سندريلا تشاغب أينشتاين – العلم والدين – الحلقة 2

video

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

وقف بنا الحديث عند رسالة غاليليو Galileo إلى الدوقة العُظمى كريستينا Christina، والمبادئ الأربعة التي اجترحها الشيخ العالم؛ لمُعالجة وفك الاشتباك بين العلم والدين، بناء على السؤال أو التساؤل القلق، الذي أعربت عنه الدوقة لغاليليو Galileo.

تحدثنا عن المبدأ الأول، الذي أسميته بالتعليق؛ مبدأ التعليق! لأن الدارسين يُعبرون عنه بالموقف الطبيعاني – لا أراه دقيقا -، أو المذهب الطبيعاني! بمعنى ماذا؟ بمعنى أنك حين تذهب لتدرس الطبيعة، عليك أن تكتفي بتفسير الطبيعة بما هو طبيعي، ولا تتورط في إدخال كيانات فوق طبيعية. 

هذا الذي سيُعرف فيما بعد ذلك بالموقف الطبيعاني! ال Naturalism، المذهب الطبيعي، أو الموقف الطبيعاني! بمعنى ماذا؟ درس الطبيعة وتفسير الطبيعة ينبغي أن يُقتصر فيه على ماذا؟ على كيانات طبيعية. لا تُدخل لي الأرواح والأشباح والملائكة والقوى الغيبية وأي قوى غير طبيعية، أبدا!

هذا الحد يُسمى كما قلنا ماذا؟ الموقف الطبيعي، أو الطبيعانية! أو يُمكن أن تُسمى أيضا – أي زيادة في التحديد الاصطلاحي – الطبيعانية المنهجية؛ Methodological naturalism. لا بأس! لا أعتقد أن أحد علماء الدين، في الشرق أو الغرب، لديه موقف من الطبيعانية المنهجية. طبعا هذا موضوع مُهم، وسوف نرى الموقف الثيولوجي من الطبيعانية عموما. بالعكس! هذا سوف يظهر لنا، حين نتكلم عن نموذج ال Integration أو نموذج التكامل والتعاون، بين العلم والدين! أن الموقف الطبيعاني مؤسس أصلا على عطاء ديني، ما رأيكم؟

فكرة القانون الطبيعي أصلا فكرة دينية، أول مَن طرحها رينيه ديكارت René Descartes، وعلى أُسس دينية، ما رأيكم؟ هنا يظهر العطاء الأعظم للدين، الذي لولاه، لما قام العلم الغربي بالطريقة التي نعرفها. وفي الحقيقة هو قام في العالم الإسلامي قبل ذلك. 

ومن هذه الزاوية يُفسرون نماذج الازدهار والانتكاس، التي حكمت العلم الإغريقي والعلم الصيني والعلم الإسلامي الوسيط. يُوجد ازدهار ويُوجد انتكاس! التجربة الأوروبية الوحيدة التي صعد فيها العلم – أي Arise – واستمر! لماذا؟ هذا سوف نتكلم عنه بدقة – إن شاء الله -، حين نتكلم عن النموذج الثالث؛ ال Integration model، مُهم هذا!

لكن إلى ذلك، كما قلت لكم، ليس لعالم حقيقي في اللاهوت، ويفهم حدود التأويل أو التأويلية الدينية، ليس لديه أي مُعارضة للموقف الطبيعاني أو الطبيعانية المنهجية، ليس عنده أي مُشكلة، لا بأس! تُدرس الطبيعة بطريقة طبيعية، تُفسر الطبيعة بكيانات طبيعية، بقوى طبيعية، لا بأس! لكن المُشكلة مع الطبيعانية الميتافيزيقية، أو الطبيعانية الفلسفية. 

الطبيعانية الميتافيزيقية – ال Metaphysical naturalism أو ال Philosophical naturalism – هذه تمشي خطوات للأمام وتجتاح الدين، وتجتاح الدين! لماذا؟ لأنها تُصر على أن الموجود، كل الموجود، طبيعي! وتتحدد حدود الوجود، أي ال Existence كله، بالطبيعة، ولا شيء خارج الطبيعة، تُنكر! من أين لك؟ كيف يُمكن أن تُبرهني الشيء المنفي؟ أليس كذلك؟ 

هذا الموقف أصلا فيه مُغالطة منطقية، أصلا! أنت لا تستطيع بطريقة علمية، إلى يوم الدين، أن تُبرهن أنه لا يُوجد إلا الطبيعة، وليس شيء خارج الطبيعة، مُستحيل! لا تستطيع، لا تستطيع بالمرة! لأن دائما برهنة المنفي مُستحيلة، أليس كذلك؟ أنا الآن سأقول لك برهن أنه لا يُوجد على بُعد خمسة مليارات سنة ضوئية من درب التبانة مخلوق بنفسجي، مصنوع من الغاز واللحم، يتنفس التراب، وله عشرة ملايير رأس، ونواتج تنفسه قوانين رياضية مُخالفة لقوانينا في هذا الكون، برهن أنه لا يُوجد! كلام فارغ، لا يستطيع أحد، لا تستطيع كل قوى الفكر البشري أن تُبرهن عدم وجود هذا المخلوق. طبعا من باب أولى أنا لا أستطيع أن أُبرهن وجوده. 

سوف تقول لي لا، بهذه الطريقة الموقف الطبيعاني الفلسفي أقوى من موقفك الديني الروحاني. لا، تعرف لماذا؟ لا تذهب مع المثل دائما إلى آخره، كما أقول دائما، لا تذهب مع ال Metaphor أو المجاز إلى آخره. أصلا – وهذه استطرادة سريعة هكذا، لكنها مُهمة جدا جدا ومُفيدة لنا، وخاصة في قضايا الإلحاد والإيمان وما إلى ذلك – ما الذي اضطر الإنسان البدائي، مُنذ بداياته، إلى أن يفترض وجود كيانات لا طبيعية، وفائقة للطبيعة، وخارجة عن الطبيعة؟ هذا موقف صعب، ومُرهق جد جدا. الموقف السهل والبسيط أن ماذا؟ تكتفي بالمحسوس، الموجود، الملموس! وينتهي الأمر، أليس كذلك؟

ستقول لي لا، هذا سؤال ساذج وبسيط، والعلماء من القرن التاسع عشر والفلاسفة أجابوا عنه. أجاب عنه فويرباخ Feuerbach، وأجاب عنه ماركس Marx، وأجاب عنه إنجلز Engels، وأجاب عنه فرويد Freud بعد ذلك. وفي القرن العشرين طبعا كلهم أجابوا عنه! وأجاب عنه هربرت سبنسر Herbert Spencer، جيمس فريزر James Frazer، الأنثروبولوجي الشهير جدا، أجاب عنه، وتايلور Tylor أجاب عنه. كيف أجاب؟ 

نعم – سيقول لك – طبعا، هذه كلها مُحاولات تفسيرية فاشلة. يُحاول أن يُفسر الظاهرة الطبيعية هو، وطبعا لم يكن عندهم علم لا بالكهرباء ولا بالذرة ولا بقوى الذرة أبدا، أبدا! كان يُفسر بأشياء خاطئة. لا، فكرة أصلا الأشباح والأرواح والشيء اللامحسوس الذي يؤثر في المحسوس، من أين فرضت، وكيف فرضت نفسها على الإنسان؟ أي هذا الذي أرادوا ألا يُواجهوه مُواجهة صريحة.

ستقول لي ما الرأي؟ أنا أقول لك ما الرأي! الرأي يا سيدي بكل بساطة يتمثل في وقائع اتفقت للإنسان الأول، لآدم وحواء، ولا تزال تتفق لي ولك! أنك حين تضع رأسك على الوسادة وتنام، ترى أشياء، تُثبت لك السنوات بعد ذلك، أنك رأيتها حقيقة، لا مُجرد حلم أو توهم أو نشاط عصبي في الدماغ، ترى! هذا ما يُعرف بالأحلام التنبؤية؛ Prophetic dreams. 

ترى أشياء، وتحدث كما رأيتها. ترى المرأة التي ستتزوجها بعد عشر سنين، وربما ترى ابنك منها، تماما كما رأيته تُرزقه. هنا بدأ السؤال مع الإنسان الأول! ينام، فيأتيه جده، في المنام! يقول له احذر، في المكان الفلاني سيحدث كذا كذا كذا، وسيقع كذا على ابنك ويقضي. تذهب هناك، تُنقذ ابنك في آخر لحظة، وأنت لم تزره من ثلاثة أشهر، كيف؟ مَن الذي أتى؟ مَن الذي رأى؟ مَن الذي أخبر؟ ما الذي يحصل؟ 

هذه وقائع، من أيام آدم، إلى اليوم، إلى يوم الدين، ستبقى تتكرر مع الإنسان. تنام، وتبدأ أنت تستمد معلومات فعلا ليس من الحس، وليس من الشهادة، بل مما وراء الحس، مما يخترق حجابي الزمان والمكان، ما رأيك؟ يُوجد اختراق حقيقي لحُجب الزمان والمكان، والأصعب حُجب الزمان، ليس فقط المكان! فهنا ثار هذا السؤال في وجه الإنسان البدائي؛ إذن من أين؟

وبدأ يُدرك إدراكا صحيحا أن فيه لياقات، تتبع مُكوِّنات أو مُكوِّنا، جوهرا ما! واضح أنه غير مُقيد بما تُقيد به الجواهر المادية. أي جوهر مادي مُقيد، في حدود الزمان والمكان، انس! البدن مُقيد، في حدود الزمان والمكان. يبدو أن هذا الشيء، الذي طفر في المكان، وطفر في الزمان، وأتى بهذه المعلومات والمُعطيات، ليس من جنس جوهر البدن، وغير قابع وغير مُقيد بحدود الزمان والمكان. سماه روحا، سماه نفسا! ليُسمه ما شاء، لكن هو يُشير إلى حقيقة فعلا هو يعيشها. 

من هنا بدأت فكرة الغيب، وما راء الحس، وما وراء المادة، تتسرب إلى البشر، أليس كذلك؟ أبدا! هي فكرة حقيقية، وتُشير إلى حقيقة. لذلك الذين يحلمون أنهم يُمكن أن يُلغوا الدين من حياة الناس مساكين! عليهم أن يُلغوا الأحلام من حياة البشر، عليهم أن يُبطلوا تدخل الغيب، بفرض وجوده، في عالم الشهادة، وهو يفعل، ويفعل كل حين على فكرة، وما منا من أحد إلا اختبر تدخل الغيب في حياته، بطريقة تعز على أي تفسير مادي، انس! يجب أن نكون مُتواضعين مع الوقائع. هذه وقائع، هذه وقائع! الحقائق تُطلب بعد ذلك بتفسير هذه الوقائع، واضح؟ هو هذا! لكن النماذج المادية، الاستسخافية هذه، المُستسهلة للأشياء؛ وأنها أوهام وأحلام وخُرافات وأساطير، هذه لا تُفسر شيئا، لا! غير صحيح، الموضوع أعقد بكثير.

من ضمن الأشياء التي سأُساهم فيها، أي مُساهمة خاصة بي – إن شاء الله -، لكن لا أدري في أي مُحاضرة من سلسلة العلم والدين، فكرة بسيطة أُريد أن أنتهي من خلالها إلى أن الغيب ليس ما وراء، ما رأيك؟ بل إلى أن الغيب ليس الوجه الآخر للعملة، ما رأيك؟ الذي انتهيت إليه من فهمي لهذه المباحث، وفهمي حتى للنص القرآني، أن الغيب مضفور في الشهادة. ليسا وجهين لعملة واحدة، لا! وجه واحد، له تجليات مُختلفة، قضية مُعقدة وجميلة جدا! من ناحية فلسفية ولاهوتية، وحتى من ناحية تجاربية وخبراتية لنا! يبدو أن ليس عليك أن تنتظر إلى أن تموت لكي تخبر ولوج عالم الغيب، أنت يُمكن أن تلجه في كل لحظة، بل أنت والج فيه دون أن تدري أصلا. الغيب مضفور في الشهادة، ما رأيك؟ مضفور في عالمنا.

والعجيب أن العلم يُساهم الآن، أكثر مما فعل من قبل، في ماذا؟ في الكشف عن وجوه الغيب هذه، وتجلياتها. وهو لا يشعر المسكين! العلم لا يشعر أنه يكشف عن وجوه الغيب! بل جُزء كبير من العلم – جُزء كبير منه، وهو الجُزء الأهم، أي والأكثر حراجة منه – هو جُزء مُعتمد على الغيب، على مفاعيل الغيب، في عالم الشهادة، ما رأيك؟ 

أي كل ما يتعلق بالعالم دون الذري، يتعلق بعالم غيبي. لم يُمكن، ويبدو أنه لا يُمكن حتى، الوصول إليه حسيا في يوم من الأيام، مهما تضاعفت قُدرتنا التقنية، ومع ذلك نحن نؤمن به، ضمن نماذج تعتمده تفسيرا لمفاعيله في عالم الشهادة. والله نفس القضية القضية الدينية، ما رأيك يا حبيبي؟ والوحي، والروح، والمنامات! نفس القضية يا بابا! وأنت تظن أن هذا علم وهذه خُرافة، نفس الشيء! نفس المنطق سار في الاثنين. قضية جميلة، وهذه نُريد أن نعقد لها مُحاضرة بحيالها طبعا، من ضمن الأشياء التي أُريدها، كأن هذا ملف من الملفات التي نُريد أن نُعالجها، لكن هذا سيكون فيما بعد، هذا بعد أن ننتهي – إن شاء الله -.

نعود إلى السيد غاليليو Galileo، قلت هم أسموه ماذا؟ أسموه المبدأ الطبيعي، أو الطبيعاني. أنا أسميته التعليق، أفضل! حين ندرس الطبيعة، لا بُد أن نُعلق النص المُقدس إلى حين. إذن مُمكن أن يحصل اشتباك، اشتباه، التباس، اختلاف؟ نعم، مُمكن، مُمكن جدا! هنا عنده مبدأ آخر، السيد غاليليو Galileo، سماه مبدأ الملاءمة؛ Accommodation principle، مبدأ الملاءمة! ما الملاءمة؟ قال الرب الجليل يُلائم نفسه مع المُستوى الحاصل لدى البشر من الفهم والمعرفة. أي هذا حين أوحى إلى أنبيائه! طبعا يهمهم في السياق المسيحي؛ إلى يسوع، أو عيسى – عليه السلام -. 

(طبعا على فكرة أيضا؛ فكرة الوحي لدى النصارى غير فكرة الوحي لدى المسلمين، تختلف كثيرا على فكرة! وحتى النظر إلى الكتاب المُقدس على أنه مُوحى من لدن الله، تختلف إلى حد ما عن فكرة القرآن كوحي من لدن الله، ما رأيك؟ لذلك هم لا بأس عندهم أن هذا الكتاب المُوحى – الذي هو ال Bible هذا، أو العهد الجديد بالذات، حتى والقديم طبعا -، لا بأس أنه جرى فيه اختلاف؛ اختلاف نُسخ، اختلاف فقرات فيه. قال لك لا بأس، لا بأس، لا بأس. إذن وأخطاء؟ حتى أخطاء! قال لك هناك أخطاء! أخطاء علمية، أخطاء فلسفية، أخطاء تاريخية، لا بأس، عادي! كيف؟ حصروا الوحي في الأخير في روح الكتاب فقط، لا في خصوص تفاصيله.) 

ستقول لي دائما؟ لا، ليس دائما، لا! هذا في آخر قرون بالذات! بعد معركة ماذا؟ النقد الأعلى مع النقد الأدنى! ال Lower criticism؛ النقدية الأدنى، والنقدية الأعلى؛ ال Higher criticism. باختصار؛ النقد الأدنى كان شيئا مُريحا للمسيحيين، في النطاق الأوروبي بالذات، الغربي! لأنه يُعيد قراءة النصوص المُقدسة والنُسخ من هذه النصوص، بمناهج التاريخ، ومناهج علم اللُغات، ومناهج أُخرى علمية بحثية، لا بأس! لكن ينطلق من ماذا؟ من الإيمان بصدقية هذا الكتاب، بصدقية هذه النصوص المُقدسة. 

بخلاف النقد الأعلى، ينطلق أصلا من موقف نقضي، هو لا يؤمن بأنها محفوظة، ولا أنها من عند الله، ولا تزيد عن كونها ماذا؟ جُهدا وعملا بشريا، وتراكميا! لم يُكتب في وقت واحد، ولا في سياق واحد. لذلك ستجد فيه…ماذا أقول لك؟ مُتحفا من الأخطاء! الأركيولوجية، والتاريخية، والكوزومولوجية، والفيزيائية، والأحيائية! في جميع المناحي! أخطاء رهيبة. قال لك! قال لك عادي! لذلك النقد الأعلى هذا هو يُعتبر نقدا إلحاديا، نقدا هرطوقيا. 

جاء هنا المُصلحون بالذات، من البروتستانت! الكاثوليك دائما موقفهم أكثر أرثوذوكسية! البروتستانت طوروا أشياء كثيرة! طوروا الموقف التجديدي، طوروا بعد ذلك الليبرالية البروتستانتية، يُسمونها ال Liberal protestantism، أي المُتحررة وما إلى ذلك، وأخذوا مواقف! بعد ذلك في القرن العشرين الأرثوذوكسية الجديدة؛ ال Neo-orthodoxy، الخاصة بكارل بارث Karl Barth! سنتحدث عنه هذا، حين نتحدث عن نموذج الانفصال، وليس نموذج الصراع. أشياء أُخرى كثيرة! فمفهوم الوحي عندهم على فكرة أكثر اتساعا وأكثر مرونة وقابلية للتعاطي النقدي من مفهوم الوحي لدى المسلمين. لهم مُبرراتهم، ولنا مُبرراتنا. 

نحن على فكرة عندنا مزايا، أي لا بُد أن نعقد عليها الخناصر، ليس سهلا! عندك كتاب من ألف وخمسمائة سنة فعلا كما هو، كما هو! ودع عنك حكاية برمنجهام ومُصحف صنعاء واليمن والكلام الفارغ هذا. هذا الكتاب ليس محفوظا أصلا في المهارق والسطور، هذا محفوظ في الصدور يا حبيبي، هذا يتلوه الحفّاظ والأمهات والآباء والأُميون والعلماء من ألف وخمسمائة سنة في المحاريب، خمس مرات في اليوم نُصلي، انس! انس كل هذا (الهجص) الفارغ. محفوظ بطريقة عجيبة! لم يتسن هذا لأي كتاب على وجه الأرض، على هذا النحو، إطلاقا! فهناك فعلا هذا. عندنا مُبرراتنا، وهم لديهم أيضا مُبرراتهم.

فهو قال لك الرب يُلائم نفسه. كيف إذن؟ قصده يُلائم خطابه، نصه المُقدس، وحيه، الذي يُوحيه للرُسل، ليس حتى عيسى نفسه، رُسل عيسى، أي الحواريين، ال Apostles هؤلاء، يُوحي إليهم! إيحاء قلبي، نحن نُسميه الإلهام، ليس وحيا باللفظ والمعنى، وحي المعنى! وحتى المعنى ليس مُحددا من جميع جهاته، معنى ما، جوهر المعنى، جوهر المعنى! 

لذلك سنتحدث عن سانت أوغسطين Saint Augustine، أو القديس أوغسطين Augustine، من هيبو Hippo! على فكرة هذا كان مُتقدما جدا على زمانه، وكان ليبراليا، أي قبل وقته، كان يقول لا تُوجد مُشكلة مع أي نص في الكتاب المُقدس ترون يا أبنائي – كان يقول لهم ترونه – أنه يختلف مع الحقائق التي يُقدمها أصحاب المعرفة. 

وطبعا حتى تجد في بعض الكُتب الأجنبية – وأنا مُستغرب من هذا التساهل – أنهم يكتبون هكذا؛ يختلف مع المعرفة العلمية المُبرهنة! وScientific يقولون! ما Scientific؟ هذه المُصطلحات لم تكن موجودة أصلا، ولكن هم يكتبونها هكذا، يتساهلون! أي بعضهم، بعض الباحثين يتساهلون، لا! هو لم يقل هذا، هو يقصد المعارف، التي كانت طبعا مسؤولا عنها الفلاسفة. الفلسفة كانت أم العلوم! فأرسطو Aristotle كان يتكلم في الأرض وفي السماء، وعنده كتاب السماء! ويتكلم في الحيوان، ويتكلم في النبات، وفيلسوف، أبدا! وهو فيلسوف! كانت أم العلوم!

قال أي معرفة دقيقة جيدة مُبرهنة يُقدمها هؤلاء تتناقض مع نص الكتاب المُقدس – قال الحل سهل -، مُباشرة الجأوا إلى خُطة التفسير المجازي؛ Metaphoric، للكتاب المُقدس. قولوا لا توجد مُشكلة، سنُفسره مجازا، بطريقة يلتئم بها معها. مُتقدم جدا هذا، مات في أربعمائة وثلاثين، تخيل! وكان عنده هذه النظرية! أي كان فعلا ليبراليا، سبق زمانه بألف سنة. ما ألف؟ ألف وخمسمائة سنة تقريبا! شيء غريب! موجود هذا.

فغاليليو Galileo نفس المبدأ؛ قال لك هناك مُلاءمة. ما معنى مُلاءمة إذن؟ قال لك نعم، لا تأخذ أنت نص الكتاب بحرفيته، لا تقرأه حرفيا. الله أوحى إلينا جوهر المعنى، لكن صاغه بلبوس وفي لبوس ماذا؟ معارفنا العصرية التي نعيشها. لما كُتب الإنجيل، هو صيغ بلُغة والسقف المعرفي للرُسل الذين كتبوه فقط، فقط! فلا تأخذ هذا على أنه حقائق مُطلقة حرفية، لا بُد أن نُخضع مُلاحظاتنا للطبيعة لها، بالعكس! لا تفعل هذا. 

وهنا جاء مبدأ ماذا؟ الكتابين. تحدثت عنه أنا قبل الفاصل. قال لهم لأن الله تعرف إلينا عبر ماذا؟ عبر كتابين؛ النص المُقدس، وكتاب الطبيعة. هنا اعتمد أرسطو Aristotle، إلى حين، مبدأ التخصص والانفصال والاستقلال. قال فيما يتعلق بالطبيعة، ينبغي أن نعتمد ماذا؟ وسائل البحث الطبيعي. وفيما يتعلق بالروح، بالنفس، بالفوز، بالسعادة الأُخروية، بالخلاص، علينا أن نعتمد ماذا؟ الكتاب المُقدس. العلم يسكت هنا، الفلسفة الطبيعية تسكت.

واقتبس عبارة في رسالته لرجل دين اسمه بارونيوس Baronius. بارونيوس Baronius قال عبارة جميلة! قال الكتاب المُقدس يأخذ بيدنا إلى السماء، ولا يشرح لنا كيف تعمل السماء. كيف تشتغل؟ النجوم والكواكب تلف أو لا تلف، مَن المركز، مَن ال Periphery؛ الطرف، قال هذا ليس شغل الكتاب المُقدس، هو يأخذك إلى السماء – أي يرفعك إلى الله -، يأخذك إلى النجاة والفلاح! لكنه لا يُعلمك كيف تشتغل السماء؟ هذه تحتاج إلى ميكانيكا سماوية، تحتاج إلى أن يأتي بعد ذلك نيوتن Newton، وتحتاج إلى كذا، شيء ثان – قال – هذا. كلمة جميلة! واضح؟

إذن أنا أعتقد أن غاليليو Galileo إلى الآن مُوفق، واستخدم هذه…لن أقول الحيل، بالعكس! هذه الضوابط المنهجية، بطريقة ذكية! بطريقة ذكية وواقعية، لأن هناك حاجة، وطبعا الذي ألجأه إلى ذلك الفجوة التي عاشها، واختبرها، ودفع ثمنها المسكين؛ إقامة جبرية ومُحاكمة وما إلى ذلك، بين ماذا؟ بين ظاهر النص الديني وما يُفهم منه، وبين ما تؤدي إليه التقصيات في الطبيعة والكون. تُوجد، تُوجد فجوة Gap! 

موجودة الفجوة، لا تستطيع أن تُنكرها وتقول لي غير موجودة. لو أصلا لم تكن موجودة، لم يكن لينشب أصلا أي اعتراض أو قلق أو انزعاج، لا من العلماء الطبيعيين ولا من الكنيسة، لا! نشب، من الجهتين نشب، أليس كذلك؟ هناك أُناس تم حرقها.

أي نحن تحدثنا عن غاليليو Galileo، وكان مسعودا حقيقة هو، لكن جوردانو برونو Giordano Bruno قبله – ألف وستمائة بالضبط، أي قبل مُحاكمة غاليليو Galileo بثلاث وثلاثين سنة – تم حرقه على ال Stake، المسكين! أي على الخازوق، على العمود! سُجن تسع سنوات تقريبا، ثم حُرق الرجل، وهو في شبابه، في بداية العقد الخامس. 

وطبعا إذا ذكرنا جوردانو برونو Giordano Bruno، فسنقول إنه في ألف وتسعمائة وثلاث وتسعين – على ما أعتقد – نُصّب لأول مرة في ميدان الزهور في روما قديسا! اعتذرت الكنيسة، أي الكنيسة الكاثوليكية يُحمد لها أن عندها أحيانا تواضع الاعتذار. طبعا مُلجأة أم مُختارة؟ واضح أن الإلجاء كثير، إلجاء الانتصارات المُتوالية للعلم! أي الانتصارات المُتوالية للعلم بلا شك رفعت من أسهم العلم، زادت من صدقيته، هي تُعطيه دائما Credits، باستمرار! الكنيسة تتراجع. 

في القرن التاسع عشر هناك الريفيو Review الذي قام به توماس هنري هكسلي Thomas Henry Huxley لكتاب ال Origin of Species لتشارلز داروين Charles Darwin. عمل له مراجعة، منشورة كتابيا! ذكر فيها توماس هكسلي Thomas Huxley الآتي؛ قال في كل معركة تنشب بين الدين والعلم، يخرج العلم مُنتصرا، والدين مُتراجعا. هو هكذا. قال! قال أي هذا بالنسبة لنا، وانظر التاريخ! في كل معركة اختلف الدين فيها معنا؛ مع العلماء، نحن نكسب، وهو يخسر. 

لذلك هذا شجع بعض العلماء الماديين، وربما أصحاب النزعة الطبيعانية الميتافيزيقية أو الفلسفية، مثل الدكتور أدكنز Adkins، الكيميائي الإنجليزي الشهير! كتابه في الكيمياء أيضا تُرجم إلى لُغات حية كثيرة، عالم كبير في الكيمياء، بلا شك! قال واضح جدا؛ المُستقبل سيكون بالكامل للعلم، وسيُلغى الدين من الوجود البشري. واثق جدا هذا، ما شاء الله عليه! ليس فيلسوفا، وليس مؤرخا، وهو ليس ثيولوجيا، وهذه مُشكلته! لذلك أنت سوف تجد النماذج المرنة أكثر والمُتسعة المُتسامحة أكثر، مَن الذي يتبناها؟ علماء لاهوتيون. أي هو عالم دين، وفي نفس الوقت ماذا؟ فيزيائي كبير، عالم ذرة كبير، عالم كيمياء كبير، عالم أحياء كبير. هم الذين يتبنون هذا، ويقولون لك لا.

ألفريد نورث وايتهيد Alfred North Whitehead بقدر ما كان فيلسوفا، كان عالما. الرجل كان أولا رياضياتيا، كان رياضياتيا من طراز مُحترم! وكان يعلم العلم الحديث بطريقة مُمتازة؛ لأن الرياضيات ساعدته، مثل تلميذه برتراند راسل Bertrand Russell، هو اشتغل معه على ماذا؟ البرنكيبيا Principia؛ مبادئ الرياضيات. الاثنان عملا عليه، لكن هو تلميذه؛ راسل Russell تلميذ وايتهيد Whitehead. 

فراسل Russell يكتب في الفيزياء، ويفهم الفيزياء جيدا؛ لأن الأداء الرياضية عنده، رياضياتي كبير! أستاذه وايتهيد Whitehead رياضياتي كبير! فكانا يفهمان تماما بالذات علم الطبيعة، الفيزياء والفلك وما إلى ذلك، بشكل مُمتاز، وفي نفس الوقت فلاسفة. وايتهيد Whitehead كان فيلسوفا، ولكن طبعا لم يكن مُلحدا، لا! وكان عنده منظور مرن جدا وعميق ضمن ما يُعرف بفلسفة الحدث، أو أنا أُسميها الفلسفة المسارية، أو فلسفة الصيرورة! Process philosophy. 

فلسفة كبيرة! سوف نرى طبعا معناها. لا يقبلها طبعا نظام الاعتقاد الإسلامي. سوف نرى كيف فهم هو الله، وما الله عنده! لكن هو في الأخير انتهى إلى أنه لا نجاة ولا إمكانية حتى لبقاء الجنس البشري، بغير ماذا؟ تكامل العلم والدين، وتصالح العلم والدين. لا بُد. قال! إياك أن تظن أنك تعيش بالعلم وحده! لو فعلا جاء يوم من الأيام، تخلينا عن الدين، وعشنا بالعلم وحده، أنا أقول لكم، أي بلا تردد، مصيرنا الفناء.

نحن الآن على فكرة على تخوم الفناء! بسبب ماذا؟ بسبب تراجع النزعة الدينية، عند القيادات السياسية في العالم! أليس كذلك؟ قيادات مادية هذه، شبه إلحادية، شبه فعلا إلحادية! ليس عندهم روح دينية حقيقية بالمرة تقريبا. لذلك هؤلاء أقرب ما يكون إلى إشعال حرب نووية، قد تودي بالحضارة الإنسانية، تماما! ليس عندهم، ليس عندهم! ناس ماديون، يؤمنون فقط بالمعايير المادية، عيّروا كل شيء ماديا، شيء خطير! كيف لو تحولت البشرية بشكل عام هكذا، الخط العام يصير هكذا؟ هذا شيء ليس جيدا.

ألبرت أينشتاين Albert Einstein على فكرة عنده العبارة الجميلة، التي علقت عليها مرات كثيرة! يقول Science without religion is lame, religion without science is blind. العلم بغير دين أعرج، الدين بغير علم أعمى. لكن أنا لي مؤاخذة عليه، لكن قبل أن أقول المؤاخذة هذه، متى قال أينشتاين Einstein هذه العبارة؟ مُهم دائما ال Context؛ السياق! تعرف متى قالها؟ 

قالها في حُمى نضاله مع برتراند راسل Bertrand Russell والآخرين، ضد الحرب النووية. كان هناك تهديد بين المُعسكرين الشرقي والغربي بأن هناك حربا نووية ستقع، والناس كانوا في حالة قلق وخوف شديد جدا جدا، ورأوا ماذا فعل النووي في اليابان. في هذه الفترة بالذات، كتب أينشتاين Einstein هذه المقولة. ما معنى هذا؟ معنى هذا أنه كان مُدركا في العُمق أن أكثر ضمانة لإنعاش وإيقاظ الضمير الإنساني، هي ماذا؟ الدين. وأن العلم بغير دين سيكون ماذا؟ سيكون أعرج. 

انتقادي على أينشتاين Einstein أنه لو عكس، لكان أقرب إلى الصواب. ولذلك لا أدري؛ هل فعلها مُتعمدا، أم فعلها عن غفلة؟ بول ديفيز Paul Davies‏ أحد كبار العلماء الفيزيائيين، والرياضيات التطبيقية أيضا، وأحد الفائزين بجائزة تمبلتون Templeton! جائزة تمبلتون Templeton طبعا هذه لتقريب العلم والدين، ولتأكيد القيم الروحية في العلم والدين، فاز بها جماعة من كبار العلماء والفلاسفة، منهم بول ديفيز Paul Davies‏، ومنهم جون بولكينغهورن John Polkinghorne، عالم الفيزياء الذرية، وأستاذ ستيفن هوكينج Stephen Hawking.

عالم كبير هذا! هذا يؤمن طبعا بالنموذج التكاملي للدين والعلم، وجميل! شخص جميل! أنا قرأت كثيرا من كتاباته، مُفيدة جدا وعميقة، عميقة! هذا أخذ هذه الجائزة، وتفوق من ناحية مادية جائزة نوبل Nobel، تخيل! جائزة لها قيمتها عالميا، لكن لا نسمع بها كثيرا؛ لأن الاتجاه العام ضد الدين، عموما! وعلماء مُحترمون الذين حصلوا على هذه الجائزة.

المُهم، فبول ديفيز Paul Davies نسب إلى ألبرت أينشتاين Albert Einstein أنه قال ماذا؟ قال الدين بغير علم أعرج. معناها ماذا؟ والعلم بغير دين أعمى. هكذا أحسن! هل تعمد ديفيز Davies؟ أي هل شعر بالذي شعرت به أنا؟ لأن عبارة أينشتاين Einstein في عُمقها الفلسفي غير دقيقة، أشرح لكم لماذا!

الآن العلم بغير دين، هو يقول أعرج! أنه لن يُكمل المشوار بشكل جيد، لن يخطو في مساره بشكل جيد. لا! أنا أقول لا، ليس أعرج، أعمى، أعمى! من ناحية التأسيس، وهذا الذي وعدت بأن أشرحه لكم، لكن – إن شاء الله – في المُحاضرات المُقبلة – في الأسبوع المُقبل ربما، حين نتكلم عن التكامل بينهما -، من ناحية التأسيس، ما كان للعلم الحديث أصلا أن يتأسس بغير مفروضاته أو افتراضاته الأولية التحتية. 

كل هذه الافتراضات قدمها الدين، ولم يُقدمها العلم، ما رأيك؟ كلها افتراضات دينية، لاهوتية! وكما قلت لكم فكرة قوانين الطبيعة، ال Laws of nature، هي فكرة دينية. أول مَن قدمها، قدمها رينيه ديكارت René Descartes، وعلى أساس ديني. 

أنتم الآن طبعا حين تسمعون عن قوانين الطبيعة، وعن أن الطبيعة محكومة بالقوانين، ترون أنها سهلة! ليست سهلة بالمرة، ولم تكن مفهومة، ولا مطروحة. ستقول لي أرسطو Aristotle تحدث عنها. لا، أرسطو Aristotle لم يتحدث عن قوانين طبيعة، ما رأيك؟ الفكرة التي أتى بها رينيه ديكارت René Descartes، وكل مَن تلاه، إلى اليوم، عن قوانين الطبيعة كما نفهمها، عكس الفكرة التي أرساها أرسطو Aristotle. 

أرسطو Aristotle كان يرى أن كل ظواهر الكون والطبيعة تُفسر بخصائص ضرورية في الأشياء، خصائص ضرورية! اليوم لا يُوجد فيلسوف علم، في الشرق أو الغرب، يفهم العلم – يفهم ما هو العلم؛ ال Science -، ويفهم فلسفة العلم، ويقول بأن قوانين الطبيعة تتسم بالضرورة. لا تتسم بالضرورة! قوانين الطبيعة كلها تتسم بالخيارية والحرية. كان يُمكن أن تكون عكسها؛ كان يُمكن أن تكون على أي صورة أُخرى تماما مُختلفة، وتُنتج ماذا؟ ظاهرات أُخرى! وبالتالي كونا آخر، أو أكوانا أُخرى! مُمكن جدا! ديكارت Descartes هو الذي قدم هذا.

إسحاق نيوتن Isaac Newton، في البرنسيبيا Principia أو البرنشيبيا، قدم له أحد زملائه، وهو عالم كبير أيضا! هو الذي قدم له! ذكر فيها أربعة مبادئ، استخلصها هو من فهمه لفيزياء نيوتن Newton وميكانيكا نيوتن Newton، وهو يؤمن بها أيضا، في رأسها أن الله فاعل مُختار حُر، وأن قوانين العالم والطبيعة حُرة وليست ضرورية. فكرة جميلة وعميقة! عكس أرسطو Aristotle الآن، عكس أرسطو Aristotle تماما. 

هذه فكرة دينية! لماذا؟ Omnipotence، القادر المُطلق، أو القدرة المُطلقة، التي يؤمن بها اليهود والنصارى والمسلمون، تجعل الله ماذا؟ فاعلا مُختارا حُرا. لا تُوجد حدود لفعله وقدرته، لا إله إلا هو! على الأقل في حدود ماذا؟ في حدود المُمكنات! ليس المُستحيلات العقلية لذاتها. المُستحيل لذاته لا معنى له أصلا، أصلا هو لا يُحدد شيئا، لا معنى له أصلا؛ لكي يُحدد، عامله كالعدم هذا. فيما عدا ذلك، لا حدود لقدرته، Omnipotence هذه فكرة لاهوتية، هذه كانت Scholastic idea، ذهب بها! أشياء عميقة! ومُهمة جدا هذه أن نفهمها.

هذه الفكرة لا يُمكن أن تتأسس ضمن الفكرة الأرسطية في ضرورة القانون الطبيعي! لكن هذه الفكرة تتأسس وتُبرر وتُسوغ ضمن الفكرة الحديثة، من ثلاثمائة سنة وأربعمائة سنة، في ماذا؟ في خيارية وحرية القانون الطبيعي، ولا ضرورته أو لا ضروريته، هو غير ضروري. موجود، ويشتغل، لكنه غير ضروري، ما رأيك؟

ولذلك أنا أقول لك على فكرة هذا من ضمن الأشياء التي ألهمت العلماء! أينشتاين Einstein على فكرة ما توصل إلى النسبية، إلا عبر الخيال الخصب. وبدل أن يمتطي عصا الساحرة؛ لكي تطير به، هو امتطى شُعاع الضوء، وبدأ يولّد Generates، يولّد الأفكار والخيالات والطروحات والفروضات وما إلى ذلك! هذا زرعه فينا الدين من جهة، وزرعته فينا الأسطورة والخُرافة! ال Fables، وال Tales هذه، وال Beloved tales هذه، هي هذه! زرعت فينا! هذه الأساطير في العُمق عندها معقولية مثل معقولية أي ظاهرة طبيعية، ما رأيك؟ 

لا يقل لي أحد غير معقول. أصلا ما استناد المعقولية في الأخير؟ ولذلك أنت في الأخير حين تقول لي معقولية، تقصد ماذا؟ هناك أُناس جعلوا العقل والمعقولية عبادة، أي كأنه إله حقيقي! لا، الإله الحقيقي مُتمتع بماذا؟ بالحرية. الإله الحقيقي صنعته وخِلقته امتنعت أن تكون ماذا؟ ضرورية. لا تتمتع بماذا؟ بصفة الضرورة؛ ال Necessity. ليس فيها ضرورة! أليس كذلك؟ 

ولذلك هذا الإله الحقيقي، كان، ولا يزال، وسيظل إلى أبد الآبدين، قادرا أن يخلق لك صورا من المعقولية والعقلانية لا تتناهى، ولا فضل لواحدة على الأُخرى، ما رأيك؟ كلها تُفسر. ولذلك أينشتاين Einstein ليس مُتفوقا كثيرا على سندريلا. هذه سأعود إليها طبعا في المُحاضرات المُقبلة، وأوضح هذا بشكل دقيق جدا جدا.

عطاء الدين هنا أعظم مما تتخيل! عطاء الدين أعظم مما يتخيل الناس؛ الدين والصراع مع العلم! لا، هو الذي أسس، لولا هذه الفروض الأساسية، لما انطلق العلم أصلا. أنت حتى حين تُفكر الآن في فكرة القانون نفسه، وكيف يشتغل، والدوامية الترجيحية له، تقول شيء غريب! أنت في الأخير سوف تنتهي إلى عالم محكوم بوعي، عالم واع! ما رأيك؟ وعالم حُر على فكرة، عالم حُر! ستقول لي نعم، فيزياء الكم تؤكد الحرية هذه! تماما بصراحة. ضد الضرورة! صح. وضد الحتمية النيوتنية! صح. لكن هو عالم واع، سنسأل عن مصدر الوعي فيه، أليس كذلك؟ هنا الفكرة التي تعز على التعقل البسيط. 

ولذلك في نهاية المطاف، هذا العالم أحسن وأفضل وأكثر تفسير مُريح له، أن هناك مصدرا لا نهائي للتخليق؛ تخليق الوعي، وتخليق الظاهرة، هو المسؤول عن إعطاء العالم ماذا؟ وعيه هذا. بغير وعي هذا العالم، بدءا من ال Subatomic levels هذه، وانتهاء بالأبعاء السحيقة للكون، ما كان يُمكن تصور أصلا فكرة القانون الطبيعي، ما رأيك؟ الأمور غير ما تتخيل على فكرة، جميل جدا أن العلماء الكبار هؤلاء والفلاسفة فعلا لم يفقدوا دهشة الطفولة. أي الطفل على فكرة يشعر بهذا. 

وأنا حدثتكم عن ابن عم لي، رجل كبير في السن، دائما ولطالما ظللت مُعجبا به! أنا الوحيد الذي كنت مُعجبا به، وكان يُحب أن يجلس إلي وأنا غُلام صغير، ويُحدثني وآخذ كلامه على محمل الجدية التامة. هو كان يستغرب لِمَ يندلق الماء؟ وفعلا له أن يستغرب! لِمَ الماء إذا دلقته، يندلق؟ شيء فوق الخيال على فكرة! لِمَ إذا وضعته، ينوضع؟ لِمَ إذا كسرت الزجاج، ينكسر؟ أليس كذلك؟ إذا ثنيت الحديد، ينثني! لِمَ؟ ثم بعد ذلك لِمَ النبات يتحرك حركة في مكانه؟ ينتحي نحو الضوء! لِمَ ينمو؟ لِمَ يُحافظ على حياته؟ لِمَ يتسابق؟ نعم، ثم بعد ذلك الحيوان لِمَ يتحرك في المكان، وحول المكان، ويزول من المكان؟ ثم كل صفات الحياة، بما فيها جُزء كبير من الوعي الاختياري، الذي يُغير من طبيعة وجوده وشروطه، حتى تنتهي بالوعي البشري، الذي يطرح هذه المحاضرة، وهذه المسائل التي صدعت البشر عبر مئات وألوف السنين! لِمَ؟ 

كل هذه أسئلة أساسية ومُهمة، لا يُمكن أن تؤخذ على علاتها كما هي. لا بُد أن تُطرح، ولا بُد أن تُعمق فيها الفكرة إلى النهاية، طالما أنت حي. ولن طبعا نصل إلى النهاية! وهنا نصل – إن شاء الله – إلى نهاية المُحاضرة هنا، لكن بقيَ نُقطتان وأنتهي – بعون الله -! إلى المبدأ الرابع لغاليليو غاليلي Galileo Galilei، الذي هو Interpretive humility؛ التواضع التأويلي. هو سماه التواضع التأويلي! جميل! نفس المبدأ انتهى إليه فرانسيس بيكون Francis Bacon، حين كتب في كتابه نمو أو تقدم المعرفة، اقتبسته مرة في خُطبة ربما قبل تسعة أشهر.

تحدث عن الكتابين فرانسيس بيكون Francis Bacon، ليس في النوفوم أورغنوم Novum Organum، لا! في تقدم المعرفة؛ ال Knowledge. ماذا قال؟ قال فقط باستثناء واحد مُتغطرس، جاهل، لا يدري ماذا يقول، كل واحد يتكلم في فهم العالم أو فهم الكتاب المُقدس، لا بُد أن يُدرك أن لفهمه حدودا، وأن هذه الحدود غير مُغلقة، وأننا يُمكن باستمرار أن نُوسّع هذه الحدود. وضعنا اليوم الحدود هنا، وسنجعلها على بُعد كيلومتر، ثم كيلو آخر، ثم كيلو آخر! باستمرار ال Bounders هذه، باستمرار! 

قال فقط المُتغطرس الجاهل، هو الذي يظن أنه وصل إلى النهاية! أبدا! قال ينبغي أن نكون مُتواضعين في كلامنا عن الطبيعة، وفي كلامنا في الكتاب المُقدس. وهذه رسالة حتى اليوم إلى المسلمين أيضا! لا بُد أن نكون مُتواضعين. ماذا يقول لك؟ قطعي، يُخالف قطعيات الدين! يا أخي تواضع، أنت قليلا مُتغطرس، قطعيات؟ فهمت أنت! كأنه فهم النظرية العلمية، وفهم القرآن، وأقفل! قفلها هو! أنت لا تفهم لا العلم ولا القرآن، ولا أي شيء! صدقني. لذلك أنت محدود جدا جدا، وتقطع استعانة بالقطعي، الذي تظنه قطعيا! وسوف تجد أن أكثر ما تظنه قطعيا بعيد جدا جدا وناء من القطعية التي تحسب وتظن!

فغاليليو Galileo بالمثل، قال لك أنا أدعوكم إلى مبدأ ماذا؟ مبدأ التواضع التأويلي. التواضع التأويلي! وباختصار؛ هو أنك حين تتكلم، بالذات عند غاليليو Galileo، في تفسير الكتاب المُقدس، لتُلائمه بماذا؟ بحقائق علوم الطبيعة وغيرها، قال عليك أن تتواضع، وأن تعلم أنك إنما تقتنص بعض الحقيقة الكتابية، بعض ما يُمكن أن يُفهم من النص المُقدس، وليس مُنتهى الفهم، وليس كل الفهم. دع المجال لغيرك، ودع المجال لنفسك ربما في فترة لاحقة، تكون استويت فيها على سوقك، وصلب عظمك، ورسخت قدمك، وازددت علما وفهما! أليس كذلك؟

والله لا يُوجد موضوع على فكرة، أي مخ مرن وأي مخ مُتفتح وذكي، لا يُوجد موضوع من الموضوعات، يعود إليه كرة أُخرى، إلا ويُمكن أن يراه بزوايا جديدة، أليس كذلك؟ أبدا! وأن يُغير فيه الرأي والفهم. هكذا طبيعتنا، نحن بشر ضعاف، نحن لسنا مُطلقات، نحن لسنا كائنات مُطلقة، لا نبلغ النهايات، لا نقدر، ليس عندنا القدرة، نحن دائما نُدرك جُزءا بسيطا منها، نُتفة! Fragment، من الحقيقة. وهذا نُتفة، وهذا نُتفة! لذلك لا بُد أن نستعين أيضا ببعضنا، وأن نتواضع لبعضنا، وأن نتواضع للزمن. الزمن هو الذي سيُثبت لنا أننا لم نُبلغ النهاية. 

جميل موضوع مبدأ التواضع التأويلي؛ Interpretive humility! مبدأ مُهم، وهو المبدأ الرابع. هذه أربعة مبادئ أقام عليها غاليليو غاليلي Galileo Galilei صرح رسالته إلى الدوقة العُظمى كريستينا Christina. على ذكر جوردانو برونو Giordano Bruno، قد يثور سؤال! يسأل أحدكم سؤالا؛ إذن لِمَ لَمْ يتخذ العلماء من واقعة تحريقه مثالا أيقونيا؟ لأن حُرق الرجل، حُرق حيا المسكين! وقيل إنه في آخر لحظاته، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، دعا؛ يا رب اغفر لهم، فإنهم لا يعلمون. قال سجنوني، وحرقوني، وأنا أطلب المغفرة لهم. أي لم يكن كافرا، لم يكن هرطوقيا، الرجل كان عميق الإيمان بالله، وأُحرق المسكين، باسم الله!

 مثلما قال الكاردينال Cardinal الكبير؛ قال يا رب كم باسمك أُريقت دماء وعُذب بشر! وباسم الله كله! من أجل الله، ومن أجل الله. الله لا يُريد هذا أبدا، حاشا لله أن يُعطي الإنسان هذا العقل الطُلعة المرن الكبير المُحيط، وأن يُريد منه أن يقمعه، وأن يظلمه، وأن يُسكته! أبدا، أبدا، أبدا! لذلك أنا أرى الامتياز الحقيقي للإسلام والنص القرآني الذي فعلا فتح أبواب الحرية الفكرية والتعبيرية على مصاريعها، دعك من المسلمين، مثلهم مثل غيرهم على فكرة، إلى حد ما! هم ليسوا أوفياء حقيقيين لكتابهم، وإن زعموا عكس ذلك تماما، إلى حد المُطالبة بقتلي وقتلك! مُتحمس هو! هو هذا بالذات الذي يؤكد أنه ليس وفيا لقرآنه. لو كان وفيا، لما تعصب، ولا ما تزمت، ولا ما تحول إلى كائن اضطهادي. القرآن ليس اضطهاديا بالمرة.

جوابنا عن السؤال؛ لماذا لم يُتخذ من جوردانو برونو Giordano Bruno المثال ال Iconic؛ الأيقوني، بدل غاليليو Galileo؟ غاليليو Galileo حتى لم يُحبس، إقامة جبرية! لم يُحرق، هذا أُحرق! واستغفر لهم! لماذا؟ لماذا؟ لماذا لا يتخذ حتى الملاحدة منه هذا المثال الأيقوني؟ اتخذوه من غاليليوGalileo! الجواب بكل بساطة؛ لأن جوردانو برونو Giordano Bruno في جُملته لم يكن عالما، بالاصطلاح الحديث للعالم، بقدر ما كان فيلسوفا محضا. أي هو ما الذي أُخذ عليه وأُحرق بسببه؟ قوله بتعدد العوالم، Multiverse. طبعا ليس بالطريقة الكونية الآن، لا! ضمن هذا العالم، هو كان يتأمل في النجوم البعيدة وما إلى ذلك، ويقول ما أدرانا؟ ما أدرانا أنه يسكن هناك، في أجرام بعيدة، نراها ولا نراها، كائنات أُخرى، ليست بالضرورة بشرية، كائنات أُخرى عاقلة درّاكة فاهمة. 

طبعا هذا التساؤل بحد ذاته هرطوقي؛ Heretic، ممنوع أن يُطرح عند الكنيسة المسيحية الرومانية! لماذا؟ لماذا؟ لأنهم يعتبرون أن الرب – أستغفر الله العظيم – أرسل ابنه، أقنومه الأهم، الذي هو عيسى! فالرب ثلاثة؛ ثلاثة أقانيم! وهذا الأقنوم المُهم جدا، بالنسبة لنا نحن أهم، وبالنسبة طبعا للرب هذا شيء ثان، مرتبة ثانية! الأب هو طبعا أهم شيء، ثم الابن بالنسبة إلينا. 

قال لك هذا الأقنوم الثاني أرسله، وضحى به، وشبحه على الصليب، من أجل خلاص البشرية، خلاص الأكوان، فكيف أنت تفترض أن هناك كائنات أُخرى لم يصلها يسوع، لم يُخلصها يسوع؟ هذا كفر وهرطقة! هم لم يتقبلوا أن على الكوكب الأرضي هذا! كما تعرف لم تكن هناك كشوف جغرافية، ولم يلفوا، ولم يكن هناك ماركو بولو Marco Polo وماجلان Magellan، لم يلفوا الأرض! فكانوا يفترضون أن الوجه الآخر من الأرض كالوجه الآخر من القمر، الوجه الآخر غير مسكون. قال لك! ولا شيء. قال لك يُمكن أن تكون هناك مياه وجبال وما إلى ذلك، لكن لا يُوجد بشر. فلما قيل هناك بشر! قيل كيف؟ ممنوع! هذه الفكرة يُسمونها ماذا؟ الأنتيبود Antipode. 

هذه من الأفكار التي تكلم عنها كثيرا أندرو ديكسون وايت Andrew Dickson White! في كتابه تاريخ الحرب بين اللاهوت والعلم في العالم المسيحي. تكلم كثيرا عن الأنتيبود Antipode! ومن أجل الأنتيبود Antipode قُتل ناس وُحرق ناس! ممنوع أن تقول بالأنتيبود Antipode. 

ما الأنتيبود Antipode إذن؟ أن في الجهة الأُخرى من الأرض نعم ربما هناك بشر، بشر! أوادم. أي معناها لم يبلغهم دعوة المسيح؟ كافر أنت! تُقتل! طبعا؛ لأن ليس هناك وسائل أن نبلغهم، لم يبلغهم بطرس، أليس كذلك؟ لم تصل إليهم الكنيسة! معناها الرب ليس مُخلصا للكل! كفر، ممنوع عندهم. فأفكار ضيقة جدا جدا.

الجواب؛ لم يُتخذ جوردانو برونو Giordano Bruno مثالا أيقونيا لصراع العلم والدين؛ لأنه لم يكن عالما طبيعيا، مُجرد مُفكر، وأشبه بفيلسوف بسيط. والأفكار التي طرحها لم تكن مثل أفكار كوبرنيكوس Copernicus وغاليليو Galileo، كانت تأملات، ليس عليها أي دليل أو بُرهان، افتراضات محضة! نعم، مُمكن! نعم مُمكن، ونعم غير مُمكن، أليس كذلك؟ 

فلذلك هم اعتبروها محض هرطقة، والعلماء من جهتهم لم يعتزوا بها. قال لك لا يُوجد أي دليل، ولا يُوجد أي طريقة للتحقق من صحة هذه الافتراضات! أي فنحن لا نعتز به كثيرا، نأسف له، ونرثي لحاله، ونترحم على روحه – أي إذا كانوا مؤمنين -، ولا أكثر من هذا. كلام معقول، فهمنا لماذا! أرأيت كيف؟ إذن هذا هو الفرق.

لذلك الدرس الذي أُريد أن أقوله الآن – من أهم الأشياء – كلما غامرت بتضييق الصورة المُعتقدية للرب، لا إله إلا هو! أي حين تجعلها ضيقة، لا تستوعب إلا نطاق فهمك أنت أو فهم جماعتك أو كنيستك أو مسجدك أو حزبك أو أشعريتك أو سلفيتك أو كذا، كلما فعلت ذلك، كلما كنت مُغامرا بمُستقبل ماذا؟ الصدقية الدينية! كلما عرضتها للهزات والخطر! والعكس صحيح تماما؛ كلما كنت ذكيا، وسبّاقا، وواسع الأُفق، قوي المُستمر والعارضة، خصب الخيال، عندك قدرة استباقية، ووسعت الصورة المُعتقدية للرب، لا إله إلا هو! على جميع المُستويات، كلما ظللت تكسب، ما رأيك؟ الآن تعال، وانظر.

بفضل الله لي – أنا العبد الفقير – سنوات طويلة الآن، قريب من عشرين سنة! دائما أجتهد أن أوسّع الصورة المُعتقدية لرحمانية الله، لا إله إلا هو! أليس كذلك؟ بحيث أحتمل نجاة مُعظم البشر، ليس الكل، لكن مُعظم البشرية، الذين نُسميهم نحن الكفار! واليوم على فكرة عندك حُمى غريبة جدا في تسمية كل مَن ليس بمسلم الكافر! الكفار! والله هذا تنطع رهيب جدا جدا، وعجرفة عجيبة! لا نُحسد عليها. الكفار، الكفار! 

يا أخي غير صحيح، أنت تُخالف روح القرآن الكريم، ليسوا بكفار، أكثر ما يُمكن أن يُقال فيهم ليسوا مسلمين. الآن كفار أو غير كفار؟ قرآنيا ليس عندك صلاحية أن تحكم عليهم هكذا بالجُملة والتفصيل، كفار! هذا كلام فارغ، كلام ليس له علاقة بالعقيدة الإسلامية الصحيحة، وأنت لا تفهم شيئا للأسف الشديد. هذا يفعله مُعظم علمائنا! هذا درس لا بُد أن نتعلمه.

أختم بنظام تايكو براهي Tycho Brahe. طبعا تايكو براهي Tycho Brahe هذا – أي هذا الرجل، دنماركي هو طبعا، ومعروف – كان مُميزا في الإرصاد الخاصة به، عمل أرصادا كثيرة جدا جدا عبر سنوات طويلة، وترك آلاف الصفحات! في نهاية المطاف هذا لكي نرى أن غاليليو Galileo لما حوكم، جُزء من مُحاكمته كان علميا، مسألة علمية! 

تايكو براهي Tycho Brahe، سابق على غاليليو Galileo بقليل، واضح؟ وكيبلر Kepler! كيبلر Kepler! أي كان بينهما تعاون، كان تلميذا لتايكو براهي Tycho Brahe في آخر حياته. في تقريبا آخر ثلاث أو أربع سنوات، يوهانس كيبلر Johannes Kepler الألماني اشتغل مثل مُتدرب وعالم مُساعد، لمَن؟ لتايكو براهي Tycho Brahe الدنماركي.

المُهم، تايكو براهي Tycho Brahe قال لك نعم بطليموس Ptolemy عنده نموذج؛ موديل Model، وكوبرنيكوس Copernicus عنده، ولم يُقنعني، أنا عندي نموذجي الخاص. ما هو يا تايكو Tycho؟ وفسر! وفسر به أطوار الزُهرة؛ Venus، التي لم يقدر كوبرنيكوس Copernicus على أن يُفسرها. فسرها! وفسر به ال Parallax، ولم يقدر كوبرنيكوس Copernicus على أن يُفسر، فسر! قال لك أنا نموذجي أن الأرض ليست هي كما ظن غاليليو Galileo، وليست كما ظن كوبرنيكوس Copernicus، إذن ماذا؟ عمل مثل خلطة هو، لكنها علمية! علمية، وعنده نموذج رياضي، وفسرت! سُبحان الله! شيء غريب هذا! 

أيضا سوف نتعرض إليه في المُحاضرات الجائية! طبيعة النماذج العلمية، طبيعة النظرية العلمية أصلا! وسوف نرى أن عندنا اتجاها في العلماء تزعمه دويم Duhem؛ بيير دويم Pierre Duhem الفرنسي، وإرفين شرودنغر Erwin Schrödinger النمساوي، في تفسير التفسيرية العلمية، وأنها ليست بتلك الموضوعية التي تظن أنت، بل ليست حتى بتلك الواقعية التي نظن. هذا اتجاه، خاص هذا! الاتجاهات كثيرة! فلسفة العلم موضوع مُعقد وطويل.

فماذا قال؟ قال أنا أرى أن الأرض فعلا هي في المركز. جميل! لكن الكواكب لا تدور حولها، لا! تدور حول الشمس. لكن الشمس والقمر معا يدوران حول الأرض. أنت فهمت كيف الآن؟ إذن الأرض مركز، لكن الكواكب الأُخرى، غير الشمس والقمر، لا تدور حولها. تدور حول مَن؟ حول الشمس. 

الشمس عندها مدار كبير، وتدور فيه الكواكب الأُخرى، لكن الشمس بكواكبها مع القمر، أي دعونا نقول الشمس والقمر، الشمس والقمر يدوران حول الأرض. والكواكب الثانية تدور حول الشمس. نموذج جديد! فإذا سمعت بنظام تايكو براهي Tycho Brahe، فهذا هو نظامه الفلكي. فصار عندنا ماذا؟ ثلاثة نُظم. والعجيب كل منها يُفسر أشياء، ويتراجع في أشياء، وبعضها تُفسر بإرهاق!

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، والحمد لله رب العالمين.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: