أكاذيب الصراع – العلم والدين – الحلقة 4

video

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.

نستكمل، إخوتي وأخواتي، في هذه الحلقة الحديث عن النموذج الأول من النماذج التي جرى توصيف العلاقة بين العلم والدين بها ووفقا لها، وهو نموذج الصراع.

توقفنا في الحلقة السابقة عند الحديث عن أسطورة الأرض الكروية، التي تواطأت الكنيسة ورهبانها وباباواتها على كتمها، حتى اكتشفها علماء عصر النهضة ومُغامرو ذلك العصر وما تلاه! وقلنا هذه أسطورة.

قبل أن أستتلي في الحديث، خطر لي فقط أن أذكر هذه المُلاحظة؛ نموذج الصراع سوف يزداد تظهرا وتبلورا بالكلام عن النموذجين أو النماذج الثلاثة الأُخرى، وخاصة نموذج الانفصال. 

كل شواهد نموذج الانفصال التاريخية والواقعية، ستكون شواهد ضد نموذج الصراع. كل شواهد نموذج التكامل والتعاون والهارموني Harmony، ستكون شواهد ضد ماذا؟ نموذج الصراع. واضح؟ 

لذلك يُمكن حتى بطريقة ما أن يكون الكلام في هذا النموذج أقل وأقصر منه في النموذجين أو النماذج الثلاثة المُتبقية.

نعود إلى قضية أسطورة الأرض هذه الكروية أو المسطحة، وذكرنا أنه قبل ألف وثمانمائة وثمانين تقريبا قل أن تقع على هذه الأكذوبة في الكتب المدرسية، بعد ألف وثمانمائة وثمانين قل أن يخلو منها كتاب مدرسي. 

طبعا هناك كتابان رئيسان ذكرتهما أنا في الحلقة أو الحلقات السابقة، نستطيع أن نقول إنهما المانيفستو Manifesto لنموذج الصراع. وهما: 

كتاب جون وليام دريبر John William Draper تاريخ الصراع بين العلم والدين، ألفه تقريبا – إن لم تخني الذاكرة – ألف وثمانمائة وأربع وسبعين. 

بعده بنحو ثنتين وعشرين سنة؛ ألف وثمانمائة وست وتسعين، كتاب تاريخ الحرب – أي ال Warfare – بين اللاهوت والعلم في العالم المسيحي – أي Christendom، كما نقول في المملكة المسيحية، في عالم المسيحية! Christendom -، للعالم الذي كان أول رئيس لجامعة كورنيل Cornell، ويُقال هو الذي أسسها، كما ذكرت أيضا في حلقة سابقة، وهو أندرو ديكسون وايت Andrew Dickson White.

هذان الكتابان استمدا من هذه الأسطورة أو الأزعومة الكاذبة مددا كبيرا، أقاما عليه بناء هائلا، لتثبيت نموذج الصراع. والذي يؤسف له أن أندرو ديكسون وايت Andrew Dickson White لم يكن رجلا مُلحدا أو حتى لاأدريا، بل كان مُتدينا، وكان عميق الإيمان بالله، وكان يهمه كثيرا أن ينصر قضية الدين، تخيلوا! أول رئيس لجامعة كورنيل Cornell. 

البلاء دائما، كما لاحظ فيما بعد ستيفن جاي غولد Stephen Jay Gould، يكون من داخل الميدان. أي بلاء العلم من العلماء، بلاء الدين بالذات من المُتدينين، من رجال الدين، المُتزمتين المُتطرفين، الذين قد يُبدون، يُبدون ويُعطون أولوية، لمصالحهم، من نوع أو آخر! على ماذا؟ على مصلحة الدين نفسه! وإلا السيد وايت White لم يكن عدوا للدين. 

عنده كتاب قام به بالاشتراك مع كورنيل Cornell، وذكر وقال قمنا بهذا العمل برجاء أن نخدم الحقائق الروحية والدينية! ولكن العقبات دائما كان تأتينا من حقل الدين! من علماء الدين! المُشكلة أتت حين أسس هو ورأس هذه الجامعة؛ جامعة كورنيل Cornell، شهيرة! إلى الآن عريقة جدا!

فريمان دايسون Freeman Dyson؛ دايسون Dyson حين قرر أن يترك بريطانيا – وهو بريطاني طبعا، British -، كان يُحب أن يذهب إلى روسيا، تداعت الأحداث في الحرب، فطبعا انتهى الأمر، أُغلق باب روسيا، ولم تعد تستقبل، فقال نذهب إلى أمريكا. إلى أين؟ نُصح بأن يذهب إلى جامعة كورنيل Cornell. أول خُطوة له في العالم الجديد، كانت في جامعة كورنيل Cornell!

المُهم، فحين رأس هذه الجامعة وأسسها لأول مرة، أراد أن تكون جامعة علمانية. ما معنى جامعة علمانية؟ أي لا تتدخل في نُصرة الدين على العلم، أو نُصرة مذهب أو طائفة دينية على حساب مذهب أو طائفة أُخرى. قال لك لا، فقط نحن نبث العلم والفكر، ولسنا ضد الدين، ولكن لا نُريد أن نظهر بصبغة دينية. فتصدى له رجال الدين.

المُشكلة، كما ربما سأتلو عليكم في هذه الحلقة أو في هذه الحصة، أن الموقف الديني في اليو إس أيه USA بالذات غير الموقف الديني في أوروبا. الموقف الديني في أوروبا بشكل عام أكثر تماسكا، أقل اختلافا، أقل تشتتا. 

البروتستانتية الأمريكية مُتنوعة جدا جدا، بشكل مُحير ومُذهل ومُتعب! ولذلك الموقف هناك ليس موقفا مُتماسكا، فضلا عن أن يكون مُوحدا، أو يُمكن حتى تقصيه بسهولة، أي شيء مُتعب تماما للأسف الشديد! 

ولذلك تصدى له هؤلاء واتهموه، اتهموه بأنه بمشروعه هذا والعاملين معه في هذا المشروع؛ جامعة كورنيل Cornell، إنما يُريدون خدمة الشيطان! أن يُقدموا خدمة مجانية للشيطان على حساب الدين وحقائقه! هذا ذكّرني بأحد الباحثين الكبار، حين أعاد قراءة مشروع فرانسيس بيكون Francis Bacon!

بيكون Bacon على المُستوى الشخصي لم يكن شخصا نبيلا، كان شخصا انتهازيا وحقيرا أخلاقيا، لكنه لم يكن أيضا ضد الدين، كان يُقدس العلم ويحترم العلم والفلسفة العلمية التي هو وضع أُسسا كثيرة فيها! ولكنه أيضا كان مع قضية الإيمان وقضية الدين.

وصفه هذا الباحث الكبير بأن مُجمل مشروعه ومُهمته؛ مُهمة ومشروع – أي ال Enterprise وال Mission الخاص بفرانسيس بيكون Francis Bacon -، هو أن يُثبت – هكذا قال – أن العلم ليس شيطانيا – مفستوفيليسيا -! ليس يُنسب إلى الشيطان! بالعكس، العلم رحماني، العلم ديني. 

وعنده قضية مفهوم الكتابين، كما قلت لكم، وهو سابق، أي بقليل، على غاليليو Galileo، فلعل غاليليو Galileo، كما أشرت أيضا في حلقة سابقة، أخذ مفهوم الكتابين من فرانسيس بيكون Francis Bacon.

نعود إلى ما كنا فيه، الذي حصل أن السيد وايت White للأسف الشديد كردة فعل أيضا، كردة فعل! واصل في طريقه، واصل في طريقه لكن بلا شك شاعرا بالمرارة، فضمر كتابه الضخم في جُزئين كبيرين وقائع كثيرة تُحاول أن تُقنعك أن العلاقة في عمومها، في التاريخ الحديث هذا، من عصر النهضة، بين العلم والكنيسة، أو بين العلم واللاهوت، هي علاقة ماذا؟ علاقة مُتوترة، وعلاقة عراكية وصدامية وصراعية. 

وهذا الكلام في مُجمله ليس صحيحا، في مُجمله ليس صحيحا! فضلا عن أن بعض تفاصيله مأفوكة ومزعومة، أو تم التلاعب بها بطريقة الكركتة! بالطريقة التي سميتها في الحلقة السابقة الكركتة؛ تصوير الأمور كاريكاتيريا. الأمر ليس كذلك، لا بُد أن نأخذه بدقة شديدة.

للأسف في الجانب المُقابل؛ جون وليام دريبر John William Draper، لم يكن ذلك الرجل الذي يتمتع بحُسن التأتي. حُسن التأتي كان لدى السيد وايت White، لا! جون دريبر John Draper عراكي صدامي، كلماته حربية! 

كلماته حربية وكتابه كان له تأثير نافذ وكبير جدا، طُبع أكثر من خمسين طبعة، تخيل! وتُرجم إلى مُعظم لُغات العالم، حتى أنه أثر في كمال أتاتورك Kemal Ataturk.

أحد مصادر تأثر أتاتورك Ataturk ووقوفه الوقفة الصراعية الصدامية مع الدين وتنحية الدين لصالح الحداثة والعلم كتاب جون وليام دريبر John William Draper للأسف الشديد الذي تُرجم إلى التركية، الذي تُرجم إلى التركية من بين عشرات اللُغات التي تُرجم إليها.

فما هي قصة الأرض المُسطحة والأرض الكروية؟ باختصار؛ حتى لا نُطوّل، وكما قلت لكم هناك كتاب كامل عن هذه القضية، للمؤرخ راسل Russell! القضية باختصار أن الذين شكلوا الرأي العام، في العصور الوسطى، إلى مطلع عصر النهضة، في السياق الديني – الذين شكلوا الرأي العام، أي الرأي السائد، أو ال Mainstream؛ التيار السائد -، لم يكونوا ضدا على فكرة الأرض الكروية، هذه أكذوبة! بل كانوا مؤيديها، وهم الذين شايعوها وعززوها، ما رأيك؟  

أكبر رمز من رموزهم على الإطلاق مَن هو؟ توماس أكويناس Thomas Aquinas! توماس الأكويني Thomas Aquinas. توماس الأكويني Thomas Aquinas كان مع كروية الأرض، وبشكل واضح، ويستدل لها. روجر بيكون Roger Bacon، الراهب الكبير أيضا، والعالم التجريبي، كان مع كروية الأرض. 

قبلهما المُبجل بيد Bede، تُكتب بيد Bede. بيد Bede كان مع كروية الأرض، ووصفها بأنها كرة في قلب العالم، أي الكون، هكذا! وهؤلاء ليسوا أشخاصا مُكثري أساطير، أو حادثي أو مُحدثي مُشاغبات، هؤلاء الذين شكلوا عمود الفكر المدرسي بالذات، خاصة توما Thomas وروجر Roger، وكانوا مع كروية الأرض.

الآن لا بُد من الشياطين؛ لكي ننسب إليها الشرور. إذن مَن هم الكنسيون الكبار، الذين قالوا بأنها ليست كروية، ومُسطحة؟ كم؟ اثنان، لا يكادان يُعرفان! وأحدهما أعرف من الآخر! أما الثاني، فهو شبه مجهول تماما، اسمه كوسماس Cosmas! 

شخص اسمه كوسماس Cosmas، ليس معروفا بالضبط ما هو هذا، ما أهميته اللاهوتية وكذا، أبدا! وعنده كتاب سخيف اسمه ال Christian Topography؛ الطوبوغرافيا المسيحية. قال لك هذا أنكر! نعم، أنكر، هذا لا وزن له. هل يُمكن أن تضع أنت توماس الأكويني Thomas Aquinas في كفة، وتضع كوسماس Cosmas هذا في كفة أُخرى؟ هذا لعب! كذب على التاريخ! 

الآخر أعرف منه، لكنه قديم جدا، في بدايات القرن الثالث الميلادي وفاته، تقريبا ثلاثمائة وخمس وعشرين أو أربع وعشرين؛ لاكتانتيوس Lactantius، من آباء الكنيسة – أي Father of church، هو كان من آباء الكنيسة -. لاكتانتيوس Lactantius هذا كان يرى أن الأرض ليست كروية.

فقط لديك حالة وعُشر حالة؛ لاكتانتيوس Lactantius مشهور إلى حد ما، أي ليس كبيرا، ليس من الآباء العظام، وأنكر. وهذا يقع، يُمكن أن تجد واحدا اليوم محسوبا على العلم ويُنكر، يقع! وبعد ذلك كوسماس Cosmas هذا، المجهول تقريبا بشكل تام. في مُقابل الذين شكلوا الخط العام!

لماذا هذا التحيز وهذا الكذب على التاريخ إذن؟ لصالح ماذا؟ لصالح إنعاش نموذج، لو تُرك وحده، لن ينتعش، ولن يزدهر. للأسف يبدو أيضا أن هناك مواقف شخصية وتصفية حسابات مع اللاهوت ورجال الكنيسة، كالذي حصل مع السيد وايت White؛ أندرو ديكسون وايت Andrew Dickson White، عنده موقف مسكين!

ثانيا ما قضية كريستوفر كولومبوس Christopher Columbus وسلامنكا وكذا؟ هذه القضية مُخزية لهم أكثر! في الحقيقة حين تُراجع الملفات، والمؤرخون فعلوا هذا، تجد أن كريستوفر كولومبوس Christopher Columbus لم يكن شهيدا للتزمت الديني، وتم قمعه بأي طريقة، وأن مدار الخلاف بينه وبين اللاهوتيين الكهنوتيين كان على كروية الأرض، بالمرة! هذا الكلام غير صحيح.  

الصادم أن إيزابيلا Isabella – تعرفون فرناندو Ferdinand وإيزابيلا Isabella – هي التي وكلت أمر مُباحثة كولومبوس Columbus للجنة من الرهبان والأساقفة – ال Bishops الكبار هؤلاء -. 

كانت بعض الوقائع، أي تمت بعض الوقائع، في سلامنكا، وبعضها في مكان آخر غير سلامنكا، لكن أصبح اسما أيقونيا؛ في سلامنكا، مأساة كولومبوس Columbus في سلامنكا، قصة! يُريدون قصة؛ لكي يوزعوها، ويبيعوها على الناس! لكي يبيعوها على الناس! قصة! صارت قصة! قصة سلامنكا!

في الحقيقة كل المحاضر تُثبت أن الخلاف لم يكن حول كروية الأرض، بل لم يكن لأي راهب أو أسقف أو رجل دين منهم شك في أن الأرض كروية. لا كولومبوس Columbus أنكر الكروية طبعا – طبعا هو لم يُنكرها -، ولا هم أنكروها، ولم تكن كروية الأرض مسألة مُباحثة أصلا، ما رأيكم؟ لم يحدث!

إذن في ماذا باحثوه؟ وهم طبعا لم يُفتشوا عليه، ليس تفتيشا أبدا! كانت مُناقشات علمية، وتمويلية، من أجل الأموال، هو يُريد أن يذهب ويصل إلى جُزر الهند، إلى القارة أو شبه القارة الهندية، لأول مرة في تاريخه، من إسبانيا! 

الرجل قام بتزوير معلومات! كريستوفر كولومبوس Christopher Columbus كذاب مزور! قام بتزوير معلومات، جعل المسافة من حيث ينطلق إلى جُزر الهند أقل مما هي عليه! 

العجيب أن رجال الدين الذين ناقشوه في سلامنكا وغيرها، وبحساباتهم العلمية – علمية مُحترمة – المُعتمدة على أن الأرض كروية، يعرفون هذا! ويعرفون قياس مُحيطها بالتقريب، الذي هو اثنان باي π، مضروبة في Radius؛ نصف القُطر! اثنان ط، مضروبة في نصف القُطر! يعرفون المُحيط، يعرفون مُحيط الأرض! 

قالوا له علميا وبالحسابات المسافة أبعد مما تُصورها بكثير. واكتُشف تزييفه، ولم يُحاسب! مولت الرحلة، ولكن قالوا له بهذه الطريقة نحن نُرجح أنك لن تبلغ جُزر الهند. بالتمويل معك وما إلى ذلك، لكن هذا غلط!

هذه القضية كلها! حولوها قضية كروية وبساطة، وكله كذب! أسطورة مكذوبة، أُلفت؛ لأنهم يُريدون أن يُنعشوا هذا النموذج، بمزيد من ماذا؟ من الحالات الدرامية! كولومبوس Columbus في سلامنكا! ليس لها أي علاقة. وعلى فكرة هذا ظل يُمارس إلى يوم الناس هذا. 

الآن ربما يكون مُناسبا أن أعرض لكم وقائع المُحاكمات الباحثة في دستورية ولا دستورية القوانين المُتعلقة بتدريس التطور وتدريس الخلقوية، في الولايات الأمريكية المُختلفة، في القرن العشرين. 

وترى أن اللعب كان يتم بنفس الطريقة تقريبا؛ خلق شهداء وضحايا إزاء مُجرمين مُتزمتين! كله بتزوير التاريخ، والكذب على التاريخ. 

قبل أن أذكر هذه الحالات، كما قلت لكم، أُريد أن أُعيد مرة أُخرى؛ هذه الحالات سياقها الحقيقي كان ماذا؟ العالم الجديد، اليو إس ايه USA! ليس أوروبا. 

أوروبا لم تشهد مثل هذه المعارك القضائية حول الموضوع، لماذا؟ لأن موقف الكنيسة الكاثوليكية عموما أكثر تماسكا، وأكثر ليونة، من موقف الجماعات الأقلوية، القليلة! كانت قليلة على فكرة. 

ستقول لي عجيب! قليلة. أمريكا فيها أكبر نسبة أصوليين في العالم، إلى الآن! مع هذه النسبة، عدد الذين يُعارضون التطور من رجال الدين والمُعتمدين أقل بكثير من الذين يؤيدونه. المؤيدون أكثر، غريب! هذا لا يُقال لنا. هذه حقائق كلها، هذه كلها حقائق.

العجيب أن أيضا البروتستانت – هم بروتستانت، ليسوا كاثوليكا – الذين يُعارضون التطور وتدريس التطور في اليو إس أيه USA، ويُشعلون معركة الصراع بين العلم والدين، هؤلاء من الولايات الجنوبية، وليسوا من المدن، من الأرياف والقرى، البعيدة عن التحديث، والبعيدة عن نبض الحضارة، واضح؟ 

ومعروفة الولايات الجنوبية، مُتزمتة، دائما! دائما تأخذ الموقف المُتطرف، حتى في تحرير البعيد، ومُشكلة لينكون Lincoln معهم وقصة الولايات الشمالية معروفة! هم مع العبيد، وليسوا مع تحرير العبيد، دائما! ومع التفسير الحرفي – ال Literally – للكتاب المُقدس! مع أن الكاثوليك من فترة طويلة تخلو في الإجمال والعموم عن التفسير الحرفي للكتاب المُقدس. 

يهود العالم، خاصة العالم الجديد، خاصة حتى الأرثوذوكس منهم، الأرثوذوكس! ليسوا مع التفسير الحرفي، بل يُحبذون دائما التفسير الرمزي والتفسير الروحاني للنص المُقدس. إلا هؤلاء القلة!

فالآن سنحكي لكم بعض الوقائع سريعا، حتى تُلموا بها؛ لأنه لا يُوجد كتاب يتحدث عن الصراع، إلا يتحدث عن هذا. على فكرة إذا ذُكر الصراع بين العلم والدين في القرن العشرين، يوشك أن يكون فقط ملف ماذا؟ التطور، والخلقوية – ال Evolution، وال Creationism؛ مذهب الخلقوية -، فقط! هذا هو! هذا الصراع بين العلم والدين في القرن العشرين، وخاصة في العالم الجديد، في اليو إس أيه USA، هذه القضية كلها! لم تعد هناك معركة حقيقية حول كروية الأرض، وحول كوبرنيكوس Copernicus، لم تعد! فقط في هذا الملف بالذات.

الذي حصل أن الذين عارضوا التطور من الولايات الجنوبية، في الأرياف والقرى – من هؤلاء المُهمشين، الأقليات الدينية -، فعلوا ذلك فور وصول أفكار داروين Darwin إلى العالم الجديد، وطبعا شايعهم بعض العلماء الذين كان عندهم رأي مُختلف، مثل لوي أغاسي Louis Agassiz، العرب يقولون أغاسيز Agassiz! لأنه فرنسي، سويسري فرنسي، أغاسي من غير الزاي هذه. 

لوي أغاسي Louis Agassiz عالم كبير وجهبذ، لكنه كان مُعارضا للتطور على طول الخط، عارضه واتهمه، والعجيب أيضا أنه كان في الوقت نفسه مؤيدا للأصول المُتعددة للبشر! أن البشر ليسوا من آدم وحواء فقط، بل من أوادم وحواوات آخرين كثيرين – حلو! حلو الجمع هذا؛ حواوات -، أوادم وحواوات آخرين وأُخريات كثيرين وكثيرات. 

واستعُملت أفكار لوي أغاسي Louis Agassiz في دعم العنصرية، وخاصة في الولايات الجنوبية، ضد الأقليات، وضد ال Natives هؤلاء، الهنود! وضد السود، للأسف الشديد! هذا كان مُعارضا. 

موجود! لكن هناك علماء كبار، أكبر منه، أي وأكثر رصانة، مثل آزا غراي Asa Gray، عالم النبات – ال Botanist هذا – الشهير جدا، الأمريكي، وهناك مُراسالاته الرائعة، التي سنذكرها، أكيد، إذا تكلمنا عن طريقة داروين Darwin وموقف داروين Darwin من الإيمان ومن الإلحاد. لا بُد أن نقتبس شيئا من مُراسلات داروين Darwin مع آزا غراي Asa Gray بالذات! 

وكان في رُتبة أستاذ لداروين Darwin في علم النبات، أي يصلح أن يكون أستاذا له، لكن الرجل قبل التطور بآلية الانتخاب الطبيعي، التي حتى لم يقبلها بعض كبار مؤيدي داروين Darwin في تلك الحقبة في بريطانيا، قبله ولكن كان يرى أنه ضمن خُطة الله التصميمية الكبيرة الرائعة. 

داروين Darwin قبل هذا المُخطط أيضا الفكري، قال لك نعم، أقبل، وعقلي لا يستطيع أن يقبل أن كل ما يحدث من هذه الروعة والتنويع وما إلى ذلك، على أنه من عمل صدفة محضة. 

وذكر هو طبعا ال Chance، التي فسرها غولد Gould وغيره، بأنها بمعنى الإمكان! Contingency، وليس بمعنى العبثي، وال Arbitrary، لا! هذه قضية المُصطلحات الصعبة على فكرة! تحتاج إلى المُتخصصين طبعا، الذين قرأوا كل هذه الأدبيات بدقة شديدة. لذلك التساهل في التعاطي معها مُقلق، واحذر مما تظن أنك تعرفه جيدا! احذر! قد لا تكون تعرف فيه الكثير.

فنعود، فهؤلاء من تلك الحقبة مُعارضون. ما الذي حصل؟ استطاعوا أن يتحصلوا في مدينة دايتون، في ولاية تينيسي، على الآتي؛

المدينة اسمها دايتون، مدينة صغيرة، تقريبا لا أحد يسمع بها في العالم الجديد، مدينة صغيرة مُتواضعة ناعسة نائمة، في ولاية تينيسي! مشهورة الولاية إلى حد ما. تحصلوا على قانون يحظر تدريس التطور، ويعده جريمة يُعاقب عليها. تمام؟ 

ما الذي حصل؟ طبعا تسمعون أنتم كثيرا بمُحاكمة القرد؛ Monkey trial، أي محاكمة السعدان، Monkey معناها سعدان بالضبط. مُحاكمة السعدان أو القرد، التي هي اسمها ماذا؟ Scopes trial؛ مُحاكمة سكوبس Scopes. مَن سكوبس Scopes هذا؟ شخص اسمه جون سكوبس John Scopes، شخص مُدرس للرياضة البدنية وللفيزياء.

حدث في مدينة دايتون أن مُدرس الأحياء – الذي كان يُدرس الأحياء – غاب! وكان شخصا مُتدينا، يقرأ الكتاب المُقدس قراءة أيضا حرفية. ولذلك كان يُسقط الصفحات التي حتى لم تُوف على العشرين – لم تُكمل عشرين صفحة، تسع عشرة صفحة – في كتاب ألفه واحد اسمه جورج هنتر George Hunter؛ عالم أحياء، اسمه ال A Civic Biology، أي علم الأحياء المدني، A Civic Biology. كان لا يُدرسها؛ لأنه يرى أنها تتعارض مع الدين. والقانون طبعا يمنع تدريسها، تحت طائلة الغرامة والعقاب. 

غاب، تمرض هذا، مرض – على قولة الإخوة العراقيين! يقولون لك تمرض -. مرض المدرس الرسمي لمادة الأحياء، فأُنيب عنه مَن؟ أستاذ الفيزياء والرياضة البدنية، وكان شابا مُتفتح الأفكار! علمانيا، ليبراليا، مُتفتحا! اسمه جون سكوبس John Scopes. جاء، رأى، فنصح وأرشد الطلاب إلى أنه يستحسن أن يدرسوا ويُدرّسهم الصفحات هذه القليلة عن التطور؛ لكي يأخذوا فكرة عنه. 

واضح أنه كان يعتقد بالتطور، يُصدق من ناحية علمية، قال لك هذه نظرية علمية مُحترمة، لماذا لا نُدرّسها إذن؟ جماعة من الأهالي غضبوا، الأطفال طبعا بلغوا، التلاميذ بلغوا أهلهم، غضبوا جدا، رفعوا دعوى قضائية ضده. 

الآن – سُبحان الله – المدينة الناعسة؛ دايتون هذه الصغيرة، التي لا أحد يسمع بها، أصبحت الشغل الشاغل لوسائل الإعلام والصحافة في كامل الاتحاد! الكل يسمع عن دايتون، دايتون! وحين تقرأ عنها، تجد قصة كبيرة! قال لك والبائعون في الشوارع، والناس تنام في الشوارع، والمُنتديات امتلأت، والهوتيلات Hotels، والناس تُضيف بعضها البعض؛ تعال، نم عندي! من كل أمريكا! أشهر مُحاكمة تم فيها مُحاكمة التطور؛ Scopes trial هذه، كانت الأولى! قصة كبيرة!

وطبعا هناك المسرحية التي ذكرتها لكم في السادس والستين تقريبا، في مُنتصف العقد السابع من القرن المُنصرم، التي هي ماذا؟ رث الريح! أي خذ من الريح إرثا؛ Inherit the Wind. 

Inherit the Wind مسرحية مشهورة جدا جدا، ومُثلت؛ مُثلت على المسرح، ومُثلت فيلما رائعا، موجود! أسود وأبيض. نفس الشيء! هذه المسرحية اشتغلت طبعا، وأدخلت الأكاذيب. حين تُشاهد الفيلم أنت، سترى كيف سُجن! تم سجن جون سكوبس John Scopes! لم يُسجن ولا لحظة! لم يُوضع جون سكوبس John Scopes ولا لحظة خلف القضبان. جعلته شهيدا كبيرا، أي يُريدون أن يجعلوه شهيدا. فكذب هذا! 

وطبعا هذه المسرحية حين كُتبت، كاتباها كان لديهم ميول ليبرالية تحررية، والفترة التي كُتبت فيها، عانت أمريكا فيها من المكارثية. لا أُريد أن أُطول، أكيد كلكم سمعتم بالمكارثية! التي هي نسبة إلى عضو الكونجرس Congress الأمريكي الشهير جوزيف مكارثي Joseph McCarthy. 

مكارثي McCarthy؛ هذا الرجل كان مهووسا بمُحاربة الشيوعية، وبدأ مشروعا! ضروري أن نُلاحق الشيوعيين، عملاء الاتحاد السوفيتي! ضد قيمنا، ضد الحرية، ضد كذا! 

صحيح! أُيد في البداية، ودعمه الكونجرس Congress والصحافة والناس، إلا أن الرجل ركبه جنون وهوس، Obsession هكذا! هوس قهري رهيب، لم يترك أحدا من شره! ألوف الناس تم اتهامها، فقدت وظائفها، أدخلهم السجن. 

العجيب أن ألبرت أينشتاين Albert Einstein كان أحد مَن وجهت إليه التُهمة! أنه قد يكون مُتخابرا مع السوفيت! العميل هذا، الألماني الملعون اليهودي! شيء عجيب! الرجل مُرعب، مُرعب! المكارثية تاريخ!

إلى أن تنبه بعض الصحفيين من ذوي الضمائر اليقظة إلى أن الرجل جُن. هذا جنون، هذا اسمه! هذا هو حقيقة! وبدأ الأمر. كان مُتجرئا، لا أحد يستطيع أن…أي ماذا أقول لك؟ يغمز قناة جوزيف مكارثي Joseph McCarthy بكلمة! يدخل السجن مُباشرة، بتُهمة ماذا؟ عميل للشيوعية! ويفقد عمله. 

لا، هناك صحفيون شجعان بدأوا، واتسعت الدائرة، حتى كُشف كل هذا العبث، وانتهت – الحمد لله – المكارثية، لكن تركت آثارا غائرة جدا جدا في الوجدان الأمريكي.

اللذان – هما اثنان – وضعا مسرحية Inherit the Wind؛ خُذ إرثا من الريح، نعم، كان في خلفياتهم كل هذه المُعاناة، فأرادا أن ينتصرا لقيم ماذا؟ الحرية والليبرالية! ومن حق الناس يا أخي أن تُدرّس ما تُريد وأن تقول ما تُريد، يخضع الموضوع – أكثر شيء – للنقاش، لكن لا للمُحاكمات وما إلى ذلك! لكن شوهوا وقائع مُحاكمة جون سكوبس John Scopes! هذا لكي نعرف ما وقع.

المُحاكمة تمت طبعا سنة ألف وتسعمائة وخمس وعشرين، كما قلت لكم لن تقرأ أي كتاب عن التطور أو التصميم الذكي أو الخلقية، إلا ويأتون فيه بمُحاكمة سكوبس Scopes، ومُحاكمات أُخرى كثيرة. أنا سأذكر أربعا، أشهر أربع منها، والبقية على الجرار! 

المُهم، فما الذي حصل؟ كان هناك رجل سياسي أمريكي ومُثقف ومُتدين، حتى أن هذا الشخص رُشح لرئاسة الاتحاد في أواخر القرن التاسع عشر، وعُمره خمس وثلاثون سنة، أي جاوز السن القانوني بسنة واحدة. 

عندهم ممنوع أن تكون رئيسا وأنت أقل من أربع وثلاثين، في أمريكا! هو خمس وثلاثون، أصغر مُرشح في تاريخ الاتحاد! اسمه ماذا؟ اسمه ويليام جيننغز بريان William Jennings Bryan. مشهور!

سُبحان الله! هذا الرجل ليبرالي وديمقراطي، ألقى بثقله كله في ملف مُعاداة التطور! لماذا؟ هذا موضوع آخر. مَن يُحب أن يتوسع فيه، فليعد إلى ستيفن جاي غولد Stephen Jay Gould، كتب فصلا كاملا عن خلفيات الرجل وكيف تنقل ولماذا تدهور الوضع به إلى هذه الدرجة، وعادى العلم في شكل طبعا التطور فقط!

هناك مُبررات معقولة جدا جدا، هذا ليس من شأننا الآن! لا أُريد أن أُطوّل بذكرها. وكان خطيبا مُفوها ومحبوبا من الشعب الأمريكي، وناشطا سياسيا كبيرا وخطيرا، رُشح ثلاث مرات للرئاسة على فكرة، ثلاث مرات! الأولى كان في الخامسة والثلاثين.

جاء! في المُقابل هناك كلارنس دارو Clarence Darrow، هذا مُحام أيضا مُفوه وخطيب ورجل شاطر وذكي جدا جدا! هو الذي ترافع مجانيا عن مَن؟ عن جون سكوبس John Scopes. قال له أنا أترافع عنك، سأُعلمهم الأدب، وأُريهم أين الصواب. وطبعا رهيب! حين تقرأ حتى خطاباته، تعرف هذا! 

الخطاب الختامي فيه شيء مؤثر جدا جدا! وأُحوصله بجُملة واحدة؛ قال لهم إذا بقينا هكذا نتدحرج في مُصادرة الحريات، فاليوم سنُتابع معلما، غدا سنُتابع تلميذا، بعد غد سنُتابع صحفيا، بعد ذلك سنُتابع كاتبا، ثم سنُتابع مؤسسات! 

وسنصل في النهاية إلى أن نمشي في الشوارع بالمئات والألوف، نحمل المشاعل لحرق المُخالفين! سنكون قد انتكسنا خمسمائة سنة إلى الوراء! استيقظوا – قال لهم -، هذه الطريقة لا تنفع. دارو Darrow! اسمه كلارنس دارو Clarence Darrow، مؤثر جدا! 

أي عندك شخصيتان هائلتان: بريان Bryan هذا، ودارو Darrow. واحد ضد الآخر، يترافعان! المُشكلة ما هي طبعا؟ ستقول لي ما النتيجة؟ حكمت المحكمة بإدانة جون سكوبس John Scopes، وتغريمه مئة دولار! الآن كل من الفريقين يرى أن المُحاكمة نصر له؛ مؤيدو التطور قالوا لك نصر لنا. مؤيدو اللاهوت الحرفي، وأعداء التطور، قالوا لك نصر لنا. 

أعداء التطور معروف لماذا هي نصر لهم، لكن كيف هي نصر لمؤيدي التطور؟ نعم؛ لأن بعد ذلك تم نقض هذا الحُكم، تم نقض هذا الحُكم وإبطاله! نعم، لو كان تم نقض وإبطال هذا الحُكم على أساس لا دستورية القانون، الذي يحظر تدريس التطور، لعُد ذلك ماذا؟ نصرا للتطوريين! لكن ليس كذلك، هو ليس نصرا للتطوريين. 

في الحقيقة أُبطل الحُكم، وطُعن فيه وأُبطل، تعرف لماذا؟ لخطأ فني، تسبب فيه نسيان القاضي! وذلك أن القانون، مع أنه يُجرّم تدريس التطور، ويُعاقب عليه بمئة دولار، أي مَن يُدرّسه – طبعا مئة دولار في تلك الأيام، تقدر على أن تقول مثل الآن تقريبا أربعة آلاف دولار، على الأقل الدولار انخفضت قيمته خمسا وثلاثبن مرة، كما ذكرت في خُطبتي انهيار العالم، أنا حسبتها! فتقريبا مئة دولار تُعادل عندك حوالي أربعة آلاف دولار! كبير! أي ليس قليلا بصراحة، موجعة لمُدرس محلي في دايتون؛ مدينة بسيطة، كم كان يأخذ المسكين هذا؟ -، إلا أن قانون مدينة دايتون – القانون المحلي في دايتون – كان يقضي برفع كل غرامة تزيد على خمسين دولارا إلى المجلس البلدي، يتم التناقش فيها! أن هذه نُمررها أم لا؟ 

فالقاضي نسي، فأخذ بقانون الولاية، التي هي تينيسي، قال لك مئة دولار. فطعنوا، قالوا لا، لكن نحن هنا محليا، هذا أكثر من خمسين. فأُلغي! لكن ظل الملف كما هو، وظل التطور محظورا تدريسه، أجيال عاشت وماتت دون أن تفهم ما هو التطور، والعلم يتقدم، والنظرية تتقوى، وهؤلاء لا يفهمون شيئا! بقيَ الحال على ما هو عليه إلى الثامن والستين. 

طبعا أنتم تعلمون هذا؛ بالنسبة لدارو Darrow أتى بستة علماء خُبراء، قال هؤلاء علماء خُبراء يُمكن أن تستفتوهم في قضية التطور وتُناقشوهم! دع القاضي يُناقش، ودع السيد بريان Bryan يُناقش. 

رفض القاضي المحلي في دايتون أن يُعطيهم منصة الشهادة، ممنوع! وموقفه قانوني سليم مئة في المئة، تعرفون لماذا؟ لأن القاضي لا يعنيه أن يتبين هل التطور صحيح أم باطل، القاضي يُريد قانونا يحكم به، القانون في الولاية يقول ممنوع. هل كقانون الاتحاد؟ لا. 

لكي تضح الصورة لكم – باستمرار في تاريخ أمريكا هكذا – لدينا نوعان من التشريعات؛ تشريعات ولائية، في الولاية! هذه تُطبق وتُلزم سكان الولاية. وتشريعات اتحادية، أي فيدرال Federal، تشريعات فيدرال Federal، اتحادية! هذه تُلزم الجميع، تُلزم كل سكان الاتحاد، اليو إس أيه USA. 

فهذا التشريع في الولاية! ولاية تينيسي كانت تحظر، وهناك ولايات أُخرى، جنوبية! جميل؟ إذن القاضي موقفه قانوني، لا يُوجد عليه أي غبار. قال لك أنا أمنع. 

ستقول لي لكن في المُقابل هو سمع لشهادة بريان Bryan، وبريان Bryan تكلم باسم العلم والدين! صح، وهنا كان خطأ. ولذلك في محضر القضية في المحكمة أُلغيت شهادة بريان Bryan تماما ولم تُسجل، أسقطها، إلى الآن ليست موجودة. 

الصحافة فقط كانت تنقل أولا بأول، على مدار الساعة؛ بريان Bryan قال كذا، ورد عليه كلارنس دارو Clarence Darrow، هذا قال كذا! قصة كبيرة! حين تقرأ عنها، تجد أنها كانت مُتعة بالنسبة للناس! مُمتعة! وأكثر مَن استفاد منها دايتون؛ المدينة الصغيرة، التي أصبحت حديث الساعة في كل الاتحاد!

بقيَ الوضع على ما هو عليه إلى سنة ألف وتسعمائة وثماني وستين، في ولاية أركنسو. هي تُكتب أركنساس، لكن تُلفظ أركنسو. في ولاية أركنسو مُعلمة محلية شجاعة، رفعت ضد الولاية قضية في المحكمة؛ محكمة الولاية؛ أركنسو! تطعن فيها في دستورية القانون الذي يحظر تدريس التطور. 

في أركنسو ممنوع أن تُدرس أيضا! مثل تينيسي، ممنوع! تحت طائلة العقاب. قالت لهم هذا قانون غير دستوري. أي ما معنى غير دستوري؟ أي يُعارض الدستور. كيف يُعارضه؟ يُعارض التعديل الأول؛ The first amendment. التعديل الأول هذا عند الأمريكان مُقدس، يقول لك التعديل الأول! دائما التعديل الأول؛ The first amendment! ما التعديل الأول؟ 

التعديل الأول ينص على أنه ممنوع أن تقف الحكومة مع دين من الأديان، ممنوع أن تُناصر دينا من الأديان، ممنوع أيضا أن تُعادي دينا من الأديان أو تمنعه من حرية العبادة وإنشاء دور العبادة. واضح؟ ممنوع. ممنوع أن تتدخل في حرية الناس؛ حرية الاعتقاد، وحرية التعبير – ال Speech -، ممنوع. جميل! 

أي لا بُد من وجود فصل، بحسب التعديل الأول، بين الدولة والدين. هذا هو التعديل الأول، خُلاصته! فصل بين الدين والدولة. فقالت هذه السيدة المُعلمة للأحياء، قالت لهم هذا القانون غير دستوري. دستورية القانون! طعنت في الدستورية، كسبت القضية. 

فرح التطوريون! أُلغي القانون، صار من المُمكن أن يُدرّس، لكن المؤمن الصادق كما يُقال لا يتراجع، هكذا قال ستيفن جاي غولد Stephen Jay Gould، قال المؤمن الصادق لا يتراجع. فلم يتراجع مَن؟ الخلقويون. سوف تقول لي مَن الخلقويون؟ 

باختصار؛ بالنسبة للأحياء، نباتات وحيوانات، في النموذج ال Biblical؛ الكتابي، الديني، اليهودي، النصراني، كلها خُلقت خلقا مُستقلا، اسمه Special creation، كن فيكون! هذه الصبار، وهذه الزيزفون، وهذه الدودة، وهذه البكتيريوم Bacterium، وهذا أبو بلال، وهذه أم عدنان! خلق مُستقل، واضح؟ هذا يُسمونه ماذا؟ ال Creation؛ الخلق. ال Creationism؛ مذهب الخلق، أي الخلقوية! أن الله هو الذي خلق هكذا كل شيء. 

بحسب نموذج التطور لا، الخلق لم يتم بهذه الطريقة، الله أبدع المخلوقات، كل المخلوقات، من خلية، أو بضع خلايا، بضع خلايا قليلة: ثنتين أو ثلاث أو كذا، ثم نوعت الحياة كلها عبر ملايير السنين، على الأقل ثلاثة مليارات سنة، ثلاثة ملايير من السنين! جاء كل هذا التنوع. هذا التطور؛ ال Evolution، هذا هو التطور العضوي.

فيُوجد عندك نموذج التطور، ونموذج الخلق أو الخلقوية، جميل! فالخلقويون لم يستنيموا، إلى لحظة أركنسو، في الثامن والستين، كانوا مُباشرين، ويقولون اللاهوت، علم العقيدة الكنسي، ضد التطور. أي كانت دينا وعلما. الآن أذكياء، لا بُد أن يُعيدوا موضعة حُججهم، وأيضا شحذ أسلحة جديدة. قال لك دع حكاية هذا لاهوت أو ليس لاهوتا ودينا وما إلى ذلك، دعها! فسوف نخسر. هيا نُسميه علم الخلق؛ Science of creation! علم! 

تكون النتيجة ماذا؟ علما مع علم. وماذا نُريد؟ نحن لسنا ضد العلم، نُريد Equal time. هكذا يُسمونها هذه، كلها! كلها Equal time laws؛ قوانين الوقت المُتساوي. كما تُعطون أنتم مثلا حصة في الأسبوع – نفترض – لتدريس التطور ضمن الأحياء، أعطونا حصة لتدريس الخلقوية. توقفوا عن أن يُسمونها اللاهوت وكذا، وسموها علم الخلق. قال لك علم، نحن عندنا أدلة علمية. قصة! 

في لويزيانا وأركنسو وافقوا، قالوا انتهى، سنُعطي إذن هذا. صار هناك زحزحة، لصالح مَن الآن؟ لصالح التطوريين. ليس محظورا، لكن هناك وقت مُتساو؛ درّس التطور، ودرّس الخلقوية، جميل؟

في ألف وتسعمائة وإحدى وثمانين، التطوريون أعادوها جذعة، قالوا هذا كله عبث وكلام فارغ. سددنا الباب، دخلوا من النافذة! لا يُوجد شيء اسمه علم الخلق، هذا شيء مُتناقض. حين تقول لي الخلق كما تفهمه أنت، لن يخضع للعلم، هذا كن فيكون، انتهى، هو هكذا! 

العلم لا يؤمن بكن فيكون، يؤمن بماذا؟ ب Process! مسار طويل، ولا بُد أن تُحاول أن تُفهمني وتُمسكني كيف تم هذا المسار، ما خطوات هذا المسار، من أين بدأ، وكيف انتهى، وفي ماذا توسط. هذا العلم! فحين تقول لي علم الخلق، يقع تناقض. وصح، هذا المُصطلح مُتناقض ذاتيا، يهدم نفسه بنفسه، يُكذب نفسه بنفسه.

فذهبوا ورفعوا قضية ضد ال Equal time laws هذه، في ولاية أركنسو، التي كان يُحكمها ليبرالي، سوف تستغربون مَن هو! هذا في ألف وتسعمائة وإحدى وثمانين. كسبوها، كسبوا القضية، وأيضا كان عندهم دفاعات فلسفية وعلمية وما إلى ذلك. المُهم، وطعنوا في القانونية أيضا، وقالوا هذا ليس علما، هذا ليس علما! وهذا أيضا مُتعارض مع الدستور، هذا الدين، هذا الدين بلباس ثان. 

قالوا نفس الخلقوية، لكن تتكلم بصوت خروف، لكن هو ذئب اللاهوت، ذئب اللاهوت يتكلم بصوت خروف! قال نفس اللاهوت هذا، هذا ليس علما. اقتنع القاضي، قال انتهى، ألغينا! يُدرّس فقط ال Evolution، هذا علم، هذا علم ويُصدق ويُكذب، لا تُوجد مُشكلة، لا تُدخلوا لنا اللاهوت، أي كفر وإيمان! التعديل الأول يقول ممنوع، وهذا لاهوت. وصح، لاهوت. ضحكتم علينا! توقفوا، ألغوها.

ولم تستأنف الولاية ضد المحكمة! لماذا؟ لأن رئيس الولاية، حاكم الولاية، كان حاكما ليبراليا مُتفتحا، وهو بيل كلينتون Bill Clinton، الذي سيصير بعد ذلك رئيس الاتحاد كله. كان رئيس أركنسو! حاكم أركنسو كان هو بيل كلينتون Bill Clinton! قال لن نستأنف، انتهى. دعها هكذا، توقفها، دعونا على التطور.

في لويزيانا بعد ذلك، رُفعت قضية ضد ال Equal time هذا، كسبها التطوريون، ممنوع! فقط يُدرّس التطور، لا يُدرّس علم الخلق. استأنفت لويزيانا، عكس أركنسو، استأنفت. قالت نستأنف. استأنفوا، خسروا، لم يكسبوا. وكان أحد الذين تم استدعاؤهم الراحل الكبير وعالم التطور الإحاثي – Palaeontologist هو – ستيفن جاي غولد Stephen Jay Gould.

هذا شهد فيها، وقال أنا لم أتقدم بمعلومات علمية. لم يُطلب مني معلومات علمية. القضية ليست حوارا بين العلم وبين الدين أبدا، أبدا! معلومات لها علاقة بماذا؟ لها علاقة بدستورية القانون! وهل هذا فعلا لاهوت مُختبئ خلف شعار علمي؟ أثبت لهم أنه هكذا، أن هذا لاهوت، ليس علما هذا. 

وحتى الفيلسوف المُلحد مايكل روس Michael Ruse أيضا أدلى بشهادته، لكن أعتقد في أركنسو قبله، وقال لهم حسب معيار التكذيب لكارل بوبر Karl Popper علم الخلق غير قابل للتكذيب. 

على فكرة، مما يُطعن فيه إلى الآن في نظرية التطور أنها أيضا غير قابلة للتكذيب! غير صحيح، قابلة للتكذيب، وبسهولة. ما رأيك؟ قابلة للتكذيب، وبسهولة. أحسن مَن أثبت أنها قابلة للتكذيب، وإن لم يُسمه كذلك، هو جاي. بي. إس. هولدين J. B. S. Haldane، عالم الوراثيات العشائرية؛ ال Population genetics، المُلحد، المُتطرف سياسيا، ابن السيد هولدين Haldane عالم الفسيولوجي Physiology العالمي المؤمن، العميق الإيمان بالله! عكس أبيه تماما! 

أبوه كان يقول لا أعتقد أن هناك أحدا يتوفر على الشعور الذي أتوفر عليه بقيمة وأهمية الدين في الحياة، بحيث أنني لا أتخيل معنى للحياة بغير دين. هذا هولدين Haldane، أبوه! ابنه كان مُلحدا للأسف الشديد، من أذكى العلماء، وكان رياضيا، وأحد الثلاثة المؤسسين للعلم الوراثة العشائري؛ ال Population genetics. 

هذا ذكي جدا جدا! قيل له مرة يا سيد هولدين Haldane أعطنا دليلا يُمكن أن نُزيف به نظرية التطور. كأن السائل يستوعب مبدأ ماذا؟ التزييف. على فكرة، مبدأ التزييف لم يبتدعه كارل بوبر Karl Popper، لكي نكون صادقين، أول مَن تكلم عن مبدأ التزييف كمبدأ منهجي علمي، في تمييز ما هو بطبعه علمي، مما لا يصح أن يكون علميا ابتداء؛ كلود برنارد Claude Bernard. 

كلود برنارد Claude Bernard الطبيب الفرنسي الكبير، وصاحب الكتاب المشهور؛ مُحاضرات في الطب التجريبي. وترجم المشروع القومي في مصر حديثا هذا، أو أعاد طباعته. تُرجم في بداية القرن العشرين في مصر، ما شاء الله!

المصريون كانوا مُتابعين للمشهد الفكري العالمي بشكل جيد. الآن صار هناك نوم عند الأمة. أي العرب كانوا لا يزالون أكثر يقظة من الآن. هذا الكلام تُرجم؛ لأنه مشهور جدا في أوروبا، تُرجم بالعربية، ما شاء الله! انظر؛ قبل حوالي مئة سنة! وأُعيد طباعته قبل حوالي عشرين سنة، مرة جديدة، في مصر. 

هو أول مَن تكلم عن معيار التكذيب، قبل كارل بوبر Karl Popper، لكن كارل بوبر Karl Popper حوله إلى أطروحة، أطروحة دكتوراة خاصة به، أطروحة دكتوراة كاملة؛ منطق البحث العلمي! الكتاب كله، سبعمائة صفحة، عن ماذا؟ عن تفريعات هذا المبدأ بدقة شديدة جدا جدا.

لا علينا، نرجع. فقالوا له أعطنا دليلا واحدا يُمكن أن نُزيف به التطور! لأنه إذا كان غير قابل للتزييف، فلا يكون علما. تعرف ماذا قال لهم؟ سهلة! حفرية أرنب – Fossil لـ Rabbit – قبل العهد الكامبري مثلا. هيا، تفضل! 

عندك الأرض في كل العالم، وعندها طبقات، أليس كذلك؟ أحضر لي حفرية أرنب قبل ستمائة مليون سنة. أنا لا أقول ستمائة مليون سنة! أحضر لي حفرية أرنب قبل ثلاثمائة مليون سنة! فهو – على أساس أنه يُريد أن يقطعها – قال لهم قبل ال Cambrian، أحضر لي حفرية أرنب. إذا قدرت على أن تحضرها، فسيتضح أن التطور كله غلط! لأن النمط معروف! 

وعلى فكرة – جميل أنني تذكرت هذا – النمط الذي تُرتب به الطبقات الجيولوجية الأرضية يا إخواني نمط يُدلي بشهادة عظيمة جدا جدا لصالح التطور، لا يُمكن أن تجد في طبقة سُفلى كائنات أكثر رقيا من الطبقة العُليا، يستحيل! 

كلما أمعنت عُمقا، في الباطن، كلما رأيت الحياة أقل تنوعا، وأكثر بساطة، باستمرار، باستمرار، باستمرار، باستمرار! إذن هناك تطور، هذه بقايا، هذه البصمة، بصمة الحياة! هذا أحد الأدلة، من مئات الأدلة، من مئات! أحد الأدلة على صحة التطور.

لماذا أذكر هذا؟ لأن هناك ستينو Steno! هذا من مؤسسي علم الجيولوجيا الحديث، ومؤسس مبدأ تعاقب ال Strata أو الطبقات، وهذا كان من رجال الدين، ما رأيك؟ كهنوتي كبير! وقال لك الدين ضد العلم! تفضل، أنت عندك في العلم نفسه، من المؤسسين، رجال دين كبار، منهم ستينو Steno، ها هو! 

على كل حال، فبعد ذلك طبعا هناك مُحاكمات أُخرى تلت لا أُريد أن أستقصي، موجودة وعنها وثائقيات، منها المُحاكمة التي كان شاهدا فيها عالم الإحاثة التطوري الشهير كينيث أر. ميلر Kenneth R. Miller.

كينيث ميلر Kenneth Miller صاحب كتاب Finding Darwin’s God؛ العثور على إله داروين، كتاب رائع عجيب! ونماذجه عجيبة! في الدفاع عن التطور! 

وكسبوا المحكمة أيضا ضدهم! لأن مرة أُخرى المؤمن القوي لا يتراجع، ولا يعرف الخور. أعادوها من جديد، الخلقويون! وتنازلوا عن مُصطلح Science of creation، قال لك دع Creation من أصلها، عبارة جينيسية هذه، من سفر التكوين! ماذا نستخدم؟ التصميم الذكي؛ Intelligent design، التصميم! 

قال لك نحن ليس لنا علاقة باللاهوت، ونحن لسنا أهل دين، لسنا رجال دين، لا تسألونا! نحن نُقدم براهين علمية، علمية محضة! اسمه التصميم الذكي. ستقول لي هذا هو؟ هذا امتداد، هذا بديل ماذا؟ Science of creation. ودخلوا المعركة! 

نفس الشيء؛ تمت المُحاكمة، المرة هذه طبعا القاضي كان قاضيا مُثقفا وواسع أيضا الحيلة، استدعى علماء من الطرفين. أشهر رجل خدم التصميم الذكي هو مايكل بيهي Michael Behe، صاحب صندوق داروين Darwin الأسود، وحافة التطور. 

هذا رقم واحد في القضية هذه، مشهور جدا جدا جدا، العالم كله يعرفه، وخاصة العالم المُتدين طبعا والعرب والمسلمون، ترجموا كتبه، واليهود والنصارى! مايكل بيهي Michael Behe، مايكل بيهي Michael Behe! 

هو عالم كيمياء حيوية، أي Biochemistry، وعنده صندوق داروين Darwin الأسود، وطبعا كانوا واثقين أنه سيكسب المعركة ويُثبت أن التطور أكذوبة وليس نظرية علمية وباطلة، وعنده الدليل! الدليل وهو التعقيد غير القابل للاختزال، أي Irreducible complexity! 

Irreducible؛ غير قابل للاختزال، قصة كبيرة! كل صندوق داروين الأسود عن المفهوم هذا! وقف له مَن؟ كينيث أر. ميلر Kenneth R. Miller، صاحب العثور على إله داروين Darwin، وآخرون. كسب الجولة! أثبتوا أن التصميم الذكي ليس علما، وليس صحيحا، وأننا لا زلنا على الرأي الصحيح أيضا. قصة كبيرة!

على فكرة، اكتب كينيث ميلر Kenneth Miller ومايكل بيهي Michael Behe، وسوف ترى وثائقيا من ساعة أو ساعة ونصف، من أروع ما يكون، عن وقائع هذه المحكمة، وما الذي جرى! ما حُجة هذا وما حُجة هذا، وكيف كسبوا!

إضافة وعدت بها:

أنا أعتقد الآتي! طبعا كما قلت لكم كل مؤرخي العلم والدين على أن هذا حقل جديد! هذا Field جديد على فكرة، العلم والدين أصبح Field جديدا، Field جديدا له مجلات! أول مجلة صُدرت اسمها زيغون Zygon – وهي Zygon بالألماني أيضا، هي هكذا! Zygon -.

بعد ذلك معهد بيولوجوس Biologos، نفس الشيء! الجمعية الأوروبية، الجمعية الدولية للعلم والدين! هذه أوروبية، وهذه كذلك! أشياء عجيبة! كراسي في أكسفورد Oxford، كرسي! في كامبريدج Cambridge، في بريطانيا، بعد ذلك معهد برينستون Princeton للعلم والدين، معاهد وكراسي! 

بعد ذلك جاءت مؤسسة جون John، الثري المشهور هذا؛ جون تمبلتون John Templeton‏، لدعم أيضا حوار وإنعاش ما يُسميها المفاهيم الروحية؛ ال Spiritual information، قصة!

Field جديد، دُشن كما قلت لكم في حلقة سابقة، في أسبوع سابق، في أواسط الستينيات، مع العمل الرائد لإين بربر Ian Barbour، العمل الرائد لإين بربر Ian Barbour؛ مقالات أو قضايا – أي Issues – في العلم والدين، حقل كبير! وما زال يمشي، لكن يمشي بقوة أيضا، هذا الحقل الكبير!

فما أُريد أن أقوله إن الخُبراء الكبار الآن الجُدد في هذا الحقل لا يُنكرون أن هناك وقائع! طبعا وقائع نزاع حصلت، لحظات تم فيها صدام وكذا، موجودة! لكنها ليست المُتسيدة، وليست المُهيمنة، وليست العامة، واضح؟ أي مَن يُنكر مثلا أن هناك البابا بيوس التاسع Pius IX، في القرن التاسع عشر؟ 

هذا أطول بابا حكم في الباباوية، بقيَ في منصب الباباوية ثنتين وثلاثين سنة! وبدأ ليبراليا، وكان هناك حدث سياسي في حياته، ونُفيَ ثم عاد، سُبحان الله! بعد أن عاد أخذ الطريقة المُختلفة تماما؛ ضد الليبرالية، وضد الحرية، وضد التسامح! 

وأصدر مرسومه، ال Infamous يُسمونه، أي سيء السُمعة، الذي اسمه ماذا؟ ثمانون خطأ مركزيا، أو كبيرا، في أخلاقنا. بمثابة حرب على فكرة التسامح، وعلى منهجية العلم. لحظة سيئة جدا جدا هذه في علاقة الدين بالعلم. في القرن التاسع عشر حدثت، أشياء مثل هذه! 

لكن انظر إلى البابا بيوس الثاني عشر Pius XII، في ستينيات القرن العشرين، في العقد السادس، عكسه تماما، ما شاء الله! انظر إلى يوحنا بولس الثاني John Paul II، تماما! الحمد لله، هذه تشهد لنماذج أُخرى. 

فما أُريد أن أقوله ما هو؟ ما الإضافة إذن؟ خطر لي أن هناك سببا بنيويا في طبيعة الأمور مُتجذرا، لا بُد أن يتسبب بهذه الحالة من التوتر بين العلم والدين. ومن خلال هذا، أنا سأُقدم مُقترحي – إن شاء الله -، وأرجو أن أكون قاربت فيه الصواب، أي أن أكون أقرب إلى الصواب.

باختصار، فكرتي؛ الدين هل أساسا كان وأوحى به الله تبارك وتعالى من أجل تفسير عالم الدنيا والطبيعة، أم من أجل تمهيد الطريق إلى إصلاح عوائد الناس وأحوالهم وسعادتهم الأُخروية – وهذا هو الهدف الأكبر بصراحة -؟ ستقول لي الثاني. أكيد الثاني! أي الدين ليس الهدف أو ليس من بين رؤوس غاياته وأهدافه ومقاصده تقديم تفسيرات لعالم الطبيعة، أليس كذلك؟ أبدا! هذا ليس هدف الدين.

الفلاسفة كانوا يفعلون هذا، وأنتم تعلمون الصراع في البداية كان بين اللاهوت وبين الفلسفة؛ أم العلوم، ذكرت هذا. الفلاسفة يفعلون هذا، لكن ليس رجال الدين طبعا بصراحة. 

ستقول لي ولكن هل تخلو النصوص الدينية – سواء توراة، إنجيل، قرآن – من آيات وتعبيرات وجُمل تتحدث عن قضايا طبيعية؟ لا، لا تخلو، موجود! آيات كونية موجودة في التوراة، والإنجيل، وبالذات في القرآن، وكثيرة! نعم، هنا مُقاربتي طبعا، انتبه:

الدين في قضايا الطبيعة والعالم والوجود المادي الذي يُمكن أن يُدرس بالعلم، مُقاربته تقوم على المنطق الطبيعي، أو يُسمونه الموقف الطبيعي، أي ال Stance الطبيعي. ستقول لي ما الموقف الطبيعي؟ موقف البداهة. ما البداهة؟ ال Common sense. ما ال Common sense هذا؟ 

لا بُد أن نفهم، أنا أُحب أن نُفهم! على فكرة، لا بُد أن نتعود دائما على هذا! على فكرة، إياك أن تُدخل شيئا في دماغك، لا لفظا ولا معلومة، دون أن تفهمها حقا! تُدركها، ليس فقط تحفظها هكذا! 

البداهة باختصار شيء أعقد مما نتخيل على فكرة! البداهة لا تأتي هكذا من تلقائها. البداهة قواعد للتعامل اليومي، في حياتنا كلها، سواء مع الأشخاص أو مع أنفسنا أو مع العالم وأشياء العالم. هذه القواعد العامة – وفعّالة جدا جدا جدا – تقريبا هي التي تُسير حياتنا اليومية على فكرة، بنسبة تسعين في المئة أو خمسة وتسعين في المئة. 

أي العلم متى عُرف؟ من أربعمائة سنة، من ثلاثمائة أو أربعمائة سنة. الحياة البشرية قبل ذلك بكثير! كانت تسير بالبداهة، بقواعد البداهة، قواعد ال Common sense.

هذه القواعد مُستلة من ومُستخلصة ومُتكئة على ألوف ألوف المعلومات، التي تُضفر بشكل ذكي جدا مع بعضها؛ لكي تمدك بهذه القواعد، واضح؟ ستقول لي أُريد أمثلة. كثيرة الأمثلة، كثيرة جدا جدا! 

الآن مثلا أقول لك؛ ماذا لو لدي مثلا كوب فيه ماء، وأمامي قماش، أو أمامي سجاد، ودلقت الماء؟ ستقول لي سيتبلل السجاد. نعم، كيف عرفت؟ بداهة. هذه أشياء في العلم. انتبه! لا أتحدث عن البداهة بالمعنى الفلسفي، انتبه! بالمعنى العلمي والعامي، نُريد أن نُحدد دائما مُصطلحاتنا، غير بداهة ابن سينا وكذا، انس!

لا بُد وأن يتبلل. التبلل هذا بدهي! أو تقول لي المطر نزل على تراب! يتبلل التراب، يصير Wet. هذه مسألة بديهية! على فكرة من أوائل الأفكار التي تلزم لخلق روبوت Robot ذكي – ال Artificial intelligence؛ الذكاء الصناعي هذا -، تعرف ما هي؟ حشر هذا الروبوت Robot بأكبر كمية من قواعد البداهة. 

أي إذا تركت أي جسم من دون حامل في الهواء، يسقط إلى الأرض، هذه معلومة بدهية. ستقول لي الجاذبية. بدهية هذه! إذا كان هناك كوب من الزجاج، وغير مُصفح مثلا بأعمدة صغيرة من الرصاص والكذا كذا، وتركته إلى الأرض، على مسافة كافية، ينكسر، بداهة! المطر يبلل التراب! 

فهمت كيف تكون البداهة؟ مسألة كبيرة. مقص أو شفرة، إن أجريتها بطريقة أُفقية على الشعر، يُقص الشعر، بداهة! كل حياتنا تقوم على البداهة، واضح؟

الآن أعتقد أن الموقف الديني، النص الكتابي – سواء التوراة، الإنجيل، والقرآن. هذه دعوى عريضة مني وجريئة، لكن أنا أتحمل مسؤوليتها -، أساسا يقوم على وصف عالم الطبيعة والكون المادي، انطلاقا من البداهة. أي النص الديني يتخذ موقفا ماذا؟ طبيعيا. 

ستقول لي فهمت، لذلك وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ *. العلم يقول الشمس لا تغرب، الأرض هي التي كذا وكذا. البداهة تقول مَن الذي يغرب؟ ستقول لي الشمس بصراحة. الذي ستراه بعيونك هكذا؛ مَن الذي يغرب؟ مَن الذي يسقط في الماء؟ الشمس. مَن التي تسقط في عين حمئة، في جرة الطين هناك؟ الشمس. مَن التي تتدلى خلف الأُفق الرملي أو المعشوشب؟ الشمس. بالبداهة! 

بالبداهة مَن الذي يتحرك، أو ما الذي – عفوا، ليس مَن، ما، ما الذي – يتحرك؛ الأرض أم الأجرام السماوية؟ ستقول لي البداهة: الأجرام السماوية. الأرض ثابتة، ساكنة، ها هي، والدنيا كلها تدور فوف رؤوسنا، أليس كذلك؟ بما فيها الشمس والقمر، وكله يدور، ونحن ثابتون. هذا منطق البداهة! 

المنبر صُلب أم ليس صُلبا؟ Solid أم ليس Solid هذا؟ Solid. منطق البداهة! ستقول لي لماذا؟ هو ليس Solid؟ لا، علميا ليس كذلك أبدا. علميا هذا مخوخ، مُثقب هذا، ليس كذلك! هذا كله فراغات، علميا! لكن ما علاقتي بالعلم أنا؟ أنا لي أن هذا صُلب، لو ضربت رأسي فيه، وهي صُلبة أيضا، مع أنها مخوخة – علميا هذا -، سأتضرر! 

حدثتكم مرة عن طاولتي – Two tables – السير آرثر إدينغتون Sir Arthur Eddington، اللاتين افتتح بهما مُحاضراته الرائعة. قال لك سأُحدثكم عن طاولتين؛ طاولتك وطاولتي، التي هي طاولة البداهة، معروفة! وطاولة العلم يا حبيبي، تنحل إلى كهارب! إلكترونات Electrons، نيوترونات Neutrons، بروتونات Protons، قصة ثانية! طاولة مُختلفة تماما! هذه الطاولة العلمية، والطاولة الخاصة بنا البدهية شيء مُختلف تماما، أليس كذلك؟ وهكذا، جميل!

تعال وانظر طبعا في الكتب المُقدسة، بما فيها القرآن الكريم، تجد الآتي: يقول لك رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ *، أليس كذلك؟ العلم سيقول لك ما رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ *؟ وكذا! إلى آخره. على فكرة وعلماؤنا لم يكونوا يُميزون! قال لك نفس الشيء! 

المُشكلة أن القرآن قال لك هكذا أيضا! قال لك هناك نجوم، وهذه النجوم زينة ورجوم. النجوم؟ النجوم العلمية اليوم قد الأرض مليون مرة، ومليار مرة في بعض المرات، وعشرة مليارات مرة، النجم! كيف هذا؟ رجم ماذا؟ هذه ترجم الأرض نفسها، وتُفنيها بالكامل! 

فسوف تقول لي ما هذا؟ أقول لك هذا موقف طبيعي، هذا موقف بداهة. الناس بالعين المُجردة ترى النجم البعيد كالكوكب، كالـ Asteroid، كله مثل بعضه! كلها أشياء تدور وتلمع وانتهى الأمر، أليس كذلك؟ حين يسقط واحد وما إلى ذلك، يقع نفس الشيء، سمه نجما، سمه ما تُريد! موقف البداهة، ما نراه بأعيننا.

الأخضر! هذه السجادة خضراء الآن، هذا موقف البداهة. في العلم كلمة أخضر مُعقدة جدا جدا جدا، يقول لك هذه حين تُحللها، تجد أنه لا يُوجد أخضر. أخضر هذا هو ترجمة للتجربة الواعية التي تحدث عندك في الداخل، والتي اتفقنا على أن نُسميها أخضر. 

والله وحده أعلم، ويا لها من مُصيبة! هل هذه؛ تجربة الأخضر، التي عندك، مثل التي عندي، مثل التي عنده، مثل التي عند كل واحد، أم كل واحد يتلقاها على نحو مُختلف، لكننا اتفقنا على أن نُسميها أخضر؟ أي ربما هناك ثمانية مليارات من هذه التجربة، وليس هناك واحدة مثل الثانية، وكل واحد له تجربة! Oh! 

هذه اسمها الكواليا Qualia؛ الكيفيات الباطنة هذه، قضية الكواليا Qualia، شيء مُزعج ومُخيف! في علم النفس المعرفي، وفي علم الأعصاب، الكواليا Qualia! هذا علم الآن. 

فيقول لك هذه موجات – الفيزيائي -، الأخضر هذا موجات، تفاعلها مع دماغك عبر الشبكة وال Optic nerve، إلى آخره! يُترجم بشيء نحن نُسميه اللون الأخضر. 

دع هذا، هناك ما هو أسهل منه؛ القبة السماوية. يقول لك! في الحقيقة ليست قبة، قبة ماذا؟ الأرض حبة رمل هكذا في مُحيط لا أول له من آخر تقريبا، قبة ماذا؟ أنت مُتأكد من أن السماء هذه أتت كي تعمل قبة عليك؟ أنت قدها؟ تعمل قبة عليك؟ أنت حبة رمل هكذا في عالم غير مُتناه تقريبا. قبة! قال لك القبة. 

وبعد ذلك سماء زرقاء. يقول لك! هذا موقف البداهة، علميا ليست زرقاء، السماء مُعتمة إعتاما مُخيفا مُرعبا! الأرض هذه نفسها لولا أن فيها غلافا، فيه بُخار الماء هذا، كانت ستكون ماذا؟ مُعتمة تماما. وسوف ترى أن الشمس، فوق هناك، عندك مثل قرص هكذا أبيض مثلا أو مُتوهج، وكل الذي يخرج منه لن تراه، أنت لن ترى أي شعاع! لماذا؟ لأنه لا تُوجد طبقة بُخار ماء يتشتت وينكسر فيها الشعاع. فيزياء! ستقول لي خرب الله بيت الفيزياء، بشعة جدا. الشعر حلو، الأدب حلو. الشعر حلو والدين، لكن الموقف العلمي غير الموقف هذا.

أُريد أن أختم حتى لا أُطيل؛ 

انظر، الموقف الديني واضح أنه يقوم على البداهة. طبعا ستجد مئات الأمثلة في كتاب الله وفي التوراة والإنجيل تؤكد الموقف البدهي، كلها تمشي على البداهة. الموقف البدهي صح أم غلط؟ ستقول لي كيف غلط؟ والله صح! لأن هذا ما نتلقاه بحواسنا المُجردة، هو هكذا، تُريد أن تُكذّب لي إياه؟ لا أقدر على أن أُكذّب. الموقف العلمي بطبيعته لا يكتفي بالبداهة، بل الموقف العلمي عموما بصراحة في مُعظمه يعمل في خط مُعارض لمنطق البداهة.

وأُعطيكم أمثلة جميلة، أي سوف تكون لاذة لكم، أختم بها هذه المُقاربة وهذه الإضافة:

ولأن الموقف العلمي لا يقوم على البداهة، بل يقوم على ضد البداهة، كان العلم، ولا زال، عبر التاريخ، شيئا نادرا، أليس كذلك؟ العلم الحديث بالأمس وُلد، فقط! وليس مُسيطرا على الحي كما قلنا، لا تزال هناك أشياء أُخرى كثيرة مُسيطرة، لكن عبر التاريخ كان نادرا جدا، حقيق به أن يكون نادرا؛ لأنه يُضاد ماذا؟ البداهة. وكيف أقبل شيئا ضد البداهة؟ لا أقدر، صعب جدا جدا. 

ورأينا أننا بقينا ألف سنة على أن الأرض هي المركز، وهي ثابتة، والكون كله يتحرك؛ لأن هذا يتحالف مع الموقف البدهي، نقبله! لما يأتي إلي كوبرنيكوس Copernicus، يأتي ويقول لي لا وما إلى ذلك، سيكون صعبا أن أقبلها! أنا لا أدور، أنا يُدار حولي! أليس كذلك؟ تحتاج إلى قصة، تحتاج إلى رياضيات وفلك، وقصة صعبة جدا؛ لكي تُقنعني! أليس كذلك؟

فسوف نرى، سوف نرى بعض الأمثلة، التي سوف ترى فيها فعلا أن العلم يعمل ضد البداهة. سوف تقول لي النسبية؟ لا، النسبية صعبة جدا، النسبية كلها ضد البداهة، نسبية أينشتاين Einstein الخاصة والعامة ضد البداهة حتى العلمية – إن جاز التعبير -، ما رأيك؟ 

أي الكتلة والسرعة في ميكانيكا نيوتن Newton شيئان مُنفصلان، يُمكن أن تدرس الكتلة وحدها، وأن تدرس السرعة وحدها. الكتلة والسرعة لا ينفصلان في ميكانيكا أينشتاين Einstein، ممنوع! بالعكس، والكتلة رهن السرعة، وكلما تزايدت السرعة، تعاظمت الكتلة، عجيب! ولا يُمكن التفكيك بينهما. 

هذا بارادايم Paradigm، وهذا بارادايم Paradigm. فهناك بدهيات حتى تم ضربها، حتى في العلم – إن جاز التعبير، هذا المُصطلح من عندي، الآن أؤلفه، ربما يحتاج إلى اختبار فيما بعد -.

نرجع، سنُعطي بعض الأمثلة اللطيفة جدا جدا جدا:

طائرة – Aircraft، طائرة -، طائرة حربية تسير، ألقت بقنبلة، جميل؟ سؤالي لكم: أين المكان الذي تقدرون أنه ستقع فيه هذه القنبلة؟ هي طائرة، وتسير! هل ستقع في الوراء، أم ستقع حيث أُوقعت والطائرة ستكون أمامها؟ مُعظم مَن سُئل، إلا أن يكون من دارسي الفيزياء وما إلى ذلك، عن هذا السؤال، مُعظمهم على الإطلاق يُجيبون بالجواب الخاطئ، وقل مَن يُجيب بالجواب الصحيح، الذي هو ضد البداهة. 

في اللحظة التي ستُلامس فيها الأرض، ستكون بالضبط تحت الطائرة، طبعا! هذا العلم يا حبيبي. أنت تتخيل أن هذه الطائرة تسير – ما شاء الله – وسريعة، ألقت بقنبلة، ستكون أسرع، القنبلة ستنزل، والطائرة ستُغادر كثيرا، ستكون دائما في الوراء. لا، في اللحظة التي تصل فيها القنبلة وتُلامس الأرض، تكون تقريبا تحت الطائرة! لماذا؟ الإنيرشا Inertia. 

الإنيرشا Inertia! تستطيع أن تفهم هذا الجواب، حين تفهم لماذا وأنت جالس – لا قدر الله – في السيارة، ويقع حادث، تخرج من النافذة! لماذا؟ السيارة تقف، أليس كذلك؟ كانت سائرة بسرعة مئة كيلومتر في الساعة، ثم وقفت! أنت لن تقف، إنيرشا Inertia! ستبقى مُتحركا، وبسرعة السيارة أيضا، هذا الذي يقذفك خارج السيارة، اسمها الإنيرشا Inertia؛ مبدأ القصور الذاتي!

المُتحرك – مبادئ نيوتن Newton الثلاثة في الحركة – يبقى مُتحركا، إلا أن تؤثر عليه قوة خارجية تقفه، والساكن يبقى ساكنا، إلا أن تؤثر عليه قوة خارجية تُحركه. 

فالآن القنبلة حين تنزل، أنت تظن أنها ستنزل في الوراء، لا! ستُتابع سيرها في البداية، بنفس سرعة الطائرة. وبعد ذلك ستسقط في مُنحنى هكذا! في اللحظة التي تُلامس فيها الأرض، تقريبا تكون تحت الطائرة أيضا، شيء عجيب! هذا باتفاق العلماء، هذا ليس كلاما هكذا! هذا كلام مضبوط مئة في المئة، العساكر يُدرسونه وعلماء الفيزياء.

هذا أولا، دعونا نأتي بمثالين، ونختم؛ 

مثال غاليليو Galileo، ومثال أرسطو Aristotle، الشيخ أرسطو Aristotle، شيخ الفلاسفة! أرسطو Aristotle تعرف أنه لم يكن عالما تجريبيا، لم يكن يُحب التجربة. وعلى فكرة، الفكر اليوناني عموما كان يحتقر التجربة. تعرفون أرخميدس أو أرشميدس Archimedes! هذا تعلم على مَن؟ على إقليدس Euclid. مؤسس الهندسة! إقليدس Euclid من العباقرة الكبار. 

وإقليدس Euclid كان لا يُحب الأبحاث التجريبية، أي يعتبرها حقيرة، مع أنها كانت تخدم أفكاره! يعتبرها حقيرة، وتحط من قيمة العلم، وهكذا هو أرسطو Aristotle، عنده نفس النزعة أيضا! أن العقل الذكي لا بُد أن يتطابق بالحقيقة المُستخلصة بالتأمل مع الحقيقة الخارجية، هذا العقل الذكي، وإلا يكون غبيا. ولذلك لسنا بحاجة إلى أن نختبر الأفكار العلمية في الخارج. 

لذلك كان يرى أرسطو Aristotle أن أسنان الأُنثى لا بُد أن تكون أقل من أسنان الذكر. المُصيبة أنه كان مُتزوجا، ولم يخطر على باله مرة أن يفتح فم امرأته، ويقول لها نعد الأسنان! ممنوع، عيب! ستبصق عليه! (اخس عليك) يا تجريبي، يا وسخ! أنت تجريبي؟ (اخس عليك). ممنوع! وعاش ومات وهو يقتنع أن أسنان المرأة أقل من الرجل، وليست بحاجة إلى فحص. 

وظن الآتي بنفس الطريقة العجيبة! نحن نراها عجيبة! وأرسطو Aristotle هذا! مَن فينا يُقارب أصلا أن يفهم ذكاءه؟ لكن هكذا البارادايم Paradigm الذي كان، بارادايم Paradigm التأمل، وليس التجريب، انتهى! عكس العلم التجريبي! بارادايم Paradigm التجريب، وليس فقط التأمل، التأمل هذا الخُطوة الأولى.

إذن أرسطو Aristotle ماذا كان يقول؟ بالعقل أيضا لدي جسمان؛ واحد ثقيل، وواحد خفيف، واحد عشرة كيلوجرامات، وواحد نصف كيلو. ألقيت بهما؛ أيهما يهوي أسرع؟ قال لك طبعا الثقيل. ثقيل! الخفيف ليس أسرع. 

جاء السيد غاليليو Galileo، جرب وما إلى ذلك، قال لهم هذا الكلام اتضح أنه غلط يا جماعة، هذا اتضح أنه كلام فارغ! والناس تعبده، كأنه هذا مُنزل من عند الله، يُمكن أن يُساء إليك، إن شككت فيه! 

غاليليو Galileo شكك، قال لهم يا جماعة غير صحيح، وتعالوا كي أُريكم. وصعد على برج بيزا Pisa المائل، تخيل! وأحضر جسما ثقيلا، وجسما أقل ثقلا، وألقاهما في نفس الوقت، سقطا في نفس الوقت!

الذي أعجبني في غاليليو Galileo هو الآتي، ولا أدري هل مر بكم هذا الشيء! عنده بُرهان نظري، في مُنتهى الروعة! رد فيه على أرسطو Aristotle. قال له انظر يا شيخ أرسطو Aristotle، أنت لا تُحب التجريب، وأنا زورت كلامك. 

على فكرة، رجال الدين رأوا الكلام هذا، قالوا صدق أرسطو Aristotle، وكذبت عيوننا. صحيح أنهما نزلتا مع بعضهما، لكن لا بُد ألا تنزلا مع بعضهما، هذا النزول غالط، أرسطو Aristotle رأيه صحيح. تعصب! عبادة للسُلطة! السُلطة لمَن كانت؟ لأرسطو Aristotle.

إذن المُهم، فماذا؟ انظر، من ذكاء غاليليو Galileo – سوف تُعجبكم كثيرا هذه – أنه قال له أنا أعرف أنك لا تُحب التجريب – أي هذا من عندي، أنا صحفي، وهو لم يقل له هذا، لكن هذا هو -، أنت لا تُحب التجريب يا شيخ أرسطو Aristotle، أنا سوف أُحاكمك إلى منطقك أنت. 

ما منطق أرسطو Aristotle؟ المنطق هو الاتساق المنطقي! أليس كذلك؟ هو أبو المنطق، ال Formal logic. قال له منطقيا فكرتك في تفاوت سرعة السقوط بين الجسمين تبعا لتفاوت الكتلة أو الوزن غير مُتسقة، تُدمر نفسها! إذن هيا أرني كيف هذا يا رجل؟ انظر إلى الذكاء! غاليليو Galileo! 

قال له يا سيد أرسطو Aristotle هيا نربط جسمين – لا ندمج، ربط فقط -؛ جسما ثقيلا بجسم خفيف، نربطهما فقط، ثم نُنزلهما. بناء على قاعدتك أنت، ينبغي أن تكون سرعة هذا الحجر المربوط مع حجر آخر أقل منه في حال سقط وحده! أليس كذلك؟ لماذا إذن؟ لأن الحجم الثقيل؛ العشرة كيلوجرامات، إن نزل، فسينزل بسرعة، نفترض أنها عشرة، والحجر الآخر نفترض أنه خمسة كيلوجرامات، هذا سينزل بسرعة نفترض أنها خمسة، أليس كذلك؟ 

إن ربطناهما، فالمفروض أن تكون سرعة السقوط الوسط؛ عشرة نجمعها مع خمسة، ثم نقسم على ثنتين، وهذا يُساوي سبعة ونصفا! تكون السرعة سبعة ونصفا، صح؟ سيقول له أرسطو Aristotle طبعا صح! ولكن هذا يعود بالنقض على مبدئك أنت! 

لماذا إذن؟ لأن في الحقيقة المفروض أن الحجرين أثقل من الحجر الخاص بك وحده، والحجر الخاص بك وحده سرعة سقوطه عشرة! والحجران؟ سبعة ونصف. قال له Bye bye، فقدت الاتساق المنطقي. شيء رهيب يا أخي! ما هذا الذكاء الذي لدى العلماء؟ قال له أنت فقدت الاتساق المنطقي.

أخيرا، أختم لكم بحزورة، بازل Puzzle هي! حزورة فزورة. طبعا حين تذهب إلى النت Net، تجد حلها! لكن أنا أُريد منك أن تحلها وحدك. إن كان عندك مبادئ الهندسة الإقليدية، فحاول أن تحلها، وهي سهلة! تنحل بقانون بسيط جدا جدا!

الكرة الأرضية، وال Equator الخاص بها! الآن نُريد أن نأتي بحبل يا سيدي، قِشاط، Kordel، أي شيء! ونفترض أن الكرة الأرضية ملساء تماما، ليس فيها تعرجات، ملساء تماما! مثل ماذا؟ الكرة اللعبة هذه! وعلى فكرة يُمكن أن تفعل هذا على الكرة اللعبة في بيتك، أحضر كرة هكذا، نفس الشيء ينطبق عليها! وتعملها على الكون كله، لو كان كرة، ما رأيك؟ 

شيء مُخيف! يؤكد لك أن العلم عكس البداهة يا أخي، ضد البداهة، مُشكلة كبيرة! مع أنه توماس هنري هكسلي Thomas Henry Huxley قال ما العلم إلا بداهة مُدربة. Trained common sense. قال! Trained common sense. غير صحيح! ألفريد نورث وايتهيد Alfred North Whitehead قال يتجذر المسعى العلمي في الجهاز الفكري المبتنى على ال Common sense. غير صحيح! 

نحن اليوم نجلس ونُثبت الآن أن هذا الكلام كله غير صحيح. العلم في عمومه؛ تسعين في المئة، ضد البداهة. الدين مع البداهة. مُقاربة حلوة كثيرا، ويُمكن أن أعقد عنها مُحاضرة بحيالها كاملة، لكن أنا اليوم أعطيت خُلاصتها – بفضل الله تبارك وتعالى -؛ لكي لا تضيع مني.

إذن الآن نأتي إلى المثال الذي سيُروعكم ويُزعجكم:

الأرض الآن نُريد أن نلفها، المُحيط الخاص بها قدره خمسة وأربعون ألف كيلومتر تقريبا! نلفها! لففناها بحبل كامل، لكن تماما مُلامس، لا يُوجد فراغ بين الحبل وبين الأرض؛ جسم الأرض، تماما، عليها بالضبط، على القد. 

ستقول لي حلو! إذن وماذا بعد؟ سأقول لك تعال وزده، زد في الحبل هذا! زد فيه مثلا عشرة إنشات، يا سيدي عشرة مترات! ما علاقتنا بالإنش وما الإنش نحن؟ عشرة مترات! الحبل طوله إكس X، نزيد فيه عشرة مترات. ستقول لي عشرة مترات على خمسة وأربعين ألف كيلومتر؟ على خمسة وأربعين ألف كيلومتر.

سيكون هناك فراغ، أم لن يكون هناك فراغ؟ سيكون هناك فراغ! أليس كذلك؟ لأن الحبل في الأول تماما على القد، أي حز من الأرض، Girdle، عمل لها Girdling كاملا، ولا يُوجد مللي واحد فرق! زدنا فيه عشرة مترات، على خمسة وأربعين ألفا! سيكون هناك فراغ!

الفراغ هذا الآن – ها هو الحبل، وها هي الأرض – ما مقداره؟ سوف تقول لي كيف أحسبها هذه؟ أي كم سيكون مقدار هذا الفراغ؟ كيف أحسبها؟ أنا الآن أقول لك! ألم نقل عشرة مترات؟ تقريبا سيكون مترا وستة من عشرة من المتر، في كل الأرض! وأينما وجدته، وجدته بعيدا عن الأرض بمقدار متر وستة من عشرة من المتر، متر وستين! سيصير بعيدا بمقدار مئة وستين سم عن الأرض. 

ستقول لي لا، هذا الكلام فارغ! علم هذا، كل الرياضيين يعرفون لماذا! المُشكلة أن هذا القانون يكون صحيحا، حتى لو كان مُحيط الأرض ليس خمسة وأربعين ألفا، خمسة وأربعين مليون كيلومتر، أو Mile – إن أردت -، أو أربعة ونصف تريليون، إلى آخره! دائما! 

ستزيد عشرة مترات مثلا – أنت ستقول لي أُريد أن أزيد عشرة مترات -! عشرة مترات ستزيدهم في حبل يلف أرض خصرها خمسة وأربعون مليار كيلومتر! وزدنا فيه عشرة مترات! سيكون الفرق بينه وبين جسم الأرض في كل نُقطة مترا وستين سم. الله أكبر! 

ستقول لي معقول يا عدنان؟ ليست مسألة معقول، هذا العلم يا حبيبي، هذه لا يُوجد رياضي في العالم لا يفهمها، وأنا أفهم كيف، ولن أقول لكم، لن أغيظكم، لكن هذا موجود! سوف تجدونها في النت Net طبعا، سوف تجدونها، وسوف تجدون أن هناك رياضيين كبارا حلوها وأثبتوا لك إياها. 

المُشكل أن هذا صحيح على كرة أرضية في بيتك، صغيرة الحجم، وعلى الكرة الأرضية، بخمسة وأربعين ألفا! وعلى كرة الكون، حتى خمسة وأربعين تريليون سنة ضوئية! نفس الشيء! إذا زدت الحبل الذي تلفها به عشرة مترات، سيظل الفراغ دائما مترا وستين. 

ستقول لي والله العظيم شيء لا يكاد يُصدق! أصعب حتى من المُعجزات! هذا العلم، لكي أُثبت لك أنه فعلا لا يشتغل بالبداهة، يشتغل بقوانين أُخرى، ورياضية، وتحسبها في بيتك وحدك، من غير حتى Calculator، وحدك!

وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، والحمد لله رب العالمين.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: