الأساس النفسي للرؤية الجديدة للعالم – العلم والدين – الحلقة 7

video

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما.

إخوتي وأخواتي/

توقفت في الحلقة السابقة عند مسألة أن عالمنا، وخاصة العالم الإنساني، بشكل خاص، أكثر تركيبا وتعقيدا من أن يُقارب بالعلم وحده، أو بالدين وحده، ثم اقتبست بعض العلماء الكبار، مثل شرودنغر Schrödinger، الذي تكلم عن فقر الصورة العلمية للعالم، وأنها فقيرة بشكل مُروع، بشكل مُروع! صامتة حتى عما يهمنا بشكل مروع! 

وكأنه ينطلق من المعنى ذاته الذي أشار إليه الأديب الروسي العظيم ليو تولستوي Leo Tolstoy، حين قال العلم لا يستطيع أن يُجيب عن سؤالي الأهم – قال أنا كإنسان يوجد عندي سؤال، وهو أهم سؤال -؛ ما الذي ينبغي علي أن أفعله؟

بمعنى أي سؤال هذا؟ سؤال القيمة، هذا سؤال القيمة! العلم لا علاقة له بموضوع القيمة. إذا سألت ما الذي ينبغي وما الذي لا ينبغي، دخلنا في الأخلاق. العلم لا علاقة له بهذه القضية، مهما تكلم فيها!

وهنا نعود إلى شرودنغر Schrödinger، في كتابه الطبيعة والإغريق، والعلم والإنسانية؛ المذهب الإنساني. يقول شرودنغر Schrödinger يُحاول العلم أحيانا أن يتظاهر بأنه يعرف الجواب، ويمدنا بأجوبة، لكنها أجوبة – هكذا وصفها – في مُنتهى السُخف! أي لا تنطلي على أي إنسان واع ومُثقف، أجوبة سخيفة! العلم هنا فقير جدا، العلم هنا فقير جدا! 

كما قلت لكم هذا المنظور يصدر عنه أكثر من عالم، الكثير من العلماء! ومنهم دايسون Dyson طبعا، واقتبسته اليوم أكثر من مرة، وفي المُحاضرات السابقة!

فريمان دايسون Freeman Dyson – ما شاء الله – عنده أيضا طرح بتفصيل أكثر، في كتبه! عنده مقالات وأشياء كثيرة، سأستعين منه ربما بنُقطتين، ثم أمضي إلى شيء آخر:

دايسون Dyson كان يرى أن علاقة الفن والعمارة والأدب بالدين أوثق بكثير من علاقة العلم بالدين، وأنك تجد هذا، إن ذهبت تبحث عن عُمق ديني! أين يُلهم الدين؟ الدين يُلهم الفنون، يُلهم الآداب، يُلهم العمارة. وضرب مثلا بفيودور دوستويفسكي Fyodor Dostoevsky. 

دوستويفسكي Dostoevsky طبعا معروف، كان عنده عُمق ديني واضح، وكان يؤشّر إليه في كثير من أعماله. هنا تجد عُمقا دينيا حقيقيا! عند دوستويفسكي Dostoevsky! 

وقد نجح أن يُشيد عمارة أدب تقريبا لم يُفلح أحد أن يأتي بمثلها! على الإطلاق! وأن يسبر أغوار الإنسان، كما لم يفعل أحد! حتى أن سيغموند فرويد Sigmund Freud، أبا التحليل النفسي، قال أنا أتعلم منه الكثير! أما ألبرت أينشتاين Albert Einstein، فقال ما تعلمته من دوستويفسكي Dostoevsky لم أتعلمه من أحد غيره! غريب! 

وهذا الرجل ينطلق من رؤية إلى حد بعيد هي رؤية دينية في عُمقها، في جوهرها، وكان مُعتزا بها، وكان مُعتزا بها! وله منظور مُركب حتى لقضية الإيمان، دوستويفسكي Dostoevsky! جميل؟

ولذلك حين سُئل – وهذا ذكرته في المُحاضرة السابقة – دايسون Dyson هل يُمكن للعلم فعلا أن يُجيب الأسئلة الأكثر أهمية والأكثر عُمقا في حياتنا؟ قال بلا تردد لا. لا! العلم فقط يُعطيك جانبا بسيطا – أي هُتامة، نُتفة – من الحقيقة. إذا أردت أن تتوسع، وخاصة في عالم الغامض، فالأمر يختلف.

هذا يُوحي إلي الآن باقتباس إيمانويل كانط Immanuel Kant. كانط Kant على فكرة بعض الناس حاول أن يختزله، وخاصة العلمويين والملاحدة! وادّعوا أن كانط Kant غلّف إلحاده بمُحاولته في العقل الأخلاقي، العقل العملي. غير صحيح! كانط Kant صرح بأن همه الأساسي كان ماذا؟ كان إنقاذ الدين. هو أدرك أن العلم الحديث مُختلف.

على فكرة، أنا أعتقد أن أعمق مَن فهم التأثيرات الغائرة للعلم الحديث، على الروح الحديثة والعقلية الحديثة، إيمانويل كانط Immanuel Kant، ما رأيك؟ سواء الذين سبقوه، أو الذين لحقوا به! أعمق رجل! 

هو فهم هذا، وفهم أن الاشتباك الحاصل ليس يتعلق أو يدور بمسائل مُحددة؛ في حقل ال Biology أو ال Physics أو ال Astronomy، لا! إنما في ماذا؟ في مُجمل النظرة للوجود. النظرة اختلفت!

لكي أُلخص لكم هذا، ولا أستطيع أن أُلخص، لكن سأدلكم على كتاب في مُنتهى الإبداع والجمال! لفيلسوف طالما أحببته! أنا أُحب هذا الفيلسوف جدا! لماذا؟ عنده ملكة التبسيط، عنده قدرة مُذهلة أن يُبسط لك مُعضلات المسائل الفلسفية! بأسلوب أقرب إلى الأدب، لكن ليس على حساب العُمق، العُمق محفوظ! وهو والتر ستيس Walter Stace. 

والتر ستيس Walter Stace، في موقع الأرشيف Archive تُوجد مجموعة من كُتبه، ومُتاحة بالمجان، بالإنجليزية، مُمتازة! رجل عجيب! والتر ستيس Walter Stace عنده كتاب من حُسن حظ مَن لا يعرف الإنجليزية تُرجم إلى العربية، ترجمة مُمتازة أيضا! للمرحوم الدكتور الفيلسوف إمام عبد الفتاح إمام – رحمة الله عليه -. كتاب اسمه الدين والعقل الحديث. 

أنا سأُعطيكم الآن مُلخص كل هذا الكتاب، مُلخصه! وهذا العمل العلمي المُحترم، أي يكتب لك كتابا زُهاء ثلاثمائة صفحة، يُفصّل فيه فكرة واحدة، فقط! بطريقة جميلة بديعة! 

ما هي الفكرة؟ الفكرة لا أدري هل استمدها من كانط Kant، أو كانط Kant هو الذي ألهمه بها! لكن تفاصيل الفكرة هي لستيس Stace؛ لوالتر ستيس Walter Stace! الفكرة هي أن عُمق الاشتباك والالتباس الحاصل، بين الدين والعلم، إنما هو في صورة العالم. 

بحسب ستيس Stace العالم له صورتان – أي رؤية كونية، أو Weltanschauung، Worldview -: 

وسيطة، Medieval! في العهد الوسيط، مُستوحاة من ومؤسسة على وناهضة على الدين، معالهما ثلاثة! ضدا عليها تماما الصورة الكونية في العصر الحديث، من القرن السابع عشر، والتي أنبتت وازدهرت في القرن الثامن عشر، ثم ارتد عليها القرن التاسع عشر، لكنه فشل في ردته، وعُدنا في القرن العشرين إلى الصورة العلمية، ما زلنا – يقول – معها، لا أدري إلى أين سنذهب! 

هذا مُلخص الكتاب!

الصورة الكونية الدينية الوسيطة تقوم على ثلاثة ركائز؛ عالم محكوم بالله، عالم مخلوق مُبدع لله، ومحكوم بالله. هذا أول شيء! ثانيا وبما أن العالم هذا محكوم لـ وبالله، فهو عالم غرضي، عالم لا يخلو من الأغراض والأهداف. تُوجد له Purposes! أغراض وأهداف! ليس عالما عبثيا. إذن هي ماذا؟ غرضية العالم. إلهية العالم، غرضية العالم. 

ثالثا وأي عالم غرضي، أي عالم غرضي! بالبداهة سيكون عالما أخلاقيا. ما دام محكوما بالأغراض، وله أغراض يتجه إليها وأهداف يرمي إليها، فلا بُد أن يكون ماذا؟ نظاما أخلاقيا. العالم يُشكل نظاما أخلاقيا.

سوف تقول لي ضد المذهب الذاتي في الأخلاق! طبعا. ضد النسبية الأخلاقية! طبعا، طبعا! هذه صورة العالم الوسيط. هذه الصورة قوضت بفعل التأثيرات العلمية، وسوف نقول أيضا ما مُساهمة ستيس Stace. 

بفضل الله أنا توصلت أيضا إلى هذه الفكرة، من سنوات طويلة، وأنا أُدندن حولها أيضا، نفس الفكرة! وربما توصل إليها كثيرون! لأن هذه الحقيقة. الذي يعرف مبادئ هذه الأمور، لا بُد أن يقول كذلك.

الصورة العلمية العكس تماما! عالم بلا إله، عالم ليس مخلوقا لله، تخيل! عالم ليس مخلوقا لله. سوف تقول لي لكن نيوتن Newton لم يقل هذا، وبويل Boyle لم يقل هذا، وفاراداي Faraday لم يقل هذا. لم يقولوا نعم، نعم! لكن هذا ما حصل! سوف نرى لماذا الآن، سوف نرى ما تحليل ستيس Stace.

قال لك عالم غير مُبدع لله، ولا محكوم بالله. إذن محكوم بماذا؟ بالقوانين الطبيعية. تحكمه القوانين الطبيعية! سوف تقول لي نعم! هنا يأتي إسهام مَن؟ نيوتن Newton. العالم كساعة، أو الله تبارك وتعالى كساعاتي. مضبوط! هذا إسهامه. لم يُنكر الله، لكن هو قال لك يعمل كساعاتي. نعم، سوف نرى كيف ساهم في تقويض فكرة الله. منطقيا؟ ليس منطقيا، سيكولوجيا. 

ثانيا العالم المحكوم بقوانين طبيعية، إذن عالم غير غرضي، ليس عنده أغراض! انتبه! أنت الآن مع صورة حديثة للعالم، العلم يُمثل ويُشكل فيها ماذا؟ المُراقبة للعالم. العلم عنده لياقة أن يُراقب العالم. وهو يُراقب العالم ويتفحصه ويتقصاه ويدرسه ويُجربه عقلانيا، عقلانيا! تمام؟ في الصورة الدينية ليس كذلك، العقل لا يقف عند هذه الحدود. 

وهذا ليس لي أيضا، هذا لستيس Stace، هذا من الأشياء التي تستفيدها من هذه الدراسة الجميلة العميقة! قال لك في الصورة الدينية للعالم العقل لا يقف عند حدود تقصي ورقابة ودرس الكون، أبدا! يتغلغل فيه.

بعبارة ثانية – هذه لم يقلها ستيس Stace، لكن أنا أقولها، وسجلتها قديما في مُحاضراتي عن الإلحاد -؛ بعبارة إدينغتون Eddington، والسير ويليام جيمس Sir William James، العالم نفسه فكرة، العالم نفسه عقل مُتجسد. العقل سار فيه! في لحُمته وسداه. Oh! هنا نحن مع روحانية الدين، هنا نحن مع روحانية الدين! العقلانية الخاصة بالدين – إن جاز التعبير -. 

في العلم الأمر ليس كذلك، العالم كأنه ماذا؟ ميت، جامد، Passive؛ سلبي! فقط ينتظر. ولذلك المعنى يخلقه الإنسان، العالم ليس له معنى أصلا. إذا ثمة معان، فهي معان Projected؛ أي مُسقطة، نحن نُسقطها. فهي أقر ب إلى ماذا؟ إلى إكراهات، إلى إكراهات! ليس إلى تقريرات واقعية.

هذا العلم، على فكرة تفكك أشياء كثيرة. سوف تقول لي هذه خسارة! خسارة رهيبة! فهذا الذي يحدث للإنسان المُعاصر، وهو لا يدري ما الذي يحصل له، هو مسكين! هو يفقد أشياء، مغانم كبيرة، ودون أن يشعر! وهذا تم في قرون طبعا، عبر ثلاثمائة سنة!

إذن الشيء الأخير والثالث؛ إذا فقد العالم غرضيته، فبالحري يفقد ماذا؟ أخلاقيته كنظام. فالعالم نظام لا أخلاقي! ليس لا أخلاقي بمعنى أنه عكس الأخلاق، لا! مُحايد أخلاقيا، فقط هو هذا! العالم مُحايد أخلاقيا. 

وهو المعنى المؤذي الذي عبّر عنه الراحل ستيفن جاي غولد Stephen Jay Gould في الفصل تقريبا الأخير أو قبل الأخير من كتابه الذي خصصه بعنوان أو خصه بعنوان حمام بارد؛ Cold bath، حمام بارد! ماذا يُريد به؟ 

يُريد به أن داروين Darwin أدرك بطريقة أو بأُخرى عبر السنين، أن العالم فعلا غير عابئ! العالم لا يعبأ بنا، العالم مُحايد أخلاقيا، العالم لا يستجيب لا لآمالنا ولا لآلامنا، العالم غير شاعر بنا أصلا! هذا عالم مادي، محكوم بقوانين مادية صارمة، لا تسمع ولا تُبصر ولا تعقل، هذه الحقيقة! عندهم، أي ليس عندنا، عندهم! نعم، انتهى. 

ولذلك انتبه! داروين Darwin نفسه كان عنده هنا إضافة مقبولة إلى حد ما، ضمن نموذجنا في الانفصال الآن، الذي نتكلم عنه. داروين Darwin كان يرى أن من السخيف أو غير المقبول أن يعمد أي عالم أو مُفكر، إلى ماذا؟ إلى استنباط أو استنتاج معنى أخلاقي من نظام الطبيعة. قال لك هذا شيء سخيف! طبيعة هذه! لماذا؟ 

كأنه طبعا، أي غولد Gould، يؤيد هذا الكلام، ويضرب عليه أمثلة! إذا قصدت الطبيعة أنت، واستشهدتها – طلبت شهادتها – على الأخلاقية، فسوف تجد أشياء كثيرة، حتى في نظام صراع الحيوانات! أليس كذلك؟ 

وبين الحين والحين تأتينا مقاطع في اليوتيوب YouTube كيف قتل نمر شمبا Chimp، ثم حدب على صغيره، وما إلى ذلك، ويقول لك نعم، هناك أخلاقية، هناك رحمة. 

هذا لا يعني أن العالم رحيم، ولا أن الطبيعة أخلاقية ومُتعاطفة. أبدا! لأنك في المُقابل سترى عشرة آلاف شاهد على قسوة الطبيعة، أليس كذلك؟ طبعا! وعلى قتل الأطفال، من المُفترسات المُختلفة، في كل العوالم، وخاصة حتى في العوالم الحيوانية المُتقدمة، مثل غوريلا الجبل!

هناك ال Infanticide هذه! جريمة قتل الأطفال موجودة في الكائنات العُليا! عند البشر موجودة للأسف الشديد، وموجودة عند القرود والشمبات Chimps وغوريلا الجبل! قصة كبيرة هذه! ومكتوب عليها دراسات علمية، أي معروفة في مجالها. فسوف تجد عشرة آلاف شاهد، يشهد بقسوة ولا أخلاقية الطبيعة.

طبعا هناك الدبور الكوموني، العرب يُترجمونه بعبارة ثانية، غير مُستحبة كثيرا! هذا الدبور أثر على داروين Darwin كثيرا، وآلمه! هذا إلى الآن طبعا يُعاد إنتاج أيضا تسجيلات فيدوية له، وعلى أنه من عظمة الله وكذا. أين؟ هذه المُشكلة! أنت تستطيع أن تقرأ المشهد الواحد، كما تفهم الرسالة الواحدة، من أكثر من زاوية. لذا قد تقرأه من زاوية؛ ما شاء الله، سُبحان مَن ألهم هذا الدبور أن يفعل هذا! 

دبور يأتي إلى حشرة أُخرى، حية! فيلدغها في نُقطة مُعينة، في جهازها العصبي، تُشل! تُشل! ثم يضع يرقاته عليها. يُغادرها، بعد فترة تفقس اليرقات، تجد لحما طازجا، كأنه في الثلاجة! الكائن الآن مشلول، تبدأ تأكل فيه. 

العجيب – يقول علماء الأحياء والحشرات – أنها تأكله بطريقة غريبة! لا تُنهي حياته! تعرفون كم تستمر؟ هذا لا يُقال لنا في الفيديوهات! كم تستمر هذه العملية؟ أحيانا تستمر إلى شهرين كاملين! شهرين وهذه الحشرة المسكينة تتعذب دون أن تملك شيئا من أمرها! 

واليرقات الخاصة بالدبور من الداخل تأكلها، بطريقة مُعينة، لا تُنهي حياتها! لأنها لو أنهت حياتها، يفسد لحمها بعد أيام. هي تُريده لحما دائما طريا! فلا بُد أن تأكل من كائن حي. 

داروين Darwin هذا المشهد هزه في حياته! قال لك هذا مشهد في مُنتهى القسوة! كيف تُحدثوننا عن رب رحيم، ورب مُحب، وكُلي المحبة والخيرية، يسمح بهذا؟   

طبعا انتبه! هذه مُقاربة داروين Darwin العاطفية، ماذا لو عُدنا إلى مُقاربة رينيه ديكارت René Descartes ومالبرانش Malebranche الديكارتي، والآلية الحيوية – ما يُسمى بالآلية الحيوية -؟ 

ديكارت Descartes كان يعتقد أن الحيوانات، حتى الكلاب – حتى الكلاب والخنازير والشمبات Chimps، وكله! وبالأحرى لم يكن عندهم شمبات Chimps، ولا يعرفونها، هذا؛ لكي نكون دقيقين. المُهم، كان يرى أن كل هذه الحيوانات كذلك -، بلا نفس، بلا روح. الروح أو النفس للإنسان، فقط! ولذلك هي لا تتألم، لا تعرف الألم. 

إذن لا تعرف السعادة؟ قال لك لا تعرف. تُظهر لك ذلك، لكن هذا غير حقيقي. يا سلام؟ طبعا هذا الكلام فارغ الآن، العلماء يرفضونه تماما. يُوجد جهاز عصبي، يُوجد ألم، انس! قال لك لا، وهي بمثابة آلات، فقط! آلات مُتحركة، لا تظن أنها غير ذلك.

ولذلك يُحكى عن الفيلسوف مالبرانش Malebranche الآتي! وهذا عنده جوانب مجيدة في شخصيته، لكن هذا جانب مُضحك وتافه وقاس! كان يتسلى بضرب كلبته. نعم! أي عنده مثل جنزير حديد هكذا، ويضربها، مسكينة! على رأسها وكذا. يتسلى! وهي تُظهر الألم طبعا. يقول هي تُظهر ذلك مُخادعة، لكن هي لا تشعر بشيء. قال هكذا علمنا ديكارت Descartes! 

على كل حال، طبعا أكيد تشارلز داروين Charles Darwin كعالم أحياء، اشتغل في هذا الحقل أكثر بكثير منهم، وعلم أشياء كثيرة لم تخطر على بالهم. الرجل عنده كتاب ضخم في التعبير عن الانفعالات في الحيوان والإنسان! من أبدع ما يكون! شيء رهيب هذا الكتاب! من أروع ما كتب هذا الرجل! داروين Darwin! كتاب ضخم؛ التعبير عن الانفعالات في الحيوانات والإنسان. فكان مُتعاطفا مع الحيوان، ويشعر أنه فعلا يتألم.  

قال لك أين؟ فهذا كان مثالا أيقونيا على فكرة، على قسوة الطبيعة وجبروتها ولا رحمتها. فجاي غولد Jay Gould قال لك هذا الصحيح في الأخير، الطبيعة لا تُبالي، لا تشعر! فهي غير أخلاقية وغير غير أخلاقية، هي Immoral! أي مُحايدة أخلاقيا. أنت الذي تُحاول أن تُسقط عليها معان مُعينة، وترى فيها ذلك.

على فكرة، هذه الفكرة خطيرة! ولا بُد – ليس هذا مجالنا طبعا اليوم – أن يُرد على مثل هذه الأفكار بعلمية وبقوة؛ لأنها تُمهد للإلحاد. مثل هذه الفكرة لها نظير آخر، يقول لك يُحدثوننا عن التصميم، والعالم فيه تصميم، وانظر كيف هو! نعم – يقول لك -، طبعا! العالم فيه تصميم، لكن بالله عليكم معاشر المؤمنين ألا ترون مظاهر اللا تصميم الكثيرة جدا جدا في العالم؟ نعم! في الرياح والزوابع والأعاصير والأمطار وتسوماني والزلازل والبراكين والخربطات هذه كلها! 

هذا كله أنتم لا ترونه؟ ترون فقط التصميم، الذي يُنتج الحياة والحياة العاقلة وما إلى ذلك! ألا يُوجد ما يُنتج الدمار؟ الطبيعة مليئة بالدمار، أليس كذلك؟ تُدمر الحياة النباتية والحيوانية، والقحط والجدب! أين أنتم منه؟ فالملاحدة لا بُد أن يُتصدى لمثل هذه الشُبهات لديهم بقوة تنظيرية وفلسفية وعلمية. والحمد لله الأجوبة حاضرة، لكن هذا موضوع ثان، فنعود إلى ما كنا فيه.

نعود إلى ما كنا فيه، فأنا أقول إن والتر ستيس Walter Stace قارن بين صورتين للعالم، رؤيتين كونيتين للعالم؛ الصورة الوسيطة، وهي في روحها وجوهرها دينية، تؤمن بإلهية العالم، وغرضيته، وأنه نظام أخلاقي، والصورة الحديثة، التي تؤمن بلا إلهية العالم، وأنه ليس محكوما لله، ولا مُبدعا لله، وما شاء الله بلغت ذروتها مع ستيفن هوكينج Stephen Hawking! أن الذي أبدع الكون وأبدع الطبيعة هو قانون الجاذبية! 

أي قانون؟ أين كان يشتغل هذا؟ قال لك في زمن تخيلي. شيء عجيب! أي أشبه بالخُرافات وبالأساطير العلمية! ليس عليها أي دليل ولا أثارة من علم! أبدعت نفسها بنفسها! أي الجاذبية أبدعت نفسها، ثم أبدعت الكون؟ ما شاء الله! ثم الكون بعد ذلك – قال لك انتهى، سكرنا الملف هذا – محكوم بقوانينه! لا يُوجد إله، وليس له أي علاقة بالقضية! ولذلك لا يُوجد إله هنا. 

أي معنى أن هناك إلها، أن هناك عقلا، أن هناك وعيا، وصح! هناك إرادة. لا، لا يُوجد إله، إذن لا يُوجد عقل، لا تُوجد إرادة، لا تُوجد Purposes؛ لا تُوجد أغراض، لا تُوجد أهداف. إذن عالم لا غرضي، إذن انتهى المعنى. 

انتبه! نفي الغرض نفي لكل معنى. ولذلك المُلحد – كما قلت أنا، ولم أُكمل، ربما في الحلقة السابقة – المُتسق مع نفسه، مثل ستيفن هوكينج Stephen Hawking، حين انتهى إلى الإلحاد، قال لك العالم ليس له أي معنى! ولا حياتنا، ولا موتنا، ولا أعمالنا المجيدة هذه، ولا فلسفاتنا! كله كلام فارغ، قبض الريح، باطل الأباطيل! كما في سفر الجامعة من العهد القديم. كله قبض الريح، باطل الأباطيل! 

هكذا صرت مُتسقا مع نفسك، بصراحة. اذهب بعد ذلك عش يا ستيفن هوكينج Stephen Hawking أو علمنا أو ورث أولادك كيف يعيشون ويشتغلون للفيزياء والفلك والرياضيات ويُنتجون ويُتعبون أنفسهم! من أجل ماذا؟ من أجل ماذا؟ 

برتراند راسل Bertrand Russell كان من أبشع هؤلاء الذين عكسوا برودة المنظور العلمي للعالم، وعنده فقرة طويلة في حوالي ثلاث أرباع صفحة، يُحدثك فيها عن كل المجد البشري، في السلم والحرب، في العلم والفلسفة، تخيل! في كل الأحوال، وكيف سينتهي في الأخير، مع نهاية الحياة في مجرتنا، أو في مجموعتنا الشمسية، ويعود كل شيء إلى برودة كونية، صقيع كوني مُخيف مُعتم رهيب!

يقضي على كل شيء! على الآمال، وعلى الطموحات، وعلى حُب روميو Romeo وجوليت Juliet، وعندنا قيس وليلى، وفلان وعلان، وعلى أينشتاين Einstein، ونيوتن Newton، وداروين Darwin، والأنبياء، وموسى، وعيسى، وبوذا Buddha، وكل العرق، وكل التعب، وكل الدموع، وكل الطموحات، وكل الإحباطات، وكل الإخفاقات، وكل النجاحات، وكل التأميلات! 

كله – قال لك – سوف يذهب، كله! في غبار النجوم. فقرة مُرعبة، كانت مروعة! كتبها في أول القرن، برتراند راسل Bertrand Russell! لكن هذه هي!

الإكزيما Eczema! قال لك ما الإنسان؟ مُجرد إكزيما Eczema على وجه الكون. نحن بشاعة كونية. قال لك! هكذا قال لك! مُلحد مُتسق مع نفسه. قال لك نحن مُجرد بشاعة، مرض جلدي أصاب وجه الكون! الإنسانية! ليست أكثر من هذا. 

الحمد لله، هذا وعد للإلحاد! هذا هو الإلحاد وهذه وعوده، فليُحدثنا الإلحاد ما شاء عن كرامة الإنسان إذن ونُبل الإنسان وقداسة الإنسان. من أي كرامة؟ وأي نُبل؟ وأي قداسة؟ انس يا رجل! الإلحاد شيء مُرعب. الإلحاد لو انتصر حقا، وصارت له السُلطة بعد ذلك، فسوف يكون شيئا مُرعبا! سوف يُنسي البشرية كل الرُعب الذي ذاقته في حياتها. 

وعلى فكرة، جُرب الإلحاد في القرن العشرين، مع بول بوت Pol Pot، أليس كذلك؟ ومع ستالين Stalin، ومع كل هؤلاء! ومع ماو تسي تونغ Mao Zedong، ورأينا – ما شاء الله -، رأينا المجازر المليونية، رأينا ما قيمة الإنسان، وكيف يُعامل الإنسان، وكيف يُطحن، في مطحنة حقيقية! شيء مُرعب! وقال لك الإلحاد تحرير. كذب، كذب! سوف نرجع له هذا اليوم، أيضا في مُحاضرة ربما اليوم – إن شاء الله تعالى -.

فنرجع أيضا إلى الفيلسوف الإنجليزي الكبير والتر ستيس Walter Stace، قال لك هل العلم هو الذي قوض بمُكتشفاته ومساعيه وفتوحاته فعلا الصورة هذه للعالم؟ قال لك لا. العلم لا يبني صورة، ولا يُقوض صورة بذاته. الحقائق العلمية، الفتوحات العلمية، النظريات العلمية، ليست كذلك أبدا! ليست مع، وليست ضد. ليست مع الله – من حيث هي -، وليست ضد الله. ليست مع الأخلاق، وليست ضد الأخلاق. ليست مع الأغراض، وليست ضد الأغراض. 

سوف تقول لي لا، هذه لم أفهمها. تلك فهمتها، وأنت شرحتها يا عدنان، ودائما ما تقولها، نعم! أن العلم بحد ذاته لا يفعل؛ لأنه مسعى لفهم الطبيعة، فك شيفرة الطبيعة! هو لا يقول لك الله موجود، ولا الله غير موجود. مَن الذي يقول؟ القياس المنطقي. أنت تأخذ الحقيقة العلمية، النظرية العلمية، المفهوم العلمي، وتضعه في قياس، انتبه إذن! تضعه في قياس مُعين. 

وطبعا هناك مسألة خطيرة الآن! الأقيسة عندها خطورتها وحراجتها! القياس قد يكون صحيحا، وقد يكون صحيحا وغير صائب. نعم، هذا هو! فنحن نُريد قياسا صائبا، صائبا! القياس قد يكون صحيحا وغير صائب! ما معنى صحيح غير صائب؟ أي الهيئة أو الصورة صحيحة، لذلك البشر يعرفون من قديم، من أيام أرسطو Aristotle، كم كانت هناك مُقدمات خاطئة، تقود إلى نتائج صحيحة! 

طبعا! هذا الذي جعل المناطقة الرمزيين والمناطقة الرياضيين المُحدثين يُفرقون بين قياس صحيح وقياس صائب ضمن مفهوم الصدق والصحة أيضا، قصة هذه! ومعروفة! هذه في المنطق الصوري حتى من قديم، من أيام أرسطو Aristotle.

فأنت يُمكن أن تصل إلى نتائج كثيرة صحيحة، والمُقدمات تكون خاطئة. فهذه قضية العلم، وهنا خطأ الملاحدة، وربما خطأ بعض اللاهوتيين أيضا، في قضايا العلم والدين، في الأقيسة! العلم بحد ذاته ليس كذلك أبدا، هو يُوفر لك مادة، يُمكن أن تُدخلها في أقيسة مُعينة، وتخرج بنتائج، فقط! 

أكثر من هذا، لا يعمل؛ لأنه فقط يتحدث عن الطبيعة، وينتهي الأمر. ما وراء ذلك، وما بعد ذلك: دخلنا في ال Metaphysics، دخلنا في الفلسفة! أرأيت؟ هو هذا، فلسفة ولاهوت، هذا شيء ثان!

فوالتر ستيس Walter Stace واع بهذه القضية طبعا كفيلسوف، وقال لك طبعا العلم لم يفعل، أبدا! أي الآن، سواء كان الذي يدور هو الشمس أو الأرض، بالله عليك ما علاقة هذا بأن الله موجود أو غير موجود؟ ليس له علاقة! 

التي تدور هذه أو التي تدور هذه؛ هذه ليس لها علاقة بقضية وجود الله أو عدم وجود الله، أليس كذلك؟ لا تتناقض بالمرة مع وجود الله! أن التي تدور هذه وليست هذه! أي ليس لها علاقة! 

حتى قضية خلق الإنسان وأنه جاء بالتطور، لا تتناقض مع وجود الله، وهذا الذي كان يفهمه داروين Darwin، وبشكل واضح جدا جدا جدا! عادي، بكل بساطة. الآن طبعا المُجتمع اللاهوتي الكاثوليكي يقول هذا، مُعظم الكاثوليك على الإطلاق طبعا! لأنهم أتباع للبابا، ال Pop! 

ال Pop قال لك باختصار في الأخير نعم نُسلّم، التطور هو طريقة الله في الخلق. فقط، انتهينا! قال لك الخالق المُبدع هو الله. التطور أسلوبه في الخلق. اعترف هكذا! انتهينا! الآن المُجتمع الكاثوليكي يعترف بهذا. والكثير من البروتستانت الليبراليين في اليو إس أيه USA وغيرها يعترفون بنفس الشيء، يقولون لك نعم نعترف، طريقة الله في الخلق، الله خالق، ولا يتعارض معه، ليس عندنا مُشكلة.

سوف تقول لي لكن الكتاب المُقدس، ماذا عنه؟ موضوع ثان! سوف نرجع له طبعا، وسوف نرى قضية التوليف – ال Accommodation -، بين الكتاب المُقدس، وبين مثل هذه القضايا العلمية طبعا! كيف يُمكن أن يحصل التوليف؟ هذا هو الموضوع! 

لذلك إلى الآن نحن لم نغص في عُمق الموضوع أيضا! موضوع الفصل هذا! بعد قليل سوف نغوص فيه، ونرى كيف تكون وجوه التباين والفصل – بإذن الله -، خُطوة خُطوة.

فنرجع إلى قضية العالم، فوالتر ستيس Walter Stace قال لك العلم لم يفعل هذا. الناس فعلوه باسم العلم! إذن ما تأثير العلم؟ نعم، تأثير العلم كان تأثيرا نفسانيا. هنا – هذه نُقطة ماذا؟ أي كيف أقول لك؟ – الخيط الناظم لأفكار ستيس Stace في كل كتابه! قال لك المُشكلة في العقل البشري، سواء الفردي، وخصوصا المجموعي! عقل الجماعات والأمم والمُجتمعات، أي المُجتمع العلمي، المُجتمع اللاهوتي، أي ال Community! 

قال لك العقول البشرية لا تشتغل كما يُتوقع منها وفق قوانين المنطق. أي مثل كلامنا هكذا! أن العلم ليس كذلك، بحد ذاته مُحايد، ويُقدم مادة فقط. أنت قل هذا يا عدنان وغير عدنان، الذي حصل ليس مثل هذا!

الذي حصل، في الواقع، أن الناس تشربت أفكارا ضد الدين، وقوضت الصورة المُعتقدية عن العالم، باسم العلم! هذا الذي حصل! قال فعلا هذا الذي حصل. تداعيات نفسية، تداعيات نفسية!  

طبعا في الأشياء السابقة – كما قلنا النظام البطلمي، النظام الكوبرنيكي – سهل جدا توضيح هذا. الأشياء الصعبة ما هي؟ ما يتعلق بغرضية العالم. هذا الموضوع صعب! لماذا إذن؟ لأن العلم الحديث، العلم الطبيعي، لا يتساهل بالمرة مع مفهوم الغائية! أي الغرضية هذه!

ويقول لك لا، إياك أن تُحدثني عن ال Telos هذه؛ الأغراض! هذا الكلام عبيط، قديم، كانت تقول به الميتافيزيقا القديمة، الأرسطية وغيرها، وتقول به النظم اللاهوتية. أي العلم أصلا ما حقق الإنجازات والفتوحات، إلا لما تخلص من كل أوهاق الغرضية هذه.

 لحظة، لحظة! هنا ستيس Stace وقف معنا وقفة – ما شاء الله – جيدة! شكر الله هذه الوقفة له. قال يا جماعة هنا يُوجد خطأ كبير، يُمارس من مئتي وثلاثمائة سنة، ولا أحد يتكلم! لماذا؟ لماذا أنتم ساكتون؟ 

نُريد أن نشرح ما هو الغرض، ما هو السبب. العلم طبعا لا يهتم بالأغراض، يهتم بالأسباب. لا يُقدم تفسيرات غرضية، يُقدم تفسيرات سببية. إذن ما الفرق بين الغرض والسبب؟ باختصار السبب يفعل من وراء، الغرض يفعل من أمام، فقط! هذه هي! سهلة! كيف؟

الآن ما غرض هذه المُحاضرة؟ غرض هذه المُحاضرة أن تُقدم مادة بحثية علمية، يُراد لها أن تكون إلى حد ما رصينة وجادة، في موضوعة العلم والدين. نعم، هذا الغرض النهائي؟ لا، لا يزال هناك غرض بعده أيضا بخُطوة. ما هو؟ عسى أن يُساهم هذا في فك الاشتباك؛ تحقيقا لأمل أمثال ألفريد نورث وايتهيد Alfred North Whitehead، الذي كان يرى أن مُستقبل البشرية رهن بموقف الجيل المُعاصر في زمنه من قضية العلم والدين. 

ورجل واع، عالم وفيلسوف وفاهم! القضية خطيرة! ليست لعبة، القضية ليست ترفا على فكرة. أرأيت عالمنا الإسلامي الآن؟ ونحن لا نشعر بحمل السكين، ولا نشعر بالقضية كلها، أي الموضوع هذا ليس مُهما كثيرا! وسوف نرى حين ينزل على اليوتيوب YouTube كم واحدا سوف يُتابعه طبعا؟ أي سوف يُتابع لك خمس عشرة ساعة! سوف يقول لك أنا أُلخصها في كلمتين: الإسلام مع العلم، وليس ضد العلم، السلام عليكم. هكذا هم المسلمون، مساكين! القضية خطيرة جدا! 

على الأقل، بعض تداعياتها وظلالها في ميدان الإيمان والإلحاد، ما رأيك؟ والله! أحد الأسلحة بيد الإلحاد أن الدين دائما يعمل تعويقا للعلم، الدين عدو نوعي، ضد نوعي، للعلم. حيث ينمو الدين، يتأخر العلم. حيث يزدهر الدين، يذبل العلم. إذن إذا اقتنع ابنك بهذا، انتهى الأمر! أنت أفقدته ماذا؟ أفقدته حسه الديني، أفقدته تثمينه للدين في الحياة. خطيرة! هذه لا تزال بعض التداعيات.

فهو كان يرى هذا! وعلى فكرة أخطر من هذا أيضا – انتبه أيضا -؛ توظيف العلم! توظيف العلم والقنابل الهيدروجينية والذرية وإبادة العالم والكورونا Corona وتصنيع أشياء وتخليق أشياء! كل هذا له علاقة بما نحن فيه؛ لأنك إذا دنت بالصورة العلمية للعالم، فإذن هو عالم ماذا؟ غير غرضي! إذن هو عالم غير أخلاقي! 

إذن أفعل ما أُريد، في سبيل القوة، وال Macht، وال Might، ليس ال Right، أليس كذلك؟ أبدا! ليس الحق، القوة. واللذة أيضا، والنصر والتفوق وال Victory، وينتهي الأمر! تذهب الشعوب الجاهلة والشعوب التي لم تُسهم في العلم إلى ستين داهية. وهذا الذي يحصل تقريبا، شيء مُخيف مُرعب، مُرعب!

في حين لو تسلط وأُعيد الاعتبار للصورة الكونية أو الرؤية الكونية الدينية، ولو بقدر ما، كل هذا سوف يتراجع، أليس كذلك؟ سوف تكون هناك خُطوات محسوبة أمام كل شيء. القضية خطيرة فعلا! أي وايتهيد Whitehead هذا لا يتكلم بأي كلام هكذا، هذا فيلسوف، فيلسوف يفهم بالضبط أين نحن ذاهبون! نحن ربما الذين لا نفهم – أعني الناس العاديين -، لا نفهم خطورة هذه المسائل.

إذن ستيس Stace يقول لك هذا تم بطريقة ما. نرجع إلى الغرض والسبب. إذن الغرض كما قلت في الأخير ربما النهائي بالنسبة لي أو لكم أن نُساهم، نُساهم في فك هذا الاشتباك، لعله! سوف تقول لي كيف إذن؟ كيف يُمكن يُمكن أن تكون مُساهمة؟ طبعا يُمكن أن يصل هذا الخطاب إلى عدد أكبر من الأكاديميين، من طلاب الدراسات العُليا، من بعض القادة العرب مثلا والمسلمين، يشتغلون عليه، يؤيدونه!

كان هناك واحد في أمريكا، ملياردير كبير، اسمه جون تمبلتون John Templeton. هو رجل ملياردير، كأنه لُفت نظره إلى هذه القضايا، قال لك والله الموضوع خطير هذا وحساس! انتهى! أنا أُريد أن أوظف جزءا كبيرا من ثروتي.

وفعلا شكر الله له! لماذا؟ قال لك سأعمل مؤسسة، اسمها مؤسسة تمبلتون Templeton، ووراؤها جائزة، اسمها جائزة تمبلتون Templeton. وطبعا هذه يُعاد مُعايرتها كل سنة؛ لكي دائما تتفوق في المقدار على جائزة نوبل Nobel. باستمرار تكون أكثر! رفعتم مئتي ألف؟ تزيد مئتي ألف. أي هي دائما وسطيا مليون ونصف دولار، ليست مليونا. نوبل Nobel مليون تقريبا، هم مليون ونصف. تزيدون، نزيد. 

لماذا يا تمبلتون Templeton؟ قال لك مُحاولة المُصالحة بين العلم والدين، ومُحاولة دعم المفاهيم الروحية والأخلاقية للدين بحقائق العلم ومناهجه. أنا أُريد هذا! وكل واحد يقدر على هذا، أهلا وسهلا به.

لذلك هناك علماء كبار عنده، من علماء الفيزياء الخطيرين، أخذوا جائزة تمبلتون Templeton. ذكرت لكم منهم مَن؟ جون بولكينغهورن John Polkinghorne! عالم الفيزياء الذرية، وأستاذ ستيفن هوكينج Stephen Hawking، أخذها. 

من آخر الفيزيائيين العظام الذين أخذوها فريمان دايسون Freeman Dyson، الذي أصبح مألوفا لكم، أليس كذلك؟ ذكرت لكم الكثير عن دايسون Dyson؛ دايسون Dyson، دايسون Dyson! دايسون Dyson أخذ جائزة تمبلتون Templeton. 

أول فيزيائي عظيم أخذها الأسترالي – الفيزيائي والرياضياتي التطبيقي – بول ديفيز Paul Davies‏! هذا من أكثر الفيزيائيين الذين كتبوا كتبا عن علاقة العلم بالدين والدين بالعلم، ومن أروع الكتب على الإطلاق! أخذ جائزة تمبلتون Templeton، شيء مُمتاز! 

انظر، هؤلاء الناس تأثروا بالفكرة، وأدركوا خطورة هذا الملف الشائك! لا بُد أن نُسهم. وقد يحدث شيء مثل هذا أو أكثر في العالم العربي، أليس كذلك؟ في العالم الإسلامي. كل هذا إسهام! كما نقول دائما البذور هذه – بعون الله تعالى – لا بُد أن تلقى في يوم من الأيام أرضا خصبة. ربما تقع بذرة، وتنبت دوحة عظيمة، في يوم من الأيام! هذه الغاية! جميل! 

هذه الغاية لو أردت الآن أن أُقارنها بالتفسير العلمي السببي – أي الكوزالي – لمُحاضراتي هذه، فسيكون بحسب ستيس Stace من الحماقة أن تظن أن بينهما تناقضا! لا يُوجد أي تناقض.

لكي لا أُطوّل عليكم، أنا سأضرب مثلا، ضربه فلاسفة قبل ستيس Stace! وهو ضرب مثلا، ثم ضرب المثل نفسه لكن بتكثيف أكثر وجمال أكثر جون لينكس John Lennox؛ أستاذ الرياضيات في أكسفورد Oxford الآن. 

وهذا رياضياتي، ورجل مؤمن، عميق الإيمان، وكتب كتبا علمية مُمتازة أيضا في الدفاع عن قضية الإيمان! جون لينكس John Lennox، ننصح بقراءته. عنده كتاب اسمه حانوت الرب، أي ال Undertaker، كتاب جميل!

جون لينكس John Lennox ماذا عمل؟ بذكائه استضاف مرة جماعة من زملائه الأكاديميين الأساتذة، وربما بعضهم حتى طلاب، وجماعة منهم ملاحدة، أو أكثرهم ملاحدة، ويؤمنون بالتفسير السببي، ويسخرون من الغائية؛ الغائية هذه وأن الله خلق كذا لكذا وما إلى ذلك! 

طبعا انتبهوا، عبر التاريخ، الغائية وظفت، في بعض المرات، بطريقة صبيانية، أي أصبحت مسخراتية! فهذه التي أغرت بعض أصحاب النزعات العلموية أن يسخروا منها! وهذا يحصل في كل النُطق الثقافية، أي دائما! هناك أُناس مُصابون بالهبل، وأُناس مهووسون. 

فجحا مثلا يُنسب إليه، إنه قال لك تفضل! لماذا الله تبارك وتعالى جعل البطيخ ينبت على الأرض؟ قال لك تُوجد هنا مسألة غائية. تفضل يا بابا – قال لك -، يا حبيبي! لو كان البطيخ على الشجر، ووقعت بطيخة على رأسي، ما الذي سوف يحدث لي؟ إذن هناك غاية، هناك حكمة، الله موجود. 

ما هذا؟ أي هذا كلام صبياني، أليس كذلك؟ هذا كلام صبياني، أي ما هذه القصة؟ يقول لك لا، هو هكذا، موجود. لا، الموضوع فلسفيا ولاهوتيا أعمق من هذا بكثير، انظر كيف طرحه أرسطو Aristotle، كيف طرحه توما الأكويني Thomas Aquinas في الخُلاصة اللاهوتية، طرحا مُنظما دقيقا جدا! ما شاء الله! حقيقة.

لذلك ترى أن توما الأكويني Thomas Aquinas لم يُستنفذ بالكامل! في أواخر القرن التاسع عشر، وربما حدثتكم عن هذا الملف، كيف تمت ردة الفعل على الصورة المُعتقدية العلمية هذه عن طريق الرومانسية، بتأثير إيمانويل كانط Immanuel Kant! 

وسوف نرى دور كانط Kant، وجورج بيركلي George Berkeley، قصة كبيرة! والرومانسية، وشعراء الرومانسية العظام: ووردزوورث Wordsworth، وشيلي Shelley‏، وكولريدج Coleridge، وكل هؤلاء وأمثالهم! وبعد ذلك حتى في المثاليات، كلها أتت كذلك.

أتت في آخر القرن التاسع عشر التوماوية الجديدة! استُحيت من جديد؛ لأن عندها ما تُعطي! ومع ذلك الكل في الأخير فشل أمام المد العلمي الساحق هذا، وسوف نرى لماذا.

فنرجع، فما الذي حصل؟ بذكاء من جون John؛ البروفيسور جون لينكس Professor John Lennox، أتوا عنده، هؤلاء الضيوف. ذهب هو إلى الموقد مُباشرة الكهربائي، ووضع الكنكة هذه. وضع فيها الماء؛ لكي تغلي، وبعد ذلك وضع فيها القهوة. يصنع قهوة لهم. 

وسألهم ما الذي يحدث إذن؟ وما التفسير إذن؟ Explanation! فسروا، ما تفسير ما يحدث؟ فطبعا – بعضهم علماء فيزياء – قالوا له طبيعي، تُوجد نار هنا، وتنتقل الحرارة من الموقد إلى كذا. والتفسير الذري معروف كيف طبعا! عن طريق الأوربيتس Orbits الخارجية، الإلكترونات Electrons، القفز، وكذا! ويأتي نيلز بور Niels Bohr هنا والكمات، قصة! معروفة، وكلنا درسناها في الثانويات أيضا. 

قال لهم جميل! نعم، وماذا بعد؟ قالوا هذا هو، هذا التفسير. قال لهم لكن هذا لا يتعارض مع أن كل ما يحصل أنني أُعد الشاي أو القهوة لضيوفي! Purpose، هذا الغرض، يُوجد غرض! الغرض ليس بالضرورة أن يتناقض مع ماذا؟ مع التفسير السببي. كيف يتم تنفيذ هذا الغرض؟ هناك جُملة أسباب طبيعية، حاضرة في الموجود، أهلا وسهلا، ليس عندي مُشكلة. الأسباب لا تُلغي الغرض، ولا الغرض ينوب عن الأسباب، أليس كذلك؟ 

لكن هذا كما فهم شيخ الشيوخ أرسطوطاليس Aristotle – طيب الله ذكره أو ثراه – من الأول! قال لك هذا يفعل من الخلف، وهذا يفعل من الأمام. أي أنت قبل حتى أن تلجأ إلى الأسباب لتوظفها، في خدمة ما تُريد، الغرض يكون حاضرا في ذهنك! أليس كذلك؟ 

قبل أن تبدأ تنجّر وتنشر؛ لكي تعمل كرسيا، تكون صورة الكرسي وغرض الكرسي في ذهنك! أُريد أن أحضر خشبا من الغابة، وأعمل كذا؛ لكي أصنع كرسيا، أقعد عليه لما أقعد مع ضيوفي. هذا الغرض، الغاية! هل هذا الآن يتناقض أو ينوب أو يُعوّض الأسباب المادية؟ لا. الأسباب الصورية؟ هذه هي العلل الأرسطية الأربعة! 

على فكرة أرسطو Aristotle لم يُفهم جيدا في الغرب! وحدثتكم عن فيلسوف أمريكي مُلحد؛ فيسير Feser! سنوات وهو مُلحد! ومرة واحد من أصدقائه الأكاديميين قال له يا بروفيسور Professor اقرأ أرسطو Aristotle. قال له قرأناه! قال له لا، أنت لم تقرأ أرسطو Aristotle، أنت قرأت هيوم Hume وكانط Kant، لم تقرأ أرسطو Aristotle. أنت قرأت عن أرسطو Aristotle مُلخصات، اذهب إلى أرسطو Aristotle نفسه واقرأه، ثم قل لي. 

قال فعلت هذا، وذُهلت! كنت أعتز بديفيد هيوم David Hume، إيمانويل كانط Immanuel Kant، أعتبر أن هذين شيئا رهيبا. قال اتضح أنهما حتى لا يُذكران إلى جانب أرسطو Aristotle، ولا شيء! عقلياتهما مُختلفة. قال هذا الرجل مُذهل حقا! نظامه الفكري أكثر جبروتا مما تظن! وقد قادني إلى الإيمان بالله – قال – من أوسع الأبواب. وبدأ يؤلف هذا كتبا عن الإيمان بالله، ما شاء الله! وعاش حياته الأولى كلها مُلحدا. أرسطو Aristotle عظيم جدا جدا! رجل من أذكى أذكياء البشر، بلا شك!

فأرسطو Aristotle تحدث عن العلل الأربعة، تخيل! وفيها العلة الغائية، أو الغرضية هذه، ال Purpose! أو التي يُسمونها ال Final cause، أي السبب النهائي؛ لأنه يأتي في الأخير، ال Final! وتحدث عن السبب المادي، وعن السبب الصوري، وكيف يتفاعل السببان، هذا العلم على فكرة! تفاعل السبب المادي مع السبب الصوري هو العلم!

لكن هذا لا يُقوض الغائية، ولا يتعارض مع الغائية يا جماعة! وإن كان بعض اللاهوتيين يُبالغون ويفترون، وربما يفترون على الله على فكرة! وما زالوا يفترون على الله! ولا أعني اللاهوتيين المسيحيين فقط واليهود، وحتى المسلمين! 

أي حين يقع زلزال، يُقال عقاب من الله! مَن قال لك؟ أطلعت الغيب؟ جبريل نزل عليك، قال لك هذا عقاب من الله؟ مَن قال لك؟ بعد ذلك إذا كان عقابا من الله هذا، فها هو سيُصيب غدا المسلمين، ماذا ستعمل؟ أليس كذلك؟ هذا يُذكرنا بزلزال لشبونة، أيام فولتير Voltaire؛ فرانسوا فولتير François Voltaire! 

ضرب الزلزال لشبونة، قتل عشرات الألوف، كان زلزالا مُدمرا تاريخيا! فطبعا البروتستانت قالوا لكم أرأيتم؟ لأنهم يسوعيون Jesuits! هؤلاء ملاعين، كاثوليك أولاد ستين في سبعين، يستأهلون، ال Doctrines كلها الخاصة بهم مُنحرفة، العقائد كذا كذا كذا. 

قال لا تُوجد فائدة! قال أشهر يسيرة، ضرب الزلزال مناطق بروتستانتية في أوروبا! قالوا لهم تفضلوا! إياك أن تقع في هذه الورطة الرهيبة! مثل مشايخنا اليوم، ومثل رجال الدين عندهم! وتقعد باستهبال طفولي، وتطلع على المنابر، وتقول عقاب من الله! مَن قال لك يا رجل؟ هذه الأشياء أوسع حتى من عقلك، هذه أشياء تحتاج إلى نوع من الفهم. 

لما الله يُخبرنا عن أمة من الأمم – ثمود مثلا أُهلكوا بالصيحة بسبب كذا – نقول أهلا وسهلا، انتهينا! هذه واقعة تاريخية حصلت، والله أخبر، قال أنا الذي أبدتهم، أهلكتهم. لا يُمكن إلا أن أُصدق بهذا! لكن اليوم أنا لست محمدا ولا موسى ولا عيسى، ولا ينزل جبريل علي، لا أعرف لماذا هذا حصل!

نظام الطبيعة مُعقد كثيرا، أليس كذلك؟ أنت جسمك هذا لكي يستمر كجسم، لا بُد أن تعتور فيه الحياة، الموت! ويتعاوران باستمرار! حياة، موت. موت، حياة. حياة، موت. باستمرار! أي كل يوم، كل لحظة، تموت فيك ملايين الخلايا. 

ولماذا تموت؟ هذه خسارة! لكي يكون هناك ماذا؟ Regeneration! خلايا أُخرى تأخذ مكانها. لو لم يكن هناك موت، كنت – ما شاء الله – ستشيخ في خمس أو ست سنين، وفقط! تنتهي، مع السلامة، Bye bye. لكي تعيش سبعين أو ثمانين سنة، وليس خمس أو ست سنوات، لا بُد من موت، حياة. حياة، موت. 

الأرض نفسها كنظام؛ كـ System، نفس الشيء! نفترض مثلا! أي هذه نوع من المُقاربة، مثل بدنك هكذا، أليس كذلك؟ تحتاج إلى أن تتنفس، تحتاج إلى أن تتمدد. التكتونية! أليس كذلك؟ الصفائح هذه! ولو لم تتمدد، ولم تتنفس، ببراكين في بعض المرات وفيضانات، ما الذي سوف يحصل – وسُبحان الله! لا تُوجد الصفائح التكتونية هذه -؟ سوف تنفجر انفجارا واحدا، الأرض! انفجار أعظم مما تتخيل، لا يُبقي ولا يذر! ربما تتشظى مليون قطعة في الفضاء! لذلك هي نفس الشيء! 

ربنا تبارك وتعالى لا يُمكن أن تُدرك خُطته الكاملة والتفصيلية في نظام العالم بعقلك أنت وثقافتك، فقط لأنك رجل دين! تتكلم غيران على الله! لكن أنت غيران وأهبل! غيرتك هذه أذهبت بك في داهية. 

فهذه تجدها دائما، كل فترة وفترة تحصل، أليس كذلك؟ تجعل العلماء يزدادون سُخرية من ماذا؟ من الدين وغائية المُتدينين. أليس كذلك؟ فهذه الأشياء لا بُد أن نُنبه عليها، وأن نكون دقيقين معها.

فعلى كل حال، والتر ستيس Walter Stace انتهى إلى أن العلم بحد ذاته مسعى وكشفا ومنهجا ليس كذلك أبدا، أبدا! ليس من شأنه أن يُقوض الدين، ولا أن يكون ضد أي شيء أتى به الدين أبدا، أبدا! لكن الناس فعلت هذا. 

يتساءل؛ هل هذا جرى بطريقة منطقية؟ لا، ليس بطريقة منطقية. المنطق لا يقتضي هذا، بالمرة! هذا جرى بطريقة سيكولوجية، جرى بطريقة سيكولوجية! ولذلك انتبهوا! على فكرة، إذا أردنا أن نعتب هنا، فسنعتب على رجال الدين، أكثر من عتبنا على العلم ورجال العلم!

لماذا؟ لأن رجال الدين حين يُصرون على تقديم صورة مُعتقدية للرب مثلا، أو لنظام الطبيعة، أو لنظام الكتاب المُقدس، شديدة الضيق، شديدة الحصرية، شديدة الانغلاق – أي لا تقبل التأويل، هي هكذا وانتهى الأمر -، ثم تأتي الكشوف العلمية، وحقائق الأشياء، بظاهرها لا تتطابق مع هذه الصورة الضيقة، أنت ستضطر الناس هنا أن يتخلوا عن ماذا؟ عن الدين. واضح؟ سنُعطي مثالا، ضربناه أكثر من مرة:

الآن – وهذا شيء مُحير! – كون نظرية التطور نظرية صحيحة، هذا جار بترجيح لا يقل عن تسعين في المئة، لن أُعطيه أكثر من هذا، لكن ليس أقل من تسعين في المئة! ليس مني ومنك، من المُجتمع العلمي، من رجال الاختصاص حول العالم، الذين يشتغلون من مئة وخمسين سنة في القضية، والأدلة أكثر من أن تُذكر!

يأتيني رجل؛ لأنه يظن أنه يغار على الإسلام! أي هو أبو الإسلام وأمه، هكذا! وغيران على الإسلام! إذن هل أنت لاهوتي؟ هل درست علم الكلام جيدا وتفهمه، وتفهم اللُغة العربية حتى جيدا جدا، نحوا وصرفا؟ لا والله، والله لا! لُغته أضعف من هذا بكثير، مع أنه قد يظن نفسه أحسن من هذا، لا! لُغتك أضعف من هذا بكثير، ولا تعرف! وواضح! كل شيء له طبعا معاييره.

ثانيا أنت لست لاهوتيا كبيرا، أنت لم تدرس علم الكلام ومدارس علم الكلام المُختلفة! وغير كفاية أن تكون فقط السُنية، الأشعرية والماتريدية، لا بُد أيضا من المدرسة الإمامية والزيدية، وإذا أمكن الإباضية، وتوسع منظورك! وتُوجد حتى إسهامات للإخوة الإسماعيلية أيضا، وطُبعت لهم كتب كثيرة، وسع المنظور!

وليس هذا فحسب أيضا، ولا بُد أن تقرأ اللاهوت المسيحي، واللاهوت اليهودي أيضا. نعم، طبعا! لأنهم جابهوا هذه المشاكل قبلنا، وطوروا حالهم بطريقة مرنة وذكية. لا بُد أن تستفيد من هذا التراث العالمي. 

أنت ليس لك علاقة بالقصة هذه كلها! إذن هل أنت عالم أحيائي كبير؟ لا. إذن عالم أحيائي تطوري – وهذا المطلوب -؟ لا. إذن لماذا تُغلق القوس، وتأتي تُفهم الناس – وحامل السلم بالعرض – أن التطور خُرافة، التطور أُكذوبة؟ 

يعطيك مقطعا عن التطور رُبع ساعة، يُكرر فيه كلمة خُرافة ثلاثين مرة! هو مُصر! ويظن أنه هكذا أنقذ الإيمان وأنقذ الإسلام وأنقذ التأويل وفهمه الضيق للقرآن الكريم في قصة آدم! فهمه أضيق من الضيق على فكرة، وأخطل من الخطل، وأبطل من الباطل! 

ونظرية التطور لم تكن يوما، ولن تكون، أسعد بنص ديني، من النص القرآني! مُتوائم معها بطريقة مُدهشة مُحيرة على فكرة! هذا ما سنُثبته – إن شاء الله، إن شاء الله – ربما في حلقات كما قلت قريبا – بإذن الله -، وإن لم نستوف فيها الكلام كله، لأسباب!

إذن الآن ما الذي يحصل؟ أنت الآن تضطر كل مَن آمن بطرحك وصدّق نموذجك الضيق هذا المُتزمت الحصري، تضطرهم في يوم من الأيام، ولعله لا يكون بعيدا، إلى الإلحاد، إذا درسوا وأحبوا العلم وأحبوا الروح العلمية، وبدأوا يُطالعوا بعض المُقررات العلمية المُحترمة في نظرية التطور! 

وسوف يرون أنها نظرية قوية جدا! بل هي النظرية الوحيدة التي في علم الأحياء، والتي تدعمه مثلما قال ثيودوسيوس دوبجانسكي Theodosius Dobzhansky، ويا للعجب! دوبجانسكي Dobzhansky من أعمدة التركيبية الحديثة، النظرية المُعتمدة المعيارية في التطور! وعاش ومات وهو عميق الإيمان جدا بالله! الرجل كان مُتروحنا! 

هو من أصول روسية طبعا، وهاجر إلى أمريكا، في أيام الستالينية، وهو من أعمدة التركيبية الحديثة، وعاش ومات وهو عميق الإيمان بالله، وليس وحده! هناك جماعة لا يُستهان بهم من التطوريين العظام يؤمنون بالله تبارك وتعالى:

فرانسيسكو Francisco – أو فرانشيسكو بالإسباني – أيالا Ayala، مؤمن، عميق الإيمان. كينيث ميلر Kenneth Miller الكاثوليكي، المُتدين، المُمارس للدين، والشاهد الرئيسي عن العلم في مُحاكمة كيتسميلر ضد دوفر؛ مُحاكمة التصميم الذكي – هو كينيث ميلر Kenneth Miller، وكسب! كسب المحكمة! ضد مايكل بيهي Michael Behe والتصميم الذكي -، مؤمن، يزور الكنيسة كل أسبوع، مُمارس للدين، صاحب العثور على إله داروين Darwin! أي فهذه ليست حالة معزولة على فكرة.

أنت ما الذي تفعله يا رجل؟ ما الذي تفعله؟ أنت ستضطر أبناءنا وبناتنا إلى الإلحاد في اللحظة التي يستيقظون فيها، ويتصلون بالعلم، ويقفون على حقائق طروحاته ونظرياته، للأسف الشديد إذا ظلوا مُقتنعين بأن طرحك هو الطرح الحصري والوحيد، ولا يُوجد غيره، وهو هكذا، هذا الموقف الديني! 

لكن الحمد لله، في عهد النت Net هذا لا يحصل، الحمد لله. الناس ستسمع إلى هذا، وستسمع إلى فلان وعلان وفلتان، يقولون لا، غير صحيح، ونحن مع التطور، سواء التطور ال Theistic أو المُوجه أو كذا، إلى آخره! بغض النظر، الطروحات كثيرة!

إذن مثل هذا الطرح الضيق، الذي أغلق قوس النقاش، مرفوض. وانتبهوا إلى مبدأ مُهم جدا جدا! حيثما يكون هناك خلاف، حتى بين شخصين، فضلا عن أن يكون بين منظومتين فكريتين منهجيتين، إذا لم يُدر الخلاف بحوار مرن مُتسع الصدر، فحتما سينتهي بماذا؟ بالاصطدام والعنف. 

وهذا ليس في صالح لا العلم ولا الدين، وخاصة ليس في صالح الدين! لماذا؟ العلم لا يزال يواصل إنجازاته ونجاحاته، العلم ملموس، العلم أصبح الآن في حياتنا، أي في كل شيء! أمارات نجاحه كثيرة جدا جدا جدا! فبالذات ليس من مصلحة الدين أن يتخذ أهله ورجاله هذه المواقف المُتزمتة، لن أصفها بأكثر من هذا! مواقف مُتزمتة، ضيقة، تُغلق قوس الحوار والنقاش! أن هذا هو! غير صحيح.

نعود إلى المبدأ الرابع إذن لغاليليو Galileo؛ التواضع التأويلي؛ Interpretive humility، التواضع التأويلي! قل ما عندك وتواضع. قل هذا فهمي في حدود علمي، في حدود علمي! وعلى فكرة لو كنت مُتواضعا حقا، فمن المفروض ألا تسمح لنفسك أن تتكلم في أي حقل وفي أي موضوع، إلا بعد أن تقتله بحثا، وليس تكرارا لكلام الآخرين. 

ليس بحثا علميا، وليس شغلا مُحترما، أنك تأتي تقرأ للخلقويين الأمريكان، وتُترجم كلامهم، ومن كتبهم، وتقول هذا العلم، والعلم ضد التطور! أنت لم تأت بشيء، هذا معروف، وهذا مكتوب، وكل مَن يدرس النظرية يعلم هذه الأشياء.

ليس هكذا يكون الرد! الرد يكون بالشغل الحقيقي، الذي ربما يتقاضاك سنين، وأنت تشتغل ليل نهار، حتى تثق أنك أبرأت ذمتك ووفيت بحق النظرية، أيا كانت النظرية، من الفهم والاستيعاب، ثم تمضي لتتكلم بعد ذلك. 

ولا بُد أن تكون مُتسلحا كما قلنا بهذا الفهم العلمي، للعلم، وأيضا بماذا؟ بمُقتضيات التأويل الديني، للنص الديني. وهذه مسألة كبيرة! على فكرة الذي يستطيع أن يُقدم تأويلا حقيقيا لأي نص ديني ويُفسره، تقريبا هو شارف رُتبة الاجتهاد، طبعا! عنده الوسائل وعنده القدرة، عملية ليست سهلة! والمفروض ألا يُسمح لكل مَن هب ودب أن يتسور على حماها، وهو يظن أنه يستطيع أن يفعل هذا! أنت تظن أنك تستطيع، في الواقع لا تستطيع! 

لأن ليس هناك مَن يتصدى! ونحن نعيش في عصر الفوضى والسيلان للأسف الشديد! والاحتماء بالجمهور وباللايكات Likes وبالناس، هذا لا يُمكن أن يكون ضمن أخلاقيات أو حتى مُمارسات الباحث العلمي الجاد. 

آخر مَن يجب أن تستشيرهم الجمهور. أنت وأنت على شيء من العلم أو الثقافة لا تصلح! كيف بواحد من الجمهور، ربما ليس له علاقة أصلا بالموضوع كله، ولا يعرف فيه ألف باء؟ أنت تُريد أن تُرجح الموقف بصوته، حين ينضم إلى أصوات أمثاله؟ كارثة حقيقية على فكرة! هذا من سيئات النت Net، ومن سيئات عصر اليوتيوب YouTube.

أكتفي على كل حال بهذا القدر، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: