مصائب حسن البنا

video

اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. نعود إلى مولانا أحمد بن عبد الأحد الفاروقي السرهندي – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -:

لا أُريد أن أقتص عليكم ما يُمكن أن تقرأوه براحتكم – إذا جاز التعبير -، في كتاب مولانا أبي الحسن الندوي – إن شاء الله -، في السلسلة التي ذكرت لكم، في الحلقة الثالثة منها، وهي أربع حلقات، أي أربعة أجزاء.

في الجُزء الثالث، يُمكن أن تقرأوا السيرة بشيء من التفصيل لهذا الإمام، عن ميلاده، عن تعلمه، عن مشايخه، عن رحلاته! المُهم أن هذا الرجل وُلد لرجل صالح، أبوه؛ عبد الأحد، كان عالما، جمع علوم الظاهر وعلوم الباطن، وهذا الذي ينقص الآن كثيرين من أهل العلم.

في الحقيقة، العالم إذا لم يجمع ما يُعرف في المُصطلح بعلم الباطن إلى علم الظاهر، لا بركة في علمه. وقد يغلب أن يكون علمه – والعياذ بالله – شِقوة له وللأمة. يشقى به هو، وتشقى به الأمة! لماذا؟

طبعا سوف تقول لي من أين هذه المُصطلحات، وعلم الظاهر وعلم الباطن؟ أليس هذا من التقسيم المُبتدع؟ نحن لا ندور على المُصطلحات، لا ندور على الألفاظ، ندور على المعاني والمباني، أهم شيء المعنى.

في نهاية المطاف، علم الباطن ليس شيئا غير مقام الإحسان. إسلام، إيمان، إحسان! هو هذا. كل مَن تكلم في هذا العلم، من العلماء المؤصلين المُشترعين، مثل إمامنا حُجة الإسلام الغزّالي – رحمة الله تعالى عليه -، إنما وضَّحوا هذه الجُملة!

علم السير، علم السلوك، علم تزكية النفس، ما يُعرف بعلم التصوف، إلى آخره! هو علم يُحاول أن يبلغ بك إلى مقام الإحسان؛ أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنك يراك. وهما مقامان، أحدهما أشرف من الآخر!

أن تعبد الله كأنك تراه: هذا أشرف مقام، مقام المُشاهدة، كأنك ترى الله، شيء عجيب هذا! فإن لم تكن تراه، فهو يراك: مقام المُراقبة، تكتفي بالمُراقبة عن المُشاهدة. ونسأل الله أن يُرقينا، من الإسلام إلى الإيمان إلى مقام المُراقبة فالمُشاهدة – بفضله ومنّه، إن شاء الله تعالى -.

أبوه جمع العلمين – ما شاء الله -؛ علم الظاهر، وعلم الباطن، علم الإحسان! علما الإسلام والإيمان، وعلم الإحسان. وكان رجلا صالحا، وعابدا. ومبادئ العلم وأوائل العلوم تلقاها الشيخ أحمد على أبيه الشيخ عبد الأحد – رضيَ الله تعالى عنه -.

وكان بارا جدا بأبيه، حتى أنه لم يُمكنه أن يحج بيت الله الحرام، إلا بعد أن ارتحل أبوه إلى الدار الباقية. بعد أن تُوفيَ أبوه إلى رحمة الله، استطاع الشيخ أحمد أن يذهب إلى الحجاز، ويحج بيت الله الحرام.

ثم طبعا بعد ذلك – لن نتحدث، كما قلت لكم، عن تفاصيل مشايخه وعلوم -، أحكم علوم الظاهر، سواء منها المنقولات والمعقولات! أيضا المنطق والفلسفة وكذا، يعرف هذه الأشياء، ما شاء الله! كان واسع الدائرة، وكان ذكيا جدا!

الشيخ أحمد بن عبد الأحد كان عالما ذكيا جدا! ويُذكر في سيرته أبو الفضل العلّامي Abul Fazl Allami، الذي ذكرت لكم أنه أخو الشاعر فيضي Faizi، وابن المُلا مُبارك الناكوري Mulla Mubarak Nagauri، وهذا كان أعظم واحد في ديوان الإنشاء!

وليس ديوان الإنشاء فحسب، أبو الفضل العلّامي Abul Fazl Allami هذا أصبح تقريبا كل شيء بالنسبة للسُلطان أكبر Akbar، كل شيء! تقريبا يسأله في كل المسائل ولا يصدر إلا عن رأيه! ولا يصدر إلا عن رأيه! وهو الذي زيّن له الباطل الذي كان فيه، وأفهمه أنك خاتمة المُجتهدين وأعظم العقول وأعظم المُفكرين، للأسف الشديد! وساعده على وضع دينه الباطل هذا.

ويُقال، يُقال بسبب الزندقة والانحلال التي كانت لدى أبي الفضل العلّامي Abul Fazl Allami هذا، تم قتله. هو مات مقتولا، وحزن عليه أكبر Akbar وبكى عليه مُدة طويلة، فُجع بموته! كان يُحبه جدا. أما الذي قتله، فهو جهانكير Jahangir! ابن السُلطان أكبر Akbar.

جهانكير Jahangir كان أقرب إلى السلامة – بفضل الله تبارك وتعالى -، أقرب إلى السلامة في العقيدة، ولم يتلوث كثيرا بأفكار أبيه، وبالدين الإلهي. لم يقتنع بالدين الإلهي، وقد ثبت لديه أن أبا الفضل العلّامي Abul Fazl Allami هذا يقول بأن محمدا كان أفصح الفُصحاء، وأن القرآن من وضعه وتأليفه وتركيبه!

ليس كتابا إلهيا! لكن محمد رجل كان فصيحا، كان فصيحا جدا جدا، وهو أفصح الفُصحاء العرب، لذلك اقتدر وتمكن، من ماذا؟ من تأليف القرآن! هكذا كان يعتقد أبو الفضلAbul Fazl  هذا، للأسف الشديد.

طبعا أبو الفضلAbul Fazl  بحد ذاته كان أُعجوبة، في البلاغة والبيان والكتابة! أُعجوبة! وله كُتب تشهد بذلك، له كُتب تشهد بذلك! حتى أنه ألّف كتابا، مُعظم الناس ينسبه إلى أخيه فيضي Faizi، ويبدو أنه – الأرجح – لأبي الفضلAbul Fazl ، هناك اختلاف في هذه المسألة، ألّف كتابا بالحروف غير المُعجمة!

لأن اللُغة الخاصة بهم، الأُردية هذه أو كذا، كانت تُكتب بالحروف العربية. الحروف العربية بعضها مُعجم؛ عليه نقاط، مثل الباء والتاء والثاء والجيم والخاء والغين والياء، إلى آخره! وبعضها مُهمل. هو ألّف كتابه بطوله، بحروف مُهملة!

عجيب! ويستطيع أن يُعبّر عن المعنى الذي يُريده! بالحروف المُهملة! فالناس استغربوا! وقد أجازه السُلطان أكبر Akbar، أعتقد بعشرة آلاف روبية، وهذه كانت ثروة طائلة، لا يحلم بها أحد، على هذا الكتاب!

وهو يضع هذا الكتاب، اعتاصت عليه لفظة، لم يستطع أن يصل إلى المعنى بلفظة بحروف مُهملة. وكان له اتصال بالشيخ أحمد السرهندي، الذي هو ربما في حُكم أبنائه، في سن أبنائه!

الشيخ أحمد متى وُلد؟ وُلد سنة إحدى وسبعين وتسعمائة للهجرة، سنة إحدى وسبعين وتسعمائة! فربما كان هذا؛ أي أبو الفضلAbul Fazl ، يكبره بعشرين أو ثلاثين سنة، الله أعلم!

كان أكبر منه هو طبعا، ومشهور! شُهرته أذيع، وصيته أبعد، من الشيخ أحمد حتى الآن، الشيخ أحمد ما يزال كما هو! لكن كان يعلم أنه عالم واسع الدائرة، وأنه مُتخصِّص.

سأله، فأجابه من فوره؛ اللفظة التي تُريد هي كذا وكذا وكذا! فاستغرب! وشهد له بحضور البديهة، وسيلان الذهن وكثرة العلم. قال هذا الشاب غير طبيعي! عالم كبير – قال – هذا! هذا مَن؟ الشيخ أحمد السرهندي.

وبدأ يكتب مكتوباته. سُبحان الله! أسعدته العناية الإلهية – أسعدني الله وإياكم -، بأن قيّض له في طريقه، شيخا ربانيا، عارفا بالله، قُطبا من أقطاب الصلاح! أصله من أفغانستان، من كابول، ثم جاء إلى دهلي – العرب يُسمونها دلهي ودهلي -.

جاء هناك، وأيضا ذاع له صيت عريض، في باب الصلاح والقُطبانية والتسليك والإرشاد، حتى أنه في زُهاء أربع سنين فقط، صار تلاميذه لا يعدهم عاد! شيء عجيب! نشروا النور الإلهي، في تلك البقاع، بسرعة شديدة! من قوة سره! مُجرد أن تجلس معه، يحصل لك ما يُعرف بالانجذاب! حالة حضور إلهي، بكاء، محبة لله والرسول، شيء عجيب!

كان رجلا صادق السر مع الله، واسمه الشيخ عبد الباقي، عبد الباقي النقشبندي الكابولي ثم الدهلوي – رضيَ الله عنه وأرضاه -، المعروف بباقي الله، المعروف بباقي الله! والعجيب، وهذا أثّر في كثيرا، هذا وُلد سنة ثنتين وسبعين وتسعمائة! أي أنه أصغر في السن، من سيدنا مَن؟ الشيخ أحمد الفاروقي!

هؤلاء هم أهل الله، ليس عندهم غيرة، ولا تنافس غير شريف، ولا حسد؛ كيف وأنا الشيخ، جامع المعقول والمنقول، إمام من أئمة العصر، أتتلمذ وأطلب التسليك والإرشاد والهداية، على يد رجل أصغر مني، بسنة؟ لا، أبدا، أبدا.

ظل يدعو لمَن وصل حبله بحبل الشيخ باقي الله هذا؛ عبد الباقي. يدعو له! وقال أنا لن أترك الدعاء لفلان؛ لأنه هو الذي عن طريقه اتصل حبلي بحبل شيخي باقي الله. وفعلا مُجرد أن اتصل بشيخه، حدث له تغير جذري، في شخصيته الروحانية! شيء عجيب! مع أنه كان من الأصل إنسانا طاهرا وطيبا، لكن لم يكن واصلا.

وكان هذا في فترة شهرين وأسبوعين! في شهرين ونصف، فقط! بلغ مبلغ الرجال الكُمل، في العرفان الإلهي! على كل حال، لن نذكر التفاصيل أيضا التي جرت بينهما – رضيَ الله تعالى عنهما وأرضاهما -.

بعد ذلك، الشيخ صار مُتصدرا للتعليم الشرعي، وللإرشاد الروحي أيضا، التسليك! وعُرف عنه، وكانت المرحلة تتطلب هذا! لماذا؟ الفرق الزنديقة، الصوفية المُنحلون، انتشروا!

نحن لما نقول صوفية، ليس معناها أن كل صوفي جيد، لا، لا، لا، لا! مثلما في أهل الظاهر، علماء كثيرون مبنى أمرهم على الكذب والمصلحة والانتفاع والمُنافسة الدنيوية الكريهة، كثيرون في المُتصوفة، مثلهم، مبنى أمرهم على الشهوات والمصالح والكذب والزندقة، والكذب على الله ورسوله، وتحريف الدين أيضا، وتضليل الناس! لكن كما في هؤلاء، في هؤلاء أيضا! أُناس مبنى أمرهم الصدق والإخلاص والربانية – كثَّر الله من أمثالهم، في الدائرتين والفضائين، بمنّه وفضله -.

فاتسع الخرق على الراتق، أو الراقع، كثيرا، بالذات في دوائر الصوفية! لماذا؟ للأسف في تلك الفترة، تسرب كثير من حُكماء وفلاسفة إيران، إلى الديار الهندية، وأثروا أيضا في كثير من الدوائر الصوفية! فصار تقريبا القول بوحدة الوجود شائعا جدا في المُتصوفة!

ويعتقدون أنه الحقيقة المُطلقة الكاملة، التي لا تُعرف إلا بالذوق، وأن تعيشها! إن عشت وجربت، أنت تعلم، أن ما في الكون، إلا الله! الله هو الكون، والكون هو الله! أستغفر الله العظيم. أي لا يؤمنون، بماذا؟ بالبينونة؛ أن الله وحده، والكون شيء آخر، وأن الكون كان بعد أن لم يكن. قال لك لا، لا، لا، لا! هو كائن أبدا، وأزلا! لن ينتهي، وليس له بداية! وهذه عقيدة إلحادية، Pantheism!

Pantheism – أي Pantheismus بالألمانية – هذه عقيدة إلحادية، وأصلها هندية طبعا! هي أصلا – أصل العقيدة الوحدوية هذه – في الهند. فللأسف صار مُعظم المُتصوفة، شيوخ الكذب هؤلاء، يدّعون وحدة الوجود، ينتحلون هذه الطريقة!

تصدى لهم الشيخ أحمد الفاروقي، على نحو غير مسبوق! طبعا يُمكن أن تعودوا إلى كُتبه. نحن لدينا الكتاب الذي طُبع – بفضل الله -، من عشرات السنين، وأنا قرأته في شبابي الباكر، حين كنت في العشرين؛ المكتوبات!

عنده المكتوبات – رحمة الله عليه -، في ثلاث مُجلدات، نعم! وهناك المُنتخبات من المكتوبات. وسُبحان الله، هذا الكتاب، مع أنه عنده عشرات الكُتب، من أهم كُتبه، على الإطلاق! وهو ماذا؟ هو رسائل! رسائل بينه وبين طلاب العلم، بينه وبين الشيوخ، بينه وبين العلماء! مُراسلات، مُباحثات، لكن قيّمة جدا، وفيها تحقيقات عجيبة!

والرجل أعاد الساحة الثقافية، المشهد الثقافي الإسلامي هناك، في الظاهر وفي الباطن، إلى ماذا؟ إلى الشريعة المُحمدية. وكان رجلا مُتسننا، مُتشرعا، حتى الغاية! لا يُفرِّط في سُنة، صغرت أو كبرت، مهما كانت ضئيلة! وهذا الشيء عجيب! هذا شيء عجيب وغريب!

لماذا أنا قلت لكم طرفان مُتقابلان؟ سواء صدر الصدور Sadr-us-Sudur، ومخدوم الملك Makhdum-ul-Mulk، وحتى الإمام المودودي، في العصر الحديث هذا، وسيد قطب وكذا، في الطرف هذا، والشيخ أحمد في الطرف القصي تماما! لماذا؟

بالنسبة للمودودي وسيد قطب ومَن لف لفهما، يعتبرون أن العبادات ليست مقصودة لذاتها! العبادات ليست غاية كبيرة! ماذا؟ قال لك لا، لا!

انظر، عندك المُصطلحات الأربعة! لكي تفهم هذه النظرية المودودية والقطبية، اقرأ كتاب المودودي – رحمة الله عليها – المُصطلحات الأربعة في القرآن! ما المُصطلحات الأربعة هذه؟ الإله، الرب. بعد ذلك: الدين، والعبادة! الدين، والعبادة!

قال لك الأهم هو ماذا؟ الإلهية هذه. الإلهية تعني الحاكمية، تعني السُلطانية، التوحد بالحاكمية والسُلطانية، هذه أهم شيء! هذه أهم شيء! والربوبية تخدمها وتعمل لها. وبالنسبة للدين والعبادة، هذه تخدم سُلطانية الله وحاكمية الله. تخدمها! فليست هي الغاية المطلوبة! ما الغاية المطلوبة إذن؟ هذه هي: إقامة الحكومة الإلهية! تعمل دولة إسلامية، فيها الحاكمية لله وحده، هذه هي الغاية!

هذا عكسٌ، على طول الطريق، لما ذكر الله مُصرِّحا في كتابه! الله قال لا. قال غاية الحاكمية، وغاية الحُكم، وغاية السياسة، وأنك تنتصر أو لا تنتصر، أنك ماذا؟ تُصلي وتصوم، أنك تعبد الله.

في الأخير تبا للحُكم، وتبا للسُلطة، بل تبا للحياة نفسها، إن خرجت منها دون أن يكون لي وصلة حقيقية برب العزة، لا إله إلا هو! علاقة حقيقية بربي. ماذا أُريد من الحُكم والعلم؟ لا أُريد، لا يهمني! الدنيا كلها لا تهمني.

الله قال الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ *. أي أعطيناهم ماذا؟ بلُغة المودودي: السُلطة والحاكمية وكذا! الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ *، اقشعر بدني! الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ *.

عيسى لم يُقم دولة، ولا طُلب منه ذلك، وإن صح ما يُنسب إليه؛ أن أعط ما لقيصر لقيصر، وأعط ما لله لله، ملكوتي ليس في هذه الدنيا، فإذن ملكوته أين كان – عيسى كما صرَّح به في الأناجيل -؟ في قلب المؤمنين. ملكوت عيسى الحقيقي في قلب المؤمن. قال وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا *.

إبراهيم يا شيخنا، يا مودودي، مثله. طبعا وهو قال، قال إبراهيم هيأ الأرض! معناها ماذا؟ لم يُوف على الغاية، ولم يُحقق الغاية الأكمل، من الدين! وهي السُلطة والحاكمية، والكلام هذا كله! إبراهيم، الحنيف المُسلم، أبو المُسلمين، أبو الأنبياء! أليس كذلك؟

عكس للأمور، عكس للأمور! ولذلك سيدنا موسى أيضا، كان يعلم أن هذا عكس للأمور، وفهّمنا! قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ *. نحن دائما مُستذلون، مُهانون، مُستضعفون، مُستلحقون، ليس لنا استقلال بحُكم أنفسنا! نُريد أن نصير وحدنا، أي دولة وكذا! ماذا قال لهم؟ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ *، يُعطيكم الحاكمية والسُلطانية، جيد! وفقط؟ هذا انتهى؟ أوفينا على الغاية؟ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ *.

فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ *! ومن أهم العمل على الإطلاق، ما هو؟ جوهرة العبادة. تتجوهر بالعبادة الحقة لله! الله الذي قال أَقَامُوا الصَّلَاةَ *. ليس صلوا، أَقَامُوا الصَّلَاةَ *! تُصلي حقا، هو هذا! فلا نُريد أن نُطوِّل في الناحية هذه، نعود إلى ما كنا فيه.

فالشيخ أحمد الفاروقي السرهندي، اشتغل على هذين المحورين. نقّى الفكر والوجدان والعقل من كل الأباطيل والزندقات الصوفية والباطنية هذه، تماما! ضربها ضربة واحدة. ولم يكن عنده واحد كبير.

الكبير هو الله، ثم ماذا؟ نبيه. غير هذا، لا يُوجد واحد كبير. تقول لي مُحيي الدين بن عربي، ابن الفارض، الشيخ فلان، سيدي عبد القادر. قال لهم لا يُوجد! عندنا كتاب وسُنة، وأنا صوفي. وهو قطب صوفي كبير، هو! هو مُجدد، لكن الكتاب والسُنة يا حبيبي، الهداية كلها في الكتاب والسُنة.

أي واحد يُريد أن يختدعك عن مُتابعة الكتاب والسُنة، بأي حيلة، إياك! سؤ ظنا فيه، قل لا، هذا ربما يُريد أن يصيرني زنديقا. ماذا قال أبو سُليمان الداراني – قدس الله سره -؟ أيضا هذا من أقطاب الصوفية العظام جدا!

أبو سُليمان كان يقول – عبارة مشهورة لدى الصوفية – ربما وقعت النُكتة من كلام القوم في قلبي -أي كلمة تُروى عن الجُنيد، تُروى عن فلان، عن سهل بن عبد الله، عن أي واحد! تقع في قلبي، أي يكون لها لذة وحلاوة -، فأتوقف فيها، ولا أقبلها، إلا بشاهدي عدل، من الكتاب والسُنة.

لا يُوجد! كل حقيقة لم تشهد لها الشريعة، فهي زندقة وانحلال. أين الشاهد من كتاب الله؟ أين الشاهد من سُنة رسول الله؟ لا يُوجد عندك شاهد؟ كلام فارغ، تضرب به عُرض الحائط، هذا دين، لا يحتمل اللعب، لا يحتمل اللعب!

وكان مولانا الإمام الشيخ القُطب أبو الحسن الشاذلي – قدس الله سره -، ماذا يقول؟ يُعلِّق ويُعقِّب على كلمة الداراني، يقول صدق – كلامه صحيح، وأنا معه -، وذلك أن الله تبارك وتعالى لم يضمن لنا العصمة، إلا في الكتاب والسُنة.

البشر بعد ذلك، مُعرَّضون في اجتهاداتهم، للصواب والخطأ، مهما كانوا حسني النية! أليس كذلك؟ برآء القصود، مهما كانوا! الإنسان ليس معصوما، نحن لسنا أنبياء، نغلط، نغلط! تقصر بنا أفهامنا، تُضللنا عقولنا، مرات! يحدث هذا، يحدث هذا!

ولذلك كان من شعار الإمام السرهندي، الذي أورده في مكتوباته، كان يقول نحن لا نُريد كلام ابن عربي، نُريد كلام النبي العربي. كلام جميل! لا تقل لي مُحيي الدين بن عربي قال! لا يهمني، أُريد أنا أن أؤسس على كلام محمد العربي، ليس مُحيي الدين بن عربي.

ولا نُريد الفص، نُريد النص. أي فص؟ وأي نص؟ النص هو كلام الله وكلام رسوله، والفص فصوص الحكم. يُوجد هكذا مُجلد، طبعا له عشرات الشروح، وهو كتاب خطير، وفيه مقولات خطيرة ومُخيفة! فيه مقولات مرفوضة في ظاهر الشرع تماما، لا يُمكن أن يُقال بها! للأسف! وبعض الصوفية يقبلها، ويتمحل لها!

لسنا ملزوزين يا سيدي، لسنا ملزوزين أن نتمحل لها. بما أنه الظاهر باطل، تُبطله الشريعة، نحن نُبطله. ثواب الشيخ وأجره، على الله. ماذا قصد؟ ماذا أراد؟ هو حر، عند الله. نحن لا نتكلم في الشيخ نفسه، الشيخ الأكبر – قدس الله سره -!

لا نتكلم! لكن الباطل باطل، والغلط غلط، والذي ظاهره يُرد يُرد، إلا إذا كان ظاهرا قريبا، بتأويل قريب يُقبل، نتأول له، أما إذا كان عصيا على التأويل، نرده. فلا تُقل لي فصوص الحكم، وقال الشيخ الأكبر في فصوص الحكم! كيف قال الشيخ الأكبر، في مُقابل قال الله تبارك وتعالى؟

مثلا الله تبارك وتعالى قضى بأن فرعون من أهل النار، أليس كذلك؟ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ *، أم أنه يذهب ليوردهم، وبعد ذلك يرجع هو، ويذهب إلى الجنة؟ هل معقول هذا العبث في القرآن الكريم؟ مُستحيل! طبعا الآية واضحة جدا جدا.

قال لك هو إمام قومه أصلا! وهو – والعياذ بالله – يتقدمهم إلى جهنم، فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ *، هو يَقْدُمُ *. ما معنى هنا كلمة يَقْدُمُ * إذن؟ انتهى! هو قبلهم، يُغمس في جهنم قبل قومه وأتباعه وجيشه الظلمة.

ابن عربي عمل لك فصا هكذا، يُريد أن يُثبت لك فيه أن فرعون مات مُسلما مؤمنا، وهو ناج ومن أهل الجنة! كلام فارغ، لا نقبله، نرده تماما، لا نحتمل مثل هذه الأشياء. هل قال ذلك ابن عربي حقا؟ دُس عليه؟ أيضا لا يعنينا. يعنينيا أن نرده! لكن نحترم الشيخ، لا نُريد أن نقع في أولياء الله، لا نعرف!

لا أُريد أن أُطيل عليكم، فقط – بفضل الله – حين كنت شابا صغيرا، في نحو العشرين أيضا، أكرمني الله برؤية سيدي رسول الله في المنام، رأيته خرج من قبره، في الروضة الشريفة، إي والله! وسألته عن هذه المسألة بالذات!

شيوخ أجلاء مشاهير، كذا! يقولون كلمات تُنكرها ظواهر الشريعة! وهو يستمع إلي، فأنا قلت له يا رسول الله، إن هذه المقولات، لا بُد أن تُرد، بظواهر الشريعة؛ حفاظا على الشريعة المُصطفوية، ثم نكل أمرهم إلى الله! الله أعلم طبعا: قال، لم يقل، ما فهمه، دُس عليه!

فابتسم لي، وهز رأسه، وأضاف كلمتين: وقد يكونون عند الله على خير. والله العظيم! فالحمد لله، قلت هذه الطريقة التي ألهمني الله إياها. بعض الناس ليس كذلك! كأن عنده خصومة شخصية، مع ابن الفارض، أو مع الشيخ الأكبر، ويُريد أن يُثبِت لك أنه كافر وزنديق! يا رجل اتق الله، اتق الله!

أنت مطلوب منك إذن شيء آخر، غير أن تنهى عن المُنكر؟ إذا رأيت قولا نُكرا، وشيئا لا يقبل التمحل والتأويل، رده، ونحن معك. وقف عند هذا الحد، لا تتورط في أعراض العلماء وأولياء الله، أليس كذلك؟ وانتهى!

كما يقول المثل السوري – مثل جميل جدا! – أنت تُريد العنب، أم تُريد أن تُقاتل الناطور؟ لا! تُريد العنب، انتهى! انتهى، حصَّلنا المعنى، حصَّنا الشريعة، الحمد لله! نكل أمر هؤلاء وهؤلاء إلى الله تبارك وتعالى.

فالشيخ أحمد السرهندي – قدس الله سره -، اشتغل في هذا الجانب شغلا قويا جدا جدا، وعنده تحقيقات من أمتع ومن أروع ما يكون! أنا تعلمت منه، قبل حوالي ثلاثين سنة – أكثر من ثلاثين سنة! كنت في العشرين من عُمري -، لأول مرة!

لم أقرأ هذا في كتاب، ولم يُفهمني إياه شيخ! تعلمت منه التفريق بين صفاء القلب وصفاء النفس، تخيل! لم أكن أعرف هذا. وعنده طريقة في إثبات هذا وبرهنته، رجل قُطب كبير!

قال لك صفاء النفس يحصل للمؤمن وللكافر، للمُوحِّد وللمُشرك. وهناك أُناس يشتغلون على تصفية أنفسهم، ويصير عندهم لياقات وقُدرات عجيبة! بحيث يفعلون أشياء خارقة في العادة! قال لا تُوجد مُشكلة، هذا يحصل للكفار أيضا! وخاصة الهند فيها من هذا كثير، ما يُسمى بالفاكير Faqir! فقراء الهنود، المُتصوفة الهنود، الهنادكة والبوذيون.

قال أما صفاء القلب لا يحدث أبدا ولا يقع إلا للمُوحِّد. أبدا! مؤمن مُوحِّد، يحصل له صفاء قلب. وإذا ووجها الاثنان، دائما يتغلب القلب الصافي، على النفس الصافية، ويقمعها – بإذن الله تعالى -. عنده تحقيقات عجيبة!

عنده تحقيقات، كما لفت الإمام الندوي – رحمة الله عليه -، سبق بها كانط Kant؛ إيمانويل كانط Immanuel Kant! عجيب! في العقل المحض، أو العقل المُجرد. كلام عجيب! رجل كان عميقا جدا!

المُهم، لا نُريد أن نُطوِّل بهذا، هو أفلح وأنجح هنا كثيرا، وأفلح وأنجح في موضوع المُتابعة الشرعية، وخاصة للسُنة المُحمدية – على صاحبها ألف ومليون تحية وسلام، إلى أبد الآبدين -.

كان يُحافظ على السُنة في كل شيء، ما شاء الله عليه! عكس المُتصوفة الكذبة، الذين يُفرِّطون حتى في الفرائض! ويشربون الخمر، ويعملون الفواحش، شيء غريب! ويزعمون أنهم واصلون، وأن هذا حِلٌ لهم، حرامٌ علينا! زندقة، زندقة وإباحية حقيقية.

مرة من المرات، كان يقول لهم ما حصل لي ما حصل، من الفتوح والأرزاق والبركات، إلا بفضل مُتابعة الحبيب الأعظم – عليه الصلاة وأفضل السلام -! حتى إني – يقول لهم – دخلت مرة الخلاء – أعزكم الله – برجلي اليُمنى سهوا… لم يكن مُنتبها، ربما سارح في شيء!

دخلت سهوا. طبعا أدرك أن هذا خطأ، ومُخالف للسُنة – ليس أنه حرام، أي هذا شيء مكروه -. قال فحُرمت في ذلك اليوم الفتوحات والمقامات. اليوم كان فقيرا جدا؛ بسبب مُخالفة في سُنة واحدة صغيرة! انظر كيف يُعلِّم تلاميذه!

أعجب وأبلغ من هذا، أنه قال لهم مرة، أو قال لأحد تلاميذه، قال له يا فلان ائتني بحبات من القرنفل، من ذلك الكيس. كيسه! فأتاه بست حبات. فلم يُعجبه، وعُرف الحرد في وجهه، تضايق جدا!

قال أما يعلم الصوفي – كأنه ليس هو! وهو طبعا يُوجِّه إلى تلميذه، لكنه لا يقول له أما تعلم؟ انظر! رعاية لجانبه وخاطره! أما يعلم الصوفي – أهمية وعِظم الاستنان بسيد الكل – عليه الصلاة وأفضل السلام -؟ أما يعلم أن الله وتر، يُحب الوتر؟

أحضرت لي ست حبات؟ أحضر لي سبعا، أحضر لي تسعا، أحضر لي خمسا. حتى في هذه؟ حتى في هذه! والله – أقسم بالله، رحمة الله عليه، والله – لو أُعطي مُسلم الدنيا بما فيها، على أن يترك سُنة مثل هذه، ما وفت بها.

الله أكبر! ما الحالة هذه من الاتباع؟ معقول؟ والقُطب الكبير هذا يحلف بالله، أن الدنيا كلها تُعطى لك، على أن تترك سُنة مثل هذه، لا يُساوي شيئا! الذي تركته أفضل بكثير مما أخذته. الله أكبر! ما الروحانية العالية هذه؟ سوف تقول لي…

انظر، أنا الآن اقشعر بدني، والله! سوف تقول لي بدأت أفهم الآن، ألتقط! مثل هذا المُبارك، ميمون النقيبة، حقيق أن الله يُحيي به أمة ودينا! أليس كذلك؟ مثل هذا الصدق الساطع، هذا الاتباع العجيب!

بهذه الطريقة سار طبعا – كما قلت لكم -، بعث خلفاءه في البلاد، ليس فقط في البلاد الهندية، وفي البلاد العربية، بلغوا! الآن ترى أنت مشايخ وعلماء وصوفيين كبارا وأُناسا صالحين مُباركين، يقول لك هذا يتصل نسبه بالمُجدد، وهو من الطريقة المُجددية.

ذكرت لكم في الجُمعة السابقة الشيخ صبغت الله المُجددي، أول رئيس لأول حكومة في أفغانستان بعد نجيب الله، أليس كذلك؟ صبغت الله مُجددي! هو أيضا ينتهي إلى الشيخ المُجدد، من ناحية الطريقة، طبعا! إلى اليوم، ما شاء الله! إلى اليوم أتباعه بالملايين!

عمروا البلاد، بالألوف! ابنه الشيخ محمد معصوم بايعه زُهاء مليون، بيعة يد ليد! على تقوى الله وعلى الذكر والعبادة والتشحر والدعوة إلى الله تبارك وتعالى وبث الخير في الناس، مليون! ابنه! كيف هو – ما شاء الله عليه -؟

في كل مكان! شيء عجيب! بركة غير عادية! بركة غير طبيعية! فعلوا هذا لله، لا يبغون من الناس لا جزاء ولا شكورا. وعاشوا زاهدين، وماتوا زاهدين حميدين – رضيَ الله عنهم وأرضاهم -.

المُهم، ما الذي حصل؟ مات أكبر Akbar. جلال الدين أكبر Jalaluddin Akbar مات، إلى حيث ألقت، على ما هو عليه، لم يتب من كُفره، ولا من دينه الإلهي الجديد هذا. خلفه ابنه جهانكير Jahangir، فاتح العالم، أو قائد العالم!

وكان مُثقفا، وكان عالما، وعنده كتاب في التاريخ؛ تُزك جهانكيري Tūzuk-i-Jahāngīrī! اسمه تُزك جهانكيري Tūzuk-i-Jahāngīrī، تُزك Tūzuk معناها بالعربية مثل مُذكر! مُذكرات. أرّخ فيه لأول سبع عشرة سنة من حُكمه، لأول سبع عشرة سنة!

أول سبع عشرة سنة تأريخ تُزك جهانكيري Tūzuk-i-Jahāngīrī، كان مُثقفا وعالما وكاتبا ومؤرخا، وكان أفضل من أبيه، كثيرا! لم يتدنس بالأفكار هذه الحلولية، وأفكار الدين الإلهي عند أبيه – بفضل الله عز وجل -، لكن فيه بقايا، من أشياء مُعينة، للأسف! ليس على ما يُرام، وما زال أيضا يُحيط به علماء ليسوا صالحين، ليسوا صالحين! وبعضهم من فئات أُخرى ضالة – والعياذ بالله -.

حين مات، وجاء جهانكير Jahangir، دس بعض هؤلاء الوشاة لجهانكير Jahangir الآتي عن الشيخ أحمد الفاروقي السرهندي!

طبعا الشيخ أحمد الآن أصبح ملء الدنيا، سمعا وصيتا، الكل يسمع بالشيخ أحمد بن عبد الأحد! وله تلاميذ في كل مكان، ورسائله، ومكتوباته، وكُتبه بالفارسية وبالعربية وبالأُردية، مشهورة وكثيرة!

فدسوا له أن الشيخ أحمد له رسالة، وهذه هي الرسالة! نحا فيها منحى باطنيا، فلعله من الزنادقة! صدَّق جهانكير Jahangir، صدَّق جهانكير Jahangir وغضب! مع أن هذه الرسالة مؤلفة سنة اثنتي عشرة وألف! ألف واثنتا عشرة!

ألف واثنتا عشرة! وهذه الواقعة الآن، كانت بعد موت أكبر Akbar، في سلطنة ومُلك جهانكير Jahangir، سنة ألف وثمان وعشرين! سنة ثمان وعشرين وألف! أي بعد كم؟ ست عشرة سنة! معقول؟ أي نمتم عنها، ولم تتكلموا عن هذه الرسالة، ست عشرة سنة؟

لذلك يُرجح مولانا أبو الحسن الندوي غير هذا. سبب محنة الشيخ الإمام أحمد السرهندي ليس هذه الرسالة، سبب المحنة أنه كان مُجتهدا في طريقته في الإصلاح، والتي تقوم على بنود!

البند الأول ترك الدولة والحكومة بما فيها ومَن فيها. لا نشتغل بهم، لا نتكلم عنهم، ليس لنا علاقة نحن بالسُلطان! السلطان راح، جاء، ليس لنا علاقة! اترك السُلطان، لا تُهيج السُلطان، لا تُهيج!

سوف تقول لي عكس خُطة الإسلاميين! عكسهم تماما! ولذلك الإمام أبو الحسن الندوي، حين وضع كتابه هذا، قبل أن يُكمله، ماذا كتب – هذا الرجل المُبارك، رحمة الله عليه -؟ قال هذا الكتاب إن قُدّر له أن ينجز، أو يتم، فسيكون – بعون الله تبارك وتعالى – هدية قيمة، أو رسالة، إلى القرن الخامس عشر الهجري.

رسالة. قال! انظر، عجيب! لماذا؟ لماذا عندك هذه الثقة؟ ماذا في هذا الكتاب؟ ما المُميز فيه؟ قال هذا القرن، قرن الأمة الإسلامية، التي حالت فيها أحوال، وتغيرت أشياء كثيرة، وتناوبت عليها صروف الدهر؛ صروف الدهر وغيره.

قال هذا الكتاب – بعون الله تعالى – سيكون عرضا لتعاليم وطريقة الشيخ الإمام السرهندي في الإصلاح، من غير أن نتورط في الدماء والقتل واستفزاز السُلطة والملوك والرؤساء. قال كما يفعل كثيرٌ من أبناء الحركات والتنظيمات الإسلامية المُعاصرة! مِمَن يُسارعون بلا هوادة في استفزاز السُلطات والرؤساء والدول والملوك، ويخوضون معها الأهوال!

فللأسف من أول الشوط يضطرون السُلطة دائما، إلى ماذا؟ إلى أن تتخذ موقف المُعارضة لهم. فتحصل كوائن عظيمة جدا جدا! ويصير هناك تشنيق وتغريب وسجون وذبح ومُلاحقة، وربما ضُيّق على النشاط الديني عامة طبعا، مُسيسا كان، أم غير مُسيس! ومَن السبب؟ هؤلاء! الذين حرَّكوا الوحش النائم، الذين حرَّكوا الوحش النائم!

نحن حُكمنا بزُهاء مئة وخمسين خليفة وسُلطانا وكذا، أليس كذلك؟ وملكا! جميل! مَن العادل منهم حقا؟ سوف تقول لي أورنكزيب Aurangzeb، أنت ذكرته! أورنكزيب عالمكير Aurangzeb Alamgir.

ليس كما تعتقد، أي ليس لآخر المطاف! أورنكزيب Aurangzeb قتل أخاه، وقطع رأسه! وقال لا تروني وجه هذا الحقير – لم يرض أن يراه -، وأرسلوه إلى أبيه. مَن أبوه؟ شاه جهان Shah Jahan – رحمة الله عليه -، السُلطان الصالح الطيب! والآن سأتحدث عن شاه جهان Shah Jahan.

شاه جهان Shah Jahan كان يُحب دارا شكوه Dara Shikoh – اسم أخي أورنكزيب Aurangzeb! اسمه دارا شكوه Dara Shikoh -! كان يُحب دارا شكوه Dara Shikoh أكثر من أورنكزيب Aurangzeb! يُحبه أكثر ويُقرِّبه!

أورنكزيب Aurangzeb، في آخر ثماني سنوات من حياة شاه جهان Shah Jahan، ألقى القبض على أبيه، السُلطان الصالح الطيب، الذي أعاد للإسلام مجده، قبل ابنه، ووضعه في قلعة! صحيح أنه كان مُعززا مُكرما، أكل وشرب، لكن هكذا تعمل بأبيك؟ تختطف أباك وتضعه في القلعة؟ مستعجل على الحُكم! وقتل أخاه، انس!

انظروا الدرس الذي أُريد أن أقول لكم إياه، انظروا:

إن شاء الله أكون مُلتزما معكم ومع ضميري ومع نفسي بالصدق. والصدق يا جماعة يفتح الأعين. عندما ترى الأشياء بصدق، تبدأ تفهم أشياء، أنت لم تكن فاهمها، مع أنها سهلة جدا على الفهم، وبعُشر ذكاء تُفهَم، بُعشر ذكاء تُفهَم!

السُلطة غيرة ولا تعرف الرحمة ومُتوحِّدة وباردة! لا تُوجد سُلطة، من حيث هي هكذا، تقية وطيبة ومُتسامحة ومعطاءة وكريمة، انس! يكفي أن تُنازع أحدا في سُلطانه، حتى ترى الأهوال! ولن أحكي! واقرأ تاريخك، من أوله إلى آخره، باستثناء الفترة الأولى، أول بضع سنوات! وانظر بعد ذلك ماذا حصل في تاريخك!

يا رجل، الأب قتل ابنه، الابن قتل أباه، الأم قتلت ابنها، الأخ قتل إخوته، الصديق قتل أصحابه وخلصانه! هذا التاريخ! وعلى فكرة، لسنا بدعا، قد نكون أحسن من غيرنا بكثير، ما زلنا! انظر تاريخ أوروبا، أسوأ وأسوأ! هذه السُلطة!

فلذلك أنا أقول لكم صدِّقوني الوصفة الجهنمية لاستعداء السُلطات على الإسلام وأهله وأحبابه ودُعاته، هي أن تُنازعهم أو تُقاتلهم أو تُفهمهم أنك تُريد مُغانمة ماذا؟ السُلطة. وصفة جهنمية! كفيلة أن تقلب كل الأمور ضدك، ما رأيك؟ وإن كنت من أقرب المُقربين لهذا السُلطان! والله لو كنت ابنه، سيسطو بك، سيذبحك! ذبحوا أبناءهم، ذبحوا أبناءهم!

الخيزران! سوف تقول لي هذه زوجة المهدي؟ زوجة المهدي، ابن أبي جعفر المنصور، وأم الرشيد. قتلت ابنها؛ الهادي! قتلته من أجل السُلطة! أن تُمكِّن لهارون، عبد الله هارون الرشيد، قتلت الهادي المسكين! غمته بالمخدات هي والخادمات، وقتلته! قتلت ابنها! وبكت عليه!

السُلطة لعنة! من أين لكم – ودعونا نكون واضحين -: لأننا مُسلمون، أو عندنا البرنامج الإسلامي، وعندنا المشروع الإسلامي، نُريد أن نُغانم السُلطة، وكل مَن يقف في وجهنا ولا يتنازل، فهو كافر، وعدو للإسلام وكاره للإسلام؟ كلام إنشائي باطل، ومؤسس كله على باطل! ليس كافرا ولا يكره الإسلام، الصراع على السُلطة! الصراع على ماذا؟ السُلطة!

سوف تقول لي أين تُريد أن تذهب؟ لا، لا! أنا أُقرِّر حقائق واقعية وتاريخية، كما هي! لأنني أُتهم بـ: أنت تسكت على الظلمة وعلى المظالم وكذا! لا، لا، لا، غير صحيح، ليس هذا. وأنت تؤيد الظلمة والفسدة! غير صحيح. أنا أقول لك ما هو!

لا أستطيع، لا أنا، وإلا كنت أكذب الكاذبين، لا أنا ولا غيري، أن أُنكر أن هناك مظالم، وأن هناك ظُلما، وأن هناك فسادا، وأن هناك مفاسد! لكن ليس فقط اليوم، عبر تاريخنا! وفي كل المُجتمعات! ما كان هناك مُجتمع نقي بالكامل، ومُجتمع نبوي مثل مُجتمع الرسول! حتى مُجتمع رسول الله، كان فيه المُنافقون، وفيه بعض مَن ارتكب الزنا!

درس التاريخ يقول – درس واحد، يتكرر دائما، كما هو – مس جانب السُلطة، هيَّجت الغول! فتحت باب الجحيم عليك، وعلى مَن معك، وأنت المسؤول. الآن طبعا يبدأ يعلو الصياح؛ الظُلم والمُسلم! نعم، ما سبب الظُلم هذا؟ لماذا هم في السجون؟ لماذا عُلقوا على المشانق؟ طبعا نحن لا نُبرر، لا سجنهم ولا حتى تشنيقهم.

فقصدي أن أقول، عند الكلام عن الظُلم والظلمة وكذا، وأنك تسكت؛ اسأل نفسك مَن الذي تسبب في هذا؟ مَن الذي جرنا إلى أن نكون مظلومين، وأن نُسجن ويُضحى بنا؟ مَن؟ مَن الذي لعب بنا ورقة ظن أنها رابحة، ولم تربح، وخسرت؟ ودفعنا نحن الثمن، أرواحا ودماء وسجونا ومُعتقلات وتهجيرا ونفيا! مَن؟

اتقوا الله، في أنفسكم، وفي أمتكم، وفي الشباب، وفي الناس، والله ستُسألون – أُقسِم بالله – عن كل شيء، قسما بالله! يظنون أنها لعبة هم! لا، لا، في سبيل المشروع وكذا! المشروع فاشل، لماذا الله تبارك وتعالى، رفع يده عنكم، يا أخي؟

انظروا يا جماعة، تسعون سنة، بالله عليكم، أليست كافية لاختبار أي فكرة؟ كافية. إذن أنا أُعطيكم معيارا عجيبا غريبا من نوعه! يُوجد عندي خُطبة، كنت أُريد أن أخطبها، من حوالي عشر سنين، منعني عنها ألا يُشتَم منها رائحة شماتة. لا أُحب هذا، ليس في طبعي هذا، انتهى!

أُناس سُجنوا، أُناس عُذبوا، انتهى إذن! أنا أسكت، لا أُريد. نصحنا وتكلمنا، عندما كانوا في الخارج، وفي القوة والعنفوان، لم يسمعوا! انتهى، أحرار. وغيري نصح! كثيرون! لم يسمعوا! ومن داخلهم، ولم يسمعوا!

بعد أن امتُحنوا، نحن نسكت. الخطبة، ماذا كان من المفترض أن يكون عنوانها – والإخوة يعرفون -؟ كم عُمر الابتلاء؟ كم عُمر الابتلاء؟ لأن كلما قلت لهم يا جماعة ما هذا الذي يحيق بكم؟ يقولون لك هذا ابتلاء، ابتلاء، ابتلاء!

إذن لا يُوجد احتمال، ولو ضعيف، أن يكون عقوبة؟ كيف ستُفرِّقون بين الابتلاء والعقوبة؟ لم يدرسوها، المسألة هذه! ليس عندكم معايير؟ هناك معايير كثيرة، على فكرة!

لا أُريد أن أحرق خُطبتي وفكرتي فيها، لكن على الأقل يُوجد عندك أنت معيار عجيب جدا جدا! المفروض ألا يتخلف، إطلاقا! وهو المعيار القرني، المئوي! إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة عام… ما معنى هذا الحديث ثقافيا، سُننيا؟ لو تُعيد إنتاج الحديث، تفسير الحديث، سُننيا، ما معناه؟

النبي – صلوات ربي وتسليماته عليه -، بضميمة هذا الحديث، مع حديث أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وقل مَن يُجاوز ذلك، بضميمة هذا، إلى حديث التجديد، عند أبي داود والبيهقي، النبي يرسم لنا رسالة عبقرية، والله العظيم! من أعجب ما يكون!

تقول كل فكرة صالحة، كل فكرة فاعلة، كل فكرة مُنتجة، لا بُد أن تأخذ طريقها، إلى الفاعلية والإنتاج والتأثير، وبرهنة نجاحها، في كم؟ في عقود يسيرة! بحيث أنه إذا تم لها عشرة عقود، تكون استنفذت أغراضها، آتت كلها أُكلها! حتى لم تبق قادرة على العطاء الجديد، فلا بُد أن تحل محلها، ماذا؟ فكرة جديدة، تجديدية! لذلك ضرورة التجديد كل مئة سنة، النبي يقول! كل مئة سنة تجديد، تجديد، تجديد!

بالله عليك، إذا مرت المئة السنة، ونحن في السجون، وعلى المشانق، وفي المنافي، ودائما في موقع الضحية، ما تفسير هذا؟ إذا كنت تُريد الفكر! أنت تقول لي الفكر. يقول لك عدنان ليس عنده منهج! ليس عندي منهج، تركت المنهج لكم، تركت التفكير المُنظم والمنهجي لكم، ما شاء الله عليكم وعلى منهجكم! شيء عجيب!

إنه التشدق بالكلمات، على فكرة! وهذا أحد أمراض الإسلاميين، والمُسلمين عموما، في العصر الحديث. الرويبضة يتكلم! تظن أنك إذا نعت أي واحد بالرويبضة، صار رويبضة؟ التافه يتكلم في شأننا! المُتعالم! ما هكذا تورد يا سعد الإبل، لا يا حبيبي، المسائل ليست هكذا.

ولذلك المسائل تختلف. أوسعتهم شتما، وأودوا بالإبل! اذهب وتكلَّم وسب وقل قصائد هجاء، أنت الخسران في الأخير، أنت الضحية، أنت المُضحى بك، أنت الفاشل. اتق الله في نفسك، وفي أُمتك وفي دينك. واضح أن هذه الفكرة لم تشتغل، واشتغلت خطأ، بالعكس! دمرت نفسها، ودمرت كل مَن حملها، لم تُفدنا! ضعنا، ضيعت أشياء كثيرة، (تبهدلنا، نحن تبهدلنا).

وعلى فكرة، وهل خلا القرن من تجديد؟ حاشا لله! القرن فيه تجديد، وفيه مُجددون، وفيه علماء ربانيون، ظلوا أوفياء لروح الدين، وصدق الدين، وجوهر الدين. وبحمد الله تبارك وتعالى هم هؤلاء الذين يُلهِمون! يُلهِموننا ويُلهِمونك ويُلهِمون غيرنا، هم هؤلاء! الحمد لله. وعلى طيلة القرن – بفضل الله -، يُلهِمون على طيلة القرن! الذين فهموا الإسلام في عُمقه وجوهره، واضح؟

فنرجع إلى موضوعنا، يجب أن نُكمل موضوع الشيخ السرهندي، بسرعة! وأقرأ لكم بعض النقول، وأفتح ميدان الأسئلة؛ حتى لا أُطيل أكثر من ذلك.

المُهم، جهانكير Jahangir بلغته هذه الوشاية. الشيخ أبو الحسن الندوي يقول لا، ليست هي السبب! السبب ماذا؟ السبب يعود إلى الخُطة التي اختطها واصطنعها الإمام السرهندي في إصلاح الأوضاع في البلاد! في القارة الهندية. في أعظم مملكة، بعد السلطنة العثمانية!

لم يكن في عالم الدنيا، في ذلك الوقت، لم يكن في العالم كله، أعظم رقعة من الإمبراطورية العثمانية! تليها المغولية، في الهند، مُباشرة! من ناحية المساحة والرقعة الجغرافية، إمبراطورية عظيمة! يُعيدها مُتصوف، شيخ زاهد بسيط طيب؛ الشيخ السرهندي؟ نعم.

فيقول الخُطة التي اختطها: ترك الدولة والسُلطة، وإعلان اليأس الكامل منها. ليس لي علاقة أنا! ليس لي علاقة بالسُلطان أكبر Akbar وقضيته وفساده وإجرامه، لا أتكلم عنه، لا أُريد! لا، لا ينبغي إهاجة الغول.

الله يرحم شيخ الإسلام ابن تيمية. ابن تيمية اليوم يتشدقون كثيرا باسمه! كثيرا ما كان يُوجد عنده أشياء فيها ثقوب نظر، ونفاذ بصر، وحكمة مُستكنة، لم ينتفعوا بها، ولا أفرغوا عن منطقها! سواء السلفية أو المُسيَّسون.

الشيخ ابن تيمية – وهذا الكلام هم يعرفونه، وكم ذكروه! لكن عملتم به؟ – مر مرة، ومعه بعض تلاميذه، على جُندي مغولي – لأن المغول احتلوا أيضا بلاد الشام، كما تعرفون -، وكان قد تطوح من السُكر! على الأرض نزل، وسكران، (معبيها)! فتلميذ ابن تيمية قال الآتي!

طبعا المغول كانوا مُسلمين آنذاك. مُسلمون، نعم! كانوا مُسلمين. فقال أأمره؟ قال له لا، لا، لا، لا! لا تأمره، ولا تنهه، دعه يظل سكران، أحسن له، وأحسن لنا! قال له كيف يا شيخ الإسلام؟ الأمر بالمعروف، النهي عن المُنكر!

قال له هذا إن استفاق من سُكره، عاث في الأرض فسادا. نعم مُسلم، لكن جاهل! غبي هذا! بسيفه وبخنجره يذبح هذا، يغتصب هذه، دعه! هذا في سُكره أفضل لنا وللأمة والناس منه فائقا مُستيقظا! أرأيت الوعي؟ هذه عقلية ابن تيمية! عقلية الذي قال له إنه يفهم المقاصد. هذه المقاصد! من المقاصد ألا تُهيِّج السُلطان.

فنعود، فالمُهم أن الشيخ أحمد السرهندي، ماذا عمل؟ لم يترك أركان الدولة ورجال البلاط. بذكائه، وعنده تلاميذه ومُريدون، يسأل مَن فيهم له معدن طيب؟ مَن فيهم تشعرون أنه أقرب إلى الإسلام وحُب الدين؟ فلان، السيد فريد Farid! وكان هذا كذلك فعلا، السيد فريد Farid ! وكان شخصية علوية، من نسل رسول الله، وكان طيبا، أي الوزير هذا.

فيبدأ يُراسله، يُذكِّره بأصله، يبعث فيه حمية الإسلام، غيرة الإسلام. تبدأ المُراسلات! ومع هذا، ومع هذا، ومع هذا! وعشرات من رجال الدولة! أمر بالمعروف، نهي عن المُنكر، بأسلوب وادع. مُراسلات! ليس أكثر من هذا، وليس لها علاقة بالسُلطة والسُلطان والانقلاب عليه أبدا، أبدا، أبدا، أبدا! مُجرد: أنت مُسلم؟ في موقعك، اخدم دينك، خفِّف البلاء عن المُسلمين، قدر ما تستطيع، وفقط! وابق كما أنت.

سمع بها مَن هذه – فيما يُرجِّح الإمام الندوي -؟ جهانكير Jahangir. قال لك نعم، ربما تكون مؤامرة داخلية هذه! يُريد في الأخير أن تنتفض أركان الدولة علي! أحضروه، ابعثوا له. قال لأمير سرهند أحضره لي اليوم! بأي طريقة. قال له! فحمل الشيخ، استودع الله زوجه وأولاده. الله رزقه سبعة أولاد، مات أربعة منهم في حياته، وعاش ثلاثة؛ محمد صادق، محمد معصوم، محمد سعيد – رضوان الله عليهم -.

وجاء، فأُدخل على الملك، الذي هو جهانكير Jahangir! أُدخل على جهانكير Jahangir، لم ينحن له. من أيام أكبر Akbar طبعا، كان هناك انحناءة شديدة! لا بُد أن تنحني، أي أشبه بالسجود! وأيام أكبر Akbar كان الدخول عليه هكذا! وواحد يقول الله أكبر. فواحد ثان، من الحاشية، ماذا يقول؟ أكبر Akbar خليفة الله!

الأول يقول الله أكبر. الثاني يقول له أكبر Akbar خليفة الله! وشبه ساجد فعلا! وكان هناك سجود للسُلطان بصراحة. أيام جهانكير Jahangir شبه سجود. لا! الشيخ أحمد: السلام عليكم ورحمة الله أيها السُلطان.

فقال له لماذا لم تُحيني بالتحية التي تعلم؟ قال له أنا لا أنحني لغير الله تبارك وتعالى، ولم أسجد في حياتي، ولن أسجد، إلا لله الذي خلقني. فغضب السُلطان! كيف تفعل هذا؟ كيف تجرؤ؟ قال له هذا ديني، هذا ديني وبهذا أمرني. وجهانكير Jahangir أفضل كثيرا من أبيه – كما قلنا -، ويُحب الإسلام عموما، وفيه خير فعلا.

فأمر بسجنه، قال يُسجن! كواليار Gwalior! قلعة ماذا؟ كواليار Gwalior. سُجن فيها سنة كاملة! طبعا رجال السُلطان، ليلا ونهارا، يأتونه بتقارير! قالوا له يا سُلطان ألوف من الهنادكة والبوذيين أسلموا! ألوف!

هذه الواقعة؛ أن هناك ألوفا أسلموا، تذكرها التواريخ الإسلامية الهندية، ذكاء الدين وغيره وكذا! تواريخ إنجليزية، وحتى توماس أرنولد Thomas Arnold، نزلوا بها إلى مئات! قالوا مئات! وإرنست رينان Ernest Renan منهم! رينان Renan المُلحد هذا، قال مئات!

لا! مصادرنا الإسلامية، وهي أدق طبعا، ومن داخل المطبخ – كما يقولون -، أهل مكة أدرى بشعابها، قالت لك ألوف! ألوف! وما لا يُحصيه إلا الله، من سُجناء المُسلمين، تابوا وأصبحوا مُريدين للشيخ! أصبح السجن مسجدا! معبدا!

إذن هل يُحرِّض؟ قالوا له أبدا، أبدا! ولا يذكرك، إلا بالخير، ولا يُحرِّض أبدا! كلامه كله عن الله والرسول والروحانية والعبادة والذكر والأوراد. قال شيء عجيب! أخرجوه. بعد كم؟ سنة. تم للشيخ سنة كاملة، في السجن. قال أخرجوه.

فأتى، أيضا حياه من غير أن يسجد له، ولا ينحني. قبلها منه، وأكرمه، وألطف له في القول، وأجلسه إلى جانبه، ولكن سمح له بالعودة إلى سرهند، لثلاثة أيام، يرى أهله، ثم يعود.

حتى الآن في قلب جهانكير Jahangir تخوف، ربما يكون هذا الرجل عنده خُطة بعيدة! وأنتم تعرفون طبعا، الشعوب العجمية وكذا، وخاصة الفُرس، بعيدو الغور! لذلك الفرق الباطنية وكذا، كلها تجدها من الأقوام تلك، أليس كذلك؟ الحمد لله، العرب ليس عندهم هذا، لا تجد فرقة هكذا! نعم، فعلا! الحمد لله، اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ *.

العربي ربما يكون سطحيا، أكيد! نحن سطحيون كثيرا. سطحي، مُتعجل، عفوي، اندفاعي، مُتقلِّب، غير مُثابِر، صحيح! هذه مثالب العرب! لكن العربي بطبعه – عربي اسمه – مُعرِب، صريح! العربي من الصعب أن يخفي حتى الذي في قلبه، أليس كذلك؟ صعب!

في بعض الأجناس – حتى لا نسيء للناس، ليس كلهم! بعض الأجناس – مَن يبتسم لك ابتسامة عريضة حانية؛ أخي، حبيبي، كذا! وهو – كما يقولون – والعياذ بالله منه! قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ *، لم تبد، والله! بالعكس، بدت السراء! مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ *.

العربي لا يقدر على هذا. إذا غضب عليك وتغير، ترى ذلك في صفحات وجهه، تشعر أنه غاضب منك. الحمد لله، الله جعل الدين هذا عربيا. العرب ليس عندهم نزوع للزندقة والباطنية هذه، الفرق الباطنية هذه دائما ما تكون عجمية، سُبحان الله العظيم!

فهو؛ جهانكير Jahangir، يعلم أن الناس، منهم مَن يكون بعيد الغور جدا، قال لك ربما يكون هذا عنده خُطة بعيدة المدى. أرى نفسي في عشية أو ضحاها، قُلب بي. لا! قال له تبقى معي في عسكري، حتى آذن لك. حبسه عنده! لم يرجعه إلى بلده. تظل معي! فظل معه، كم؟ ثلاث سنوات.

ثلاث سنوات يُصلي في الجيش، يُصلي في رجال الدولة، يعظ. بدأ حتى جهانكير Jahangir يميل إليه. أحبه وتأثر به، شعر أن الرجل صادق، وأنه فعلا ليس عنده أرب آخر غير الإصلاح.

هو يُريد الإسلام وفقط، لا يُريد سُلطة، ولا يُريد ولا تهمه الأمور هذه! وبعد ذلك؛ زاهد. أي كلما أراد أن يُعطيه شيئا، يقول لا يُريد! لا يُريد ذهبا ولا فضة ولا مناصب، لا يُريد شيئا، لا يُريد شيئا! يُريد الخير فقط لك. يُريد أن يُصلح لك آخرتك.

على فكرة، ألا تُحب أنت عالما مثل هذا؟ هذا لما تشعر أن هناك عالما أو داعية، هو يُريد صلاح آخرتك، ولا يُريد دُنياك، لا يرضى! وإذا عنده، هو يُعطيك، لكن لا يأخذ منك.

وهذا الداعية الرباني! الداعية الرباني يعطي، ولا يأخذ، ما رأيكم؟ هذه علامة مُهمة جدا! لا يعيش على أموال الناس، ولا على عطايا الناس.

الحسن البِصري – رحمة الله عليه – كان يتصدق ويعطي، وهو فقير، ولا يقبل شيئا من أحد. وكان يقول قبيحٌ بالعالم، أن يعظ الناس في صباحه، ثم إذا أمسى يكون سائلهم. في الصباح واعظهم، وفي المساء: أعطوني! قبيحّ.

خُطة الأنبياء كلها؛ لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا *، لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ *. النبي – عليه السلام – لما كان يبعث رجاله وأصحابه إلى بعض الأنحاء، عُمان وغيرها وكذا، يبعث: قولوا الشهادتين وكذا، كذا، وأنتم على أماكنكم. الأمير أمير، المسؤول مسؤول، الوزير وزير.

لا يفهم الواحد أن ثمن دخولي الإسلام، أن تأخذ سُلطاني! النبي يقول لا، تبقى مثلما أنت. الملك ملك! أرأيت الذكاء النبوي؟ لأنه يُريد الدين، النبي! لا يُريد الدنيا، أليس كذلك؟ لا يُريد! الدنيا للناس، دع الناس تحكم، لكن دعها لهم.

ولذلك أبو الحسن الندوي – رحمة الله تعالى عليه -، لخّص لك القضية كلها بكلمة واحدة، بطريقة عبقرية! أفضل شيء – قال لك -، وأكثر خُطة مأمونة، لأسلمة حياتنا، وإعادة الإسلام إلى الحياة، وتحبيب الناس فيه، من السُلطة إلى القاع… تعرف ما هو؟ ليس أن تذهب أنت بالسُلطة – لي هذه صارت، لنا نحن! لا، لا، لا، لا -، بل أن تذهب بالإسلام إلى السُلطة.

تذهب أنت، وتقول للسُلطان تفضل هذا الضياء والنور، هذا السراج المُنير، الذي لا تنطفئ جذوته! لمَن؟ لك. لماذا؟ لوجه الله – أقول له -، حبا في الخير. أنا الآن أحكي تصويريا، مجازيا.

إذا وثق بهذا منك، أحبك وأحب دعوتك وأحب دينك. والعكس، إذا لمس منك غير ذلك. انتبه! أي واحد يؤيدك، بعد أن يؤيدك، ويُعطيك عهده ربما، وحُبه وولاءه، إذا لمس منك طماعية في الحُكم، وأنك تُريد الحُكم، وأنك ظفرت به، وأنك لن تسمح بأن يُفتك منك بعد اليوم، وأنك ستبقى إلى أن يشاء الله، ينقلب عدوا لدودا لك!

يشعر أنك خدعته وضحكت عليه، أليس كذلك؟ ويشعر أنك أتيته من باب المُقدس والدين، لكي تتغول الدنيا! يمتلئ غيظا وغضبا عليك، وبذلك تكون أنت قد أوديت بنفسك، إذا الله أمكنه منك. وهذا صار ويصير، هذا صار ويصير! فهمتم قصدي؟ فلذلك هذه الأشياء خطيرة.

ولذلك انظر، سوف تقول لي أين هذا من كلامك في الخُطبة؟ أين هذا في هدي محمد؟ والله، أوضح من واضح! والله، لو فقهنا وصدقنا، أوضح من واضح! أحاديث كثيرة في الصحيحين، وفي السُنن، وفي مُسند أحمد، وغيرها!

يقول أبو موسى الأشعري، والحديث في البُخاري ومُسلم، نحن كلنا سمعنا الأحاديث هذه! يقول أبو موسى الأشعري أتيت أنا ورجلان من بني عمي، إلى رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم -، فقال أحدهما يا رسول الله، ولّني، أو أمّرني، على بعض ما ولّاك الله عليه.

عندك أنت أراض وبلاد وأنحاء وكذا، وحتى ولايات، صدقة وغيرها، أعطني ولاية، أنا أشتغل عليها! وقال الآخر – يقول أولاد عمي اثنان – نحو ما قال الأول.

فقال إنا والله – انظر، لماذا يُقسم النبي؟ قال لا والله! قال والله لا! قال؛ لأن قضية خطيرة هذه، إنا والله – لا نُعطي هذا الأمر مَن طلبه، ولا مَن حرص عليه. لماذا يا سيدنا، يا رسول الله؟ أصحابك هؤلاء! وأنت تُحب أهل اليمن، وقلت هؤلاء ألطف الناس، وأطيب الناس، وأحن الناس، والحكمة يمانية، والإيمان يمان، وأُناس طيبون، الأشاعرة!

الأشاعرة كان النبي يضرب بهم المثل. ليس أتباع أبي الحسن الأشعري، أتباع أبي موسى الأشعري، الصحابي الجليل عبد الله بن قيس. النبي قال الأشاعرة أُناس طيبون جدا جدا جدا؛ لأنهم كانوا إذا جلسوا، تقاسموا أكلهم وطعامهم وشرابهم.

كل واحد يضع أكله، وأكلك وأكلي، ونأكل مع بعضنا. النبي يُحب هذه الروح الجماعية، روح الأخوة، البُعد عن الأنانية والانفراد. فمدحهم النبي، الأشاعرة أُناس طيبون جدا، وطلب ولاية! قال لا والله. قال إنا والله لا نُعطي… الحديث معروف!

يا جابر بن سَمُرة لا تطلب هذا الأمر، فإنك إن طلبته، وُكلت إليه، وإن جُبرت عليه، أُعنت عليه. الله! وفي الصحيحين أيضا. ثم قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – مَن سعى، أو مَن طلب، القضاء، من أُمتي، فناله، فإن غلب… هو حريص! أُريد أن أصير قاضيا، أُريد أن أحكم، أُريد أي مسؤولية في الأمة! أنت الذي سعيت. نلته، أعطوك إياه، بسعيك، عملت خُطة وكذا!

قال فإن غلب عدله جوره، فهو في الجنة – انظر، لم يظلمه النبي -. وإن غلب جوره عدله، فهو في النار. كأنه يقول لك وليس لك عُذر عند الله، أنت الذي طلبتها! ما دمت قد طلبتها، (راحت عليك). إذا لم تعدل، (راحت عليك)، على جهنم، وبئس المصير.

فالسلامة أين؛ أن تطلبها، أو تزهد فيها؟ ازهد يا رجل، أُقسم بالله، خلها لمَن يُريدها، ازهد، ازهد فيها، لا تُردها، إلا أن تُجبر عليها. ولن تُجبر عليها، إلا وأنت تصلح لها – بإذن الله تعالى -! لأنك تُجبر، أنت لا تُريدها، أنت مُستكرَه عليها. واضح؟

في حديث آخر – أظن عند أبي داود، هذا حديث عجيب! – النبي يقول إذا الواحد أيضا طلب القضاء، وُكل إلى نفسه، وإن لم يطلبه، وأُسند إليه، أرسل الله له ملكا يُسدِّده. حتى في القضاء، حتى في العلم!

وما العجيب في حالة سيدنا أحمد الفاروقي السرهندي – قدس الله سره الكريم -؟ أن الله وضع من بركة روحه في مملكة مُترامية الأطراف، ورجّعها رويدا رويدا، إلى نور الإسلام وحياضه، لا أقول حظيرته، بل حياضه وفضائه.

ولذلك كتب شاعر وفيلسوف الإسلام في الديار الهندية محمد إقبال – رحمة الله عليه -، يقول أحمد الفاروقي السرهندي، ذلك الحامي لذمار الإسلام! ذلك الحامي لذمار الإسلام! ولولا أحمد الفاروقي السرهندي، وشاه ولي الله الدهلوي – ومَن الثالث يا عدنان؟ ذكر ثلاثة هو! ربما الشيخ أحمد بن عرفان الشهيد، نسيت الآن -، لذاب الإسلام في حضارة الهنادكة.

الذي أعطى الإسلام قوامه الصُلب، وجعله كعقيدة وكدين مُستقلا مُتماسكا، لم يذب في الهندوسية؛ دين الأغلبية، وثقافة الأغلبية، وقديمة! من ألوف السنين، قال هم هؤلاء. هم هؤلاء! عجيب! رجال!

رجال! قد يجمع الله العالم في واحد! وليس بمُستنكر على الله، أن يجمع العالم في واحد! إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً *، سيدي أحمد بن عبد الأحد كان أمة – رضوان الله عليه -.

فالمُهم، بعد ثلاث سنوات، أيقن جهانكير Jahangir أن الشيخ أحمد ليس له أرب في السُلطة، ولا يأتمر به، ولا يختدعه أبدا، أبدا، أبدا! فسمح له أن يعود إلى أهله، إن شاء، على أنه قال له والأحب إلى قلبي، أن تبقى عندي في مُعسكري. لم يعد قادرا على مُفارقته! قال له لكني أود أن أعود إلى أهلي. وصرَّح لبعض الناس أنه لم يبق من العُمر، إلا القليل، فلا بُد أن أعود.

وذكر متى يموت، قبل موته بخمس وأربعين ليلة! قال بعد خمس وأربعين ليلة، يكون الرحيل إلى الدار الباقية. وانقطع عن كل الناس! لم يعد يسمح لأحد بالدخول عليه، ولا مُدارسته، إلا لأبنائه واثنين من خواص أصحابه وخدّامه، فقط! وليل نهار في الذكر والعبادة والصلاة، في الذكر والعبادة والصلاة، ويستوحش!

قال الشيخ محمد معصوم – قدس الله سره -، ابنه وخليفته الأكبر هذا، البركة الكُبرى بعد أبيه! قال قلنا له يا أبت، لم نعد نشعر أنك تُحبنا وتتعلق بنا، كما كنت قبلا؟ قال نعم. لماذا يا أبت؟ قال الله أحب إلي. أُريد أن أرتحل إليه.

صار عنده شوق عجيب، أن يعود إلى ربه، لا إله إلا هو! شوق، شوق! يُحب أولاده، لكن أنا – قال لهم – أُحب ربي أكثر منكم، ولا بد أن أذهب، أُحب أن أذهب. وقصة وفاته جميلة! اقرأوها أيضا عن الإمام الندوي، جميلة ومؤثرة!

وكيف تُوفي؟ هو طلب طستا؛ لكي يقضي حاجة البول فيه، ثم أدرك أن الأمر لا يتسع. لماذا؟ لأن الطست، الذي أوتيَ به إليه، لم يكن فيه رمل، فخشيَ إن هو قضى بولته فيه، أن يُصيبه من رشاشه. ثم قال لهم الأمر ضاق عن تجديد الطهارة، وتكفي الركعتان اللتان ركعت. ومات طاهرا!

نام على جنبه اليمين، ووضع يده على هيئة السُنة. قال فقلت له – ابنه – كيف أنت يا أبت؟ قال أنا بخير، الحمد لله. وظل يذكر الله، ثم ردد الشهادة، وفاضت نفسه الشريفة – قدس الله سره -!

المُهم بعد ذلك؛ الآن يأتي ابن جهانكير Jahangir: شاه جهان Shah Jahan، شاه جهان Shah Jahan!

شاه جهان Shah Jahan كان مُحبا للشيخ السرهندي. وحين أرسل أبوه جهانكير Jahangir إليه، أول مرة، حين سجنه، استعجل أن يُقابله قبل الدخول على أبيه. وقال له يا مولانا، أنا أُحبك. مُتأثر به! يبدو أنه قرأ له أشياء أو كذا. أُحبك، وتعلم أن أبي يُحيا بتحية، أنت قد ترغب عنها، أدري، ولكن أنا راجعت الكُتب الفقهية، على مذهب السادة الحنفية.

الشيخ السرهندي كان حنفيا! رضوان الله على الإمام الأعظم؛ أبي حنيفة، وقدس الله سره الكريم. أبو حنيفة بركة كبيرة أيضا، إي والله! وهناك بركة كثيرة في رجاله وأتباعه، خاصة في بلاد العجم، شيء عجيب!

قال له يا مولانا أنا قرأت وراجعت في الكُتب الفقهية الحنفية، يجوز الانحناء، لا بقصد العبادة، رُخصة! قال له أعلم ذلك، يا سيادة الأمير. أعلم ذلك، ولكن تبقى رُخصة! والمؤمن مدعو، ما استطاع، إلى أخذ العزيمة، وأنا آخذ بالعزيمة، إن شاء الله. لن أنحني لأبيك، وليحدث ما يحدث.

يا سلام! رجال الله! انظر، زُهد، تصوف، علم، فقر، أُناس طيبون، لكن أقوياء في دين الله، واثقون بنصر الله، مُستسلمون لقضاء الله. وقد حمد ما قُدر له من واقعة سجنه! حمدها كثيرا، في مكتوباته! لأنه رأى الخير.

يكفي يا سيدي مَن هداهم الله على يديه، من الهنادكة والبوذيين وغيرهم، وهم بالألوف! يكفي! ولو اهتدى واحد، دخل به الجنة، كيف بألوف؟ يكفي الألوف الذين تابوا على يديه! بركة عظيمة! اللهم أعطنا من بركاتك يا رب.

المُهم، فشاه جهان Shah Jahan – سُبحان الله – كان لا يزال أفضل من جهانكير Jahangir، ولذلك بدأ الإسلام ينتعش، أيام شاه جهان Shah Jahan.

العلماء يعدون شاه جهان Shah Jahan من تلاميذ الشيخ السرهندي، ولكن لا بالإرشاد المُباشر. أي العلاقة لم تكن علاقة مُريد بشيخ، لكن علاقة مُستفيد من مُفيد. قرأ كُتبه، وقرأ رسائله، استفاد من روحه، دخل في خطه، أهلا وسهلا! لكن لم يكن تلميذا ومُريدا مُباشرا له.

فشاه جهان Shah Jahan – رضوان الله عليه – فعلا أعاد للإسلام روحه وأُنسه، وأعاد المساجد التي افتكها الهندوس. أبوها افتكها، وأعطاها للهندوس! أعادها. حرّم أشياء كثيرة مما أباحه أبوه، حرّم زواج المُسلمات من الهنادكة. المُهم، كان أيضا شغوفا ببناء المساجد، الحمد لله. بنى، ورمم الكثير أيضا، من المُتداعي الخرب منها. أشياء كثيرة طيبة!

وطبعا – كما قلت لكم – كان يُحب ابنه دارا شكوه Dara Shikoh، أكثر من أورنكزيب Aurangzeb. وحصلت هذه الكذا، اعتقله ابنه أورنكزيب Aurangzeb، للأسف الشديد! قبل وفاته بثماني سنين، ووضعه مُعززا مُكرما – نعم، أي لم يُهنه – في قلعة، يأكل ويشرب ويُخدم، ولكن انتهى، ممنوع عن الحُكم.

وارتقى سُدة الحكم مَن؟ أورنكزيب عالمكير Aurangzeb Alamgir. عالمكير Alamgir تعني ماسك زمام العالم، أو جامع زمام العالم. عالَم، ليس عالِم، عَالم! والذي لقبه هكذا، يُقال أبوه نفسه؛ شاه جهان Shah Jahan! عالمكير Alamgir!

مع عالمكير Alamgir، الوضع اختلف! لماذا؟ لأن عالمكير Alamgir، أو أورنكزيب Aurangzeb – رحمة الله عليه -، كان تلميذا ومُريدا مُباشرا لسيدي الشيخ محمد معصوم، ابن سيدي الفاروقي السرهندي، تلميذه! وعنده رسائل اسمها المكتوبات السيفية.

ثماني عشرة رسالة منها، من الشيخ محمد معصوم، إلى السُلطان المُعظَّم أورنكزيب Aurangzeb! يأمره، وينهاه، ويُوضّح له أمورا كثيرة في شؤون الدين والرعية. أي كان شيخا له. تخيل! ابن الشيخ السرهندي صار أستاذا لملك الهند كلها!

طبعا اتسعت الهند في أيام أورنكزيب Aurangzeb، كما لم تكن من قبل، إسلاميا! اتسعت المملكة! طبعا هناك مؤرخون، حتى أنا العبد الفقير، قبل سنوات، أخذت عليه أشياء! عنده تزمت.

أورنكزيب Aurangzeb عنده تزمت ديني، أي لم يكن مُتسامِحا جدا، كما قد يُتوقع! لكن هو كان يأخذ بماذا؟ بظواهر الفقه، التي يُعلِّمها العلماء! يأخذ بها، كما هي!

لكن كان بركة على الناس، في الجُملة، ووضع – يُقال – أكثر من ثمانين نوعا من الضرائب الظالمة. وضعها، ممنوعة! وضعها، ألغاها بالكامل! كان عنده عدل الرجل – كما قلت لكم -، كان صوّاما، قوّاما، مُتعبِّدا، ينام بعض الليل، ينام منه قليلا، ويقوم أكثره. لا يأكل إلا من كسب يده، وهذه أُعجوبة! أُعجوبة! لم يكن يأكل من أموال المُسلمين. ينسخ المصاحف، ويأكل من عرق جبينه وكد يمينه.

فالحمد لله، وعاد الإسلام، وإلى اليوم، الإسلام في الهند بخير. سيأتي بعد فترة الإمام شاه ولي الدهلوي؛ أحمد بن عبد الرحيم، وكذا! وعب عُباب الإسلام! عب عُباب الإسلام، وكله ببركة هذا الرجل، العالم المُتصوِّف الزاهد الصالح، الذي دعا إلى الله، وعمل بهدوء وبحكمة، لا يطلب إلا خير الأمة والدين، لا يطلب أي شيء لنفسه.

فلذلك أبو الحسن الندوي – رحمة الله عليه – قال أنا أعتبر كتابي هذا – بعون الله تبارك وتعالى – هدية قيّمة، ورسالة حية، إلى القرن الخامس عشر الهجري! تعلَّموا يا مُسلمون كيف تخدمون دينكم. إياكم أن تتأثروا كما تأثر المودودي – رحمة الله عليه -، والشيخ حسن البنا – رحمة الله عليه -، وسيد قطب من ورائه، بالنُظم النازية، الفاشية والشيوعية!

لماذا أقول هذا؟ لأنهم صرَّحوا بهذا! ادخل أنت الآن – ادخل الآن وأنت تسمع كلامي -، على إخوان ويكي Ikhwan Wiki – أي الويكيبيديا Wikipedia هذه الخاصة بالإخوان! إخوان ويكي Ikhwan Wiki -، واكتب حسن البنا: السنيور – سنيور Signore بالإيطالي – موسوليني Mussolini.

عنده مقالة عن موسوليني Mussolini! وبعد ذلك – أراد هذا بعد أن ذكر موسوليني Mussolini ماذا عمل، وماذا يفعل موسوليني Mussolini، وكذا، كذا – قال لك نقول للسنيور Signore كل هذا عندنا، وديننا سبق به.

من غير أن ندخل في هذا – لا نُريد أن نعمل الآن مُحاسبة -، في ماذا تأثر المودودي وحسن البنا بالفاشية والنازية والشيوعية؟ وصرَّحوا بهذا! والمودودي صرَّح بهذا! طبعا هذه روح الزمان، كانت تقبل هذا، وتفتخر به؛ لكي لا نكون ظلمة، انتبه!

أنت الآن من موقعك المُتأخر، تقول فاشية! لو كنت في زمانهم، لربما فعلت مثل فعلهم! على أن من علماء الإسلام الكبار، لم يفعلوا مثل فعلهم، وكانوا أوفياء لروح الإسلام الحقيقية، لم يؤمنوا بكل هذه الأشياء الحديثة المُخيفة.

الفاشية عندها طبعا مواصفات كثيرة:

عندها نزعة شعبوية! عندها نزعة شعبوية: واحد. اثنان: الفاشية في عُمقها لا تؤمن بالديمقراطية، بالمرة. الفاشية ضد تعدد الأحزاب، على طول الخط! مع الحزب الواحد.

الفاشية مع ما سميته قبل سنوات بالطاعوية. ليس الطاعة، الطاعوية! بمعنى تربية عسكرية، حتى النُخاع. تسمع وتُطيع، ولا تُناقش ولا تتردد ولا ترتاب، وإلا العقاب الأليم. تخيل!

وطبعا هي أيديولوجيا مُغلقة، ليست معرفة وليست علما! لا تقبل ماذا؟ لا تقبل النقد، ولا الأخذ، ولا الرد، وانتهى! وعندها جذورها، في التاريخ الروماني طبعا.

نفس الشيء؛ الشيخ حسن البنا عمل شيئا قريبا جدا من هذا! كيف؟ حين أقرأ عليكم ماذا قال، سوف تفهمون وحدكم! وسوف تفهمون كيف تأثر بالفاشية – رحمة الله عليه -!

تأثر، وكان سعيدا بهذا! حتى أنه في إحدى رسائله، المجموعة في رسائل الإمام الشهيد، ضرب أمثلة للنجاح؛ أن الله يُمكن أن يُقيض النجاح، لأُناس قليلين، ولفئات منزورة العدد، وبطُرق سريعة – بإذن الله تبارك وتعالى -.

فتحدَّث عن نجاح صلاح الدين، مثلا. صلاح الدين نجح – ما شاء الله – بسرعة! تحدَّث عن نجاح المَلك عبد العزيز آل سعود – الله يرحمه -، مُوحِّد المملكة، وكيف أن هذا المَلك، بعد أن منيَ بفشل كبير، وكيف شُردت أسرته، وشُرد هو، استطاع أن يبتز المُلك، مرة أُخرى، ببضعة وعشرين رجلا!

وكيف أن العامل – أي الـ Worker! العامل – الألماني – هكذا سماه هو؛ العامل الألماني – المُجتهد هتلر Hitler، قدر على بناء ألمانيا الحديثة! فضرب به المثل! بعبد العزيز، وبصلاح الدين، وبمَن؟ وبهتلر Hitler!

كان هكذا عنده! عادي! أنه عادي، أن هذا شخصية ناجحة وكذا! فهو تأثر به. فصار هناك نوع من التأثر؛ أننا نعمل مثلهم! نعمل! لا، خطير التأثر بهذه النُظم الكليانية الشمولية.

لذلك كان طرح المودودي شمولي، عنده شمولية! الآن لا يُوجد مُسلم مُثقف وواع منا يقبل الشمولية هذه، لا يُوجد، أبدا! طرح الشيخ حسن البنا شمولي، ويُصرِّح بأنه شمولي! لكن شمولي على أكثر من مُستوى، وبطريقة مُخيفة! سوف نرى لما نقرأ.

أي بطريقة مُتعددة الطبقات في شموليتها! حتى في الفهم المُجرد؛ فهمي أنا، كحسن البنا، هو الفهم الوحيد الصحيح! معقول؟ كل الفهوم الأُخرى خاطئة. لكن يا شيخ حسن، هناك جماعات أُخرى، هناك أُناس يعملون للإسلام، هناك شيوخ أزهر، هناك علماء ومُجددون!

قال لك المعيار: أنا، وجماعتي. جماعتك؟ قال لك جماعتنا! نحن، دعوتنا، منهاجنا! بقدر ما تتطابق معنا، أنت صحيح. بقدر ما تختلف عنا، أنت ضال، وسيدمغ الله باطلك بحقنا – إن شاء الله -.

وعنده مثل هذا كثير يا أخي! مُرعب، حين تقرأ له. على فكرة، أنا قرأت الرسائل وأنا صغير – أنا كنت أقرأها من سن ربما الحادية عشرة أو العاشرة -، لم أر فيها هذه الأشياء! لماذا إذن؟ قرأتها بمنظور ونفسية وروحية مُختلفة؛ الإمام الشهيد، العبقري الكبير، عبقري البناء، عبقري كذا!

فلا يُمكن أن ترى الأشياء الواضحة، التي تفقأ العينين! لكن حين تعود، فتقرأ الرسائل بروحية نقدية، بعقل نقدي مُتفتِّح، يروعك، يروعك في مواضع كثيرة، مثل هذا المنطق الذي يُفرِغ عنه الإمام – رحمة الله عليه -! وبكل ثقة يتكلم!

الآن، صدِّقوني، من غير مُبالغة، لو فعلت هذا أنتَ يا أخي الحبيب، أو أنتِ يا أختي، أو أنا هذا – أي واحد منا! أتى بنفس الجُمل هذه، فقط أعاد صياغتها، وخالف في ترتيبها، ونسبها إلى نفسه. لو أنا أطلع على المنبر، وأقول لهم هكذا: فهمي أنا، أو منهاجي، أو دعوتي كذا، كذا، وكل مَن كذا، فكذا، كذا، كذا! وفقط! وأتركها -، سوف ترى حربا ضروسا شعواء، لا تُبقي ولا تذر.

تصدمهم، وتقول لهم Sorry – لكن أنا لا أفعل هذا أبدا، ولا أُحب هذا الأسلوب، لكن يُمكن أن تعمله، عادي! أي سهلة، ليست صعبة، لكن أنا لا أُحب هذه الأساليب -. تقول لهم أنا مُتأسف جدا جدا، كان فقط خطأ في النسبة. كل ما ذكرت، ليس لي. كل ما ذكرت، هو للإمام الشهيد المؤسس حسن البنا.

سوف يُسقط في أيديهم، ولن يستطيعوا أن يخرجوا من هذه الورطة. وهذا يُمكن أن يعمله أي واحد، بأي طريقة، على فكرة! معه، ومع غيره. هم إلى الآن لا يُدرِكون أن هذا لم يعد مقبولا، لم يعد مقبولا! يرفضه الجيل، يرفضه أبناؤهم. يجب أن نفتح أعيننا، ونُدرِك الحقائق، كما هي؛ لكي يُنقِذنا الله مما نحن فيه. وإن شاء الله نبدأ نخطو خُطوات على طريق النجاح.

فاسمحوا لي فقط، في خمس دقائق، أقرأ لكم بعض النصوص، بسرعة. قد أكون ذكرت لكم الفحوى، لكن أنا أُريد أن أقرأ النصوص؛ حتى لا أُتهم بأنني، أو يُظن أنني، ظلمت، أو تحيفت، أو لم أكن أمينا! فأُريد أن أقرأها، كما هي.

أبدأ بالشيخ المودودي – رحمة الله عليه -، الذي قال في كتابه عن التجديد:

من أجل ذلك حاول الأنبياء إحداث الانقلاب السياسي. انقلاب سياسي! عجيب! أي هذه رسالة الأنبياء؛ انقلاب سياسي؟ فاقتصرت جهود بعضهم على تهيئة الأرض، كسيدنا إبراهيم – عليه السلام.

وقام بعضهم فعلا بحركة الانقلاب، ولكن عملهم قد توقف دون أن يتحقق تأسيس الحكومة الإلهية، كسيدنا المسيح – عليه السلام -. وبعضهم قد وصلوا بهذه الحركة إلى منزل النجاح، كسيدنا موسى – عليه السلام -، وسيدنا محمد – عليه الصلاة وأفضل السلام -.

أيضا في الكتاب نفسه، يقول:

نظرةٌ عجلى على التاريخ، تدل على أنه لم يظهر مُجدِّدٌ، في معنى الكلمة – أي بمعنى الكلمة -، بعدُ. بعدُ! النبي يُبشِّر بمُجدِّدين، هو قال إلى الآن لم يظهر! النبي قال كل مئة سنة، هو قال ها هي أربعة عشر قرنا، لم يظهر! يُمكن الآن أن يظهر مع حركته! بعدُ!

على فكرة، سوف تقول لي هل هناك علماء، غير أبي الحسن الندوي، ردوا عليه؟ كثيرون! كثيرون من علماء القارة الهندية ردوا على المودودي، وبعضهم اتهمه بالضلال والشذوذ، وبعضهم شدَّد العبارة. من أمثلهم طبعا وآدبهم، وكان مُنصفا، العلّامة محمد يوسف البنوري – رحمة الله تعالى عليه -.

محمد يوسف البنوري، هذا تلميذ الشيخ محمد أنور شاه الكشميري، الإمام العظيم، صاحب فيض الباري على شرح البُخاري! المُهم – وصاحب التواتر، أي التصريح بما تواتر من نزول المسيح -، فالشيخ البنوري رد عليه، على نحو مما فعل الندوي، أخذ عليه نفس المآخذ، وأثبت أن هذا كله غير صحيح، ومُخالِف لفهم الأمة ولفهم العلماء وكذا! هناك علماء كبار!

وكاد عمر بن عبد العزيز أن يعتلي هذا المنصب! التجديد. عمر ليس مُجدِّدا! ولكنه لم يتمكن منه. وكل مَن ظهر من بعده، من رجال التجديد، اقتصروا على العمل في ناحية، أو نواح خاصة. ولا يزال منصب المُجدِّد الكامل شاغرا.

هناك الروح الرسالية! صاحب الدعوة الكاملة، التجديد! هناك شيء مُخيف من وراء هذه الأشياء! أنا أخاف منها، أخاف منها كثيرا!

الخُميني! يقول الخُميني بهذا الشأن:

لقد جاء الأنبياء جميعا من أجل إرساء قواعد العدالة في العالم. نفس المنطق أيضا السياسي والسُلطوي، والحُكم والحكومة الإلهية، نفس المنطق، على فكرة! هذه الأصولية.

في العالم! لكنهم لم ينجحوا، حتى محمد، خاتم الأنبياء. أستغفر الله العظيم، كبرت كلمة! إي والله. الذي جاء لإصلاح البشرية. هو جاء – قال -، أهدافه جميلة وكذا، لكنه لم ينجح. عجيب! بمعنى عون الله قصَّر بمحمد، وأدركك أنت، يا رجل؟ والله شيء مُخيف! الذي جاء لإصلاح البشرية.

لذلك أنا أقول لكم مثل هذه الطريقة في التفكير أخطر مما تظنون! وطبيعي جدا أنها تفتح أنهار الدماء وبحورها. عادي، عادي عندهم، عادي! عندهم تفكير غريب بعض الشيء.

وتنفيذ العدالة وتربية البشر، ولم ينجح في ذلك. أستغفر الله العظيم! وإن الشخص الذي سينجح في ذلك، ويُرسي قواعد العدالة، في جميع أنحاء العالم، في جميع مراتب إنسانية الإنسان، وتقويم الانحرافات، هو المهدي المُنتظَر.

هذا النص جُزء من خطاب ألقاه الخُميني في ذكرى مولد المهدي المُنتظَر، في الخامس عشر من شعبان، ألف وأربعمائة هجريا، ونُقل عبر إذاعة طهران، وتناقلته بعض وكالات الأنباء والصُحف، ومنها صحيفة الرأي العام الكويتية، في عددها الصادر في الحادي والعشرين، من الشهر السادس، ألف وتسعمائة وثمانين.

وقد انتظرت رابطة العالم الإسلامي – لأن هذا هز العالم الإسلامي! الكلام هذا! ما هذا؟ تصريحات مُخيفة هذه! تصدر هذه عن مُفكِّر مُسلم، أو شيخ مُسلم، أو داعية، أو مُصلِح؟ – تكذيبا أو توضيحا، من الجهات الرسمية في إيران، بشأن هذا الخطاب.

ولما لم يصدر شيء من هذا، أصدرت الرابطة بيانا، بتاريخ التاسع من رمضان، ألف وأربعمائة هجريا، استنكرت فيه هذا الكلام، واعتبرته طعنا في الرسول الكريم – عليه الصلاة وأفضل السلام -.

ويؤكِّد هذا المُعتقَد في موضع آخر – الخُميني -، حين يُبدي أسفه لفشل الرسول – صلى الله عليه وسلم -، فيقول إني مُتأسف لأمرين، أحدهما أن نظام الحُكم الإسلامي لم ينجح مُنذ فجر الإسلام، إلى يومنا هذا، وحتى في عهد الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم -، ولم يستقم نظام الحُكم، كما ينبغي.

ضمن خطاب ألقاه الخُميني، في ذكرى مولد الرضا، الإمام السابع – عليه السلام -، بتاريخ: التاسع من الشهر الثامن، ألف وتسعمائة وأربعة وثمانين، واستنكرته عدة جهات إسلامية.

نأتي الآن إلى الشيخ حسن البنا. قال الآتي في رسالة دعوتنا، تحت عنوان أصناف أربعة! وتأملوا، تأملوا!

يقول وكل الذي نُريده من الناس، أن يكونوا أمامنا واحدا من أربعة. أنت أمام دعوة الشيخ البنا واحد من أربعة. القسمة رُباعية، حاصرة، عنده!

واحد: مؤمن. إما شخص آمن بدعوتنا، وصدَّق بقولنا، وأُعجب بمبادئنا، ورأى فيها خيرا اطمأنت إليه نفسه، وسكن له فؤاده، فهذا ندعوه أن يُبادِر بالانضمام إلينا، والعمل معنا، حتى يكثر به عدد المُجاهِدين، ويعلو بصوته صوت الداعين.

ولا معنى لإيمان لا يتبعه عمل، ولا فائدة في عقيدة لا تدفع صاحبها إلى تحقيقها والتضحية في سبيلها، وكذلك كان السابقون الأولون، مِمَن شرح الله صدورهم لهدايته، فاتبعوا أنبياءه، وآمنوا برسالته، وجاهدوا فيه حق جهاده، ولهؤلاء من الله أجزل الأجر، وأن يكون لهم مثل ثواب مَن اتبعوهم، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا.

اثنان: مُتردِّد. وإما شخص لم يستبن وجه الحق، ولم يتعرف في قولنا معنى الإخلاص والفائدة، فهذا نتركه لتردده، ونوصيه بأن يتصل بنا عن كثب، ويقرأ عنا من قريب أو بعيد، ويُطالِع كتاباتنا، ويزور أنديتنا، ويتعرَّف إلى إخواننا، فسيطمئن بعد ذلك لنا – إن شاء الله تعالى -، وكذلك كان شأن المُتردِّدين من أتباع الرُسل، من قبل.

موقف الناس منه، مثل موقف أتباع الرُسل، تصديقا وتكذيبا! وهذه خطيرة، خطيرة جدا!

ثلاثة: نفعي. الشخص الثالث: نفعي. والآخر: مُتحامِل. وفقط! هم هكذا! بمعنى أنت عندك خيار واحد: تؤمن به وبدعوته، تؤمن بدعوته! إذا لم تؤمن بدعوة الشيخ البنا، فأنت إما مُتردِّد، وإما نفعي، وإما مُتحامِل.

عجيب! لولا أن هذا الكلام مطبوع وكذا، لكنت أقول مُستحيل، لا يُمكن لشيخ من شيوخ الإسلام، عالم، أن يقول كلاما مثل هذا، لا يُمكن! لا، قاله، وللأسف، بسبب هذا – كما قلت لكم – لا تستغربوا عقلية الإخوان المُسلمين، التي لا تقبل أي نقد، ولا أي تصحيح. لا يقبلون! يُصيبهم شيء… لا أعرف ما هو، مثل ماذا؟

نفعي! وإما شخص لا يُريد أن يبذل معونته، إلا إذا عرف ما يعود عليه من فائدة، وما يجره هذا البذل له من مغنم، فنقول له حنانيك، ليس عندنا من جزاء، إلا ثواب الله تعالى، إن أخلصت، والجنة، إن علم فيك خيرا. أما نحن، فمغمورون جاها، فقراء مالا، شأننا التضحية بما معنا، وبذل ما في أيدينا. ورجاؤنا رضوان الله سُبحانه وتعالى، وهو: نِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ *.

فإن كشف الله الغشاوة عن قلبه، وأزاح كابوس الطمع عن فؤاده، فسيعلم أن: مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ *، وسينضم إلى كتيبة الله، ليجود بما معه، من عرض الدنيا، لينال ثواب الله في العُقبى، و: مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ *.

وإن كانت الأُخرى، فالله غنيٌ عمَن لا يرى لله الحق الأول في نفسه وماله ودُنياه وآخرته وموته وحياته، وكذلك كان شأن قومٌ من أشباهه، حين أبوا مُبايعة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.

في كل مرة، نفس الشيء: الرسول! حتى في الرسائل، في بعض المواضع، يُسمي أتباعه بالأصحاب! بالأصحاب! ليس الأتباع، الأصحاب! غريبة إذن!

المُهم، إلا أن يجعل لهم الأمر – الناس الذين لا يرضون أن يُبايعوا النبي! إلا أن يجعل لهم الأمر – من بعده، فما كان جوابه – صلى الله عليه وسلم -، إلا أن أعلمهم أن: الْأَرْضَ لِلَّهِ – طبعا مَن هذا؟ أي الذي عمل هكذا؟ مُسيلمة الكذاب. طبعا! الكلمة هذه لمُسيلمة. الله قال له لا. النبي قال له الْأَرْضَ لِلَّهِ – يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ *.

رابعا، وأخيرا: مُتحامِل. وإما شخص أساء فينا ظنه، وأحاطت بنا شكوكه، فهو لا يرانا إلا بالمنظار الأسود القاتم، ولا يتحدث عنا إلا بلسان المُتحرِّج المُتشكِّك، ويأبى إلا أن يلج في غروره، ويسدر في شكوكه، ويظل مع أوهامه، فهذا ندعو الله لنا وله، أن يُرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وأن يُلهمنا وإياه الرُشد.

ندعوه، إن قبل الدعاء، ونُناديه، إن أجاب النداء، وندعو الله فيه، وهو أهل الرجاء، ولقد أنزل الله على نبيه الكريم في صنف من الناس – نفس الشيء أيضا – إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ *.

وهذا سنظل نُحبه، ونرجو فيئه إلينا – أي رجوعه -، واقتناعه بدعوتنا، وإنما شعارنا معه ما أرشدنا إليه المُصطفى – صلى الله عليه وسلم – من قبل اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.

نُحب أن يكون معنا واحدا من هؤلاء. وقد حان الوقت الذي يجب فيه على المُسلم أن يُدرِك غايته، ويُحدِّد وجهته، ويعمل لهذه الوجهة، حتى يصل إلى غايته المنشودة. أما تلك الغفلة السادرة، والخطرات اللاهية، والقلوب الساهية، والانصياع الأعمى، واتباع كل ناعق، فما هو من سبيل المؤمنين في شيء.

هذه آخر الكلمات، شيء غريب! الآن هذه القسمة لا يُمكن أن تكون حاصرة، على الأقل اجعلها خُماسية! والقسم الخامس: مُسلم مؤمن صادق مُخلِص، لا يقل عنك، على الأقل، صدقا، يا شيخ حسن، له اجتهاد لم يوافق اجتهادك، وله نظر لم يُطابق نظرك.

هذه طريقة الشيخ أحمد السرهندي مثلا في الدعوة، ليست كطريقتك على الإطلاق! أليس كذلك؟ عشرات الدُعاة والمُجدِّدين، طريقتهم لم تكن كطريقة الشيخ حسن البنا! فلماذا لم تُخمِّس القسمة وتقول هناك قسم خامس: مُسلمون صلحاء طيبون، ولكن قدَّر الله لهم من الفهم، وقيَّض لهم من الاجتهاد، ما لم يُطابق اجتهادنا، نرجو لهم الخير، ولأنفسنا؟

لا، غير موجودة! واحد من ثلاثة، غير المؤمن طبعا. إذا آمنت بدعوته، انتهى! أنت على خير، ولك كل خير. وإلا، فأنت واحد من ثلاثة! غريبة! لذلك تجد صدر الإخواني ضيقا. بعضهم تساءل كيف يكون الآتي! الشيخ محمد الغزّالي كتب هذا.

محمد الغزّالي كتب كتابة قوية، ووصف هذا بالـ… ماذا أقول لكم؟ وصفه بالمسخرة، وبالمهزأة، وبالزي المُنكر! قال مَن الذي زي الإسلام هذا الزي المُنكر؟ قال حتى بلغ بهم السفه أن يسألوا وكيف يكون مُسلما مَن ليس في جماعة الإخوان؟ نعم، طبعا!

الشيخ أحمد الشريف – رحمة الله عليه، وغفر الله له -، هذا كان من مكتب الإرشاد، من مكتب الإرشاد! وكان مسؤولا إداريا، لا أعرف عن أسيوط أو عن غيرها، أي شيء كبير! سُجن في الواحات، في الفترة الناصرية، فخطب فيهم الجُمعة.

هذا طبعا – أعتقد – في كلام محمود عبد الحليم، أو كلام عشماوي، لا أدري! عشماوي؛ مُذكرات علي عشماوي، هذا كان أيضا من قواد التنظيم الخاص الأوائل. خطب في الواحات يوم الجُمعة، خُطبة سمعها كل إخوانه في السجن؛ أننا من جماعة الإخوان، أي واحد ليس من هذه الجماعة، أو خلع بيعة الجماعة، فقد خلع الإسلام نفسه! وكلاما هذا معناه، سأتلوه الآن! الإسلام؟ الإسلام!

الشيخ القرضاوي – رحمة الله عليه – يكتب أيضا في مُذكراته؛ سيرة ومسيرة، المُذكرات المطبوعة! يكتب الشيخ القرضاوي قائلا أُشيع عني وعن الدكتور العسال أننا خرجنا من الجماعة، وخُنا الجماعة! انتهى، مُباشرة!

قال فلقيت جماعة، بعضهم بمثابة تلاميذي، وتلقوا مني العلم، وبعضهم إخوة أحباء، فازوروا عنا، ونأوا بجانبنا، وأشاعوا أننا خونة، خُنا الجماعة!

ببساطة! مُجرد إشاعات، عن أي عالم، عن أي قيادي! شيء عجيب! ترصد، وتربص، وكذا! ورغبة عجيبة في دمغ الناس! فكيف حين لا تكون إخوانيا، وتتناولهم بنصيحة؟ والله هو رب القلوب، ورب النوايا.

للشيخ البنا أيضا كلام في رسالة دعوتنا. له كلام نظير الكلام الذي ذكرت لكم، أنا لم أُحب أن أذكره بطوله؛ لأنه طويل. في مواضع: الإيمان إيمانهم، تُريد الإيمان الحق؟ هو ما عليه الجماعة. في مواضع واضحة جدا! اقرأوا الرسائل.

الإسلام إسلامهم، ما عليه الجماعة، وهذا الإسلام الحق! والدعوة الحق دعوتهم! ودعوتهم! ليس الإسلام الرباني المعيار، القرآن، لا! دعوتهم، هي المعيار! تعير نفسك بها، وتعير كل الجماعات الأُخرى، بقدر ما تقترب أو تبتعد.

كتب – رحمه الله -:

وموقفنا من الدعوات المُختلفة، التي طغت في هذا العصر… كان هناك جماعة شباب محمد. هم كانوا إخوان مُسلمين، وخرجوا على الشيخ البنا؛ بسبب أمور مالية! تتعلق بالتبرعات لفلسطين، كيف تصرف فيها؟ وأشياء مذكورة كلها في تاريخ الجماعة! فغضب الإخوة وكذا، وخرجوا.

وهناك مصر الفتاة الخاصة بحُسين وكذا، وهناك جماعات كثيرة! وكانت هناك طبعا جماعة السلفيين، والشيخ السَبَكي وكذا – أو السَبْكي، لكن ليس السُبكي، أكيد طبعا! كانوا يُسمونه السَبَكي، الخاص بالكذا -، جيد! وهناك الأزهر وهناك كذا.

قال ماذا؟ طغت في هذا العصر، ففرقت القلوب – الجماعات هذه -، وبلبلت الأفكار، أن نزنها بميزان دعوتنا! أنا ظننت بميزان القرآن، بميزان الإسلام. بميزان دعوتنا! ثقة عجيبة، ثقة مُطلقة! هو مُمثِّل حصري للإسلام، فهمه الوحيد للإسلام هو الصحيح، غيره ليس كذلك أبدا!  

فما وافقها، فمرحبا به. وما خالفها، فنحن براء منه. عجيب! تُعلن البراءة من إخوتك في الدين، من المُسلمين، مُجتهدين، كل واحد مُجتهد بطريقته! لأنه لم يتطابق مع دعوتك، مع طريقتك في فهم الإسلام؟ وها قد جُربت تسعين سنة، جرت علينا الويلات والخرائب! انظر، لذلك الثقة الزائدة هذه لم تكن في مكانها.

ونحن مؤمنون – انظر – بأن دعوتنا مُحيطة. انظر الشمولية! قلت لكم الشمولية في فكر الشيخ البنا على أكثر من مُستوى! سوف تلمسونها من خلال نقوله. مؤمنون بأن دعوتنا مُحيطة، لا تُغادر جُزءا صالحا، من أية دعوة، إلا ألمت به وأشارت إليه.

كأنه يقول لك كل الصيد في جوف الفرا. لا أحد يقدر على أن يكون عنده خير، ليس عندنا! وكله عندنا! ونحن وحدنا الجامعون للخير! والله دعوة عريضة، والله عريضة جدا جدا يا شيخ حسن.

يا شيخ حسن، جماعتك وتنظيمك، تورطتم في قتل أُناس! في قتل عُظماء مصريين كبار! أحمد ماهر، ومحمود فهمي النقراشي – رحمة الله عليه -، الذي أنت وصفته، وقلت هذا من أعلام نهضة مصر!

انظروا واقرأوا! اقرأوا بيانه لما تحدث عن اغتيال النقراشي. وقال نحن لسنا أقل حُزنا وألما باغتيال هذه الشخصية الكذا! وبدأ، ولم يبالغ، بالعكس! أعطاها بعض حقها. وقال من أعلام نهضة مصر، ومن أبناء مصر الأعفاء البررة النُزهاء، وكذا! النقراشي كان شيئا كبيرا – رحمة الله عليه -، فخر لمصر!

في حين أن الذي قتله بالرصاص، من تلاميذ الجماعة، من أتباع الجماعة، سُئل لماذا قتلته يا شقي؟ قال لأن هذا فرّط في قضايا الأمة، ولم يكن موقفه من الدين جيدا. عجيب! لكن إمامك يقول هذا ما شاء الله عليه! النقراشي شيء كبير!

العلّامة القاضي، والمُحدِّث المُحقِّق الكبير أحمد شاكر – تعرفون أحمد شاكر، أكيد تعرفون أحمد شاكر! مُحقِّق المُسنَد – كتب مقالة قوية جدا، مطبوعة الآن في جمهرة مقالات العلّامة أحمد شاكر: الإيمان قيد الفتك. وصفهم بالخوارج! قال هذه الفئة من الخوارج الضالين. مقالة من نار!

وعقّب عليها الشيخ البنا تعقيبا ناقصا من جهات، حين ادّعى أن المقالة أيضا ناقصة من جهات! والتعقيب ناقص من جهات، ولعلنا نُعلِّق. اقرأوا مقالة أحمد شاكر: الإيمان قيد الفتك! لا يفتك مؤمن.

على فكرة، في تلك الفترة، الاغتيالات السياسية هذه، كانت مشهورة في مصر. وهذا يعني أن الذي يقول إن الإخوان هم الذين ابتدعوها، يظلمهم. لا، هم وغيرهم، من قبل موجودة! يعملها أي حزب سياسي، عادي! إلى حيث ألقت، لكن لا تعملها جماعة إسلامية.

وهذا الفرق، على فكرة! هذا الفرق بين أنك تخوض السياسة بالسياسة، وتلعب السياسة بالسياسة، المعرة أين تلحق في الأخير؟ السياسة، والساسة، والحزب! وأنك تفعل هذه الأشياء، باسم الدين! المعرة تلحق مَن؟ تلحق الدين! تجلبون لنا العار، تجلبون لنا المُصيبة!

هذا الذي لا يقدرون هم أن يفهموه، على فكرة! وهذه سوف أشرحها بإيجاز، قولوا لماذا لا يصح أن يكون هناك حزب ديني يتحرّك سياسة؟ سوف نرى!

المُهم، فالشيخ البنا يقطع بقايا الموالاة بينه وبين إخوانه في الدين؛ فقط لأنهم لم يتطابقوا معه! وها هو الشيخ البنا – رحمة الله عليه -، بغير تردد، في رسالة دعوة للشباب، تحت عنوان ماذا نُريد؟

أيها الشباب إن منهاج الإخوان المُسلمين محدود المراحل، واضح الخُطوات… إلى أن يقول وإنما نُعلن في وضوح وصراحة أن كل مُسلم لا يؤمن بهذا المنهاج – منهاج دعوة الإخوان المُسلمين -، ولا يعمل به، لا حظ له في الإسلام.

لذلك الآن المراجعات لفكر الإخوان المُسلمين، قالت لك بذور التكفير ليست مع سيد قطب، مع حسن البنا. ها هو! هذه البذور تكفيرية، على فكرة! واضحة! لا حظ له في الإسلام. يا أخي لم نؤمن بدعوة الإخوان، لا نُريدها! قبل أن تكون الإخوان، ويُولد حسن البنا، كان هناك إسلام! أليس كذلك؟

ما حال الناس الذين قبلك؟ ما حال أبيك – رحمة الله عليه -؟ العلّامة عبد الرحمن البنا، المُحدِّث! لم يكن إخوانيا، أليس كذلك؟ ما أحوال شيوخ الإسلام الكبار، وشيوخ الأزهر، والأمة كلها، وفي زمانك، وبعد زمانك، وإلى يوم الدين، الذين ليسوا من الإخوان؟

لا حظ له في الإسلام؟ عجيبة والله! عجيبة! مُخيفة! نقل مُخيف! وأنا وثقت كل شيء، لذلك كان لا بُد أن أقرأ، ممنوع أحكي من رأسي. سوف يقول لك كذّاب! يكذب! والناس سوف يُصدِّقون! لكن أنا قلت لك هذه دعوة للشباب – رسالة دعوة للشباب -، تحت عنوان ماذا نُريد؟ ها هي! وإنما نُعلن في وضوح وصراحة أن كل مُسلم…

وسوف تقول لي نعم، إذن هذا هو تفسير روحية التعصب عند الإخوان والانغلاق: أخ أم ليس أخا؟ ما دام ليس أخا، انتهى! لذلك أنا حدّثتكم غير مرة، عن عالم، الآن انتقل إلى رحمة الله، حدّثنا عنه أخونا هيثم صالح؛ أبو حسام، من سنوات! منذ اليوم الذي جئت فيه إلى النمسا. قال لي أُشهد الله، وأَشهد بهذا أمام الله، أن هذا حدث، في ميونخ، وعليه شهود، ومُعظمهم أحياء.

جاء الشيخ الدكتور فلان الفلاني، وألقى المُحاضرة وكذا، وفي الليل جلسنا، كلنا إخوة. قال! وهذا؛ أبو حسام، كان إخوانيا أصلا، ثم تركهم. والمُهم، وخلع الشيخ عمامته، وجلس واستروح إلى إخوانه، فطرح أحدهم سؤالا.

قال له يا مولانا، بصراحة هناك أُناس فُضلاء، وأهل علم وفضل وصلاح وكذا، لكن ليسوا في الجماعة! فما تقول فيهم؟ فضحك وقال تُريد رأيي رأيي، أي قناعتي؟ الشيخ المرحوم! قال له نعم. قال له يُشك في إيمانه. أو قال يُشك في إسلامه.

نعم، والله العظيم! يُشك في إسلامه، أو قال يُشك في إيمانه. الشك مني أنا، لا أعرف هل قال إسلامه أو إيمانه؟ المُهم، كلمة كهذه. يُشك في إيمانه، أو يُشك في إسلامه.

ليس بعيدا عن كلام الشيخ البنا! الشيخ البنا أصرح من هذا، لم يقل يُشك، قال لا حظ له في الإسلام! ما هذا؟ على فكرة، هذا الكلام الآن سوف يُغضبهم جدا، وأرجو، ألا يظنوا أنني أُريد هذا، حاشا لله! يعلم الله أنني ما أردت إلا النُصح، والله! ولا أُريد إلا النُصح.

ويعلم إخوتي المُقربون مني، أنني من أشهر طويلة، كنت أقول لهم والله أخشى ما أخشاه أن أموت دون أن أبوح بما في نفسي، من هذه الأمور. في نفسي أشياء كثيرة! لأنني أشعر أنني إن قلت هذا كما هو، أكون قد أبرأت ذمتي. لو سألني ربي، أقول له يا ربي، أنا قلت.

سوف يقول لي أنت علمت أن هذه الجماعة وأن هذا التنظيم وهذا الفكر خطير في كذا وكذا وكذا وكذا! وأودى بالأمة، وأودى بالدين، وسبَّب عذابات كبيرة، وأزهق أرواح الألوف من الناس! لِمَ سكت؟ ماذا سوف أقول له؟ يا ربي، خشية على سُمعتي، على كرامتي! أبدا! لا بُد أن أتكلَّم. فأرجو أن يفهموني، وألا يغضبوا مني، أنا ناصح أمين – إن شاء الله تعالى -. الله من وراء قلب كل امرئ ولسانه.

فيقول لا حظ له في الإسلام. فليبحث له عن فكرة أُخرى، يدين بها ويعمل بها. أي غير الإسلام! هو هذا الإسلام! لم تتطابق معه، ابحث عن دين ثان إذن، لا يُوجد! هو هذا الإسلام! حصرية، وكالة حصرية تامة!

مُخيف، مُخيف الكلام هذا! مُماهاة ومُطابقة، مُماهاة ومُطابقة كاملة، بين الجماعة وبين الإسلام! بمعنى لا إسلام خارج الجماعة! كما تقول الكاثوليكية؛ لا خلاص خارج الكنيسة! بالضبط، حسن البنا: لا إسلام خارج الجماعة! كيف؟ على أي أساس؟

وها قد كتبتها: ولذلك لا عجب أن يقف الشيخ أحمد الشريف، عضو مكتب الإرشاد، ورئيس مكتب إداري أسيوط، في سجن الواحات، في خُطبة جُمعية، يقول نحن جماعة المُسلمين!

نحن جماعةُ المُسلمين طبعا. هذه: مُبتدأ، خبر. لو قال نحن جماعةَ المُسلمين… أكمل، ماذا؟ منصوبة على الاختصاص. نحن جماعةَ المُسلمين، نُعلن كذا، كذا، كذا، كذا! لكن قال لك جماعةُ المُسلمين. بمعنى لسنا جماعة من المُسلمين.

الشيخ محمد الغزّالي في كتاباته النقدية لهم، في تلك الفترة، قال وطُرح هذا السؤال بين الشباب: أنحن جماعة من المُسلمين، أو نحن جماعة المُسلمين؟ قال والجواب عن هذا السؤال يترتب عليه آثار ضخمة مُخيفة! تتعلق بها استباحة دماء وأموال وأعراض!

والله العظيم! الشيخ الغزّالي! وما أحلى كلامه – رحمة الله عليه -! نصح لهم، وما استمعوا. كما قال حتى المُرشد الهضيبي – الله يرحمه، ويغفر له -، قال مقتنا مقت الكفّار والفسّاق! مقتنا مقت الكفّار والفسّاق!

لماذا؟ يُوجد إسلام، الإسلام أولى، أولى من الجماعة، أولى مني ومنك! الإسلام أولى من كل شيء! صحيح؟ أي جماعة؟ وأي حزب؟ جماعة ماذا؟ وتنظيم ماذا يا حبيبي؟ يُوجد إسلام، يُوجد دين محمد، هذا! يجب أن يكون ولاؤنا المُطلق له، ليس لشيء أقل منه! والتعصب خيانة.

التعصب خيانة! إن تعصبت للإسلام، كل الإسلام، أنت وفي له. إن تعصبت لشيء أقل من الإسلام في سعته، أنت خنت الإسلام. وارجعوا إلى خُطبتي القديمة التعصب خيانة. هذا لكل مَن تعصب!

انظر، في قضية فلسطين كنت أقول إذا تعصبت لحماس، خُنت القضية الفلسطينية. تعصبت لفتح، خُنت القضية الفلسطينية. تعصبت للجبهة، خُنت القضية الفلسطينية.

تتعصب؟ تعصب لقضيتك الفلسطينية، كفلسطيني! وبعد ذلك، تعاون مع حماس، أنت حُر، مع الجهاد، مع فتح، مع الجبهة، هذا شيء ثان! لكن في القضايا الواسعة دائما، التعصب لنطاق أضيق فيها، يجعل التعصب خيانة، موضوع طويل هذا!

أرأيت كيف؟ ماذا قال؟ نحن جماعةُ المُسلمين. نحن وفقط! مُماهاة أيضا! فمَن خرج علينا، فقد خلع ربقة الإسلام من عُنقه. شيء مُخيف!

وقد كتب الشيخ محمد الغزّالي – يرحمه الله – ولقد عجبت لخلاف وقع بين شباب من المُسلمين، أثاره بعضهم بتشاؤم! هو: أنحن جماعة المُسلمين، أم نحن جماعة من المُسلمين؟ والإجابة عن هذا السؤال – انظروا، قال عن، لُغته قوية! ليس على! يقول لك الجواب على! ليست على، لا يُوجد الإجابة على! أجاب عن السؤال، وليس على السؤال. انظر! لُغة، الشيخ الغزّالي هذا! والإجابة عن هذا السؤال – لها نتائج ذات بال!

بل نتائج ترتبط بها صيانة دماء وأموال! فإن الذين يحسبون أنفسهم جماعة المُسلمين – ليس جماعة من المُسلمين، جماعة المُسلمين – يرون مُخالفة قائدهم – الزعيم، المُرشِد – ضربا من مُخالفة الله ورسوله، وطريقا مُمهدَة إلى النار، وبئس القرار!

إلا أنني عزّ علي أن يُلعَب بالإسلام وأبنائه بهذه الطريقة السمجة، وأن تتجدد – بمعنى تُستحيا وتُبعث – سياسة الخوارج مرة أُخرى. أرأيت؟ كان واضحا. العلّامة أحمد شاكر قال خوارج ضالون. الغزّالي ماذا قال؟ خوارج. خوارج! قتلة وتكفير وذبح ودماء! أين أنتم؟ أي مذهب هذا؟

أن تتجدد سياسة الخوارج مرة أُخرى، باسم أن القائد وبطانته هم وحدهم أولو الأمر، وأن لهم حق السمع والطاعة، وأن الخارج عليهم يصدق فيه قول رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – مَن رأى مِن أميره شيئا…

هكذا يُعلِّمونهم! هكذا يُعلِّمونك، على فكرة! يُعطونك البيعة، هي بيعة الخليفة، هي! وهذه بيعة لجماعة. يُفهِّمونك كأنك بايعت خليفة رسول الله! لا، هذه بيعة، بيعة لجماعة عادية، لا! فماذا يقول؟ مَن رأى مِن أميره شيئا، فكرهه، فليصبر، فإنه ليس أحدٌ يُفارِق الجماعة شبرا، فيموت، إلا مات ميتة جاهلية.

نعم. وقوله – أي يصدق فيه، يصدق فيه قوله! وقوله – مَن خلع يدا من طاعة، لقيَ الله لا حُجة له. ومَن مات وليس في عُنقة بيعة، مات ميتة جاهلية. هكذا يضحكون على أولادهم! ماذا قال الشيخ الغزّالي؟

وهذه الأحاديث وأمثالها، وردت في منع الفتوق الجسيمة – الثقوب! في منع الفتوق الجسيمة – التي يُحدِثها الشاغبون على الدولة، الخارجون على الحُكّام – السلاطين -. وقد عانى المُسلمون، وعانت خلافتهم الكُبرى، أقصى الآلام، من ثورات الحانفين والناقمين! وربما كان سقوط الحُكم الإسلامي في الأرض، بسبب هذه الانتفاضات الهائلة!

النبي – قال – منذ زمن، أحب أن يضع حدودا لهذه الثورات الهائجة دائما. كل واحد يرى نفسه قائدا، يرى نفسه مُصلِحا مُجدِّدا! نبدأ في الخروج على الدولة، نلعب بحبل الأمن، ونعمل كذا. خربتم – قال – تاريخ الأمة. الشيخ الغزّالي! انظر، دارس للأمور كلها.

بيد – استتلى يقول بيد – أن تعليم هذا الجنون – سماه جنونا! وهو كذلك. هذا ضرب من الجنون، على فكرة! لا تقل لي اجتهادات. بيد أن تعليم هذا الجنون! – كان أسلوب تربية – في الجماعة! يُربون أولادهم عليه، أسلوب تربية – وتجميع عند بعض الناس.

أن يُقال إن الولاء للقيادة يُكفِّر السيئات، وإن الخروج عن الجماعة يمحق الفضائل! أي إسلام هذا؟ ومَن مِن علماء الدين، الأولين والآخرين، أفتى بهذا اللغو؟ وكيف تُلبسون الدين هذا الزي المُنكَر؟ وهيهات! فقد تغلغل هذا الضلال.

أرأيت ماذا قال؟ هيهات! قال لن ينفع كلامي، نُصحي لن ينفع، لن يستمعوا إلي. وطبعا لم يستمعوا إليه، وسبوه وكذا! وهددوه بالقتل! تسكت، أو تُقتل. قال! ماذا؟

وهيهات! فقد تغلغل هذا الضلال، في نفوس الناشئة، حتى سأل بعضهم: هل يظن المُسلم نفسه مُسلما، بعدما خرج من صفوف الجماعة؟ بعدما خرج من صفوف الجماعة! تترك الجماعة، وتظن أنك مُسلم؟ انتهى! أنت انتهيت.

ويذكر فيه أيضا أنهم لما اختلفوا مع الهضيبي، يقول الشيخ الغزّالي مقتنا الرجل أشد المقت! مقتنا كما يمقت الكفّار والفسّاق! أين الدين هذا؟ لذلك لا يُوجد نجاح، خُذوها مني! ولن ينجحوا، صدِّقوني! وسوف أقول لكم وصفتي في الأخير ورأيي!

تسعون سنة، فقط ضحايا، فقط أُناس ضاعت أعمارها، أُقسم بالله! ضيعوا حياتهم، مُستقبلهم! سجون، مشانق، مناف! دمار، دمار هائل! حرام! والله من باب النصيحة، يجب أن يقف هذا العبث، حرام!

المُهم، انظر الآن، حسن البنا كيف يُعلِّم تلاميذه وأتباعه، مَن أنتم؟ نوع من الاستعلائية، نوع من الاختصاصية، نوع من الفوقية! لك أن تُسميها النرجسية الجماعية! نحن، نحن! أي الـ Chosen people، نحن أمة الله المُختارة، عباد الله المُختارون، نحن ليس لنا مثيل! انظر ماذا يقول – رحمة الله عليه -.

قال في رسالة الإخوان المُسلمين – رسالة الإخوان المُسلمين، هكذا اسمها! رسالة الإخوان المُسلمين – تحت راية القرآن:

هذه منزلتكم – يحكي لأتباعه -، فلا تصغروا في أنفسكم، فتقيسوا أنفسكم بغيركم. لا! إذن أين إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ * وكذا؟ أين كلام رسول الله؟ مَن بطأ به عمله، لم يُسرع به نسبه. لا تنتسب لجماعة الإخوان، كُن ابن الشيخ البنا، بل كُن ابن رسول الله، بنت رسول الله!

والنبي حكى هذا الكلام لأهل بيته أيضا، ما رأيك؟ وقال لهم مَن بطأ به عمله، لم يُسرع به نسبه. ويا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي، ما شئت – أي أعطيك -، اعملي لنفسك، لا أُغني عنك من الله شيئا.

هذا الإسلام، الذي يدّعي البنا أنه فهمه أحسن فهم! لا والله، ما فهمه أحسن فهم. والله، هذا المنطق لا يصدر عمَن فهم الإسلام أحسن فهم.

يا جماعة الخير، حتى رسول الله! حتى رسول الله؛ وَلَوۡلَآ أَن ثَبَّتۡنَٰكَ لَقَدۡ كِدتَّ تَرۡكَنُ إِلَيۡهِمۡ شَيۡـٔٗا قَلِيلًا * إِذٗا لَّأَذَقۡنَٰكَ ضِعۡفَ ٱلۡحَيَوٰةِ وَضِعۡفَ ٱلۡمَمَاتِ *، فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ *. كلٌ مأمور بأن يكون عبدا لله. وقال لك العبودية! هذه العبودية الحقة. الحاكمية! هذه الحاكمية الحقة.

قس نفسك بمقياس القرآن الكريم، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ *، لا فضل لهذا وهذا وهذا، وإخواني على غير إخواني، وتحريري وصوفي وسلفي وأشعري ووهابي، أبدا، أبدا!

ولذلك بفضل الله – نسأل الله أنه يزيدنا -، والحمد لله، أنا سعيد أن الله أعطانا هذا الإنصاف. كم يمقتني الوهابيون، ويكرهونني! ودائما أقول وأُسجِّل بالمُناسبات فيهم صالحون ندر أمثالهم!

وهابي وصالح! يُوجد، يُوجد! ورأينا! ورأينا أمثلة. وفي الأشعرية صالحون ندر أمثالهم، وفي الشيعة صالحون، وفي الزيدية صالحون، وفي الإباضية صالحون، وكان في المُعتزلة صالحون!

كل واحد في نهاية المطاف ابن عمله، ورهين كسبه، انس! ولا يُمكن إلا هذا، كما دأبت على أن أقول، على هذا المنبر، والله لن يأتي أحدٌ منا ربه يوم القيامة بالعناوين والمانشيتات؛ سُني، عربي، أشعري! انس. عملك! اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا *. يستوي في هذا حسن البنا، وأصغر واحد من أتباعه – رحمة الله على الجميع -.

هذه منزلتكم، فلا تصغروا في أنفسكم، فتقيسوا أنفسكم بغيركم، أو تسلكوا في دعوتكم سبيلا غير سبيل المؤمنين، أو توازنوا بين دعوتكم… احذروا أن تقيسوا دعواتكم بالدعوات الثانية! لا، لا، لا، لا! أنتم شيء مُميز، تماما! مُغاير! أنت إخواني! ارفع رأسك يا أخي، إنك إخواني.

أو توازنوا بين دعوتكم، التي تتخذ نورها من نور الله، ومنهاجها من سُنة رسوله، بغيرها من الدعوات، التي تُبرِّرها الضرورات – انظر، أي دعوة غير دعوتنا، تجد أن أملتها الضرورة! الضرورات -، وتذهب بها الحوادث والأيام.

كأنه يضرب بالغيب، أن دعوتنا نحن مُؤبدة، على الأيام! مَن قال لك؟ الآن هذه الدعوة تنتهي، على فكرة! هي الآن في طور الأفول. وهذا الذي آلمهم من خُطبتي، التي أردت بها النُصح، وسأقول آلمهم جدا أن نقول إن موت المرحوم القرضاوي – رحمة الله عليه – جاء استفتاء على الإسلام السياسي.

وتذهب بها الحوادث والأيام. فمَن تبعنا الآن، فقد فاز بالسبق. ومَن تقاعد عنا من المُخلِصين اليوم، فسيلحق بنا غدا. قال لا يُوجد مُخلِص، إلا وسوف يأتي إلينا! معناها، الذي لا يأتي إلينا مَن هو؟ الكذّاب. انظر، لُغة غريبة! المُخلِص، حتى لو اليوم تقاعس عنا، سوف يلحق بنا، في يوم من الأيام! أكيد آت، آت! المُخلِص، إخلاصه سوف يُلزِمه أن يأتي!

وللسابق عليه الفضل. ومَن رغب عن دعوتنا، زهادة أو سُخرية بها أو استصغارا لها أو يائسا من انتصارها – وأيضا لم يضع ماذا؟ خامس القسمة! ماذا يعني؟ رأيا لغيرها، تفضيلا لغيرها عليها، قناعة بغيرها، استغناء بغيرها عنها! ما المُشكلة إذن يا شيخ البنا؟ -، فستُثبت له الأيام عِظم خطئه، وسيقذف الله بحقنا على باطله، فَيَدْمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ *.

لُغة مُرعبة، ثقة فائقة! أنا أعلم أنكم مصدومون، وكل مَن سيسمع كلامي هذا سيكون مصدوما! صدِّقوني، حتى مُعظم الإخوان، الذين لم يقرأوا، مع أنهم أكيد قرأوا الرسائل، لكنهم سوف يقولون نحن قرأناها! لم نقرأ هذا! لعله يكذب! يا رب أن يكون قد كذب! لا، لا أكذب، راجعتها بنفسي، بنفسي.

لا نُريد أن نتكلم عن الوطن؛ لأن أيضا ورطة الأوطان مع الإخوان المُسلمين ورطة كبيرة! و(طز) في مصر، وفلسطين (نكشة سنان)، والوطن حفنة عنفة من التراب! الشيخ البنا عنده كلام كثير في الوطن، على فكرة! يحتاج إلى خُطبة بحيالها، لكن من ضمن كلماته، رسالة دعوتِنا – في رسالة دعوتِنا، أو (دعوتُنا):

أما وجه الخلاف بينا وبينهم، فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة، وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية. لا! بالتخوم الجغرافية، والقرآن يرد عليك يا شيخ حسن، شئت أم أبيت، شئت أم أبيت!

كم مرة في كتاب الله تبارك وتعالى هذا! إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ *. التي هي مكة، أرض ماذا؟ الشرك والكفر! أليس كذلك؟ ديار محمد هي مكة، وهي بلاد كفر، وبلاد شرك! دياره. كل الآيات هكذا! وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ *! فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا *.

وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي *، مِن دِيَارِهِمْ *! أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ۖ *، الحشر: دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ *. القرآن دائما يقول: ديارهم، ديارهم، ديارهم، ديارهم، ديارهم. لا، الوطن يا جماعة، هذه مسألة واقعية.

انظر، الشيخ البنا لم يكن مُفكِّرا طبعا هو، هو إنسان – أي كما قلنا ماذا تعلم وماذا كذا – لم يقرأ الفكر ولا كذا! في الفكر، المقولات إما إنشائية وإما خبرية، فهمت قصدي؟ لا يُمكن، مهما أوتيت من حذق وذكاء وحماس عقدي وأيديولوجي، أن تُحوِّل المقولة الخبرية إلى مقولة إنشائية. سوف تقول لي لم أفهم شيئا! كلام عادي هذا، وليس فيه أي شيء، سهل جدا وبسيط.

الآن أبوك، كونه أباك، مقولة خبرية أو إنشائية هذه؟ خبرية. هذه حقيقة واقعية، Positive! شئت أم أبيت، أبوك هو أبوك، أنت تحمل نصف جيناته. أخوك من أبيك وأمك، شقيق أو حتى لأب أو لأم، هو أخوك، شقيق أو لأب أو لأم، مقولة خبرية! وطني، وأنه هذا البلد الكافر، أيا كان، مكة أو غير مكة، هذا وطني، شئت أم أبيت، هذا الوطن! أليس كذلك؟

وعلى فكرة، الشيخ حسن البنا، بعد مُحاولة تفجير محكمة الاستئناف قال الآتي. لا أُريد أن أُدخلكم في التاريخ مرة ثانية، لكن أدعوكم، أنا أدعوكم إلى أن تقرأوا بتدقيق وتفصيل تاريخ جماعة الإخوان! وأولا من مصادرهم؛ لكي لا تظلموهم. اقرأوا ما كتبه قياداتهم، سواء في التنظيم الخاص، أو في الجماعة! اقرأوا، وسوف تقعون على مثل هذه الأشياء، وسوف تندهشون!

الشيخ البنا: هذا بيان للناس. ليسوا إخوانا وليسوا مُسلمين. في البيانين كان مُمتازا! ويتبرأ من الجريمة، ويتبرأ من الإرهاب، ومن سفك الدماء، وكذا، كذا! وأبدا، أبدا! ويؤكد سلميته، وسلمية جماعته، وحرصها على استقرار البلد، وعدم كذا!

وبعد فترة بسيطة؛ مُحاولة تفجير محكمة الاستئناف، وطبعا مُتورِّط فيها إخواني، أصدر بيانا اسمه: القول الفصل. رجل آخر! ليس حسن البنا صاحب هذا بيان للناس، وصاحب ليسوا إخوانا وليسوا مُسلمين!

يُلوِّح بالعنف – والله العظيم -، ويُهدِّد الدولة! وأن الأمر انتهى، وإلى متى؟ ولا تختبروا صبري، وكل شيء عنده حدود. باللُغة هذه! البيان مُخيف مُرعب! وأنه في الأخير يُلوِّح بالقوة! سوف نُحرِقها، سوف نُحرِقها!

وأيضا يستدعي القرآن الكريم، نفس اللُعبة! الدين يأتي في السياسة، وفي ألاعيب السياسة، بما فيها حتى حوادث الإرهاب والإجرام! نفس الشيء! وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ *… آيات الشورى، تخيل! نعم، أتى بالقرآن الكريم.

انظر، هذه الطريق، بالذات، وهي طريق مشأومة، غير محمودة العُقبى، النبي سدها، قولا وعملا، تنظيرا وتنزيلا – صلوات ربي وتسليماته عليه -! أُقسم بالله، شيء مُذهِل! مُذهِل! سوف تقول لي لم أفهم! أعرف، سوف نُوضِّح الآن طبعا:

قضية أن النبي في مكة، ثلاث عشرة سنة، قُتل مَن قُتل، وعذِّب مَن عُذِّب، وهجرتا الحبشة، وحتى في الأخير جاءت هجرة المدينة، هل سمح لأصحابه، مرة في الدهر، أن يثأروا لأنفسهم؟ أن يغتالوا؟ أن يفتكوا؟

وهل تظنون الصحابة، الذين باعوا نفسهم لله ورسوله، كانوا يتراجعون، حتى طرفة عين، عن أن يفعلوها؟ يقتل مَن قُيِّض له، أو قُدِّر له، قتله، ثم يموت، لا يهمه! هو شهيد. أبدا! لم يسمح لهم، لا القرآن ولا رسول الله! ودائما؛ أُمرنا بالعفو، أُمرنا بالصفح. والقرآن نفس الشيء: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ ۚ *، وكذا! باستمرار!

التعليل الإسلاموي، لهذه الحالة، تعليل ناقص، لن أقول أكثر من هذا! قال لك لأن المُسلمين كانوا قلة، ومُستضعفين، ومُستوحشين! ولو اصطنعوا هذه الطريقة العُنفية الصراعية الصدامية، لربما اجتُثوا من خضرائهم، من عند آخرهم!

صدَّقنا، لما كنا صغارا، صدَّقنا الكلام هذا! أليس كذلك؟ لكن لم يقل لنا أحد من الناس لكن ها هو رسول الله – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله وأصحابه – في المدينة المُنوَّرة! أليس كذلك؟ وهو الكل في الكل، والقيادة العامة، الروحية والعلمية والعسكرية والسياسية، هو كل شيء! زعيم الأمة!

وشهدت المدينة حوادث كثيرة، من المُنافقين، الذين شككوا في الدين، وطعنوا في الرسول، وطعنوا في عِرضه وفي أمانته، وليس هذا فحسب! واحتقبوا – والعياذ بالله – جريمة الخيانة العُظمى، حين انخذل الملعون عبد الله بن أُبي بثُلث، وفي بعض الروايات بنحو نصف، الجيش! قريب من نصف الجيش، دعنا نقول كحد أدنى ثُلث؛ بثُلث الجيش! يوم أُحد، ورجع بهم، وأسلم الرسول بمَن معه للمكيين، خيانة عُظمى!

أبدا! لما الصحابة كانت تضيق وتحرج صدورهم؛ يا رسول الله، مُرني فلأقتله، دعني فلأضرب عُنق هذا المُنافق! ماذا كان يقول؟ أتُريدون أن يتحدَّث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟ الله، الله، الله، الله، الله! ما معناها الآن عدم قتلي لهؤلاء الكفار، الذين ظهر كفرهم، وسجَّل عليهم القرآن بالكفر؛ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ *؟ القرآن! ليس الرسول، القرآن قال لهم كَفَرْتُم *، أنتم كفرة.

لم يقتل أحدا منهم! أليس كذلك؟ وقال لا، لئلا يقول الناس يُوجد وضع داخلي غير سليم، بدأ يُصفِّي رجاله، يُصفِّي الذين خرجوا عن طوعه! لا. ليس هذا فحسب طبعا، جاء تنظيريا، النبي! عندنا أحاديث تشعر أنت أنها مُتعارِضة، تشعر أنها مُتعارِضة!

أحاديث: مَن قُتل دون نفسه، فهو شهيد. دون عرِضه، فهو شهيد. دون ماله، فهو شهيد. يا رسول، أرأيت إن جاءني أحدهم، يُريد أن يأخذ مالي؟ قال لا تُعطه. لا تُعطه، ما هذا؟ قال فإن قاتلني؟ قال قاتله. قال فإن قتلته؟ قال هو في النار. فإن قتلني؟ قال أنت في الجنة. الإسلام يعرف العزة، لا يعرف الدنية والخوف والرعدة والجُبن.

لكن هناك أحاديث أُخرى، أكثر من هذه الأحاديث، تقول لك ستكون فتن، وستكون أشياء، كُن كحلس دارك. مثل هذا السجاد! السجاد القديم اسمه الحلس. قديم، موضوع في الأرض، مرمي هكذا، الكل يدوسه. كن مثل السجادة القديمة! الزم بيتك، ولا تخرج، في الفتن.

في الفتن، الواقف أحسن من الماشي، والقاعد أحسن من الواقف، والذي في بيته أحسن من الذي في الشارع. أحاديث كثيرة تؤكد هذا المعنى! كن وحدك.

قال له يا رسول الله، فإن دُخل علي داري؟ ها أنا قاعد، انتهى! ألقيت السلاح، تركت جماعتي، تركت حزبي، تركت الذين يُقاتلون هؤلاء، وقعدت وحدي، لا أُريد! لا أُريد أن أبوء بدم أي إنسان بريء! فإن دُخل علي داري؟ جاءوني! حرب أهلية هذه.

قال له فإن خشيت – النبي قال له إن خشيت – أن يبهرك شُعاع سيفه… انتضى سيفه هكذا! أنت تعرف أن الإنسان طبعا يُدافع عن حياته (يا روح ما بعدك روح)، وخشيت أن تكون منك ردة فعل؛ أيضا أنت تنتضي سيفك وتضرب!

قال له فألق عليك ثوبك. اعمل هكذا؛ حتى لا ترى. يُعطيك ضربة واحدة، تموت شهيدا أنت! يبؤ بإثمك وإثمه. أنت كُن كخير ابني آدم، كُن مثل هابيل، لا مثل قابيل.

جاءك بعض الشباب (يا حرام) الذين لم يسمعوا الكلام هذا، ولم يفهموه! وقال لك ما الكلام هذا؟ من أين؟ من أين؟ اذهب وانظر في الأحاديث، كثيرة جدا! لكن كيف والنبي قال مَن قُتل وكذا؟ لأنك لم تفهم! تعال، طبِّق على النبي نفسه، وسوف تفهم. طبِّق على المرحلة المكية، وعلى المرحلة المدنية، وسوف تفهم.

الحُكم في الحرب الأهلية والفتنة الداخلية شيء، وفي الحالات الفردية شيء آخر، أليس كذلك؟ واحد هكذا حرامي، لص، جاء ليعتدي علي، لن أُعطيه الدنية أبدا! سأُقاتله لآخر لحظة، سأدفع عن نفسي، بكل ما أستطيع، حتى وإن سال فيها دماء، أو زُهقت فيها نفوس؛ أنا أو هو، لا بأس! جيد؟ لكن هذا في الحالات العادية الفردية، والمُجتمع آمن مُطمئن! لكن لما تشتعل وتتأرث نار حرب أهلية وفتنة داخلية، ممنوع أن تُشارك في الفتنة.

فهمنا يا إخواني؟ الشيخ البنا للأسف الشديد لم يُلِم بهذا الفهم، ولم يُشِر إليه، وفهّمك أنني في الأخير كجماعة مُسلمة، مُستحوذة على الدعوة بالمعنى الكامل الشامل وكذا، عندي الحق إذا ضويقت، وصُدرت أملاكي، وحُلت جماعتي، وأُخذنا إلى الأسر، وربما إلى المشانق، في أن نُدافع عن أنفسنا! وتبدأ المذبحة!

إذن أسَّس للعُنف أيضا! نعم، نعم! في بياناته ورسائله. وصنع طبعا الجهاز الخاص، الذي مارس العُنف، وصفّى – كما قلنا – الشخصيات العظيمة المُهمة، وهذه كانت مُصيبة عظيمة جدا جدا – والعياذ بالله -! أرأيت كيف؟

حسنا، إذن أنا قلت لكم هذا هو المنطق المتعلق بالوطن. هو يقول عندنا في حدود العقيدة! يا أخي مقولة خبرية، وطني وطني، انس! وطني وطني. بمعنى الذي وُلد في النمسا هنا، من المُسلمين، من أبنائنا، وطنه النمسا، أبدا! ولها في قلبه حُب ومكانة، هذا شيء طبيعي، فطري! والإبل على غلظ أكبادها، تحن إلى بلادها، يا رجل! الطيور تحن إلى أوكارها.

النبي خرج من مكة، وثلاثمائة وستون صنما، وزُعماء الكُفر، هم سدنة الشرك والوثنية، وعلى الحزورة – وقف على الحزورة – وبكى! بكى وقال والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله، ولأحب بلاد الله إلي! ولولا أن أهلك أخرجوني، ما خرجت.

ويبكي! وربنا في الطريق قال له إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ۚ *. طمأنه، وقال له سوف نُرجعك، لا تخف، سوف ترجع وتفتحها وأنت مُعزَّز مُكرَّم. يُحبها! لم يقل لا، (طز) في مكة، بلد كفر، لا أُريدها.

لا، لا، لا، لا! البلد عزيزة، أيا كانت. لا تأتوا بمفاهيم مثل هذه خطيرة! مفاهيم خطيرة، وضربت في الصميم طبعا. وهذه المفاهيم ترتب عليها أشياء كثيرة يا إخواني، ترتب عليها أشياء كثيرة!

رأينا من شباب الدعوة، ومن شباب جماعة الإخوان، مَن يرفع يديه، ويدعو! ورأينا من دُعاتهم أيضا وأكابرهم – لكن ليس أماثلهم للأسف، أكابرهم – مَن يحلف، ويدعو بأنك يا مصر – بعون الله، بعون الله – سوف يأتي إليك ويحدث لك الذي حدث في العراق وسوريا!

لا إله إلا الله، معقول؟ معقول؟ والله هذا الذي حصل! وكل التسجيلات موجودة. إذا حذفوها، فشيء ثان! لكن كلنا رأيناها، شيء غريب! تعرف لماذا؟ مفهوم الوطن غير موجود، ليس له أي قيمة، ليس له أي شيء! قال لك وطني العقيدة! غير صحيح.

هناك آية أُخرى، الحمد لله أنا أدمنت على أن أُذكِّر بها، وأنا أعرف أنها تُزعِج كل الإسلامويين في هذا الباب، وتُزعِج طبعا السلفيين، أصحاب الولاء والبراء، والضيقين جدا، والعاطفيين الذين لم يُحرِّروا المسألة علميا! ما هي؟ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَيۡءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْۚ وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ *.

وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ *، اضطُهدوا! تم اضطهادهم، تم تعذيبهم! انصر أخاك، حتى لو لم يكن من أهل البلدة، ليس من أهل المدينة! في بلدة ثانية، في قبائل، مضارب، عشيرة، أي شيء! لكن هناك استثناء خطير مُخيف؛ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ *.

بمعنى، أن هذا المُسلم ليس عنده التابعية الخاصة بالمدينة المُنورة. هذا معناها، باللُغة الحديثة، ليس عنده الــ Citizenship؛ المُواطنة، ليس عنده جنسية المدينة هو. ليس من أهل المدينة، لكن مؤمن. على طريقة حسن البنا أخونا في العقيدة! أليس كذلك؟ والعقيدة هي الوطن! العقيدة هي الوطن! ينبغي أن تُدافع عنه لآخر نفس، كأنه أيضا ابن المدينة.

القرآن قال لا. القرآن قال هذا الكلام غير صحيح. وكلام غير عملي، وغير سياسي، ولا يشتغل! يورِّط الدولة في أشياء كثيرة! الدولة عندها تحالفات، عندها مُعاهدات. أرأيت كيف القرآن؟ عظمة!

فالقرآن قال إذا هذا المُسلم، المُضطهد في دينه – مُضطهد في دينه، ليس من أجل شيء ثان! في دينه -، إذا كان اضطُهد من أُناس، بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ *، لا! لست مُستعدا أنت أن تخسر الميثاق، وتخسر كل شيء، من أجل واحد لم يُهاجر!

لماذا لم يُهاجر؟ الهجرة في تلك الأيام كانت واجبة، كانت واجبة! يجب أن يترك مضاربه، ويأتي إلى النبي، ويُهاجِر. بماذا انقطعت الهجرة؟ بفتح مكة. لا هجرة بعد الفتح، وإذا استُنصرتم فانصروا.

فهذه الآية، مع آيات الديار، وديارهم وديارهم، كلها ترد على الشيخ حسن البنا؛ أن حدود الوطن هي العقيدة! غير صحيح، الوطن حدوده معروفة، وهذه مقولة خبرية، لا تستطيع أن تنسفها، ولا أن تُشكِّك فيها! فضلا عن أن هذا هو العالم المُعاصِر.

أنت الآن لديك تركيا! لا تقدر على أن تذهب هناك، وحتى لأنك من الإخوان المُسلمين، وتقول أعطوني جنسية. يقول لك لا، لا! لا نقدر، ليست بالبساطة هذه! لا بد أن تبقى، وتعمل استثمارا، وتبقى كذا، أو تكون حالة خاصة، والبرلمان وكذا!

لا نقدر، دولة هذه! نُعطيك هكذا جنسية؟ لا يُوجد من الكلام هذا! تحلم أنت؟ لا يُوجد منه. دول، منطق حديث! منطق الدولة شيء ثان! تمام، وبعد ذلك عنده كلام ثان، لا نتحدَّث عنه.

نأتي الآن أيضا إلى نقل عن الشيخ البنا – رحمة الله عليه -، في رسالته إلى أي شيء ندعو الناس؟:

مهمتنا سيادة الدُنيا. انظر! على فكرة، هذه النزعة، ليست الاستعلائية فحسب، بل هي أُستاذية العالم، كما يُسمونها هم! وهو سماها أُستاذية العالم! بماذا؟ والله أنا لا أعرف!

أنت مع المُسلمين، لست قادرا على أن تضبط أوضاعك! مع علماء الجماعة، لست قادرا على أن تضبط أوضاعك! مع الناس الذين تركوك، لست قادرا على أن تضبط أوضاعك! مع الشيخ القرضاوي، وهو معكم، كتب نقدا بسيطا، لست قادرا على أن تضبط أوضاعك! تتأستذ على العالم، في ماذا؟ على أي أساس؟

لا يزال هناك الكثير من النقول! دعوني أقرأ عليكم، وأختم بهذا قبل الأسئلة، رسالة الأستاذ عبد الرحمن يوسف إلى أبيه. نقرأ منها فقرات فقط؛ لأنها رسالة طويلة. طبعا وجهها بمُناسبة ماذا؟ في شهر طبعا ماذا؟ قلنا ألفين وثلاثة عشر، بمُناسبة فتوى المرحوم القرضاوي في قضية مُرسي، لما حدث ما حدث، بعد الثلاثين من يونيو، ألفين وثلاثة عشر.

قال في رسالته:

أبي الغالي، الذي تشهد كل قطرة دم تجري في عروقي، بعلمه وفضله، لقد أصدرت أمس – أمس بمعنى البارحة! البارحة، اليوم الذي قبل يومك! لقد أصدرت أمس – فتوى بضرورة تأييد الرئيس المُقال (بحق) – بين قوسين (بحق)! مُقال بحق. يقول مَن؟ ابنه. قال هذا أُقيل بحق. سوف نرى لماذا! المُقال (بحق) – محمد مُرسي.

جاء فيها نصا:

“إن المصريين عاشوا ثلاثين سنة – الشيخ القرضاوي يقول -، إن لم نقل ستين سنة – قصده: من أيام عبد الناصر -، محرومين من انتخاب رئيس لهم، يُسلمون لهم حكمهم باختيارهم، وبمحض إرادتهم، وهو الرئيس محمد مُرسي، وقد أعطوه مواثيقهم وعهودهم، على السمع والطاعة، في العُسر واليُسر، وفيما أحبوا وما كرهوا.

وسلمت له كل الفئات، من مدنيين وعسكريين، وحكّام ومحكومين، ومنهم الفريق أول عبد الفتاح السيسي، الذي كان وزير الدفاع والإنتاج الحربي في وزارة هشام قنديل، وقد أقسم وبايع أمام أعيننا، على السمع والطاعة، للرئيس مُرسي.

واستمر في ذلك السمع والطاعة، حتى رأيناه تغير فجأة، ونقل نفسه من مُجرد وزير، إلى صاحب سُلطة عُليا، علَّل بها أن يعزل – يمكن أن يكون قصده: لعله – رئيسه الشرعي، ونقض بيعته له، وانضم إلى طرف من المواطنين، ضد الطرف الآخر، بزعم أنه مع الطرف الأكثر عددا”.

هذا كلام المرحوم القرضاوي. ماذا قال له؟

أبي الكريم، إن المُقارنة بين مُرسي ومُبارك غير مقبولة، وهذه رؤية جيلنا، التي ربما لا يراها مَن قبلنا. قصده: أنت والذين هم مثلك. نحن – قال له – جيل مُختلف.

يا سيدي، جيلنا لم يصبر على الاستبداد ستين، أو ثلاثين عاما، كما تقول – قصده إذن ماذا؟ أنتم! بل هو صرَّح -، بل هو جيلكم، الذي فعل ذلك، باسم الصبر. أما نحن، فجيل تعلَّم ألا يسمح لبذرة الاستبداد بالاستقرار في الأرض، وقرَّر أن يقتلعها من عامها الأول – يصف حكومة مُرسي بماذا؟ بأنها ماذا؟ استبداد! في العام الأول ظهر الاستبداد الإخواني، والآن سيبدأ يُفصِّل! من عامها الأول -، قبل أن تنمو، فهي شجرة خبيثة، لا بُد أن تُجتث من فوق الأرض.

ولو أن مُرسي قد ارتكب واحدا في المئة، مما ارتكبه سابقوه، فما كان لنا أن نسكت عليه، وهذا حقنا، ولن نقع في فخ المُقارنة بستين عاما مضت؛ لأننا إذا انجرفنا لهذا الفخ، فلن نخرج من الماضي أبدا!

إلى أن يقول:

لقد تعلَّمت منكم، أن المُسلمين عند شروطهم، ألست القائل – يقول لأبيه، الله يرحمه – إن الإمام إذا التزم بالنزول على رأي الأغلبية، وبويع له على هذا الأساس، فإنه يلزمه شرعا ما التزم به، ولا يجوز له بعد أن يتولى السُلطة، أن يضرب بهذا العهد والالتزام عُرض الحائط؟

(طبعا كإسلاميين آخرين، وصلوا إلى الحُكم، عبر صناديق الاقتراع، وانتخابات، ثم انتهى كل شيء بعد ذلك! لا انتخابات، ولا صناديق اقتراعات، إلى يوم يُبعثون! هو فاهم، عبد الرحمن فاهم الحالة هذه، تتكرر طبعا للأسف الشديد).

ويقول إن رأيي في الشورى – قال له أنت الذي قلت هذا! أنت الذي قلت هذا! إن رأيي في الشورى – إنها مُعلِمة، وليست مُلزِمة. الشيخ القرضاوي – الله يرحمه – يحكي كلاما، هو الحق، الحق! إذا رئيس، أو واحد، بايع الناس، بايع الناس على أن يسمع كلامهم، وينزل على رأي مَن؟ الأغلبية. لا ينبغي بعد أن يصل إلى دست السُلطة، أن يقول ماذا؟ لا والله، أنا عندي اجتهاد، وأنا مع المُجتهدين! وهم جمهور الفقهاء، على فكرة! الذين قالوا الشورى مُعلِمة، ليست مُلزِمة. وأنا لست مُلزما بأن أنزل على رأي الأغلبية! القرضاوي قال هذا لا يصح. ويكون هكذا نقض بيعته إذن. هذا كلام جميل!

ويقول إن رأيي في الشورى إنها مُعلِمة، وليست مُلزِمة. فليكن رأيه ما يكون! ولكنه إذا اختاره أهل الحل والعقد، على شرط وبايعوه عليه، فلا يسعه إلا أن يُنفذه، ولا يخرج عنه، فالمُسلمون عند شروطهم، والوفاء بالعهد فريضة، وهو من أخلاق المؤمنين…

ماذا قال له ابنه؟

لقد عاهدنا الرجل – لقد عاهدنا الرجل! الذي هو مَن؟ مُرسي، الله يرحمه -، ووعدنا بالتوافق على الدستور، ولم يف!

أنتم تعرفون الإعلان الدستوري، والقصة هذه، التي عملت الشرخ الكبير، على فكرة! دمرت مُرسي وجماعته، تصرفات عجيبة! هناك أُناس لا يعرفون شيئا، لا يعرفون حتى ما الذي حصل، وفقط مُتحمسون! اذهب اقرأ، وتابع كل شيء بدقة؛ لكي تفهم.

وبالتوافق على الوزارة، ولم يف! وبالمُشاركة، لا المُغالبة، في حُكم البلاد، ولم يف! وبأن يكون رئيسا لكل المصريين – ليس فقط لجماعته -، ولم يف! وأهم من كل ذلك، أننا عاهدناه على أن يكون رئيس مصر الثورة، ثم رأيناه في عيد الثورة يقول لجهاز الشُرطة، الذي عاهدنا على تطهيره، ولم يف أيضا، يقول لهم “أنتم في القلب من ثورة يناير!!!”، فبأي عهود الله، تُريدنا أن نُبقي عليه؟

هذا مَن؟ ابنه. لقد تصالح مع الدولة العميقة، ومع الفلول، ومع رجال أعمال مُبارك، ومع كل الشرور الكامنة من العهود البائدة، بل حاول أن يُوظِّفها لحسابه، وأن يستميلها لجماعته، وأعان الظالمين على ظُلمهم، فسلَّطهم الله عليه…

لقد ناشدت أبي العظيم في فتواك الفريق السيسي – يقول له أنت ناشدت الفريق السيسي -، وكل الأحزاب والقوى السياسية، وكل طلّاب الحرية والكرامة والعدل، أن يقفوا وقفة رجل واحد، لنُصرة الحق، وإعادة الرئيس مُرسي إلى مكانه، ومُداومة نُصحه، ووضع الخُطط المُعالجة، والبرامج العملية، فماذا لو أخبرتك يا مولاي أنهم طالما فعلوا ذلك…

والذي شاهد مُسلسل الاختيار، يرى تسريبات أيضا، تؤكد أن منهم مَن فعل ذلك. ابنه، الذي قال له! قال له عملوها! كم نصحوا له! كم قالوا له! كم ترجوه! هو يتلقى من مكتب الإرشاد، هذه مُصيبة، انس! يُوجد خطأ بنيوي، هذه الجماعة، على فكرة، هي هكذا! تصنع الفشل، هي (شاطرة) في صناعة الفشل.

طالما فعلوا ذلك، طوال عام كامل – من يوم حُكمه -، ولم يستجب الرجل؟ ماذا لو أخبرتك يا أستاذي أن من مُستشاريه، الذين اختارهم بنفسه، مَن نثق بعلمه ودينه وإخلاصه ووطنيته، ومع هذا تركوه جميعا، بعد أن اكتشفوا حقيقة أنهم ليسوا أكثر من ديكور ديمقراطي، لاستبداد جديد؟

نعم، تخيل! كوارث يا جماعة! فتأتي، يا شيخ القرضاوي، تُعطي فتوى فقط! لا، الفتوى هنا ليست مُناسبة، وليست دقيقة.

فلم يكن الرجل يسمع لأحد، سوى جماعته ومُرشِده، الذين لم يكونوا له يوما ناصحين أُمناء، ولا بطانة خير، وإنما أعانوه على ما لم يَصلح في مصر دينا ولا دُنيا – أو ربما قصده: يُصلِح. الأشياء التي قالها وكذا، لم يُصلح بها حتى شيئا -، ودفعوه إلى مواجهة الشعب بالجماعة، لتبرير وتمرير قراراته المُنفرِدة، مما أدى إلى دم كثير، وفتنة في الأرض، وما على هذا بايعه المصريون والثوار.

كلام عجيب! ماذا لو أخبرتك يا سيدي وتاج رأسي أنني قد فعلت ذلك بنفسي، فما كان من الرئيس وأهله وعشيرته، إلا أن صعّروا لنا الخدود؟ لقد جلسنا مع كل الأطراف في أوقات صعبة، ولم يكن أحدٌ يُشكِّك في شرعية الرئيس، وكان من المُمكن لم الشمل بتنازلات بسيطة، ولكن – وللأسف – لم نر رجال دولة على قدر المسؤولية، بل رأينا مجموعة من الطامعين في الاستحواذ، مهما كان الثمن.

لقد كنا نتمنى جميعا لو أكمل الرئيس مُدته، وأن تنجح أول تجربة لرئيس مدني مُنتخب! ولكنه أصر على إسقاط شرعيته بنفسه، وذلك بانقياده لمَن يُحرِّكه، وبتبعيته لمَن لا شرعية لهم، ولا بيعة ولا ميثاق – الشعب بايعه هو، لم يبايع جماعته! أليس كذلك؟ هذه هي -، ثم هم الآن يبتزون أتباعهم ورموزهم عاطفيا، لكي يقعوا في هذا الشَرك، بدعوى حماية الشرعية والشريعة – قال كل هذا ابتزاز عاطفي -!

إن حقيقة ما حدث في مصر خلال العام الماضي، أن الإخوان المُسلمين، قد تعاملوا مع رئاسة الجمهورية على أنها شُعبة من شُعب الجماعة، ونحن ندفع وسندفع ثمن ذلك جميعا، دما وأحقادا بين أبناء الوطن الواحد!

كلام مُتزن! إن كل كلمة كتبتها يا سيدي وأستاذي – يقول لأبيه، الله يرحمه – أحترمها – إن كل كلمة كتبتها يا سيدي وأستاذي أحترمها. قال له أحترم كلامك -، وأعلم حُسن نواياك فيها، ولكن تحفظي أنها لم تكن رأيا سياسيا – يا الله! هذه أعظم كلمة قالها الأستاذ عبد الرحمن يوسف، لأبيه، الله يرحمه. قال له كلامك جيد وأحترمه، لكن تحفظي أنه لم يكن رأيا سياسيا – يحتمل الصواب والخطأ، رأيا يكتبه “المواطن” يوسف القرضاوي، ابن القرية والكُتّاب – اسم السيرة والمسيرة -، بل كانت فتوى شرعية.

اقشعر بدني! وهذا الفرق! فرق بين إدارة السياسة بالسياسة، وبمُصطلحات السياسة، ومُعجمية السياسية، وبين إدارة السياسة بالكفر والإيمان والحلال والحرام والجنة والنار، كارثة! هذه كارثة عمل الإسلام السياسي! فهمتم قصدي؟ تُلخِّصها الجُملة هذه، لمَن أراد أن يعي وأن يفهم. ابنه كان واعيا وفاهما.

بل كانت فتوى شرعية، يُفتي بها إمام الوسطية “الشيخ” يوسف القرضاوي، وهو ما أذهلني وأربكني وآلمني. لقد آن لهذه الأمة أن تخوض الصعب، وأن ترسم الحدود بين ما هو ديني، وما هو سياسي – أرأيت؟ سُبحان الله! وضع أُصبعه على العصب الحسّاس، على الوجع، تماما -؛ لكي نعرف متى يتحدَّث الفقهاء، ومتى يتحدَّث السياسيون – أو الساسة -.

جميل! ختاما: أنا أكثر واحد في هذه الدُنيا، يعلم أنك لا تبيع دينك بدُنياك، وأنك أحرص على الحق والعدل، من حرصك على المذهب والأيديولوجيا، وأن تفاصيل الحدث ومُلابساته كثيرة ومُربِكة، وأنت لديك شواغلك العلمية الكبيرة – كأنه يقول له ضللوك واستغفلوك، ولم يضعوك في الصورة، وإن شاء الله يكون هكذا، نتمنى والله -.

أعلم يا أبي أن فتواك ما جاءت إلا دفاعا عما رأيته حق المصريين، في أن يختاروا بإرداتهم الحُرة مَن يُمثِّلهم، دون العودة ثانيا لتسلط العسكر – وهو ما لن نسمح بحدوثه أبدا -، وهذا التعليق مني رد لأفضالك علي، وعرفان بجميل علمك الذي أودعته في.

صدِّقني يا أبي الكريم الحليم لو طبَّقنا ما كتبته في كُتبك، عن الأمة والدولة، وعن فقه الأولويات، وفقه الواقع، وفقه المقاصد، وعن الحرية التي هي قبل الشريعة، كما علَّمتنا، لكنت أول الداعين للثورة على مَن ظلم – انظر كيف يصف مُرسي، الله يرحمه، يصفه! على مَن ظلم -، وخان العهود والمواثيق، وأفشى أسرار الدولة، وزج بمُخالفيه في السجن بتُهمة إهانته، ولم يترك لهم من الحرية إلا ما كان يتركه لهم مُبارك: قولوا ما شئتم، وسأفعل ما أُريد.

أبي العظيم… في ميدان رابعة العدوية الآن مئات الآلاف – وهذا الكلام جميل! كلام مُشفق! مئات الآلاف – من الشباب، المُخلِص الطاهر، وهم طاقة وطنية جبّارة، سيضعها بعض أصحاب المصالح وتجار الدم، في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فلا هي معركة وطنية، ولا هي معركة إسلامية، ولا هي معركة ضد عدو، ولا هي معركة يُرجى فيها نصر، وكل مَن يدخلها مهزوم، إنهم ملايين المُخلِصين، الذين سيُلقى بهم في هذا الجحيم؛ ثمنا لأطماع ثُلة من الناس، في مزيد من السُلطة والنفوذ – انظر! هذا وصف شديد -، وما أحوجنا لكلمة حق عاقلة، تحقن تلك الدماء الزكية، التي ستُراق هدرا.

إن الإرادة الشعبية التي تحرَّكت في الثلاثين من يونيو – ثورة يونيو، يُسمونها انقلابا بعد ذلك – ليست سوى امتدادا للخامس والعشرين من يناير – ألفين وأحد عشر، ألفين وثلاثة عشر -، ولئن ظن بعض الفلول أن ما حدث تمهيد لعودتهم، فأني لأقول لفضيلتكم بكل ثقة إنهم واهمون، وسوف يقف هذا الجيل الاستثنائي أمام كل ظالم، ولن يترك ثورته حتى يبلغ بها ما أراد، سواء لديهم ظالم يلبس الخوذة، أو القبعة، أو العمامة…

المُهم، أعتقد الكلام هذا كله، صار واضحا. يُمكن أن تقرأوه، وموجود على النت Net إلى اليوم، مواقع كثيرة جدا! اكتب رسالته. وعلى فكرة، الأستاذ عبد الرحمن يوسف، دائما ما يغضب مِمَن يُسميه عبد الرحمن يوسف القرضاوي! قال لك أنا عبد الرحمن يوسف. أنا لم أكن فاهما لماذا! لكن لما سمعت منه لماذا، أعجبني هذا التبرير!

قال لك أنا لا أُريد أن أذهب إلى أي مكان، ولا حتى أن أُحترَم أو تُضرَب لي تحية، من أجل خاطر والدي. كرهنا المحسوبيات هذه، كرهنا. وشيء جميل! تبرير جميل! تُحب أن تحترمني؟ احترمني للياقاتي، لمواهبي، لشخصيتي. أنا اسمي عبد الرحمن يوسف، فقط.

في هذا البيان العجيب القوي الصريح، الأكثر من صريح وواضح، كتب تحته: عبد الرحمن يوسف القرضاوي. تعمَّد! تعمَّد هذا، وواضح لماذا طبعا.

فأكتفي بهذه النقول، ويُمكن أن تعودوا بأنفسكم إلى كل نقل تلوته عليكم، لتستوثقوا منه وتقرأوه. أكتفي بهذا القدر، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

 

(7/10/2022)

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: