الإعجاز العلمي في الميزان – العلم والدين – الحلقة 18

video

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما. 

إخوتي وأخواتي/

في هذه الحلقة الخاتمة – إن شاء الله تبارك وتعالى – سأتناول موضوع الإعجاز العلمي في القرآن والسُنة، طبعا ليس تناولا أيضا مُستفيضا، ولا تناولا كاملا، فقط سأتناول هذا الموضوع من جهة علاقته بمدارس الإسلاميين المُختلفة، ومواقفها من العلم الحديث، من هذه الجهة!

من هذه الجهة يُمكن أن نقول، ونحن – إن شاء الله – على قدر كبير من الطمأنينة، مدرسة الإعجاز العلمي أقرب إلى التيار الرابع، الذي قلت من الصعب تسميته مدرسة أو حتى تيارا؛ لأن لا تنظير له متينا ومُفصلا! التيار الرابع؛ البراجماتي. 

على أنها مُنتظمة ضمن الفئات التي اختُلف في تسميتها! فالفيلسوف الدكتور سيد حُسين نصر سماها فئة الحداثيين Modernist. قال هؤلاء الحداثيون! مَن هم؟

الحداثيون جدهم جمال الدين الأفغاني، فيما يرى مَن؟ سيد حُسين نصر. جدهم جمال الدين الأفغاني. طبعا يُمكن أن نقول لا، جدهم الأسبق سيد أو السير سيد أحمد خان. 

سير Sir؛ لقب فارس! أعطاه الاحتلال الإنجليزي لقب فارس! كان يُبارك مشروعه؛ لأن الرجل كان ضد جهاد الإنجليز، وكأنه كان يُرجح ما حصل، وهو عالم دين! سيد أحمد خان هو عالم دين، وهو مؤسس الجامعة الإسلامية عليكرة Aligarh! 

جامعة عليكرة Aligarh هو مؤسسها! وشخصية جدلية، كانت وما زالت إلى اليوم، في الهند! هناك مَن يُعظمه وكذا، وهناك مَن يتهمه بالزندقة والمروق وكذا، إلى آخره! على أنه في نهاية المطاف فعلا شخص تحديثي، أراد أن يُحدّث الإسلام وتأويلنا للإسلام. لن أتحدث عنه كثيرا!

طبعا الإسلاميون عموما لا يُباركون موقفه. إذا أردتم، أول ما قرأت عنه، وأنا غُلام صغير، للمرحوم أبي الحسن الندوي، في كتابه الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية، تحدث عن مدرسة سير سيد أحمد خان.

فسير سيد أحمد خان هذا يُعتبر من هؤلاء الحداثيين، الذين يُباركون العلم الغربي، ويفتحون له كل الأبواب، ويُطالبون بتأويل النصوص، وإعادة فهمنا في النصوص؛ لكي تلتئم بحقائق العلم الغربي. هكذا كان موقفه! 

لكنه تطرف أيضا، فدعا إلى تأويل المُعجزات أيضا! مع أن المُعجزات ضمن النظام العقدي الديني، سواء كان إسلاميا، أم غير إسلامي؛ مسيحيا أو كذا، يُمكن أن يكون لها مُعاملة خاصة.

في نهاية المطاف؛ لأن المُعجزة يُمكن أن تُفهم – على الأقل – بشكل آخر! هذا ليس رأيي أنا. أنا عندي بحث خاص في المُعجزة، ربما يُعتبر غير واضح قليلا، ومُعقدا قليلا! الذي هو ماذا؟ 

أين الحصان؟ خطبة ومُحاضرات أين الحصان؟ أعتقد كانت أربعة أجزاء. فيها تكثيف وتركيز عميق جدا، عن فلسفة المُعجزة، ولاهوت المُعجزة، وما الموقف منها! يُمكن أن تعودوا إليه.

لكن عموما، يُمكن أن يُقال لاهوت المُعجزة في نهاية المطاف هو لاهوت وليس علما. فليُترك للمبادئ الدينية العقدية، على أن المُعجزة نوع من الفعل الإلهي! لكن هذا بحد ذاته أيضا لا ينجو من النقاش! كما فعلت في أين الحصان؟ 

لا ينجو من النقاش! لأن هناك طرحين مُختلفين؛ طرح تفسير المُعجزة كتدخل Intervention! Divine intervention؛ تدخل إلهي! وطرح تفسير المُعجزة كلا تدخل! هذا موجود وهذا موجود، وهذا له أشياعه وهذا له أشياعه، قضايا مُعقدة!

على كل حال، يُمكن أن يُعتبر سير سيد أحمد خان هو الأب أو الجد الأول لهذه المدرسة، وليس جمال الدين الأفغاني. على كل حال، جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده عموما، وأكثر طبعا بكثير من سيد محمد رشيد رضا، أخذوا هذا الموقف الذي يُبارك العلم ولا يرى به بأسا!

لا يرى به بأسا ويرى أنه بضاعة المسلمين، كما قلت في حلقات سابقة، رُدت إليهم. لا تُوجد أي مُشكلة، وعلينا أن نُكيف وضعنا ومواقفنا؛ لكي تلتئم بهذا العلم. وانتهى كل شيء، بكل هذه البساطة! تنظير بسيط، وأقرب إلى السذاجة، وانتهى الأمر! لم نر فيه التعقيدات الفكرية والفلسفية وكذا!

فهؤلاء يُسميهم سيد حُسين نصر، يُسميهم الحداثيين. غيره يُسميهم علماء، لكن ليسوا العلماء النظاميين. العلماء النظاميون طبعا يندرجون في طائفة الحداثيين أيضا، طبعا! يستقبلون العلم، ولا يرون فيه بأسا، ونُكيف أنفسنا معه. يندرجون!

الآن الإعجازيون يندرجون في هذه المدرسة، أكثر من اندراجهم، على عكس ما قد يبدو لنا، في غيرها. وعلى فكرة، ربما هذا التصنيف، وهو الأقرب – كما أعتقد – إلى الواقع، لا يُسعدهم؛ لأنهم لملحظ أيديولوجي يُحبون ربما أن يكونوا من أشياع أسلمة المعرفة، وربما عدوا مشروعهم في الإعجاز طريقا من طرق أسلمة المعرفة! وهذا لا يتأتى لهم، سنقول لماذا! لا يتأتى! هذه ليست أسلمة للمعرفة.

باختصار، من تابع مشروع الإعجازيين؛ إعجاز القرآن والسُنة – الإعجاز العلمي طبعا -، يخلص إلى نتيجة! ما هي؟ بالله عليكم، ما الذي – ليس مَن، ما! ما الذي – يُطلب له المُصادقة عليه؟ ما المطلوب تصديقه: العلم، أم القرآن؟ القرآن. العلم أم السُنة؟ السُنة طبعا! طبعا! 

عمل الإعجازيين، هذه مفروضة فيه، غير محكية، لكن مفروضة، ويشتغلون منها! أن العلم أثبت وقال كذا كذا كذا، والحمد لله القرآن سبق إلى هذا. سبق إلى هذا! يظن نفسه أنه نجّى نفسه بكلمة ماذا؟ سبق! لأن القرآن سابق. كأن العلم استلهم القرآن!

على كل حال، العلم لم يستلهم القرآن، ولا هؤلاء العلماء عرفوا القرآن، ولا درسوه. واضح أن ما هنالك، ما في البين، أنك تُعيد تأويل الآيات؛ لكي تُفهمنا أنها قررت الحقيقة قبل العلم. 

هذا بعيد جدا في مُعظم ما فعلوه، في مُعظم ما فعلوه على الإطلاق! لن أُناقش هنا ولن أضرب الأمثلة، وهي كثيرة جدا جدا! والدراسات التي قام بها حتى مسلمون، من داخل الحقل الإسلامي، ومُتدينون، مُلتزمون، مُمارسون، لنقد الإعجاز العلمي، والأمثلة المطروحة فيه، كثيرة جدا، وكافية! وأيضا كافية لأن تُزلزل ثقتنا بهذا الإعجاز العلمي المزعوم! 

ولذلك أنا أقول لكم هذه المدرسة الإعجازية لا يصح أن تنتمي إلى أسلمة المعرفة؛ لأن أسلمة المعرفة تنطلق من مفروضة أُخرى مُختلفة تماما! وهي وجوب وانبغاء ماذا؟ إعادة إنتاج العلم بما يجعله مُتوائما مع القيم والمُعطيات الإسلامية. أي علم آخر بديل! صح، لم ينجحوا، لكن هذه مفروضتهم!

الإعجاز لا يفعل هذا، الإعجاز يترك العلم على حاله! يقول هذا صحيح، ومُبارك، وطيب، لكن – الحمد لله – لا يتعارض مع القرآن، لا يتعارض مع السُنة، بل السُنة والقرآن سبقا إلى تقرير هذه الحقائق. سبقا! واضح؟

إذن مدرسة الإعجازيين ينبغي أن تُحسب على المدرسة الحداثية، وليس على المدرسة المعروفة بأسلمة أو إسلامية المعرفة. هذا مُهم جدا! هذا لا يُعجبهم. وعلى فكرة، أنا لم أقرأ لهم موضعة لأنفسهم، أين هؤلاء؟ هذا موضعهم على فكرة، وهذا لا يُريحهم! لماذا؟

لأن مدرسة إسلامية المعرفة مدرسة إسلامية، وراؤها شخصيات إسلاموية، واضح؟ ليسوا فقط مسلمين، إسلاموية! مشروع إسلام حركي سياسي وراؤه.

ولذلك لم يفت كثيرا من المُلاحظين في الشرق والغرب مُلاحظة أن برنامج أسلمة المعرفة طنطنة إسلامية، تُخفي وراءها برامج أيديولوجية سياسية! ما رأيك؟ موجود! موجود هذا! موجود هذا بنسبة مُعينة على الأقل، بنسبة مُعينة موجود! وهناك أدلة عليه، وهناك كلام!

من ضمن الذين وجهوا هذا النقد الحاد السيد حسين العطاس، الأخ الكبير أو الأكبر للسيد محمد نقيب، من دُعاة، بل أحد كبار دعاة الأسلمة والسبق إليها. أخوه قال هذا! قال لا، هذه الطنطنة، تُخفي وراءها مشاريع أيديولوجية وسياسية. يُريدون أن يكسبوا الشعب، الشارع، الأصوات! بهذه الطريقة. ويستخدمونها استخداما غير مُنضبط، وغير أكاديمي.

لا أُطيل عليكم، لو ذهبت إلى مُنظري الإعجاز العلمي في القرآن والسُنة، مثل الدكتور زغلول النجار، مثلا! ومن قبله الزنداني؛ عبد المجيد الزنداني اليمني! تقف على المعايير التي يذكرونها. 

الدكتور النجار ذكر عشرة معايير! حين تُفكر في هذه المعايير، تجد أنها معايير…ماذا أقول لك؟ أكثر من عادية! وبسيطة، وليست دقيقة، وليست مُحكمة المنهجية، أبدا! 

الشيء الأسوأ من هذا، أنك حين تختبر مُراعاة الباحثين في الإعجاز العلمي في القرآن والسُنة – وأبحاثهم منشورة طبعا في مجلة الإعجاز، التي تصدر عن هيئة الإعجاز، في المملكة العربية السعودية. أعتقد الآن الأعداد ربما اقتربت من سبعين عددا! التي نُشرت عبر هذه العقود -، ترى أن مُعظمهم لا يُراعي هذه المعايير! مُعظمهم لا يُراعي مُعظم المعايير! ما رأيك؟

لماذا؟ بكل بساطة؛ لأنه لو روعيت هذه المعايير، على ضعفها المنهجي وعدم دقتها وتفصيليتها – لو روعيت، كما هي هكذا، مع ضعفها -، لما تسنى لهم عُشر معشار ما أنجزوه! لا تصح لهم مُعظم أبحاثهم! سيُلقى بها في سلة المُهملات الورقية! أن لا، لا، لا، لا! يتخالف مع المعايير! لكن دخّل وكذا! 

لا أُريد أن أتكلم عن أشخاص الآن مُعينين، وعندهم مواقع، وعلى اليوتيوب YouTube، وكُتب، وكذا! ومُتابعات، ومُشاهدات! كله للأسف الشديد كلام مدغول ومدخول.

العجيب أن بعض الباحثين الأكاديميين المسلمين، مثل الدكتور سعود العريفي – اسمه سعود بن محمد العريفي. هذا دكتور، أكاديمي، ومسلم، ومُتخصص -، كتب بحثا طويلا، عن منهج هؤلاء، في إثبات النبوة والربوبية. أخذ عليهم أشياء عجيبة! وكان جريئا، ويُحمد له هذا. ومِمَن شكره على موقفه البروفيسور نضال قسوم – بارك الله في الاثنين -.

قال لهم الدكتور العريفي؛ سعود العريفي، قال لهم كثير جدا – ليس بعض، كثير جدا – من الحقائق التي تزعمون أن القرآن والسُنة سبقا إلى تقريرها، معروفة قبل الإسلام! 

هذه جرأة، تُحمد له! جرأة وحيدة علمية، تُحمد له، كباحث إسلامي تقليدي! قال لك لكن هذه الحقيقة! هذه أشياء معروفة من قبل! هذه أشياء معروفة من قبل وشائعة في الحضارات. تأتي وتقول لي هذه افتجار، ابتكار إسلامي قرآني، سبق! قال لهم غير صحيح! هكذا تُحرجوننا معهم!

الدكتور مثلا نضال قسوم، وهو عالم فيزيائي؛ فيزياء فلكية – وغيره سجل هذا النقد -، قال لك أكثر شيء تقريبا كان يُعتبر التدشين الحقيقي للبرهنة على هذا الحقل، موضوع النماء الجنيني. 

النماء الجنيني! أنا أُحب كلمة نماء، وليس تطورا؛ لكي لا نخربط بين نماء وبين تطور! المُهم، قال لك هذا الباب بالذات؛ موضوع النماء الجنيني، تُوجد عليه إشكاليات كثيرة! 

في مُقدمها، على الأقل – وهذا في عصرنا الآن؛ عصر العلم والتطور الطبي الرهيب والإصحاحي -، خمسة وعشرون في المئة من حالات الحمل تنتهي بالإجهاض، والإجهاض مُتفاوت! 

الإجهاض مُتفاوت: في الأسابيع الأولى، في الأشهر الأولى! فكيف بالقرون الخوالي، التي كانت فيها نسبة الإجهاض أعلى بكثير من هذه النسبة؟ أعلى بكثير من هذه النسبة! 

ما معنى هذا؟ معنى هذا أنه تيسر للناس، في كل الحضارات والثقافات، أن يُشاهدوا أطوارا جنينية، في مُختلف الفترات. وتقول لي كذا مُضغة وعلقة؟ لا نعرف، المسألة ليست حتمية! وتقول لي بُرهان قاطع! مسائل خطيرة.

أنا الآن لا أُريد أن أُمعن في ضرب الأمثلة والبحث عما يُمكن أن تُناقش به الأمثلة. هذا كثير وفعله كثيرون، وفعله كثيرون! ويُمكن أن يفعله كل مُتخصص. هذا حتى في موضوع الجبال الرواسي، وأن الجبال هذه لإرساء الأرض، ولئلا كذا! ولو أن هذه الجبال مثلا امتُلخت، لاختل دوران الأرض في الفضاء! 

المُشكلة لم يُوافق عالم من علماء الأرض أو علماء ال Geophysics على هذه الحقيقة! ويقول لك هذا الكلام غير صحيح! تعرف لماذا؟ لمبدأ فيزيائي بسيط! القوة النابذة المركزية أضعف بكثير من قوة الجذب الأرضية. فيزياء هذه! أضعف بكثير! 

ولذلك يقول لك العلماء لو أُزيلت كل هذه الجبال تماما وسويت بالأرض، لما اختل دوران الأرض ملليمترا واحدا، وستبقى تدور كما هي. فيزياء! وأنت تتسلح بالعلم وتقول لي العلم وما العلم! أشياء خطيرة!

فهذه الأشياء انتبه إليها! وعلى فكرة هناك فرق كبير. بفضل الله تبارك وتعالى، تعرفون هذه المُلاحظة، أعتقد على المُستوى الشخصي، العبد الفقير، استفدت منها كثيرا! 

كنت من نحو ثلاثين سنة، من يوم حتى مقدمي على النمسا، كنت أقول لهم؛ للإخوة، أنا لا أُحب أن أخطب أو أُحاضر أو أتكلم، وكأنني أُواجه مسلمين، إخواني! أبدا. أنا أفترض دائما أنني أُخاطب الآخرين؛ مسلمين وغير مسلمين، وملاحدة وشكوكيين!

لو وضعت هذا في اعتبارك، فستكون حريصا جدا على أن يتسم خطابك – ليس الخُطبة، الخطاب عموما، ال Discuss الخاص بك – بدرجة معقولة ومقبولة، من ماذا؟ من العقلانية والدقة العلمية والفكرية. لا تلعب! 

لأن على فكرة، لما كنا مُجتمعات مُغلقة، ولم يكن هناك حتى تلفزيون Television وستالايت Satellite، ولم يكن هناك طبعا إنترنت Internet وكذا، كان هذا عاديا! 

خاطب جماعتك، وخاطب ربعك – على قولة العرب -، في المساجد والزوايا والتكايا، واحك ما تُريد! اجلب ما كنت جالبا، من الخُرافات والأفكار غير المعقولة والكلام الفارغ! والكل سيُصفق لك! وما شاء الله على الموسوعة. يقول لك! 

أما اليوم يا مسكين، تخضع لاختبار ملعون عفريتي، ليس اختبار حتى مُراجعة أقران، مُراجعة العالمين! إذا وضعوك في بالهم، فسوف يأتون بخطابك طبعا!

طبعا سوف يتنطع لك الحالية والعاطلة! لا عليك من العاطلة، كلام فارغ! ناس أقل منك بألف درجة، دعك منهم! لكن ماذا لو برز لك المُختص، ال Expert، الحقيقي، الذي يمتح ويتكلم من معين تخصص دقيق، مشهود له، وأثبت أنك تهرف بما لا تعرف؟ سيسود وجهك، أليس كذلك؟ 

لذلك لا بُد أن تحسب ألف مرة، قبل أن تُقدم على إطلاق دعاوى وClaims! كذا وكذا وكذا! العملية خطيرة. يا رجل حتى موضوع كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ *، قال لك إعجاز! 

أين الإعجاز يا رجل؟ يا رجل أي واحد فينا تم له اختبار حالة حرق عميق، يُدرك أنه عند حين مُعين، يختفي الشعور بالألم. هذه تجارب بشرية! قال لك إعجاز! أين الإعجاز؟ أنت فهمت ما قصدت؟ هناك أشياء بالخبرة اليومية نعرف أنها كذلك، جعلتها إعجازا؟ 

تعرفون لماذا؟ هي هذه المُشكلة! المُشكلة أنك تُريد أن تُحوّل هذا إلى حقل؛ Field جديد! ولكي يصير Field، لا ينفع فيه مثالان وثلاثة وأربعة وعشرة، تحتاج إلى مئات وألوف الأمثلة! لكي يصير مثل علم! فهمت كيف؟ هو هذا!

فهم راق لهم أن يُحولوه إلى مجال جديد، اسمه الإعجاز العلمي، تخيل! لذلك تورطوا هذه الورطة طبعا. ولذلك أنا أقول لكم هذا مشروع مآله في نهاية المطاف الفشل. هو الآن فشل طبعا! ستقول لي كيف فشل؟ على أي أساس؟ أنا أقول لك كيف! 

الذي يُتابع الوقائع ويرى، يرى كيف أن أحد كبار، بل هو نجم، هذا الحقل، في آخر عشرين أو رُبع قرن على الأقل – رُبع القرآن الأخير! هو النجم -، تقريبا بعد حدثين اتفقا له، لم يعد يبرز، على الأقل في هذا المجال! 

والعجيب أن الحدثين وقعا في بلدين مسلمين! والذين قاموا وتساءلوا أمام هذا الدكتور الفاضل شباب، من أبناء هذه الأمة، وبعضهم أعرب عن نفسه، قال أنا مسلم، ومُتدين، ومُمارس، أنا لست مُلحدا! 

قال له يا دكتور أنت تُكلمنا، نحن الآن في كلية العلوم، كلامك هذا غير علمي. كيف غير علمي؟ قال له غير علمي، العلم يقول كذا كذا كذا كذا، وأنت تدّعي كذا كذا، أجبنا! فغضب جدا جدا! ليس عنده جواب طبعا. شباب! هم فاهمون، لو وجدوه ينطق بالصواب، لأيدوه! لكن وجدوه يتكلم بغير الصواب، تماما! قولا واحدا!

فخرج مُغضبا جدا، وقال هذه مؤامرة الملاحدة! ملاحدة؟ شباب مسلم! حتى لو كانوا ملاحدة، أجبهم، أفحمهم، أثبت لهم وبالمراجع، والمرجعيات العلمية المُحكمة، وبمجلات علمية مُحكمة!
بعدها ببضعة ربما أشهر – سُبحان الله! وهذا كان في المغرب – اتفق له الشيء نفسه في الأردن! التي قامت له واستفزته فتاة مُحجبة، بحجابها! وسألته واعترضت عليه أيضا! توثيق معلوماتي غير دقيق وغير صحيح. فغضب غضبا شديدا! ما هذا الذي يحصل؟

هذه الحقيقة! انتهى عهد أن تُخاطب الربع والجماعة والقبيلة، نحن الآن مفتوحون على العالم، وهؤلاء الشباب الذين يبدو لك أنهم ملاحدة وكذا، ليسوا ملاحدة، بالعكس! هم أغيار على دينهم، أغيار! 

لديهم غيرة حقيقية على دينهم، بعضهم على الأقل، ويُريدون أن يتواصلوا مع العالم بمصداقية. نُريد Credibility، مصداقية حقيقية! لا يُمكن أن نكذب على أنفسنا؛ لأننا لو كذبنا وصدّقنا، العالم لن يُصدّقنا، فلنكن صادقين مُنذ البداية. 

فهذا تدهور رهيب لهذا المشروع، انس! هذا الذي كان يمشي على العوام وعلى الناس! وطبعا أنا أقول لك يتعجب بعض الناس بأسى وحزن؛ لماذا كُتب لهذا المشروع المُتهلهل هذا الذيوع والشيوع والانتشار والمقبولية الرهيبة؟! يا أخي واضح لماذا!

هذا الموضوع الشرط الأول والأكبر لكي يشيع ويذيع وينتشر، تعرف ما هو؟ ضحالة الثقافة العلمية، لدى مَن يستمع. وهي – ما شاء الله – شرط مضمون تماما! أمتنا العربية والمسلمة ضحلة جدا في الناحية العلمية. ليس عندنا تفكير علمي، احك أي شيء باسم العلم، الكل يُصدّق!

تخيل أن أحد هؤلاء – لكن عالم، في حقل علمي أيضا، علم طبيعي! ولن أذكر أشخاصا؛ حتى لا أتنقص الناس – قال لك سُبحان الله! وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ *. ما له ٱلطَّارِقِ *؟ قال لك ٱلطَّارِقِ * هذا نجوم، سجل العلماء بالتلسكوبات أصواتا لها!

بالتلسكوبات؟ أول مرة أعرف أن التلسكوب يسمع! التلسكوب فقط يلتقط الضوء، ويضعونه في المطياف وكذا! فقام له – الحمد لله – عالم فلكي مصري، أستاذ جامعي! قال له ما هذا يا مولانا؟ قال له ما الكلام الفارغ هذا؟ قال له أنت تهرف بما لا تعرف! هذه معرة على العلم – قال له -، ومعرة على الدين. اتق الله فينا. قال له!

قال له يا أستاذ، يا دكتور – أنت أستاذ دكتور، وتُعلم أجيالا في الجامعات يا رجل، شيء يُجنن -، كل الذي يحصل أن العلماء في ناسا Nasa وغير ناسا Nasa في بعض المرات يُعيدون نمذجة صور مُعينة وكذا! في بعض المرات بطريقة Diagram، في بعض المرات بأصوات وكذا. إعادة نمذجة هذه! ليس أنهم سمعوا الصوت: تك، تك! قال لك وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ *. لا إله إلا الله!

هو هذا! أي بدهيات العلوم ليست واضحة عندهم، في أدمغتهم، بدهيات ليست واضحة لديهم! فهذا شيء مؤس ومُحزن! شيء مؤس ومُحزن! فللأسف الشديد، هذا المشروع حتما مآله في الأخير الفشل! سينتهي ويتلاشى، لكن يوم تُقرر الأمة أن يكون لها سعي علمي حقيقي، يوم يُوجد ويكثر فيها العلماء الحقيقيون.

لكن للأسف، لا نقدر واحدا مثل أحمد زويل، العلّامة الكبير، النادر – ما شاء الله – في إمكاناته العلمية المُذهلة واكتشافاته! أبو الفيمتو ثانية! أصبح هكذا اسمه؛ أبو الفيمتو هذا! تخيل! 

هذا الرجل يأتي إلى مصر، يقوم له واحد مُلتح، بلحية! جاء وترك الشهد والعسل والدُر والجوهر، في العالم الغربي، في أمريكا! ليخدم بلده، ويعمل مدينة زويل، ويرتفع بمصر! يُستفتى في البرلمان المصري؛ لكن هذا سؤال يا أستاذنا، ويُطرح، وأرجوك أجبنا. 

تفضل، نعم – قال له -، ما الأمر؟ هل حقا أنت تبرعت بنصف جائزة نوبل Noble لإسرائيل؟ قال له ماذا؟ قال له سؤال، سؤال! قال له لا – رئيس البرلمان -، هذا السؤال لا يُجاب عنه. ما هذه الإهانة للعالم الكبير، للعالم النوبلي، الأول العربي، بل الوحيد العربي، الذي أخذ نوبل Noble في العلوم! 

وبعد ذلك؛ بعده، في ألفين تقريبا وخمسة عشر، عزيز سانجار، تركي وليس عربيا، أخذ نوبل Noble في الكيمياء أيضا. وزويل في التاسع والتسعين في الكيمياء! محمد عبد السلام في التاسع والسبعين في الفيزياء. العربي الوحيد الذي عنده نوبل Noble في العلوم! 

فقال له لا، أنا أُريد أن أُجيبه. قال له لا بُد وأن أُجيبه! لأن السؤال طُرح. قال له! فالمسكين تألم، وأنا – والله العظيم، أُقسم بالله – نزلت دمعتي، قلت حسبي الله ونعم الوكيل! حسبي الله عليكم! حسبي الله عليكم، وعلى لحاكم هذه، وعلى الحقد الذي عندكم، يا جهلة! يا جهلة، ما علاقة هذا بهذا؟ شيء يُجنن يا أخي! 

قال له أنت ترى أنني أعمل هذا بعدما فعلته؟ وبمعنى كلامه: وتركت أمريكا، وتركت كل شيء، وأتيت إلى هنا! أنا أعمل هذا؟ قال له! لكن على كل حال – قال له – هذا السؤال حتى عيب أن يُطرح. قال له أحمد زويل! 

لذلك مات مُبكرا – رحمة الله عليه -، والله العظيم! قتلوه! قتلوه بالقهر! هذه – ما شاء الله – الأمة العربية، وهؤلاء الإسلاميون! أبو اللحية! هذا السؤال يُطرح! طرحك الله أرضا، طرحك الله وطرح الله أمثالك. 

استفد من القمة الجبارة التي عندك! أنت عندك قمة لا تتكرر كل يوم، وكل عشر سنين، وكل كذا! هي لم تتكرر حتى كل مئة سنة في الأمة العربية، إلى الآن لم تتكرر! قتلتموه بالأسئلة السخيفة هذه، يا سخفاء! 

مُستواهم سخيف، على فكرة! واحد مثل هذا يُمكن أن تطرح له عشرة آلاف سؤال في العلم وكذا كذا، وتتعلم! وأحسن واحد يُجيبك! أليس كذلك؟ هذا هو! وليس تبرعت بإسرائيل بنصف جائزة نوبل Noble؟ لماذا يا حبيبي؟ 

هي كلها؛ جائزة نوبل Noble، مليون ومئتا ألف! أي إسرائيل ينقصها ستمائة ألف؟ ولماذا يعطيها لإسرائيل هو؛ أحمد زويل؟ ولو كان هو من جماعة إسرائيل، حسه الوطني يجعله يتخلى عن كل شيء هناك؟

وأنتم تعرفون مثل زويل ماذا يُمكن أن يُعطى! لو ذهب إلى أي بلد، لو ذهب إلى الصين، أو اليابان بالذات، أو أوروبا الغربية، أو وهو في أمريكا، الذي يُريده سيأخذه. وهؤلاء الناس على فكرة يُعطون شيكات مفتوحة! 

يقول لك شيك مفتوح، اكتب الرقم الذي تُريده شهريا، يأتك. عادي عندهم! ليس عندهم أي مُشكلة! وتبقى عندنا. قال لهم لا، أُريد بلدي. نعم، لكن أنت أعطيت نصف الجائزة لإسرائيل! تبا لهذه الأمة الحمقاء يا أخي، أُقسم بالله حماقة!

فنحن، كما نقول للمرة المئة، نُريد أن نُواجه الحقيقة وحقيقتنا! نحن نحتاج قيامة حقيقية، في نفوسنا وعقولنا؛ لكي نصير ناسا مُتوازنين، نقدر على أن نخدم هذه الأمة وهذا الدين.

فنرجع، فما أقوله إن هذا المشروع – والله أعلم – هذا مآله، لا يُوجد ما هو أكثر من هذا! لا نُريد أن نتكلم عن تاريخه، ومع مَن بدأ، ومَن أصّل له؛ هل الغزّالي؟ الفخر الرازي؟ أبو العباس فلان؟ بعد ذلك محمد الإسكندراني، في القرن التاسع عشر؟ طنطاوي جوهري؟ 

كل هذه كتابات مكتوبة ومعروفة، لا نُريد أن نقولها! والأعلام الموجودون حاليا، والذين سبقوا، معروفون! معروف هذا كله، ومطروح! لن أُضيف أي شيء جديد! لكن أنا أُريد أن أُسجل مُلاحظاتي الشخصية كعدنان منهجيا على الموضوع هذا، غير ما ذُكر! هذه مُلاحظات غيري، وأعتقد أنها سليمة في الإطار العام، لكن مُلاحظاتي:

أولا من ناحية المُصطلح، مُنذ البداية أنا كنت أقول الآتي، وسجلت هذا في أكثر من برنامج وفي أكثر من خُطبة وفي أكثر من مُحاضرة! وبحمد الله طبعا التقيت ببعض نجوم الإعجاز، وفي اليوم الذي حصل فيه هذا الكلام مع شخص كان عنده سلاسل طويلة، وبيع منها نُسخ كثيرة جدا جدا، في الإعجاز، وقد سألني عن رأيي، بفضل الله كان معنا في نفس المجلس أستاذ دكتور في علوم القرآن! وجميل؛ لأنه يقدر على أن يُناقشني في الناحية التأصيلية الدينية.

قلت له أنا يا أستاذنا العزيز أرى أن التسمية مُتناقضة، وغير دقيقة! قال لي كيف؟ قلت له مُستحيل أن يكون ما تُسمونه إعجازا علميا إعجازا. قال لي كيف؟ قلت له لأنك لو فكرت بعُمق، شرط الإعجازية الراهنية، الآن وهنا! 

أي لما ربنا قال هذا الشيء مُعجز، ليس مُعجزا بعد ألف سنة، مُعجز الآن وهنا. وإرادة أن يكون القرآن مُعجزا، مَن المقصود بها أساسا؟ قوم رسول الله! قومه! كفار العرب، جاهليو العرب، هم هؤلاء! القرآن قال لهم أنا مُعجز.

بالله عليك، هل سيكون الإعجاز من جنس أن هناك حقائق علمية مخفية، بعد ألف وخمسمائة سنة سوف تظهر؟ أنا قلت بهذا المعيار أنا كلامي مُعجز أيضا! أنا الآن سأضع لكم أي كلام، أي كلام فارغ! هرف لا معنى له! وسأقول لكم هذه نظريات فلكية وكونية، بعد ألف سنة سيثبت صحتها. واذهب وانتظر ألف سنة إذن! ليس هكذا يكون الإعجاز! الإعجاز الآن وهنا. 

إذن لا بُد أن يكون المعنى الذي لأجله وُصف القرآن بالمُعجز، ماذا؟ حاضرا مفهوما أمام العرب. أليس كذلك؟ ليقع به التحدي! بالله عليك، يُمكن أن أقول لك أنا مُعجز، وسأُعجزك. ستقول لي في ماذا؟ سأقول لك لا، سأُعجزك! هيا، تحدني. ستقول لي لكن في ماذا يا مولانا؟ في ماذا أتحداك؟ أنا مُعجز! ستقول لي أنت رجل مغلوب على عقلك!

فإذن المعنى الذي لأجله وُصف القرآن بالإعجاز، كان حاضرا مُحددا واضحا أمام العرب. ستقول لي بصراحة إن كان كذلك، فواضح أن هذا الإعجاز هو إعجاز لُغوي بياني سبكي. هو هذا، هو هذا! 

ولذلك لم يقدروا، وحاولوا ولم يعرفوا! وقال لك هو ليس شعرا، وليس نثرا عاديا، وليس سجعا، وليس كذا! شيء مُختلف، طريقته مُختلفة تماما! وفعلا هو هذا، هذا الذي أعجزهم.

هذا إعجاز، تحقق فيه شرط ماذا؟ الإعجاز الأول؛ الراهنية! الآن وهنا! تفضل ها هو! ها هو أمامك، ائت بمثله، هيا! قال لك لسنا قادرين. وتحقق الشرط الثاني، وهذا مُهم جدا جدا جدا! وهذه النُقطة الثانية التي أُريد أن أُضيفها: القهرية. ستقول لي هي الإعجازية! نعم، لكن لا بُد وأن تنتبه؛ لأن في بعض المرات العنوان نفسه يُغفلك عن المضمون.

فهو لكي يكون مُعجزا، لا بُد أن يكون ماذا؟ قاهرا. قال تعالى إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً *، الآية هي المُعجزة على فكرة الآن، آية كونية! فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ *. قهر! 

بالله عليكم، وسأسألكم الآن؛ هل اجتهادات الإعجازيين في الكتاب والسُنة قهرية؟ تضعك أمام بُرهان قهري ثابت، لا تستطيع أن تُناقش فيه، تجعلك في حالة كحالة العرب أمام القرآن الكريم – لم يقدروا! قال لك لسنا قادرين، حاولنا! حاول يا أبا فلان! قال لك لا يقدر أحد! لم يقدر أحد على أن يأتي بسورة مثله، لا أحد! سورة من ثلاث آيات، لم يقدر أحد -، أم أن كل ما يُسمى إعجازا علميا يخضع الآن للأخذ والرد والنقاش داخل الحقل الإسلامي نفسه؟ وهذا يقول بشيء، يُزيفه عليه الآخر! 

المرحوم مُصطفى محمود دخل هذا المدخل، للأسف! ويا ليته ما دخله! ولما كتب قال الآتي! وعلى فكرة، كان أكثر تواضعا، ولم يقل الإعجاز العلمي. تعرف ماذا قال؟ تفسير عصري للقرآن. الآن ستطرحون سؤالا: هل يُوجد فرق بين التفسير العلمي للقرآن، والإعجاز العلمي؟ طبعا، وفرق كبير! فرق كبير جدا جدا! 

لا أجدني إلا مُضطرا أن أتعاطف مبدئيا مع التفسير العلمي للقرآن! لماذا إذن؟ هذا التعاطف الذي سيرفضه المُلحد، والمُشكك في إلهية القرآن! لكنني كمؤمن موقن بإلهية القرآن، وأن مصدره الله، لا إله إلا هو! 

أعلم حتما أنه يحتوي على إيقاظات، إلماعات، شذرات، إشارات، إيماءات! سيأتي الزمن، بعد الزمن، ليكشف عن طبقة من معناها ودلالتها. أكيد! قال تعالى قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ *. يا الله! إشارة إلى أنك سوف تجد هذا! لكن يبقى هذا في إطار ماذا؟ التفسير! مُجرد تفسير!

ستقول لي وهل هذا التفسير قطعي؟ أقول لك لا، اجتهاد، قد يكون مُصيبا وقد يكون مُخطئا. وأين هذا من دعوى الإعجاز؟ ولذلك إذا سألنا هؤلاء، فسنقول لهم يا موالينا، يا مشايخنا، ما الفرق بين التفسير العلمي للآيات القرآنية الكونية والطبيعية، وبين ادّعاء الإعجاز فيها؟ 

يُجيبنا الدكتور، الأستاذ الدكتور، زغلول النجار، بجواب يا له! يا له! ولن أقول أكثر من هذا! تعرف ماذا قال؟ قال التفسير العلمي قضية اجتهادية، قد يُصيب فيها المُفسر وقد يُخطئ، أما الإعجاز، فقضية يقينية قطعية! الله أكبر! فعلا؟ ويقينية وقطعية؟ والكلام الذي تقوله أنت وأمثالك؛ إنه قطعي ويقيني – ما شاء الله -، ليس مردودا عليه، وليس مُزيفا بخمسين ألف طريقة وطريقة؟ 

لكن هنا تُوجد تبعة عقدية مُخيفة جدا جدا، في مُقابل هذا! انظر، انظر وأنت ستقول لي عجيب! الدكتور النجار؟ قال هذا. ستقول لي هذا الكلام خطير جدا! كيف سمح لنفسه أن يقوله؟ هذا الكلام له تبعات عقدية مُخيفة! وقاله؛ لأنه ليس عالم دين، الدكتور النجار! 

وهو ليس فقيها ولا أصوليا ولا مُفسرا ولا عالما في العقيدة! ولا مُفسرا ولا مُعربا للقرآن! لن أقول أكثر من هذا! هو عالم في الجيولوجيا، وفقط! هذه الشؤون كلها ليست من تخصصاته، أبدا! ولا عُرف فيها بأي شيء يشهد له. وكتاباته موجودة، ومُحاضراته موجودة، ولُغته معروفة لنا! انس! كل شيء اليوم مُتاح.

فالتبعات هنا، أنك جعلت الكلام في ميدان التفسير العلمي اجتهادا أصاب أو أخطأ المُجتهد مأجور بأجر أو بأجرين، إذن في المُقابل الكلام في الإعجاز ودعوى الإعجاز ليس مناط اجتهاد، أبدا! ولذلك الخطأ فيه إذن ماذا سيكون؟ مأزورا! سيكون المُتكلم فيه مأزورا، غير مأجور، إذا أخطأ! وأنت لا تحتمل الخطأ فيه! وهذا تناقض أصلا.

كل عمل بشري، كل فهم بشري، مُعرّض للخطأ؛ لأنه اجتهاد. كيف سوف تُقنعنا أن الاجتهاد العلمي ليس اجتهادا؟ يا سلام! وماذا لو سلّمت لك أنه ليس اجتهادا، وأنه قضية مُطابقة؟ 

أي Correspondence؛ مُطابقة! هذا العلم الواضح، وهذا الفهم الواضح للآية، ليس الاجتهادي! أي كأنه قطعي، كأن الآية قطعية في الدلالة، على الحقيقة العلمية، أو الظاهرة العلمية، قطعية! وأنا جاريت القطعي بالقطعي! لاءمت القطعي مع القطعي، ولا يُوجد اجتهاد! واضح؟ 

هذا الكلام لا يُسلّم بالمرة، لكن من تبعاته المُخيفة المُرعبة، أنه لو ظهر فيه الخطأ، وهو أمر يقوم على القطع واليقين، فمعناه المُتكلم – والعياذ بالله -، أقل ما يُقال فيه، قال على الله بغير علم! في منزلة الشرك بالله! وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ *، شيء خطير جدا جدا! 

على أن المُقدمة نفسها أصلا لا تُسلّم. هو يبقى اجتهادا، هو اجتهاد ويبقى اجتهادا، وعليه مآخذ كثيرة جدا، وحالة التفسير العلمي أفضل منه بكثير، وهو أكثر تواضعا منه! ومع ذلك، لما المرحوم مُصطفى محمود قال هذا – وعنده الحلقات الخاصة به هذه؛ العلم والإيمان، وعمل تفسيرا! نحو تفسير علمي للقرآن الكريم -، ردت عليه الدكتورة الفاضلة بنت الشاطئ؛ عائشة عبد الرحمن، التي هي زوجة العلّامة المُجدد الكبير أمين الخولي. 

وأمين الخولي كان ضد التفسير العلمي للقرآن، ليس الإعجاز! لم يكن أيامها نبرة الإعجاز، ضد التفسير العلمي! وعنده مُبرراته، وهو علّامة كبير، وعقل خطير! أمين الخولي! ليس أي كلام على فكرة! شخص لا يُستهان به بالمرة – رحمة الله عليه -! كان ضد التفسير العلمي للقرآن.

وهناك ناس كثر مشوا في هذا الإطار، لم يكونوا مُتعاطفين! ضدا على طنطاوي جوهري، أول مَن بعج هذا الباب، وألف تفسيرا في ستة وعشرين جُزءا، سماه الجواهر! كله تفسير علمي. أي يتكلم لك عن الآية نصف صفحة من ناحية دينية ولُغوية، وربما يتكلم لك سبعين أو ثمانين صفحة من نواحي علمية! 

تقول لي ما معنى هذا؟ يأتيك بحقائق العلم كما هي، ويقول لك هذا له علاقة بالآية. كيف له علاقة بالآية؟ أي هو يُمكن تحت كلمة مثلا وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ * وكذا، أن يتكلم لك عن الجنات وعن الأعناب والنخيل وأنواعها وطريقة تربيتها! أي كلام كثير عجيب غريب هذا! هذا مما أُخذ حتى على الفخر الرازي. 

الفخر الرازي لم يترك أي مسائل منطقية، فلسفية، كلامية، لُغوية، إلا وأتى بها في التفسير الخاص به، ووضعها وكذا! فالعلماء قالوا فيه كل شيء، إلا التفسير! أي لم يُعجبوا بهذا المنطق، يُمكن أن يعمل كل واحد هكذا، ليس هكذا! ليس هكذا! إذا أردت أن تتكلم، فتكلم في قدر محدود جدا، بما أعطت الآية تأشيرا إليها.

ستقول لي ما معنى هذا؟ أنا لم أفهم الآن إذن! هل كل ما يُقال عن المواءمة بين بعض الآيات وبين بعض الحقائق الطبيعية والكونية باطل؟ لا، ليس باطلا! ستجد بعضا منه، منزورا، صحيحا، إلى حد بعيد! على الأقل إلى الآن، لا بأس! 

لكن لن أعتبر هذا إعجازا، أبدا! سأقول هذا تفسير علمي. لماذا؟ لأن شرط الإعجازية كما قلت لكم الآن وهنا؛ الراهنية، غير مُتحققة في هذه الحالة، وواضح أنها غير مُتحققة! ثانيا والقهرية! يجب أن يكون التطابق ليس بطريق الإشارة والإيماء والدلالة، أبدا! على نحو لا يتحمل غيره، فعلا قاطع! 

وحاشا لله أن يُنزّل تصريحات، أو تقريرات – أي Statements هكذا؛ تقريرات – علمية، في شؤون طبيعية كونية، يوم أنزل القرآن الكريم، بهذه الطريقة! هذا سيكون فتنة وصدا عن سبيل الله، مُستحيل! ولذلك أنا أُعطيكم بعض الأمثلة، مثالا أو مثالين أو ثلاثة:

لو أخذنا مثلا موضوع حركة الأرض وحركة الشمس، مَن الذي يتحرك؟ طبعا القرآن أكد أن الشمس تتحرك، والآن أي عالم فيزياء فلكية يقول لك نعم، تتحرك، المجموعة الشمسية كلها تتحرك أصلا، المجرة كلها تتحرك في الكون أيضا. هذا هو! وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ *. انس! لا يُوجد كلام!

إذن الأرض تتحرك؟ تتحرك. القرآن قال تتحرك! الله ماذا قال؟ كُلّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ *. اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ *! اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ *! انظر إلى القرآن، كم هو لطيف ورحيم بنا! لو الله قال الشمس والقمر والأرض، لكفر الناس! ولقالوا لك الأرض تتحرك؟ انظروا، ماذا يقول محمد؟ محمد يقول الأرض تتحرك! 

في الأرض بالذات ماذا قال الله؟ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ *. لا إله إلا الله! لطيفة! العربي يقول لك لا، الله لا يقصد الليل والنهار، يقصد طبعا الشمس والقمر! هذا مفصول! يستوعبها.

عمي، يوم ذهب أخي الكبير قديما، ودرس لأول مرة – ربما في الصف الخامس الابتدائي – في الجغرافيا، أن الأرض تتحرك، ورجع، قال له يا عم، درسنا اليوم في الجغرافيا أن الأرض تتحرك! ضحك عمي – رحمه الله -، وقال له يا ابن أخي هؤلاء كذابون! العلماء هؤلاء كذابون، وهؤلاء جهلاء! والله يا ابن أخي – قال له – طيلة حياتي، كل يوم أرجع إلى دارنا، لم أر مرة بابنا صار من الجهة الثانية!

هكذا استوعبها! فكان من الصعب أن يستوعب الناس أن الأرض تدور في الفضاء! أين تدور؟ وبعد ذلك وضح هذا لما قال أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ *، تَمِيدَ بِهِمْ *! واضح أنها تتحرك؛ لأن الميدان هذا حركة السفينة في الماء، فهو ثبتها بالطريقة هذه؛ حتى لا تشعر أنت بهذا الميدان. 

والميدان لا يأتي من جاثم ساكن، أليس كذلك؟ ما دام نفى الميدان، فمعناها هي تتحرك! كالسفينة! لا إله إلا الله! إشارات؛ لكي لا يصدمهم، ولا يقطع مع الحس المُشترك، فيحملهم على الكفر. وهذه رحمة الله، وهذا جُزء من عظمة القرآن الكريم! جميل!

ليس هذا فحسب، انظر إلى الأشياء التي يُمكن أن تؤخذ على القرآن – وهذا الذي يأخذ، إنسان صاحب لدد ولجاجة، وليس مُنصفا، ليس مُنصفا -؛ وَتَرَى الشَّمْسَ *! وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ *، 

تَرَى *! يا الله! أي هنا يا ربنا أنت أصررت على أن تقول تَرَى *! لم يقل والشمس! لا، قال أنت تراها! لأن في الحقيقة ليست هي التي تدور، الأرض التي تدور حول محورها إزاء الشمس.

لو الله بدهك، صدمك، بهذا المفهوم، كنت ستكفر، في القرن السابع أو السادس الميلادي! مُستحيل! لكن قال لك لا، أنت ترى الشمس. لما يأتي العلم اليوم، ويقول لك لا، الشمس ثابتة، نسبيا طبعا! سيُقال لك نعم، وهل القرآن قال إنها تتحرك بالمعنى هذا؟ قال لك تَرَى *. أنت تراها، لكن هي ليست كذلك. هذه الظلال والأشياء؛ بسبب حركة الأرض في مُواجهة الشمس. 

ليس هذا فحسب، نفس الشيء: قال لك وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ *. الشمس تغرب! والشمس لا تغرب ولا تشرق! في مكانها، والأرض التي تدور حولها! مرة ثانية ماذا يقول؟ وَجَدَهَا *. لم يقل وهي تغرب! لو قال وهي تغرب، لكانت والله مُشكلة، لكن سيكون لها حل أيضا بصراحة! لكن بدقة قال لك هذا.

ذكرت لكم قبل ذلك أيضا الآتي:

الآن لو سألت علماء الفيزياء الفلكية، يقولون لك على الأرجح – لا يُوجد عندنا طبعا بُرهان نهائي! على الأرجح – السماء مُعمّدة، يُوجد نوع من البنية الهيكلية الكونية، يُمكن أن تُشبه هكذا، فيُقال السماء مُعمّدة! هي ليست هكذا في فراغ مُطلق!

إذن القرآن نفى الأعمدة؟ لم ينف! لم ينف! الناس لا يرون أعمدة، في كل القرون السابقة، لا تُوجد مُشكلة! القرآن أعطاك هذا الانطباع، ولم يكذب عليك. العلماء رأوا بالعقل والنظريات والحسابات أن هناك أعمدة، أي من نوع ما! ليست أعمدة عادية. القرآن قال لك هناك أعمدة. الله أكبر! وفي آية واحدة! رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ *.

نرجع إلى الجار ومُتعلق الجار، النحو العربي! كل جار له مُتعلق. مُتعلقه قد يكون الفعل رَفَعَ *، فإذا صح أن مُتعلق الجار رَفَعَ *؛ رفع بغير عمد، فمعناها ليس لها أعمدة، انتهي! هي مخلوقة هكذا! وإذا جعلت المُتعلق تَرَوْنَهَا ۖ *؛ ترونها بغير عمد، يُصبح المعنى لها عمد، وأنتم لا ترونها! الله أكبر! هذه الصيغة يقدر عليها بشر؟ لا إله إلا الله! هذا القرآن! 

هذا جميل! تكلموا في هذه الحدود! تفسيرات، وهناك لُغة، وهناك كذا! معقول إلى حد بعيد! وتفسير علمي! أصاب، أهلا وسهلا. أخطأ، المعرة علي أنا المُفسر. وانتهينا! أما أن تقول لي إعجاز علمي، ويُثبت كذا كذا، وهذا بُرهان قاطع وكذا! فغير صحيح! هذا غير صحيح!

وكما قلنا إذا تكلمت بلُغة أنه قطعي، وأنه مُتوافق تماما، وهذه حقائق، وهذه كذا! ثم ظهر بعد ذلك أن تفسيرك مدغول، ومردود عليه، أو أن ما ظننته حقيقة علمية نهائية مثلا، أو نظرية ثابتة، لم تكن كذلك، وتم نسخها، فما الذي سيحصل عند أبناء المسلمين أنفسهم؟ والله سوف يتطرق إليهم الشك في كتابهم، والله! أنا أحلف على ذلك. 

ولذلك أنا نبهت أكثر من مرة أن الزنادقة فعلوا الآتي، واستغربت والله! أنا عشت هذا، مُذ كنت طفلا في الابتدائية، كل سنة تقريبا – ذكرت هذا أكثر من مرة – تُوزع مناشير علينا في مُعسكر النصيرات، في قطاع غزة! تخيل! على اللاجئين (الغلابة)! ثم رأيت أن هذا الذي يُوزع علينا، يُوزع في أنحاء العالم الإسلامي! في الهند، والباكستان، وكذا! وفي السعودية! في كل مكان! وفي الصومال! 

ويُوزع على المسلمين في مبنى الأمم المُتحدة هنا، هنا! في فيينا، يُوزع على الموظفين المسلمين! شكا لي موظف أممي كبير من ذلك، قال لي يا شيخنا تأتينا مناشير عن كذا كذا! الشيخ أحمد حامل مفاتيح النبي وكذا! 

قلت له عجيب! ماذا؟ قال لي والله العظيم! هذا قبل حوالي رُبع قرن، شكا لي موظف أممي! قلت له غريب! قلت له هذا كان يُوزع علينا ونحن صغار، في الشوارع! 

مَن الذي يقف خلف هذه الحركة؟ أنه أنا الشيخ أحمد – اسمه! واسمه الشيخ أحمد دائما، لا يتغير – حامل مفاتيح الحجرة الشريفة النبوية، أُحذر أمة محمد، وأقول لهم سيحصل كذا كذا كذا، والنبي جاءني، وقال لي لا بُد أن تذهب وتُبلّغهم! الناس تُصدق! 

وحين لا يحصل ما بلّغ به النبي؟ هل أنت يا رجل، يا معتوه، صدّقت أن النبي بلّغ؟ قال لك نعم. مَن الذي قال؟ قال لك حامل مفاتيح الحجرة! أنت رأيته يحمل مفاتيح الحجرة؟ 

العجيب يا إخواني، وأنا أقرأ في مجلة المنار، للسيد محمد رشيد رضا – رشيد رضا مات سنة أربع وثلاثين! مجلة المنار من أواخر القرن التاسع عشر! إلى حين وفاته، عندي كلها في ستة وثلاثين مُجلدا كبيرا -، وجدته يتحدث عن الظاهرة نفسها، أُقسم بالله!

اكتبوا: الشيخ أحمد حامل مفاتيح الحُجرة الشريفة. ووجدته يكتب عن أبيه، في القامشلي بسوريا – تخيل! في القامشلي -، أن أباه حدثه أن هذه الظاهرة من أيام جده! لا إله إلا الله! أي أصبح عُمر الظاهرة تقريبا مئتي سنة! 

مَن الذين يقفون خلفها؟ وماذا يُريدون؟ بكلمة واحدة؛ هم نفس الجنسية ونفس النوعية الذين صكوا الأحاديث الموضوعة وألفوها على رسول الله في القرون الخوالي! ما رأيك؟ يقيني الذي ألقى الله به أن شيئا من هذه المكذوبات أخذ طريقه إلى الكُتب المُعتمدة، ما رأيك؟ يقيني! 

هناك أحاديث موضوعة حتما! أخذت طريقها إلى البُخاري ومُسلم والترمذي والنسائي وغيره! والأمة غافلة، ما زالت! لأنك حين تُفتش هذه النصوص والأحاديث، تجدها في عُمقها مُعارضة للقرآن، حتى النُخاع! 

وتجدها – والعياذ بالله – تؤسس لمفاهيم رهيبة مُخيفة! تجعل المسلمين لو أخذوا بها وصدروا عنها – والله العظيم -، في خبال، وحالهم إلى وبال! أشياء مُخيفة! وهي عكس القرآن تماما. 

ثم صنف من هذه النصوص والمُفتريات إخبار بالغيوب، ووعد بالنصر، وبنهاية العالم، وأشياء كثيرة! حتى حين يأتي زمانها، ولا تتحقق، يحدث ماذا؟ الانسلاخ من الدين في نفوس الناس. 

أبو حامد الغزّالي كان أذكى من ذلك كثيرا! لعلي أختم بهذه الجُملة. أبو حامد الغزّالي – رحمة الله تعالى عليه -، الذي يُتهم ظُلما في الشرق والغرب، ومن ناس حتى أحيانا مُحترمين، بأنه عدو العلم، وعدو الرياضيات، وعدو كذا! عجيب يا جماعة! تكذبون على الرجل؟ كُتب الرجل مطبوعة، ومُترجمة، كتابه تهافت الفلاسفة مُترجم بالإنجليزية، بالإنجليزية مُترجم! 

أبو حامد قال لك الآتي عن الفلسفة! لأن لم يكن هناك علم أيامها، Science. كان هناك فلسفة، كان هناك فلسفة عموما! كان هناك فلسفة، وفي ضمن الفلسفة الآتي! 

الفلسفة أقسام، يُوجد منها رياضيات، وتُوجد طبيعيات، وتُوجد Metaphysics! ميتافيزيقا! انتبه، لا تقل لي ميتافيزيقيا! هناك واحد عمل سلسلة كاملة: الميتافيزيقيا! وهو يُدرس الميتافيزيقيا! قبل أيام رأيت لقاء مع واحد يتحدث عن الميتافيزيقا، من غير يقيا، وعنده – تعرف ما هي؟ – تعني الغيب. 

لا يا حبيبي، ليست هذه الميتافيزيقا! ما هذا؟ كلام عجيب يا أخي! وفي التلفزيون Television يجرون معه لقاء! ليست هذه ال Metaphysics، سامحك الله، شيء عجيب الجهل الذي عندنا! جهل في كل شيء! رهيبون نحن في الجهل! والله العظيم! مضحكون!

المُهم، فأبو حامد الغزّالي ماذا قال لك؟ قال لك مُعظم أغلاط الفلاسفة وضلالهم، في ماذا؟ في الإلهيات. التي هي ماذا؟ الحكمة الأولى – يُسمونها -، أو الفلسفة الأولى، أو ال Metaphysics. هذه ال Metaphysics! قال ضلالهم فيها. وهو خطأهم في عشرين مسألة، وكفرهم في أربع! الإسلاميين! الفارابي وابن سينا!

ثانيا وأما الطبيعيات – أي مثل علم النبات والحيوان والأرض والجبال والفلك وكذا -، فقال لك هذه يختلط فيها الصواب بالغلط عندهم. وكلام صحيح، صحيح! مضبوط! أيامها! أي خاصة أيامهم، أكثر من أيامنا هذه بكثير!

وأما الرياضيات – وينبني ويتفرع منها الحساب والهندسة -، فقال هذه أدق علومهم! وقطعية، ويقينية، ودقيقة جدا! صح؛ لأنها في الأخير Tautology، تحصيل حاصل هي! الرياضيات تحصيل حاصل، انس! حلو! وهذا ما وافق عليه كانط Kant، وهيوم Hume من قبله، والكل!

قال لك ولكن الآفة منها من جهتين. انظر إلى الذكاء الغزّالي! رحمة الله عليه. قال تتطرق إليها الآفة من جهتين؛ الجهة الأولى أن يأتي ويقول الآتي مسلم غافل! أي واحد مُثقف (نصف كُم)، يُسميه ابن سينا الفطن فطانة بتراء. قليل من العلم عنده! ليس ضليعا في العلوم، قليل! أخذ الشيء من حوافه وأطرافه هكذا، وانتهى الأمر! 

قال لك أن يأتي مسلم جاهل، فيقف على دقة علومهم، وصدقيتها، وصحتها – ها هي! الهندسة والحساب والرياضيات! ما شاء الله -، فيظن بجهله أن سائر علومهم – أي في الطبيعيات، والإلهيات – كالرياضيات! ثم يقف على تفنيد علماء الدين للفلاسفة!

مثله هو! وهو حاول أن يُبرز تهافت الفلاسفة! بالذات في ماذا هو أبرز تهافتهم؟ في الإلهيات، وقليل في الطبيعيات. والعجيب أن في أشياء كثيرة في الطبيعيات الآن العلم أيد أبا حامد! لم يؤيد الفلاسفة! شيء عجيب! أي والله! أيده! مع أنه نقض على أرسطو Aristotle بُنيانه! 

وأرسطو Aristotle هذا، ليس أي واحد! لكن كان عنده من الاستقلال والذكاء ما يجعله يرد عليه. الآن علم الفلك والكوزمولوجيا مؤيدة لأبي حامد، وليس لأرسطو Aristotle، الحمد لله.

الفيزيائي العراقي الجميل البروفيسور الدكتور محمد باسل الطائي عنده أبحاث مُمتازة في هذا الباب، وأثبت هذا من سنوات طويلة – بارك الله في عُمره -. 

المُهم، نرجع؛ فقال ماذا؟ فيرى كيف أن علماء الدين يُنكرون عليهم ويُسفهونهم ويردون عليهم، فيظن أنهم إنما يردون على الصحيح الحق الكذا! فيسوء ظنه بعلماء الدين والدين.

الآفة هنا منه أم من علماء الدين؟ منه هو! هو جاهل! تعال وانظر إلينا كعلماء دين، نحن لم نتكلم على علم الرياضيات، تكلمنا على علومهم في الما ورائيات، أو في الإلهيات، وقليلا في الطبيعيات – أي مَن تكلم -.

والآفة الثانية؟ انظر، من ذكائه! مُتوازن هو الرجل، عقل جبار! الآفة الثانية – قال – تنشأ من علماء الدين! صديق جاهل. هكذا قال! سماه صديق جاهل. رحم الله الشيخ محمد الغزّالي المُعاصر، يبدو أنه أخذ هذا التعبير من سميه أبي حامد الغزّالي. 

كنا نظن أن الشيخ محمد الغزّالي هو الذي صك ها المُصطلح هذا! يقول لك مُحامون فشلة وأصدقاء جهلة وكذا! لا، هذا تعبير أبي حامد بالضبط! في التهافت، وفي المُنقذ من الضلال. قال لك صديق للإسلام جاهل. أي شيخ وعالم دين جاهل! جاهل بكيف تورد الإبل كما يُقال!

فماذا يعمل؟ يأتي لكي يُثرب على الفلاسفة، ويُرغّب عنهم، يُحارب كل علومهم، بما فيها الرياضيات! يقول لك كله غلط! والرياضيات والحساب والهندسة، كله كلام فارغ هذا، ولا معنى له! 

فيقف مَن وقف على صحة علومهم في الرياضات – أي في الرياضة، يُسمونها الرياضة! في الرياضة وما انبثق عنها من حساب وهندسة -، فيسوء ظنه برجال الدين وبالدين. وتكون هكذا كفرته أنت!

لذلك هذا ليس صحيحا، يا عالم الدين، ويا المُدافع عن الدين! إياك أن تخوض معركة، مع ما يترجح أنه علم صحيح، ومؤيد بأدلة! لأنه لا يتفق لك أن تجمع بينه وبين فهمك للنص! فتخوض هذه المعركة! لست أنت الذي ستَخسر، ستُخسر الإسلام نفسه، وتُخسر أبناءنا! والمعركة ستكون عاقبتها السوأى علينا – والعياذ بالله -.

نكتفي بهذا القدر. للأسف الشديد لم تكن فُسحة وقت، وجميل أن أُسجل هذا! نحن اليوم سجلنا سبع حلقات مُتواصلة! أُريد أن أقول هذا ويُسجل؛ لكي يعرف الناس أنني لا أُسجل كل شهر حلقة! 

ولماذا أنت لم تُضف الاقتراحات الخاصة بك؟ إن شاء سأُضيف اقتراحاتي وما أرى في هذا الباب، ربما ضمن سلسلة فلسفة العلم، التي سأُسجلها مُقطعة، بهدوء وعلى الهوينا – إن شاء الله تعالى -، وأقول ما عندي – بعون الله تبارك وتعالى -. 

وأيضا في تلكم السلسلة سأكشف عن سر العنوان الفرعي لسلسلة العلم والدين: أينشتاين وسندريلا، ما علاقة سندريلا بأينشتاين؟ لماذا فرّعت هذا العنوان بهذا الاسم؟

لم أجد اليوم وقتا؛ لكي أقول، سأفعل هذا في السلسلة المُقبلة – إن شاء الله -، وهي قريبة – إن شاء الله -، عن فلسفة العلم. نحتاج إلى سلسلة عن فلسفة العلم – بإذن الله -، ومدارس الفلسفة المُختلفة، في هذا الباب.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: