الحلقة من سلسلة سواتر العقل – برنامج في الميزان

video

سلسلة سواتر العقل – برنامج في الميزان
الحلقة الأولى  
25/10/2025
الدكتور/ عدنان إبراهيم
في ضيافة الدكتور/ موسى الزبيدي

 

  • حياكم الله، أيها الكرام، في برنامجكم “في الميزان”، وعلى منصتكم “أربعون” :
    حلقتنا لهذا اليوم، سنتوه في دهاليز العقل البشري؛ اللاوعي، التشويش، التحيز… أمور كثيرة! أفضل مَن يُحدِّثنا عنها، أيها الكرام، المُفكِّر والفيلسوف… مُسميات كثيرة يستأهلها هذا الرجل، وسألناه قبل أن نكون فيها على الهواء، قال الذي تُحبه! وأنا أعتبر أن هذا الشيء من تواضعه. رحِّبوا معي، أيها الكرام، بالدكتور عدنان إبراهيم.

دكتور، أهلا وسهلا بكم، في منصتكم “أربعون”.

  • يا حياك الله، أستاذ.
  • أهلا بك.
  • حياك الله، دكتور موسى.
  • حياكم الله وبياكم.
  • أهلا بك.
  • دكتور، ربما المواضيع هذه التي نتحدَّث فيها؛ التحيز، اللاوعي، التفكير الجمعي، الرغبوية! أمور ربما يعتقد البعض بأنها أمور سهلة، يستطيع أي إنسان أن يفهمها، يتفهمها، يُسايرها في حياته! لكن لك مُقاربة، ولك كلمة، في هذا الموضوع، حول تطوير العقل العربي، تجديد العقل العربي، فلو تُحدِّثنا بداية عن هذه النُقطة، لننطلق – إن شاء الله – في هذه الحلقة المُباركة.
  • بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
  • عليه الصلاة والسلام.
  • اللهم افتح علينا بالحق، وأنت خير الفاتحين.

في البداية أود أن أشكرك، عزيزي دكتور موسى، على هذه الدعوة الكريمة، وإن كان عنوان البرنامج “في الميزان”، “خضني” (قولة المصريين)! في الميزان؟

  • لماذا “خضك”، دكتور؟
  • أنا لم أسألك عن عنوان البرنامج! فأسأل الله أن يكون وزني ماتعا.
  • ماتع – إن شاء الله – طبعا.
  • بمعنى، على الأقل، ألا تشيل كفتي. إذا شالت، هذا سيكون شيئا مُحزنا.
  • أنت يا دكتور معروف.
  • إن شاء الله تكون ماتعة…
  • يعطيك الصحة والعافية – إن شاء الله -.
  • راجحة – إن شاء الله -، غير شائلة.
  • إن شاء الله.
  • طبعا أني أفضل مَن أتحدَّث في هذا الموضوع… لا، لا! وليس تواضعا. بمعنى، لو كنت مُرشحا، أن أتكلم في هذه الموضوعات، شيء جيد. أما أن أكون أفضل مَن يتكلم فيها، لا، لست هناك، على كل حال.

وطبعا شاكر لك مرة أخرى أيضا… ذلك شكر مُجمل وشكر عام، هذا شكر أكثر تفصيلا.

  • الله يجزيك الخير، دكتور.
  • لأنك اخترت هذه الموضوعات بالذات. وهذا ليس موضوعا واحدا…
  • نعم.
  • هذه موضوعات، بحر من الموضوعات حقيقة، أو غابة مُشتجرة من الموضوعات!

لأنني مُقتنع قناعة كبيرة أن تفقهنا – إن جاز التعبير، طبعا نستعير الاصطلاح الديني أو الشرعي؛ تفقهنا -، تعمقنا، بمعنى صقل إدراكنا ومعارفنا، في هذه الموضوعات بالذات، بلا شك له مدخلية كبيرة، لا أقول في إنعاش، بل في تجديد، بل في إعادة صياغة، إعادة بناء، العقل المُسلم، والعقل العربي.

كيف؟ هذا سيظهر – إن شاء الله – عبر الحلقات، بشكل عام، لكن باختصار، كمُقدمة لهذه المُقاربة، يُمكن أن أقول:

أنت لا تُبصر إلا ما تُبصر. وأنت تُبصر ما تُبصر، بحسب الزاوية التي تُبصر منها، أو تنظر منها، وبحسب الموقع الذي تتموقع فيه، تتموضع فيه.

بمعنى، أُفق الرؤية لإنسان مثلا واقف على الأرض، غير أُفق الرؤية لإنسان يقف على تلة…

  • صحيح.
  • يقف على جبل.

كان نيتشه Nietzsche يستخدم هذا الـ Metaphor، أو هذا المجاز! كان دائما يستحب مجاز الذي ينظر من خارج المدينة. يقف على جبل، لينظر إلى المدنية، من خارجها. النظرة بلا شك تكون أكثر إحاطية…

  • شمولية.
  • وأكثر طبعا شمولية، بلا شك!
    فنفس الشيء، هذا الموضوع! نحن لا يُمكن أن نُدرك أخطاء تفكيرنا، أوهام كثيرة جدا تعرض لـ… ليس فقط لتفكيرنا، بل حتى لمشاعرنا وعواطفنا، وخياراتنا وتفضيلاتنا، وبالتالي طبعا سلوكاتنا ومواقفنا، إلى آخره! لا يُمكن أن نُدركها، ما لم نُلفت إليها. خير مَن يلفتنا إليها، هم أهل الفكر والذكر! الفلاسفة، وفي هذا العصر بالذات العلماء.

العلماء قاموا في هذا الباب بدور… بمعنى، أنا أعتقد لو بُعث كانط Kant من قبره، ووقف على بعض ما وصلوا إليه، سيكون مُندهشا وجذلانَ – نيتشه Nietzsche عنده أيضا العلم الجذل -!

سيكون جذلانَ فرحا جدا؛ لأنه سيقول لكم أنا قلت لكم! أنا قلت لكم إنكم لا تنالون ولا تُصيبون الحقائق بطريق المُباشرة. هذا غير مُمكن! أنتم تبنون حقائقكم. العقل الإنساني يُعيد بناء العالم، باستمرار! وهذه عملية محفوفة بالمخاطر، محفوفة بمخاطر جمة!

القضية السلبية، القضية التسجيلية، مُقاربة التسجيل؛ أننا نُسجِّل العالم كما هو، ينعكس العالم كما هو، ما يُعرف بالـ Naïve realism، أو الواقعية الساذجة، هذه ماتت! بمعنى، أكل عليها الدهر وشرب، لا يُمكن أن تجد الآن فيلسوفا مُحترما، أو عالما شدا في العلم التجريبي حروفا، يُمكن أن يصدر عنها، أبدا! القضية أعقد من هذا بكثير.

هذه المُقاربة، التي سنخوض – إن شاء الله – في بحارها… وبلا شك هي بحار! نرجو ألا نغرق – إن شاء الله – فيها؛ لأن الغرق فيها مُمكن جدا! هذه المُقاربة فعلا تُلقي أضواء هادية، وأضواء جديدة، على هذه المسائل.

طبعا ستقول لي ما الفائدة من هذا؟

  • نعم.
  • فوائد كثيرة!
  • نعم.
  • فوائد جمة! وطبعا قبل أن أعرض لبعض هذه الـ…
  • بمعنى، هذا سيؤثر على حياتنا، دكتور؟
  • تأثيرا فوق ما تتخيل! فوق ما يُمكن أن نتخيل حقيقة!

وأنا أعتقد أنها أنجح طريق، وأقصر طريق، لكي نتغير؛ لأنه إن لم يتغير هذا…

  • صحيح.
  • إن لم يتغير الدماغ، العقل، لا يُمكن أن يتغير أي شيء.

نحن أبناء أفكارنا، نحن أبناء أوهامنا!

نحن لدينا على فكرة قدر كبير من الأوهام، أكثر من الأفكار!

  • صحيح.
  • بمعنى، اليوم هذا… المساحة الجديدة، والمجال الذي سنخوض فيه – إن شاء الله تعالى -؛ مجال اللاشعور، أو اللاوعي… وليس بالطريقة الفرويدية أو اليونغية؛ الخاصة بسيغموند فرويد Sigmund Freud أو كارل غوستاف يونغ Carl Gustav Jung، لا، لا! بالطريقة العصبية العلمية اليوم، التجريبية الحديثة.
  • أنت دكتور، تحدَّثت عنها في خُطب عديدة، أي هذه الأمور. والمعروف عن الدكتور عدنان إبراهيم أنه لا يُعيد كلامه مرة أُخرى.
  • صحيح.
  • فاليوم نحن مُتحمسون، لأن نسمع شيئا جديدا بكلامكم دكتور، قد يستطيع تغيير فكر الناشئة، فكر حتى الكبار بالعمر؛ ما بعد الثلاثين، وأكثر.
  • نعم.
  • ما رأيك، دكتور؟
  • نعم، نعم! أنا أقترح هذا، واقترحت هذا ربما في لقاء قريب! أقترح أن تُدعَّم هذه الأفكار، في برامج…
  • المدارس والجامعات؟
  • المدارس والجامعات، وحتى ما بعد، الدراسة الأكاديمية، باستمرار! فتُصبح جُزءا من طريقتنا في التفكير، وطريقتنا في مُقاربة الأمور، كل الأمور!
  • بمعنى، هي تنقية العقل مثلا؟
  • سيضح، سيضح هذا بعد قليل، ما المقصود بالضبط؟ ما الذي نُريد أن نُراهن عليه؟ ما الذي نُراهن عليه؟ باختصار؛ لكي أُوضِّح طبعا وأُجمِل…
  • نعم.
  • هذه المُقاربة.

كما قلت أنت لا ترى إلا ما ترى. إذا غيَّرت الموقع أو الزاوية، انتهى! اختلفت المرائي.

نحن نُريد أن نرى أوسع، وأشمل، وأكثر أيضا اقترابا من الحقيقة، في تركيبها وفي كُليتها، قدر المُستطاع… طبعا كلها مُقاربات، كلها! لكن إذا غيَّرنا الموقع، وغيَّرنا الزاوية، بحيث تمكنا أن نرى أوسع وأشمل، هذا يُعتبر مكسبا، بلا شك!

هذه الحلقات، أو هذه المُقاربات…

  • السلسلة.
  • إن شاء الله…
  • نعم.
  • ستُساهم في هذا! ستُساهم في تعليمنا كيف نُغيِّر الموقع؟ وكيف نُغيِّر زاوية الرؤية؟

بمعنى، الآن لو أنت أتيت، وتوسلت بكل الوسائل المُمكنة، وطبعا تحدوك كل الرغبات الصادقة، أن تُغيِّر ما يراه، مَن يتموقع في موقع مُعين، وينظر من زاوية مُعينة، ستفشل.

يقول لك لا أرى! أنت تُكلمه من زاوية أُخرى، ومن موقع أعلى، يقول لك أنا لا أرى!

  • قد لا يرى.
  • لكن خُذه بكل بساطة، غيِّر موقعه، انتهى كل شيء.
  • سيرى.
  • انتهى، انتهى كل شيء! لماذا؟ لأنه الآن خبر هذا الشيء.

بالمثل، بالمثل تماما، مهما أزجيت الوقت، وأنت تُحاول أن تنقل خبرة اللون، إلى مَن وُلد أكمه…

  • لن تستطيع.
  • لن تستطيع. ستقول له الأحمر كذا، مثل لون الدم. يقول لك ما هو الدم؟ مثل لون الفاكهة النضيجة، مثلا التفاح الناضج. مثل لون الشفق. لن تستطيع! وفي نهاية المطاف، الفكر…
  • بمعنى، مُصطلح اللون عنده غير موجود أصلا.
  • مُستحيل… الخبرة! المُصطلح موجود، هو عنده اللون، يقول لك اللون. ولو سألته ما لون الدم؟ يقول لك أحمر. مثل ماذا؟ يقول لك مثل الشفق.
  • عنده في السواتر.
  • لكن هل عنده خبرة هذا اللون؟ ليس عنده، أبدا! هو يتحدَّث عما لا يخبر، فليس لديه إلا المُصطلح، إلا التسمية، لكن ليس لديه المُسمى.
  • المُسمى! نعم.
  • ليس لديه المدلول نفسه، أبدا! نحن لدينا الاسم والمُسمى طبعا. الاسم لون؛ لون أحمر، ولدينا أيضا خبرة بالمُسمى.
  • صحيح.
  • طبعا! هو ليس لديه هذا.

لذلك نفس الشيء؛ نحن نُريد لهؤلاء، ولأنفسنا طبعا بدرجة أولى، أن نخبر هذه الزاوية الأُخري في النظر، أن نخبر هذا الموقع في النظر. وحين نخبره، سنعيش الخبرة، انتهى! طريق قصيرة جدا.

لذلك ما فائدة هذه المُقاربات؟ فوائد كثيرة! في رأسها، أن نعرف حدودنا.

كلنا نُردِّد، وهذه من محفوظاتنا مُذ كنا صغارا، رحم الله امرأ…

  • عرف قدر نفسه.
  • عرف قدر نفسه. حديث نبوي!
  • صحيح.
  • رحم الله امرأ عرف قدر نفسه. مُشكلتنا جميعا؛ تقريبا قل منا مَن يعرف قدر نفسه.
  • صحيح.
  • بالعكس! تجد مَن ليس له علاقة في شأن مُعين، يتكلم كأنه أكبر الخبراء فيه! وهو مُقتنع بهذا!
  • نعم.
  • مُقتنع بهذا!
  • صحيح.
  • سيُخرِجه من هذه القناعة الساذجة، وهذه القناعة المُضلِلة العمياء، مثل هذه الحلقات. يقول آه! عشت زمانا وأنا أعمى، وأظن أنني سيد المُبصِرين! هذه الحلقات ستلفته إلى هذا.

كان شمس التبريزي، أستاذ مولانا جلال الدين الرومي – قدس الله سرهما -، يقول الناس عادة ما يميلون إلي تجاهل ما لا يستوعبونه.

أي شيء لا يستوعبونه، لا يفهمونه، يقولون لك هو غير مُهم. 

  • يكرهه، يكرهه!
  • يكرهونه، وحتى ربما يُعادونه؛ الناس أعداء ما جهلوا.

ولما سُئل تلميذه، العارف الكبير مولانا الرومي – قدس الله سره -، في أواخر حياته، قيل له يا مولانا، قرأت كثيرا، وكتبت كثيرا، ونظمت أشعارا كثيرة عرفانية، فما الذي بلغته؟ ما الذي استفدته؟ ما الذي عرفته؟ قال عرفت شيئا واحدا! يقوم مقام كل شيء! قالوا ما هو؟

طبعا تعرف الناس! كيف العامة يظنون أنه عرف السر الأعظم، الاسم الأعظم الذي تُستجاب به الدعوة…

  • يُريدون ما يحصلون به على الخُلاصة.
  • ويحصل به الغنى والتمول. تعرف، تعرف هذا! ويُغلَب به الأعداء، وهكذا.
  • فقال لهم عرفت حدودي.

عرفت حدودي! بعد كل هذا المشوار الطويل، مع الله ومع الناس ومع النفس، قال عرفت حدودي. مكسب عظيم!

مكسب آخر، عزيزي الدكتور موسى، أن ننضج.

أنا دائما أتحسر على نفسي أولا طبعا، وأتحسر على مَن أُحب، وإن شاء الله أزعم أنني أُحب هذه البشرية، هذه الإنسانية، إخوتي طبعا! في نهاية المطاف، كلهم إخواني وإخوتي.

أتحسر دائما على أنني لم أنضج بالدرجة الكافية. كيف أعرف هذا إذن؟

  • كيف؟
  • كيف أعرف هذا؟ أعرف هذا كلما قرأت في هذه الشؤونات، في هذه المسائل، أقول أوه! لم أكن ناضجا! وبالقياس والمُقارنة، أعلم أنني الآن أيضا، غير ناضج في أشياء كثيرة.

دكتور موسى، للأسف، بالنسبة إلى النُضج البدني، أعط البدن ما يأكل وما يشرب، سيتولى المُهمة، ينضج وحده.

  • أما النضج العقلي؟
  • لذلك ينضج البدائي ربما أحيانا أحسن حتى…
  • إذا الدكتور عدنان إبراهيم يقول عن نفسه إلى الآن لم ينضج! إذن مَن يستطيع أن ينضج الآن دكتور، وأنت تقرأ؟
  • دكتور، تعرف لماذا؟ ما منا الناضج الـ Perfect، الناضج الكامل، أبدا!

نحن لا ننضج إيزومترك Isometric، بمعنى Isometrically! إنما Allometrically – إن جاز التعبير -.

يُوجد إيزومترك Isometric، ويُوجد ألوميترك Allometric. إيزومترك Isometric: مُتناسقا. بمعنى، ينضج الجانب الكذائي، والجانب الفلاني، والجانب العلاني، فيك، بنفس النسبة.

لا! نحن لا ننضج بهذه الطريقة المُتناسقة، إيزومترك Isometric، إنما ننضج ألوميترك Allometric. فقد تجد أستاذا كبيرا، نفترض مثلا، في الفيزياء النظرية…

  • نعم.
  • لكنه فاشل جدا في التواصل الاجتماعي!
  • صحيح.
  • له مشاكل مع زوجته، ومع أصدقائه، ومع أبنائه، ومع جيرانه، ومع مرؤوسيه، ومع رؤسائه! وشخص مثلا دائما في محل انتقاد، المسكين! وهو طبعا ساخط، ويلعن العالم ومَن فيه؛ لماذا أُعامل بهذه الطريقة؟ وأنا أستحق أكثر من هذا! أنا عالم ذري كبير. مثلا!

جميل! نعم، أنت ناضج في العلم، ناضج في الحسابات الفيزيائية…

  • على المُستوى الاجتماعي غير ناضج.
  • لكنك لست ناضجا اجتماعيا.
  • نعم.
  • أحيانا أرى شخصا، في العقد الثامن… رأيت مرة أحد الفقهاء، في العقد الثامن – الله يرحمه -، مُجرد أن تنظر إليه… كان في لقاء مثل هذا، في التلفاز، وكان بلُغة رسول الله محبنطئا…
  • عليه الصلاة والسلام.
  • محبنطئا! بمعنى، في حالة غضب وتوتر. هكذا مُحبنطئ! لماذا؟ وُجهت إليه انتقادات مُعينة، ودافع عن نفسه بطريقة تُذكِّرني بطريقة حالات الإيجوEgo ؛ الـ Ego States، ربما أشرحها الآن، الخاصة بإيريك بيرن Eric Berne، مؤسس علم تحليل المُعاملات Transactional analysis. علم رائع جدا! عندي مُحاضرة قديمة فيه، ربما في أكثر من سبع ساعات، لخصت فيها هذا العلم.

فكل واحد منا يا دكتور… وهذا يؤكد مقولتي، أننا ننضج بطريقة لامُتناسقة! ألوميترك Allometric، وليس إيزومترك Isometric. فتجد الواحد فينا ناضجا في جانب مُعين، وبطريقة مُعجبة! ولكنه لا يزال طفلا غِرا، وطفلا مُشاغبا ضاجا…

  • في ناحية أُخرى.
  • صاخبا، في نواح! في نواح أُخرى أيضا! يا ليت في ناحية واحدة! في نواح!

هذه الحلقات ربما – إن شاء الله – أؤمل لها…

  • إن شاء الله.
  • إن شاء الله أؤمل لها، لا أُريد أن أُراهن، أنها تُساعدنا أن ننضج، على الأقل في نواح، دون نواح، نُحاول!
  • حمستنا يا دكتور! وربما الناس اليوم تُحب أن تعرف من أين يُريد أن يبدأ الدكتور.
  • نعم.
  • هل من اللاوعي؟ هل هو مدخلكم إلى هذه النُقطة، أو الفجوة الواسعة؟
  • جميل! إن شاء الله، لنبدأ من اللاشعور، أو من اللاوعي، بالطريقة الحديثة العصبية – إن شاء الله -، لكن أُريد أن أعود إلى قضية النُضج أيضا؛ لأنها تهمني.
  • تفضل.
  • أنطونيو غرامشي Antonio Gramsci، الفيلسوف الإيطالي الشهير…
  • نعم.
  • الشاب، ماذا كان يقول؟
  • كان يقول تظن كل حبة بلوط… تعرف البلوط!
  • شجرة كبيرة!
  • شجرة رهيبة فارعة!

تظن كل حبة بلوط، أنها ستُصبح بلوطة عظيمة – شجرة بلوطة عظيمة -، لكن ما لا تدريه – هذه البلوطة -، أن مُعظم حبات البلوط، يكون مصيرها، أن تُصبح طعاما للخنازير – أكرمكم الله -! وهذا صحيح.

القرآن الكريم أعطانا في هذا الصدد مثالا عجيبا جدا! حين قال كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ ءَاتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْـًٔا ۚ *.

  • الله! الله!
  • بمعنى، هذه الجنة، مُرشحة مثلا، أن تُثمر، نفترض خمسين ألف كيلو من الفاكهة، أثمرت خمسين ألف كيلو! الله يقول لَمْ تَظْلِم *.

وسؤالي الآن، تنويعا على هذه الآية العظيمة، كم منا مَن ظلم نفسه في هذا الصدد؟ كلنا! وأنا أول الناس، ظلمنا أنفسنا.

كم منا مَن أزهر بشكل كامل؟ الله حين خلقنا على فكرة، حين خلقنا جميعا، تقريبا باستثناء فقط مَن وُلدوا بإعاقة عقلية…

  • نعم.
  • وهذا موضوع آخر! لكن باستثناء هؤلاء، حتى الذين يقعون في حدود الذكاء المعياري… بمعنى، من خمسة وثمانين، إلى مئة وخمسة عشر، على الآي كيو IQ! هذا هو الذكاء المعياري، صحيح؟
  • نعم، صحيح.
  • لأن الذكاء العادي مئة! بمعنى، واحد على واحد، أو مئة على مئة! العُمر العقلي على العُمر الزمني، إذا مُتساويان: مئة! لأنه يُضرب في مئة طبعا! الناتج يُضرب في مئة. الانحراف المعياري خمسة عشر.

فخمسة وثمانون، إلى مئة وخمسة عشر، كل هؤلاء مؤهلون أن يكونوا أشخاصا مُميزين، وأن ينضجوا بطريقة مُمتازة، وأن يتركوا بصماتهم! ليس فقط في صراع البقاء العادي…

  • كحبة البلوط!
  • نعم، يُصبحون بلاليط!
  • أنطونيو غرامشي Antonio Gramsci!
  • شجر بلوط، فعلا! لكن للأسف الشديد مَن منهم مَن ينجح في هذا؟ الأقل على الإطلاق!
  • الناضج!
  • وهذا شيء مؤسف! هذا شيء مؤسف! بمعنى، مُعظمنا، يعيش ويموت، وهو ظالم لنفسه، تخيل!
  • صح.
  • نحن نظلم نفسنا! هذه الحديقة، أو الجنة، لم تظلم نفسها؛ وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْـًٔا ۚ *. نحن ظلمنا أنفسنا كثيرا، للأسف الشديد!

إن شاء الله ربما تُساعدنا هذه المُقاربات ألا نظلم، أو كما يُقال نسترد بعض ما سلبته منا يد الزمان، نسترد فيما بقي من أعمارنا، نسترد بعض هذه الأشياء – إن شاء الله تعالى -. فهذا أيضا مكسب عظيم!

أعتقد أننا إذا نضجنا، دكتور موسى، سنُصبح أكثر تواصلية، سنُصبح أكثر إنصافا – الـ Fairness -، أكثر عدلا، أكثر تراحما أيضا، وأكثر تفهما لبعضنا البعض.

ليس أكثر تطابقا، سنبقى مُختلفين! الجميل أن نبقى مُختلفين!

  • صحيح.
  • أقبح شيء أن نكون نُسخا كربونية من بعضنا البعض، صحيح؟
  • طبعا.
  • وطبعا هذا غير مُمكن، غير مُمكن! لكن نحن نُسخ غير كربونية، ولكنها مُتفانية! صحيح؟ يحرص كل منها على إقصاء الآخر…
  • صح.
  • الاستحواذ على الآخر، الهيمنة على الآخر!

لا! يُعجبني جدا… وأنا ذكرت إيريك بيرن Eric Berne، لا أدري الآن لماذا طفر إلى ذهني كلمة لطيفة جدا لألبير كامو Albert Camus! الفيلسوف والروائي الوجودي الفرنسي، المولود في الجزائر.

ألبير كامو Albert Camus كان يقول ماذا؟ انظر، كلمة عظيمة! تقريبا أنا خطر لي أنها تُلخص كل علم تحليل المُعاملات لإيريك بيرن Eric Berne! كيف؟

كان يقول لا تمش أمامي، فربما لا أتبعك، ولا تمش خلفي – بمعنى ورائي -، فربما لا أقودك، تعال وامش إلى جانبي، وكُن صديقي. الله! شيء من أروع ما يكون! والله درس في ثلاث كلمات.

لماذا؟ لا تمش أمامي، فقد لا أتبعك: لا تلعب معي دور الوالد…

  • صحيح.
  • أنك والدي، تُريد أن تُرشدني! أو دور القائد، أو الرسول، أو النبي، أو المُلهِم! تجعل نفسك بمثابة رسول! أنا لي رسولي، أنت لست رسولي.
  • فهذا دور!

ولا تمش…

  • خلفي.
  • ورائي. لا تتبعني! لا تمش ورائي، فقد لا أقودك: بالعكس! قد أودي بك إلى مهلكة. مَن قال لك إنني أصلح أن أكون قائدا لك؟ ضل مَن كانت العُميان تهديه. ضل…
  • الله، الله!
  • مَن كانت العُميان تهديه. فقد لا أقودك.

تعال وامش إلى جانبي، وكُن صديقي. الله! شيء من أروع ما يكون!

إيتيان دو لا بويسيه Étienne de La Boétie، صاحب العبودية المُختارة، سُئل مرة ما الذي جمع بينك وبين ميشيل دي مونتين Michel de Montaigne؟

هذا شيخ الشُكّاك في فرنسا طبعا! مقالاته طُبعت، أعتقد ترجموها الإخوة في المغرب، في أربع مُجلدات، هو صاحب المقالات!

ما الذي جمع بينك وبينه، وبينكما أمدٌ قصي؟ قال لأنه ليس مثلي، بالمرة! لذلك أنا حريص أن يكون صديقي هذا.

طبعا! حين لا يكون مُطابقا لك، لا يكون نُسخة منك، يُمكن أن تُثري شخصيتك، بالتواصل معه. وأيضا هو، يُثري شخصيته، بالتواصل معك. أليس كذلك؟

  • طبعا!
  • الأواني المُستطرقة، لا يتحرك فيها الماء، لكن بالتفاوت، يتحرك.
  • طبعا!
  • حركة الفكر، وتثمير ومُباركة…
  • الاختلاف…
  • الأشياء…
  • صحي!
  • لا بُد من الاختلاف! اختلاف المواقع، واختلاف الزوايا، واختلاف الموازين، واختلاف الثقل النوعي، والثقل النسبي، لكل شيء! أليس كذلك؟ هو هذا!

ففقط لكي ربما نلج… لأن الحديث – سُبحان الله -…

  • ذو شجون، نعم!
  • ذو شجون فعلا، يُمكن أن ننسى أنفسنا!

أُريد أن أقول أين يلتقي كامو Camus بإيريك بيرن Eric Berne، ولا أدري؛ هل استفاد أحدهما من الآخر؟ لا أدري! لكن أول مرة يخطر على بالي هذا، لأول مرة!

إيريك بيرن Eric Berne كان يقول الـ Ego States هذه ثلاث حالات:

حالة الطفل، وحالة الراشد؛ الـ Child والـ Adult، وحالة الـ Parent أو الوالد.

الوالد طبعا يلعب دور ماذا؟ القائد، المُهيمن، والراعي المُهتم.

الراشد هي الحالة السوية، المفروض أن تكون حالة شائعة، لكنها ليست شائعة!

  • ليست شائعة؟
  • ليست شائعة، أبدا! لا على المُستوى الفردي، ولا على المُستوى الـ Collective، أو المجموعي، أو الجمعي.

حالة الراشد هي الحالة الأقرب إلى العقلانية، والرُشد – طبعا الرُشد حتى! Rationality -، والواقعية.

تنظر إلى الأشياء تقريبا بعيون باردة، بأحجامها الحقيقية، وبأوضاعها كما هي، لا تُغيَّر لا الأوضاع، ولا الأحجام، ولا الموازين.

أما حالة الطفل، فهذه حالة تأسيسية، بدائية، فوضوية Chaotic، نستطيع أن نقول هيولانية. الطفل الضاج، الطفل الضحية، الطفل المُتشكي، الطفل المُتمرد Rebellious child.

إيريك بيرن Eric Berne كان يرى أننا نلعب هذه الأدوار، في اليوم، مرات ومرات! أحيانا ننتقل من حالة إلى حالة، في غضون ثوان، أو دقائق! تخيل! طبعا ولا ننتبه لهذا، لا ننتبه لهذا بالمرة! بمعنى، مثلا العالم إذا…

  • هذا يكون التقلب المزاجي، دكتور؟
  • لا، لا، لا، لا! غير المزاج، وغير الـ Roles؛ غير الأدوار! غير الأدوار، لا يزال!

الحالات هذه تقود الأدوار، تلعب بالأدوار، تُنوِّع في الأدوار. الحالات هذه شيء مبني معنا، مُنذ الطفولة أيضا، وبحسب ما مررنا به، من خبرات أيضا وتجارب، بما فيها التجارب التعليمية، والتجارب النفسية أيضا، والاجتماعية السطحية، والعميقة كما يُقال، أو المُضمنة! كل هذا يُشكِّل في نهاية المطاف…

وما منا أحد، إلا وهو خاضع لهذه الحالات الثلاثة للإيجو Ego؛ الـ Ego States! لكن الراشد يُحاول دائما أن يكون واعيا، بسطوتها عليه، ومن ثم أن يعود ليتموقع في موقع الرُشد، يُحاول! يكسر اللُعبة كما يُقال، يكسر الـ Transaction أو المُعاملة. هو يُسميها مُعاملة Transaction!

  • لكن هو سيكون بأي حالة دكتور، عندما يستيقن بأنه قد تغير مزاجه؟
  • يا سلام على السؤال! انظر، سؤالك في مُنتهى الذكاء!

هذا السؤال أيضا في لُب هذه الموضوعات، وأجابت عنه الهندوسية من قديم!

  • يا الله!
  • طبعا! الهندوسية دائما كانت تتساءل بصدد أيضا أعماق الإنسان! وحتى الكونفوشيوسية، والطاوية! هذه الفلسفات الشرق أقصوية القديمة، تعمقت في الإنسان كثيرا! لعلي الآن أذكر شيئا لطيفا، أيضا خطر لي الآن.
  • جميل!
  • المُهم، الهندوس كانوا دائما واعين بأن فينا أكثر من ذات، أو أكثر من أنا؛ أناوات! ألا تشعر دكتور، أنك أحيانا تدخل في حوار حقيقي؛ Dialogue حقيقي… مع مَن؟ مع ذاتك!
  • صحيح.
  • وهناك الشخص الأول؛ الأنا، وهناك الشخص…
  • الثاني؛ أنا.
  • الثاني؛ المُخاطب. إذن أنت قلت له كيف؟ لماذا تقول له هكذا يا عدنان؟ لماذا هكذا عملت يا عدنان؟ صحيح؟ أنت تُخاطب الشخص الثاني! مَن؟ إذن مَن الشخص الأول؟ هو أنت. مَن الشخص الثاني؟ أنت. إذن أكثر من أنا! شيء غريب!

الله يقول يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ *…

  • عَن نَّفْسِهَا *.
  • عَن نَّفْسِهَا *. نفس تُجادل عن نفسها! القرآن أعطانا إشارة.

وهناك الشخص الثالث؛ الـ He، والـ She، والـ It في غير العاقل. كيف إذن؟ نفس الشيء! أنت تقول يتظاهر أنه فاهم! عنَ مَن تقصد؟ عن نفسك! عن عدنان الآن!

الآن تتكلم عن الشخص الثالث؛ يتظاهر أنه كذا كذا! وذهب ودخل ونسي حاله في الكلام! يا أخي ما هذا الشخص؟ ما ابن آدم هذا؟

عن الشخص الثالث! الله أكبر! أنت تتحدَّث عن نفسك…

  • عن الثالث.
  • كأنك شخص ثالث.
  • صحيح!
  • الهندوس لاحظوا هذا من قديم! تخيل!
  • عجيب!
  • فهذا سؤالك، ما شاء الله! وهو في مُنتهى الذكاء! كيف الآن لمَن هو مُستغرَق في حالة الـ Child هذا، أو في حالة الـ Parent مثلا، أن يُدرك؟ مَن الذي أدرك؟ أنا من الأناوات الداخلية.

لذلك من أعاجيب… أبو حيان التوحيدي ماذا قال مرة؟ قال الإنسان أشكل على الإنسان! من أكبر المُشكلات التي أشكلها الإنسان، وحاول أن يخوض معها في جدل لا ينتهي، هو الإنسان نفسه!

  • الله، الله!
  • الإنسان أشكل على الإنسان! يقول أبو حيان التوحيدي. وهذا فيلسوف أيضا، كان أديبا كبيرا مثل الجاحظ، لكن عنده – سُبحان الله – آفاق فلسفية، أعمق من الجاحظ!

المُهم، في الـ Epistemology؛ نظرية المعرفة الحديثة، يتحدَّثون عن التفكير:

الـ First-order thinking؛ تفكير من درجة أولى، أو في المستوى الأول، والـ Second-order thinking!

كيف؟ الآن حين أُفكر مثلا في هذا الـ Mic، في الدكتور موسى، في الموضوع الذي أتعاطى معه الآن، هذا تفكير من درجة أولى، أقل!

تفكير من درجة ثانية؛ حين أُفكر كيف أُفكر؟ حين يُحاول العقل أن يعقل العقل، أليس كذلك؟ طبعا الإبستمولوجيا كلها ما هي؟ مُحاولة من العقل…

  • من العقل.
  • أن يعقل العقل! يدرس نفسه! العقل يعقل نفسه، ويُحاول أن يُلقي كما يُقال أضواء على عمله، يُحاول أن يضع مرائي، مرآة! أمام نفسه؛ لكي يرى نفسه.

العين لا يُمكن أن تُبصر نفسها، إلا في مرآة، صحيح؟

  • طبعا!
  • إذن سنبحث عن مرائي العقل، أو عن مرايا، عن مرايا العقل.

العقل لكي يعقل نفسه، يحتاج إلى مرايا. أنت الآن حين سألتني هذا السؤال العميق والجميل جدا… هزني! مَن الذي يتفطن أنه يلعب هذا الدور؟ بما أنه مُستغرَق فيه بالكامل، ينبغي ألا يتفطن له أصلا.

كالسمكة التي تكون…

  • في الماء.
  • في عُمق الماء، ما لم تُحدِث قفزة في الهواء، لن تُدرك أنها في الماء هي! بعض الأسماك طبعا تعيش، وتقضي – تموت وتهلك -، وهي عُمق المُحيط، ولا مرة تخرج إلى السطح.
  • صح!
  • فهذه مهما حدَّثتها، عن عالم آخر، وعن بُعد آخر، لن تُدرك! العالم كله عندها هو هذا الماء. تُحدِّثها عن الهواء، لن تستوعب هذا، أبدا! بخلاف التي قفزت مرة خارج الماء، أليس كذلك؟ نحن لدينا هذه القدرة على القفز، باستمرار!

على كل حال، إيريك بيرن Eric Berne يقول لك أنت تُراوح بين هذه الحالات، في اليوم مرات عديدة، بل في الموقف الواحد!

هذا العالم – الله يرحمه ويغفر له -، أذكر كيف أنه تحدَّث في لحظة مُعينة، من حالة الطفل! قال أنا فعلت كذا وكذا وكذا، لكن هم لم يُدافعوا عني، ولم يصدوا عني، ولم يُقابلوا إحساني.

هنا يلعب دور طفل! لكن من خلال موقع الطفل، من خلال حالة الطفل، طبعا! أنه يُريد أن يستدر العطف، يُريد أن يلعب دور الضحية، أنه المخذول، أنه مَن لم يُنصف! طفل!

لكن بعد دقائق مُعينة، ينخرط معه المُذيع مثلا، في سؤال مُعين، فيقول له لا، لا، لا! لست أنت الذي… أنا الذي سأوضح لك ماذا يعني هذا دينيا. أوه! دور الأب الآن؛ Parent، أرأيت؟

لكن مرات قليلة يُمكن أن ينجح أن يدخل في حالة الراشد!

حالة الراشد؛ احترم المُذيع تماما…

  • الموضوعي.
  • موضوعي! واحد إلى واحد، خُذ سؤاله بواقعية، بموضوعية. حين لا تُحسن حتى أن تُجيب، قل ليس لدي جواب، سأُجيب في حدود ما أفهم، أحدس بالجواب، ولقد أكون غير… أنت الآن راشد. أنت وأنا! هذا دور الراشد، تخيل!

أعتقد أنك لاحظت دكتور، كيف ألبير كامو Albert Camus لخَّص هذه القضية! لست قائدك، ولست تابعك، وأُريد أن…

  • كُن صديقي.
  • نكون أصدقاء. الله! إذن هو مُنحاز إلى حالة الرُشد، صحيح؟
  • النص!
  • ضد حالة الـ Dominance…
  • الأبوة.
  • الهيمنة، وضد حالة التابعية.

لا تابع، لا متبوع، وإنما رُشد، شيء جميل! هكذا يلتقي الفكر البشري.

على كل حال، الفوائد والعوائد من هذه الأشياء كثيرة جدا! العلم يا دكتور موسى… طبعا واضح أنه أُلفت كُتب في مُتعة العلم؛ الـ Pleasure of science، كُتب كثيرة! وهي جميلة وماتعة!

والعلم فعلا يتميز بمُتعة حقيقية، حقيقةً! ربما أحيانا أكثر من الفلسفة، له مُتعته الخاصة! لأن الفلسفة مُجردة جدا – وأنا أعشقها -، مُجردة جدا وصعبة على مُعظم الناس.

العلم علي التخوم، بين التجريد، وبين التشخيص، طبعا! هو يشتغل في العالم المادي…

  • صحيح.
  • ولكن عنده بارادايمات، وعنده ميتافيزيقيات، مُجردة أيضا! لولا أنه ينطلق منها، ما اشتغل.
  • بالضبط!
  • فهو – ما شاء الله – بين العالمين، لذلك جميل، وعنده مُتعة!

لكن أمتع ما في العلم، ليس وهو يدلنا كيف نُفهم المادة؟ كيف نفهم الكون؟ كيف نفهم النبات؟ كيف نفهم الحيوان؟ لا! أجمل ما في العلم حقيقةً – وإن شاء الله، أنا أُراهن على هذا، سيظهر هذا من خلال هذه الحلقات – حين يدلنا كيف نفهم أنفسنا؟

  • يا سلام!
  • طبعا! مع أننا نظن على فكرة أن أكثر شيء نفهمه هو أنفسنا! وأقصد بأنفسنا…
  • حدودنا.
  • لا، لا! النفس الذاتية، نفسي أنا كعدنان…
  • نفسي أنا.
  • نفسك أنت كالدكتور موسى.

نظن هذا! ليس النفس البشرية بالمُجرد، ليس الإنسان الكُلي، الـ Universal، المفهوم الكُلي للإنسان، لا! إنما…

  • حدودي أنا.
  • الأنا الفردية…
  • نفسي أنا، نفسي!
  • الـ Individual، نعم!

نظن! لا، أبدا! حتى المشاعر، لا نفهمها!

تقول لي المشاعر؟ الأفكار ربما فيها مُغالطات Fallacies، فيها معلومات ناقصة، فيها معلومات فطيرة، غير ناضجة، مُبتسرة كما يُقال، بمعنى وُلدت قبل أوانها، لكن المشاعر؟ مشاعري؟

نحن للأسف تُضللنا مشاعرنا، ونجهلها، ولا نفهمها، بالقدر نفسه الذي لا نفهم به مُعظم أفكارنا أيضا! وهذا سيضح – إن شاء الله – في الحلقات، حلقة حلقة ربما، وسؤالا سؤالا.

  • وأكثر شيء، قد يُوضح للسادة المُشاهدين، هو الأمثلة، دكتور.
  • نعم.
  • أنا أعرف أن عندك كثيرا من الأمثلة، التي ستُوضح هذا الكلام! كلام يحتاج منا أن نفهمه ونصغي إليه بشكل عميق؛ حتى نستطيع تفكيكه! لأن المثال، أعتقد دكتور، سيُوضح بشكل أسهل للمُشاهد والمُشاهدة اليوم.
  • أكيد!
  • اللاوعي دكتور… عندما نتكلم عن اللاوعي… العلماء لم يستطيعوا أن يُحدِّدوا ما هو الوعي، فما بالك باللاوعي؟ بمعنى، كيف سأصل إلى هذا الطريق، إذا كنت أنا أصلا لست على هذا الطريق؟
  • نعم! طبعا أرجو أن تُسامحني، أستجيزك ألا نصطنع مُقدمة عن تاريخ البحث في الوعي واللاوعي؛ لأن هذا سيُصبح مساقا آخر مُختلفا تماما، وسيأخذ منا ساعات! لكن باختصار، باختصار أُريد أن أقدم مُقدمة يسيرة جدا جدا…
  • لو تُقدم لنا إياها، دكتور!
  • نعم.
  • نعم.
  • قبل أن أتحدَّث عن اللاوعي الذي أُريد أن أخوض فيه – إن شاء الله – في هذه …
  • نعم.
  • الحلقات، أُريد أن أُذكِّر فقط بأن هذه الحلقات… ربما إن شاء الله، إن قُدِّر لها، أن تتم وأن تُنجز، بحول الله تبارك وتعالى، وكله بيد الله عز وجل، هي تدور بشكل عام على سواتر، ما أُسميه سواتر العقل.

الأشياء التي تستر العقل، بحيث تحول بينه وبين التفكير الصائب السليم، الذي يُقارب الحقيقة بقدر أكبر، من الواقعية.

  • يُقارب الحقيقة؟
  • نعم، طبعا، طبعا! نحن تُرعِبنا لُغة إصابة الحقيقة؛ أننا أصبناها، أننا امتلكناها، أننا حزناها!

شيء مُرعب هذا على فكرة، شقاء البشر تقريبا من هذا! من أن كلا منهم يُظن أنه أصاب الحقيقة، وأنه احتازها، وامتلكها! ومن ثم ندخل في الأصوليات، للأسف الشديد!

لذلك من أهم… بمعنى، جُزء أيضا من أهمية هذه الموضوعات، وهذه المُقاربات: التواضع الفكري، Humility! نتواضع فكريا، أن يُدرك… كما قلت نعرف حدودنا! يُدرك كل منا أنه لم يُصب إلا جانبا بسيطا…

  • من الحقيقة.
  • من أحد الجوانب أيضا…
  • الله!
  • الكثيرة جدا، للحقيقة!

وهو على طريق التنمية باستمرار، باستمرار! بمعنى، ما من شيء مُغلق! بمعنى، كل ما تُدركه، دائما يحتاج، وقابل، للتطوير، والتعميق، باستمرار! فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ *…

  • عَلِيمٌ *.
  • وَقُل رَّبِّ *…
  • زِدْنِي عِلْمًا *.
  • زِدْنِي عِلْمًا *، مع أن هناك عطاء إلهيا! صحيح؟
  • صح!
  • قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا *، مع أنه عطاء إلهي! لكن العلة في القابل، وليست في الفاعل، طبعا! أنت لا تقدر… بمعنى، أنت لا تستطيع… أنت أمامك المُحيط! عطاء الله مُحيط، لا نهاية له، لا إله إلا هو! صحيح؟
  • صح.
  • نعم، يُعطي بغير حساب! ولكن أنت أمامك هذا المُحيط، والإناء هو فنجان! لا يُمكن أن تضع المُحيط في فنجان.
  • الله، الله!
  • انتهى! القابل هو فنجان، سيأخذ بمقداره، قال تعالى أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا *، واد أخذ ما يكفيه، ربما مليون غالون Gallon…
  • كفايته.
  • واد آخر أخذ عشرة ملايين غالون Gallon، واد أخذ مليار غالون Gallon، صحيح؟
  • صح.
  • هو هذا، نفس الشيء! نحن أودية أيضا، نحن أودية، البشر! كلٌ منا له الـ Capacity، أو السعة.
  • مُقاربة جميلة، دكتور!
  • السعة، نعم! فالعلة في القابل، وليست في الفاعل! العلة في القابل.
  • في القابل.
  • لذلك لا بُد أن نُدرك… هذا من بدهيات، هذا من ABC، التواضع الفكري، التواضع المعرفي! أن نُدرك أن كل ما نعرفه، قابل للتصحيح، وقابل للتخطئة طبعا، بلا شك! وقابل للزيادة، وقابل للتنمية، وهو ليس نهائيا، وهو ليس…
  • نهائيا.
  • ولذلك قُل رَّبِّ زِدْنِي *…
  • عِلْمًا *.
  • عِلْمًا *. القضية لا تنتهي.

معرفة الله تبارك وتعالى، أجل المعارف عند المؤلهة – اللهم اجعلنا منهم -، أجل المعارف! لأن المعرفة شرفها تابع لشرف المعلوم، صحيح؟

  • صحيح.
  • نعم، فأشرف معلوم هو الله، لا إله إلا هو! إذن هل يُمكن لأحد أن يدّعي أنه عرف الله معرفة تامة؟
  • أبدا.
  • يستحيل! إطلاقا! وهذا الوجود كله؛ علويه وسفليه، فليقته وخليقته كما يُقال، كله ماذا؟ مجلى، أو مجالي، لعلم الله تبارك وتعالى. مَن يستطيع أن يُحيط بها؟ لا أحد! أبدا، أبدا! لا يُمكن.

ما من أحد قادر على أن يحتاز شيئا يخص الله عز وجل، هذا مجلى من مجالي علم الله، لا تستطيع أن تُحيط به، اللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ *! ليس بالله وحده، حتى بمجالي علم الله، لا يُحاط بها، إنك تُقاربها، أنت تُقاربها! قال عز من قائل إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ *.

  • الله!
  • هذه آية عجيبة! إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ *… في هود؛ سورة هود! إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ *. أنا أفهم هذه الآية، على أن من معانيها، ولها معان كثيرة، من معانيها المُعجبة المُدهشة، هو هذا المعنى! يقول لك إياك أن تظن أنك عرفت الله مرة واحدة! أبدا! أنت لا تزال تعرفه.

ولذلك الذي تراه يتحدَّث عن الله الآن، كما تحدَّث عنه قبل سنة، اعلم أنه لا يسير، في طريق معرفة الله!

  • الله أكبر!
  • أبدا! هذا إنسان جامد، طبعا! بعض الناس هكذا، يتحدَّث عن الله، كما تعلم أن يتحدَّث عنه، وهو ابن خمس عشرة سنة!

أنت الآن ابن خمسين سنة، ابن سبعين سنة، ابن ثمانين سنة، بالله كيف تتحدَّث عنه الحديث ذاته؟ أين النُسخة الشخصية؟ المأخوذة بطريق ماذا؟ المُتحصلة بطريق التجربة، الخبرة! أليس كذلك؟

  • صح.
  • أنت خمس وأربعون؛ خمس وأربعون سنة، خمس وسبعون سنة، خمس وستون سنة، في السير إلى الله! إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ *، أين؟ أين النتيجة؟ أين المُحصل؟ إذن أنت ما عرفت الله، لست سائرا! معناها أنت لم تسر للأسف الشديد! والمفروض؛ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *.

أهم شيء في هذا الصراط: الله عز وجل، إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ *…

  • صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ *.
  • صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ *! أن نزداد معرفة بالله تبارك وتعالى.

نحتاج أن نتعلم هذا التواضع المعرفي، على أُسسه، وأن نعيش به! والله، العالم كله سيُصبح أكثر سعادة، وأكثر نُضجا، وأكثر كمالا – إن جاز التعبير -، أو أقرب إلى الكمال، أكمل مما هو عليه الآن، نحتاج إلى هذا!

فنعود إلى موضوع الوعي واللاوعي.

  • تفضل.
  • نعم، بالنسبة إلى اللاوعي، أطمئن المُشاهدين والمُتابعين؛ لأن بعض الناس يقول لك هذا الموضوع صدعنا، وأتعبنا، ومللنا من الحديث عن اللاوعي عند فرويد Freud، وعند كارل غوستاف يونغ Carl Gustav Jung، واللاوعي المجموعي، وقرأنا كذا!

لا، لا، لا، لا! لن أتحدَّث عن اللاوعي “تبع” (بالعامية)… “تبع” سيغموند فرويد Sigmund Freud، يُسمونه Personal unconscious؛ اللاوعي الفردي.

وطبعا صديقه، وتلميذه قبل ذلك، كارل غوستاف يونغ Carl Gustav Jung السويسري، عنده الـ Collective unconscious، الذي هو اللاوعي المجموعي، أو الجمعي.

لن أتحدَّث عن هذا، ولا عن هذا.

  • عن هذا، ولا عن هذا.
  • أبدا! لأن هذا لا يهمنا الآن. ليس تخطئه له، أو تصويبا، لكن هذا لا يهمنا، هذا حديث استنفذ أغراضه، استنفذ أغراضه!

أنا ابنتي مُتخصصة في علم النفس، سألتها مرة، عن فرويد Freud، قالت بابا، نحن كل ما درسناه عن فرويد Freud، وتعرضنا له، في كل هذه الدراسة، لا يُجاوز خمس عشرة صفحة. قلت لها ماذا؟ قالت لي نعم، نعم! أبدا! أصبح شيئا تقريبا من التاريخ! نعم، والله!

لكن ما أتحدَّث عنه، هو شيء مُختلف تماما، أو إلي حد بعيد، على كل حال؛ لأن بصراحة هناك نقاط التقاء أيضا، لكن إلى حد بعيد مُختلف، وهو اللاوعي، أو اللاشعور، بالمعنى العصبي! بالمعنى العصبي، بالمعنى الدماغي!

  • حتى غير عن المُحاضرات، التي تحدَّثت فيها دكتور، سابقا؟
  • غير! سوف يكون في أشياء كثيرة غير طبعا، طبعا!
  • لكن هي نفس المُنطلقات؟
  • المُصطلح اسمه Subliminal.

طبعا ليس الـ Subliminal الذي يتعاطاه شبابنا وبناتنا، مع حُبي واحترامي لهم، أي بطريقة الـ Secret والسر والتنمية البشرية و… لا، لا، لا، لا! هذا موضوع علمي مُحترم، موضوع عن تجارب علمية في علم الأعصاب، وما تفرع في هذه المجالات، ليس له علاقة بالـ Subliminal الخاص بهؤلاء، للأسف الشديد!

وطبعا هذا أيضا محبة مني وحرص؛ أنا أُلاحظ في أبنائنا وبناتنا، أن هناك فورة! هناك فورة، عُرام ثقافي ومعرفي، جميل جدا جدا! للأسف مُعظمه مُتوجه في أشياء لا تُنتج كثيرا!

  • ربما تكون سطحية.
  • كتابة قصص وروايات!
  • روايات!
  • بشكل غير طبيعي! مئات ألوف الروايات الآن أصبحت… وبعد ذلك تجد الشاب عُمره ثلاث وعشرون سنة، يكتب رواية! الفتاة – ما شاء الله – عشرون سنة، تكتب رواية!

أفضل؛ وجهي هذا العُرام، وهذه الفورة المعرفية، إلى علم حقيقي، إلى فن حقيقي، إلى أدب حقيقي، إلى فلسفة حقيقية.

  • سيزعل عليك الكتّاب، دكتور.
  • طبعا! لأنك ستُضيفين بعد ذلك.

لكن نستعجل، ونكتب قصصا وكذا! هذا ليس مُفيدا كثيرا.

  • نعم.
  • نعود؛ الـ Subliminal! طبعا تعرفون الـ Sub، معناها تحت.
  • نعم.
  • يقول لك Subway! أي Underground. Sub: تحت. Līmen بالـ…
  • الفرنسية؟
  • اليونانية.
  • اليونانية.
  • معناها العتبة، أي Threshold!

تحت العتبة! المقصود الآن – في هذا العلم؛ في علم الأعصاب، وما تفرع منه، وعلم النفس العصبي، وعلم كذا، إلى آخره! – ما تحت عتبة الوعي.

لو افترضنا أن هذا هو الوعي، هنا تُوجد عتبة، ما تحتها: هذا هو الـ Subliminal.

  • العقل الباطني؟
  • طبعا هو، بالمُصطلح القديم، كان يُقال عنه العقل الباطن، أو اللاوعي أيضا! لكن هذا ليس بمعنى العقل الباطن، أو اللاوعي، الـ…

الفرق باختصار، وببساطة، بصراحة:

اللاوعي القديم، والعقل الباطن، واللاشعور القديم – كلها طبعا أسماء لمُسمى واحد -…

  • نعم.
  • هو قضية نفسية، حفزتها آليات مُعينة، مثل الكبت، مثل الكبت عند فرويد Freud! هي التي حفزت هذا الشيء. يمر الطفل الصغير، وخاصة في السنوات الخمس الأولى، بحسب التحليل النفسي طبعا…

فرويد Freud مؤسس علم التحليل النفسي.

  • النفسي، نعم!
  • كارل غوستاف يونغ Carl Gustav Jung مؤسس علم النفس التحليلي، شيء مُختلف!

إيريك بيرن Eric Berne مؤسس علم تحليل المُعاملات، هذا أيضا تخصص ثالث، وهكذا!

المُهم، فيتحدَّث أنه في السنوات الخمس الأولى، يمر الطفل بتجارب صعبة مُعينة، أو تجارب مُخزية، أو تجارب لا تسمح المقاييس والمعايير الاجتماعية والثقافة العامة بالتعبير عنها، أو حتى بالمرور بخبرتها؛ أنك… لا تسمح أن تتحدَّث عنها! فيحدث لها ماذا؟ الكبت هذا! وبعد ذلك هذا يتظاهر بأشياء أُخرى كثيرة، تحدَّث عنها التحليل النفسي، بإسهاب شديد جدا جدا! هذا هو ببساطة.

لا! الـ Subliminal شيء مُختلف تماما! ليس له علاقة بقضية آليات دفاعية، أو كبت وغير كبت وكذا، أبدا! يتحدَّث عن أن الهندسة الدماغية، بنيتنا الدماغية… الدماغ؛ الـ Brain!

الـ Brain مُهندَس مصوغ مبني مُهيكل، بطريقة مُعينة، وفيه مُكونات، عُضيات وأعضاء مُعينة، تشتغل، عندها وظائف! هذه هي المسؤولة عن هذا الـ Subliminal.

ستقول لي نحن ضحايا بنيتنا الدماغية؟ بالضبط!

بمعنى، الـ Subliminal هذا…

  • هو الذي يتحكم فينا!
  • يقوم… نعم! يتحكم فيك بقدر كم؟ بقدر كبير جدا؛ خمسة وتسعين في المئة!
  • معقول، دكتور؟
  • العلماء يقولون خمسة وتسعون في المئة!

وظائفك المعرفية المُوعى به منها يُساوي خمسة في المئة فقط! وغير المُوعى به منها خمسة وتسعون في المئة! وهذا رقم طبعا مُحبط، وسوف نرى طبعا، وسيثبت لنا هذا طبعا! سيثبت لنا هذا، عبر تجارب كثيرة نتحدَّث عنها.

  • هذا علم يصلح للمُخابرات العسكرية، دكتور!
  • طبعا، طبعا! وهم يهتمون بهذه الأشياء على فكرة! يهتمون به، نعم! بمعنى، مَن تفنن في هذه العلوم، أو مَن وقف حتى على بعض عطاءاتها، طبعا يستجد له اهتمام كبير بها، من الساسة، من المُديرين الكبار، حتى من مُديري أو وكلاء البيع، أو الـ Sales.
  • صحيح.
  • يهتمون بهذا! يعرفون أنه يؤثر الآن.

الآن يُوجد عندنا حقل جديد كامل، اسمه علم الاقتصاد السلوكي! يقطع، ولا يتقاطع، يقطع مع علم الاقتصاد القديم…

  • يا سلام!
  • الذي كان مبنيا على قاعدة كبيرة؛ أن الناس وهي تجترح قراراتها الاقتصادية، هي كائنات عاقلة! أنه يتخذ دائما الخُطة الأكثر ماذا؟ الأكثر مردودية! أقل قدر من الدفع، بأكثر قدر من العائد.

غير صحيح! علم الاقتصاد السلوكي Behavioral Economics يقول لك أبدا! مُعظم الناس على الإطلاق ليسوا عقلانيين. وهذا شكَّل صدمة…

  • الله أكبر!
  • لعلماء النفس الكلاسيكيين.

والآن طبعا علم التسويق، وعلم الدعاية والإعلان، ووكلاء البيع، يعتمدون على ماذا؟ على هذا الحقل الجديد، على علم الاقتصاد السلوكي! ويستفيدون جدا جدا جدا منه.

  • تراهم…
  • طبعا! عن علم.
  • مُفعَّل هذا العلم، دكتور؟
  • يدرسونه طبعا، يدرسونه ويتعلمونه! ويشتغل؛ It works، يشتغل جيدا!
  • أكيد، يشتغل!
  • طبعا يشتغل؛ لأنه علم، علم ثابت بالتجارب، وهناك نسب إحصائية! هناك نسب إحصائية.

لكي أوضح لك فاعلية الوعي، بالمُقارنة مع فاعلية اللاوعي الكبيرة… مع أنه على فكرة حتى من أيام فرويد Freud، الوعي واللاوعي، بالمعنى الفرويدي، تقريبا شُبه بنفس التشبيه، وأخذ نفس النسبة! التي هي ماذا؟ Metaphor أو تشبيه جبل الجليد! الذي يظهر من جبل الجليد، هو فقط رأسه، في المُحيط.

  • نعم.
  • مُعظم هذا الجبل هو…
  • في الأسفل.
  • في عُمق المُحيط.
  • نعم.
  • الآن يقولون علميا، علميا نفس الشيء، المُوعى به من وظائفنا المعرفية خمسة في المئة، غير المُوعى به خمسة وتسعون في المئة. يُشبهون، يقولون لك ماذا؟ أنت الآن جالس… ليس مثل ربما هذه الجِلسة – اسم هيئة -، وإنما… لا! جِلسة في البيت، على أريكة…
  • مرتاح!
  • فاتح الـ TV، مرتاح تماما! لا يُوجد أي نوع من الـ Tension أو التوتر، أو الـ Stress وكذا!

تبذل طبعا أقل قدر من الجُهد. لذلك يُمكن أن تُواصل بهذه الطريقة ساعات طويلة، خاصة إذا لم تكن مُبدعا.

  • صحيح.
  • لماذا؟ المُبدع عنده فضول…
  • صحيح.
  • وعنده حُب الاستكشاف! المُبدع لا يُمكن أن يبقى في حالة واحدة، ساعات…
  • طويلة.
  • أو حتى سويعات.
  • صحيح.
  • مُبدع! هو يُحب دائما…
  • يستخسر وقته.
  • نعم، نعم! أما غير المُبدع، ومُعظمنا غير مُبدعين، يُمكن أن يظل ساعات طويلة، من فيلم إلى فيلم، من قناة إلى قناة، حتى ينام! لا تُوجد مُشكلة!

الآن يقول العلماء لو قارنت الطاقة التي يبذلها هذا الرجل، بالطاقة التي سيبذلها لو قام وقرر أن يركض ركضا سريعا… كم النسبة؟ فرق هائل…

  • هائل!
  • جدا جدا!
  • طبعا!
  • الذي يركض هذا الركض السريع، يبذل مئة ضعف – مئة، تخيل! ليس عشرة، مئة ضعف Hundred times، مئة ضعف -، الذي يبذله المُستلقي على الأريكة، عجيب! طبعا!
  • الآن بالإزاء، في المُقابل، في المُقابل ما يبذله…
  • العقل؟
  • الوعي… ما يبذله…
  • الوعي، في الحالة العادية… نحن حين نُفكر طبعا… دائما كما يقول علماء الأعصاب الدماغ مبني أيضا، مُهيكل، على أن يسلك أقصر الطرق، مثل الماء، أسلك الطرق! التفسيرات السهلة، التفسيرات التي لا تُرهقه، لا تحتاج إلى تركيز.

لكن إذا أراد أن يُركز… نفترض هذا الذي يُفكر هو فيلسوف، أو عالم كبير، يُريد أن يضع فروضا جديدة، يختبرها، كذا! يُركز! ركَّز، ركَّز، ركَّز… تركيز واع! كم الفرق في الطاقة؟ ستقول لي ربما مئة ضعف.

لا! فرق الإنسان حين يُركِّز بوعيه، عن الإنسان الذي لا يُركز ويستسهل…

  • على الأريكة!
  • فقط واحد في المئة! صادم! صحيح؟ صادم!
  • أنا توقعت تقول لي خمسة وتسعون بالمئة، دكتور!
  • واحد في المئة! في الطاقة؛ الـ Energy، فقط واحد في المئة! ستقول لي لماذا؟ لم أفهم! كيف؟

تعرف لماذا؟ لأن اللاوعي عنيد، ولا يزال يُصر على أن يتولى مُعظم المُهمة، يقول لك لا، لا تستطيع، أنا أرحم بك منك – ربنا عز وجل أرحم بنا منا فعلا -. يقول لك لا تستطيع. سأوضح هذا الآن علميا.

  • يا ليت، يا دكتور!
  • كيف؟
  • نعم! علماء الأعصاب، علماء الدماغ، يقولون فقط المُدخلات الـ Sensory؛ الحسية، التي تأتينا عن طريق المسموعات والمُبصرات، المذوقات، المشمومات، الملموسات، المضغوطات – إن جاز التعبير -… نشعر نحن بضغط، حتى لو خفيف! كل هذه المُدخلات الـ Sensory أو الحسية، تدخل بمُعدل أحد عشر مليون بت Bit في كل ثانية! الله أكبر!

البت Bit وحدة المعلومات طبعا! اصطلاح في الـ Information وكذا، وحدة المعلومات! طبعا هي دائما تُمثِّل وتُمثَّل بـ Zero أو واحد.

  • صحيح.
  • مفتوح/ مُغلق. موجود/ غير موجود. سار/ غير سار. هذا المقصود، أبسط تعريف للبت Bit.

أحد عشر مليون بت Bit في كل ثانية! لكن العقل الواعي، قادر على أن يتعاطى، في كل ثانية، مع خمسة عشر إلى خمسين! بعضهم قال ستون! يا سيدي حتى مئة! من خمسة عشر إلى خمسين بتا Bit! ماذا؟ خمسون بتا Bit من أحد عشر مليونا! خمسون بتا Bit من أحد عشر مليونا!

  • أرقام صادمة، دكتور!
  • طبعا! هذا العلم، هذا العلم – الحمد لله -، هذا ليس فلسفة، وليس دينا، وليس شعرا! هذا العلم؛ Science – Wissenschaft! هذا العلم.

لأن هذا ذكّرني؛ مرة حين كنت صغيرا… المُهم، في مأتم عمي – رحمة الله عليه -…

  • رحمة الله عليه.
  • طُلب مني أن أُلقي مُحاضرة. فألقيت مُحاضرة ذات طابع ديني علمي أيضا، وتحدَّثت فيها عن الكون وسعة الكون، أنا مُعجب بهذه الأشياء من قديم!

فقام لي أحد رجال العائلة، وهو كبير في السن، يصرخ؛ ما هذا؟ هذا كلام كذب! طبعا هو يظن السماء بطانية! ويظن الأرض هي حدود البلاد التي يعرفها! وهذه بطانية فوقنا، وانتهى كل شيء!

أنت تُحدِّثه أن الكون، فيه مليارات النجوم والمجرات، والأرض مثل حبة رمل على الشاطئ! الرجل كاد يُجن! والله كاد يضربني! فقام له طبيب طبعا، وكان في حالة جذل – طبيب متعلم في مصر -، قال له اسكت يا رجل، أنت جاهل.

لا أزال أذكرها، والله! فأنا أصبحت طبعا في موقع لا أُحسد عليه، بين رجل أُهين من أجلي، وبين إهانة وُجهت لي. فالمُهم، فهذه الأشياء تُعتبر لبعض الناس صادمة، لا يستوعبونها!

بمعنى، نحن دماغنا الواعي، العقل الواعي، يستطيع أن يتعامل مع ما مُعدله خمسة عشر إلى خمسين بتا Bit في الثانية! يعمل لها Processing، يُعالجها، أهلا وسهلا! يطبخها، يُعيد إنتاجها.

إذن والباقي؟ بمعنى، أحد عشر مليونا، ناقص خمسين؟ ولا شيء!

  • اللاوعي، دكتور؟
  • اللاوعي، تخيل! معناها كم يخدمنا هذا اللاوعي؟

اللاوعي الخاص بفرويد Freud يخدمنا في ماذا؟ اللاوعي الخاص بفرويد Freud يخدمك في القضايا، التي تسببت في كبت هذه الخبرات! قضايا الجنس، الرغبة في كذا… تعرف، عُقدة إليكترا Electra، عُقدة أوديب Oedipus! الكلام الفارغ هذا الخاص بفرويد Freud! لن أتكلم عنه! ومشاكل! الرغبات التي يُستحيا منها.

طبعا كما يقول العلماء لاوعي فرويد Freud بذيء، وشهواني، وPrimitive؛ بدائي. لا! اللاوعي الـ Subliminal مُتحضر؛ Civilized، وGlazed؛ مصقول، وSmoothy؛ ناعم، وذكي. لا! مُستوى آخر على فكرة، وجميل! هذا اللاوعي جميل جدا، بالنسبة للاوعي الفرويدي، السافل، المُنحط، كما يقولون!

المُهم، فإذن اللاوعي هذا يخدمك كثيرا، ليس في القضايا الفرويدية، في ماذا؟ فيما لا يُمكن أن تتخيله! وأنت جالس الآن، يخدمك في أشياء أنت لا تخطر على بالك، تخيل!

هو الذي يتولى الوحي لعضلات كثيرة في جسمك، بحيث يجعلك تجلس جلسة مُستريحة أكثر مثلا!

  • يا سلام!
  • هو الذي حين تكون تقود سيارتك مثلا، ومُتلق مُكالمة من زوجتك، وقد توترك هذه المُكالمة، فتغفل قليلا عن الانتباه، تفقد شيئا من اليقظة، فتجد نفسك دخلت في المُضاد كما يُقال! لكن في أقل من كسر الثانية، تعمل حركة، لولاها لوقع الحادث!

اللاوعي هو الذي تولى، لست أنت! بالحساب وبكذا، بالعكس! أنت كان يُمكن أن تعمل الحركة المُعاكسة تماما، ويقع الحادث. إذن مَن الذي تولى في هذه اللحظة؟ اللاوعي!

  • اللاوعي.
  • هو الذي تولى في هذه اللحظة، وأنقذك.

يُنقذك من أشياء كثيرة! حتى في المُعاملات البشرية!

  • حتى في المُعاملات؟
  • حتى طبعا!
  • بمعنى، نحن في المُعاملات البشرية، نعتقد دكتور، بأن نحن مَن يتولى الأمر!
  • لا، أبدا! اللاوعي. في أحايين كثيرة، وخاصة… انتبه، هذا أيضا مُهم في…
  • الفراسة وما فراسة…
  • نعم، أحسنت.
  • والذكاء العاطفي.
  • الفِراسة! يقول لك الفِراسة!

طبعا نتحدَّث عن الفِراسة، ومُعظمنا للأسف خذل هذه الفِراسة! كيف نخذل فِراستنا؟ نحن كيف نخذلها؟ بالمعايير الجاهزة، بالأحكام المقولبة، الـ Standards…

  • المُعلبة.
  • Norms! المُجتمع يُريد هكذا!

دعنا نضرب مثالا بسيطا، وندخل هكذا في موضوعنا، بالطريقة هذه أيضا…

  • حلو!
  • من زاوية أُخرى.
  • تفضل.
  • حين يُطلب منك مثلا، الحُكم على Factor أو عامل مُعين؛ مدى تأثير هذا العامل، أنت تظن أنك أجبت بنزاهة، وبإنصاف، وبما يُرضي الله كما يُقال، وما يُرضي ضميرك، وذكرت ما تعتقد!

في الحقيقة، لا! أنت خذلت ضميرك، وخُنت حدسك، أو فِراستك… الفِراسة طبعا هي هذه القدرة الداخلية على الحدس بأشياء. الفَراسة، لا! من الفروسية.

  • نعم، الفِراسة!
  • الفِراسة، نعم، هي هذه! أنت خذلتها أعظم خذلان! لماذا؟ لأنك لم تستمع إلى هذا الحدس الداخلي، وإنما ذهبت إلى ما ينتظره منك المُجتمع، حكّمت معايير المُجتمع!

في تجربة لطيفة جدا، ومشهورة جدا، في علم النفس الاجتماعي، ولها علاقة باللاوعي العصبي هذا، تقريبا مئة وعشرون مُتطوعة من النساء…

  • نعم.
  • أُعطين ملفا لفتاة تقدمت للفوز بوظيفة، في مركز تدخل أزمات…
  • نعم.
  • تُساعد في الأزمات.

المُهم، قابلها المُدير طبعا، مُقابلة طويلة، وكتب تقريره، وقدّمت هي ملفها الشخصي، الذي يتعلق بمسار حياتها ومؤهلاتها، لياقاتها، إلى آخره!

هذا الملف الذي يحتوي على تقرير المُدير، مع ملفها الشخصي، أُعطيَ لمئة وعشرين مُتطوعة، لكن مع تنويعات!

بمعنى، في هذه النُسخة من الملف أُضيف مثلا أن هذه المُتقدمة تحصلت على المركز الثاني في الثانوية العامة، وهي الآن تُبلي بلاء حسنا في الكُلية. في حين، في نُسخة ثانية من الملف الذي قُدم للمُتطوعات، لم يُذكر هذا الشيء، إنما ذُكر أنها لما تُقرِّر بعد!

لا تزال هي مُتحيرة! تخرجت من الثانوية، لم يُذكر أنها كانت الثانية أو الأولى، لم يُذكر! وهي إلى الآن لم تدخل الجامعة، لما تُقرِّر؛ أدخل/ لا أدخل؟ هذا نُسخة ثانية!

في نُسخة ثالثة أنها وقع لها حادث سير خطير جدا، ونجت منه بأعجوبة! في نُسخة رابعة أنها سكبت القهوة، على مكتب المُدير، حين ذهبت إلى الوظيفة، الـ Coffee Spilling هذا! يُسمونها تجربة…

  • القهوة.
  • سكب القهوة!
  • سكب القهوة.
  • قصة مشهورة هذه! Pratfall effect، سنشرحها.

وهكذا! بمعنى، هناك نسخ كثيرة؛ Versions كثيرة، من هذا الملف، لاختبار تأثير هذه العوامل، كل على حدته. لا يُمكن أن تُوضع كلها في نُسخة واحدة! ووزعوها…

  • حتى يحكموا عليها بطريقة مُعينة.
  • نعم.
  • نعم.
  • الآن طبعا طُلب من هؤلاء المُتطوعات، المئة والعشرين، أن تُجيب كل واحدة منهن عن مجموعة أسئلة، تتعلق بهذه الفتاة، طالبة الوظيفة.
  • نعم.
  • طالبة الوظيفة.
  • الوظيفة.
  • من مثل، من مثل كيف أنت قيّمت لياقات هذه الفتاة؟ ما رأيك في أن تتحصل على هذه الوظيفة؟ هل تؤيدين هذا؟ هل أثر إعجابك بها على ذلك؟ هل أنت مُعجبة بها؟ ما دور العوامل الكذائية؟ طبعا كل واحدة حسب النُسخة! سكب القهوة مثلا، هل له كذا؟

طبعا مَن ستقول أنا أُرجّح أنها تستأهل، أو تستحق، هذه الوظيفة، لا بُد أن تُقدم ماذا؟

  • تعليلا…
  • مُسوغات.
  • مُسوغا.
  • لماذا؟
  • تفسيرا، نعم! تبريرا.
  • الآن انظر، العلماء على فكرة… جميل جدا! العلماء حين يُصممون التجارب… سُبحان الله! شيء عجيب! هذا من أجمل الأشياء في المنهج العلمي التجريبي! كيف تُصمم التجارب؟ وكيف تُرصد المُتغيرات طبعا؟ المُتغير المُستقل، المُتغير التابع، المُتغير المُشوَّش Confounding Variable، شيء من أبدع ما يكون! وأحيانا تُوجد تعمية، والتعمية على درجات طبعا، تخيل!

كله، حتى نقترب، قدر الإمكان، من ماذا؟ من ضبط النتيجة! بحيث يكون المُتغير التابع، الذي هو النتيجة، فعلا تابعا حقيقيا! لمَن؟ للمُتغير المُستقل، الذي يُراد اختباره! Independent variable، الذي هو السبب، هو الـ Cause!

  • صحيح.
  • باختصار.
  • نعم!
  • لأن هناك أُناسا تُصدعهم… يقول لك مُتغير مُستقل، مُتغير تابع.
  • السبب المنطقي.
  • المُتغير المُستقل هو السبب، الذي يُراد اختباره، اختباره فاعليته. باختصار، نُبسِّط للناس. المُتغير التابع النتيجة.
  • صح.
  • لأن النتيجة تتبع ماذا؟ السبب.
  • السبب.
  • هذه هي!
  • صح.
  • مُتغير تابع Dependent variable!

المُهم، المُتغير المُشوَّش، أو المُشوِّش…

  • هو؟
  • Confounding! الذي ليس له علاقة، ولكنه موجود، وقد يؤثر على النتيجة! ونحن غير مُنتبهين له، ونظن أن النتيجة تابعة للمُتغير المُستقل! وهو، لا! أثر هذا، للأسف الشديد! فلا بُد…
  • حادثة مُعينة صارت!
  • نعم.
  • نعم.
  • لا بُد أن يُنحّى هذا. إذا كان موجودا، لا بُد أن…
  • يُنحّى.
  • نُنحيه؛ حتى لا…
  • له تأثير، دكتور.
  • طبعا له تأثير! طبعا!
  • إذن كيف يُنحّى؟
  • يُنحّى طبعا! هذا تصميم التجربة!
  • نعم.
  • نفترض مثلا التأثير: الموسيقى. سأضرب لك مثالا أيضا، وله علاقة بما نحن فيه.

في تجربة، متجر مُعين – متجر الأحد يُسمونه – عرض أربعة أنواع من المشروبات…

  • نعم.
  • فرنسية، في مُقابل أربعة أنواع من المشروبات الألمانية.
  • نعم.
  • هذه موجودة، وهذه موجودة!

وجد العلماء أن في يوم مُعين، كان استهلاك المشروبات الأربعة الفرنسية، بنسبة سبعة وسبعين في المئة!

  • في يوم مُعين!
  • نعم.

في يوم آخر، لا! ثلاثة وسبعون في المئة! ثلاثة وسبعون في المئة للمشروبات الألمانية!

لو واحد لم يُصمم التجربة، ولم يفهم ما القضية، لن يفهم لماذا! يقول لك لماذا؟ الناس مزاجيون؟ هذا ليس تفسيرا! ما مزاجيون؟

  • طبعا!
  • المزاجي أنا وأنت، ليس الجمهور.
  • صح.
  • ليس الزبائن.
  • صح!
  • هؤلاء الزبائن كلهم! بمعنى، تغير فجأة مزاجهم؟
  • طبعا!
  • يُوجد عامل! لكن العلماء ضبطوه. هذا العامل، إذا لم يُضبط في تجربة أُخرى، يُعتبر عاملا ماذا؟ مُشوِّشا. ما هو؟ الموسيقى.
  • الموسيقى!
  • أرادوا أن يختبروا… العامل المُستقل إذن هنا ما هو؟ العامل المُستقل في هذه التجربة الموسيقى.
  • هذا هو المُتغير دكتور، الذي تفضلت به؟
  • المُتغير النتيجة! دائما المُتغير هو النتيجة!
  • نعم، المُشوِّش.
  • هذا العامل المُستقل في هذه التجربة. في تجارب أُخرى – ويكون موجودا، وهو الموسيقى، سوف ترى كيف أنت -، إذا لم تنتبه إليه، يُعتبر مُشوِّشا، وله تأثير!

وأنت تظن التأثير ربما للـ Brand، ربما للسعر، ربما للرائحة! لا، يُوجد عامل مُشوِّش؛ الموسيقى.

سأضرب هذا، سيضح هذا، هذا التفكير العلمي! لذلك قلت لك العلم جميل! له مُتعة خاصة!

وجدوا أن في اليوم الذي استُهلكت فيه المشروبات الفرنسية بنسبة سبعة وسبعين في المئة، كان هناك موسيقى فرنسية! طبعا مُصمم التجربة هو الذي طلبها.

موسيقى في الـ Store، أو في المتجر هذا، مُشغلة! فالناس ظنوا أنفسهم… وهم غير منتبهين على فكرة، أن الموسيقى…

ولو سألته، يقول لك لا، ليس لها علاقة! هل كان هناك موسيقى فرنسية؟ طبعا، هناك موسيقى فرنسية! وسواء أنت كنت واعيا، أو غير واع… لا، لا! طبعا هي دخلت في دماغك، وأثرت!

جعلتهم يتعاطفون مع المشروبات الفرنسية! فسبعة وسبعون في المئة فرنسي، ألماني لا نُريده! “كخ” الألماني هذا!

في اليوم الذي بعده؛ لا! وضعوا موسيقى لباخ Bach، أو كذا! أو موزارت Mozart! موسيقى ألمانية. لا! ظُلم المشروب الفرنسي، ثلاثة وسبعون في المئة، الناس أخذوا المشروبات الألمانية! مع أنهم غير واعين بأثر الموسيقى! يقول لك لا، ليست الموسيقى، لا! أنا أُحب هذا الشيء، أعجبني، أحببت هذا! وهو لا…

طبعا نحن على فكرة… وسوف نرى – إن شاء الله – في الحلقات! نحن حذاق جدا جدا في مُغالطة أنفسنا…

  • يا سلام!
  • وفي تصديق ما نكذب على أنفسنا. طبعا ليس كذبا واعيا! كذب لا واع، طبعا!

انظر دكتور، أيضا من مآسي البشر، أنهم دائما…

  • يبحثون عن حُجج.
  • تفسير! يُريدون تفسيرا.

تفسير رديء، تفسير كاذب، False؛ زائف، هو خيرٌ من لا تفسير! لذلك نختلق التفسيرات.

وطبعا أيضا سأذكر هنا تجارب عجيبة غريبة جدا جدا! في باب كيف يختلق المُخ التفسير يا دكتور؟

  • الله، الله!
  • سأذكرها، ذكِّرني بها، ربما…
  • إن شاء الله.
  • المُخ المُنقسم اسمه، الـ Split brain. قصص كثيرة! قلت لك هذه هي! الله يعيننا على حالنا، ويعيننا على تنظيم الحلقات هذه.

المُهم، نرجع؛ قلت لك المُتغير هنا…

  • الموسيقى.
  • المُتغير هنا، كان ماذا؟ كان مُتغيرا مُستقلا.
  • نعم.
  • أثّر.
  • نعم.
  • وثبت أنه أثّر! في تجارب أُخرى، يُمكن أن يكون هو موجودا، لكنه غير موعى به، وغير مُصمم في التجربة! لكن هو موجود، وسيُمارس دوره، صحيح أم لا؟ فسوف يكون مُشوِّشا! فينبغي أن تنتبه إليه، كمُصمم للتجربة.

هناك تجربة أُخرى مثلا، ليس لها علاقة بالموسيقى، تجارب الجوارب؛ الـ Socks هذه مثلا.

تجربة الجوارب: المتجر عرض أربعة أنواع من الجواب! حسنا، ثم اختُبر رأي الزبائن. نسبة هائلة، أكثرية، من الزبائن، فضلت نوعا مُعينا!

إذن لماذا فضلت هذا؟ قالوا واضح أن النسيج؛ الـ Fabric، الخاص به، أفضل! بعد ذلك الملمس أنعم، حتى البريق أكثر…

  • هذه التفسيرات!
  • نعم، نعم!

الذي لم يعلموه، أن الأربعة الأنواع هي نفس الخامة، ونفس النوع! إذن ما الذي اختلف؟ والسعر واحد!

  • اللون؟ يمكن؟
  • لا. الرائحة!
  • الرائحة؟
  • وضعوا رائحة خفيفة! رائحة! الرائحة لا تُرى، لكن تُشم، صحيح؟
  • صح.
  • على هذه الجوارب…
  • الجوارب!
  • جذبت – سُبحان الله – المُستهلكين، أو الشراة، دون أن يكونوا واعين بأثرها عليهم!

وسُبحان الله، الإنسان يُدرك الأشياء بطريقة مُتداخِلة! هذه الرائحة الطيبة هكذا، الخفيفة، التي هو لم يُدخلها في حساباته، جعلته يرى – يرى، تخيل! – أن هذا يلمع أكثر، وهو لا يلمع! وأن ملمسه أنعم أكثر، وأن الخامة أفضل، واضح أنها أفضل! نفس الخامة، نفسها تماما هي، تخيل!

الآن لكي أوضح فكرة المُتغير المُستقل والتابع، لو في هذا الـ Store، كان هناك موسيقى، يُمكن لهذه الموسيقى أن يكون لها تأثير، على قضية الإقبال على نوع دون نوع من الجوارب، بطريقة ما! لن نخوض فيها.

  • طبيعي!
  • فإذن وضحت لدينا فكرة ماذا؟
  • الـ Concept وضح، نعم.
  • العوامل.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: