المدرسة الإرثية – العلم والدين – الحلقة 13

video

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن والاه. 

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما.

إخوتي وأخواتي/

وعدتكم في نهاية الحلقة السابقة أن أستهل حلقتي هذه الثانية بحكاية البروفيسور سيد حُسين نصر، وكيف تحول من دراسة العلم المحض، العلم المضبوط كما يُسمونه – أي ال Exact هذا -، إلى فلسفة العلم وتاريخ العلم. 

في نهاية المطاف الآن إذا ذكرت أمام أي مُفكر، وأي مُثقف كبير، اسم البروفيسور سيد حُسين نصر، فمُباشرة سيطفر إلى ذهنه: فيلسوف العلم، مؤرخ العلم، وليس العالم! مع أنه بدأ حياته سنة ألف وتسعمائة وخمسين، كما قلت لكم، وهو من مواليد ثنتين وثلاثين. 

هاجر من إيران إلى الولايات المُتحدة الأمريكية، وهو ابن ثنتي عشرة سنة، وألف وتسعمائة وخمسين التحق بمعهد ماساتشوستس Massachusetts للتكنولوجيا، المعروف بالميت أو إم آي تي MIT.

Massachusetts Institute of Technology: MIT، التحق به – طبعا هذا من أفضل، إن لم يكن أفضل، معهد في بابه في العالم! شيء عجيب! – ألف وتسعمائة وخمسين؛ لدراسة الرياضيات والفيزياء، بمنحة، وكان طالبا مُتفوقا! ولما أنهى الثانوية، حصل على المركز الأول على المدرسة! رجل عنده ملكات عقلية مُذهلة! بارك الله في عُمره.

فيحكي حكايته، يقول أنا كنت في السنة الأولى، في الميت MIT هذا؛ معهد ماساتشوستس Massachusetts! يقول وأتى إلينا الفيلسوف البريطاني الكبير – الشهير عالميا طبعا، نجم في سماء الفكر والفلسفة في العالم – برتراند راسل Bertrand Russell. 

أتى إلينا هناك – إلى إم آي تي MIT -؛ لكي يُلقي سلسلة مُحاضرات. حلو، جيد! معروف طبعا! برتراند راسل Bertrand Russell مُعتن كثيرا بفلسفة العلم، وعنده كتب كثيرة في فلسفة العلم! 

وطبعا ليس له وجهة نظر واحدة كما ذكرت أكثر من مرة، وأنا من قارئي برتراند راسل Bertrand Russell – بفضل الله – من صغري، قرأت له الكثير!

فيقول جاء الفيلسوف الشهير برتراند راسل Bertrand Russell، وطبعا احتشدنا! وكنت أحد الذين شاركوا لكي أحضر هذه المُحاضرات! لأن العدد محدود! الكل يُريد أن يحضر! 

فأنا – قال – طلبت. سُمح لي، فكنت أحضر، مع مَن يحضر، هذه المُحاضرات، لهذا الفيلسوف العظيم. قال فذكر ذات مُحاضرة الآتي! في إحدى المُحاضرات قال ليس للعلم ما يفعله في موضوع أو موضوعة اكتشاف الواقع! 

ماذا؟ هذا عكس ما يظنه الآن أي مُلحد وأي شكوكي وأي واحد من المؤلهين للعلم والمُتعبدين في محرابه بخشوع! أن العلم هو الذي يكشف عن حقيقة الواقع وال Reality! 

قال لهم راسل Russell انسوا الكلام هذا، هذا كلام فارغ! العلم أبعد ما يكون عن أن يكون ضمن مساعيه وأهدافه وحتى مؤهلاته، أن يكشف عن حقيقة الواقع! وطبعا هذه واضح أنها – الفكرة هذه – ترسخت لديه، بعد أن فهم النسبية! 

وعنده كتاب ABC النسبية! عنده ألف باء النسبية! وتُرجم هذا الكتاب، جيد! مدخل جيد، يُفهمك النسبية، أي بطريقة لطيفة! وعنده ABC الذرة! ألف باء الذرة أيضا! 

وطبعا درس الكم هو، فيزياء الكم! وهو رجل رياضياتي ضليع! فليس عنده مُشكلة أن يفهم الكم كما يفهمه أو يفهمها – ميكانيكا أو فيزياء الكم – العلماء الكبار والرادة، ولا النسبية! 

فرجل مؤهل، وهو فيلسوف! إي عنده رياضيات، وعنده فلسفة! يقدر على أن يتكلم، هذا مجاله! لذلك هو فيلسوف علم مُحترم ومُعتبر، ليس أي كلام!

فقال لهم هذا! وطبعا في ضوء الكم بالذات هذا، في ضوء الكم بالذات! وإذا أردت أكثر؛ ففي ضوء حتى نيلز بور Niels Bohr بالذات! على شكل أكثر خصوصية!

نيلز بور Niels Bohr كان عنده منزع مثالي، لا نُريد أن نتكلم عنه، وسخر منه أينشتاين Einstein مرة! قال له ما شاء الله يا سيد بور Bohr – كان صديقه، مع الفارق في السن بينهما -! الآن القمر هذا لا يُوجد إلا حين ننظر إليه؟ إذا أعرضنا عنه، فلا يعود موجودا؟ 

لأن نيلز بور Niels Bohr كان يؤكد أن العلم أيضا ليس له هذا! هذه عبارة نيلز بور Niels Bohr على فكرة! العبارة هذه نفسها هي عبارة نيلز بور Niels Bohr! اقتبسها راسل Russell، ويبدو أنه لم يُشر إلى نيلز بور Niels Bohr؛ لأنه يُوافق عليها! 

وهي ليست اكتشافا، وجهة نظر طبعا فلسفية! لكن هي – أعلم هذا جيدا أنا، قرأت أيضا لبور Bohr بعض الكتابات – له! هذه وجهة نظره، وعبّر عنها بشكل واضح! قال العلم غير معني بالمرة بأن يكشف عن الواقع، وهو أعجز من أن يكشف عن الواقع. 

العلم لا يكشف عن الواقع، أبدا! العلم يطرح أسئلة، تحكي ماذا؟ تحكي نطاق الجهل لديك، نطاق التساؤل لديك! ثم يُحاول بآلياته التقصوية أن يُجيب عنها، فقط! لو طرحت أسئلة مُختلفة، أضيق أو أوسع، فسيُجيب العلم، وستختلف الصورة! أين الواقع؟ لا يُوجد واقع. الواقع كموضوع نهائي غير موجود، انس! انس! أسئلة، وجوابات.

نفس المنظور لفيرنر هايزنبيرغ Werner Heisenberg! نفس المنظور كان عنده! فأصلا هي؛ فيزياء الكم، ميكانيكا الكم، تؤكد هذا في الأخير! أن الواقع شبه بناء فكري للعلماء، ليس أكثر من هذا! وهذا البناء يتطور، ويتناسخ، باستمرار! هو هذا! 

وهذا كله من تأثيرات – وذكرات هذا في حلقات سابقة – مَن؟ من تأثيرات مَن؟ كانط Kant؛ إيمانويل كانط Immanuel Kant! أننا غير مؤهلين أصلا للوصول إلى الأشياء في ذواتها، أبدا! 

نصل إلى الظواهر، والظواهر موضوع مُتحرك، ومرهون بالحس أولا! ومرهون بعد ذلك بماذا؟ بالانشغالات الفلسفية لدى العالم أو كذا، قصة كبيرة! 

على كل حال، فقال أنا حين سمعت هذه الجُملة من برتراند راسل Bertrand Russell صُعقت! صعقتني! العلم لا يُعلمنا كيف يكون الواقع؟ وكيف نكتشف الواقع؟ وإنما اخترت أن آتي إلى الإم آي تي MIT؛ لكي أفهم الواقع! 

قال لم أستطع أنام تلك الليلة. سيد حُسين نصر! قال لم أنم أنا. لم أستطع أن أنام تلك الليلة. وعرفت طريقي! قال من تلك اللحظة قررت أن أزاوج وأن أجمع بين العلم المحض؛ رياضيات، فيزياء، في الإم آي تي MIT، وبين فلسفة العلم – ضروري أن أفهم فلسفة العلم إذن -، وتاريخ العلم. 

قال وسجلت في هارفارد Harvard. لذلك هو درس الفيزياء في إم آي تي MIT، وأخذ الدكتوراة من هارفارد Harvard أيضا بالتفوق والامتياز، في فلسفة العلم. واضح؟ وألف بعد ذلك كتابه عن تاريخ العلوم في الإسلام. الكتاب العظيم الضخم، الذي طُبع طبعة أنيقة!

على فكرة، أذكر حتى من باب الاعتراف بالفضل لأهله: تونس، تونس قبل حوالي ربما أربعين سنة، في أواخر السبعينيات، طبعت هذا الكتاب مُترجما، وطبعته طبعا من أجمل ما يكون! مثل النُسخة الإنجليزية! على ورق صقيل أيضا، بلوحات جميلة جدا! أي لم تشنها بطباعة رديئة.

فهذا يؤكد لك أن العلم وحده غير قادر على أن يُفهمك ما ذكرت، كسعي علمي! يُمكن أن تُصبح عالما كبيرا، وتأخذ نوبل Nobel، لكن العلم وحده غير كفيل أن يُعطيك فلسفته. 

فلسفة العلم حقل آخر؛ Field آخر! يشتغل عليه فلاسفة، يُسمونهم فلاسفة العلم، والمُشتغلون بالفلسفة العلمية لديهم شيء آخر! هناك فلسفة علمية، وهناك فلسفة العلم! حقلان مُختلفان، وبينهما مُشتركات.  

فهذا الذي أراد أن يجمع بينهما سيد حُسين نصر! يجمع بين العلم المحض المضبوط، وبين فلسفة العلم! لكي تصير له بعد ذلك فلسفة علمية! هو عنده فلسفية علمية طبعا، سنستعرضها الآن، عنده فلسفة علمية! 

وبما أننا وصلنا مُستهل أو مطلع هذه الحلقة، بمقطع أو نهاية الحلقة السابقة، فلنمض على بركة الله، لنذكر ما يتعلق – بما يتسع له المقام – بالمدرسة الأولى؛ مدرسة سيد حُسين نصر، في العلم! أي موقف المسلمين، موقف الأمة الإسلامية، من العلم الحديث، عبره. 

قلنا مُمثلة هذه المواقف في ثلاث مدارس رئيسة، وتيار رابع، صعب أن نُسميه حتى تيارا أو مدرسة كما قلنا، وهو العلماء النظاميون، الذين ليس لهم تنظير واضح، موجود! 

أما الجماهير والبشر العاديون أمثالنا، فأنا أتقبل فيهم تصنيف أحد المُفكرين الهنود الكبار. صنفهم تحت عنوان: العمليون، أي البراجماتيون، العمليون! وماذا أراد من ذلك؟ 

أراد من ذلك أن المسلم العادي، المسلم العادي المعياري، يعيش حياة مُزدوجة! عنده رؤية كونية، ومُعتقدات، وDoctrines، ومبادئ دينية، وفي فيها لدينه بالكامل، أي من حيث الأصل على الأقل، أو يُسمونها من حيث المبدأ!  

أما العلم، فهو يقبله، دون أن يدخل في تفاصيله، التي لا يعرفها، ولا علاقة له بها، فيما يُمكن أن يخدم حياته العملية، وخاصة في المجال طبعا التقني هذا! المُنبني على العلم، أهلا وسهلا! 

ويحترم العلم، ويحترم العلماء، ويُوجد عندك الطب، ويُوجد عندك الهندسة، ويُوجد عندك الرياضيات! وجيد، كله جيد هذا بشكل عام! ولا يوغل، ولا يدخل أصلا، في ماذا؟ في مناطق الاشتباك، بين العلم والدين! وهو لا يعرفها أصلا! لا يعرف أين تشتبك! 

قصاراه أن يعرف أن العلم يقول الإنسان أصله قرد! وهو يكفر بذلك! تخيل! لا نعترف بالكلام هذا! بعضهم يظن أنه يكون وفيا لدينه، إذا كان وفيا لنظرية الأرض المُسطحة! الأرض الصحن هذه، ال Flat هذه، Teller هي! أنها؛ الأرض، صحن! ومُسطحة! 

وأنها كما قال الشيخ عبد العزيز بن باز، المُفتي العام للمملكة السعودية – رحمة الله عليه -، ماذا؟ لا تتحرك! وثابتة! ابن باز لم يقل إنها مُسطحة، ولم يُنكر كرويتها؛ لأنه اعترف بها مُعظم علماء المسلمين، حتى بعضهم حكى فيها الإجماع! وإجماع حقيقي ليس فيها! لكن بعضهم قال لك هذه القضية إجماعية! أن الأرض كروية! 

صح، مُعظم علماء الأمة قالوا بكروية الأرض، لم يقولوا إنها مُسطحة ولا كذا! ولكن الموضوع أين؟ في الحركة! ابن باز قال لا، ممنوع! وأفتى بكفر مَن يقول إنها تتحرك! هذه هي، تُوجد مُشكلة، لا تقل لي لا تُوجد! أي ليس التطور أيضا، ها هو التطور، وها هي المُشكلة هذه أيضا! هناك مشاكل تقع! فلا تقل لي الأمور كلها جيدة. 

وطبعا لو المسلم العادي هذا، البراجماتي، تقول له هذا، يقول لك لا، هذا ليس علما، هذه فرضية! داروين Darwin والتطور! هذه فرضية! طبعا لو كنت عالما، ودرست مساقا مُتواضعا في علم الأحياء التطوري، فستعلم أن التطور ليس فرضية، وليس حتى نظرية! بارادايم Paradigm! ربما لأول مرة أقولها! بارادايم Paradigm! 

أنت عندك البارادايم Paradigm؛ النموذج الإرشادي، في الأحياء، قبل داروين Darwin شيء آخر! ما هو؟ بصراحة، أي حسب تقصي أنا الشخصي، البارادايم Paradigm الذي كان حاكما في الأحياء والحياة قبل داروين Darwin هو بارادايم Paradigm سلسلة الوجود العُظمى؛ ال Great chain of being!

هو هذا! من أيام أرسطو Aristotle وأفلاطون Plato، مرورا بإخوان الصفا والجاحظ وابن رشد والغزّالي وابن خلدون، كله! هو هذا! سلسلة الوجود العُظمى! 

وهي سلسلة ماهوية! وترى أن هذه الأشياء، وإن تدرجت، وكان بعضها فوق بعض هرميا وهيراركيا، إلا أنها ماهيات ثابتة، لا يتحول بعضها إلى بعض! هذا بارادايم Paradigm! ألوف السنين البشرية عليه، مسلمون وغير مسلمين!

جاء تشارلز داروين Charles Darwin لأول مرة وعمل زحزحة لهذا البارادايم Paradigm، قال له إلى اللقاء، أو إلى لا لقاء! أتينا ببارادايم Paradigm جديد، اسمه التطور، بالانتخاب الطبيعي. هذا بارادايم Paradigm! 

أي أين أنت يا مسكين؟ لذلك لكي ترى؛ مُشكلة المسلمين اليوم، ومَن يتكلمون، هي نفس الشيء أيضا! يُوجد ضعف باد جدا في الفلسفة العلمية، وفي فلسفة العلم! لو كانوا أيضا تحصلوا على حد معقول من فلسفة العلم، لعلموا أن المُشكلة ليست في مُناطحة فرضية أو نظرية، يا ليت! بل في مُناطحة بارادايم Paradigm!

وأنّى لنا ذلك أو لغيرنا؟ مسألة أصعب مما تتخيل! وكل مَن يُناطح البارادايم Paradigm الآن، مقضي عليه بالفشل والخُسران. سوف تخسر، سوف تخسر! سوف تخسر المعركة! يحق لك أن تؤمل في ربحها، إذا كنت لوذعيا، بقدر داروين Darwin، أو أكثر منه! 

وطبعا المُشكلة ليست مع داروين Darwin، المُشكلة مع ألوف العلماء، الذين تابعوا داروين Darwin، ولا زالوا! وهم بالألوف! وفي تخصصات كثيرة، وشديدة التعقيد والدقة، تخيل! وبعضهم يحمل نوبل Nobel، وهم يصدرون عن هذا البارادايم Paradigm، ويؤيدونه، ولا يرون غيره حقيقا بأن نصدر عنه.

لا بُد وأن تكون لوذعيا، أكثر من كل هؤلاء، وتفرض ماذا؟ بارادايما Paradigm جديدا! أيها اللوذعي، حين تفعلها – إن شاء الله -، يُمكن أن نقتنع أنك ربما، ربما تستحق أن يُستمع إليك. قبل ذلك، انس! لا نُريد أن نأخذ مُحاولات انتحارية.

تذكروا كلامي هذا، حاولوا أن تفهموه في حدوده؛ لكي تفهموا أوصافي هذه! مُحاولات انتحارية! كمَن يضرب رأسه بالحائط الخرساني، لن تنجح! تنجح مع ال Followers الخاصين بك، والخاصين باليوتيوب YouTube هؤلاء، والشباب الذين لا يعرفون تقريبا أي شيء في هذا الحقل! 

كما أنت – المُتكلم – تقريبا مُدع، ولا تعرف شيئا حقيقيا له قيمة! تدّعي أنك عارف، وأنت لست كذلك أبدا! أنت لا تعرف، أبدا! وأنت لست حُجة، ولست خبيرا مُحترما في هذا الباب! ليس مُعترفا لك بالشيء هذا على فكرة! لكي لا يظل كل واحد يدّعي!

فنرجع إلى ما كنا فيه، نرجع إلى ما كنا فيه:

فنرجع إلى سيد حُسين نصر، هذا الإيراني، أعطيتكم نُبذة بسيطة عن أوائل حياته، كيف هاجر إلى ال USA، تحصل على الثانوية هناك بتفوق وامتياز، بذ فيه زملاءه، دخل إم آي تي MIT! رياضيات، فيزياء! التحق بهارفارد Harvard، تحصل على الدكتوراة، وبدأ مساره العلمي والأكاديمي! 

يكتب في تاريخ العلوم، وخاصة تاريخ العلوم الإسلامية، بنفس جديد، بنفس جديد غير النفس الغربي، وغير النفس الشرقي العربي والإسلامي والإيراني! سوف نرى طبعا، سوف نأخذ عنه بعض اللمحات.

إذن هذا الرجل كما قلت لكم ينتمي إلى مدرسة – لا بُد أن أُعطيكم فكرة عنه -، ينتمي إلى مدرسة في الفلسفة، تُسمى الفلسفة الخالدة؛ Perennial philosophy! Perennial! ال Perennial philosophy؛ الفلسفة الخالدة! 

هو الذي افتجرها؟ لا طبعا! هي خالدة، اسمها اسم على مُسمى، أي على هذا الأساس، فلسفة خالدة! من أين؟ مَن الذي عرّف بها؟ مَن الذي استبعثها وأحياها في القرن العشرين؟ 

بصراحة أكبر شخصية وأظهر شخصية: المُهتدي إلى الإسلام، الرجل العارف بالله، والمُفكر الكبير، الذي لا يُوافق على نعته بالفيلسوف – أنت تُحب أن تتكلم عنه، وتقول عنه الفيلسوف! قال لك لا، أنا لست فيلسوفا، لا! لا تغلط، أنا لست فيلسوفا. وسوف نقول لكم لماذا – عبد الواحد يحيى، الذي اسمه قبل ذلك رينيه جينو René Guénon. 

رينيه جينو René Guénon الفرنسي! المُفكر الكبير والخطير! ليس الفيلسوف، يرفض الفلسفة! وسوف نرى لماذا! هو الذي أحيا هذه الفلسفة، وأصبح مُبشرا بها، أيام كان في أوروبا – تخيل -، قبل أن ينتقل إلى مصر – على ما أذكر – ألف وتسعمائة وإحدى وثلاثين، ويُتوفى – رحمة الله عليه – ألف وتسعمائة وإحدى وخمسين أو ثنتين وخمسين! أعتقد إحدى وخمسين تُوفيَ إلى رحمة الله.

عاش عشرين سنة في مصر! وطبعا أعلن إسلامه، وتزوج بنت شيخ طريقة صوفية كبيرة؛ محمد إبراهيم – رحمة الله تعالى عليه -. وترك تراثا كبيرا نسبيا، لا زال يُتجاهل في أوروبا إلى اليوم! 

تراث رينيه جينو René Guénon مُتجاهل في أوروبا إلى اليوم! لأسباب كثيرة! ليس فقط لأنه أسلم، وهو مُفكر خطير، لا! السبب الأساسي والرئيس أن نفسه في نقد الحضارة الغربية والفكر الغربي والعلم الغربي حاد جدا، وصارم، وغير مُجامل!

وقلت لكم ربما في خُطبة قريبة رينيه جينو René Guénon – رحمة الله عليه – يرى أن الحضارة الغربية من لحظة ما يُسمى بال Renaissance أو النهضة بدأت في الانحدار! 

خلافا لأوسفالد شبينغلر Oswald Spengler والآخرين الذين ظنوا أنها تنحدر من القرن التاسع عشر مثلا. قال لك لا، هي مُنذ البداية بدأت مرحلة الانحدار أصلا! في الغويط، في العميق! 

لا تصعد هي، تنحدر! مكاسب البشرية الحقيقية ضحت بها – يقول – هذه الحضارة! عنده نقد قوي، لا أُريد أن أتكلم عنه الآن. كتبه كما قلت لكم أيضا قبل أسبوعين – بفضل الله – تُرجم مُعظمها، بسعي الأستاذ الصوفي، والرجل الصالح – نحسبه كذلك، والله حسيبه -، الأستاذ عبد الباقي مفتاح الجزائري – شكر الله سعيه -، والباحث الذي…ماذا نقول؟ على طريقة المُعتزلة اختُرم، اختُرم – رحمة الله عليه – مُبكرا، المصري، الشاب الصالح، والعالم الكبير حقيقة، والعقل الجميل: أسامة شفيع السيد – رحمة الله تعالى عليه -. 

مات شابا بالكورونا! تبا لهذه الكورونا! هذا ترجم ثلاثة أعمال تقريبا رينيه جينو René Guénon، وكان في باله أن يُترجم سائر الأعمال، بطريقته الخاصة! وهو أيضا باحث مُحقق، ورجل جميل – رحمة الله تعالى عليه، وشكر الله له -!

فالحمد لله، تُراث جينو Guénon الآن – بفضل الله – في السنوات الأخيرة أصبح مُتوفرا بالعربية، يُمكن أن تقرأوه، وخاصة كتابيه – اقرأوا كتابيه -: الشرق والغرب، ترجمه أيضا الأستاذان المذكوران، ثم كتابه أزمة العالم الحديث، الذي شرّق وغرّب، هذا الكتاب! وأيضا ترجمه الأستاذان! لدينا ترجمتان الآن! وهناك ترجمة ثالثة لشاب عراقي أو لباحث عراقي. 

المُهم، والترجمات موجودة، ومُتاحة على الشبكة – بفضل الله تبارك وتعالى -! أزمة العالم الحديث، أما كتابه الشرق والغرب، فهو كما ذكر المرحوم الدكتور أسامة بمثابة فهرست للتالي من أعمال جينو Guénon! كأنه فهرست، سُبحان الله! سيبدأ يُفصل في كل أفكاره، بشكل أعمال مُستقلة بعد ذلك، إلى أن يلقى الله! فمُهم من هذه الزاوية كتاب الشرق والغرب.

إذن جميل، فهمنا! ما الفلسفة الخالدة هذه؟ طبعا المدرسة هذه كانت تُسمى بالمدرسة التراثية! ناس سموها التراثية! لا! لما تقول تراث، نقول لا! ماذا؟ Legacy إذن؟ لا! 

إذن تقليدية؛ Traditional، Traditionell؟ Traditional. قال لك! ليس مفهوما. أحسن شيء أن نُسميها المدرسة الإرثية؛ لكي نفهما هكذا! المدرسة الإرثية؛ Traditionalist School. ما المقصود بها؟ هكذا سماها هو – رحمة الله عليه -.

قال لك لأن الحكمة، الحكمة في أصلها، إلهية. الحكمة إلهية، لها أصل إلهي. وبما أن الحكمة ذات أصل إلهي، فنقطع بأنها تامة وكاملة. انس! ليست شيئا نأخذه بالاستنباط والاستدلال وال Deduction وال Induction وال Invert، لا! شيء إلهي، ناجز وتام وكامل! الحكمة! ما هذا؟ موضوع ثان!

هذه الحكمة ظلت تتوارث، إلى أن ضحى بها الغرب وداسها، وظلت أجزاء منها في التراث الإسلامي. هذه الأجزاء التي سيُسميها فيما بعد أحد تلاميذ جينو Guénon! على الأقل تتلمذ على مدرسته، وليس على شخصه! 

هو تتلمذ على تلميذه! لأن التلميذ المُباشر لرينيه جينو René Guénon، الذي هو سويسري، سويسري ألماني: فريتيوف شوان Frithjof Schuon! فريتيوف شوان Frithjof Schuon! هناك ناس يكتبونها فريتجوف، لا! بالألماني فريتيوف.

شوان Schuon هذا كان تلميذ رينيه جينو René Guénon، وتتلمذ عليه سيد حُسين نصر. وهذا؛ شوان Schuon، قصة كبيرة! اكتب فريتيوف شوان Frithjof Schuon، وانظر! لأن هذا عمل في الأخير طريقة صوفية، اسمها المريمية؛ نسبة إلى مريم! حدث له واقعة رؤية العذراء، يقظة! وحدث له تحول روحي، مع أنه مسلم! مسلم! وسوف نرى هذا! لكي لا نتعجل!

لا أُريد أن أتكلم كثيرا عن المدرسة الإرثية، لكن أُعطيكم فكرة عامة عنها! مُهم؛ لكي نفهم طريقة سيد حُسين نصر! كي يكون عندنا انطباع عام حولها، وربما، ربما، أهلية بسيطة لتقييمها، مبدئيا! أي نعرف مواقع أقدامنا. هذا الذي أُريده، ليس أكثر من هذا – إن شاء الله -! لكي نكون مُتواضعين أيضا في مطالبنا، لكي نقدر على أن نفي بها.

إذن فاسمها المدرسة الإرثية. لماذا اسمها الإرثية؟ والفلسفة الخالدة! الخالدة معناها قديمة! ولن تزول! كونها خالدة وPerennial وقديمة وعتقية، لن تزول! وسوف يبقى يحمل مشعلها، ولو آحاد الناس! رينيه جينو René Guénon اعتبر نفسه منذور القدر! القدر نذره ليحمل مشعل هذه الفلسفة.

على فكرة، هو لما حضر رسالته للدكتوراة، حضرها في فرنسا، قبل أن يأتي إلى مصر، أعتقد سبعة وعشرين! أنا من قديم لم أُراجع، المُهم – لأنني حدثتكم عنه حتى قبل سنوات! عن جينو Guénon تحدثت – ألف وتسعمائة وسبعة وعشرين عمل الدكتوراة، عن ماذا؟ عن تراث الهند. هو يبحث عن المدرسة الإرثية هذه، في التراث الهندوسي بالذات، في التراث الهندوسي!

المُشرف رفض الرسالة ومَن معه، ورفض أن تُناقش، ولم يحز رينيه جينو René Guénon الدكتوراة! واعتبروها عملا غير أكاديمي! وفيها أجزاء انطباعية، وأجزاء غير علمية! طبعا! 

لأنه أصلا يتبنى فلسفة تختلف تماما عن نظام التفكير العقلاني؛ ال Rational، الغربي هذا، تماما! وهم هذا يغيظهم! طبعا! تُريد أن تُعيدها جذعة، وتُرجعنا شبه تلاميذ، ومُتواضعين، وجهلة أيضا، للهنود، ومَن تلا؟ هم لم يستوعبوا! عندهم هذا! فرفضوا.

وهذا العمل نُشر بالعربية أيضا، قبل أن تُنشر كل أعماله، نشره المجلس الأعلى؛ المجلس الأعلى في مصر، ضمن المشروع القومي للترجمة! المجلس الأعلى للثقافة نشر هذا العمل، بترجمة الدكتور الفاروق عمر، المؤرخ! 

المُهم، نعود. فهو يرى أن هذه الفلسفة أو الحكمة الخالدة أو القديمة أو العتيقة موجودة. أنقى صورها في التراث الهندوسي! عجيب! وطبعا ستنزعج كإسلامي وكذا كمسلم. قال لك لا، أنا رجل باحث، أنا باحث عن الحقيقة. 

قال لك أنقى صور هذه الفلسفة الخالدة؛ ال Perennial، في التراث الهندوسي! يُعلق جينو Guénon أكثر من مرة (الذي أُسيء فهمه من الجميع). من المسلمين، ومن الأوروبيين، ومن اليهود! ونُسب إليه أشياء كثيرة! هذا التراث الهندوسي بريء منها! 

قال لك هذا التراث الهندوسي في عُمقه على العكس! تتمثل فيه أنقى صور هذه الحكمة الإلهية الخالدة، التي نحتاجها! والتي سنجدها تتكرر بعد ذلك، مع موسى، مع عيسى، ومع محمد، ومع كل العارفين – قال – إلى اليوم، وإلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها! 

دعوى كبيرة وخطيرة ومُخيفة! لا نُريد أن ندخل في هذه الملاحج والمضائق، لكن هو يقول لك هذا! هو هذا! تقرأ كتبه، وترى أنت المقصود التفصيلي بهذه المسائل! 

مع أن الرجل كما قلت لكم أعلن إسلامه، طبعا! أسلم! معناها رأى أن الإسلام لا يتعارض ويتضاد في الجوهر مع هذه الحكمة، بالعكس أيضا! هو تمثيل صاف جدا ومُركز لها! 

لذلك هنا يُوجد شيء خطير، الأمانة العلمية تقتضيني أن أُشير إليه، وهذا الذي جعلني أُحجم من سنين عن أن أتواصل مع هذه المدرسة أو حتى مع أعلامها، وكان لدي الفُرصة! لا أُريد أن أتكلم أكثر من هذا! 

لا أُريد أن يُساء فهم موقفي، أو أن أتورط في أشياء قد لا تُفهم على وجهها، دعني في السليم! وهناك أشياء لا أعتقد أنها واضحة حتى لي أنا شخصيا بالدرجة الكافية، وربما تحتاج إلى سنين طويلة من الدرس والعمل والبحث والترجمات؛ لكي يُصبح لك موقف علمي دقيق! فنحن نطلب السلامة إلى الآن، لا نزال! ما زلنا نطلب السلامة، نسأل الله السلامة، وألا يرفع يده.

لماذا؟ لأن هذه المدرسة بعد ذلك بتشعباتها المُختلفة يُلاحظ عليها أو على بعض تشعباتها تساهلا في الناحية الشعائرية والعبادية، وبأوسع بصراحة (في الناحية الشرعية). 

ليسوا كثيرا مُهتمين بهذا الشيء، ليسوا كثيرا يُحرجون عليه! ولذلك سيد حُسين نصر أيضا – انظر؛ تلميذ تلميذ رينيه جينو René Guénon – قال لك هذا الإرث الخالد من الحكمة الخالدة موجود، جُزء منه في التراث الإسلامي. وقال وأنا أُسميه هذا؛ هذا التراث الحقيقي. 

وجُزء آخر من تراثنا لا يحتوي على هذه الحكمة الخالدة، أو أجزاء منها، وأنا أُسميه الجُزء الزائف؛ السودو Pseudo! طبعا الP: Silent. سودو Pseudo! هذا السودو Pseudo! زائف! عجيب!

ولذلك يُحدد حُسين نصر موقفه! قال لك أنا أيضا مبدئيا ضد الأصوليين! الأصوليين؟ طبعا لما تسمع كلمة أصولية، انتبه! يُوجد عندك مُصطلح أصولي، وقريب جدا منه – كان قبله يُستخدم -، مُصطلح ماذا؟ أرثوذوكسي.

طبعا ليس الأرثوذوكسية بمعنى المسيحية، لا! بشكل عام مبدأ، الأرثوذوكسية! أرثوذوكسية؛ يهودية، مسيحية، إسلامية، هندوسية، أيا كانت! التمسك بالأصول، والتمسك بالأُسس، والتمسك بالنصوص! 

في الأول كان مُصطلح Orthodoxy، بعد ذلك جاء عندنا مُصطلح Fundamentalism، هذه هي المذهب الأصولي، أو النزعة الأصولية، التوجه الأصولي. 

المُشترك بينهما بصراحة أن الأصولي أو الأرثوذوكسي دائما يعتصم بماذا؟ بالأُسس. في الأديان الوحيانية الكتابية، ما الأُسس؟ الكتاب المُقدس. طبعا! عندهم التوراة، الإنجيل، عندنا القرآن الكريم. وطبعا يُضم إليه الأحاديث، على الأقل الصحيحة! ثم، ثم بالفهم العام؛ ال Mainstream، لسلف هذه الأمة، لهذه النصوص!  

هذه النزعة قال لك أصولية! سيد حُسين نصر قال لك أنا ضد النزعة هذه، لا تُعجبني. نعم، طبعا لا تُعجبه! لأنه لا يُوجد توافق. 

يُوجد شيء لا أعرف، مُتردد أذكره أو لا أذكره! لا أُريد أن أُسيء، ولست مُتحققا منه بالكامل، لكنه مذكور في عدة مصادر، على الأقل غربية! لن أذكره بالتحديد؛ لكي لا أغلط، لا أُحب أن أكسب إثما أمام الله.

فريتيوف شوان Frithjof Schuon، تلميذ جينو Guénon وأستاذ سيد حُسين نصر، أُخذت عليه مآخذ مسلكية. ابحثوا، وبعد ذلك تحققوا، الله أعلم! لكن الرجل فيما عدا ذلك كان يُعتبر مُعلما روحيا كبيرا. 

وعلى كل حال، يُعتبر رينيه جينو René Guénon أو عبد الواحد يحيى – رحمة الله عليه -، وفريتيوف شوان Frithjof Schuon، أول الشخصيات الغربية الأوروبية، التي تحولت إلى مشايخ طرق صوفية، تُعطي الإجازة! في تاريخ أوروبا! لأول مرة! 

تقول لي شخص أوروبي، أصبح شيخ طريقة! مَن هو؟ عبد الواحد يحيى. ويُعطي الإجازة! التسليك! مَن الثاني؟ تلميذه فريتيوف شوان Frithjof Schuon. الثاني! هذان أول اثنين! مع أن كما قلت لكم طريقة عبد الواحد يحيى الطريقة الشاذلية بشكل عام، فرع منها طبعا، لكن هو شاذلي – رحمة الله عليه -، وتلميذه كان مَن؟ شيخ الأزهر عبد الحليم محمود. 

تتلمذ عليه! ولما تقرأ كتاب الشيخ عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر، المدرسة الشاذلية: قضية التصوف – المدرسة الشاذلية، تجد أنه كتب – إذا لم تخني الذاكرة – زُهاء مئة صفحة أو مئة وعشرين صفحة عن عبد الواحد يحيى وما يتعلق به – إن لم تخني الذاكرة -! من أوائل ما قرأت أنا قبل سنوات طويلة عن عبد الواحد يحيى لعبد الحليم محمود، البداية كانت هناك، وبدأت بعد ذلك أُعمّق دراساتي عنه.

على كل حال، فكان تلميذه، وكلاهما شاذليان! أما شوان Schuon، فأسس طريقة خاصة به، سماها الطريقة المريمية؛ نسبة إلى مريم! بعد حادثة ماذا؟ رؤيته لها عيانا بيانا جهارا! حدث له تحول، وعمل هذه الطريقة، وصار له أتباع!

والرجل كان من الباحثين ومن المُعجبين بالديانات الأمريكية الأصلانية، ال Native أو ال Indigenous، أي Religions! أي ديانات المايا Maya والآزتيك Aztec، والشعوب الثانية، النافاجو Navajo وغيرها! يهتم! 

وهم يُحبونه، وكان يذهب إلى هناك في رحلات، تستمر إلى أسابيع وشهور! يجتمع بالهنود الحُمر، ويعيش معهم، وهكذا! ويستقطر من حكمتهم! لأنه يرى أيضا أن الحكمة الخالدة لم يخل منها أيضا ثقافات الأصلانيين في أمريكا، موجودة! عندهم هذا الشيء! 

إذن ما أهم معالم هذه الفلسفة الخالدة؛ لكي نبدأ نفهم طبعا؟ أهم معالمها أن الحقيقة واحدة. ماذا ستكون؟ رب العزة، لا إله إلا هو! وهذا نحن مبدئيا نُوافق عليه، وسوف تجد هذا المعنى موجودا عند كل العارفين والمُتصوفين الكبار، كلهم! 

لا يُوجد مُتصوف، إلا يقول لك الحقيقة واحدة. ما معنى الحقيقة واحدة إذن؟ ليس أن الكل واحد، لا! الحقيقة واحدة! التي هي رب العالمين، لا إله إلا هو! عندنا آيات قرآنية: بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ *، هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ *! الله قال أنا الحق، غيري، من كل ما يُدعى، من آلهة وكذا، من شمس وقمر وحجر وبشر، كله باطل.

بعد ذلك هو القيوم، وكما تعلمون قيوم: قائم بذاته، غني مُطلق، لا إله إلا هو! وكل شيء عداه قائم به! إذن ليس هناك وجود لأي شيء إلا بالله، أما الله، فهو موجود بذاته، لذاته، من ذاته، مُطلقا، وفي المُطلق، لا إله إلا هو! 

ولذلك تقول المدرسة الإرثية والحكمة الخالدة الحقيقة واحدة، وهي الرب الجليل، لا إله إلا هو! كل ما عداه تجلياته. جميل! مقبول هذا، لا نرفضه. كل ما عداه تجلياته، كل شيء تجليات لله، وهذا صح! مبدئيا صح! 

جيد، الآن حقيقة هذه التجليات، حقانية هذه التجليات، لن نبحث فيها، موضوع آخر، وهو مزلة أقدام ومضلة أفهام، القضية مُعقدة وكبيرة، ومسألة ثانية هذه! دعونا منها!

ثانيا الوصول لهذه الحقيقة لا يتم عبر الآليات الإدراكية العادية. لا تصل إليها لا بالحس، ولا بالعقل! أن أصل بالعقل، عن طريق المنطق، والمنطق الأرسطي، أو المنطق الرياضي الحديث، أوغيره: كلام فارغ! المنهج التجريبي، الإمبريقي: مُستحيل! عشر مستحيلات! 

إذن كيف؟ قال لك تصل إليها بمعرفة أُخرى. بمعرفة أُخرى! أنا مؤهل لها؟ قال لك كل بشر بما هو بشر لائق بها ومؤهل لها، لكن يعتمد: هل يُريد أو لا يُريد؟ لماذا؟ نحن هكذا سنُلخص المدرسة كلها في ثلاث عناصر، وننتهي منها! لماذا؟

قال لك أنت مؤهل لها ولائق بها لأنك كائن ثانوي – كما أقول أنا دائما كائن ثانوي -، كائن مُزدوج! تتكون من جبهتين، نعم مُتمايزتان – انتبهوا، هذا كلامهم بدقة، أي هكذا نُحاول أن نُلخصه نحن، تلخيص هذا! لكن دقيق التلخيص هذا -، نعم جبهتان أو مُكونان أو ضفتان مُتمايزتان، ولكن ليستا مُستقلتين. كل واحدة ليست مُستقلة عن الثانية بالكامل! 

كيف طبعا؟ ها أنا، أنا كائن كامل! كيف؟ أنا بغير هذا البدن، لا أستطيع لا أن أذهب، ولا أن أجيء، ولا أتكلم، ولا أسمع، ولا أُسمع، أبدا! أبدا! لكن في الحقيقة الروح عندي أو النفس – سمها ما شئت – مُتمايزة عن البدن، هي شيء غير البدن! 

وحين ينحل هذا البدن، ويزوي ويضمحل بالموت، تتحرر الروح، وتبقى موجودة، بذاتها. وتُدرك وتفهم وتسمع وتُبصر، بلا آلات بدنية، بذاتها. وهذا صحيح، وثابت، الحمد لله! هم كانوا يعتقدون هذا بالحكمة الخالدة، وعاشوه طبعا!

على فكرة، هؤلاء الحكماء الكبار والعارفون الخطيرون يعيشون هذه الحالات، أي بسهولة عندهم ظاهرة ما تُسمى الآن بال Out-of-body، بسهولة! يخرج من بدنه، يترك البدن هنا، يذهب إلى أمريكا اللاتينية، نيوزيلندا، أستراليا، فلسطين، مكة، مصر! يأخذ معلومات، يُشارك في شيء، ثم يعود، عادي عندهم! يفعلون هذا دائما! 

لذلك عبد الواحد يحيى – رحمة الله عليه – يوم وفاته قال الآتي! طبعا مات وهو يُردد الاسم الأعظم المُفرد: الله، الله، الله، الله! وطبعا تبكي زوجته وأولاده، وقال لهم لا تبكوا، كونوا على يقين، لن أُفارقكم، وأنا سأكون معكم دائما! 

هذا مُجرد ارتحال! وهم أيقنوا بهذا! قال لهم لا تظنوا هذا، أنتم لا تفهمون! ولا يقدر على أن يحكي لهم كل شيء هو! لكن كونوا على يقين بهذا. وهذه ذكرها الشيخ عبد الحليم محمود – رحمة الله عليه -، ذكرها – على ما أذكر إن شاء الله -، ذكرها في كتابه عن المدرسة الشاذلية. 

كونوا على يقين، أنني سأكون معكم، وأرقبكم، ولن أتخلى عنكم! هو يعيش هذه الحالة – رحمة الله عليه -. على فكرة، يُعجبني ويُدهشني ردة فعل بعض المُفكرين الأوروبيين، على كتابات عبد الواحد يحيى؛ رينيه جينو René Guénon!

كانت غريبة قليلا! وفي رأسهم أندريه جيد André Gide، الأديب الشهير جدا جدا! هذا الأديب مُبتذل، وعنده للأسف مسالك غير حميدة وكذا، لكن أديب كبير! أندريه جيد André Gide أديب كبير! 

حين قرأ بعض تراث وأعمال رينيه جينو René Guénon – وفي حياته؛ رينيه جينو René Guénon -، ماذا قال؟ قال إن حُجج – براهين، أدلة – رينيه جينو René Guénon غير قابلة للنقد! إذا فهمتها، لا يُمكن أن ترد عليها، ولا يُمكن إلا أن تخضع لها! 

فقيل له إذن يا سيد جيد Gide ولماذا لا تصدر عنها وتتبناها؟ قال تأخر بي العُمر! كبرت أنا! كبرت! وحياتي التي عشت وأدمنت عليها لا أستطيع أنخلع منها! والسُكر والعُهر والنسوان والبنات والخمر وكذا! لا أقدر – قال – للأسف! أنا انزلقت هذا المُنزلق، غير قادر. قال! وكان صريحا على فكرة، ويُحمد له أنه كان صادقا وصريحا معنا ومع مُعاصريه.

قال أما حُجج جينو Guénon نفسها حين تقرأها، غير قابلة للنقد. لا تستطيع أن تنقدها! مع أنه؛ أندريه جيد André Gide، كان عنده حوارات مع بعض رجال الكنيسة واللاهوتيين الغربيين، ويرد عليهم، وقوي! ومُفكر كبير هو أيضا، ليس فقط أديبا! لكن أمام جينو Guénon، قال لا، هذه غير قابلة للنقد. تخيل! 

فنسأل الله مرة أُخرى الإسعاد والتوفيق، وألا يرفع يده عنا. نعوذ بالله من خذلانه، نعوذ بالله من خذلانه! مُصيبة أن ترى السُعد أمامك، وترى الرُشد أمامك، ثم تزور عنه! لا إله إلا الله! شيء مُخيف مُرعب!

فنعود، فقال لك ماذا؟ قال لك أنت تستطيع بالمُكون الآخر – المُسمى بالروح، المُسمى بالنفس. سمه ما شئت -، تستطيع بلوغ الحقيقة! هناك آليات مُعينة، وهناك شُغل، وهناك اجتهاد، وهناك تسليك، ومُجاهدة كبيرة؛ لكي تُطالع النفس أو الروح الحقائق. 

طبعا ستقول لي هذا النفس أفلاطوني مُحدث؟ صح! هذا النفس هكذا! وعلى فكرة، هم مُتعاطفون جدا مع الأفلاطونية المُحدثة. المدرسة أو الفلسفة الخالدة هذه مُتعاطفة جدا! الذي أكثر من هذا، وهذا سيُزعجنا طبعا: مُتعاطفون مع الماسونية. هذا الشيء مُزعج! 

لماذا؟ لأننا طبعا حين نسمع ماسونية، نحن كل ما يخطر ببالنا أن هذه الجمعية السرية اليهودية الصهيونية! طبعا كونها يهودية صهيونية، هذا كلام باطل، غير صحيح! كون بعد ذلك أن الصهاينة ربما بعضهم شارك فيها، نعم، لكن هي جمعية أوروبية، من العصور الوسطى! 

ودعك من الكلام الفارغ: أنشأها الملك سُليمان – عليه السلام – بن داود -، وأنشأها صلاح الدين الأيوبي! وكلام فارغ! لا، هي جمعية أوروبية، وفعلا كانوا بنائين، تقريبا في القرن السادس عشر، هناك خلافات طبعا! 

ولكن حسب عبد الواحد يحيى أو رينيه جينو René Guénon، هو كان مُتعاطفا أيضا مع الماسونية! وطبعا المدرسة الإرثية عموما، المدرسة الإرثية هذه عموما، مُتعاطفة معها! قال لك الماسونية أفلحت ونجحت أن تستبقي أجزاء من الحكمة الخالدة، وأن تتواصى بها، ولم تُضح بها! في هذا الإطار نحن – قال لك – نقبلها. 

أنا شخصيا هذا الأمر أتوقف فيه، وغير مُرتاح إليه مبدئيا، ولا أُشجع عليه. الماسونية كما نعلمها ونشاطاتها حول العالم وكذا ليست كذلك! وبالذات طبعا حين تقول ماسونية، مُباشرة هي الماسونية الفرنسية، رقم واحد! لا تقل لي بريطانية وكذا، رقم واحد الفرنسية! 

والماسونية الفرنسية بصراحة من القرن التاسع عشر، أصبحت حليفة الإلحاد! وعندها نشاطات محمومة لدعم الإلحاد والملاحدة. فكيف تقول لي تجمعها مع الحكمة الخالدة وكذا؟ وعندها موقف في مُنتهى السوء من الأديان، أليس كذلك؟

لذلك كما قلت لكم أنا أحمد الله أنه وفقني، أنني لم أتورط، ولم أُحب أن أُستغرق، في هذا الطريق، وفي هذه المباحث، وأتواصل مع هذه المدرسة، ومع بعض أعلامها الآن. لا أُريد؛ لأن الموضوع ملغوم، وخطير، وغير مضمون العاقبة، بالمرة! فهذه إحدى مثلا الورطات! كما قلت لكم التساهل في القضايا التشريعية!

لذلك أحيانا تُوجد مسالك غير حميدة، ليس للكل، لبعضهم! كما يُذكر عن شوان Schuon مثلا، للأسف الشديد! هناك أشياء ضُبط بها الرجل مُتلبسا، الله أعلم! يُسعدنا أن يكون بريئا مما نُسب إليه. فأشياء تُخوف! 

عندهم نوع من التساهل في قضايا الطقوس والشعائر والعبادات والتشريعات. عندهم تركيز طبعا بلا شك مُكثف وكبير على الناحية الباطنية والروحية وكذا، وهذا طيب، ولكن ليس على حساب ماذا؟ الظواهر والعبادات والشعائر! كله مطلوب! نتورط!

على كل حال، سوف نجد عند هذه النُقطة بالذات أن هؤلاء الناس هدونا بطريقة ما إلى أن الشيخ الأكبر مُحيي الدين بن عربي فيما يبدو كان أحد أقطاب مدرسة الحكمة الخالدة، طبعا! وكان يُشكل تواصلا معها.

الآن الدراسات حول العالم، يُسمونها الدراسات الأكبرية، الدراسات الأكبرية! وعلى فكرة، مِمَن فتح باب الدراسات الأكبرية نجوم في المدرسة الإرثية، ومنهم شوان Schuon! وهم رادة في الدراسات الأكبرية، ثم فتحوا الغرب عليها! وعندنا الآن تراث كبير غربي، غير الشرقي أيضا، في باب ماذا؟ دراسات الشيخ مُحيي الدين بن عربي. يُوجد تأثر كبير! وحين تقرأ الشيخ مُحيي الدين، تعلم هذا.

على فكرة له تأثير كبير هذا الرجل، أي أكبر مما أُعطي واعتُرف له به، في أشياء كثيرة! مثلا تأثير الشيخ الأكبر في مدرسة الحكمة المُتعالية – مُلا صدر الدين الشيرازي – كبير جدا جدا، يُمكن أن يبلغ نسبة سبعين إلى ثمانين في المئة، تخيل! 

وحدثتكم مرة أن فلاسفة إيران المُعاصرين، ثلاثة منهم، الذين هم مُتخصصون في الدراسات الصدرائية، قرأوا الفتوحات المكية وأعمال ابن عربي، وهالهم أنه لولا الشيخ الأكبر، لا ذهب مُلا صدرا ولا جاء! 

قال لك عالة في مُعظم فلسفته على ابن عربي! وهذا غير واضح حين تقرأ لمُلا صدرا مُباشرة هكذا! قالوا هذه الحقيقة. هذا أولا! ثانيا، ثانيا حين تقرأ عبد الواحد يحيى؛ رينيه جينو René Guénon، وتكون قرأت الفتوحات المكية، سوف تجد تطابقات كثيرة جدا جدا! 

فيما يخصنا الآن أنا قلت لكم هناك نفس في هذه المدرسة للأفلاطونية المُحدثة! ومن ثم للفلسفة الإشراقية. أي شهاب الدين السهروردي – رحمة الله عليه -. صح! موجود! 

ولكي أُلخص لكم، تعرفون الفلسفة الإشراقية بكل بساطة، تقول لك لكي تُطالع الحقيقة، وتُكاشفها، وتُكافحها – أي عينا لعين هكذا -، لست مُحتاجا، لا إلى فلسفة، ولا إلى منطق، ولا إلى أصول فقه، ولا إلى Hermeneutics، لا! أنت مُحتاج أن تشتغل على نفسك وقلبك، أن تُطهر باطنك، من كل الخزايا والدنايا والسفاسف والمعاصي والأباطيل الزائلة الممحوقة، بالكامل! 

إذا فعلت ذلك، فستصل إلى مرحلة تُصبح أو يُصبح قلبك بمثابة مرآة عاكسة، صقيلة جدا، تعكس صورة الحقيقة، كما هي! من غير أي إجهاد. ويضربون لهذا مثلا، وضحوا به طريقتهم:

وهو أن جماعة من الفنانين العظام ذهبوا إلى حائط، وجعلوا يُعربون ويوظفون أقصى إمكاناتهم الفنية، في رسم لوحة فنية، في مُنتهى الروعة والإبداع! وفعلوا هذا في وقت طويل! جماعة من الفنانين!    

وأما الآخرون، الداخلون في المُسابقة، ويدّعون الفن أيضا والإبداع، لم يفعلوا شيئا، إلا أنهم أتوا إلى الحائط المُقابل، وجعلوا يصقلونه! لا يرسمون، لكن يصقلون: (بردغ، بردغ، بردغ، واصقل، اصقل، ونعّم، ونعّم). قال لك ما هذا؟ ماذا يفعلون هؤلاء؟ 

وبعد أن انتهى هؤلاء، واستخدموا كميات كبيرة من الأصباغ والألوان، وتعب وكذا، برزت اللوحة الجميلة، فنظر المُحكّم إلى الطرف الآخر، وإذا باللوحة ذاتها، تماما، ولا تقل جمالا، معكوسة على الحائط! قالوا هذه طريقتنا. 

أي هكذا يُمهد ويُبرهن الإشراقيون، أصحاب الروح الأفلاطونية المُحدثة، على منهجهم وطريقتهم. لذلك المدرسة الإرثية فيها هذه الروح الإشراقية.

أختم هذه المُحاضرة، بما قاله الشيخ الأكبر، وتقرأون هذا في مُقدمة الفتوحات؛ مُقدمة الفتوحات المكية! الفتوحات ربما قريبة من ستمائة فصل! في المُقدمة هذا! طبعا عنده الإهداء وكذا بأقسامه، ثم في المُقدمة هذا! 

في المُقدمة ذكر الشيخ الأكبر – رحمة الله عليه – مراتب العلم، مراتب العلم! ورتبها ثلاث مراتب. تجدون هذه المراتب ذاتها، مع اختلاف التسميات، في المدرسة الإرثية، عند عبد الواحد يحيى، ومَن تلاه! نفسها! فقط الأسماء مُختلفة، أما المضمون هو هو، هو هو! 

عندك علم – رقم واحد هذا – عقلي! العلم العقلي، الذي يؤخذ بالتعليم والتعلم هذا، سواء منطق، سواء فلسفة، سواء طبيعة، سواء دين، سواء لُغة، وهكذا! هذا علم عقلي، عادي! طرق الاستنباط وطرق الاستقراء وطرق الخبر أو النقل والرواية!

علم عقلي. قال لك! علم عقلي. هذا أدنى المراتب عندهم. ثم علم الأحوال، وهو اسم على مُسمى! علم الأحوال هو العلم الذي لا يُصاب إلا بالتجربة الشخصية، المُسماة الآن تجربة ماذا؟ الوعي؛ Consciousness.

أي الآن لا يُوجد علم على وجه الأرض على فكرة يُمكن أن يُفهمك كيف يكون طعم العسل، مُستحيل! ولو قرأت مليون مُجلد! كيف طعم العسل؟ وماذا يعمل؟ وماذا يفعل فيك؟ أبدا، أبدا، أبدا! لن تخبر طعم العسل كيف يكون، إلا أن تطعمه. هذا علم حال!      

الشيخ الأكبر ذكر أعتقد مثال العسل، وذكر مثال الجماع، لا مؤاخذة، وهذا مثال مثّل به من قبل أبو حامد الغزّالي. على فكرة، أنا وجدت الشيخ الأكبر أيضا مُتأثرا بدرجة وواضحة بالحُجة الغزّالي – رحمة الله عليه -!

ويُحمد للشيخ الأكبر أنه في مواضع كثيرة يُصرّح، يقول الإمام الغزّالي، الشيخ الغزّالي. يُصرّح، أن هذه فكرته، لا يستنكف. والغزّالي مات صغيرا، عن أربع وخمسين سنة، سُبحان مَن أعطاك ذلك العقل وذلك الجمال وتلكم الشخصية الموسوعية العجيبة! رجل عجيب! ليس في العقل فقط، حتى في التجربة الروحية والعرفان الإلهي، مدرسة! قدس الله سره الكريم. 

فالمثال نفس الشيء هذا، لو وصفت بكل ما أمكنك، من قوة الفصاحة والبلاغة والبيان وضرب الأمثال وتقريب البعيد وكذا، لطفل صغير، كيف يكون إتيان الأهل، ما نجحت! مُستحيل! مُستحيل أن يحصل له علم ذلك. لماذا؟ لأن هذا علم حال، علم حال! كما قلنا اليوم تجربة الوعي، تجربة الوعي! 

بالضبط هذا العلم هو الذي قصده أحد أعمدة فيزياء الكم؛ إرفين شرودنغر Erwin Schrödinger، حين قال في كتابه الطبيعة والإغريق والعلم والمذهب الإنساني – مطبوع بالإنجليزية -، حين قال العلم صامت تماما صمتا مُريعا فيما يتعلق بمعنى اللون الأحمر، واللون الأخضر، واللون الأزرق، وتجربة اللون! 

كيف إذن؟ نعم طبعا! تجربة معنى الأحمر: هذا علم حال. لا يُوجد علم يقدر على أن يشرح لك ذلك! لو كتب عشرة آلاف مُجلد، ما استطاع أبدا، أبدا!

وعلى فكرة، هذه يُسمونها ماذا؟ يُسمونها الجُزء الأصعب في موضوع الوعي. تشالمرز Chalmers سماها ماذا؟ سماها مسألة الوعي الصعبة. ما عداها، هذا الفيلسوف الأسترالي، اعتبرها مسائل الوعي السهلة، على أنها ليست سهلة، أي في ذاتها، صعبة، لكن من ناحية فلسفية هذا الأصعب، المُعبّر عنه بالكواليا Qualia.

الكواليا Qualia بكل بساطة هي التجربة الشخصية الحالية لهذه المعاني! تجربة الألم، تجربة اللذة، تجربة القلق، تجربة اللون، تجربة كذا! الذوق، المذوق، المشموم! 

بالله عليكم: هل يقدر أحد على أن يُقيم لك بُرهانا قطعيا نهائيا على أن الأحمر، الذي أراه، هو الأحمر الذي تراه أنت؟ مع أننا نتفق، نحن الاثنين، ونحن الثمانية ملايير، على أن نُسميه أحمر! وإذا أردنا أن نضرب له مثلا، نقول مثل هذا السجاد، أو حُمرة الشفق! أليس كذلك؟ 

ولكن هذا ليس فيه أي بُرهان ولا أي عصمة ولا أي ضمان أن الثمانية ملايير يخبرون هذا المُسمى بالأحمر، والمُمثل له بهذا السجاد أو بحُمرة الشفق، على ثمانية ملايير حالة مُختلفة، ويطلع عندنا ثمانية ملايير لون! وكله اسمه الأحمر! لا أحد يقدر على أن يُثبت لك أن ليست هذه هي الحالة! لا إله إلا الله! وسوف تُدخل براهين فيها!

المُهم، لا نُريد أن نُطوّل، هذا لا يزال موضوعا ثانيا! إذا تكلمنا في يوم من الأيام عن موضوع الوعي، فسنبدأ نتكلم في المسائل هذه طبعا من ناحية فلسفية! الكواليا Qualia! هذه مُشكلة الوعي الصعبة، تشالمرز Chalmers! فيُسميها الشيخ الأكبر علوم الأحوال. وأخيرا علوم الأسرار، نختم بها – إن شاء الله -.

علوم الأسرار ما هي عند الشيخ الأكبر؟ علوم الأسرار يا سيدي العلوم الإلهية، وتُعطى بطريقة لدنية، من لدن الله، مُباشرة، بغير تعليم مُعلم، ولا يُمكن أن ينالها إلا مَن يستحقها.

وفتح لنا الشيخ الأكبر باب بركة، وإن شاء الله يكون الأمر كذلك، من أجمل ما يكون! قال أو مَن سلّم وصدّق بأهلية مَن أوتيها. نتبارك بهم، ونقول بعون الله، نحن نؤمن بالأشياء هذه. قال لك ببركة هذا التصديق، قد تؤتاها، أو تؤتى شيئا منها! لا إله إلا الله! مع أنك لا تستحق، لكن التصديق له بركة عظيمة! 

وما سمة هذه العلوم؟ قال لك سمة هذه العلوم؛ علوم الأسرار، أنها علوم يقينية، قطعا! لا يعتريها لا شك ولا حيرة ولا تردد، ولا تقبل ذلك. انس! لما الله يمن عليك بهذا العلم؛ علم الأسرار، أو بشيء منه، هذا العلم لا يُمكن أن يدخله شك، لا يُمكن لك أن تشك فيه أصلا! ولو اجتمع مَن في السماوات والأرض على أن يُشككوا فيه، ما شككت! لأنه علم من عند الله.

ستقول لي معناها أن هذا العلم هو جوهر الحكمة الخالدة؟ بالضبط! لذلك أنا أتيت لكم بهذا التقسيم. هذا هو جوهر ال Perennial philosophy أو الفلسفة الخالدة! علوم ماذا؟ الأسرار. ليس علوم الأحوال، ولا علوم العقل.

ولذلك علوم العقل لها مُشبهات، أشياء مُشتبهة بها، وهناك قواعد ومعايير لتمييز الصحيح من الغلط. علوم الأحوال لها مُشبهات أيضا. علوم الأسرار لا يُوجد شيء يشتبه بها، أبدا! ولذلك قد يشتبه عليك أن ما لديك علم أسرار، وفي الحقيقة يكون من علوم الأحوال أو غيرها، أو من علوم العقل، وليس علم أسرار! 

أكتفي بهذا، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: