إسلامية المعرفة – إسماعيل الفاروقي – العلم والدين – الحلقة 17

video

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المُرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما وفقها ورشدا، واهدنا لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي مَن تشاء إلى صراط مُستقيم.

تكلمنا عن مدرسة البروفيسور سيد حُسين نصر، وعن المدرسة الإجمالية، لضياء الدين سردار. سأتكلم الآن بسرعة – بسرعة، أرجو أن تكون الأسرع والأقصر – عن مدرسة إسلامية المعرفة؛ لأن مطبوعاتها موجودة ومُتاحة لدينا نحن العرب، ولأن لها موقعا على الشابكة أو الشبكة العنكبوتية، ولأن مجلتهم – وتُسمى الآن مجلة الفكر الإسلامي المُعاصر تقريبا، كانت تُسمى مجلة إسلامية المعرفة – أيضا لها موقع، ولها أرشيف – بفضل الله تبارك وتعالى -، فيُمكن أن تعودوا للوقوف على التفاصيل.

باختصار، هذه المدرسة لحظة الإعلان عنها كانت سنة ألف وتسعمائة وسبع وسبعين، في مكة المُكرمة – زادها الله شرفا وكرامة -. سنة ألف وتسعمائة وسبع وسبعين عُقد في مكة المُكرمة المؤتمر الأول للتعليم الإسلامي، وحاضر فيه جماعة من المُفكرين والباحثين والأكاديميين، وكان أهم هؤلاء الثلاثة المذكورين!

كان أهمهم الثلاثة المذكورين؛ سيد حُسين نصر حاضر فيه، حضر هذا المؤتمر، وضياء الدين سردار، صاحب الإجمالية، والدكتور المرحوم الشهيد – بإذن ربه إن شاء الله – إسماعيل راجي الفاروقي! 

ذكرت في حلقة سابقة أن هذا الرجل أمريكي، من أصل فلسطيني، وُلد سنة ألف وتسعمائة وثنتين وعشرين، ثم بعد ذلك تلقى تعليمه في أكثر من بلد؛ في بيروت وفي أمريكا وكذا! 

المُهم، وأصبح مُفكرا، أي له وزنه وله قدره، وطبعا إن لم ير النقاد – تقريبا مُعظم النقاد، خاصة الأجانب – أنه يكتب بنفس أكاديمي جاد، قالوا لا! هو نفسي شعبوي. طبعا؛ لأنه كان قريبا من الإسلاميين، وقريبا من الحركات الإسلامية، ومُقاربته الأساسية مُقاربة ذات روح فقهية تشريعية قانونية.

جميل! فأعلن في هذا المؤتمر عن المشروع الذي يدور في ذهنه، حول إسلامية المعرفة! أننا كمسلمين – نفس الشيء – لنا مُعتقدات، لنا منظومة قيم، وأيضا لنا رؤية كونية، أو Worldview، أو Weltanschauung، تختلف عن الغربيين! وكأن طبعا هذا يتضمن أن العلم غربي! هذا أيضا لا يُمكن أن يُسلّم بسهولة.

بلا شك سيكون هناك مؤثرات للثقافة الغربية الأوروبية في العلم، هناك مؤثرات! لكن في نهاية المطاف، الجوهر؛ جوهر العملية العلمية، المسعى العلمي، يبدو أنه لا شرقي ولا غربي، أليس كذلك؟

وخاصة أنك تجد تقريبا هذا الجوهر وهذه النواة الصُلبة في المسعى الإسلامي العلمي. علماء المسلمين كانوا تجريبيين، وكانوا يتقصون بالطريقة التجريبية. وهذا الجميل في علمائنا المسلمين عبر العصور! 

(وطبعا ألفت إلى أن العلم الإسلامي امتد زُهاء خمسمائة سنة، العلم الإسلامي لم يكن شُعلة أضاءت ثم طفئت، لم يكن سحابة صيف انقشعت، لا! امتد خمسمائة سنة!)

وثمة لُغز غريب؛ كيف استطاع العلم الإسلامي أن يمتد خمسمائة سنة، وهو تقريبا في مُجمله جهود فردية، ومساعي فردية؟ لم يحظ العلم في الحضارة الإسلامية بالمأسسة، كما حدث في السياق الغربي، لا! ومع ذلك استمر لخمسمائة سنة! هذا على فكرة أحد الألغاز، التي لا يُوجد إلى الآن جواب نهائي عنها! هناك ألغاز في تاريخنا! هذا لُغز، لا بُد من مُحاولة البحث في جوابه، إن تسنى.

على كل حال، هؤلاء العلماء كان موقفهم عمليا من العلوم الوافدة، وخاصة العلم الإغريقي، وهناك طبعا العلم الهندي، وأقل من ذلك: المصادر الفارسية! هناك الهندي، والصيني، وهناك – أكثر شيء – الإغريقي. 

لم يقفوا موقف المُنبهر، نقول نحن (المطبوع) الآن، بالتعبير العامي (المطبوع)، المُنجذب، المذهول أمام هذا العلم، أبدا! وقفوا موقف الجاد، المُحترِم، المُوقِّر، الناقد! صححوه في أشياء كثيرة!

انتقدوا العلم هذا الوافد في أشياء كثيرة. ولدينا صيغة النقود؛ النقود على جالين Galen، أي جالينوس Galenus، النقود على بطليموس Ptolemaeus، في الهيئة الفلكية، النقود على فلان! شيء عجيب! كان لدينا ذلك!

وكان لدينا حس العرفان والامتنان، نعزو العلوم إلى أصحابها، نعزو النظريات إلى ذويها، لا نُنكر! ولكن ما بدا لنا غير صحيح، كنا نُصححه، ثم نُواصل المسيرة، ونُضيف.

بفضل الله تبارك وتعالى لم يقف علماؤنا وقفة طويلة؛ لكي يبحثوا مدى تلاؤم ومدى تناسب ومدى تطابق العلم الطبيعي الوافد، مع المُقررات الدينية الإسلامية! لم يفعلوا هذا! إذا أحدهم قال لي إنهم فعلوا، فليُريني هذا! 

أرني، شوّفني؛ أين فعلوا ذلك؟ هل أحدهم قال لا، لا بُد أن نقف وأن نرى هذا العلم، سواء كان رياضة، أو حسابا، أو هندسة، أو فلكا، أو حيلا – التي هي الميكانيك -، أو…أو…إلى آخره، كيف تتفق معنا؟ 

تعرف لماذا؟ بصراحة؛ لأن إثارة السؤال غير مُبررة. هذه قضايا طبيعية وكونية، ما معنى أنها تتفق أو لا تتفق؟ هي بطبيعتها قضايا ماذا؟ قضايا حاصلة في كل صُقع وفي كل أين وآن! أليس كذلك؟ 

الطبيعة لا تختلف، من أثينا إلى مكة، ولا من مكة إلى إشبيلية، الطبيعة طبيعة! السماء سماء، والأرض أرض، والحيوان حيوان، والنبات نبات، وقوانين هذه الطبيعة واحدة، وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا *، لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ *، الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ *، كل شيء بقوانين تحكم عليه.

ما المدعاة؟ لماذا نُثير هذا السؤال؛ أنها تتطابق أو لا تتطابق؟ للأسف هذا السؤال يُثار الآن، بأثر رجعي؛ لأننا رأينا كيف أدت وأودت بنا التضمينات الفلسفية والأيديولوجية للعلم الحديث! ولكن السؤال؛ هل التضمينات الفلسفية – أي Implications، التوالي، العواقب، التضمينات، المضامين – من العلم؟ 

هل هذه التضمينات والتداعيات والتدعيمات الفلسفية والأيديولوجية من العلم نفسه؟ ليست علما. من طبيعة العلم؟ ليست من طبيعته. هذه عمل أصحاب الأيديولوجيا وأصحاب الفلسفية! أليس كذلك؟ 

العلم لا علاقة له بذلك. العلم المسكين المظلوم طيع قابل لأن تُضمّنه هذا أو تُضمّنه ذاك، أليس كذلك؟ كما قلنا في أمثولة عبد السلام، إلى حد ما لا تزال صحيحة، مع أن عندنا نقاشا! 

يُمكن أن تأخذ نفس الحقائق العلمية، وترى أنها تقود إلى الله. وتأخذ نفس الحقائق العلمية، وترى أنها لا تقود إلى الله، تقود إلى الإلحاد! أنت حر، هنا يصير النقاش معك ليس علميا، يصير ماذا؟ فلسفيا، وعلميا في حدود تحيفك وربما تزيدك على العلم! أن العلم قال كذا وكذا، أو العلم أثبت كذا وكذا، وهو لم يُثبت! 

لأن هناك نظريات الآن علمية، وعلمية على فكرة من غير المعيار البوبري، لا! بحسب بوبر Popper ليست علمية؛ لأنها غير قابلة، لا لإطلاق نبوءات، وبالتالي للاختبار! ليست قابلة للاختبار! 

فنظرية Superstring theory بحسب بوبر Popper ليست علمية، وفشلت إلى الآن أن تُطلق أي نبوءة قابلة للاختبار، ماذا نعمل إذن؟ كثير هذا على فكرة في فيزياء الجُسيمات الدقيقة! نفس الشيء! مفروضات وفرضيات غير قابلة لإطلاق نبوءات! لكن فسرت أشياء.

لا علينا، نرجع إلى ما كنا فيه؛ علماؤنا لم يتورطوا هذه الورطة – بفضل الله -. وطبعا؛ لأن لم يكن عندهم مثل الخلفية هذه، لم يكن هناك علم قاد إلى الإلحاد ودعّم الإلحاد، لم يكن! 

ولذلك هم لم يروا أن هناك أي داع لاتخاذ مثل هذه الخُطوة الغريبة العجيبة! ولم يفكروا فيها، وعندهم الحق. نحن اليوم نُفكر فيها، وأيضا عندنا الحق، لكن لا بُد أن تكون الصورة مُكتملة أمامنا، وأن نفهم من أوتينا، ومن أين ينبغي أن نتحرك، وإلى أين نذهب! لا أن نخلط الأوراق ببعضها، ونُحمّل العلم تبعة اللاهوتيين والمؤدلِجين والمؤدلَجين والفلاسفة، ونقول العلم! ليس العلم. العلم فُعل به كذا كذا، هذا شيء ثان!

فنرجع إلى ما كنا فيه، فأعلن عن إسلامية المعرفة، بناء على تقريبا نفس الأُسس! أن لنا كمسلمين خصوصيتنا الإسلامية، لنا منظورنا العقدي المُختلف، مُنطلقاتنا العقدية المُختلفة، ونفس الشيء على فكرة! العمارة والعبادة والخلافة وكرامة الإنسان، نفس الشيء! كلام يُكرر باستمرار على فكرة، أصبح ممجوجا!

الذي يقرأ كثيرا في الأدبيات الإسلامية يصل إلى درجة يشعر معها…ماذا أقول؟ بضيق الصدر! لكثرة ما تُردد هذه الكليشيهات، بطريقة تكرارية اجترارية! العبادة والخلافة والعمارة وكذا! كلام إنشائي كله، تسمعه في المُحاضرات وعلى المنابر وكذا، ولا يُوجد مردود للأسف الشديد، لا يُوجد مردود!

يا ليت شغّلوه ضمن الإطار الإسلامي المحض، بغض النظر عن هذا! وعمّقوا وفصّلوا، بحيث فعلا يتحول إلى برامج حقيقية، تُنعش حياتنا الروحية والتربوية والفكرية وكذا! لم يقدروا إلى الآن، لا يزالون! كلام! كله كلام! لم نر أي نتائج حقيقية.

المُهم، كما قلت لكم في حلقة سابقة، اعترض الدكتور البروفيسور سيد محمد نجيب أو نقيب العطاس. ستقولون لي لماذا تقول لنا نجيب ونقيب؟ لأن بصراحة في الأول وفي كُتبه كان يكتب اسمه نچيب Najib، وبعد ذلك قال لا، نقيب Naquib. 

طبعا هناك احتمال أن المسألة لها علاقة باللحن الصوتي، وبالطريقة اليمنية الحضرمية، يلفظون الچيم بطريقة مُختلفة! يقول لك (جاي) عندي، أنت شخص نجيب! أي يلفظون الچيم بالطريقة التي يُسمونها الچيم المصرية، أليس كذلك؟ مثل هذه! فهو قال لك نكتبها نقيب Naquib. 

هناك ناس قالوا لك لا! مثل مُنى أباظة هذه، قالت لك لا! لأن هي اتصلت به طبعا، وهو؛ نجيب العطاس هذا، شخص صعب جدا جدا! أي عنده طقوس مرور، من الصعب جدا أن تلتقي به، يُحاول أن يُمارس السُلطة عليك وكذا، شيء عجيب! أبناء الملايو لا يُحبونه، ولا يُحبون حتى أن يذهبوا إليه ولا أن يلتقوا به ولا أن يأتي إليهم؛ لأنه سد كل الأبواب! 

وهو عنده هكذا موقف؛ لا يُحب أن يلتقي إلا بالأجانب، بالغربيين، وكذا! وأيضا يذلهم سبعين ذلة! لكي تلتقي به، لا بُد وأن تذهب إلى كذا، وسكرتير ومعابر وكذا! أي عنده هذا ال…لا أعرف! فقالت مُتعب الرجل من الناحية هذه! 

فهو ليس بعيدا عنه وعن مزاجه الفكري! مع أن هذا الرجل صوفي، أو على الأقل شُغله الأكاديمي في التصوف، شُغله الأكاديمي في التصوف! والتصوف الماليزي!

يشتغل على واحد صوفي، أنا لا أعرفه جيدا، اسمه حمزة فنسوري Hamzah Fansuri! والله حتى اسم غريب! المُهم، اشتغل عليه، أعمال كثيرة وكذا! ويعتبر أن هذا مثل مُحيي الدين بن عربي لماليزيا! يشتغل وصوفي! جيد، التصوف موضوع آخر! هو عنده هكذا!

فقالت أنا لا أستبعد أنه حوّل نجيب إلى نقيب، وصار يكتب دائما نقيب؛ لما تُوحي به كلمة نقيب! اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ۖ *! فيها نوع من السُلطة والمسئولية وكذا وكذا! وبعد ذلك هو رجل من نسل النبي، تخيل! ونقابة الأشراف، ونقيب الأشراف! فهذا تعمده! الله أعلم، لا علينا! فأنت إذا رأيته كتب نجيب، فلا بأس، ونقيب أيضا لا بأس، هو نجيب العطاس، وهو نقيب العطاس، أي هذه قصة اسمه.

لا علينا، فالرجل أبدى عن امتعاضه، وكتب ذلك، وصرح به، غير مرة! لا، الفضل لا ينبغي أن يُنسب إلى الدكتور الفاروقي؛ إسماعيل راجي الفاروقي. الفضل لي أنا، أنا كتبت حول هذا الموضوع، وعن ضرورة أسلمة المعرفة الإسلامية، سنة ألف وتسعمائة وتسع وستين – قال – وقد سبقته، فلماذا يُنسب إليه؟ 

يا سيدي هل المسألة مسألة مُصطلح وفكرة فقط؟ مسألة مشروع! هذا تحول على يد الفاروقي وجماعته إلى مشروع. المُهم أن هذا المؤتمر، الذي حضره الثلاثة؛ نصر، وسردار، والفاروقي – رحمة الله عليه رحمة واسعة، وهو الوحيد الذي مات، الاثنان يعيشان، بارك الله في أعمارهما! الاثنين -، تمخض عن توصيات، من بينها إقامة جامعة إسلامية عالمية! كوالالمبور! 

تقول لي هذه؟ هذه كانت البداية! ومَن الذي ساعد على إقامتها وكذا كذا؟ مهاتير محمد Mahathir Mohamad. ومهاتير محمد Mahathir Mohamad ليس إسلاميا في العُمق، هو أقرب إلى أن يكون علمانيا حداثيا، ويؤمن بعلمانية الدولة، مثل أردوغان، وليس عنده خلفية إسلامية حتى مثل أردوغان هكذا، ليس عنده! 

وفي آخر فترة، في أواخر الألفية المُنصرمة، حدث اشتباك شديد جدا، طبعا بينه وبين الإسلاميين، وخاصة نائبه أنور إبراهيم، الإسلاموي الذي يبدو أن عنده جذورا إخوانية، والذي شغل قبل ذلك منصب أيضا وزير التعليم، أنور إبراهيم! أنور إبراهيم إسلامي حداثوي، ذو نزعة اشتراكية إلى حد ما! المُهم، من أيام كان طالبا في الجامعة، أنور إبراهيم! 

حدث خلاف شديد، طبعا تم القبض على أنور إبراهيم، وأودع السجن، ووجهت له تُهمة أخلاقية، وللأسف هذا شائع أيضا في بلاد المسلمين، وحتى في ماليزيا! وماليزيا من الخمسينيات فيها قانون مثل قانون الطوارئ، يسمح باعتقال أي شخص، بغير أمر من المحكمة، وإلى الآن شغّال! وزجه في السجن إلى ما شاء الله! أي مكتوب علينا الهم نحن المسلمين في كل مكان للأسف بالطريقة هذه. هذا الذي حصل مع أنور إبراهيم.

لا علينا، نرجع؛ فما أُريد أن أقوله إن إسلامية المعرفة – نفس الورطة – تتحرك من مفروضات واسعة، من مُقترحات واسعة، تقول كل شيء ولكنها لا تقول شيئا، لا تُضيف شيئا!

وقال لك نُريد – أي نفس الشيء أيضا – ننزع طابع الغربنة – وهذه فكرة نقيب العطاس – عن العلوم والمعارف. كيف؟ سوف نرى! وخاصة، نقدر أن نتفهم إلى حد ما أن هناك فعلا خواصا غربية ثقافية لصيقة بالعلوم الإنسانية، بالعلوم الاجتماعية، لكن بالعلوم البحتة، والعلوم المُنضبطة، وال Solid يُسمونها وال Exact وكذا، لا! لا أقدر أن أفهم كثيرا بصراحة!  أضعف، المسألة هنا أضعف بكثير.

فهل إسلامية المعرفة، هي إسلامية علوم إنسانية واجتماعية، أم لا إسلامية حتى العلوم؟ بصراحة ربما أكثر من خمسة وتسعين في المئة من شُغل معاهد إسلامية المعرفة على العلوم الإنسانية والاجتماعية. تطرقوا إلى العلوم البحتة هذه، والعلوم الكونية والطبيعية، في أعمال بسيطة جدا جدا، مؤخرا! ولم يأتوا بشيء! وهم يعرفون أن التحدي كبير، فهم لم يكن عندهم تهور نصر أو سردار، أبدا! قال لك لا، نشتغل على الإنسانيات.

ولذلك الباحث والعالم الاجتماعي المصري الكبير الراحل السيد ياسين سجّل في وقته هذه المُلاحظة، قال لا تجد شُغلا لهؤلاء في العلوم، وإنما في الأمور الإنسانية. هذا أولا!

ثانيا ثم، مع أنهم يدّعون إرادة أسلمة المعرفة – Islamization of knowledge؛ أسلمة المعرفة – والعلوم الاجتماعية، لا تجد لهم أي عمل في الإبستمولوجيا. في وقته! وبعد ذلك كتبوا أعمالا بسيطة، قرأتها، لن أقول تافهة، لا وزن لها! ولن أقول مَن الذي كتبها، لا وزن لها، بصراحة! ليس أكثر من هذا. مَن يقرأ، يعرف. وكُتب بسيطة ومحدودة، لا وزن لها!

كيف تُريد أن تؤسلم من غير مهاد في الإبستمولوجيا؟ أليس كذلك؟ وعلى فكرة، هذا عيب بالذات عندهم! أي على فكرة، انظر؛ سردار عنده قاعدة في الإبستمولوجيا، ومُمتازة، نصر عنده قاعدة أقوى بكثير، وأعمق أيضا، تخيل! موجودة، الإسلاميون العرب عندهم شبه معدومة هذه القاعدة!

لذلك الآن لا تعجب أن ترى بروفيسورا، أستاذا، حتى في علوم طبيعية، يأتي ينتقد نظريات بجُمل وكلمات وكليشيهات لا يُمكن أن تصدر عمَن قرأ مُقررا بسيطا، كما قلت في الحلقات السابقة، في الإبستمولوجيا، ما رأيك؟ أبدا! 

كمَن يقول لك هذه على كل حال نظرية، وليست حقيقة! ما شاء الله، تبارك الله. ولذلك أنت ترفضها؟ إذن هل تفهم العلاقة بين الحقيقة وبين النظرية؟ واضح أنه لا يفهم حتى العلاقة المبدئية بين النظرية والحقيقة! وكأن النظرية دائرة، والحقيقة دائرة! أبدا!

النظرية إطار تفسيري واسع، يضم حقائق كثيرة، قد تبلغ المئات، وقد تبلغ الألوف أحيانا! وقلت أنا، ربما لا أدري هل قلت هذا في مجلس خاص، أو قلته في مُحاضرة، قلت مثلما قال الجاحظ المعاني في الطريق، أنا أقول الحقائق في الطُرقات.

الحقائق الطبيعية، كثير جدا جدا منها باد وظاهر، في كل مكان! ليس هذا الصعب، الصعب تفسيرها، ونظمها في سلك أو نظام واحد! كيف يُمكن أن أنظم عشرين، ثلاثين، مئة، مئتي، ثلاثمائة حقيقة، تبدو في الظاهر غير مُترابطة؟ ولا قاسم بينها! فإذا بقاسم جامع مُشترك واحد، ينظمها كلها! هذا الناظم اسمه النظرية، فقط! 

هذا حين تقرأ خمسين صفحة في فلسفة العلوم، تفهم هذا! وأستاذ دكتور! الأستاذ الدكتور! ويأتي يتكلم في إسلامية المعرفة، ويتكلم ضد نظريات عالمية، عليها شبه اتفاق! لأنها نظرية وليست حقيقة! صح النوم، والله! صح النوم! ما شاء الله علينا، شيء مُخز والله العظيم، ومُخجل قسما بالله!

على فكرة، انظر الآن؛ لماذا يكرهونك؟ أنا أعرف أن هذا سوف يُسبب لي مشاكل! لأنك الآن ستُهرع إلى النت Net، وستجد العشرات يقولون نفس الكلام هذا! لا، على كل حال هي نظرية، وليست حقيقة علمية، ويوم تُصبح حقيقة علمية – إن شاء الله -، سنؤيدها! ما شاء الله على العلم والإبستمولوجيا الرهيبة التي عندكم! هو هذا! هذا وضعنا، للأسف الشديد! شيء فعلا مُخجل، يجعلك تخجل!

وهذا هو الذي يتكلم فيما لا يُحسن ولا يعرف! لأنه غير جاد، لم يُكلف نفسه أن يكون جادا. لو كان جادا، لما وقع في مثل هذه العثرات، التي لا يقع فيها مَن ليس عالما، وليس أكاديميا، وليس أستاذا دكتورا! الله المُستعان على ما نحن فيه.

فنرجع، فهذه إسلامية المعرفة، كما قلنا تمخض المؤتمر الأول للتعليم في مكة سنة سبع وسبعين عن توصية بإقامة جامعة عالمية إسلامية في ماليزيا، حصلت! وجامعة أُخرى أيضا إسلامية في إسلام آباد، وحصل، حصل! 

وطبعا تعرفون أنتم سبعا وسبعين! يُذكركم بماذا؟ ستقول لي بانقلاب ضياء الحق. بالضبط! تلك السنة التي انقلب فيها عسكريا وسياسيا الجنرال ضياء الحق، وأخذ فيها بمخنق السُلطة!

والحمد لله، الذي لا يُحمد على مكروه سواه، كما قال وسجّل هودبهوي Hoodbhoy، قال في هذه السنة بدأت أحلام الإسلاميين في أسلمة المعرفة تنتعش في باكستان! وصار هناك معهد ومؤسسة لأسلمة المعرفة. 

وجرى مُطاردة العلماء! ما رأيك؟ جرى! وتم الحُكم على علماء، وتم سجن علماء! ما رأيك؟ في باكستان! على يد دعاوى إسلامية! ما شاء الله، علماء؟ علماء! في الباكستان! وفرح الإسلاميون هناك! إسلامية المعرفة! 

لأن إسلامية المعرفة، وباكستان، مُباشرة تُحيل إلى ماذا؟ إلى أبي الأعلى المودودي! مُنشئ الجماعة الإسلامية، التي أتباعها بالملايين، تخيل! في الباكستان طبعا، وفي الهند، في الباكستان أكثر طبعا! أبو الأعلى المودودي!

أبو الأعلى المودودي الذي من أكثر من ستين أو سبعين سنة، قال لك العلوم الغربية – نفس الشيء – هذه موبوءة بأمراض فتاكة وخطيرة، ولا بُد من تنقيتها، ولا بُد من أسلمتها. أي حتى من دُعاة الأسلمة المُبكرين أبو الأعلى المودودي، قبل نقيب العطاس، في التاسع والستين، المودودي! 

وفي تلك الأيام سافرت إلى باكستان، أعتقد سنة ألف وتسعمائة وإحدى وستين، المُهتدية الأمريكية اليهودية مريم جميلة. مريم جميلة – رحمة الله عليها – أعتقد تُوفيت سنة ألفين وثنتي عشرة إلى رحمة الله. وهذه أيضا عندها كتاب عن الإسلام والحداثة، تصف العلم الغربي بالوثني؛ ال Pagan! تقول هذا علم وثني كافر، وعلم مُدنس.

شيء عجيب هذه النظريات وهذه التوصيفات يا جماعة الخير! فعلا، مثلما استاء محمد عبد السلام، هنيئا! هنيئا! هنيئا لأعداء الأمة بكل هذا التنفير لأمة الإسلام من العلم!

حتى لا أنسى على فكرة، خطر لي الآتي؛ لأن قد يسأل بعضكم، ويقول لي أنت ذكرت فلانا وعلانا وعلانا، لم تذكر هارون يحيى؛ عدنان أوكتار، الذي يقبع الآن في السجون!

بكل بساطة؛ لأن عدنان أوكتار، إذا أردت أن أموضعه، فسأقول؛ عدنان أوكتار رجل كان ثريا، كان مُثريا، من الأغنياء، أصحاب الملايين! وهناك فريق، لن أقول علمي؛ لأن أعمالهم ليست علمية، وليست نزيهة، لا تتسم بالقدر المطلوب من النزاهة العلمية، يكذبون على المراجع وعلى العلماء، ويجتزئون! 

والغريب أنهم أحيانا يقتبسون لك عالما مُلحدا، ويعرضونه على أنه يُدافع عن قضية الإيمان! شيء غريب! شيء غريب! يورطونك ورطة لعينة، إذا أخذت كلامهم مُسلّما وأتيت به! إياك أن تفعل هذا! والله سوف تتورط ورطة كبيرة! 

وليس من أقلها أيضا أطلس الخلق هذا! Atlas of Creation! في مُجلدين عظيمين، بصور مُلونة! هذا لو وُزع بثمن يستحقه، فلن يكون أقل من ثلاثمائة دولار أو يورو ثمنه! يُوزع مجانا! وُزعت ألوف النُسخ منه، على المدارس، في بريطانيا، وفي إيطاليا، وفي ألمانيا! مَن الذي يُمول؟ 

عجيب! ثم عدنان أوكتار هذا؛ هارون يحيى، حين افتُضح أمره، وفُتحت ملفاته، وعُرضت الأشياء، وضح أنه رجل غريب جدا جدا! ماذا أقول إذن؟ الآن السؤال؛ مَن الذي يقف خلفه؟ مَن الذي يدعمه؟ مَن الذي يحثه على أن ينشر هذه الطريقة؟ طريقة ماذا؟ دائما يستخفي وراء مُعاداة التطور، دائما! هو مشروعه الأساسي مُعاداة التطور. 

ولذلك لا يخلو من هذا كتاب من كُتبه! وربما أنافت على المئتين! كُتب كثيرة! تخيل! وكلها مثل كُتب شهود يهوه، والخلقويين الأمريكان، وهو مُتأثر بالمدرسة الخلقوية الأمريكية! صور جميلة وأشياء وكذا، ومطبوعة طباعة أنيقة جدا! وكلام إنشائي وصبياني! ولازم في أول كل كتاب أو في آخره فصل عن التطور، ودحض التطور، والجانب السيء للتطور، باستمرار، باستمرار! مشروعه الأصلي التطور! 

بالله، هل هذا الرجل قلبه على الإسلام فعلا، وقلبه على القرآن؟ لماذا لم يكن قلبه على نفسه، ولم يسلك سلوك الناس المُستقيمين؟ ما الذي تفعله يا رجل أنت؟ شيء مُخز! وكان عنده قنوات، تبث هذه الجلسات مع القطط هذه، على الناس! مشاهد مُبتذلة جنسيا! تبث ساعات طويلة للناس! ماذا تُريد؟ هل أنت فعلا داعية؟ داعية ماذا أنت؟ مَن الذي يقف خلفك؟ 

أغلب الظن، ولست من دُعاة ولا مروجي نظرية المؤامرة، أغلب الظن أن هناك قوى مُعينة، غير حسنة النية، هي التي دعمت ووقفت خلف هذا الرجل؛ لكي يؤرث ويُرسخ ويُعزز مُعاداة ورفض الأمة الإسلامية للتطور!

ونجح نجاحا رهيبا! حتى اضطر أمثال ريتشارد دوكينز Richard Dawkins أن يرد عليه بالاسم وأن يذكره! يقول هارون يحيى في أعماله كذا كذا! وأعمال – قال – مسخرة! مسخرة. قال! أي عالم أحيائي يقرأ في أطلس الخلق مُباشرة يُزيف لك المعلومات؛ كذب، كذب، كذب! كله كذب، وأنت تُصدق! يقول لك وجدنا هذا! للأسف! 

هذا على طريقة أيضا ذلك العالم العربي الكبير، الكبير في السن، والكبير في الهالة والشُهرة، الذي قال لنا انتبهوا يا مسلمون، لا يخدعنكم الغرب الماكر الخبيث هذا! في ماذا يخدعنا؟ قال لك هناك أحافير وهناك جماجم ضخمة، وهناك أحافير طويلة ورهيبة، يُمكن أن تصل إلى عشرة أمتار وكذا! 

مسكين، مسكين! صدق! هذا مِمَن يقرأ بعض الكُتب…لن أقول الأسماء، أنا لا أُحب أن أسيء إلى أي إنسان باسمه! كتب ذلك الباحث السوري، الذي كتب كُتبا في هذا الباب، ونشر! وآتاك طبعا – ما شاء الله – بجمجمة موضوعة على شاحنة كبيرة، أي هذه الجمجمة – ما شاء الله – يُمكن أن يختبئ فيها ثلاثة أو أربعة رجال!

كله كذب، وصور مُزيفة يا إخواني، كله كذب، يُقنعوننا به! هذا أستاذ دكتور! أستاذ دكتور، من أعلام الإعجاز العلمي، يُعزز الأكاذيب الصحافية اللعينة هذه، ويقول لكم انتبهوا! وأنا أدعو المسلمين، أدعو المسلمين أن يكون لهم علم حفريات خاص بهم، وأن يُمارسوا الحفر على الحفريات؛ لكي لا تضيع هذه الحفريات المُهمة! وما مُستندك الديني؟ لماذا أنت هكذا؟ 

قال لك لأن النبي قال خلق الله آدم على صورته، طوله في السماء ستون ذراعا. حديث آحاد تالف! هذا الحديث علميا لا يُمكن أن يصح، لا يُمكن أن يكون آدم طوله ستين ذراعا في السماء، وأن يرى ابنه الغراب، ويحفر في الأرض، ما رأيك؟ علميا! الذي درس ال Optics ودرس علم الأحياء يعرف هذا. اذهبوا وادرسوا العلوم، الرحمة لله، ارحمونا! ارحمونا من حالة الجهل التي نحن فيها! 

وبعد ذلك، بهذا الطول علميا لا يُمكن أن تحمله قدماه! لماذا؟ هناك قانون في علم الأحياء أيضا! قوانين هذه، معمول بها، ومعروفة. وإياك أن تُصدق الأفلام! كينغ كونغ King Kong هذا، وطوله طول العمارة هكذا وكذا، غلط! لا يحدث هذا! مُستحيل أن يكون كينغ كونغ King Kong بهذا الطول على قدمين، مُستحيل! علميا غلط! أي عالم أحياء يعرف ذلك. العلم يُزور كل هذا!

على فكرة، هذا موضوع ثان، يتعلق بالإعجاز أكثر، لكن تخيل أنت أستاذا دكتورا، وعالما كبيرا، ينشر معلومات صحافية كاذبة سخيفة! لو ذُكرت لطالب ثانوية هنا، ربما يُغرب في الضحك! يقول لك ما هذا؟ ما هذا؟ وهذا أستاذ دكتور فعلا؟ ويُدرّس العلوم في الجامعات؟ 

طبعا! من جنس الباكستانيين الذين صاروا بعد ذلك أساتذة ودكاترة، ولم ينجح أحدهم في امتحان عشوائيا من المفروض أن يأخذ فيه سبعة وستين في المئة! أحسن واحد فيهم حصل على تسعة وخمسين! كله رسب! 

نحن حالتنا سيئة جدا جدا، أُقسم بالله! الوضع العلمي عندنا سيء جدا! تعرفون لماذا؟ لأن إلى الآن فعلا واضح أننا لم نمتص العلم، لم نتمثل العلم! العلم ليس موجودا في حياتنا، ما رأيك؟ موجود ككلام هكذا، لا يزال! أما أنه علم حقيقي في حياتنا، فليس موجودا، إلى الآن! 

الأمة العربية والمسلمة بعيدة جدا عن ال Science/ ال Wissenschaft، لا تزال بعيدة جدا جدا! لذلك هي مُتخلفة، وستبقى مُتخلفة، إلى أن تُوطّن هذا العلم وتُبيّئه حقا، وتبدأ تُضيف إليه أيضا. غير هذا، لا يُوجد مجال، انس، انس! 

والله لا يعجل بعجلة أحدكم. والله لو ظللنا مئة ألف سنة مُتخلفين، الله لن يُنقذنا عز وجل؛ لأن الماء أمامنا! ورحم الله أبا الفرج بن الجوزي، الذي قال الله لا يستجيب لدعاء مَن عنده زوجه وهو لا يطؤها: اللهم ارزقني الولد، اللهم لا تجعلني فردا وأنت خير الوارثين. لا، ستظل فردا طيلة حياتك.

وقال – نفس الشيء – الله لن يُغيث بالسُقيا والمطر مُزارعا ليس بينه وبين أن يسقي شجره وزرعه إلا ضربة بالمسحاة. بالمجرفة، اضرب هكذا، وها هو النهر بجانبك! تعمل نُهيرا بسيطا جدا، يدخل، وينتهي الأمر. أعاننا الله على حالنا!

فنرجع إلى ما كنا فيه، فأوصوا بالجامعة، وأوصوا بجامعة أُخرى، وأوصوا أيضا بمعهد للفكر الإسلامي، يتبنى قضية أسلمة المعرفة، وفعلا برز عندنا المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الذي عنده الفرع الخاص به في الزمالك بالقاهرة.

وهذا طبعا أنتم تعرفونه، أي كان الرائد الأول لإسلامية المعرفة؛ الشهيد إسماعيل راجي الفاروقي، حامل ال Torch أو المشغل بعده كان مَن؟ الدكتور العراقي الأصولي الذي تخرج في الأزهر – رحمة الله عليه – طه جابر فياض العلَواني أو العلْواني. 

وهذا المعهد ملكية تامة لحميه، الذي هو أبي زوجه الدكتورة مُنى أبو الفضل، التي هي أستاذة علوم سياسية في جامعة القاهرة! هذه زوجة الدكتور العلواني! أبوها يملك المكان. 

أعطاه لهم، وقال لهم اشتغلوا فيه، وتوكلوا على الله، من غير جزية. وبدأوا يشتغلون هناك، وبعد ذلك عملوا الفرع الخاص بفرجينيا، المعهد العالمي للفكر الإسلامي! وبدأ يطبع، ويستفتي، ويستكتب: اكتب، اكتب! 

وكما قلت لكم تقريبا كل أعماله في العلوم الاجتماعية والإنسانية، لم يتكلموا في العلوم الطبيعية والكونية وكذا، أبدا! لم يقتربوا من هذا الشيء! عملوا مرة هكذا مؤتمرا بسيطا، على استحياء؛ لأنه لا يُوجد إلا هذا! وهذا أحسن قليلا! 

لكن نفس الشيء! يُلاحظ النقاد الآتي؛ ها هو من السابع والسبعين إلى الآن، أي حوالي أربعين سنة إلى الآن، وعندكم كتابات كثيرة! لا يُوجد إنجاز حقيقي، لم نر بوادر الآن نمو أي علم إنساني إسلامي، أبدا! 

لا علم الاجتماع، لا علم التاريخ، لا علم النفس، لا الأنثروبولجيا، بكل أقسامها طبعا، لا الاقتصاد! في السياسة إلى حد ما، لكن لا يُوجد أي أثر على الأرض أيضا! تنظيراتهم السياسية في الفكر السياسي والسياسة الشرعية والفكر السياسي الإسلامي! لا يُوجد أي تأثير على الأرض!

فهذا الذي حصل أيضا مع إسلامية المعرفة باختصار مُخل جدا جدا جدا، لم نر شيئا! على فكرة صار هناك انقلابات أيضا! فالدكتور نصر محمد عارف، كان من أكثر الشخصيات الواعدة الشابة، في مجال الفقه والفكر السياسي الإسلامي، وأسلمة الفكر السياسي، وكتب أطروحته للدكتوراة، وكتب كُتبا أُخرى، وتكلم عن الأعمال السياسية الإسلامية إلى القرن الثالث الهجري! وأعمال جادة، وكانت واعدة! 

الآن اذهب واسأل عن نصر محمد عارف، وانظر إلى طريقته الآن! نفس الشيء؛ طلع له ريش، وحلق بعيدا عن كل هذه اليوتوبيا الإسلامية. قال لك هذا كله كلام لا يشتغل. أطروحاته تختلف تماما! نقده لكل مَن حكم باسم الإسلام، سواء البشير، أردوغان، كذا! نقد لاذع وفي الصميم! نصر محمد عارف! وهذا أحد أبنائهم، مثل فولتير Voltaire في المؤسسة اليسوعية، وطلع عليهم! هذا طلع عليهم أيضا، وكان من أكثر الشخصيات الواعدة! 

الأمور اختلفت يا جماعة، ليس هكذا! هناك خلل مُعين كما قلنا، هناك قصور، هناك مُبالغة في شيء وتبخيس لشيء آخر! واضح أن الصورة ليست مُعتدلة، الصورة ليست مُتوازنة. أتينا الأمر بطريقة غير مُناسبة، لذلك لم يشتغل معنا إلى اليوم! ورأينا الثلاثة المدارس، لم تشتغل!

وعلى فكرة الآن تقريبا كل شيء خبا! لا يُوجد اهتمام حقيقي. ستقول لي والإعجازيون؟ الإعجاز العلمي في القرآن والسُنة؟ هذا – إن شاء الله – سيكون موضوع الحلقة القادمة. لم تكن الأخيرة هذه، للأسف الشديد! الوقت يطير طيرانا هكذا!

في الحلقة المُقبلة – إن شاء الله – سأتكلم عن المدرسة الإعجازية، وما علاقة الإعجازيين بمدرسة إسلامية المعرفة! وبعون الله تعالى على الأرجح ستكون الحلقة النهائية؛ لأن لم يبق شيء، انتهينا من الأشياء الأساسية! فنتكلم عن الإعجازيين، وربما بعض المُقترحات السريعة، ونختم السلسلة.

أستودعكم الله، الذي لا تضيع ودائعه.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: