https://youtu.be/EnD3CA9ntOA?si=A1N5pTCaI3CE8RVz
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. مَن يهده الله، فلا مضل له. ومَن يُضلل، فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا نظير له، ولا مثال له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، ونجيبه من عباده. صلى الله تعالى عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المباركين الميامين، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أحذركم وأحذر نفسي من عصيانه سُبحانه ومخالفة أمره، لقوله جل من قائل مَّنْ عَمِلَ صَٰلِحًا فَلِنَفْسِهِۦ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ *.
ثم أما بعد/
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات/
يقول الله جل مجده في كتابه الكريم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:
فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ * وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٞ لَّوۡ تَعۡلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُۥ لَقُرۡءَانٞ كَرِيمٞ * فِي كِتَٰبٖ مَّكۡنُونٖ * لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٞ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ * أَفَبِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَنتُم مُّدۡهِنُونَ * وَتَجۡعَلُونَ رِزۡقَكُمۡ أَنَّكُمۡ تُكَذِّبُونَ * فَلَوۡلَآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلۡحُلۡقُومَ * وَأَنتُمۡ حِينَئِذٖ تَنظُرُونَ * وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنكُمۡ وَلَٰكِن لَّا تُبۡصِرُونَ * فَلَوۡلَآ إِن كُنتُمۡ غَيۡرَ مَدِينِينَ * تَرۡجِعُونَهَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ * فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ * فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ * وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ * فَسَلَٰمٞ لَّكَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ * وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ٱلضَّآلِّينَ * فَنُزُلٞ مِّنۡ حَمِيمٖ * وَتَصۡلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلۡيَقِينِ * فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِيمِ *
سُبحان ربي العظيم وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزِنة عرشه، ومداد كلماته. صدق الله العظيم، وبلغ رسوله الكريم، ونحن على ذلكم من الشاهدين. اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين، اللهم آمين.
إخوتي وأخواتي/
خُطبة اليوم، فيما أحسب وأُقدر، ستكون حول موضوع، هو كنز من الكنوز! من أثمن الكنوز التي ينبغي أن تُعتقد، وأن تُشد عليها الخناصر! على أنه – أعني هذا الموضوع؛ موضوع خُطبة اليوم – حُجة لله بالغة على عباده جميعا؛ مؤمنهم وكافرهم، مسلمهم ومُلحدهم!
المسلم الذي يُقصر والذي يُخطئ ويعصي ويغفل ويذهل ويند عن الصراط، مرات ومرات، في أحايين كثيرة، والكافر المُلحد الذي لم يُوقن أصلا، بل شاغب وجحد وعند، أو ضل وتشوش، فلم يهتد إلى سواء السبيل، ولم يدر بأن هناك ربا خالقا مُوجدا كريما رحيما، وأن إليه المآب والمصير، وأن الحياة الدنيا إن هي إلا مرحلة اختبار، يسيرة المقدار؛ أيام معدودات! تمضي الوحى، تمضي سريعا على عجل، ثم نُفضي إلى حياة أوسع وأرحب من هذه الحياة، بما لا يُقادر قدره!
من قديم شبّه العارفون بالله، وأهل البصيرة، والتنوير الحقيقي – التنوير الإلهي، وليس التنوير الإظلامي -، شبهوا سعة عالم البرزخ إلى عالم الدنيا، أي بالقياس إلى عالم الدنيا، بسعة عالم الدنيا إلى عالم الرحم!
لو كان للجنين المُستكن في رحم أمه وعي وبيان، لأعرب وقال ما أجمل وما أوسع هذا العالم، الذي أكرمني الله بالحلول فيه! هو سيراه أعظم العوالم، وأوسع العوالم، وليس أوسع منه! على أنه عما قليل، وعما قريب، سيُدلف إلى عالمنا هذا، ليعلم أنه كان في الضيق نفسه، وفي الحصر عينه.
كذلكم سيخبر كل واحد منا، وكل واحدة منكن، سيخبر كم هو هذا العالم الدنيوي ضيق ومحصور ومحدود، حين يُدلف إلى عالم البرزخ! على أن عالم البرزخ بدوره شديد الضيق والمحدودية، إذا قيس إلى عالم الآخرة.
هذا ليس شعرا، وليس تأملات روحية، لبعض مَن وصفت من العارفين والمُتنورين. أصبح شطر هذا الكلام، على الأقل، حقيقة واقعة، خبرها عشرات الملايين حول العالم!
أنا لا أدري لِمَ لا يؤكد ولِمَ لا يُلح ويُدقق ويمكث طويلا المُدافعون عن قضية الإيمان، عن مسألة الإيمان، أمام هذه الحقيقة، التي قد تُمثل وتُشكل واحدا من أعظم البراهين وأوضحها وأشدها صرامة على هذه الحقائق الغيبية، ذات الطبيعة الروحية الدينية؟ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ *.
صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ *! والله ما أتونا بشيء، إلا وصدقوا فيه، وما أخبروا عن الغيب وعن الله بشيء، إلا وأصابوا فيه، فــ سَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى *. اللهم ألحقنا بهم، واسلك بنا سبيلهم.
عن ماذا أُريد أن أتحدث؟ أُريد أن أتحدث في موضوع تناولته قبل بضع سنين، تحت عنوان الموتى يتكلمون https://youtu.be/hDh6KKxU5Jw?si=ZXDgcQeVTz6YnZ2F! سأتكلم عن الموتى الذين يعودون. وهل يعود ميت؟ نعم! يعودون!
موتى كثيرون ذهبوا ثم عادوا، ذهبوا وطالعوا عالم البرزخ، وشاهدوا مشاهد كثيرة، واتفقت لهم فيه أحداث عجيبة مُدهشة بالغة الغرابة! تبلغ حدا إعجازيا، يتجاوز العجائبي! بل هو إعجازي، أو شبه إعجازي!
وهؤلاء، كما قلت لكم، حول العالم! في بعض التقديرات بلغوا زُهاء ستين مليون شخص، ستين مليونا! ليس بضع مئات أو بضع عشرات أو ألوف، ستين مليونا! بلغوا ستين مليون شخص! في أحد أكثر التقديرات تواضعا، يُمثل هؤلاء في الدول التي تم تقصي هذه الحالات فيها، وتسجيل النتائج إحصائيا، أربعة في المئة.
فحظ دولة مثل الولايات المُتحدة الأمريكية أكثر من عشرة ملايين! هذا تقدير مُتواضع جدا، مُتواضع جدا! زُهاء ستين مليونا حول العالم! فما بالكم بالدول التي لم يجر التقصي فيها؟ لم تُدرس، لم تُحص فيها هذه الوقائع، هذه الوقائع والحالات المُدهشة العجيبة!
للأسف الشديد لفتني أن المسلمين إلى وقت قريب لم يلتفتوا إلى هذه الظاهرة ولم يُعنوا بها! وسيثور سؤال في المقام؛ أين الدلائل على صحة هذه الظاهرة، أو صدقية هذه الظاهرة، أو واقعية هذه الظاهرة، أساسا وأصلا؟
هل يُمكن للدين أن يُصادق على هذه الظاهرة؟ طبعا! الدين صادق بشكل واضح. أنا وجدت هذا، حين طالعت أشهر كتاب في هذه الظاهرة، وهو أول كتاب تقريبا، كتاب الطبيب النفسي، والفيلسوف – لأن عنده دكتوراة في الفلسفة أيضا – رايموند مودي Raymond Moody، المُعنون Life After Life؛ حياة بعد الحياة، ألف وتسعمائة وخمس وسبعين!
وهو أول مَن سك هذا المُصطلح؛ NDE! Near Death Experience؛ تجربة مُشارفة الموت، تجربة الاقتراب من الموت! هو! رايموند مودي Raymond Moody! وجدته حين ذهب إلى التاريخ، وإلى الكلاسيكيات، يستنجدها، ذهب أولا إلى الكتاب المقدس؛ الـ Bible!
لم يُسعفه بالكثير، لم يُسعفه بالكثير والمسائل لم تكن واضحة بالمرة! على حين أننا في كتاب الله – تبارك وتعالى -، في سورة البقرة؛ أعظم سور القرآن من حيث – وكلها عظيمة – الحجم أو المساحة أو الطول -، تُطالعنا خمس حالات لافتة لموتى يعودون! ماتوا ثم عادوا! في سورة واحدة! لماذا إذن لم يكن المسلمون هم أول مَن درسوا هذه الظاهرة؟
هذه المُلاحظة لاحظتها قبل زُهاء رُبع قرن، حين بدأت وشرعت أقرأ في بعض الأعمال التي تختص بموضوعات مُقاربة؛ الــ Occult، والــ Parapsychology، ومثل هذه الأشياء! ورأيت الغربيين يجتهدون في تحويل وقائع إلى علم مُقعد مفهوم مُمنطق إلى حد ما!
على أن لدينا من أمثال الوقائع التي يستندون عليها في تشييد صرح علم جديد، لا أُريد أن أقول ألوف، لكن بكل تواضع مئات الأضعاف! وأنا أعني ما أقول، مئات الأضعاف! لم تحمل أحدا على أن يُشيد علما بهذا الصدد، وظللنا مُتنازعين في الموقف من هذه الظواهر! منا مَن يفعل هذا.
وهذا هو الموقف الاختزالي الساذج! شديد السذاجة والبساطة، وأيضا؛ والظلم! البعيد عن العدل. هذا ليس عادلا مع الحقيقة، ليس عادلا مع الوقائع، مع الظواهر.
البعض يجعلها من قسم الخُرافات والأكاذيب الصوفية والروحية والتهويلات والشطحات! والبعض يُصدق بها كما هي، دون أن يُتعب نفسه في مُحاولة استخلاص منهج – أيها الإخوة -، منطق قواعدي، يلم شعث هذه الظواهر الكثيرة جدا لدينا، بشكل غير طبيعي! في الأدبيات، وفي الحياة المعيشة أيضا بين الناس، في الثقافة الشفاهية كما يُقال، في الثقافة الشفهية! الغربيون يجتهدون، ويشتغلون بمواد قليلة، مواد خام قليلة! يُشيدون علوما.
لذلك حجم العلوم التي شيدها الغربيون في هذا العصر بالمئات! العدد – من حيث العدد -؛ مئات العلوم، مئات العلوم! وأنا أعني ما أقول، مئات! ليس عشرات، مئات العلوم، شيء عجيب!
فمزيدا من الاجتهاد، مزيدا من اليقظة، مزيدا من الجد. أعلم أن ربما المُبرر هو الكسل، وليس بمُبرر! هو مُبرر، لكنه ليس مُسوغا! المُبرر الأكبر والأول، في الصدارة؛ الكسل، حالة الكسل! مُعظمنا قوم كُسالى، نُريد ما قل ودل. هذه الكلمة المفتاحية لدينا؛ ما قل ودل!
لا نُحب التعمق، لا نُحب التأسيس، لا نُحب المنهجة، لا نُحب النمذجة. نُريد ما قل ودل، شيء غريب! شيء غريب في هذا العصر! فإن شاء الله نتحسن، إن شاء الله، والأمل معقود بالذات على الشباب.
والحمد لله بدأت هذه البذور تُثمر – بفضل الله -! على الأقل تُزهر، وعما قليل تُثمر، على أن الكثير منها أثمر؛ الشباب! الشباب الواعد، الذي ينفتح على ثقافة العالم، ويُريد أن يُقدم شيئا، لأمته أولا، ثم للعالم ثانيا. لا بُد أن نُسهم، لا أن نظل عالة هكذا.
في سورة البقرة – إخوتي وأخواتي – أول موضع، حين طلب بنو إسرائيل من موسى – عليه الصلاة وأفضل السلام – أن يروا ربهم كشرط للإيمان به؛ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ *، إذن أُميتوا ثم أُحيوا، هذه هي، تفضل!
ترى المسلم العادي، المسلم المعياري، يقول لك لا، لا إحياء إلا يوم البعث، حالة استثنائية؛ عيسى أحيا الموتى. عيسى أحيا، هذا صحيح، لكن الكلام هذا غير صحيح. تُحب أن تُقعد قاعدة، وأنت لم تتقص شيئا! هذه أول حالة؛ الله أماتهم ثم أحياهم.
ثانيا؛ الذين قتلوا شابا، بحسب الروايات كانوا من قراباته، من بني عمومته، ثم اتهموا به قبيلة أُخرى، أُناسا آخرين! المُهم، تدارأوا فيه، كل يدرأ التُهمة والجُرم عن نفسه، ويرميه على غيره! وَإِذۡ قَتَلۡتُمۡ نَفۡسٗا فَٱدَّٰرَٰءۡتُمۡ فِيهَاۖ وَٱللَّهُ مُخۡرِجٞ مَّا كُنتُمۡ تَكۡتُمُونَ * الآية!
ما الذي حصل؟ قصة البقرة الصفراء، فاقعة اللون. فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ *، إذن ماذا يحصل؟ يحيا بإذن الله. الميت سيعود إلى الحياة، وسيُخبر عمَن قتله واجترم هذا الجُرم الفظيع. وهكذا كان! وكان ذلك في زمن موسى. إذن الموتى يعودون، ها هو قد عاد، ها هو قد عاد بشكل واضح! أليس كذلك؟
ثالثا؛ الله حدثنا عن نفر من بني إسرائيل: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ *، قال ابن عباس في الرواية المشهورة عنه كانوا أربعة آلاف من بني إسرائيل! خرجوا من موطنهم، من ديارهم، من محالهم؛ هربا من الطاعون.
قالوا نأتي أرضا ليس بها طاعون، فننجوا! فننجوا بأنفسنا. فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا *. أماتهم في مكانهم، وهم في طريقهم. ماتوا من عند آخرهم! بحسب قول ابن عباس أربعة آلاف. العدد ليس مُهما، حتى لو كانوا ثلاثة أو أربعة، لكن الله يقول ماذا؟ وَهُمْ أُلُوفٌ *.
على كل حال؛ ثم بعد ذلك – يقول ابن عباس – مر عليهم نبي من الأنبياء، فطلب من الله إحياءهم. فأذن الله له بإحيائهم، وعلّمه ماذا يقول. وقال ما أُمر به، فقاموا جميعا من عند آخرهم! انتفضوا! عادوا! أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ *. واقعة واضحة جدا جدا!
أيضا إبراهيم الخليل – عليه الصلاة وعلى نبينا وسائر النبيين والمُرسلين أفضل الصلوات والتسليمات وآل كل -، إبراهيم! أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى *، تعرفون قصة الطير. قتل أو ذبح هاته الطيور الأربعة، وتعلمون بقية القصة، ثم أُعيدت بإذن الله – تبارك وتعالى -.
عيسى – عليه الصلاة وأفضل السلام – عنده هذا! طبعا في سورة البقرة أيضا الرجل الذي مر، أَوۡ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرۡيَةٖ *، بعدها قصة إبراهيم، وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا *، في المشهور أنه عُزير، وقيل هو الخضر، وقيل رجل من بني إسرائيل، غير مُهم، والقرية في المشهور بيت المقدس، غير مُهم، ليس مُهما.
المُهم؛ رجل، رجل من الأمم السابقة، الأمم السالفة. أَوۡ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرۡيَةٖ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحۡيِۦ هَٰذِهِ ٱللَّهُ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۖ فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ *، أماته الله، مِاْئَةَ عَامٖ ثُمَّ بَعَثَهُۥۖ *، في الدنيا! قَالَ كَمۡ لَبِثۡتَۖ قَالَ لَبِثۡتُ يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖۖ *، لكنه لبث؛ مِاْئَةَ عَامٖ *. أحياه الله من موته، بعد مئة عام! إذن الموتى يعودون.
نماذج عجيبة! كلها في سورة البقرة! لماذا لم تحمل هذه النماذج هذه الأمة المرحومة على أن تدرس هذه الظاهرة بمزيد من الإلحاح، مزيد من الاحتفاء والاهتمام؟ لم نفعل، ولا نزال تقريبا لا نفعل بالقدر المطلوب، شيء غريب! وكما قلت لكم على أن هذه الظاهرة بُرهان! وسوف ترون، والله، أنا وجدت هذا في نفسي.
هذا يزيدك إيمانا بمراحل بعيدة، بدرجات عالية كثيرة، لا تستطيع! لا تستطيع إلا أن تزداد إيمانا! يرسخ يقينك، تُصبح كأنك ترى الآخرة رأي عين! كأنك تراها بعينيك، والله! وطبعا ولذلك حتى الغربيون درسوها.
الغربيون المُتخصصون في دراسة هذه الظاهرة، أكثرهم علماء وأطباء، علماء وأطباء! وعلماء أعصاب وما إلى ذلك، أي من هذا الحقل بالذات، من هذا الحقل بالذات! والآن سأذكر أسماء المشاهير فيهم، كلهم أطباء، كلهم علماء أعصاب، علماء Physiology، طب، طب نفسي، كلهم!
هؤلاء دائما يؤكدون على الطبيعة التحويدية، أي Transformational، الطبيعة التحويلية لهذه الظاهرة. بمعنى أن مَن مر بها لا يُمكن أن يكون بعدها كما كان قبلها، يُخلق خلقا جديدا! أو كما قال عيسى – عليه السلام – الحقَ أقول لكم، لن يدخل أحدكم الملكوت، حتى يُولد مرتين.
هذا فعلا وُلد مرتين، حقيقة لا مجازا، مات ثم عاد من الموت، ورأى! وسوف نرى بعض ما يرى هؤلاء، وسوف نرى ونمر سريعا مع التفسيرات.
أُحاول – إن شاء الله، أسأل الله التوفيق لي ولكم، أُحاول – ألا أُضيع وقتا في هذه الخُطبة، والوقت عزيز ونادر وسريع التقضي، ألا أُضيع بإيراد معلومات يُمكن الوصول إليها بسهولة في الشبكة، أو من الكُتب المُتخصصة، موجود!
نُحاول أن نُضيف أشياء مُعينة، كتعليقات قد يكون لها بعض الأهمية – إن شاء الله تعالى -، هذا هو المُهم! لكن المعلومات التقنية، الفنية، التفصيلية، موجودة. يُمكن أن تعودوا إليها، وسوف أتلو عليكم أسماء بعض الكتب، وبعض المراجع المشهورة عالميا، في هذا الباب!
وأشهرها طبعا الكتاب الافتتاحي، للدكتور، الطبيب النفسي والفيلسوف رايموند مودي Raymond Moody؛ Life After Life، الذي تُرجم بأكثر من ست وثلاثين لُغة. أنا رأيت ترجمة له بالصربوـ كرواتية قبل أكثر من ثلاثين سنة! هو في الخمس وسبعين نزل! الكتاب! مُعظم لُغات العالم تناولت هذا الكتاب – أيها الإخوة -، هذا كتاب مفتاحي!
يتحدثون عن الطبيعة – كما قلت لكم – التحويلية. وهذا ليس فقط في حق مَن خبر – أنا أُسميهم الخابرين، باختصار! حتى لا نقول مَن مروا بتجربة الـ NDE، مَن مروا بتجربة الموت الوشيك! كلام طويل! الخابرين، هكذا أختصر، كتابة وبحثا وكلاما -. هؤلاء الخابرون ليسوا وحدهم، بل حتى مَن يقرأ عنهم.
وطبعا مَن يقرأ بحيدة، بغير تحيزات مُسبقة، لا يملك إلا أن يُصدق! لا يُمكن إلا أن تُصدق! أشهر طبيب الآن في العالم الغربي، وبالتالي على مُستوى العالم للأسف الشديد؛ لأنهم ما زالوا هم الرادة وهم القادة في العلم! أشهر طبيب في علم الموت، مَن هو؟
هل هناك علم اسمه علم الموت؟ نعم! علم هذا من العلوم الغربية أيضا، اسمه علم الموت، علم الموت! علم جديد للموت. ربما تكون الراحلة الأمريكية، من أصل سويسري، إليزابيث كوبلر روس Elisabeth Kübler-Ross – أوملاوت Umlaut ü: كوبلر Kübler؛ من أصل ألماني ربما – من المؤسسين. س
صاحبة كتاب On Death and Dying؛ حول الموت والاحتضار! كتاب مشهور، قرأته – بحمد الله -. أسست فيه أيضا لهذا العلم. وهي صاحبة Kübler-Ross Model! المراحل الخمسة – إذا سمعتم بها، الصدمة والإنكار وكذا، إلى آخره – للـ Grief؛ الثُكل أو الأسى.
هي التي وضعت هذا المقياس! مشهورة عالميا! وهي أسست علما أيضا للعناية بالمُحتضرين! الاقتراب منهم، الاستماع إليهم أيضا، ومُحاولة مُساعدتهم. علم كامل للدكتورة روس Ross!
هذه – أيها الإخوة – الدكتورة؛ روس Ross، كانت ترى أن في هذه التجارب أكبر بُرهان على الحياة الآخرة، وعلى أن الموت ليس فناء، وهي عالمة، وعلى مُستوى العالم! عالمة مُتخصصة. إذن ليسوا فقط مَن مروا بالتجربة، وإنما مَن يقرأ عنهم.
فالذي أقوله إن أشهر عالم الآن في علم الموت حول العالم هو الطبيب، الذي ينشط في أمريكا من سنوات طويلة، لكن هو من أصل بريطاني – بريطاني المولد – سام بارنيا Sam Parnia.
ذكرته في خُطبة الموتى يتكلمون، وأعطيتكم مُلخصا غير واف بالمرة، عن كتابه محو الموت؛ Erasing Death. كتاب بالإنجليزية اسمه محو الموت؛ Erasing Death! كتاب عجيب يجعلك تُواكب آخر التطورات في علم الموت، وبالذات في علم الإنعاش!
لأنه في الأصل هو طبيب مُتخصص في الإنعاش الفائق! Resuscitation؛ الإنعاش. علم الإنعاش؛ إنعاش القلب وإنعاش الرئتين. بعد ذلك يدخل حتى إنعاش الدماغ إلى حد ما، لكن المقصود بالإنعاش CPR؛ الإنعاش القلبي الرئوي. ومُتخصص على مُستوى العالم!
ماذا قال الدكتور سام بارنيا Sam Parnia؟ أدعوكم طبعا إلى قراءة كتابه، وإلى مُلاحقة الفيديوهات Videos التي يُحاضر فيها حول هذه الموضوعات. وهو مُهتم، من خلال اهتمامه بالإنعاش وعلم الموت – سُبحان الله! هذا أتى له في طريقه هكذا -، بتجارب الموت الوشيك! NDE؛ Near-death Experiences.
ألف وتسعمائة وسبعة وتسعين، بدأ يهتم بها! لم يستطع أن يتغافل عنها، والرجل ليس مُتدينا، ولا حتى يلتفت إلى موضوع الدين، لكن عنده حقائق واقعية صُلبة Solid، صادمة! صدمته! لذلك وهو يُناقش في بعض المرات حتى تشعرون بنوع من الحماس، الحُمية، ونوع أيضا من الصرامة، كأنه يقول كفى كذبا على الناس! للعلماء الماديين، خاصة الملاحدة! كفى كذبا، وكفى تغافلا عن حقائق تفقأ العينين!
الحقائق موثقة! كل مَن أراد أن يطلع وأن يُعيد مُساءلة هذه التوثيقات، بإمكانه. والتجارب لا تتوقف حول العالم. هو أنعش ألوف، ألوف المرضى، لا أدري كم! ألوف المرضى. طبعا ينجح من هذه الحالات، ويعود إلى الحياة حوالي ستة عشر في المئة، للأسف الشديد! لكن جيد، ستة عشر في المئة أحسن من لا شيء، ستة عشر في المئة يعودون إلى الحياة.
طبعا بعضهم تم إنعاشه بعد أن فارق الحياة بساعات! في القديم كُنا نسمع ماذا؟ دقائق، عشر دقائق، خمس دقائق! بسبب الدماغ. ساعات! قضية لا تزال كبيرة! ويتكلم عن نوعي الموت؛ الموت العكوس – أنا هكذا أُترجمها – Reversible death، والموت اللاعكوس Irreversible death، أي الذي لا يُمكن ارتداد الميت بعده، انتهى! مات ولن يعود، ذهب ولن يعود، موت غير عكوس! موت عكوس، وموت غير عكوس.
هذا الرجل يقول لك لا يُمكن أن تتغاضى عن هذه الحالات! لماذا؟ لأنها أولا تأتي من خلفيات مُختلفة، شديدة الاختلاف! عرقيا، لُغويا، حضاريا، دينيا، مُعتقديا. أي هذه الحالات تقع لملاحدة، وتقع لشكوكيين، وتقع لمؤمنين؛ يهود ومسيحيين ومسلمين، وهنادكة وبوذيين، حول العالم! وهي مُتشابهة إلى حد مُثير ومُعجب، على الأقل في ثمانين في المئة، مُتشابهة! وهذا شيء غريب!
تقع أيضا وتأتي من خلفيات عُمرية مُختلفة، هو نفسه التقى بالطفل سام Sam، ابن ثلاث سنوات، الذي خبر تجربة الـ NDE، الموت الوشيك، وأخبر عن كل شيء، وجعل يرسم ما الذي رآه، وروحه تُحلق فوق بدنه، وفوق أطباء الإنعاش، في غُرفة الإنعاش، في وحدة العناية التاجية، أو ما إلى ذلك – المُهم، هكذا تُسمى؛ العناية التاجية! في قسم القلب طبعا، الـ Cardiology -!
ثلاث سنوات! قال لا يُمكن الإنكار! وطبعا ذكور وإناث، ولا يُوجد فرق للجنس هنا، لا يُوجد فرق أبدا! ذكور وإناث، كبار وصغار. وماذا عن درجة الـ Education والتعليم؟ ليس لها فرق بالمرة، أبدا. شيء غريب! مُدة الإنعاش؟ ليس لها فرق. مُدة السكتة القلبية؛ الـ Cardiac arrest، التي عانى منها المريض؟ ليس لها تأثير.
هذا بحسب دكتور آخر، وهو من كبار الباحثين في العالم، وحُجة! حتى سام بارنيا Sam Parnia يعتمد عليه، ويعزو إليه كثيرا، وهو الهولندي بيمPim – مشهور ببيمPim هو -؛ بيم فان لوميل Pim van Lommel.
بيم فان لوميل Pim van Lommel؛ الدكتور لوميل Lommel، صاحب كتاب الوعي بعد الحياة! الوعي بعد الحياة: علم الموت الوشيك. هكذا سماه! بيع منه نُسخ كثيرة جدا، وخاصة في هولندا، ثم حول العالم، أستاذ في هذا المجال، له الآن أكثر من أربعين سنة تقريبا! زُهاء أربعين سنة! تخصص في هذا المجال، وهو طبيب من مشاهير الأطباء والعلماء في مهنته وتخصصه.
قال لا يُمكن أن يتواطأ كل هؤلاء، من خلفيات دينية وعرقية ولُغوية وإثنية مُختلفة، ومن مراحل عُمرية مُختلفة وتعليمية مُختلفة، على فبركة التجربة ذاتها!
وليس هذا الدليل! لو كان هذا، يُمكن أن نشك! نقول يتقمص الحالة، يلعب الدور، سمع، تخيل فخال، يُحاول أن يُقلد! لا، هناك أدلة، وهذه رسالة الخُطبة اليوم! هناك أدلة، ونوع فقط واحد من الأدلة ينبغي أن يُسكت كل مُتخرص وكل مُكابر، لا يزال مُتشبثا بالنموذج المادي الاختزالي!
يُوجد عندهم نموذج مادي اختزالي! على فكرة، هذه الخُطبة ستُعطيكم مثالا حيويا ومؤثرا للغاية، عن موضوع كيف أن الدوجما Dogma غير قابلة للاختبار! ما الفرق بين الدوجما Dogma والفرضية العلمية؟ ما الفرق بين فكرة علمية، طرح علمي، فرضية علمية، وبين دوجما Dogma؟ يقول لك هذا Dogmatic. هذا شخص دوچماطيقي. العرب يقولون! Dogmatic.
Dogmatic؛ أنه شخص مُعتقدي. ما معنى مُعتقدي؟ أي يعتقد بشيء، وهذا الشيء بطبيعته غير قابل للبرهنة أصلا! غير قابل! هذه دوجما Dogma! هل قضية أن هناك حياة أُخرى، وأن الإنسان ليس محكوما بالواحدية المادية، على هذا النحو؟
هناك شيء اسمه الواحدية المادية! من زمان ديكارت Descartes هذا! وطبعا ديكارت Descartes كان عالة على كل الكلاسيكيات القديمة، القروسطية المسيحية، ثم القروسطية الإسلامية، وحتى الإغريقية! من أيام أفلاطون Plato! خلافا لأرسطو Aristotle.
أفلاطون Aristotle كان يقول الإنسان روح وبدن. الروح تنتمي، عند أفلاطون Aristotle، إلى عالم آخر! عالم المثال، عالم مُنير، عالم جميل، عالم كريم وواسع جدا، وهو عالم المعرفة والسلام والمحبة والهدوء، وعالم العدل! كل واحد فيه سيأخذ حقه ونصيبه، من غير أي تحيف! عالم النور.
هذا يُذكّرني – حتى لا أنسى – بكتاب الموتى الفرعوني. مشهور هكذا! لكن هل سماه الفراعنة، هل سمته البرديات، وهي برديات كثيرة – اكتُشف أكثرها في القرن التاسع عشر -، بكتاب الموتى؟ لا. سماه عالم آثار وبرديات ألماني، سماه Totenbuch! كتاب الموتى.
كتاب الموتى! هو ليس كتاب الموتى. الآن، وأنا فرحت بهذا، المجلس الأعلى للثقافة والفنون، وأعتقد عن المجلس القومي أيضا للترجمة، نُشرت طبعة جديدة، بتحقيق علماء مصريين مُتخصصين في هذه الشؤون، ترجموه: كتاب الخروج إلى النهار.
قالوا هو هكذا معناه! وبالمصرية القديمة – وهذا مذكور في البرديات، في مواضع كثيرة -، اسمه الخروج إلى النهار! أي نهار؟ يوم القيامة. شيء يقشعر البدن! لا إله إلا الله! وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ *.
عظمة مصر! مصر التوحيد، مصر الدين، (من يوم يومها) كما نقول بالعامية! (من يوم يومك) يا مصر – حفظ الله مصر وسائر بلاد العرب والمسلمين – هكذا! (من يوم يومك) يا مصر، وأنت تُمدين البشرية بالشيء الكثير! الفراعنة قبل آلاف السنين، أربعة عشر قرنا، قبل الميلاد! دخلنا في أربعة آلاف سنة تقريبا! كتاب الخروج إلى النهار!
حين تقرأ ترجمة هذا الكتاب الآن، والنشرة الحديثة، ستعلم أن النهار هو يوم الدينونة، يوم القيامة! كل أحد سيعلم هذا! والعجيب، في كتاب النهار؛ الخروج إلى النهار، المصري، أن الذي يوزن في الميزان يوم القيامة، ليس الإنسان، وليس حتى أعمال الإنسان، قلبه!
قلبه يُوضع في الميزان! صدق الله العظيم يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ *. كأين من حديث صحيح، عن سيد المُرسلين – صلوات ربي وتسليماته عليه وآله وأصحابه أجمعين، وعلينا معهم، بفضله ومنّه، اللهم آمين – يُخبر فيه – عليه الصلاة وأفضل السلام -، أن الملائكة ترفع كُتبا فيها أعمال صالحة للعبد، فيقول الله – تبارك وتعالى – ضعوا هذا، ضعوا هذا، ضعوا هذا – كله هباء منثور، هباء منثور، هباء -! لماذا؟ أعمال صالحة! لم يُرد بها وجه الله – تبارك وتعالى -.
إذن ما الذي سيُقبل منك؟ الذي عملته بنية خالصة. الموضوع؛ القلب، يا حبيبي. ليس فقط صورة العمل، ليس الحُسن الفعلي – كما أقول دائما -، إنما الحُسن الفاعلي. والحُسن الفاعلي منوط بماذا؟ القلب والنوايا والقصود. القلب والنوايا والقصود؛ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ *. فتقول يا رب إنها أعمال صالحة! فيقول لم يُرد بها وجهي.
على ذكر تقصير المسلمين، في مُقاربة موضوع الـ NDE – أيها الإخوة -، قد تذهل وقد تعجب أن الإمام الجليل أبا بكر بن أبي الدُنيا، المُتوفى – على ما أذكر – سنة إحدى وثمانين ومئتين للهجرة – في أواخر القرن الثالث الهجري -، عنده كتاب لطيف، اسمه مَن عاش بعد الموت!
ما رأيكم؟ قبل موضوع مودي Moody وNDE، كتاب ومنشور ومُحقق، أبدا! لم يلفت تقريبا أحدا، لم نلتفت إليه، لم نشعر أن المسلمين مروا بهذه التجارب، وقيدوها وبالأسانيد المُتصلة! أسانيد!
أبو بكر بن أبي الدُنيا! كتاب، زُهاء خمسين صحيفة، مُحقق – أيها الإخوة -، يحكي حكايات عجيبة! عن مُسلمين، على الأقل الذين روى عنهم، الحمد لله نحسبهم جميعا من الصالحين، كانوا صالحين! وتجارب طيبة! ماتوا، ثم عادوا، وأخبروا.
وفي رأسهم – كأن هذه القصة مشهورة جدا، لا أدري! هل بلغت حد التواتر؟ – أخو، شقيق رِبعي، أو رَبعي، بن خراش: ربيع. اسمه ربيع: ربيع بن خراش. هذا عنه روايات كثيرة، تتحدث كيف عاد بعد الموت، وجلس يتكلم، ثم عاد ميتا! كأنما حصاة أُلقيت في طست به ماء، طفا في لحظة!
لكن تكلم، وتحدث بأشياء، وقال لهم لقيت رسول الله – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم -، وبشرني، وقال لن أبرح حتى تأتينا. قال فجهزوا كفني. يقول أخوه فوالله ما برح حتى عاد، كأنما كان حصاة أُلقيت، فطفت، في طست. مات في لحظة!
بلغت هذه الحكاية العجيبة أم المؤمنين عائشة – رضيَ الله تعالى عنها وأرضاها -، أم المؤمنين! فصادقت عليها. قالت نعم، كنا نُحدَّث أن رجلا من هذه الأمة، سيتكلم بعد الموت. موجود! كأن الرسول أخبرهم. فهذا هو! هذا الرجل الصالح.
كتاب كامل! كتاب عن الذين عاشوا بعد الموت، لا إله إلا الله! أي الذين عادوا من الموت! أبو بكر بن أبي الدُنيا، أحد كبار الحفاظ والمشايخ – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم – المُحدثين.
حتى لا أعود إليه مرة أُخرى، من الأشياء التي أذكرها:
ذكر أيضا عن امرأة طيبة، ماتت ثم عادت من الموت، فأهلها استغربوا! قالت لهم أبشروا وأملوا، الأمر – بفضل الله – أيسر مما تظنون. هذه تتحدث عما مرت به هي، طبعا! انتبهوا! الأمر أيسر وأصعب، بحسب حالتك.
انتبه! والله لا يرجون مؤمن أو مؤمنة، إلا ربه، ولا يخافن إلا عمله. عمله! خطر لي هذا التشبيه البسيط:
ماذا لو أوتي بك؛ لكي تُشارك في مجلس ملوكي، مجلس أحد الملوك، المشهور بالكرم، بالعطف، بالمُحبية الشديدة، بالاهتمام بالرعية وبالعطاء؟ الكل يتمنى هذا طبعا! كل الناس يتمنون هذا! أن يجلس في مجلس ملك!
فتأتي، وعوض أن تجلس مُستريحا، هانئ البال، تجلس كأنك على جمر الغضا! لماذا؟ لأن الأوجاع والتباريح، لا تُبارحك. الرُكب فيها ألم شديد جدا، وفي العينين! ألم في العينين، وفي الأُذنين! الكبد، المرارة، المغص في البطن، الصداع الذي يفلق الرأس! لن يُغني عنك هذا المجلس شيئا!
هل العيب في المجلس؟ هل العيب في الملك، أم العيب فيك أنت؟ فيك أنت! وكذلك حين نفد على رب العالمين. الله هو المحبة كلها، هو الكرم كله، هو الرحمة كلها، والله! هو العطاء كله. الله فوق ما نتصور، محبةً وكرماً وعطفاً – لا إله إلا هو – ومغفرةً ورحمةً!
لكن حين نأتيه، ولا نأتيه إلا بأعمال سيئة، مُتراكبة، مُتراكمة، وبقلب أسود، حقود، غشاش، كذوب، غير مخموم – والعياذ بالله -، ماذا سيكون؟ أعمالنا! مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *… شَرًّا يَرَهُ *، أعمالك!
يا عبادي إنما هي أعمالكم، أُحصيها لكم، ثم أوفيكم – أي أجورها -، فمَن وجد خيرا، فليحمد الله، ومَن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه. الحديث القدسي الصحيح الجليل! عملك يا أخي. فإياك أن تخدع نفسك! إياك أن تُخاتل نفسك، وتقول كذا، وتعيش في الأماني، وتحطب في حبل الغرور! عملك! عملك هو سعادتك أو شقاؤك، عملك! فاحرص على أن تعود إلى الله.
هذه من الأشياء الجميلة – وسأعود إلى ابن أبي الدُنيا -، من الأشياء الجميلة التي أثرت في كثيرا، وستؤثر في كل مَن يقف عليها، والله! أنا مُتأكد بعد هذه الخُطبة، كل مَن سيذهب ويتقصى في هذا الموضوع، ستتغير حاله، ستتبدل أحواله.
والله، وأنا على منبر رسول الله – صلوات ربي وتسليماته عليه -، ليصيرن خيرا مما هو عليه، والله ليصيرن كذلك، إلا أن يشاء الله ربي شيئا، هناك بعض الناس أشقياء! اللهم لا تجعل فينا شقيا ولا محروما، اللهم آمين يا رب. هناك بعض الناس أشقياء، بعض الناس أشقياء! أبدا، أبدا! لا يزيدهم سبب الرحمة إلا ضلالا، وإلا عتوا ونفورا! فنعوذ بالله من مثل حالهم، ومن مثل مصائرهم.
لكن ستعود أكثر اجتهادا، في عمل الصالحات، في ترك المُنكرات، في ترك كل ما يُبعدك عن الله – تبارك وتعالى -، وستستغل كل ساعة من عمرك، لا أُريد أن أُبالغ وأقول كل دقيقة، لكن لن تمر ساعة بغير خير أبدا، أبدا! ستُصبح ضنينا جدا بوقتك، جدا! لأنك ستوقن أنك هنا، والله، لفترة أقصر مما تظن، لفترة قصيرة جدا جدا! شديدة الوجازة!
لماذا؟ لكي تعمر الآخرة، لكي تمهد لنفسك هناك. فاستغل يا رجل! استغل يا أخي، يا حبيبي، استغلي يا أختي، استغل هذا الوقت، استغل هذه الفُرصة، لا تُضيعها! والله لم نأت هنا لنُقيم، كل يوم نشيع الجنائز، أليس كذلك؟ كل يوم نُودع الأحباب أصبحنا! أبدا! كيف نشك في هذا الأمر؟ كيف لا نتغير؟ شيء غريب يا إخواني! شيء غريب!
على كل حال – أذهب ثم أضل عن نقاطي – أعود:
هذه المرأة قالت لهم أبشروا وأملوا، الأمر أيسر – بعون الله – مما تظنون! ولن يدخل الجنة ثلاثة! قالت لهم الذي فهمته في ذلك العالم، لن يدخل الجنة ثلاثة: مُشرك، ومُدمن خمر، وقاطع رحم.
مُشرك: الحمد لله، أمة محمد لا نخاف عليها الشرك بعد رسول الله. الآن صار فيها ملاحدة، وليس مُشركين حتى، ملاحدة! اللهم لا تُكثّرهم، اللهم عُد بهم يا ربي إلى سبيلك. هم إخواننا وأبناؤنا وقراباتنا، ومن هذه الأمة!
اللهم لا تخذلهم، ولا ترفع يدك عنهم، وعُد بهم من أقصر طريق يا رب إليك. وإن شاء الله تُساهم هذه الخُطبة في إنعاش عقولهم، وإنعاش منطقهم الاستدلالي، مع الصدق! أهم شيء الصدق.
قطيعة الرحم، والخمر: قطيعة الرحم موجودة بين المسلمين! إن شاء الله لا تكون كثيرة، ليس عندنا دراسات إحصائية، لكن تحس أنها موجودة! شرب الخمر أصبح في الفترات الأخيرة زائدا. ازداد للأسف الشديد! قبل خمسين، ستين سنة لا تكاد تسمع به.
أنا كنت أعيش في مُعسكر فيه عشرات الألوف، وواحد؛ رجل واحد، كان يبيع الخمر. والله كنا ننظر إليه كأنه إبليس! شيطان. لا نستحب حتى أن ننظر في وجهه، ولا يرتاد ذلك المكان، إلا الآحاد من الناس، أنفار قليلون منزورون محقورون، كما هو محقور! قلة! من عشرات الألوف – بفضل الله تبارك وتعالى -. اليوم استفحل هذا الأمر، فاللهم خُذ بأيدي هذه الأمة أيضا إليك أخذا حميدا كريما يا رب العالمين.
المُهم؛ رجل آخر أيضا، من قصص ابن أبي الدُنيا، عن الذين عاشوا بعد الموت، قصته جميلة! عاد، مثل هؤلاء الستين مليونا. عاد، وأخبر عما اتفق له. قال لا إله إلا الله! ما رأيت ذنبا أزلفته أو أذنبته، فاستغفرت منه، إلا غُفر. الله ماحيه! فاستغفروا، اقشعر بدني، والله.
لذلك هذه الأمة لا تهلك – بعون الله تعالى – مع الاستغفار. وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ *، لا إله إلا الله! القرآن! ولذلك إبليس – لعنة الله تعالى عليه مُتتابعة إلى يوم الدين – لما توعد وتهدد، أنه سيُضل هذه الأمم، ويُضل بني آدم، الله قال له وأنا وعزتي وجلالي لأغفرن لهم، ما استغفروني.
أليسوا أشركوا، كفروا وألحدوا، وتابوا واستغفروا؟ أغفر لهم، أغفر لهم وأُدخلهم الجنة. فالعبد لا يهلك مع الاستغفار، استغفروا! إذا أسألت، فأحسن. النبي يقول في حديث مُعاذ! إذا أسأت، فأحسن. أتبع السيئةَ الحسنةَ – مفعول به أول، مفعول به ثان. أتبع السيئةَ؛ مفعول به أول. الحسنةَ؛ مفعول به ثان -، تمحها. الجواب؛ تمحها. لا إله إلا الله! بسهولة؟ بسهولة. هذا من كرم الله.
انظر؛ أيضا في تجارب الذين عادوا من الموت – شيء عجيب جدا يا إخواني! – أن الحسنة تُضاعف، أضعافا كثيرة! وإن شاء الله لا أنسى، وآتي ببعض الوقائع الجميلة جدا جدا جدا! الحسنة؛ الحسنة الواحدة، مهما كانت صغيرة، قد تجدها – إن شاء الله – في العالم الآخر جبالا من الأجور! لا! تقول حسنة واحدة؟ مثل هذه؟ هذه سهلة! جبالا!
لذلك لا تحقرن شيئا من المعروف، وإن صغر وضؤل، يُمكن أن تكون نجاته فيه! ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق! كلمة طيبة! كلمة طيبة، وجه طلق بشوش صبوح: حسنة.
المُهم؛ قال ما من ذنب، أذنبته، فاستغفرت، إلا غفره الله. ممحو! وما من ذنب، أذنبته، فلم أستغفر، إلا وجدته كما هو! لماذا لم تستغفر؟ أي أذنبت، وأيضا مُقصر في أن تستغفر، أو مُستكبر، أو غالب عليك الغفلة، النوم الروحاني؟ لماذا؟ للأسف! قال وجدتها! ذنوب لم أستغفر منها.
وما من حسنة، عملتها، إلا وجدتها، حتى حبة رُمان، التقطتها من الأرض، وجدتها! لا إله إلا الله! نعمة! علموا أنفسكم أن تُحافظوا على النعم، إياكم وهدر الأرزاق وكب الخُبز واللحم والسمك! إياكم! إياكم! دائما حضروا ما يكفيكم وعيالكم. بات القليل من الطعام، نأكل منه في اليوم الثاني، لِمَ لا؟ حتى لو كنا ملوكا، هذه نعم!
بعض الناس لا يجد حتى الماء النظيف القراح يشرب، وأنت تكب على الزبائل! هذا حبة رُمان التقطها، فوجدها. قال وحتى أني صليت ذات ليلة – قام من الليل! يقوم الليل، يُصلي – فسمع جار لي صوتي، فقام يُصلي، فوجدتها في صحيفة أعمالي. الله! اللهم اجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر.
ستقول لي هنيئا لك يا عدنان! وهنيئا لمَن هم مثلك! نعم، والله، هنيئا لي، إن صدقت النية. فاسألوا الله لي صدق النية وحُسن القصد، ولكم أجمعين، والمؤمنين والمؤمنات، اللهم آمين. نعم، هنيئا لي، بصدق النية! وليس هنيئا لي، بوقفة المنبر، وفصاحة اللسان، وكثرة الكلام! بصدق النية.
وأيضا هنيئا لأي واحد، ولكل واحد منكم ومنكن. ليس ضروريا أن تكون خطيبا، ولا واعظا، ولا عالما، ولا مُعلما! تكون كما أنت، إنسانا عاديا، في مهنتك: أنت طبيب، أنت مُهندس، أنت مُعلم، أنت أي شيء! أنت بيّاع، ولكن مُر بالمعروف، وانه عن المُنكر. (خليك محضر خير) كما يقول إخواننا المصريين. مُر بالمعروف، وانه عن المُنكر. ولا تتحدث إلا بالخير، ولا تقل إلا الخير.
وإذا هممت بالنطق بالقبيح، فاجعل مكانه التسبيح. كما قال أحد الصالحين! قل لا، لا، لا! سأقطع هذا اللسان، الذي يعصي الله! أبدا! انطق بالتسبيح، انطق بالخير، ستجده أمامك – إن شاء الله تعالى ، وسوف تجد جبال حسنات، من أعمال طيبة؛ بسبب كلمة قلتها، موقف تصرفت فيه بما يُرضي الله، علي نحو مُعجب! تأثر به غيرك من الناس، تقلدوا، قلدوك، ائتسوا بك! في حسناتك.
مَن سن في الإسلام سُنة حسنة، كان له أجرها وأجر مَن عمل بها، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. نقص: لازم ومُتعد. نقص الشيءُ: أي نقص في ذاته. ونقص الشيءَ: مُتعد، نقص الرجلُ الشيءَ. لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. لا إله إلا الله! هذا هو! مع أنك لم تعمله بطريق المُباشرة، عمله غيرك بطريق الاقتداء، فلك مثل أجورهم، من غير أن ينقص من أجورهم شيء.
قال ووجدت درهما – هذا كله خبرة في العالم البرزخي! كله رآه -، أعطيته يتيما، بين قوم، لم أعطه إياه، إلا لأجلهم! أي انظروا إلي! قال فوجدته لا لي، ولا علي. والحمد لله، أن ليس في الحكاية إثما؛ لأن هذا رياء! أي أعطاه الدرهم هذا؛ فقط لكي يراه الناس!
رجل صادق، وحكى عن نفسه! قال هذا الذي حصل! أنا لم أعطه اليتيم لوجه الله! من أجل أن يراني أهله، أو القوم. قال فوجدته هناك لا لي، ولا علي. اللهم اجعل أعمالنا لنا، ولا تجعلها علينا، بكرمك وفضلك يا رب، وتقبل عنا.
لفتكم أحبابي؛ إخوتي وأخواتي، أكثر من مرة، إلى أن الآتي من كرم الله، خاصة في خُطبة فصلنا فيها قليلا، بعض تفصيل، عن إمامنا حُجة الإسلام أبي حامد الغزّالي – أعلى الله مقامه في دار التهاني -، حين تحدث عن موضوع شوب الأعمال: الأعمال التي لا تكون خالصة تماما!
بفضل الله عنده الرجل تفصيل بالغ بالغ الحُسن والجمال والدقة! فعودوا إليه، في موضعه، وموجود في الإحياء! لكن – بفضل الله – هذا التفصيل يجد روحه في آية الأحقاف: أُولَٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا *!
أعتقد هي الآية الوحيدة، التي يذكر الله فيها، القبول مُعدىً بماذا؟ بـ عن. والأصلا: أتقبل منك، أم عنك؟ منك. الله هنا قال ماذا؟ عَنْهُمْ *. إبراهيم وإسماعيل: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا *، أليس كذلك؟ طبعا! هنا قال لا، نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ *. لماذا؟
في لُغة العرب هذه حروف المعاني. حروف المعاني: عن وفي وإلى. هذه حروف معاني كلها، وليست حروف مباني. الألف، الباء، التاء، الثاء: هذه حروف مباني. لا، حروف المعاني! من معاني هذا الحرف – وهو من حروف المعاني: عن -، الأصل في معناه، ما هو؟ التجاوز.
التجاوز! يقول لك تجاوز عنه. أي سامحه، اغفر له، لا تؤاخذه. تجاوز عنه! فعن في الأصل موضوعة لماذا؟ للتجاوز. فكأن القرآن يقول هذا! انظر؛ بحرف واحد! الله سرّب إلينا هذا المعنى، الأفضالي، الألطافي، الجميل، بحرف! العين – أي العيه، العين – بدل الميم! من؛ عن. أي نصف! شيء عجيب! قال نتقبل حسناتهم، مُتجاوزين عما فيها، مما يجعلها مشوبة، غير خالصة، إذا غلب الإخلاص فيها، طبعا، أكيد!
أكيد، أي عمل يغلب فيه الرياء الإخلاص؛ غير مقبول. مرفوض، انتهى، مرفوض! لكن عمل عملته لله، وشابه شيء من رياء، شيء من حظ نفس، الله يتجاوز لك عنه، ولا يُبطله! مع أن حقه الإبطال! مَن عمل عملا أشرك فيه – أي معي – غيري، تركته وشركه. لا أقبله! هذه القاعدة.
الله هنا قال لا. قال الموضوع فيه بعض المُسامحة. أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ *، اللهم اجعلنا منهم. نحن ضعفاء، مساكين، شحاذون بباب الله، سئالون. نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ *. في الأحقاف! عَنْهُمْ *، فربنا تقبل عنا. أي تقبل وتجاوز يا ربي، تقبل وتجاوز.
وهذه صفة الكرام من عباد الله! ماذا قال أخوة يوسف ليوسف – عليه الصلاة وأفضل السلام -؟ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ *. البضاعة ليست جيدة، ليست Eins A، كما نقول بالألمانية، لا! هي Eins ثلاثة ربما، أو حتى B، أو Class CC. وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ *.
فكيف رب يوسف إذن؟ رب الكرام، ورب الكرم، ورب الأخلاق، والمصدر الحقيقي للأخلاق الموضوعية في العالمين! هو أولى بالكرم، وأولى بالتجاوز، لا إله إلا هو! فيتقبل عنا، لا إله إلا هو! يتقبل عنا.
نعود إلى قصص ابن أبي الدُنيا – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه، وعمَن قص عنهم -:
حدّث أيضا عن داود بن أبي هند. هذا الرجل الصالح يقول مرضت مرضا ظننته الموت. وطبعا يبدو أنه دخل في العالم الآخر. فيقول فبين كنت أنا كذلك – أي أيس من نفسه -، إذ رأيت رجلا ضخما! كأنه من هؤلاء الزُط! ضخم جدا! أسود. فقلت أموت وأنا كافر؟ لماذا قال أموت وأنا كافر؟
قال بلغني أن روح الكافر يقبضها ملك أسود. قلت أموت وأنا كافر؟ أنا – والعياذ بالله – معناها كذلك! قال فإذا بالسقف ينفرج! سقف الغُرفة، انفرج السقف! إذن هو داخل في عالم البرزخ. هذه الروح، التي تُطالع هذه الأشياء، وليس العينيين الباصرتين البدنيتين، لا! هذه الروح، كما سترى في تجارب الـ NDE، كلها!
قال فنزل رجل – ملك – أبيض. أكيد حسن الخلقة، وطيب الريح، وكذا! ثم تبعه آخر، فصارا اثنين. فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال الذي عندي رجلي للذي عند رأسي المس.
أو بالأحرى هو قال الذي عند رأسي – حتى بالترتيب، نكون أمينين – قال للذي عند رجلي المس. قال فلمس أصابعي، فقال أراها كثيرة النُقل إلى الصلوات. لا إله إلا الله! يروح ويأتي هذا، يُصلي! هنيئا له!
هذا الشيء نحن نفتقده للأسف هنا، أكثرنا للأسف! الذين لا يسكنون بجوار المساجد! والله فقدنا هذه النعمة من سنين، للأسف! أن نسمع النداء خمس مرات، وأن نختلف إلى الصلوات الخمسة! اللهم أعطنا ذلك، كيف شئت، ومتى شئت، يا رب العالمين.
حسرة! والله حسرة! الذي يتحسر، يتحسر على الأعمال الصالحة، لا يتحسر على الدنيا، الدنيا ليس فيها شيء يُتحسر عليه. قال أراها كثيرة النُقل إلى الصلوات. هذا وضعه جيد!
المس. الذي عند الرجلين قال للذي عند الرأس المس. قال فلمس لهواتي – الحلق -. فقال أراه رطبا بذكر الله. لا إله إلا الله! هنيئا له! داود بن أبي هند. أراه رطبا بذكر الله. النبي وصى مُعاذا، وقال له والله يا مُعاذ إني لأُحبك. وقال له أيضا لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله، أو بذكر الله.
دائما رطب لسانك بذكر الله، دائما، دائما! تنفعك عند الموت – إن شاء الله -، وفي البرزخ، ويوم القيامة! ويوم تطير الصُحف، وعند الموازين. اللهم ثقل موازيننا، وبيض نواصينا، وأحسن مصيرنا يا رب، وعاقبتنا ومُنقلبنا.
ثم قال له لم يأن له. يعني ماذا؟ ليس هذا أوانه، ليس هذا حينه، لن يموت! لم يأن له. قال ثم صعدا من حيث أتيا، ثم التأم السقف! هذا الرجل دخل في العالم البرزخي، لا إله إلا الله! ورأى هذه الأشياء.
أخيرا، ولا أُكثر عليكم، روى أيضا أبو بكر بن أبي الدُنيا – رحمة الله تعالى عليه – قصة رجل غزا الروم – بلدة من بلاد الروم -، وكان اسمه زياد، من المدينة المُنورة! هكذا قال؛ زياد، فقط! زياد، وهو مَدَنِي. النسبة إلى فَعِيلَة: فَعَلِي، أحسن! لا تقل مديني! مَدَنِي.
رجل مَدَنِي، اسمه زياد، غزا الروم. يقول صاحبه فبين كنا – كانوا حوالي ثلاثة أو أربعة – إذ جاءت منجنيقة. أي مقذوفة، يقذفها المنجنيف! إذ جاءت منجنيقة، فوقعت قريبا منه، فأصاب شيء منها رُكبته، فأضر به، فأُغمي عليه.
قال فأخذناه إلى مكان بعيد عن مكان الإصابة، حاولنا أن نُعالجه، لكنه قضى. مات الرجل! سُبحان الله! مات! فبين هو بين أيدينا – يترحمون عليه، وربما يبكون عليه. صديق مُجاهد لهم، أخ مُجاهد لهم – إذ ضحك، حتى بدت نواجزه، ثم بكى، ثم خمد. حركوه، لا يقوم، ميت! غريب!
ثم بعد حين، خمد؛ سكن، لا يُوجد أي نفس. وأكيد يختبرونه، طبعا، بوضع شيء عند أنفه! وكانوا يختبرون أيضا بالقدم؛ إذا كانت قائمة أو انحلت. هناك أشياء قديمة كلاسيكية في اختبار الموت.
الموت قضية مُعقدة جدا جدا! إن شاء الله نعمل عليها خُطبة ومُحاضرات قريبا، ونتحدث عن علم الموت، وآخر ما توصل إليه علم الموت، ونعتمد بشكل أساسي على سام بارنيا Sam Parnia هذا، في كتابه الذي ذكرته لكم، كتاب عجيب مُدهش! حقائق علمية مُدهشة!
المُهم، قال فبعد قليل، إذ ضحك، حتى بدت نواجزه، ثم بكى، حتى سالت دموعه، ثم خمد! وبعد قليل، استوى جالسا. لا إله إلا الله! عاد! ها هو، عاد! وقال لهم رأيت عجبا! عجيب! ماذا رأيت؟ هم يظنون أنه مُغمى عليه، أي في حالة إغماء، لا! هو دخل البرزخ، أي دخل العالم الآخر، عاد من الموت!
قال لهم رأيتني في غُرفة من ياقوت! أو قال زبرجدة! طبعا لا تُوصف! أكيد! أُخروية! وسماطان من نمارق! ثم جاءت امرأة، أشد وأحسن ما يكون النساء حُسنا! جميلة جدا جدا جدا! كالشمس! وجلست إلى جانبي. قلت مَن أنتِ؟ قالت أنا التي لم تنسك، على أنك تنسانا. أنت ناسينا، لا تفكر فينا. زوجته في الآخرة، تعرفه جيدا، وهو لا يعرفها.
أنا زوجك في الجنة. ففرحت أشد الفرح، ومددت يدي لألمسها. فقالت إليك عني. فبكيت! لماذا إذن تصدينني؟ إليك عني، لم يأن أو لم يحن أوانك، تأتينا عند الظهر. قال هذا لأصحابه. قال قالت لي هذه الزوجة تأتينا عند الظهر. أي في نفس اليوم، أي بعد ساعات! بعد ساعات؛ ساعة أو ساعتين.
فبين نحن كذلك، إذ أتت أُخرى، واتفق لي معها مثل ما اتفق لي مع الأولى. نفس الشيء! ومددت يدي، قالت لا! إليك عني، لم يأت الوقت، ولكن تأتينا عند الظهر. قال لذلك بكيت! إذن هو ضحك، لما رأى الحورية وجمالها. وبكى، لما صدته.
يقول راوي القصة – أخوه المُجاهد – والله دخل وقت صلاة الظهر، إذ سقط ميتا، ليس به حراك. كما أخبر! هو قال لهم قالت لي تأتينا عند الظهر.
الآن هذه القصص حقيقية، لكن أنا أعلم، أن الذي يسمعون هذا الجُزء من الخُطبة، وسأكتفي به الآن للأسف الشديد، وخاصة من الشكوكيين أو الملاحدة أو كذا، أي الذين عندهم موقف، سيقولون لك نفس الشيء: عدنان إبراهيم، أقاصيص وحكايا وهيان بن بيان، وابن أبي الدُنيا وابن أبي الآخرة، وروايات! لا، أرجو ألا تستعجلوا، اسمعوا المُحاضرة، التي ستكون الآن، بعد صلاة الجُمعة – إن شاء الله تعالى -.
وستكون مُحاضرة علمية Pure/ Rein؛ صافية، تماما! علمية! نوثقها بالمصادر العلمية، بالأبحاث، وبالأسماء! وكل شيء موثق! يُمكن لكل أحد أن يعود، ويدرس. وبعد ذلك، لديك عقلك، لديك ثقافتك، لديك معاييرك، احكم، وامرؤ سيكون حجيج نفسه أمام الله – تبارك وتعالى -.
فانظر بما تُحاج عن نفسك، وانظر بما تُخاصم عن نفسك يوم القيامة، والأمر أقرب مما تظن! مَن مات، قامت قيامته. بعض الناس يظن أنه لا بُد أن ننتظر ربما ألوف أو ملايين السنين حتى نُحاسب! لا، والله العظيم! والله بمُجرد أن تموت، تقريبا قامت قيامتك، انتهى كل شيء!
تعرفون لماذا؟ لأن الزمن، حين ندخل عالم الموت، العالم الآخر، العالم البرزخي هذا، يختلف! تقريبا الزمن ليس فاعلية ولا تأثير. الساعة مثل ملايين الساعات! سأُتحفكم – إن شاء الله – في الخُطبة الثانية، بقصة أتلوها ربما في أقل من دقيقتين، جميلة جدا! في هذا الباب، على أنها قصة خيالية، لكن المعنى الذي تضمنته وحكته حقيقي، اتفق تقريبا لكل مَن عادوا من الموت، لكل مَن خبروا خبرة الموت الوشيك.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، فيا فوز المُستغفرين!
(الخطبة الثانية)
الحمد لله، الحمد لله الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ *. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له. وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وعظيمنا محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليما كثيرا.
عباد الله/
بمُناسبة ذكر سيدنا، ومولانا، وروح الأرواح، طب القلوب، بل طب الحياة – عليه الصلاة وأفضل السلام، إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين -، هذا الموضوع بالذات – هذا الموضوع – سيُقربك كثيرا من رسول الله أيضا! لماذا؟
لأنك كلما وقفت على واقعة، من هذه الوقائع التي لا يُمكن التكذيب بها، لمست صدقه! هناك وقائع، ربما تقول يُمكنني أن أُكذّب. وهناك وقائع، لا يُمكن! معها بُرهانها، معها دليلها، لا يُمكن التكذيب بها. لذلك لم يسع هذا العلماء المُتخصصون، وهم أحرص الناس على التكذيب!
العلم يقوم على مبدأ ماذا؟ القابلية للتكذيب. لا بُد أن نُحاول أن نُكذب كل فرضية، وكل شيء. إن استعصت على التكذيب وثبتت، فهي الفرضية العلمية المقبولة. مبدأ القابلية للتكذيب؛ كارل بوبر Karl Popper! العلماء عندهم هذه الروح، وهذا شيء جيد! هكذا يتقدم العلم، بالقابلية للتكذيب.
لكنهم لم يجدوا مساغا للتكذيب، ولم يجدوا بُدا من التصديق، فصدّقوا! وقال لك موجود، ماذا نعمل؟ رُغما عنا! نحن لا نُحب! نحن علماء، ماديون، اختزاليون، لكن رُغما عنا! يبدو أننا أمام نموذج آخر.
على فكرة، الآن – أي ربما من نحو عشرين سنة – يتشكل، ينمهد، يُشق سبيل، طريق جديد، في علم الأعصاب، وفي فلسفة الوعي، وعلاقة الوعي بالدماغ، وفي مصير النموذج الطبيعي، الاختزالي، بإزاء النموذج الروحاني، الماورائي، الفوق طبيعي؛ Paranormal/ Supernatural، سمه كما تُريد! الديني، إذا أحببت وأراحك!
يتشكل من جديد! وعلماء أعصاب كبار، ومُتخصصون! يقول لك يبدو أن نموذجنا العصبي، العلمي القديم، المادي، لم يعد يشتغل! بسبب هذه الظواهر بالذات؛ الـ NDE، ما رأيك؟ هذه الظواهر رقم واحد! أحرجت هذا النموذج، ووضعته في الزاوية؛ في الـ Corner! سددت إليه ضربات قاضية! لم يعد يُفسر، انس!
ولذلك يا خيبة مَن لا يزال مُتمسكا بإلحاده وعناده، والنماذج تنهار أمامه! والسدنة الكبار، وهم أحق بحمايتها والدفاع عنها، يتخلون عنها، شيئا فشيئا! طبعا هذا المشهد الآن ليس زاعقا، وليس صاعقا، لكن بعد زهاء عشرين أو ثلاثين أو أربعين أو خمسين سنة، وربما مئة سنة، سنكون أمام نموذج مُختلف تماما. ذاك النموذج سيكون حليفا قويا وأمينا للدين، للمقولات الدينية!
لذلك، كما قلت لكم، حين تتوسع في هذه المباحث، في هذه الدراسات، أو حتى تُلم – مُجرد إلمام – تعلم هذا! وعلى فكرة، الإلمام ليس معناه التوسع. الإلمام يعني معرفة سطحية. يقول لك مُلم! نعم، مُلم معناها ليس عالما كبيرا، فانتبهوا إذن! العامة يقولون لك مُلم! ما معنى مُلم إذن؟ معناها معرفة سطحية، أي Superficial knowledge.
حتى تُلم! غير أن تتوسع وتتعمق! حتى تُلم، ولو مُجرد إلمام! الله قال إِلَّا اللَّمَمَ *، أليس كذلك؟ إِلَّا اللَّمَمَ *. ذنوب تُلم بها سريعا، بالتعبير القرآني دقيق! ليس تُصر عليها وكذا، لمم، اسمها لمم! وهذا مُلم! مُلم! مُلم بالإنجليزية، بمعنى يعرف له عدة كلمات! مُلم بالفلسفة، بمعنى أي معرفة قليلة هكذا، أي معرفة (إنترنتية).
جيدا! كما قلت لك، ستزداد قُربا من رسول الله! لماذا؟ لأنك سترى أن هذا الرجل العظيم صدقك في كل ما أخبر عنه، وقد سبق كل هذه العلوم، وهذه التجارب، وهذه الأبحاث، إي والله! وتقول سُبحان الله! لو أوتيت يقينا، لكفاني – عليه الصلاة وأفضل السلام -، من كل هذا العناء.
لكن الحمد لله! أبدا، أبدا! من رحمة الله، أنه لا يزال يوالي البراهين والحُجج والأدلة، على عباده. وسُبحان الله، في كل زمان! كما قلت في الخُطبة الأخيرة، بحسب الشكوك المُنبثقة، بحسب الشُبهات والتشغيبات الجديدة، يرفدنا الله – تبارك وتعالى -، بأمداد جديدة، من براهين جديدة! لم تكن تخطر على بال السالفين، أو لم يعبأوا بها، ولم يلتفتوا إليها.
القصة التي سأفرغ منها في أقل من دقيقتين، قصة جميلة جدا! لأنطون تشيخوف Anton Chekhov! هذه القصة أذهلتني! لماذا؟ لأن الرجل تُوفيَ، في مطلع القرن العشرين، لا أدري بالضبط متى: ألف وتسعمائة وأربعة، أو وثمانية، أي شيء كهذا! لكن في مطلع القرن العشرين.
كيف عبقريته القصصية، وروحه الأدبية، أرشدته إلى هذا المعنى؟ آمنت بالله، أن العباقرة والمُبدعين والفنانين الكبار، مُختلفون! هؤلاء طبعا، بلا شك، دائما لا يكونون، أو لا يُمكن أن يكونوا، مُبدعين وخلّاقين في هذه الأبواب، إلا وعندهم قدر زائد من الشفافية، قدر زائد حتى من الروحانية.
لديه أقصوصة، في صفحة واحدة! وعلى فكرة، هو فارس الأقصوصة القصيرة! يهزك، يهزك أحيانا بقصة من صفحة، وأحيانا من صفحتين أو أربع صفحات! تقول شيء غريب! ما القدرة هذه؟ سُبحان الله! عطاء إلهي، غير مجذوذ!
توفيت مُنذ دقيقتين:
يقول وجدتني في العالم الآخر، لقد ارتحلت من هذه الدُنيا، ورأيت الملائكة، فهُرعت إلى ملك طيب عطوف، وتوسلت إليه، ضمن مَن توسلت إليهم، أن أعيدوني إلى الدُنيا! أُريد أن أعود من أجل زوجي، التي تركتها، ومن أجل ابني، الذي لم ير النور.
قال فقد تركت زوجي، وهي حامل في شهرها الثالث! أعيدوني، أعيدوني؛ لكي أرى كيف يعيشون؟ ماذا سيتفق لهم في حياتهم؟ فأجابني الملك العطوف الرحيم؛ لا تقلق، لا تقلق! سترى كل شيء!
قال ثم أتاني بشيء مثل الشاشة! بعد ذلك، الشاشة هذه ستُصبح شاشة عرض؛ عرض تلفزيوني، عرض سينمائي! لوحة! للأسف بعض المُترجمين، ترجم أتاني بشاشة تلفزيون Television! لم يكن هناك تلفزيون Television في تلك الأيام.
أنطون تشيخوف Anton Chekhov مات قبل عصر التلفزيون Television، تنبيهاً؛ لم يكن هناك تلفزيون Television معروف للعوام. كانت هناك أبحاث تلفزيون، كانت في آخر القرن التاسع عشر، لكن لم يكن معروفا التلفزيون Television ولم يكن مُصنعا وكذا. المُهم؛ شاشة، لوحة! لوحة؛ لوحة عرض، مثل Blackboard، نعم! أي سبورة.
أتاني بشاشة، وقال لي سترى كل شيء هنا. الزمن هنا ليس كهناك، الدقيقة هنا بأيام كثيرة هناك. قال فنظرت في الشاشة، فصرت أرى كل شيء، وبسرعة عجيبة! وأستوعب كل شيء! رأيت امرأة، وكيف وضعت ابني، وكيف نجت! ورأيتها تقبض راتبي التقاعدي. الحمد لله، اطمأن عليها، أن عندها مصدر رزق، أفلحت في أن تقبض من بعده راتبه التقاعدي.
ورأيت ابني يَكبَر! يَكبَر: ينمو! لا تقل يَكبُر. يَكبُر من الكبرياء. يَكبَر يعني: ينمو. ورأيت ابني يَكبَر! ورأيت إخوتي يتزوجون، الواحد تلو الآخر! وغيرت زوجي أثاث البيت. رأيت أشياء كثيرة! كثيرة! واطمأننت عليهم.
لكن خلف كل المرائي، وكل المشاهد، التي رأيتها، واختصرت سنين طويلة، كان هناك ظل أسود، باهت، في خلفية الشاشة، كان مُلازما لكل المرائي! ولا زال يبهت، ويصغر. فقلت للملك العطوف الكريم أرجوك، أخبرني ما هذا الظل؟ وكان عطوفا كريما، قرّبه لي جدا، حتى أصبح واضحا، ورأيته.
هذا الظل رأيته على مدى خمس عشرة سنة! هو أروه في هذه اللحظة، خمس عشرة سنة، مرت على الأرض، كبر فيها ابنه، وحدثت كوائن ومجاريات كثيرة. قال وعبر الخمس عشرة سنة، بتوقيت الدُنيا، أنا كنت أرى هذا الظل، دائما! وكنت أراه يبكي. وكلما كان يبكي، كنت أبكي. لقد كانت أمي!
قصة عجيبة ومؤثرة! أي يُريد أيضا أنطون تشيخوف Anton Chekhov – طيب الله ذكره -، بعد أن ذكر هذه القصة المُمتعة العجيبة، أن يوصل إلينا مفهوم التكثيف؛ Condensation!
لكن ليس بمعنى التكثيف في التحليل النفسي، لا! مفهوم التكثيف؛ كيف يُمكن للحظة أن تكون حُبلى بأحداث خمس عشرة سنة؟ كيف يُمكن في العالم الآخر أن ترى في لمح البصر – في لمحة بصر، طرفة عين واحدة – أحداث خمس عشرة سنة؟ وتُعايشها، كأنك عشتها حدثا حدثا، نفسا نفسا، خُطوة خُطوة!
هذا مُمكن! وهذا سنتحدث عنه في تجارب ما بعد الموت. هذا يحدث مع مُعظم العابرين إلى هناك، والراجعين من هناك، الذين أخبروا ورووا، عادوا ليرووا! شيء غريب!
فإذن هو بلغنا مفهوم التكثيف! لكن بلغنا مفهوما، وحقيقة أعظم بكثير! بكثير! أن زوجك، إن نسيتك، أبناؤك إن ذهلوا عنك؛ لأنهم حتى لم يروك أصلا، العالم كله، إن نسيك، شخص واحد وحيد، لا ينسى، ولو غاب على موتك، ليس خمس عشرة سنة، بل مئة سنة! إنه أمك. الأم شيء حاضر باستمرار!
مما لفتني؛ أحد الإيرانيين، الذين كانوا يُقاتلون في سوريا، حدث معه الآتي! وأنا – يعلم الله – أذكر هذا لوجه الله. المُهم؛ الرجل أيضا دخل في العالم الآخر، جاءته قذيفة كبيرة في الدبابة، استُشهد زميله. قال عُذبت عذابا!
هذا التلفزيون الإيراني عرضه، ودُبلج إلى العربية! عُذبت! لم يسأله المُذيع لماذا عُذبت؟ مع أنه رجل صالح، وذهب يُجاهد؛ لكي يُخلص مرقد السيدة زينب، من الأعداء طبعا! إذن لماذا تُعذب؟ قال عُذبت عذابا رهيبا! من الصباح، حتى المساء، وأنا أُعذب!
وكان يأتي أبي، ويصرخ في ملائكة العذاب؛ أطلقوه! لماذا تُعذبونه؟ ما الذي جناه؟ ماذا فعل؟ فلا يلتفتون. فقط أمي – يقول. لا إله إلا الله – حين كانت تأتي، لأجل أمي، كانوا يُخففون عني العذاب ويتراجعون. لا إله إلا الله!
يبدو أن الله – تبارك وتعالى – حتى في عوالم الآخرة، لا يكسر بخاطر الأم، لا إله إلا الله! الأم شيء عجيب عند الله – تبارك وتعالى -! كما قلت لكم يبدو أنها أعظم نافذة من نوافذ رحمة الله التي يرحم بها الخلق بالخلق!
أعظم خلق يرحم الله به خلقا: الأم! يرحم بها أولادها، شيء عجيب! ليس فوق رحمتها بالخلق، إلا رحمة النبيين والمُرسلين، بأممهم ، أكيد! أعظم من هذا! غير هذا، لا يُوجد! وربما تُساويها، وهذا موضوع يحتاج إلى بحث وتحقيق.
طبعا لم يسأل نفسه لماذا عُذب؟ وهو رجل صالح ومُجاهد! أنا الذي فهمته – ولم يسأله المُذيع، ويا ليته سأله -: إياكم والدماء! إياكم والتخوض في دماء المُسلمين، في حياة المُسلمين! إياكم وهذه الحروب الأهلية!
ولن يُفيدكم عند الله: أنني شيعي، طيب، من أهل البيت – عليهم السلام -، ذهبت أُخلص مرقد السيدة زينب – عليها السلام -، من الوهابية والمُشركين والقتلة! أنت تقتل مُسلمين، تقتل موحدين، وهم ليسوا خيرا منك! هم جاءوا ليقتلوا أيضا مُسلمين وموحدين!
نسأل الله أن يكف أيدينا، بعضنا عن بعض، وعن كل البرآء من خلق الله – تبارك وتعالى -، مُسلمين وغير مُسلمين.
نسأل الله – تبارك وتعالى – ألا يُورطنا في قطرة من دم بريء. والله العظيم لا يزال المؤمن في فُسحة من دينه، ما لم يُصب دما حراما. يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – فإذا أصاب دما حراما، فقد بلّح. ما معنى بلّح إذن؟ أيس من رحمة الله.
وها هو رجل مُجاهد، إيراني، ترك أهله وماله وعياله، وجاء يُجاهد – في ظنه وفهمه الرجل -، دخل إلى العالم الآخر، يُعذب! من حين دخل البرزخ وهو يُعذب! ووصفه بطريقة مُخيفة على فكرة، العذاب! وصفه! ظل يُعذب.
للأسف لم يسأل نفسه، ولم يسأله المُذيع؛ لأن يبدو ليس من المصلحة أن يسأله، إذن لماذا عُذبت؟ ما الذي تُرجح أنه كان سبب عذابك؟ عندي، ولا أشك في هذا، سبب العذاب أنك تورطت في دماء مُسلمين. وهذا لا ينطبق على شيعي قتل سُني، ينطبق على سُني أيضا قتل شيعيا، على كل مَن قتل امرأ بغير حق.
نسأل الله، كما قلت، مرة أُخرى، نسأل الله ألا يجعل لأحد في أعناقنا مظلمة، لا من دم ولا من مال ولا من عرض، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم اعف عنا، وعافنا، واغفر لنا، وارحمنا، وألطِف بنا، وأكرمنا، وتجاوز عنا، وتقبل عنا أحسن ما عملنا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
لا تدع لنا في هذا اليوم الكريم ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا كربا إلا نفسته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا غائبا إلا رددته، ولا أسيرا إلا أطلقته، ولا مدينا إلا قضيت عنه دينه، وأذهبت همه وغمه وحُزنه، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أغننا بالافتقار إليك، ولا تُفقرنا بالاستغناء عنك. اللهم اجعلنا هُداة مُهتدين، غير ضالين ولا مُضلين، سلما لأوليائك وعدوا لأعدائك، نُحب بحُبك مَن أحبك، ونُعادي بعداوتك مَن خالفك.
اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجُهد وعليك التُكلان، وأنت المُستغاث وبك المُستعان، ولا حول ولا قوة إلا بك.
اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربونا صغارا، اجزهم بالحسنات إحسانا، وبالسيئات مغفرة ورضوانا، واغفر اللهم للمُسلمين والمُسلمات، المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، بفضلك ورحمتك، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات. لا إله إلا أنت، سُبحانك، إنا كنا من الظالمين!
عباد الله/
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْق ُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *، وأقم الصلاة.
(انتهت الخطبة بحمد الله)
(23/9/2022)
أضف تعليق