميصي وأُعطيه لهذا العاري، أما أن يكون لي قيمصان وأحدٌ عارٍ فهذا لم يحدث مرة واحدة في حياتي، فهو كان يدفع عن نفسه هنا، وفي سفر أيوب أيضاً – من أسفار العهد القديم – كان يدفع عن نفسه بمنطق آخر جميل أيضاً قائلاً “هو يعلم طريقي – الرب لا إله إلا هو يعلم طريقي – فليختبرني أخرج كالذهب”، الله أكبر، قال الله أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ۩،وأنتم تعرفون الفتنة، فهى وضع الذهب بشوائبه في النار، وهكذا تطفو الشوائب وتُطرَد ويتشحر ويتمحَّض الذهب، فيخرج الذهب إبريزاً، وهو المُسمى بالذهب الإبريز، فهذه هى الفتنة وهذا هو أصل الفتنة، فكان أيوب يقول ليفتني، ليضعني في نار المحنة، وسأخرج ذهباً إبريزاً، وهذا هو معنى قوله هو يعلم طريقي  فليختبرني أخرج كالذهب”، وهذا شيئ عجيب، هذا نفس منطق الفتنة، وأنا دائماً ما أقول أننا لابد أن نُفسِّر الابتلاء بمنطق الفتنة حتى نفهم بالضبط ما هو الابتلاء، فالله لا يهزل ولا يلهو ولا يلعب معنا، حاشا لله، الله ليس عنده لعب ولا لهو، فالله لا يبتلينا لمُجرَّد الابتلاء أبداً وإنما يبتلينا بمعنى يفتننا، فعليك إذن أن تفهم وأن تُفسِّر كل ابتلاء بالفتنة، فالله قال أن السُنة هى الفتنة حتى يستخرج منك أحسن ما عندك من أجلك أنت ومن أجل أمتك ومن أجل البشرية على قدر طوقك، فهذه هى الفتنة لكي يستخرج منك أحسن ما عندك، فأنت كائن مشوب وأنت كائن ثانوي أصلاً وبالتالي فيك عناصر مُختلَطة، والفتنة هى التي تُجوّهِرك وتنفي شوائبك، لذا هذا هو الطريق!

ولذلك في سُنن الترمذي وابن ماجه قال – عليه السلام – في إحدى الروايات “أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون فالأمثل والأمثل”، أي الأمثل في دينه بعد هذه الرُتب، وهذا شيئ عجيب، وهذا يحدث للفتنة، حتى يتشحَّر الذهب وحتى يخرج من المُبتلى أحسن ما عنده.

قال “بخطواته استمسكت رجليّ، حفظت طريقه ولم أحد، من وصية شفتيه لم أبرح” أي أنني دائماً أعمل بوصية الله وأسير في طريقه ولا أحيد وهو يعلم هذا، فلماذا أُتهَم؟!

عزَّ عليه أن أصدقاءه المُقرَّبين يتهمونه أنه أذنب، ولكنه دافع عن نفسه، والرسول نقل هذا الدفاع وسفر أيوب نقل هذا الدفاع، فقال أيوب هذا لم يحدث، فلست أنا المُذنِب، أنا لم أُذنِب بفضل الله – عز وجل – فلا تشمتوا بي، وهكذا لكننا لا نُريد أن نذهب مع القصة إلى آخرها لأن القصة طويلة جداً ولكننا  نتساءل الآن: ماذا تُريد أن تقول لنا هذه الحكاية والتي – كما قلنا – من المفروض أنها تقع  في قلب مسائل الاعتقاد واللاهوت فهى ليست أبداً من المواعظ والحكايا التي تأتي للتسلية والفرجة؟ فماذا تُريد أن تقول إذن؟

اختلف رجال الدين عبر العصور كثيراً حول هذه القصة وأمثالها، فأولاً التفسير الأول الذي قُدِّمَ هو تفسير غير بريء – كما قلت – وهو يعكس ضعف التجربة الذاتية الإيمانية وهو تفسير أصدقائه الذي يقول “لابد أن يكون أيوب مُذنِباً حتى ابُتليَ بمثل هذه البلوى العظيمة”، وهو تفسير قاصر وغير صحيح وغير دقيق، والنبي يُكذِّبه مُباشَرةً ويقول “أشد الناس بلاءً الأنبياء”، فهل الأنبياء وهم المعصومون مُذنِبون؟

القرآن واضح – والحمد لله – وهو يقول أيضاً يقول عن الأنبياء وعن المُؤمِنون أنهم ابتُلوا وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ۩ وحكى لنا عن ابتلاءات كثيرة لأن دائماً هذا يحدث، والسياق الذي تلوته عليكم كان يبدأ بفتنة سليمان، وسليمان أيضاً في مُلكه وسُلطانه ابُتليَ بمرض فزوى منه وأصبح كالفرخ أو كالعصفور، أي أصبح جلداً على عظم، فلا يكاد يكون لديه أي لحم، ولذلك كان سليمان لا يكاد يُرى، فكان يجلس في كرسي الملك ولا يُرى، قال الله وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ۩، وعجز أطباء الأنس والجن في علة سليمان – عليه السلام – إلا أنه صبر واحتسب، فالرجل الذي سخر له الريح والجن والأنس والطير صبر، والله يقول له هذا كله من عندي، فسليمان صبر وكانت العاقبة أن وهب الله له مُلكاً لم ينبغي ولا ينبغي  لأحدٍ من بعده إنه هو الوهاب، إذن سليمان أيضاً ابتُليَ، وهذا أيوب – عليه السلام – بعد الغنى وبعد الثراء العريض والجاه الواسع ابتُليَ هذا الابتلاء فصبر، إذن هذا التفسير غير صحيح بالمرة وهو تفسير غير بريء – كما قلت – وهو يُفسِّر أو يعكس تجربة القائل الإيمانية، فهو تُهمة للقائل وليس تُهمة للمقول فيه، وطبعاً هذا التفسير إذا كان هو التفسير الصحيح فإنه يعجز عن حل لغز لماذا يبتلي الله الأطفال الذي يُولَدون من أرحام أمهاتهم مُشوّهي الخلقة؟ فبعضهم يُولَد بلا أطرف، وبعضهم بأطراف ناقصة، وبعضهم بأطراف زائدة، وبعضهم بلا بصر، وبعضهم بلا حواس، وبعضهم فاقد للحواس الأربعة وهكذا، وكان لدينا في مُعسكَرنا طفل عمره الآن تقريباً ربما سبع عشرة سنة لكنه لا يسمع وولا يُبصِر ولا يرى ولا يحس بشيئ أبداً أبداً، وهذا شيئ عجيب جداً جداً جداً، هو فقط مُمدَّد على فراش أهله في المُعسكَر لدينا، فلماذا هذا إذن؟ أي ذنب أذنب هذا؟ هو خرج من رحم أمه هكذا، فهل تستطيع أن تُفسِّر الآن هذا بأن تقول أن الله ابتلاه بذنبه؟  هذا غير صحيح، فعن أي ذتب تتحدَّث؟ هذا كلام فارغ ولذلك هذا التفسير ساقط وغير صحيح.

ثانياً التفسير الثاني وهو التفسير اللاهوتي الذي ارتضاه مُعظم رجال الكلام في المسيحية واليهودية والإسلام وهو يقوم على مُلاحَظة هذين العنصرين: فهم يهتمون بعنصر الحكمة ويقولون الله حكيم بلا شك والله خيّر والله عادل لا إله إلا هو، وفي نفس الوقت الكون يزخر – زاخر مثل المطر الزاخر – بالشرور والعذابات والآلام والمصائب والكوارث الطبيعية والإنسانية، فيُوجَد شرور بسبب الطبيعة وشرور بسبب الإنسان، وفي الحقيقة يقول علماء اللاهوت لا نستطيع أن نُؤلِّف تأليفاً مقبولاً بين المظهرين، فكيف أنه حكيم – لا إله إلا هو – وهو قادر أيضاً وعادل ورحيم – لا إله إلا هو – وفي نفس الوقت يُوجَد عذابات ومصائب وكوارث تُعاني منها الشعوب والأقوام والأمم والأطفال والنساء والرجال والكبار والصغار، وهى عذابات أليمة جداً جداً جداً وتُشقِّق القلب؟!
قالوا فليس لنا إلا التسليم، فنحن نُؤمِن بأنه عادل وخيّر وغفور ورحيم وحكيم، ونرى هذه العذابات والشرور ولا نقول إنها خير وأشياء مُبارَكة أبداً لأنها شرور بلا شك وعذابات ومصائب ولكننا ونُسلِّم الأمر لله، لأن المرء لا يستطيع أن يعرف كل أساليب الله – هكذا يقولون الله – وكل طرق الله، فلا يعرف المرء كيف يتصرَّف الله وماذا يُريد وماذا لا يُريد، لا يستطيع المرء أن يعرف هذا.

 وهذا الكلام مبدئياً مقبول، لكن هناك مَن تقدَّم بتفسيرٍ ثالث وقال “مثل هذه الفتن وفتنة أيوب بالذات نوع من البرهان على أن محبة الله في قلب المُؤمِن الصادق لا يُمكِن اقتلاعها بأي وسيلةٍ كانت ولو سُلِّطَ عليه ضروب المحن وفنون الفتن وألوان المصائب وصنوف النكبات، فتبقى المحبة مُتجذِّرة، وهذا ما يعكس الإيمان الصادق”، ولكن السؤال الآن: هل لله حاجة في هذا وهو يعلم هذا ويعرف الصادقين من الكاذبين؟!

لا ليس له حاجة، ونهاية الجواب أن هذه فتنة بالمعنى الذي أشرت إليكم، فهى فتنة لكي يستخرج الله أحسن ما فيك وهو غير خارج بذاته، فلابد أن يُستخرَج ولابد أن يتميّز من الشوائب والأضغاث والأشياء التي تشوبه وتختلط به، فلابد أن يتميّز ولا يتميّز إلا بالفتنة، فلابد أن تُفتَن إذن، هكذا يتميّز وهكذا يغدو لك جوهرٌ آخر لأنك بعد الفتنة تغدو إنساناً آخراً ويكون لك روح أخرى وساحة أخرى وأفق آخر، ففعلاً بلا شك تخرج إنساناً مُختلِفاً تماماً ولذلك تتمكَّن حتى في الإيمان وفي الربانية.

سُئل الإمام الشافعي قدَّس الله سره – هل يُبتلى العبد ثم يُمكَّن أم يُمكَّن ثم يُبتلى؟ فقال هو أصلاً لا يُمكَّن حتى يُبتلى، فمُستحيل أن تقول لي أنه يُمكَّن ثم يُبتلى، ولكن لابد في أن يُبتلى في البداية أولاً، ومن هنا يقول الشافعي لا يُمكَّن أي إنسان من غير ابتلاء، ولكن من المُمكِن بعد ذلك أن يُمكَّن ثم يُبتلى وهذا شيئ آخر، ولكنه قال أنه أصلاً لا يُمكَّن إلا بعد أن يُبتلى، فلا يُمكِن أن يتمكَّن وأن يُصبِح عبداً فعلاً مكيناً في الدين والتُقى والصلاح من غير بلية، هذا مُستحيل كما قال الشافعي، قال تعالى وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً انظر إلى التمكين في الدين – يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ – فلابد من الصبر – وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ۩.

على كل حال لا أُريد أن أذهب مع هذه التفاسير علماً بأن هناك الكثير من التفاسير لهذه القضية ولكنني سأذهب مع الجزء الآخر وهو موضوع التجربة الذاتية، وفي الحقيقة كان هذا هو الدافع إلى هذه الخُطبة، فلي فترة ليست قصيرة نسبياً أتحدَّث عن الإيمان كتجربة والإيمان كمُعاناة، ولكن ما معنى هذا؟!

سنُوضِّح هذا من خلال أيضاً التأمّل في هذه القصة بما فتح الله تبارك وتعالى، ففرق بين التجربة وبين مُجرَّد الاعتقاد أو علمية الاعتقاد أو وعظية الاعتقاد وهو كالتالي:

كلكم الآن طبعاً وكلكن تعلمون وتعلمن – مثلاً – أن الله – عز وجل – هو قاسم الأرزاق بين عباده وأنه مُوزِّع الحظوظ والعطايا والهبات بعلمه وبحكمته لا إله إلا هو، فكلكم تُؤمِنون بهذا، ولكن مَن مِنا ينجو من داء الحسد؟ مَن مِنا فعلاً يفرح لإخوانه وأصدقائه والناس بما يُنعِم الله عليهم تماماً ففرحة حقيقية كما يفرح لنفسه؟ أنا أقول لكم قليل جداً، فكثيرٌ من الناس لا يستطيع أن يبيت الليل ويكون مُشوَّشاً ولا يستطيع حتى أن يقرأ القرآن جيداً ولا أن يُراجِع دروسه ولا أن يُفكِّر في مشاكله ومشاكل أسرته لأن الحسد يتآكله كالنار، ويقول لماذا هم عندهم وليس عندي؟ لماذا هو أفضل مني ولست مثله؟ وهكذا، وهذا شيئ عجيب لكنه يحدث على الرغم من أنه مُؤمِن ويعلم أن الله قاسم الأرزاق، فنعم هو يعلم هذا ولكن هل يُؤمِن بهذا؟ علينا أن ننتبه إذن، فهذا هو الفرق بين الإيمان وبين العلم والموعظة، فهو يعلم هذا ويقوله ومُمكِن أيضاً أن يُلقي علينا مُحاضَرة طويلة أو خُطبة عصماء في ذلك ولكنه يأكله الحسد كالنار، فهذا هو الفرق الذي لابد أن ننتبه إليه، ولذلك الإيمان إذا وُجِد وتجذَّر كان عزاءً، وأنا دائماً ما أقول “الإيمان عزاءٌ وأمل”، وفي المسيحية هناك ما يُعرَف بالفضائل اللاهوتية – Theological Virtues  – ومن ضمنها الأمل والمحبة أو العشق والأمل، والإيمان أمل أيضاً لذلك أنا أقول “الإيمان أمل وعزاء”، لكن كيف يكون عزاء؟ هو عزاء طبعاً، فعادي أن يكون عندهم وليس عندي، بارك الله لهم وسأفرح لهم وأعلم أن ما فعله الله وما اختاره هو الخير، فهو الخير لهم إن شاء الله إن أحسنوا الفهم عن الله في عطائه، وهو الخير لي إن أحسنت عنه الفهم في منعه، قال ابن عطاء الله قدَّس الله سره “إذا أحسنت الفهم عنه في المنع أصبح المنعُ عين العطاء”، فستُعطى – بإذن الله تعالى – عطاءً أوسع من المال أو عطاءً آخراً أوسع بكثير، وأنا أعرف أحد الصالحين مِمَن أوسع الله له في عطائه – أي في العطاء الرباني والعلم اللدُني – كان يقول لي “لو أعطوني الدُنيا وما فيها على أن أُعطيهم ما عندي لا يُمكِن أن أفعل، فلا مجال لهذا”، طبعاً لأنه يعلم ما أعطاه من فضله – وهو شيئ رباني وليس أموالاً أو نساءً أو شهوات وإنما شيئ إلهي – لا يُمكِن أن تعدل به الدُنيا وما فيها، وهذا معنى قول ابن عطاء الله “إذا أحسنت الفهم عنه في المنع أصبح المنعُ عين العطاء”، وذلك كله إذا فهمت لم أُعطيت ولم مُنِعت، ومن ثم سوف تقول الحمد الله.

تماماً كما قصَّ الله علينا من قصة قارون المُجرِم الطاغية بماله، فجماعة من الناس قالوا لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ  ۩، والآن صاروا يعبدون الله على أن الله لم يُعطهم مثل ما أعطى قارون، وبالأمس كانوا يقولون يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ۩، لكن الآن قالوا الحمد لله أنه لم يُعطنا هذا، وكم مرة حصل مع كل منا أنه كان يقول: الحمد لله أن الله لم يُوافِق ولم يُيسِّر زواجي بفلانة – مثلاً – لأنني لو تزوجتها لخربت بيتي؟ في حين أنه كان حريصاً وكان غضباناً جداً وحزيناً أن الزواج لم يتم، ولكنه الآن يقول الحمد لله، وكذلك قد يقول أحدنا الحمد لله أن فلاناً لم يُدخِلني شريكاً معه لأن اتضح بعد ذلك أنه كان أكبر نصّاب وأكبر دجّال وخائن وأثيم فضلاً عن أنه كان يتاجر في الممنوعات، فالحمد لله إذن.

وهكذا تحدث أشياء كثيرة مثل هذه، ولكن علينا دائماً أن نستبقي هذه الحكمة ونستقبل بها أحداثاً أخرى، وليس فقط أن نحكم بها بأثر رجعي على ما سبق وما سلف، فيجب أن نتسلَّح بها مُستشرِفين بها ما سيأتي في حياتنا، وهذا هو الفرق بين الحكيم والأحمق، فالأحمق يُكرِّر نفس الأخطاء ثم يدّعي الحكمة دائماً بأثر رجعي بعد أن تُحل المُصيبة ويقول الحمد لله أنه كان كذا وكذا، لكن الحكيم هو مَن يفهم هذا من البداية قبل أن تحل المٌصيبة وليس بعدها، ومن ثم يجب أن تفهم هذا أولاً وأن تقول سبحان الله الذي أعطى وسبحان الله الذي منع، ثم تُسلِّم له تبارك وتعالى.

 فهذا هو الإيمان العزاء إذن، وهناك أيضاً الإيمان الأمل، فقطعاً أيوب لم يقطع الأمل من الله تبارك وتعالى، فلو أردنا أن نقول أن الإيمان يُعادِل الأمل – الإيمان في جوهره يُمكِن أن يُعادِل وأن يُساوي الأمل – فهذا ليس كلام فلاسفة الدين بل أن هذا كلام رب العالمين، قال يعقوب عليه السلام يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ۩، أي أنه قال لا أمل مع الكفر، وطبعاً الأمل دائماً يبقى – والله العظيم – مع الإيمان، ولذلك أنا أستغرب من أن يأتيني شخص ويشتكي من أنه ابنه مريض وأنه فقد الأمل، فبالنسبة لي هذا شيئ سهل، حتى ولو كان مريضاً بأي مرض مثل السرطان أو الإيدز AIDS أو غير ذلك، فلا مُشِكلة في هذا، وأنا أقول له اصبر واحتسب وادع الله ولا تفقد الأمل، وحقيقية الأمل هذه ستكون بمقدار حقيقية الإيمان طبعاً لأن الإيمان أصبح يُعادِل الأمل، فالإيمان يُساوي يقيناً مُطلَقاً بأن الله فعلاً قادر على تغيير ليس فقط حالة مرضية لطفل بل قادر – والله العظيم – على تغيير أحوال العالم حتى السياسية رغم  توازنات القوة وأمريكا وإسرائيل وكل هذه الأشياء الموجودة الآن، فالله – والله العظيم – قادر أن يُغيّر هذا أحياناً – مثلاً – في ساعة، وذلك بأن يحدث حدث كوني في ساعة فيختلف كل شيئ، علماً بأن مثل هذا حدث في التاريخ ولكن هذا له موضوع آخر، ولكن هو لا يعد بهذا فلا نتألى على الله ولا ندّعي اطلاعاً على اللوح المحفوظ بل نأمل فقط، فنحن نُؤمِن بهذا، لكن الله أعلم هل هذا يحصل أو لا يحصل،فهو وحده المُتصرِّف في المُلك، ومن ثم إذا أراد أن يحصل فسوف يحصل وفي أقل من ساعة وبأتفه الأسباب أيضاً.

وأنا مرة قلت يُمكِن أن يتغيّر وضع العالم السياسي كله من خلال كوب شاي يندلق  على طاولة أمامك أو أمامي وفسَّرت هذا، ويُوجَد مذهب في تفسير التاريخ يقوم على مثل هذه الطريقة، فيحدث هذا من خلال أشياء لا تخطر على بالنا، فهى أشياء عشوائية في نظرنا، لكن الله قدر على هذا، فهذا هو الأمل!
وأنا أعرف مَن عالج نفسه وعالج غيره من أمراض خطيرة في ثوانٍ بلمسة يد، يقول بإسم الله ثم الدعاء وينتهي كل شيئ، وهذا يحصل دائماً لكنه لا يحصل مع كل أحد، يحصل مع الآمل في رحمة الله الذي لا يتخوَّنه يأس ولو لحظة، وهذا معنى أن الإيمان أمل.

ولنفترض أن منكم مَن يحتاج إلى شيئ مُعيَّن ولكنه يحتاجه وفقاً لقانون الله ودستوره، أي بما يسمح به الله وبما يُبارِكه الله لأن الله يقول كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ ۩، وأيضاً يقول أنا الكريم، يدي سحاء الليل والنهار لا يغيضها شيئ، أنا اُعطي من خزائن “كُنْ ۩“، فالله ليس لديه خزائن تنفذ، فهو يقول فقط  “كُنْ ۩” فما المُشكِلة إذن؟ فأنا اُريد أن أُصبِح مليونيراً – مثلاً – وأن يُصبِح لدي ملايين الدولارات واليوروات لأهداف مُعيَّنة وأنا مُؤمِن حقاً – علماً بأنني لا أتحدث عن نفسي كعدنان وإنما أتحدَّث عن أي شخص قد يُريد هذا – وبالتالي لن تُواجهني أي مُشكِلة، فإذا كنت تُريد هذا حقاً وأنت مُؤمِن به حقاً سيكون وبكل سهولة بل اعتبره أنه كان، لأنه سيحصل وسيكون بسرعة، وطبعاً أنا أعرف أن هذا المنطق منطق صعب ويصعب جداً على مُعظم الناس أن يستوعبه إلا بعد ان يُجرِّبه، لكن بعد أن يُجرِّبه سيعرف هذا تماماً، وانظروا إلى أيوب الذي ظل حسب كلام مولانا رسول الله لمدة ثماني عشرة سنة في بلاء، ولكن تعرفون متى انتهى كل شيئ؟ ساعة دعا، فطيلة الثماني عشرة سنة لم يدع الله لأنه كان استسلم له، كما قال الصحابي الجليل “أحبه إليه أحبه إلىّ”،  فإذا أحب الله هذا فأنا أُحِب أيضاً هذا، وإذا أراد الله هذا فأنا أيضاً أُريد هذا وسوف أحتمل هذا، وسوف يراني كالذهب كما قال أيوب، فأنا سأخرج كالذهب من هذه الفتنة.

لكن يُقال جره ولذه إلى الدعاء أنه قال أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ۩ ، وفي الأنبياء قال أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ۩ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ۩ عبَّر الله عن الاستجابة بحرف الفاء للدلالة على السرعة، فمُباشَرةً قال له الله “علاجك تحت رجلك”، ويُقال أنه كان لا يستطيع أن يتحرَّك، ولا ندري هل كان لديه مرض  في العظام أو في الأعصاب أو غير ذلك، ولكنني أستبعد أن تكون قرحة وتنز بالصديد وبهذا الكلام الفارغ كما في سفر أيوب لأنني لا أرتاح إلى هذا لمُخالَفته عصمة الأنبياء، فهو يُخالِف ما ينبغي، ولكن من المُمكِن أنه كان مُصاباً بمرض في الأعصاب أو بمرض في العظام، وعلى كل حال كان لا يستطيع أن يتحرَّك، فكانت زوجه تحمله في قُفة لأنه أصبح خفيف الوزن زاوياً، لكن الله قال له “علاجك تحت رجلك، اركض برجلك”، وهو لا يستطيع أن يُحرِّك رجله أصلاً، لكن الله قال له “جاء الفرج، اركض برجلك”، فضرب فتحرَّكت الرجل، تحرَّكت حقيقةً وضرب برجله ونبع الماء، ثم قال “هذا اشرب منه واغتسل منه”، ففي ثوانٍ كان كل جسمه يتحرَّك، فأخذ الماء وشرب منه وصار قادراً على أن يقوم وأن يقف على قدميه، فوقف هكذا على حيله كما نقول بالعامية، واغتسل فعاد إليه بهاؤه وحُسن جلده وعافيته في دقائق، وزوجه كانت عنده قبل دقائق لكنها ذهبت تقضي حاجة، فلما عادت قالت له “أيها الشاب الصبوح –  الله أكبر – إنك لأشبه عباد الله بزوجي أيوب يوم كان صحيحاً سالماً قبل سنين، بالله عليك هل رأيت أيوب؟  تركته هنا وأخاف أن تكون ذهبت به الذئاب أو الكلاب” كما في سفر أيوب، فقال لها “يا امرأة أنا أيوب”، فقالت “أنت؟”، فقال “أنا أيوب الصدّيق”، فكيف هذا؟!

في لحظة قال له الله “العلاج تحت رجلك، فأنت لا تحتاج لا إلى طب ولا إلى دواء”، ووالله الذي  لا إله إلا هو أنني  أعرف أحداً – والله العظيم – تسمَّم ووصلت نسبة السموم في كبده إلى الحد الخطر تقريباً، ولا أدري مَن يدس له السم، الله أعلم لكن هذا الشاب تسمَّم  على كل حال، فألهمه الله “كُل من هذه الحشائش ومن كذا وكذا وكذا”، وكلها أشياء كانت تعافها نفسه ولا يُحِبها أبداً، فجعل يأكل منها كل يوم بنهم، وذهب بعد أشهر وأجرى فحصاً وإذا بالسموم انتهت كلها، بدون طب أو دواء يا حبيبي، لأنه ذهب لأطباء ولبروفيسورات – Professors – ولعلماء مُتخصِّصين وأساتذة فقط في الكبد ولكنهم لم يُفلِحوا وقالوا “لا نفهم ما الذي حصل معك، فالحالة غير مفهومة بالمرة”، وهو لا يتعاطى قطرة من الكحول، لكن الله قال له “اترك كل هذا لأنك لا تُريد هؤلاء، ودع عنك الطب وتعال إلىّ، أنا سوف أُعالِجك بلا ثمن  –  kostenlos Free, – ولكن فقط  كُل هذا وهذا وهذا”، فألهمه الله ثلاثة أصناف لا يُحِبها ولا يُوجَد أي علاقة بينها لكن انتهى كل شيئ، وهذا معنى أن الإيمان يُساوي الأمل في كل شيئ، فلا تقل لي “إنهم كثرة وأنا واحد، إنهم أقوياء وأنا ضعيف، إنهم مُتعلِّمون وأنا أُمي” وإنما قل لي “أنا مُؤمِن، أنا كنزي رب العالمين، فهو – لا إله إلا هو – عُمدتي وعمادي وغياثي”، ولكن عليك أن تكون سائراً تحته في الخط المُستقيم، وأن تكون مُستقيماً ليس فقط بالصلوات وما إلى هنالك ولكن بالقلب وبطهارة القلب، يجب أن يكون قلبك صادقاً طاهراً مثل قلوب هؤلاء الصدّيقين وسوف ترى النتيجة بعد ذلك.

 أختم وقد أطلت عليكم بسؤال كبير وصعب وجوابه أسهل منه بكثير وقد وجدته وهو: لماذا ينبغي أن يكون الإيمان تجربة؟!
لأن طبيعته أن يكون كذلك وإلا هو ليس إيماناً، ولكن كيف هذا؟!

من خلال قصة أيوب ومن خلال قصة هؤلاء الذين كفروا بالله في الهولوكوست Holocaust  أو في المحرقة يتضح لنا أن إذا كان الإيمان معلومات جاهزة وناجزة واعتقادات نُكرِّرها وندّعي أننا مُؤمِنون بها فلن يثبت هذا أبداً أبداً بل أنه سوف يهتز ويطير في لحظة أمام أي مُصيبة وأمام أي اختبار، فهذا لا يُساوي شيئاً، ولذلك – كما قلت لكم – نحن حسدة ونُحاضَر ضد الحسد، ونحن جزوعون ونُلقي دروساً في الصبر، ونحن كذَّابون – حاشاكم طبعاً، فأنا أتحدَّث عن الكذَّابين – ونُلقي دروساً في الصدق والصدقية، وهذا يحدث دائماً في كل الأرض، لكن الإيمان حين يكون تجربة ذاتية سيكون هو الضمانة الوحيدة والوحيد الكفيل بأن يُنجيك وأن يُنجِحك في اختبارات الله اليومية، فعلينا أن ننتبه إلى وجود اختبارات كل يوم بل وكل ساعة – كما قلت مرة – طبعاً، فكل يوم يُوجَد اختبارات ومن المُمكِن أن يُوجَد اختبار كبير جداً من هذا النوع لمرة واحدة في العمر، فيكون اختباراً كبير جداً جداً جداً مثل  اختبار أيوب، لكن على كل حال يُوجَد اختبارات يومية، فبعض الناس – والله العظيم – الآن يُختبَرون بخُطبتي هذه كما أُختبَر أنا بإلقائها، وذلك من خلال اختبار ردة فعله نحو المفاهيم التي فيها وبعض الأشياء التي تُقال وإلى آخره، فأُقسِم بالله أن هذا يُعَد  اختباراً له وأنا مُتأكِّد من هذا، لكن بعض الناس قد يكون مادياً وقد يكون عنده عقلية مادية فيقول لك “هذا الكلام كلام مشائخ، وقد جرَّبناه ولم يحدث شيئاً”، وأنا أقول للذي يقول هذا “أنت لم تُجرِّبه، أنت جرَّبت ماديتك، فلا تتحدَّث بالنيابة عن مَن جرَّب إيمانه، فانتبه وتواضع ولا تكن مُتعجرِفاً ومُتعنجِهاً، هناك مَن جرَّب إيمانه لكن أنت تُجرِّب حسيتك وماديتك، فتنجح في حدود الحسية لكن نحن ننجح في حدود الإيمانية”.

في نهاية المطاف أختم لكي أُفلسِف كل هذا التطواف الذي أسأل أن يكون مقبولاً ومبروراً ومُبارَكاً في هذا اليوم الكريم – يوم العيد ونحن الآن في عيدين – بأن أقول:

الإيمان يمد المُؤمِن برؤية مُتفرِّدة لا عوض عنها، فنحن نرى كل شيئ في مرآة الله، وحينها نرى كل شيئ في مكانه!

إذا ما رأيت الله في الكلِّ فاعلاً                شـــَهِدتَ جميعَ الكائناتِ مِلاحاً 

و إن مــــا ترَ إلَّا مظــاهِرَ صُـنعِهِ            حُجِبتَ، فَصَيرتَ الحِسانَ قباحاً

وهذا المعنى يُروى عن ويليام شكسبير William Shakespeare وترجمه حكيم الإسلام طنطاوي جوهري في الجزء الثاني من تفسيره ترجمة أُخرى لطيفة جداً جداً جداً بهذا المعنى، وهذا شيئ عجيب، لذا العلميون والماديون والحسيون والباحثون عن الله الذين لم يجدوه بعدُ والمُتشكِّكون القلقون يرون الله في مرآة العلم والكون والحس والتجربة غير الناجزة وغير المُكتمِلة، وطبعاً العلم يعترف والعقل يعترف والتجارة تعترف أن هناك نقائص وأن هناك شوائب وأن هناك ألغازاً وأن هناك ما لا يُفهَم وما لا يُقبَل، وبالتالي سيكون في صورة الله وفي اعتقادنا عن الله ما لا يُقبَل وما لا يُفهَم وما لا يُستساغ والنقائص والشوائب، وسيغدو الله ناقصاً ومشوباً وغير كامل وغير مقبول ولنا الحق أن نتشكَّك فيه، وبالتالي فرقٌ كبير بين المنهجين وفرقٌ كبير بين الرؤيتين، لكن – كما قلت لكم – هناك طريق واحدة وحيدة ترى فيها كل شيئ في مرآة الله وهى الطريق الوحيانية عبر وحي الله تبارك وتعالى.

لسنا نعرف حقيقةً ولسنا نُؤمِن بوحيٍ مُكتمِل ومحفوظ وتام ويُناقِش هذه المسائل بدقة عجيبة وعبر تصريف الدلائل والبراهين ومن أعظمها – من الدلائل والبراهين – القصص والحكايا مثل هذا الكتاب العزيز وهو القرآن الكريم الذي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد ٍ ۩.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

(الخٌطبة الثانية)

الحمد لله، الحمد لله الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون، ويستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذابٌ شديد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله الطيبين وصحابته الميامين وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

وبعد أيها الإخوة:

لعلكم لاحظتم أن الشيطان دخل في رهان مع الله – تبارك وتعالى – كما طاب لبعضهم أن يقول، ونحن كمسلمين نرفض هذا وإن وعدنا جعله عنواناً، لكننا نرفض هذا لأن الله – تبارك وتعالى – لا يدخل في رهان مع أحد ولا يسمح لأحد أصلاً أن يدخل في رهان معه، وللأسف الشديد أنا أعتقد أن هذه من بقايا التأثّر بالميثولوجيا  – Mythology – والأساطير الوثنية التي تسلَّلت إلى الكتاب المُقدَّس، ففي الميثولوجيا – Mythology الوثنية دائماً يُصوَّر الشيطان على أنه خصمٌ لله وأن الله – عز وجل – هو المسؤول عن الخير وهو المسؤول عن الشر، وحاشا لله أن يكون الأمر كذلك، فالشيطان ليس خصماً لله، الشيطان هو مُجرَّد عبد حقير من عباد الله لكنه عَنَدَ عن أمر الله وخرج عن طاعته فلعنه الله لأنه فسق عن أمر ربه، فهو من الملعونين المطرودين، ولا يملك لفسه ولا لأحد من الخلق ضراً ولا نفعاً، فقصراه الوسوسة والتسويل والتزيين، تقول الآية الكريمة وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ ۩، أما أن الله عز وجل – أيها الإخوة – يتواضع ويدخل في رهان مع هذا اللعين ويبتلى أحد الصدّيقين الأنبياء من أجل أن يكسب الرهان فهو كلام فارغ وغير مقبول بالمرة وهو من تأثير الفكر الوثني الميثولوجي، لكن في سفر يوحنا John يقولون “وأصبح العالم تحت سيطرة الشرير” وهذا كلام فارغ، فالعالم لا يُصبِح تحت سيطرة الشرير، فالعالم دائماً تحت سيطرة الله، ولكن من المُمكِن أن تقول لي أن أفكار الناس وثقافات الناس أصبحت ربما ثقافات مُتشيطِنة ويُسيطر عليها الفكر الإبليسي، فهذا مُمكِن، مثل برلمان إبليس لمحمد إقبال، ولكن الكون نفسه والعالم دائماً في قبضة الله وفي تصريف الله.

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُعرِّفنا به وأن يدلنا عليه دلالة الصادقين وأن يُرشِدنا إليه إرشاد العارفين .

اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، لا تدع لنا في هذا اليوم الكريم وفي هذه الساعة المُبارَكة ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرّجته ولا كرباً إلا نفّسته ولا ميتاً إلا رحمته ولا مريضاً إلا شفيته ولا غائباً إلا رددته ولا أسيراً إلا أطلقته.

اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين وارحم موتانا وموتى المسلمين، اللهم أغننا من الفقر وعافنا من الأدواء والأمراض برحمتك يا أرحم الراحمين، أغننا عن مَن أغنيته عنا من عبادك، اللهم أغننا بالافتقار إليك ولا تُفقِرنا بالاستغناء عنك، تقبَّل منا إنك أنت السميع العليم وتُب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.

عباد الله:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۩، اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وسلوه من فضله يُعطكم، وقوموا إلى صلاتكم يرحمني ويرحمكم الله.

(انتهت الخُطبة بحمد الله)

فيينا 10/09/2010

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

عدنان إبراهيم

رؤية كل المقالات

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: