https://www.youtube.com/watch?v=-5CxOBQjsUM
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. مَن يهده الله، فلا مضل له. ومَن يُضلل، فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا نظير له، ولا مثال له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا وعظيمنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، ونجيبه من عباده. صلى الله تعالى عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المباركين الميامين، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
عباد الله:
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أحذركم وأحذر نفسي من عصيانه سُبحانه ومخالفة أمره، لقوله جل من قائل مَّنْ عَمِلَ صَٰلِحًا فَلِنَفْسِهِۦ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ *.
ثم أما بعد/
أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات/
يقول الله سُبحانه وتعالى من قائل في كتابه العزيز، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:
كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوۡنَ أُجُورَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ * لَتُبۡلَوُنَّ فِيٓ أَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَذٗى كَثِيرٗاۚ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ * وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ * لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡرَحُونَ بِمَآ أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحۡمَدُواْ بِمَا لَمۡ يَفۡعَلُواْ فَلَا تَحۡسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٖ مِّنَ ٱلۡعَذَابِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ * وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ * إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ * ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ * رَبَّنَآ إِنَّكَ مَن تُدۡخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدۡ أَخۡزَيۡتَهُۥۖ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٖ * رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِيٗا يُنَادِي لِلۡإِيمَٰنِ أَنۡ ءَامِنُواْ بِرَبِّكُمۡ فَـَٔامَنَّاۚ رَبَّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرۡ عَنَّا سَيِّـَٔاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلۡأَبۡرَارِ * رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخۡزِنَا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۖ إِنَّكَ لَا تُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ * فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ثَوَابٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ * لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ * مَتَٰعٞ قَلِيلٞ ثُمَّ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ *
صدق الله العظيم، وبلغ رسوله الكريم، ونحن على ذلكم من الشاهدين. اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين، اللهم آمين.
اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي مَن تشاء إلى صراط مستقيم.
أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه، واجعلنا من الذين أقمتهم في مرضاتك وعلى سواء سبيلك، يشهدون بالحق وبه يعدلون.
اللهم ولا تجعلنا مِمَن ضلوا، ولا مِمَن غضبت عليهم، واجعلنا من الذين أنعمت عليهم وسلكت بنا سبيل الناجين، العاملين بإخلاص وصدق، لوجهك الكريم. اللهم آمين.
إخوتي وأخواتي/
في السادس والعشرين من الشهر الجاري، أعني هذا الشهر التاسع، من سنة ثنتين وعشرين، في الألفية الثالثة، انتقل إلى رحمة الله الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي.
واختلف الناس فيه – رحمة الله تعالى عليه – بعد موته طرائق قددا، بل استُقطبوا فيه على نحو يندر أن يحصل، إلا في مرات معدودات ميسورات، كل حين من الدهر! فمنهم مَن جعله الوارث المحمدي، ومنهم مَن جعله – والعياذ بالله – خطيب الإرهاب والدماء والفتن! استقطاب عجيب!
منهم مَن وسمه بأنه عالم الأمة، وأنه أمةٌ في رجل، ورجلٌ بأمة، ومنهم مَن جعله عالم السُلطان والاستعمار الجاد والمُجتهد في تنفيذ مُخططات الاستعماريين، في تقسيم ما بقيَ غير مُقسم، وتمزيق ما بقيَ غير مُمزق، من بلاد العرب والمُسلمين! استقطاب عجيب وغريب!
منهم مَن أحجم حتى عن الترحم عليه والاستغفار له، وكأنه عاش ومات مُلحدا كافرا بالله تبارك وتعالي! وهذا شيء غريب! وهذا شيء غريب وعجيب! ومنهم مَن دعا بالويل والثبور وعظائم الأمور، على مَن أحجم عن الترحم على الشيخ والتعزية به وفيه! أيضا، مرة ثالثة أو رابعة، استقطاب غريب!
الله تبارك وتعالى عدلٌ، وبالعدل قامت السماوات والأرض، وهو يُحب الإنصاف، ويكره العدوان والظلم والاعتساف. ومَن يشهد، فليعدل. بعض الناس يظن أن الشهادة لا تكون إلا في المحكمة، وتكون شهادة مُحلَّفة، بين يدي قاض! كلا، مَن ينطق بجُملة، بكلمة، مَن يفوه بتعبير من التعابير، إنما هو يُؤدي شهادة، وسيُسأل عنها، سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ *.
أما أن الرجل حقه على الأمة وعلى المُسلمين، أن يترحموا له ويستغفروا له، فما ينبغي أن يكون هذا من بين مثارات الخلاف في هذه الأمة! والآن، هذه الجُملة، أنا أعلم وأوقن أنها ستُغضب كثيرين علي، وسيفتحون النار!
وأسأل الله تبارك وتعالى أن يُثبتني وأن يجعلني على ما يُحب وكما يُحب. حين أقول، أقول ووجهي إليه، أقول طلبا لمرضاته، ولا أُبالي نفسي أول الناس، فضلا عن أن أُبالي الآخرين!
للأسف بعض الناس إلى الآن يُفرغون عن منطق افعل كذا، وقل كذا، ولا تقل كذا، وإلا خصمت من حسابك عند الجمهور! وكأن حسابي عند الجمهور أصلا! لا ينبغي لمُؤمن، لا ينبغي لمُسلم، ولا مؤمنة، ولا مُسلمة، أن يجعل هذا أصلا في اعتباره، أبدا!
هذا ينبغي أن يُوضع في اعتبار الساسة، ومَن يلفون لف الساسة، ويتقيلون طرائق أهل السياسة. أما أهل الدين، الذين يُريدون وجه الله تبارك وتعالى، لا ينبغي أن يضعوا هذا أصلا في حسابهم. وإنما ينبغي أن يضعوا شيئا واحدا في حسابهم: الله تبارك وتعالى، ووجه الله تبارك وتعالى. ثم بعد ذلك سيان، رضيَ الناس أم غضب الناس.
وعلى فكرة، لن يرضى الناس عن امرئ قط، وما رضوا عن أنبياء الله في يوم من الأيام، أعني من عند آخرهم. لا يُمكن! إن رضيَ هؤلاء، غضب هؤلاء. ولاسيما، وخصوصا، وبالذات، إذا كان للموضوع جنبة سياسية! السياسة تُفرّق، ولا تُجمّع، إطلاقا! مُستحيل.
إذا كان للموضوع جهة، ناحية، جنبة سياسية، لا يُمكن، إلا هذا! مهما اجتهدت، مهما نافقت، مهما تملقت، مهما أمسكت بالعصا – كما يُقال – من المُنتصف، ستخرج بسواد الوجه، أغضبت قوما، وأرضيت آخرين!
لذلك العاقل الحكيم، عليه فقط أن يجعل وجهه لله، ونيته لله، وأن يحتسب ما يقول، وما سيُقال فيه وعنه، لله! في وجه الله تبارك وتعالى.
لا ينبغي أن يُجادل في هذا! نقول لهؤلاء الذين سترم أنوفهم؛ لأننا جعلنا موضوع الترحم على الشيخ والاستغفار له، من المسائل التي لا ينبغي أن تكون مثار خلاف، نقول لهم ما شاء الله! هذه لم تُعجبكم! لكن يُعجبكم أننا نفتح بابا ومساغا في رحمة الله لمَن مات مُلحدا!
أعجبهم هذا! كستيفن هوكينج Stephen Hawking! قلنا هناك ثمة مساغ. كيف؟ يُمكن! لا نقطع، ولا نُرجح، لكن نقول ثمة مساغ، رحمة الله واسعة، بكذا وكذا وكذا وكذا وكذا وكذا. يُعجبهم هذا! أما أن نترحم على رجل عالم، من علماء المُسلمين، فلا!
أيها الإخوة/
ترك تراثا علميا كبيرا، له وعليه! الآن سوف يُفضي بنا الحديث عنه! لا نوافق على كل شيء، ولا نُعطي شيكا على بياض، وهذا ما أتينا من أجله، وما نسأل الله تبارك وتعالى أن يكون في مرضاته، وأن نُوفق فيه إلى الصواب، الذي يُرضي الله تبارك وتعالى.
هذا لا يُعجبهم! عجيب! أمركم عجيب! نحن قبل ذلك دمدمنا وثربنا وأنحينا، لا أقول باللائمة، بل بسلاسل من اللوائم، على داعش، مثلا! هذا التنظيم المعروف، ولكن لما فُتح موضوع تكفير داعش، لم نُكفرهم، ما علاقة هذا بهذا؟ فجُن أُناس، خاصة من إخواننا، من القوم الآخرين، من المذهب الآخر! جُن! أي لم يبقوا إلا أن يجعلونا من داعش! أو ربما من مُنظّري داعش!
ما علاقة هذا بهذا؟ ما علاقة أنهم قتلة، ومُجرمون، ومُستبيحون لدماء الأمة بغير حق، وأنهم كفار أو غير كفار؟ كأن القتل لا يكون إلا من كافر! لا يا حبيبي، القتل يكون أيضا من غير الكافر.
هذه من الأشياء التي غلط فيها الشيخ القرضاوي – رحمة الله عليه، والله يغفر له -، حين قام يقول مُعلقا على قتل الشيخ الدكتور البوطي! وهنا أيضا أُحب أن أكون مُتوازنا؛ إن قلت الشيخ القرضاوي، فأقول الشيخ البوطي. إن قلت الدكتور القرضاوي، أقول الدكتور البوطي. الله يُحب العدل، كأنك فعلا في موقف مُقاضاة حقيقية.
لما قُتل الشيخ البوطي – نحن نظنه إن شاء الله شهيدا عند الله تبارك وتعالى، والرجل قُتل مظلوما، لا ريب! قُتل مظلوما، لا ريب -، قام الشيخ القرضاوي – والخُطبة موجودة، في أحد مساجد الدوحة، بقطر -، يقول لم يقتله أهل السنة!
لماذا يا شيخ؟ قال لأن أهل السنة لا يقتل بعضهم بعضا، أهل السنة لا يقتلون العلماء! عجيب! من متى؟ أي قاعدة هذه؟ أهل السنة يقتلون بعضهم بعضا، ويقتلون علماءهم، ويذبحون علماءهم، ويقتلون الآمرين بالقسط من الناس.
ألم يُذبح الشيخ محمد حسين الذهبي – رحمة الله عليه -؟ وزير الأوقاف المصري، العلّامة الكبير – رضوان الله عليه -، ألم يُذبح ذبح النعاج؟ على أيدي جماعات الإرهاب، المُسماة بجماعات الجهاد! وهي جماعات إرهابية! مَن الذين ذبحوه؟ زنادقة، باطنية، كفار، أم جماعات سُنية (جهادية)؟ جماعات مُسلحة!
ألم يُذبح رئيس وزراء مصر – طبعا قتلا بالرصاص – أحمد ماهر باشا – رحمة الله عليه -؟ رئيس الحكومة المصرية، والمطلوب رأسه للإنجليز؛ لأنه من أبطال ثورة تسعة عشر! طبعا وتبرأت جماعة الإخوان المُسلمين، من دمه، ثم ثبت أنهم هم الذين قتلوه!
العيسوي كان من الإخوان المُسلمين! وقال أنا من الحزب الوطني. لم يكن من الحزب الوطني، باعتراف الشيخ الباقوري. الشيخ الباقوري – رحمة الله عليه -، الذي خرج منهم بأخرة، إلى حد ما! سبقه بسنوات الشيخ العارف بالله مُتولي الشعراوي – رحمة الله عليه -!
ترك هذه الجماعة، بعد أن انتمى إليها بحين يسير، وبقيَ الشيخ الباقوري فيها، عمودا من أعمدتها، أسطوانة من أساطينها! لكنه بعد ذلك، في بقايا ذكريات، قال نعم، الجماعة هي التي قتلت رئيس الحكومة المصرية! لأنه تغلب عليهم في انتخابات الإسماعيلية.
عجيب! في أي دين هذا؟ في أي شرع، يُقتل رئيس حكومة، مُسلم، طيب، صالح، مُناضل، رأسه مطلوبة للإنجليز؟ ولم تكن الأولى، ولم تكن الآخرة! فيا شيخ القرضاوي – رحمة الله عليه، وغفر الله له -، من أين قعدت هذه القاعدة؟ على ماذا أسستها؟ أن أهل السُنة لا يقتلون علماءهم! ولا يقتل بعضهم بعضا! غير صحيح.
وفي سوريا أيضا، في المعمعمة الحمراء، الوطيس، العجيب، ذبح بعضهم بعضا، وبالمئات! وليس بالعشرات، بالمئين! وذبحوا مشايخ وعلماء ومُفتين، دففوا عليهم وهم في المشافي! جاءوا وذبحوهم! لأنهم ليسوا من فصيلهم، من فصيل آخر! وكلهم أهل سُنة وجماعة.
من أين لك هذا يا شيخنا؟ غير صحيح. طبعا سأعود إلى موقف الشيخ القرضاوي – يغفر الله له – من الشيخ البوطي – رحمة الله عليه، وغفر الله له أيضا -؛ لأنه قبل استشهاد الشيخ البوطي بأربعة أيام، أعطى فتوى بقتله! فتوى بقتله، وبقتل كل مَن كان مثله! من العلماء والصحفيين، أيا كانوا! والفتوى موجودة إلى اليوم، وفي اليوتيوب YouTube، صوتا وصورة!
ولم يتراجع عنها، ولم يتبرأ منها! لكنه أحس بالورطة الكبيرة، إذ قُتل البوطي. وهو لم يظن أن هناك مَن سيستغل هذه الفتوى، وبسرعة! في ظرف أربعة أيام، قُتل الشيخ البوطي صائما، صائما – رحمة الله تعالى عليه – الخميس، ليلة الجُمعة، يُدرِّس كتاب الله ويُفسِّره في مسجد، في بيت من بيوت الله.
فلا! الله يُحب الحق، الله يُحب الإنصاف، الله يُحب العدل. نترحم على الشيخ؟ نترحم. نستغفر للشيخ؟ نستغفر. نعترف بأن الشيخ من علماء الأمة الكبار؟ هذه حقيقة! شيء سخيف أن يأتي لك الآن بعض مَن لهم مواريث وثارات!
انظر، هذه هي القضية! أنا لا أستطيع أن أفهم هذا! هذا ما لا يُمكن أن يتورط فيه مَن شم رائحة العلم، فضلا عمَن ذاق شيئا من طعم التقوى لله تبارك وتعالى. أي أنتم جماعات مُتزمتة دينيا، مُتزمتة علميا، ضيقة اجتهاديا، لكم ثارات مع الشيخ في حياته، بعد أن مات – رحمة الله عليه -، تأتون الآن؛ لتنزعوا عنه حتى لباس العلم! وتُعطوه لقب أنه مُبتدع وضال وكذا وكذا؟
غير صحيح! هو عالم، ومن كبار علماء الأمة، الشيخ القرضاوي! شئت أم أبيت، يعترف بهذا كل مَن أوتي حس العدل، هو عالم! لكن متى كان العلم يعني العصمة؟ إذا كان عالما، هل هو معصوم؟ إذا كان عالما، هل يُتابع على كل مواقفه، على كل سياسياته، على كل اجتهاداته؟ لا. فلا بُد أن نكون أيضا مُعتدلين ومُنصِفين.
عالم؟ عالم. ترك تراثا علميا كبيرا، كما قلت، له وعليه، هذا التراث! منه أشياء كثيرة تُقبل في الجُملة، وهي نافعة جدا! وتراث استفاد منه الملايين حول العالم! الحلال والحرام في الإسلام: هذا الكتاب من الستينيات وضعه، وهو في بداية العقد الرابع من عُمره! فقه الزكاة في الإسلام: مَن الذي يستطيع أن يُنكر فضل هذا الكتاب؟ فقه الجهاد: وهو من أواخر كُتبه الموسوعية، في زُهاء ألف وسبعمائة صفحة، ونفسه فيه كان بطوله مُعتدلا.
أُخذت عليه مواضع مُعينة، لا بأس! لكن الكتاب بطوله صدر فيه عن نفس مُعتدل وسطي، ودمغ فيه جماعات العُنف والإرهاب، التي تُريد أن تُغيّر وأن تُجاهد في البلاد الإسلامية، وفي البلاد العربية! لم يتفق معها، وخطّأها، على أنها هي التي خطّأت نفسها!
أذكر أنه في المُجلد الثاني اقتبس من هذه الجماعات المُسلحة، التي قامت ببعض المُراجعات، وأعلنت توبتها عن نهجها، بطريقة ما، وإن لم تُعجبني أنا تماما؛ لأن فيها جمجمة، وفيها تردد، وفيها ذرائعية وبراجماتية، وذكروا عشر نقاط! سردوا عشر نقاط، هي التي حملتهم على أن يتركوا (الجهاد)!
جهاد أين؟ جهاد الكفار؟ جهاد المُعتدين على أمة المُسلمين؟ لا! جهاد الأمة، في عُقر دار الأمة! قتل جيش الأمة، قتل الشرطة، قوات الأمن! قتل العلماء والمشايخ، قتل الناس العاديين، قتل السائحين! جهاد! قال لك جهاد!
وهنا المقام يستدعي – رحمة الله على الشيخ الشهيد محمد – الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، الذي وضع قبل أكثر من ثلاثين سنة كتابه: الجهاد كيف نفهمه؟ وكيف نُمارسه؟ والذي لُعن بسبعين لعنة من أجله، في وقته!
على أن أكثر مَن لعنه آنذاك، عاد! فشكر له، وقدّر صنيعه العلمي الكبير! الذي أفضى بكلمة كان لا بُد أن تُقال، لكن الوقت لم يكن يسمح. الوقت كان أضيق صدرا من أن يتقبلها، فاتُهم الشيخ في دينه، وفي ولائه، وفي فهمه، وفي علمه!
ثم أبت الأيام والسنون، إلا أن تُثبت أن الشيخ كان مُحقا، وأن الجهاد – إذا فتُح ملف الجهاد – لا يكون في الأمة. ما يكون في الأمة هو فتنة داخلية، هو حرب أهلية، هو حرب طائفية، هو نُعرات مذهبية، تُدمر الأمة، يا إخواني! ونحن دُمرنا، ما شاء الله! ما شاء الله، دُمرنا بهذا الجهاد! دُمرنا بهذه الحركات! انتبهوا!
بعد ذلك عادوا، كثير منهم، واستغفروا للشيخ، وأيدوا ما في كتابه. وهذه دعوى لقراءة، أو إعادة قراءة، هذا الكتاب المُهم: الجهاد كيف نفهمه؟ وكيف نُمارسه؟ وعلى كل حال، مَن ضاق وقته عن قراءة كتاب مثل هذا، وهو يُقرأ في بضع ساعات؛ لأنه ليس بالكتاب الضخم، فيكفيه، ويكفيه إلى الأمد الأقصى، أن يستشير رسول الله – صلوات ربي وتسليماته عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه -، فيما صح عنه، من أحاديث الفتن، والحروب الأهلية.
على ماذا تواطأت، وتواردت، وتعاضدت، وتساندت، وتساعدت، هذه النصوص النبوية الشريفة؟ على ماذا، في هذا الباب، في هذا الملف؟ على الكف! على الكف؛ تكف يدك، تترك سلاحك، تكون حلسا من أحلاس بيتك! مثل هذه السجادة! هذا هو الحلس! سجادة قديمة، حلسا!
يا رسول الله، إن دُخل علي بيتي؟ حسنا، هؤلاء؛ أهل الفتنة، أطراف في الحرب الأهلية، دخلوا علي بيتي! مع أنني كففت، وتركت السلاح، ولا أُريد أن أتورط في الدماء! قال إن خشيت – أي خفت – أن يبهرك شُعاع سيفه، فألق ثوبك على رأسك – اعمل كالنعامة -، يبؤ بإثمك وإثمه. يكن هذا القاتل المُجرم، الذي جاء يقتلك، باسم الجهاد، يكن كشر ابني آدم! مثل قابيل؛ قاتل هابيل! وعليه وزرك ووزر كل مَن ائتسى به واقتدى به، وسفك ولو محجنة دم.
هذا رسول الله، هذا ليس عدنان إبراهيم، وليس البوطي، وليس القرضاوي، هذا رسول الله، يقول لك في الفتنة هذا. لكن للأسف الشديد، مما أُخذ على الشيخ القرضاوي – يغفر الله له – أنه سعى في هذه الفتنة، وهو يعلم أنها فتنة! وقال إذا هذه فتنة، فأنا من شيوخ الفتنة! اللهم أحيني شيخ فتنة، وأمتني شيخ فتنة! لا إله إلا الله! يغفر الله له.
فتنة يا شيخنا! فتنة! لا أُريد أن أقول فتنة، وأنتم أيضا أمعنتم فيها، خببتم وأوضعتم، سرتم فيها مسيرا ليس يُحمد، حين حركتم الانشقاقات الرأسية في الأمة. هناك هويات جامعة، وهناك هويات فرعية. الهويات الفرعية، لصالح مَن تُحرك؟ أمة، بلد! لنفترض البلد X، هذا بلد، واسع، مُتسع لجميع الأطياف، لماذا نأتي في لحظة مُعينة، ونفعل هذا، بعد أن مدحنا البلد؟ مدحنا البلد، ومدحنا أمره وشأنه، وجعلناه بلدا يتصدى للاستعمار، ويتصدى للخطط الأمريكية، وأثنينا عليه! والفيديو Video موجود، صورة وصوت.
الحمد لله! الحمد لله طبعا من جهة أننا في عهد النت Net واليوتيوب YouTube، والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه أننا أيضا في عهد النت Net واليوتيوب YouTube والسوشيال ميديا Social media؛ لأن أكثر من ستين في المئة – بحسب الدراسات الدقيقية العلمية، أكثر من ستين في المئة – مما يدور من أخبار وتحليلات، مُزيفة مُفبركة، في هذا العالم اللعين!
فالناس ضلت، لم تعد تعرف الحق من الباطل، يُضحك عليها! تُفبرك لها أشياء غريبة عجيبة! وتُصدِّق كل شيء! غرّد إيدي كوهين Edy cohen، الناطق باسم الجيش؛ جيش القوم إياهم، وأنتم تعلمون، غرّد وقال عن القيادة العربية كذا، كذا، كذا! حسنا، ولماذا علي أن أُصدِّق إذن؟
لماذا أُصدِّق إذا غرّد هذا، وهو عدو؟ عدو للأمة، عدو لمصالح الأمة، عدو لاستقرار الأمة، يغيظه أن تبقى الأمة مُتماسكة مُستقرة! كل سعادته أن تتقسم الأمة، وأن تتشظى الأمة؛ لكي تبقى دويلته، ويبقى قومه هم الأعلين! أليس كذلك؟ وهم السابقين! لماذا علي أن أُصدِّقه، إذا غرّد ضد قيادة عربية، ضد زعامة عربية؟ لماذا؟ لا، مُباشرة يحتفون بتغريده!
جميل! هذا الرجل غرّد قبل أيام، يُعزي في الشيخ القرضاوي، وأبرز الألم والحُزن! وقال الشيخ القرضاوي خدم إسرائيل، كما لم يفعل بن غوريون Ben-Gurion نفسه! هل نُصدّقه؟ نُعطيه شيكا على بياض؟ متى سنستيقظ؟
الآن حملة شعواء على شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب – وفقه الله -؛ لأنه لم يُعز في الشيخ القرضاوي! الشيخ أحمد الطيب ليس شيخا مُستقلا، هو شيخ الأزهر، والأزهر مؤسسة في دولة لها موقف من الشيخ القرضاوي.
الشيخ القرضاوي كان موضوعا على لوائح الإرهاب المصرية، ومطلوبا للحكومة المصرية. هذا موضوع ثان الآن! لسنا الآن قضاة. وهذا الرجل طبعا يرأس مؤسسة في هذه الدولة، ماذا تُريد منه إذن؟ رجل في مؤسسة! وأنت تقول – وهذه تعابير الشيخ القرضاوي، رحمة الله عليه – عالم سُلطة وشُرطة! نعم، عالم سُلطة هو.
وعلى فكرة، من الأشياء التي ينبغي أن نستيقظ لها: ليس معنى أن الإنسان عالم سُلطة، أنه شيطان. نعم، طبعا! كل الدول الإسلامية دول فيها نُظم حُكم، من أيام سيدنا عمر بن الخطاب! أليس كذلك؟ إلى اليوم! عدلت أم ظلمت، استقامت أم انحرفت! أليس كذلك؟ وهناك مؤسسات دينية، من كل شكل ولون، ولا بُد أن يكون في رأسها أو على رأسها أُناس، من علماء الأمة، من قامات الأمة.
ليس بالضرورة أنه إذا كان يرأس مؤسسة رسمية، أن يكون شيطانا، أو كذابا، أو مُنافقا! بالمرة، ليس بالضرورة! بالعكس، أنا أقول لكم، وجهة نظري – إحدى رسائل خطبة اليوم -:
الأفضل مليون مرة لعالم الدين أن يبتعد عن السياسة، وألا يُسيس خطابه، وأن يُفرغ، حين يُفرغ، عن منطق الدين وحده، على أن – وسأقول لماذا، أكبر رسالة في الخُطبة! هذا هو الموضوع! والدرس الأكبر هو الشيخ القرضاوي، رحمة الله عليه – هناك استثناء واحد:
في نهاية المطاف، تبقى أنت مُنتميا إلى أمة مُحددة، إلى شعب مُحدد، إلى دولة مُحددة! من واجبك شرعا، أن تقف مع أمتك، مع شعبك، مع دولتك، والنبي شجع على هذا.
النبي، حتى في الحروب النبوية، شجع على هذا! تخيل! دويلة إسلامية، كانت دويلة المدينة، وعلى رأسها خاتم النبيين والمُرسلين – روحي له الفدا، صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله -، وكان – وذكرت لكم هذا غير مرة – للجيش راية أم، تُسمى الراية الأم! على أم لها. يقول الشاعر! راية أم، سوداء كانت! ثم بعد ذلك، كل قبيلة من قبائل المُسلمين – هم عرب، قبائل وعشائر -، كل قبيلة كان لها لواء تحمله! طبعا!
النزعة القبلية موجودة، هذا انقسام رأسي موجود، يُمكن أن يُوظف توظيفا جيدا، بما يخدم ماذا؟ التنوع الأُفقي. هذه عبقرية رسول الله! يسمح بهذا. ولذلك إذا كنت تنتمي إلى قبيلة مُعينة، عار عليك عظيم، إن ألحقت العار والمعرة بقبيلتك، كأن تلوذ بالفرار، أو تجبن عند اللقاء! ممنوع؛ لأنك تتبع هذه القبيلة. انظر العبقرية النبوية، لم يقل لا.
ولذلك النبي مدح – صلوات ربي وتسليماته عليه – مَن ينصر قومه وأهله. لكنه ذم، أشد الذم وأبلغه، ويا لنبوته الحكيمة العظيمة! يا لعبقريته التي لا تُدانى، والله، ولا تُسامى! حين قال الذي يُعين قومه في غير الحق، كالبعير تردى في بئر، فهو يُنزع بذَنبه. أخرجه أحمد، وأبو داود؛ تلميذ أحمد، وابن حبان؛ أبو حاتم – رحمة الله تعالى عليهم -.
الذي يُعين قومه في غير الحق، لماذا؟ لأنهم قومي! قومي، أهلي، عشيريتي، بلدي! لا، في الحق: نعم. في غير الحق لهم عليك ماذا؟ حق النُصح! أن تكون ناصحا أمينا.
والله، الحق لا يتضرر منه أحد. والله، الحق ينتفع منه الجميع، والله العظيم! والباطل، والسكوت عن الحق، يتضرر به الكل! الساكت والمسكوت لأجله، في الأخير! ألم أسكت إكراما لعيونك؟ أنت ستتضرر ربما قبلي! الحق يسع الجميع.
وكما قال الإمام علي – عليه السلام، وكرّم الله وجهه – مَن ضاق به الحق، فالباطل به أضيق. أنت لا ترى أن الحق يسعك؟ لا تُريده؟ تظن أن الباطل يسعك – بعون الله -؟ الباطل يُدمرك! انظر هذا المنطق النبوي! وانظر التعبير والتصوير المُذهل؛ كالبعير تردى في بئر. انظر أنت إلى بعير، تردى في بئر! فيُنزع بذَنبه! هل يُمكن أن تُخرجه من خلال ذَنبه؟ سينقطع الذَنب، ولا يخرج!
ماذا يُريد أن يقول؟ يُريد أن يقول تورط ورطة كبيرة! وقع في ورطة ليس منها مخلص! أي ورطة؟ أن تنصر قومك، في الباطل. انتبه، هنا القوم لا يقتصرون فقط على القبيلة، على العشيرة، على شعبي، على دولتي، على حكومتي!
على جماعتي، على فريقي، حتى لو فريق كرة قدم، على جماعتي! خاصة إذا كانت جماعة دينية، أيديولوجية، سياسية، مُسيسة! لا، الحق أبقى، والحق أتقى وأزكى، والحق أنفع للجميع. عليك أن تشهد بالحق، ولو على نفسك. الله يقول! ليس على جماعتي، وحزبي، وأمتي، ودولتي! حتى على نفسي! لكن فيما عدا ذلك، العالم مأمور أن يُدافع عن وحدة بلده، عن استقرار بلده، عن أمن شعبه.
وطبعا هذا ليس لي ولا إليك، أن نُنقب وأن نُفتش في قلوب العباد! هل نقبنا وفتشنا في قلب الشيخ البوطي – رحمة الله عليه -؟ أبدا! قال لك مُنافق باع نفسه! اتق الله، والله العظيم يُمكن لكلمة مثل هذه أن تودي بك إلى غضب الله! حين تتكلم عن أحد علماء الأمة، وربما أحد أعيان صلحائها وأوليائها، بكلام لا يعلمه إلا الله! من أين لك؟
والذي نعلمه ولمسناه، وقلت هذا مرارا، أن الشيخ الشهيد البوطي – رحمة الله عليه -، مات وترك ثروة عظيمة كبيرة! لكنها مع عظمها، لم تسمح لزوجه، ليلة استشهاده، أن تشتري رغيف خُبز! تعلمون كم ترك الشيخ البوطي؟ ترك سبعين ليرة سورية! والدولار بخمسمائة ليرة! زُهاء عشرة سنتات! الشيخ البوطي! شيء لا يكاد يُصدق!
والشيخ البوطي كان، والله العظيم، يُمكنه أن يُراكم ثروة، لن أقول بالملايير، لكن قطعا بعشرات، إن لم يكن بمئات، الملايين! لو أنه تاجر بدينه، لو أنه اختط خُطة النفاق والكذب والملق والتلون، أبدا! رحمة الله تعالى عليه.
لكن الشيخ البوطي ليس معنا، ليس مع هذا الحزب، ليس مع هذه الجماعة، ليس مع ثورات الربيع العربي، ليس مع الخُطة الأمريكية! خُطة الحزب الديمقراطي؛ حزب بايدن Biden الآن، وهيلاري كلينتون Hillary Clinton، وباراك أوباما Barack Obama! الذين لا زالوا مُصرين على تقسيم العالم العربي. انزعجوا جدا، كيف لم تسقط مصر؟ كيف لم تُقسم مصر؟ ولا زالوا يعملون! افتحوا أعينكم، يا عباد الله! ويدأبون!
البوطي لم يكن مع هؤلاء، البوطي من أول يوم فهم هذه اللعبة، قال لك هذه لعبة عالمية، تُريد تدمير البلاد، تمزيق المنطقة، لا يُمكن أن أخب فيها وأضع، لا يُمكن! لكن هل البوطي راض عن حكومته، أي رضا تاما؟ لا والله. وأنا أعلم ماذا أقول، ولن أقول أكثر من هذا. هل هو راض؟ ليس راضيا – رحمة الله عليه -. وبعد ذلك؛ مَن الذي قتل البوطي؟ شُبهة كبيرة، تُترك للأيام – إن شاء الله تعالى -.
البوطي كان يخطب في مسجد كله مرصود بالحراسات على مدار الساعات، وبالكاميرات Cameras على مدار الساعة! كيف تم اغتيال الرجل – رحمة الله عليه -؟ حتى الشيخ القرضاوي – رحمة الله عليه – تساءل مَن الذي قتل البوطي؟ طبعا هذا التساؤل مشروع، ولا زلنا ليس عندنا جواب نهائي، إلى الآن!
والعجيب، على فكرة، ما من جماعة مُسلحة، من هذه الجماعات المُسلحة، اعترفت بأنها هي التي فعلت! ولا جماعة! ولا جماعة! عجيب! ولو أنهم فعلوا، يعترفون! يقول لك شرف لنا! وعلى فكرة، بعضهم قالوا لم نفعلها، وللأسف أننا لم نفعلها! يا ليتنا قُيض لنا أن نفعلها! انظر الغباء إلى أين! قالوا نحن لو فعلنا، سنفتخر بها! أننا خلصنا الأمة، وخلصنا الدين، من هذا الرجل، الذي كذا وكذا! ينعتونه! الشيخ البوطي! قالوا لكن لم نفعلها.
إذن ليست هذه الجماعات التي قتلت البوطي، فمَن الذي قتله؟ ولماذا؟ وما المصلحة في قتله – رحمة الله عليه – الرجل؟ على كل حال، أبو سبعين ليرة! تركة بسبعين ليرة سوري! وقال لك البوطي عالم سُلطان! البوطي باع دينه! بأي ثمن؟ ما الثمن الذي قبضه يا رجل؟ اتق الله، ستُسأل عن هذه الشهادة يوم القيامة. اتقوا الله في كل شيء.
على كل حال، نعود إلى ما كنا فيه:
ولسنا أيضا – كما قلت لكم – إذن، لسنا مع هؤلاء النفر الموتورين، الذين ما إن انتقل الشيخ – إن شاء الله – إلى رحمة الله، حتى فتحوا الملف؛ الضال، المُضل، المُبتدع، وما إلى ذلك! ونزعوا عنه حتى صفة العالم! عن الشيخ القرضاوي! لماذا؟ لأنه خالف!
خالفكم أنتم؟ هو الإسلام ملكٌ لكم؟ أو الإسلام ملكٌ له أو لنا؟ هذا الإسلام! تراث الأمة، ملك الأمة، كل الأمة! خالفهم في مسائل: التصوير، التمثيل، الحجاب والنقاب، الموسيقى والغناء، فوائد البنوك – أي في نطاق ضيق مُعين -! قال لك هذا ضال مُضل! ولم يكن مذهبيا، يُفتي بمذهب واحد، لا يتعداه إلا في نطاق ضيق! لا، الرجل كان يتخير – رحمة الله عليه -، كان يتخير!
لا، لسنا من هؤلاء. ولسنا نعتب على الشيخ في هذه المسائل. وافقته أم خالفته، أنا أقول لك المُتيقن أنه عائد وراجع دائما، في كلتا حالتيه، دائما، بأجر! إما كان أجر واحدا، وإما كان أجرين اثنين، أليس كذلك؟ إذا أخطأ في اجتهاده، وإذا أصاب!
وهذا مَن؟ مَن الذي أفتانا فيه؟ رسول الله! إذا اجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران. فإن اجتهد فأخطأ، فله أجر واحد. لماذا تُثرب على الرجل، وكأن الرجل كان يسعى في هدم الإسلام بفتاواه؟ لماذا لا تنظر إلى المسألة من جهة أُخرى؟ بفتاواه المُيسرة أيضا، استبقى في الإسلام ملايين الناس، مِمَن لو خوطبوا وأٌفتوا دائما بالتشديد وبالأشد وبالأعوص، لربما خلعوا الربقة، وخرجوا من هذا المجال كله! لماذا تنظر بعين واحدة؟
هذا ليس مما نُريد أن نفتحه، ولا أن نعتب فيه على الشيخ – يغفر الله له، ويرحمه، إن شاء الله، بأوسع رحمته – لا في قليل، ولا في كثير! إذن لماذا جئنا؟ نعم، جئنا إلى النُقطة الأهم!
ولذلك فقه الزكاة، فقه الجهاد، فقه الطهارة، فقه الصيام، الفقه، مُشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، ومثل هذه الكُتب: أعمال علمية نافعة مُباركة، استفاد منها الكثيرون حول العالم! الحلال والحرام: حول العالم، استفادوا منه! الذي يُسميه الإخوة السلفيون، أو بعضهم: الحلال والحلال! سموه كما شئتم، لكن كتاب شرّق وغرّب، وانتفع به عشرات الملايين! وتُرجم إلى لُغات إسلامية كثيرة! الرجل كان خُطته خُطة التبشير والتيسير – رحمة الله عليه -، جميل جدا!
ويا ليته بقيَ كذلك! يا ليته عاش ومات على هذه الخُطة، ولم يدخل في عالم السياسة، ولم يرتهن نفسه لدولة أو جهة مُعينة، تقول له قل فيقول، حرّض فيُحرّض، كفّر فيُكفّر! لا، ارجع وأحسن في القول فيفعل! لا، هذا لا يليق بالعالم.
ولنكن مُحددين وواضحين يا إخواني:
السياسة، ما هي؟ الكل يعلم! السياسة فن الوسلية. روح السياسة هي البراجماتية، أليس كذلك؟ أبدا! الميكافيلية أيضا كذلك! ليس فقط الذرائعية؛ البراجماتية، وحتى ميكافيلية! يُمكن للساسة أن يتوصلوا بأخس الوسائل إلى أهدافهم وأغراضهم، لا يعنيهم! لا يعنيهم أن تكون الوسائل نظيفة وطاهرة أبدا، أبدا!
لذلك يقول العامة السياسة نجاسة. عبُّروا كما شئتم، لكن هذه هي السياسة! كانت، وستظل، على فكرة! عبر التاريخ! وخاصة في العصر الحديث، بالذات من أيام ميكافيلي Machiavelli، أصبحت السياسة لا أخلاقية، إلى حد بعيد جدا، وبشكل مُرعب!
ذكرت لكم مرة طُرفة عن ونستون تشرشل Winston Churchill؛
مر على قبر رجل – أحد الساسة، وهو من الأحزاب المعروفة -، ومكتوب على قبره: هنا يرقد السياسي والرجل الشريف فلان الفلاني! قال عجيب! كيف اجتمعا مع بعضهما إذن؟ لماذا هذان مدفونان مع بعض؟ لماذا قُبرا سويا؟
وطبعا يعلم أنهما نعتان لمنعوت واحد، لكن هو يقول هذان النعتان لا يأتلفان، ولا يتجاوران! مُستحيل! أن يكون سياسيا، ورجلا شريفا، قال غريبة هذه! وتشرشل Churchill! أي ليس أي واحد، قال لك هذا لا يُمكن!
أن تكون سياسيا، معناها أن تركب الصعب والذلول! لماذا؟ لأن السياسة في نهاية المطاف فن أن تكسب، لا أن تخسر! فن المُمكن، فن التوازنات، فن أن تصل إلى غرضك، بأقل المغارم، وأعظم المغانم! هذه السياسة، وهذا السياسي الناجح.
وبالله عليكم، سألتكم بالله، هل تعجبون أو يثور منكم نكير أو نُكر على سياسي يتقلب كل يوم وليلة، مرات ومرات، كالأغوال – الأغوال هي التي تتغول، تتقلب! السياسي كالأغوال! تتقلب -، لكن يفعل ذلك؛ لكي يخدم أمته، مشروعه، استقرار بلده، يدرأ عنها التهديدات، يدرأ عنها المشاكل، يدرأ عنها الجوع، العطش، البرد؟ تعجبون وتُنكرون، أم تؤيدون وتعجبون من سعة حيلته، واتساع دائرته؟ الثانية! أنا أعلم أنها الثانية! لا بأس، لا بأس! هذه هي السياسة.
لكن، كرة أخرى، أسألكم بالله تبارك وتعالى، ماذا لو فعلها عالم دين، وتلون في اليوم والليلة مرة أو مرتين، حتى من السنة إلى السنة؟ وتلون! وتعلمون أنه يُفرغ عن ماذا؟ عن منطق سياسي! يُلفّعه بماذا؟ بديباجة دينية! يُفهم الناس أن هذا هو الدين! يا مولانا، هذا الدين؟ إذن قبل سنة، كان هناك دين آخر؟ ما الذي يحصل؟ أهذا دين، وذاك دين؟ أهذا شرع، وهذا شرع؟
تُنكرون أم لا تنكرون؟ يُنكر الناس، أشد النكير! يسخرون، ويغضبون، ويزدرون بمَن يفعل هذا، ولا يُعجبهم هذا منه. لماذا؟ لأن الدين ينتمي إلى دائرة المُقدس. المُقدس من أخص خصائصه الثبات. أليس كذلك؟ الثبات! هناك نوع من الثبات! يبقى لفترات طويلة جدا.
الدين هو منبع القيم الأصيلة، التي ينبغي أن تبقى محفوظة مصونة، لا يُعبث بها، لا يُلعب بها. للأسف الشديد تسمع الآن مَن يُبرر، يقول لك لا، لا، لا، لا، لا! وطبعا واثق! بعضهم واثق جدا! بالعكس، طبيعي أن يأتي الشيخ والعالم الديني يمدح اليوم نظاما مُعينا، زعيما مُعينا، دولة مُعينة، يمدحها ويتصور مع القائد، بكل تواضع، ويفتخر، ويُلقي بكلمات كبيرة جُزافا في مدح الدولة وقيادتها! ثم بعد ذلك، يُحرِّض على قتلهم وذبحهم والتخلص منهم!
قال لك لا، لا، لا، لا! هذا اسمه أن تدور مع الحق حيث دار! والله؟ أجبتني، أقنعتني! انتبه، انظر، هكذا يغتالون وعي الشباب الصغار، وعي المُراهقين. قال لك هذا عالم رباني، يدور مع الحق حيث دار! يدور مع الحق حيث دار؟ لا، لا، لحظة، لحظة، لحظة! إياكم أن تتغولوا بقية المنطق!
وعلى فكرة، مثل التيارات الحزبية، ليس فقط الإسلامية، الحزبية المُؤدلجة، عموما، لا يُسعدها ازدهار الحس النقدي، عند القواعد الجماهيرية. يُسعدها دائما ماذا؟ ضمور وتراجع حس النقد. الحزبيات، والأيديولوجيات! معروف! الأيديولوجيا عموما تُعاكس المعرفة.
لذلك لا تكتب على نفسك أنك من البُسطاء السُذج، الذين توقعوا أن يُصيبوا الحقائق، من خلال ماذا؟ الأيديولوجيات. لا، لا! أنت تكون ساذجا جدا ومُغفلا. الحقائق لها طريق آخر؛ طريق المعرفة والعلم. الأيديولوجيا لها طريق الغلب والكسب، بكل الوسائل، وأكثرها خسيس!
فكارثة كبيرة، داهية ما لها من واهية، إذا تورط العالم الديني، وأصبح يُفرِغ عن منطق السياسي، مع ديباجة دينية! مُصيبة كبيرة، عليه وعلى الدين وعلى مَن يُصدقه، والله العظيم! شيء رهيب جدا! على كل حال، حتى لا أنسى، تخطر لي أفكار أحيانا وأنا على المنبر، فأُريد أن أُدلي وأن أُعرب عنها:
الشيخ القرضاوي – رحمة الله عليه، وغفر الله له – موته كان استفتاء! لم، إلى الآن لم، يلتفت الناس إلى هذا! موته استفتاء، واستفتاء خطير جدا، وحسّاس، وحاسم أيضا! استفتاء على ماذا؟ ومِمَن؟ من الجميع، من الأمة، بكل أطيافها! من أمة محمد، من المُسلمين! استفتاء!
ستقول لي كيف استفتاء؟ وما نتيجة الاستفتاء؟ نتيجة الاستفتاء، انتقل وادخل على اليوتيوب YouTube، وادخل على المواقع وعلى التلفزيونات Televisions! موت الرجل لم يُثر عُشر مُعيشير ما كان ينبغي أن يُثيره موت رجل في مثل مقامه، وفي مثل وزنه! استجابة واهنة ضعيفة جدا جدا جدا! أنا لم أكد أُصدق! على أنني لم أستغرب.
لماذا؟ لأنني قبل وقت ليس بالطويل، صُدمت بوقوعي على حلقة من حلقات برنامج كان تبثه قناة الجزيرة للشيخ – رحمة الله تعالى عليه -، اسمه – على ما أظن – سياسة في دين! ومن سنوات هذا! وإذا بحلقات البرنامج – وادخلوا أنتم! ادخلوا واختبروا، حلقات البرنامج – شاهدها بضعة آلاف فقط! ومن سنوات طويلة! بضعة آلاف! يحضرها بضعة آلاف! وتبثها الجزيرة! استفتاء أيضا!
هذا كان استفتاء سُكت عنه، سُكت عنه! كيف بضعة آلاف؟ الرجل يتكلم سياسة في دين! بضعة آلاف! وعلى موقع الجزيرة! حلقة يحضرها بضعة آلاف: أربعة آلاف، خمسة آلاف، ستة آلاف، ثلاثة آلاف، عشرة آلاف، تسعة آلاف! قل أن أجد عشرة آلاف! فاستفتاء واضح!
موته الآن – رحمة الله عليه، وغفر الله له – استفتاء آخر، أوضح، وأخطر! أخطر بكثير! لم يُثر موته عُشر مُعيشير ما كان ينبغي أن يُثيره موت مثله! لماذا؟ استفتاء! الأمة تقول لك زهقنا، مللنا، تعبنا، من هذه الطروحات! من دمج للدين بالسياسة، والسياسة بالدين، واللعب بالأوطان وبالاستقرار وبالأمن وبحيوات الناس! بدماء الناس، بأدياننا، بكل شيء! مللنا، تعبنا! لذلك استفتاء! موته استفتاء، برنامج سياسة في دين كان استفتاء رهيبا، لم يُلتفت إليه!
وبرنامج في سبع سنين! الذي بثته الجزيرة، وأغضب أيضا زعامات الإسلام السياسي! وغضبوا جدا، وسبوا الجزيرة، وسبوا قطر! على أن البرنامج برنامج توثيقي، مع عشرات من الشباب، الذين كانوا في الإسلام السياسي، وانتهوا إلى الإلحاد! ليس كفروا بالإسلام السياسي، كفروا بالدين كله! فالآن الناس وصلت تقريبا إلى مثل هذه الحافة الرهيبة!
بعد ذلك، لن يُجديكم أن تصفوا الرجل بأنه أمة في رجل، وأنه الوارث المُحمدي الكامل، كلام! أنتم تتكلمون، أنتم تُخاطبون أنفسكم! الشيخ القرضاوي نفسه – رحمة الله عليه، وغفر الله له – علق على ثورة الشعب المصري، التي كانت في الثلاثين من يونيو، ألفين وثلاثة عشر، ماذا قال؟ وعلق على موقف شيخ الأزهر؛ الدكتور الطيب!
قال هؤلاء لا يمثلون الشعب! الذين خرجوا لا يمثلون الشعب المصري! يا مولانا، هل تعلم عدد الذين خرجوا؟ هل خرج مئة ألف، مئتا ألف، مليون، مليونان، خمسة ملايين؟ عشرات الملايين! وسائل إعلام عالمية مُحايدة، ليس لها علاقة بهذه المعمعة، خاصة صينية، قالت لك ربما يكون هذا للمرة الأولى، في تاريخ البشرية! بحسب أقمار صناعية، قال لك زُهاء ثلاثين مليونا! دونها ثورة الخامس والعشرين من يناير، ألفين وأحد عشر!
نفس الشيء؛ جماعة الرئيس المرحوم مرسي – رحمة الله عليه، وغفر الله له – وحزبه، قال لك لا، لا، لا، لا! نحن نُقدِّر أن الذين سيخرجون بين مئتي وثلاثمائة ألف! تقديركم! هذه مُشكلة الأيديولوجيا، مُشكلة الحزبية! تعمى عن رؤية ما يفقأ العينين! أنت لا تستطيع أن ترى الشارع أمامك! ماذا سيفعل لك الشارع؟ انتهي! ستُطبَّق عليك سُنن الله الكونية والاجتماعية، ستخيب وتخسر في النهاية!
من الأفضل لك أن تُتابع المشهد، بعيدا عن الأماني والأحلام والأدلجة والتسييس، يا أخي! خُذ الوقائع، استفد منها، تحرك مُستجيبا لها؛ لكي تكسب! أما أن تقول لي الذين خرجوا، وكأنهم بضعة آلاف، لا يُمثلون الشعب، فلا! كيف لا يُمثلون الشعب؟ عشرات الملايين! الآن تُخطئهم، تُزندقهم، تلعنهم: مسألة أُخرى! لكن خرجوا، وانتهى كل شيء! ماذا تفعل؟ هذه الحقيقة! عليك أن تدرس بحذق وأمانة؛ لماذا خرجوا؟ ما الذي أغضبهم؟
لعلكم تذكرون أن العبد الفقير، والله يغفر لي ويُسامحني، إن كنت أخطأت، كنت في مصر آنذاك، وأتيت هنا، ولا زالوا في الحُكم، وقلت هم خارجون، خارجون! وأقسمت على المنبر، أنهم خارجون، ولن يعودوا، على الأقل في المدى المنظور. إذن لماذا؟ كيف أنا أضع سُمعتي حتى على المحك إذن؟ وهل أنا أحمل غائلة عليهم؟ حاشا لله، أبدا! أبدا! أنا رجل، إذا تكلمت، أرجو أنني لا أتكلم إلا من مصلحة أمتي وديني، والله العظيم!
في نهاية المطاف، لست مُتحزبا – بفضل الله -، ولست محسوبا على أي جهة! بل الجهات (التي عاملتني مُعاملة لا تليق) أثنيت عليها. أنا طُردت من بلاد مُعينة، ورُفض أن أدخلها، ومع ذلك أثنيت عليها! لا أتدخل في السياسات، في الدول، لا أُحرض على أحد.
أنا مُنعت أيضا، مُنعت من كل شيء! ومع ذلك هذه الدول لا أُحرض ولا أقبل، مع أنه لو قبلت، فهناك مُقابل أكثر مما تتخيلون! والشهود أحياء – بفضل الله -! حاشا لله! أسأل الله – وقلتها مئة مرة – أن يقبض روحي، قبل أن أفعل؛ لأنه لو قبض روحي، سيقبضها نظيفة طاهرة، لم تتورط في التآمر على المُسلمين، وعلى العرب، وعلى استقرار دولهم وشعوبهم، حاشا لله!
والله العظيم، الموت أشرف مليار مرة، أُقسم بالله! على أن الإغراءات فوق ما يُمكن أن يخطر بخيالكم، ولن أتكلم أكثر من هذا! لا تقل لي ملايين، ولا عشرات ملايين! فوق ما يُمكن أن يخطر بخيالكم! والشهود أحياء! أنا لا أحكي من خيالي، الشهود على العروض هذه أحياء، وبعضهم الآن في المسجد. ينبغي أن نكون واضحين، انتبهوا! الأمة، استقرار الأمة، أمن الأمة، ووضع الأمة، هو المُهم.
في نهاية المطاف – نعود إلى قضيتنا يا إخواني، نعود إلى قضيتنا – الناس لا تقبل من عالم الدين، ومعها الحق، كل الحق، أن يتلون كما يتلون الساسة! الحد المقبول من عالم الدين، هو ما ذكرته لكم: أن يُدافع، وأن يُحامي، عن بلده، وعن سياسات بلده! حكومة بلده! معقول، هو ابن هذه البلد، ابن هذه الأمة، فليُحام. مطلوب! وإلا كان شيئا آخر.
القرضاوي – رحمة الله عليه – ذم بعض الدول العربية بالاسم، مع أنها لها تاريخ في دعم جماعة الإخوان المُسلمين، واحتضانهم! طبعا رقم واحد، الدولة رقم واحد في العالم، أكثر دولة، احتضنت هذه الجماعة ورموزها، وأغدقت عليهم المليارات، وفتحت لهم المراكز الإسلامية في العالم، وأمدتها وأنفقت عليها، ما هي؟ السعودية!
أيضا حرضوا عليها! لماذا؟ الإمارات أيضا، كانت تحتضنهم، معروف! لن أذكر التفاصيل. الشيخ القرضاوي – رحمة الله عليه، وغفر الله له – قال لك الإمارات تقف موقفا من كل حُكم إسلامي! تُعادي كل حُكم إسلامي! كأنها تحكم بماذا؟ لا أدري بماذا؟ بالتوراة وبالإنجيل، ولا بماو تسي تونغ Mao Zedong، ولا بكتاب رأس المال؟ الإماراتيون لهم دولة مُسلمة، وحكومة مُسلمة! أُناس مُسلمون، يا حبيبي! والصلاة والصوم والإفطارات الجماعية بالملايين، والحج والعُمرة والقرآن! ماذا تُريد إذن؟
الآن سأحكي لكم شيئا، حاولوا أن تُركزوا، تُركزوا تماما! وقبل أن أمضي، سأذكر شيئا مُهما:
الإمارات، التي تُسب على أنها دولة ضد الإسلام، وضد الحُكم الإسلامي! الإمارات عرضت على قيادات الإخوان المُسلمين، في الإمارات – وأنا أعرف ماذا أقول، ويُمكن أن تقع المُحاققة -، قالت لهم أنتم أبناء هذه الأمة، أنتم أبناء هذا البلد، حياكم الله، هيا تفضلوا وانظروا ما هي المثابات، ما هي الوزارات، ما هي الوظائف العُليا في الدولة، التي يُمكن أن تُقدموا فيها، وأن تخدموا بلدكم، ويا حياهلا! تفضلوا، أنتم أولى ببلدكم. والله العظيم! أنا أحكي لكم، ووالله الآن اقشعر بدني.
تعرف ماذا كان الجواب؟ وليس واحدا هذا، فئة كبيرة منهم! بعد ذلك، أُدخلوا السجن! لا تقل لي أُدخلوا ظلما وكذا. ستعرف لماذا! لا بُد من الحقيقة الكاملة! قالوا أعطونا فُرصة؛ لنُفكر. تُفكر؟ أنت تقول حُكم إسلامي، خدمة الأمة وخدمة الدين! الحاكم يقول لك تفضل، تعال، اشغل الوزارات التي تُناسبك! بشرط أن تكون ماذا؟ كُفئا فيها! تستطيع أن تُقدم، أهلا وسهلا، أنت أولى من غيرك.
قالوا نُريد فُرصة؛ نُفكر! أُعطوا فُرصة! وعادوا بعد أيام، وبإجماعهم قالوا لا، العرض لم يُناسبنا! العرض لم يُناسبنا! تعلمون لماذا؟ لأن المُرشد العام في القاهرة، لم يوافق على العرض!
بالله عليكم يا إخواني وأخواتي، أي دولة في العالم، ولو دولة إخوان مُسلمين، لو حُكم حماس الآن في غزة، أي دولة في العالم، تقبل أن يرتهن أبناؤها، وخيرتها – على هذا الأساس -، والذين عُرض عليهم وزارات ومثابات عالية، أن يرهنوا قرارهم لسُلطة خارج البلد؟
وقال مُرشد عام! مُرشد ماذا؟ مَن المُرشد هذا؟ أنا ما أدراني! ولماذا؟ حتى لو كان نبيا من الأنبياء! مَن المُرشد هذا، خارج البلد، يُريد أن يُوجه أبناء البلد، وهم في وزاراتهم؛ افعلوا ولا تفعلوا؟ ما هذا؟ لا توجد دولة في العالم، تقبل بهذا المنطق! فهمتم؟
وبعد ذلك، خلونا نكون واضحين جدا جدا، وهنا أُريد أن أُلقي بالقنبلة، التي ألقيتها قبل ذلك! وأحسن الفريق الآخر، أحسنوا حين صمتوا، ولم يستجيبوا لكلامي؛ لأن إثارته سوف تُحرجهم جدا! سأقولها بالفم الملآن، وهذا سيُغضبهم، والله هو الساتر، الله هو الستير – لا إله إلا هو -، نسأل الله الحفظ، فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *:
الأصولية الإسلامية بفرعيها؛ السُني والشيعي، صناعة استعمارية! الوثائق أصبحت مُتاحة! قبل ذلك، لو قلنا هذا، قبل عشر سنين، سيُقال كذاب أشر! الآن الوثائق أُفرج عنها! ولم يُفرج عن كل الوثائق! ما رأيكم؟ أُفرج عن أجزاء منها، وأجزاء إلى الآن – مع أنه بالقانون ينبغي أن يُفرج عنها – لا زالت تحت التسويد، بالقلم الأسود، ممنوع!
لكن أن هذه الأصوليات أُنشئت وأُمدت ماليا، من اللحظة الأولى، حين لم تكن شيئا! مُجرد بذرة، بذرة بسيطة جدا جدا، كان يُمكن لأي جهاز سُلطة بسيط أن يئدها في مهدها، أُمدت بالأموال الاستعمارية! لماذا؟ لماذا؟
لماذا يُمد شيخ، شاب بسيط، في بداية الثلاثين – أي العقد الثالث -؟ هو مواليد ألف وتسعمائة وستة، وهذا الكلام كان سنة ثمانية وعشرين! أي كم؟ تخيل! في مُنتصف العقد الثالث! ليس عالما كبيرا، ولا مشهورا، ولا أي شيء!
إنسان بسيط مُتواضع، لا شيء، لا شيء! ليس عنده حتى شهادة ماجستير في أي علم من العلوم! عنده دبلوم، دبلوم فقط! لماذا تمده الدولة الاستعمارية، التي تستعمر بلده؟
ستقول لي ماذا تقول؟ أنا لا أقول شيئا من عندي، أقول الوثائق يا حبيبي، الموجودة الآن! والتي أحرجت الجميع، وفقأت العينين!
في المُقابل، مؤسس الأصولية الكبيرة الآن الشيعية – طبعا هو ليس المؤسس وكذا، لكن هو الرمز الأكبر، الذي أقام لهم دولة! تعرفون مَن هو؟ – في فرنسا! وفرنسا ترعاه صباح مساء! صباح مساء! في كل يوم، ليس أقل من خمسة عشر إلى عشرين لقاء مُتلفزا وراديويا وصحفيا، مع الرجل هذا باستمرار! وأُعيد مُعززا مُكرما، على متن طائرة! تفضل! ما هذا؟
لماذا؟ لماذا هذه الرعاية؟ لماذا هذا الاهتمام؟ لماذا هذا التلميع؟ لماذا خلق الشخصية؟ الخُطة واضحة، ذكرتها في برنامج ليطمئن قلبي، في ألفين وستة عشر تقريبا: خلق أصولية سُنية، وتغويلها – تُصبح غولا كبيرا شرسا -، وخلق أُصولية شيعية أيضا، تُصبح غولا، ثم ضرب الاثنتين! هذه بهذه، وينتهي الإسلام، والعالمي الإسلامي!
نسأل الله أن يُبطل مكرهم، والله العظيم! نسأل الله! كأن الله تبارك وتعالى – إن شاء الله – أبطل مكرهم، وأيقظ الأمة. وكما قلت لكم وفاة العلّامة القرضاوي استفتاء! هذا المشروع فشل. الأمة لم تعد تعبأ به. لكن تعرفون ما الذي يحصل الآن؟ الأمة تنتظر البديل! لأن الإسلام تم اختطافه، وعبر تسعين سنة!
الآن الناس تفشل أن تُفكر خارج القوالب والنماذج التي أتاحها الإسلام السياسي، عبر تسعين سنة! يقول لك كيف؟ الإسلام هو هكذا! الإسلام منهج حياة، مُصحف وسيف، دولة ودين، دين ودولة، دنيا وأُخرى، و… و… و… الكلام! المانشيتات! لا، لا، لا، لا! الإسلام قبلهم يا حبيبي، هم متى؟ متى خُلقوا هؤلاء؟ الإسلام ألف وأربعمائة سنة! هؤلاء بعده. إياك، إياك أن تُغر عن عقلك! هؤلاء بالأمس قريب وُلدوا، أي مع ولادتنا! بالأمس! أبدا! الإسلام ألف وأربعمائة سنة! الله حافظ دينه، تراث الأمة!
بالله عليكم الآن، ها هو مؤسس الأصولية، مؤسس هذه الجماعة، كم يُقتبس؟ هل ترونه كل يوم على النت Net يُقتبس؟ لا يُقتبس! الشيخ القرضاوي – رحمة الله عليه -، وبالذات في آخر سنوات، كدنا لا نراه! لا يُرى، لا يُقتبس! لماذا؟
ماذا تقتبس؟ الناس ماذا تقتبس؟ تقتبس خُطبه في آخر خمس عشرة سنة؟ كلها سياسية! تحريض على هذا، وضرب في هذا، وسب في هذا! مدح في هذا، ثم سفك دم هذا! نفسه! اليوم يُمدح وكذا، وبكرة اقتلوه برصاصة، اطلبوا الأجر بقتله! ماذا تقتبس الناس؟
لكن هل يُقتبس الشيخ الشعراوي؟ أكثر مما كنا نرجو – بفضل الله تبارك وتعالى -! يوميا، مقاطع للشيخ العارف بالله، مُفسر كتاب الله! مُصطفى محمود، المُثقف المُسلم الصالح الواعي، الذي كان يفهم لُعبة الأصولية الإسلامية، وحذّر منها، وقال للأمريكان، قال لهم صناعة غربية! صناعتكم. قال لهم! نحن فاهمون كل شيء. قال لهم! الله يرحمه.
لكن طبعا عاش في آخر بضع عشرة سنة، تحت حراسة الشُرطة المصرية، طُلبت رأسه للجماعات الإرهابية! مُصطفى محمود؟ صاحب العلم والإيمان! لأنه فاهم اللعبة! فاهم مَن خلقكم، ومَن الذي يُمولكم، ولصالح مَن! رحمة الله عليه؛ مُصطفى محمود. يُقتبس كثيرا مُصطفى محمود، أكثر بكثير من القرضاوي، يوميا! بمئات الألوف!
الآن سأحكي قصة الشيخ الشعراوي إذن، ويا لها من قصة! وما أجملها من قصة! هذا الشيخ المُنوَّر، الرباني، آية من آيات الله! رضوان الله تعالى عليه. وعاش سعيدا، ومات حميدا. اللهم ألحقنا بالصالحين من أمثاله، يا رب العالمين.
الشيخ محمد متولي الشعراوي، ولم يكن مِمَن يحمل الضغائن، اختلف مع الإخوان على طول الخط بعد ذلك، لكن لم يُحرض عليهم مرة، ولم يسبهم مرة، أبدا، أبدا! رجل مُهذب جدا! رجل رباني، يُريد نفع الأمة، نُصح الأمة!
يا شيخ سمعنا أنك كنت في الإخوان. قال نعم! نعم، أنا الذي كتب بخط يده أول منشور لهم في القاهرة! أنت؟ قال أنا! طبعا لما – قال – الشيخ حسن البنا – رحمه الله – انتقل من الإسماعيلية – هو أسس الجماعة في الإسماعليلة، ثمان وعشرين، انتقل في اثنتين وثلاثين، بعد أربع سنوات تقريبا أو خمس سنوات -، إلى القاهرة!
كنت أنا مَن خط أول منشور للجماعة، بخط يده! وذكرت فيه كذا وكذا وكذا! جميل! أي كنت معهم؟ قال لك طبعا، كنت معهم! وأُعجبت بطريقة الشيخ البنا في الدعوة! لكن يا شيخ شعراوي، يُوجد شيء مثار تساؤل: أنت وفدي، أنت من جماعة سعد زغلول، ومن جماعة طبعا المُعاصر لك النحاس باشا – رحمة الله عليه -! كيف تكون وفديا، ومن الإخوان المُسلمين؟ عادي! أصلا الشيخ الشعراوي كانت عنده المسألة مُسلَّمة!
الإخوان المُسلمون ليسوا حزبا سياسيا، ليسوا أيديولوجيا صراعية على السُلطة! الإخوان المُسلمون جماعة دعوية، تُقرّب الناس إلى الدين، تُعرّف الناس بالدين! هكذا كان يظن! هكذا كان واهما! للأسف كان مُتوهما هو، صدّق أنها جماعة دعوية!
وإذا كانت جماعة دعوية، فستقف على مسافة واحدة، من كل ماذا؟ من كل أطياف الشعب! من الأحرار الدستوريين، والوطني، والوفد! وعادي! لأنها جماعة إسلام، للمُسلمين جميعا! لكل أطياف الأمة الإسلامية، أليس كذلك؟ هو هذا! كما قال السيد المسيح – صلوات ربي وتسليماته عليه -، قال الله تبارك وتعالى يُرسل أشعة الشمس على البر والفاجر.
والله أنزل هذا الدين، وجعله ماذا؟ نُورًا مُّبِينًا *. مثل الشمس! شمس الإسلام تُغطي الوفديين، والأحرار الدستوريين – جماعة هيكل -، والحزب الوطني، الكل! حتى المسيحي، إن أراد أن يستدفئ بنورها، تسعه! شمس الإسلام! أليس كذلك؟
الإسلام واسع، وينبغي أن يبقى دائما واسعا! الإسلام ليس مصباح جيب، يُضيء في يد هذا، ولهذا! ويُعتِّم ويُظلِم على الآخرين! لا، لا، لا، لا. الإسلام لا يُمكن أن يُختطف، ولا أن يُوظف! انتبهوا! ولا أن نتكلم نحن فقط باسمه، الوكالة الحصرية! هذا ضلال مُبين.
الشيخ الشعراوي هو كان فاهما أن هذه جماعة دعوية! فأنا وفدي من جهة، وإخواني من جهة! ما المُشكلة؟ هذه سياسة، وهذا الدين والعلم! وهو أزهري، وعلّامة، وشاعر كبير، نابغة – رحمة الله تعالى عليه -.
حسنا! المُهم، قال في السابع والثلاثين خرج حزب الوفد من السُلطة، معروفة القضية هذه! في الثامن والثلاثين – قال – أحببنا أن نحتفل بذكرى الزعيم سعد باشا! سعد زغلول – رحمة الله عليه – باشا، المؤسس الكبير للوفد طبعا!
قال فأتينا إلى الدار السعدية، وفعلنا ذلك! وكان موجودا مَن؟ النحاس باشا! زعيم الوفد الكبير الآن؛ النحاس باشا. وقام الشيخ محمد متولي الشعراوي، وألقى قصيدة عصماء، مدح فيها الزعيمين الكبيرين: زغلول باشا، والنحاس باشا.
فعلم – يقول الشيخ الشعراوي – بذلك الشيخ حسن البنا، وغضب من ذلك! لماذا هكذا؟ الشيخ الشعراوي لا يفهم حتى مُبرر هذا الغضب! لماذا؟ لماذا تغضب؟ النحاس زعيمنا، زعيم الأمة، زعيم الوفد! رجل مُمتاز! خامة نادرة النحاس باشا!
قال ثم بعد ليال معدودة جمعنا مجلس ليلي! بالشيخ حسن البنا، وجماعة من أتباعه في الجماعة، وأنا معهم! الشيخ متولي الشعراوي بكل طيبة – رحمة الله على روحه -! فجرى حديث، فرأيت أن الحضور – الشيخ البنا ومَن معه – مُتحاملون جدا على النحاس باشا! تحامل شديد! النحاس… النحاس! لماذا؟
قال فقلت لهم يا إخواني لو كان للمُتدينيين – هو قال المُنتسبون إلى الدين. هكذا بالضبط؛ لكي أكون صادقا، أنا أُحب الدقة. لو كان للمُنتسبين إلى الدين – أن يؤيدوا زعيما سياسيا، فليس سوى النحاس باشا!
عليكم أن تؤيدوا النحاس، أنتم! كما فعلت أنا، ليس لأنني وفدي، ومن جماعته! لماذا؟ قال لأن النحاس باشا رجل طاهر، ونظيف، ومُخلص، وورع، و(بتاع ربنا). قال له في الآخير بالعامية (وبتاع ربنا). رجل عنده حس ديني عميق! النحاس باشا! وعلّامة في السياسة طبعا، السياسة شغلته طبعا، السياسة قصة هذه! غير قصة الدعوة! و(بتاع ربنا).
فقال فرأيت أنهم لم يقبلوا هذا المنطق، وكانوا مُنحازين إلى صدقي باشا. الذي هو إسماعيل صدقي باشا! وأيضا وفدي! لكن لم يكن عنده زعامة مَن؟ النحاس باشا. وعنده بعض الأخطاء! دستور ثلاثين وكذا! هو الذي وضعه! وبعد ذلك رجع دستور ثلاثة وعشرين، قصة ثانية هذه! المُهم، قال فرأيتهم مُنحازين إلى صدقي باشا.
وإذا بأحدهم، ولن أذكر اسمه – انظر، الشعراوي رجل عف اللسان، الله أعلم مَن هو طبعا؛ هل هو الشيخ حسن نفسه، البنا، ولا واحد ثان؟ لا ندري، الله أعلم، لا نقطع على غيب الله. قال وإذا بأحدهم، ولن أذكر اسمه -، يقول نحن عدونا الأكبر، أعدى أعدائنا، هو النحاس باشا!
لماذا؟ عنده موقف من الإسلام؟ لا، طبعا! يكره الإسلام؟ لا. يكره الدعوة؟ لا. يكرهكم لأنكم (بتوع دين)؟ لا. ولماذا صار أعدى أعدائكم؟ لماذا؟ الشيخ الشعراوي صُدم الآن! قال عدونا الأكبر، بل أعدى أعدائنا، النحاس باشا!
انظر المُبرر؛ وذلك لأن له أغلبية! الشعب يُحبه، مُعظم الناس معه، مُعظم الوفديين على الإطلاق يُحبون الناس باشا، ليس صدقي – إسماعيل صدقي – باشا! أما الآخرون، سواء في الوفد وغير الوفد، أما الآخرون، فكلهم لو بصقنا عليهم، لذهبوا وانتهوا!
قال وصُدمت! الشيخ الشعراوي استيقظ من غفلته! الذي يظن أن الجماعة جماعة دعوية و(بتاعة الله والدين)، وتحبيب الناس في الدين! أبدا، أبدا! اتضح أنها جماعة دعوية، بأجندة وأهداف ومطامح ومطامع ماذا؟ سياسية، سُلطوية!
تُريد السُلطة، تُريد الحُكم! وتتوسل ماذا؟ وسائل السياسة الخسيسة القذرة! وتُحارب الأطهار! من أجل أن تصل هي! مَن النحاس هذا؟ ليس (إخوانجيا)، نحن الذين نُريد أن نصل.
لا! قال فمن تلك الليلة، حزمت أمري، واتخذت قراري، وقلت لهم (أنا ماشي، وماليش دعوة في الكلام دا). قال تركتهم بكل أدب، وبكل عفة! السلام عليكم. أنتم لكم طريقكم. كما قال المعري فأموا سمتهم، وأممت سمتي.
لكم طريقكم ولي طريقي. ولي طريقي! وتركتهم في حالهم. ماذا استفدت يا شيخ متولي – رحمة الله على روحه الطاهرة -؟ قال استفدت أشياء كثيرة، تخص الدعوة! أما أولا، تعلمت أن أُخلص دعوتي لله.
نعم! فهم الآن، أنني لو بقيت مع الإخوان المُسلمين والشيخ البنا، ستكون دعوتي مُخلصة لماذا؟ للجماعة! لا لله. الجماعة! ماذا تُريد الجماعة؟ تقف معها. ماذا يؤيدها؟ الجماعة، ليس الدين، الجماعة! لذلك تتخذ أشياء غالطة، بغض النظر! حتى لو قتل أحمد ماهر باشا! النقراشي باشا بعد وقت يسير، قُتل أيضا – رحمة الله عليه -، ومطلوب للإنجليز أيضا! وبرصاص الإخوان! شيء لا يكاد يُفهم!
قال تعلمت أن أُخلص ديني لله تبارك وتعالى! أن أجعله خالصا. وتعلمت أن مَن أخلص نيته في العمل لله، جوزي على عمله قبل أن يعمله! لقوله – صلى الله عليه وآله وسلم – إنما الأعمال بالنيات. جميل! واحد!
اثنان؛ قال وتعلمت – من ذلك، بعد ذلك – أنه لا يُمكن أن يتأتى لأحد أن يتهمني أنني أعمل لمصلحة أو لمنفعة أو لغرض شخصي. أنا حتى غير مُنتسب إلى أي حزب سياسي!
طبعا الدرس الأكبر، في تجربة الشيخ متولي الشعراوي – رحمة الله تعالى عليه – ما هو؟ أنه ينبغي للعمل الديني، والعمل الدعوي، كما قلت لكم، أن يكون على مسافة واحدة من كل الناس، وألا يُساهم في شق المُجتمع، لا رأسيا، ولا ماذا؟ ولا أُفقيا.
لن أشرح هذه المُصطلحات الاجتماعية، التي تحتاج إلى وقت طويل! لكن للأسف الشديد، أقول لكم العمل الإسلامي السياسي يشق المُجتمعات رأسيا، وأُفقيا أيضا. وهذه مُصيبة! ويلعب بكلا نوعي الانقسام الاجتماعي! فقط من أجل أن يُحقق أغراضه! ماذا يحصل؟ يحصل ما يحصل! لا يهمنا! المُهم أن نكون نحن في المُقدمة، أن نستفيد نحن!
ولذلك ماذا قال الشيخ الشعراوي؟ لخص الأمر بطريقة عبقرية! ساحرة! قال تعلمت أنني كمُسلم يعنيني أن أُحكم بالإسلام، ثم لا يعنيني مَن الذي يحكمني. ليحكمني مَن شاء! المُهم أن الإسلام يحكم. الأخلاق الإسلامية، العقيدة الإسلامية، الشريعة الإسلامية! لكن مَن يحكم؟ لا يهمني! لا يهمني!
لا! قال الجماعة إياهم، للأسف الشديد، قضيتهم أن يحكموا هم بالإسلام! ولذلك كل مَن وقف لهم، أو تصدى لهم، أو اعترض … ماذا أقول لكم؟ نحن نعيش في أوروبا، وعانينا، ولا زلنا! إذا لم تكن معهم، إذا لم تكن تنظيميا، على الأقل تكون مُتعاطفا بالكُلية، كأنك منهم! سيعملون في عكس اتجاهك تماما! وسيعوقون حركتك، وسيضعون العصي في دواليب دعوتك! ولا يتأثمون! أن هذا حرام، الله سيسألنا! لا يهمهم! نحن وفقط!
الشعراوي قال لك لا، المُخلص للإسلام يهمه أن ينتصر الإسلام. على يد مَن؟ لا يهمني. أنا يهمني أن كل الناس تنصر الإسلام! يهمني أن يحكمني الإسلام. مَن الذي يحكم؟ لا يهمني. يحكمني فلان، علان، لا يهمني!
فهذه هي تجربة الشيخ العارف بالله المُفسر والفقيه وإمام الدعاة – رحمة الله عليه -، حاز هذا اللقب باقتدار وشرف! إمام الدعاة في القرن العشرين: محمد متولي الشعراوي! رضيَ الله عنه وأرضاه، وألحقنا جميعا بالصحالين من أمثاله، وفتح أعيننا على مُشاهدة ومُطالعة الحقائق التي، والله يا إخواني، يوم نبدأ نُطالعها، أُقسم بالله، ستُصبح أوضاعنا بخير.
نحن من تسعين سنة، وهي والله ليست بخير، الأوضاع والله ليست بخير! والله تشريد، وسجون، ومنافي، وظلم! ولماذا؟ لماذا دمرنا حتى حيوات ومُستقبل عشرات الأجيال؟ من أجل ماذا؟ من أجل أن حكامنا كفار؟ ليسوا كفارا! لا نكذب على الواقع، ليسوا كفارا! لكنهم حكام وساسة! محكومون بماذا؟ بإكراهات وضرورات السياسة.
وعلى فكرة، انظر أنت إلى الكلام – أختم بهذه الخُطبة -، الكلام سهل جدا، الكلام ليس عليه ضريبة يا إخواني! والكلام مجاني. بالكلام واحد مثلي، لا ذهب ولا جاء، يطلع على منبر! أستطيع أن أُخطئ سبعين دولة إسلامية، وأن أنسبهم إلى الخيانة، والعمالة للغرب، والعمالة لأمريكا، والعمالة لعدو الأمة، وكذا! عادي، بسهولة! سهل جدا جدا! وأن أُطالبهم بأن يُغيروا الكون! المجموعة الشمسية! على الأقل، الأرض بما فيها، لصالح الإسلام والقيم. كلام!
أعطني سُلطة، أعطني سُلطة كما أعطاهم الله؛ أعطاهم في غزة، أعطاهم أيام البشير، أعطاهم في أفغانستان، أعطاهم… أعطاهم… أعطني سُلطة، ثم سترى كل الميكافيلية والبراجماتية والتنازلات، في أبشع مظاهرها! وإذا كلمتهم، قال لك يا أخي، هذه هي! إكراهات السياسة! هذه حُكم الاضطرار؛ فَمَنِ اضْطُرَّ *.
أي أنت عندك العُذر، لكن الساسة الآخرون ليس عندهم عُذر! الحكومات الأخرى الأُخرى ليس عندها عُذر، فقط أنت الوحيد الذي عندك عُذر! هذا تلاعب بالدين. في نهاية المطاف، واضح أنه تلاعب لمصلحة أن نكون نحن مَن يحكم، ومَن يكون له الهيل والهيلمان والغلبة والظهور!
نسأل الله أن يُخلص نوايانا وألسنتنا وقلوبنا وأعمالنا، لله ولدينه. هذا يا إخواني هو الذي يبقى، والله العظيم! هذا هو الذي يبقى. هل أنا الآن أضمن أن أُصلي بكم الجُمعة؟ والله العظيم لا أضمن، أُقسم بالله يُمكن أن تُفتلت نفسي، قبل أن أقوم إلى الخُطبة الثانية، وأعلم هذا، وأنا دائما أستحضر هذا.
لذلك مَن تكلم، مَن كذا، دائما ليتكلم وليقل ووجهه إلى الله تبارك وتعالى. حتى إذا لقيت الله، تقول له يا ربي أنت تعلم، غيرك لا يعلم، أنت تعلم ما الذي حداني على أن أقول هذا.
طبعا هل أنا مُصيب دائما؟ لا، لا، لا! أبدا، أبدا! يُمكن أن أكون مُخطئا كثيرا! يُمكن أن يكون خطأي أكثر من صوابي! لكن هذا كله في غيب الله، أنا مُكلف أن أتكلم بما أفهمه الآن، بما أنا مُقتنع به. فأسأل الله تبارك وتعالى أن يُصفينا، وأن يُزيل عنا عَمَاية أو عُمَاية الجهل وغبش حظوظ النفس، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه.
(الخطبة الثانية)
الحمد لله، الحمد لله الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ *. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا.
إخوتي وأخواتي/
اسمحوا لي، في الخُطبة الثانية، أن أُشير إلى نُقطتين مُترابطتين:
النُقطة الأولى؛ الإسلام السياسي طالما، ولا يزال، تورط في الدماء! لا يتورع في ملف الدماء، وهذا شيء مُخيف! ورأينا ما حدث في سوريا، هذا إسلام سياسي طبعا! ورأينا نشاطات الإخوة الشيعة – ما شاء الله -، إسلام سياسي أيضا! وقتل الناس! داعش والشيعة والسُنة والنُصرة! قتل الناس بالألوف!
الإسلام السياسي خطير جدا في ملف الدماء! انظر الآن طبعا، انظر الإسلام السياسي في القرن الحادي والعشرين، والخليفة الرابع الراشد عثمان بن عفان – رضوان الله عليه -، الذي قال لك أنا لن أترك الخلافة.
حسنا! لكن لن أتسبب في سفك محجنة دم من مُسلم. أنا سأكون الضحية، سأكون القتيل، لن أُساهم في قتل المُسلمين. تورع عجيب! تورع عجيب! انظر موقف الإمام علي، من الخوارج وكذا وكذا! شيء غريب! عندهم تورع شديد جدا، في باب الدماء!
سأحكي لكم قصة، شهودها أحياء، كثيرون شهودها، على فكرة! بفضل الله. هذه القصة قبل زُهاء رُبع قرن، ربما في خمسة وتسعين، ستة وتسعين! شيء مثل هذا! رُبع قرن!
أتى إلى النمسا هنا، إلى فيينا، الرجل الثاني في جماعة الجهاد. الرجل الأول عمر عبد الرحمن، في أمريكا مسجون – رحمه الله، وغفر الله له -. وهذا الرجل الثاني! ليس مُبالغة، هو هذا! هو الرجل الثاني! لن أذكر اسمه؛ لأنه أيضا مات – الله يرحمه، ويغفر له -.
فذهبت أنا ومجموعة من إخواني، وكنا في مسجد الهداية، ذهبنا إلى مسجد الصحابة، في الـ Lindengasse؛ لكي أُناظر هذا الرجل! لأنهم كانوا يُحجمون عن مُناظرتي. جميل! يقولون مَن يُناظره؟ هذا الآن عالم، ومرجعية كبيرة، وعنده مؤلفات، ومُنظِّر! أنا أتيتكم، أنا المُتعالم الجاهل الكذا، أتيت؛ لكي أُناظر شيخكم، في مسجدكم.
فأبوا علينا هذا، وأخذوا الشيخ أمامنا، أمامنا! قالوا لا، لا مُناظرة. وذهبوا به! الله يسهل عليكم، لا بأس! في اليوم التالي، اتُصل بي، وقيل يا فلان تعال، الشيخ أبو فلان الفلاني موجود عند الشيخ أبي بكر في Horn – حوالي تسعين كيلو مترا -. قلنا على بركة الله، نذهب نُناظره هناك! فذهبنا.
فأتيت إليه. الشيخ أبو بكر لا يزال حيا! في بيته، في Horn! وذهب معي مجموعة من إخواني، أكيد! خمسة، ستة، سبعة، أو كذا! المُهم، ذهبنا هناك. وجدت المجلس غاصا. ستسمعون تجربة تقشعر لها الأبدان، أُقسم بالله العظيم! المجلس غاص بالكامل، المجلس!
فجلست مُباشرة لقاء أو تلقاء وجه الشيخ – الله يرحمه، ويغفره له -، لكن بيني وبينه ليس أقل من بضع عشرة مترا! كانت ساحة كبيرة، صالونا كبيرا كان! وعن يمينه، وعن يساره، الإخوة جلوس! فأنا سكت، أستمع، يتكلم! مال إلى رجل – هو أيضا انتقل إلى رحمة الله قبل سنة، كان إماما في مسجد الصحابة -، وقال له يا شيخ فلان، أو يا فلان، ما أحوال الجالية الإسلامية في النمسا؟
قال له والله يا شيخنا ليست على ما يُرام! الأحوال ليست جيدة – بمعنى الكلام -، لا تُبشر! فقال الشيخ المُنظِّر – رقم اثنان في جماعة الجهاد، بعد عمر عبد الرحمن – ولماذا؟ قال هناك رئيس الجالية، واسمه الدكتور عبد الرحيم الزاي – الأفغاني، رحمة الله عليه -. قال له نعم. قال له هذا الرجل يعوق حركتنا، ويعوق نشاطنا! أي لا يُيسر أمورنا.
الشيخ المُنظِّر – جماعة الجهاد – لا يعرف عبد الرحيم الزاي، ولعل هذه أول زيارة له للنمسا، وأول مرة يسمع بعبد الرحيم الزاي، وأول سؤال يسأل عن الجالية الإسلامية في النمسا! مُهتمون بأمر المُسلمين طبعا! أمر المُسلمين يهمهم!
تخيل ما الذي حصل؟ تخيل! قال ألا يُوجد من بينكم مَن يُخلصكم منه، كما خلصنا مصر من طاغيتها؟ انظر العقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية (التعبانة)! ولا واحد اعترض، من كل إخواني حتى! ومن جماعته طبعا لا يعترضون، ويُحبون هذه الفتاوى! فتوى سريعة، في لمح البصر، بسفك دم الرجل؛ الدكتور عبد الرحيم الزاي!
أنا سمعت هكذا، نظرت هكذا، لم يتكلم أحد! قمت، قلت له يا شيخ، أحقٌ ما سمعته أذناي؟ أصرخ بأعلى صوتي! جُننت! هل أعطيته فتوى بسفك دم الرجل؟ طبعا، أُسقط في يده، ارتبك! ونظر إلى مَن سأله، همس له بكلمات، أكيد يقول له مَن هذا؟ مَن هذه اللعنة؟ مَن هذا؟
أكيد أجابه؛ هذا الذي جاء بالأمس! ربما! الله أعلم طبعا، أكيد! أكيد تحدثوا عني؛ لأنهم أصدروا فيّ عشرات المناشير! أنني … وأنني … وأنني … لم أرد على منشور واحد، وأنشروا كتابا! لأن كله جهل، جهل! من بدايته! نحو لا يوجد، صرف لا يوجد! أرد على مَن؟ لم أرد.
هذا الذي حدثناك عنه، كذا، كذا، كذا! وإذا بالشيخ المُنظِّر يقوم، ويأخذ كذا، ويخرجون إلى الغابة، يتمشون طبعا! جيد أنهم لم يأتمروا علي، والله أعلم! ربك الذي يستر. فأنا لم أكد أُصدق ما اتفق لي ولإخواني، عشرات! الله أكبر! أهكذا تُستباح الدماء، في طرفة عين؟ الله أكبر يا جماعة الخير!
حدثتكم أنا عن شيخ الإسلام العراقي – رحمة الله عليه -، ليس الحافظ طبعا المُجدد، ابنه، ولي الدين! في عهده، أحدهم قال كلمة، سب سيدا شريفا، من نسل الرسول! قال له يا ابن ستين كذا. أنتم تعرفون طبعا الكلمة! فالعلماء قالوا لك – والعياذ بالله – وصلت المسبة إلى سيد الكل، كافر، اقتلوه.
فأوتيَ به! تخيل أنت سُلطانا مملوكيا، سُلطانا! على فكرة، انظر، حُكام المُسلمين، سلاطين المُسلمين، خُلفاء المُسلمين، عبر التاريخ، مُعظمهم، إلا ما استُثني، أظلم من أكبر ظالم عربي مُعاصر! والله لا أقول هذا تهويلا. والله لو تقرأون كيف كانوا يُعاملون الناس؟ كيف قتل البشر؟ كيف قتل العلماء؟ شيء مُرعب يا إخواني!
اسكت يا رجل! وقال لك هذا! المُهم، لكن مع ذلك هذا السُلطان المملوكي الظالم، قال لهم أي تُريدون قتله؟ وهذا مُرتد؟ حسنا، هل اتفق العلماء كلهم على هذا؟ قالوا كل العلماء تقريبا، هذا كذا! واضح! كفر وكذا!
هل بقيَ أحد؟ فجاء الولي العراقي – رحمة الله عليه، ابن الشيخ أبي الفضل، ابن الحُسين العراقي، شيخ الإسلام -. قال مَن الذي كفّره؟ فقام له واحد؛ البُلقيني! قال له أنا. كفرته. قال! قال لا، هذا غير صحيح، غير صحيح! والجواب عنه كذا، كذا! يعني هو الرجل لما قال له يا ابن ستين كذا، هو قاصد وعامد ومُستحضر أن السبة ستبلغ سيد الخلق – عليه السلام -؟ وفعلها؟ لو فعلها، لكفر! أليس كذلك؟ أبدا! لم يخطر ذلك بباله! كلمة تُقال هكذا!
فتخيل أنت هذا السُلطان! سُلطان، مع ذلك، كان أكثر تحرزا في الدماء، وأكثر ورعا، من أن يسفك دم امرئ مُسلم بأهون الأسباب! قال لك لا، لا، لا، لا! لا نقتل هكذا! ما القضية؟ وهناك قصص كثيرة، مثل هذه، على فكرة! أيام الجلال المحلي، وحدثتكم بها. أنا رأيت بعيوني – ما شاء الله – هذا!
ولذلك لماذا أقول هذا؟ بين يدي فتوى الشيخ القرضاوي – غفر الله له، ثم رحمه الله -، حين سُئل في الشريعة والحياة، ويا ليته ما سُئل! وتبا للسائل الذي سأل، ويا ليته ما سأل! البرنامج انتهى، انتهى وقته. فهذا الدكتور عثمان، قال يا شيخنا، هناك سؤال كذا، كذا. في آخر شيء! ما حُكم مَن يقف مع النظام السوري وكذا وكذا، ولكن ليسوا – أي بمعنى الكلام – من العسكر، أو كذا، من العلماء والصحفيين؟
وإذا بالجواب يأتي على غير فقه الشيخ، وعلى غير ما علّمه للأمة، وعلى غير ما كتبه في كتابه الجيد فقه الجهاد! وفي موضعين على الأقل! ذكر ما عليه جماهير علماء أهل السُنة والجماعة. حتى في ساحة المعركة – تخيل! أنت في ساحة المعركة -، لا تقتل إلا مَن يُقاتل بالفعل!
بمعنى؛ أحدهم يعمل مهام لوجيستية، يأتي بالماء، يأتي بالكذا وكذا، يُضمد الجرحى، ممنوع أن تقتله! تخيل! حسنا، هناك نساء، هناك أطفال، هناك كذا؟ ممنوع! كذا؟ ممنوع! أي تُقاتل مَن يُقاتل حقا.
حسنا، الشيخ البوطي كان يُقاتل مع النظام؟ حامل رشاش – الله يرحمه، ويغفره له -؟ يا جماعة الخير، نيلسون مانديلا Nelson Mandela كان في قبضة البيض العُنصريين رُبع قرن، لم يقتلوه! أليس كذلك؟ لم يقتلوه! لا يُقتل الساسة.
أنتم تعرفون مَن الذين شرّعوا في القرن الحادي والعشرين، بوحشية، قتل الساسة، وقتل الناطق السياسي؟ تعرفون! عدو الأمة! تعرفونهم مَن هم، القوم إياهم! في الدولة إياها! صاروا يقتلون الساسة والمُتحدثين والناطقين، وهذا إجرام عجيب! ووحشية! ما كان يحدث هذا!
فالآن الشيخ القرضاوي قال لك ما أدراني؟ نحن لا نُميز! كل مَن ساند هذا النظام، كل مَن أيد هذا النظام؛ علماء، جاهلون، أُميون، عسكريون، مدنيون! نحن نُقاتلهم! اقشعر بدني، وقلت لا حول ولا قوة إلا بالله يا شيخنا!
وطبعا السؤال كان واضحا، وذُكر اسم البوطي! ذُكر اسمه في السؤال! بعد أربعة أيام، لقيَ الشهادة – إن شاء الله تعالى، رحمة الله تعالى عليه – الشيخ البوطي. أحس الشيخ القرضاوي – غفر الله له – بالورطة، التي ورط نفسه فيها، مع الله، ليس معنا! مع الله! هو الآن بين يدي الله.
أحس، فجعل مُعظم حديثه على النحو الآتي! مع أنه طبعا لم يجد على الشيخ البوطي بكلمة قُتل مظلوما، أو قُتل شهيدا، قال القتلى! حادثة المسجد، الذي فيه كذا، كذا! والقتلى الذين وقعوا! وقُتل فيها اثنان وأربعون. قتلى، قتلى، قتلى! مركز على قتلى!
وقال لك الشيخ البوطي كان صديقي للأسف! للأسف؟ للأسف! في الفتوى قال لك كنا نحسبه من العلماء! تحسبه، لا تحسبه، هو من العلماء! لست أنت الذي يُعطيه هذا. نحسبه! لا، هو عالم! حتى القرضاوي عالم، شئنا أم أبينا، الله يُحب الإنصاف، الله يُحب العدل. ينبغي أن لا يحتملنا أي شيء على أن نظلم أنفسنا، قبل أن نظلم غيرنا، وسنُسأل! وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ *.
المُهم، أحس بالورطة – رحمة الله عليه، وغفر الله لهم جميعا، المُفتي ومَن أُفتيَ في حقه -! أحس بالورطة، فجعل مُعظم الكلام: مَن قتل البوطي؟ طبعا يُريد أن يُشير إلى الدولة السورية. وهناك شُبهة قائمة، كما قلت! شُبهة كبيرة وقائمة ومُخيفة! كيف قُتل الرجل؟ مَن الذي قتله حقا – رحمة الله عليه -؟
لكن أيضا هذا يا شيخنا لا يُنجيك، أنت أعطيت فتوى بقتله! وعندنا أحاديث، لا نُريد أن نقولها؛ لأن الشيخ ذهب إلى لقاء الله، لا نُريد أن نقولها، لا نُريد أن نُشدد! الأحاديث موجودة! موجودة في الترغيب والترهيب، في حق مَن أعان على قتل مُسلم، ولو بشطر كلمة! فكيف في حق كذا؟
نسأل الله تبارك وتعالى أن نلقاه وليس لأحد – لا أقول لمُسلم، ليس لأحد – من عباد الله، في أعناقنا مظلمة، لا من دم، ولا من عرض، ولا من مال، وأن يسلك بنا خُطة الإنصاف، وأن يُجافي بنا عن خُطة الاعتساف، اللهم آمين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما وفقها ورشدا. اللهم اجعلنا من أهلك، ومن خاصتك، ومن أوليائك، ومن أحبابك. اللهم ارزقنا حُبك، وحُب مَن أحبك، وحُب العمل الذي يُقربنا إلى حُبك.
اللهم ما رزقتنا مما نُحب، فاجعله قوة لنا فيما تُحب، وما زويت عنا اللهم مما نُحب، فاجعله فراغا لنا فيما تُحب. اللهم رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ *.
اغفر لنا ولوالدينا، وللمُسلمين والمُسلمات، المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، بفضلك ورحمتك، إنك سميعٌ قريبٌ، مُجيبُ الدعوات.
عباد الله/
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *، وأقم الصلاة.
(30/9/2022)
أضف تعليق