أسماء الله الحسنى l المؤمن 2/1 l الحلقة 12

video

يبنا محمداً عبد الله، ورسوله، وصفوته من خلقه. صلى الله تعالى عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المُبارَكين المُنتجَبين، وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، ربنا تقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتُب علينا يا مولانا، إنك أنت التوّاب الرحيم. ربنا تقبَّل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركعونا وسجودنا ودعاءنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا.

سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم اجعلنا هُداةً مُهتدين، غير ضالين ولا مُضِلين، سلماً لأوليائك، وعدواً لأعدائك، نُحِب بحُبك مَن أحبك، ونُعادي بعداوتك مَن خالفك، اللهم آمين.

أما بعد، أيها الإخوة الأحباب، أيتها الأخوات الفُضليات:

السلام عليكم ورحمة الله وتعالى وبركاته.

أيها الإخوة الأحباب، أيتها الأخوات الكريمات:

موعدنا اليوم – إن شاء الله تبارك وتعالى – مع اسم الله المُؤمِن – سُبحانه وتعالى -، مع اسم الله المُؤمِن! ومن هذا الاسم الجليل اشتُق الأمن والأمان والإيمان واسم المُؤمِن أيضاً، واسم المُؤمِن! نعم.

ما معنى اسم الله – سُبحانه وتعالى – المُؤمِن؟ ما معنى المُؤمِن؟ المُؤمِن إما أن يكون من الأمان، وإما أن يكون من التصديق؛ لأن آمن بمعنى صدَّق، واليوم استمعنا في سورة يوسف وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ۩، أي وما أنت بمُصدِّق لنا. إذن آمن له، أي صدَّقه، وآمن بقوله، أي صدَّقه؛ صدَّق قوله، فالإيمان هو التصديق. وحتى الإيمان الشرعي ما هو؟ تصديق بالله وملائكته وكُتبه ورُسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، هذا هو الإيمان! تصديق يقيني، تصديق جزمي، تصديق قطعي. أو من الأمان، وهذا أشهر.

جيد، لنبدأ بما لا نُريد أن نتوسَّع فيه كثيراً. المُؤمِن من التصديق، من الإيمان بمعنى التصديق. لِمَ سمى الله – سُبحانه وتعالى وجل جلاله – نفسه بهذا الاسم؟ يُصدِّق ماذا؟ هو يُصدِّق نفسه أولاً، يُصدِّق نفسه! في كل ما يقول، وفي كل ما يُخبِر، وفي كل ما أوحى إلى مُرسليه ونبييه، يُصدِّق نفسه! وهذا كقوله – سُبحانه وتعالى – لَّٰكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ ۩، الله يشهد بهذا، الله يُصدِّق هذا، يُصدِّق الذي أنزله، يُصدِّق الذي أخبر به. وهذا أيضاً كقوله شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۩، قال شَهِدَ اللَّهُ ۩، الله يشهد بهذا، ويُصدِّق عليه، ويُصدِّقه. فالله إذن أول ما يُصدِّق، يُصدِّق نفسه – لا إله إلا هو -، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ۩، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ۩، وهذا أيضاً قيل الله، هذا أيضاً قيل الله! هذا قوله، هو الذي قال وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ۩. إذن هو يُصدِّق نفسه أيضاً، ويُصدِّق حديثه، ويُصدِّق قوله.

وأيضاً – أيها الإخوة والأخوات – يُصدِّق المُؤمِنين. يُصدِّق المُؤمِنين، في ماذا؟ يُصدِّق المُؤمِنين الصادقين، فيما يقولون، وفيما يدّعون، وفيما يفعلون – إن شاء الله تعالى -. والأصل في المُؤمِن أنه صادق؛ لأن الكذب لا يُجامِع الإيمان. وقد رأيتم في أصل الاشتقاق اللُغوي، أن الكذب هو مُقابِل ماذا؟ الإيمان. لأن الإيمان هو ماذا؟ الصدق والتصديق. فالكذب لا يُجامِع الإيمان. البُخل يُجامِع الإيمان! يُمكِن أن يكون الرجل مُؤمِناً، ولكنه بخيل، أليس كذلك؟ مُمكِن، هذا موجود. الجُبن والخوف يُجامِع الإيمان. ويُجامِع معناها يلتقي معه، وليست يُجامِع بالمعنى المعروف، لا! يُجامِع، أي يلتقي ويتفق. الجُبن والخوف يُجامِع الإيمان، قد يكون مُؤمِناً ولكنه جبان رعديد، يخاف ولا يخوض الغمرات، أليس كذلك؟ الكذب لا يُجامِع الإيمان. صعب أن تكون مُؤمِناً، أو أن يكون الأبعد مُؤمِناً، ويكون في الوقت نفسه ماذا؟ كاذباً أو كذّاباً. صعب جداً جداً. والكذب من علامات النفاق، الكذب من علامات النفاق! وليس من علامات الإيمان.

قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – يُطبَع المُؤمِن على الخلال كلها – وما معنى الخلال؟ الصفات. أي على الصفات كلها – إلا الخيانة والكذب. لأن الخيانة أيضاً ضرب من ضروب ماذا؟ الكذب. والكذب ضرب من ضروب الخيانة، أليس كذلك؟ لأن الذي يُحدِّثك وأنت له مُصدِّق وهو لك كاذب، هذا خانك، أليس كذلك؟ ولذلك قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – بحسب امرئٍ من الشر أن يُحدِّث أخاه بحديث هو له فيه مُصدِّق وهو له فيه كاذب. ذنب عظيم جداً جداً! أنت خُنته وخُنت ثقته، لم تكن تستحق وتستأهل ثقة هذا الأخ المُؤمِن. هو – أي هذا المسكين – كما يُقال على نيته وعلى سلامته، يستمع إليك ويُعطيك ماذا؟ الأمان، ويُعطيك الإيمان.

بعض اللُغويين وبعض المُحقِّقين من اللُغويين قال إذا كان الإيمان هو التصديق، وإذا كان الإيمان من الأمان، والأمان ضد الخوف، فالأصل هو الأمن، والتصديق فرع. أي المعنيين آصل؟ أي المعنيين آصل؛ أي أعرق وأغرق في الأصالة؟ قالوا الأمن. لماذا؟ كيف إذن؟ كيف يعود التصديق إلى الأمن والأمان؟ لأن الذي يُصدِّقك ولا يُكذِّبك، يُعطيك الأمان من أن يُكذِّبك. يقول لك لا تُوجَد مُشكِلة، تكلَّم وأنت في أماني. وما معنى في أماني؟ في أمان من أن أُكذِّبك. وهذا تحقيق جيد جداً، هذا لبعض علماء اللُغة المُحقِّقين والمُتعمِّقين في اللُغة العربية. قالوا معنيان؛ التصديق والأمان. والآصل منهما هو معنى الأمان، الأمن! يجعلك في أمان من أن يُكذِّبك.

على كلٍ إذن المُؤمِن يُطبَع على الخلال كلها، إلا على الخيانة والكذب. الخيانة ضرب من الكذب، أليس كذلك؟ الخيانة ضرب من الكذب. يقول لك لا تُوجَد مُشكِلة، ضع هذه الأمانة عندي، أو أهلك في حرزي. ثم يخونك في مالك، أو يخونك – والعياذ بالله – في أهلك. بعض الناس يخون صديقه، بعض الناس يخون جاره. والكذب خيانة، الكذب خيانة وهذا واضح، فالمعنيان يلتقيان ويفترقان في أشياء، عموم وخصوص من وجه، عموم وخصوص من وجه كما يقول المناطقة!

ونعود إلى ما كنا فيه. سُئل – عليه الصلاة وأفضل السلام – يا رسول الله، هل يكون المُؤمِن بخيلاً؟ قال نعم. البُخل يُجامِع الإيمان، أي هذا مُمكِن، مُؤمِن وبخيل، نعم! يا رسول الله، هل يكون المُؤمِن جباناً؟ قال نعم. يا رسول الله، فهل يكون المُؤمِن كذّاباً؟ قال لا. إلا الكذب! ولذلك الكذب هذا – فاشٍ الآن للأسف، نحن نرى أنه فاشٍ في الناس – من أردأ الخلال، ومن أسوأ الصفات والنعوت. الكذب لا يُبقي للرجل كرامة، أي طبعاً لا للرجل ولا للمرأة. لا يُبقي للرجل والمرأة كرامةً. لا يُبقي في وجهه ماءً من الحياء، ويجعل الناس يزدرونه، ويجعل الناس يحقرونه. أسوأ شيء الكذب! إذا عُرف الإنسان بالكذب – والعياذ بالله -، لا يعرف كيف ينظر إليه الناس. لو صدق، يُكذِّبونه. إذا تكلَّم، يحتقرون كلامه. إذا نطق بالحكمة، يرونها من أقبح القول، ولا يهتمون، حتى ولو بالحكمة! لأنه كذّاب. الكذب شيء سيء جداً جداً جداً.

والعرب في الجاهلية – كما قلت لكم – كانوا يأنفون من الكذب، في الجاهلية! كفّار ويعبدون الأصنام، ويأنفون من الكذب. الكذب لا يقبلونه، تخيَّل! ويأنفون أيضاً من الخيانة، أي أن يخون الواحد أهله، وأن يخون أقرباءه، وأصدقاءه، وجيرانه، مُستحيل! أو أن تخون المرأة زوجها، مُستحيل! المرأة العربية الحرة لا يُمكِن أن تفعل هذا، ولذلك النبي حين بايعته هند بنت عُتبة – أم مُعاوية – ماذا حدث؟ هي طبعاً في النساء، عام الفتح! هي أسلمت عام الفتح. فالنبي بايعها بما في آخر سورة المُمتحنة، وعندما قال وَلَا يَزْنِينَ ۩، قبضت يدها، وغضبت من الكلام هذا! ما هذا؟ هل تأخذ علينا العهد بألا نزني؟ وقالت له هل تزني الحرة؟ يُمكِن أن تفعل كل شيء، ولكن هذا الشيء لا. قال لها ولكن هذه بيعة، ولا بد من هذا. فهي قالت له وهل تزني الحرة؟ المرأة الحرة لا تفعل هذا بنفسها، مُستحيل!

فعلى كلٍ أبو سُفيان كان في الشام، وكان في مجلس استجواب – يستجوبه هرقل، عظيم الروم -، وسأله عن رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام وآله واصحابه -. حين سأله أشياء مُعيَّنة، صدقه أبو سُفيان. قال له هل هو كذا؟ وهل كذا؟ وهل كذا؟ فتكلَّم بالصدق، وقال وهو مُتحسِّر لولا أن تأثِر العرب عني كذباً، لكذبت عليه. ولكن هذا عيب، فضيحة! لو كذبت في كلمة واحدة ووصلت إليهم، سيقولون أبو سُفيان كذب. انتهى الأمر، سقطت رُتبتي! انتهى، وسقطت سيادته في قريش، ما عاد يكون سيداً حتى على الكفّار والمُشرِكين، لا يُمكِن! الرجل لا يكذب، الرجل لا يكذب! ونحن نقول الرجل لا يكذب، طبعاً والمُؤمِن رجل. الرجولة الحقيقية يُعطيها الإيمان، والرجولة ليست بالشوارب وبالجسم وبالأكتاف وبالصوت الجهير وبالصراخ، لا! الرجولة بالمواقف.

ابن مسعود، ألم يكن رجلاً؟ وأي رجل؟ وكم كان حجم ابن مسعود كله؟ كله شبر وفتر. هذا حجمه، ورجلاه صغيرتان، ولكنه رجل، رجل! رجل وبطل، فالحكاية ليست بالجسوم، ليست بالجسوم وبالأبدان، وإلا:

لا بأس بالقوم من طول ومن قصر                    جسم البغال وأحلام العصافـير.

ليست هكذا أبداً، الرجولة مواقف. قال – تبارك وتعالى – يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۩ رِجَالٌ ۩… وهذا عجيب! يقول رِجَالٌ ۩. لم يقل مُؤمِنون، مُتعبِّدون، صالحون، زاهدون، مُنقطِعون، ذاكرون، خاشعون. أبداً! قال رِجَالٌ ۩. إذن الرجولية مقام عظيم جداً يا أيها الإخوة، والفتوة مقام عظيم. يُقال فلان فتى. والفتى هو الإنسان الكامل، والرجل الكامل. الفتى يكون جواداً، يكون مقداماً شجاعاً، يكون صادقاً، يكون صاحب همة وطموح. هذا الفتى! والفتى لا يرضى بالدون، ويقنع بالدون من كان دونا. الفتى لا يرضى بالدون، وعنده همة كبيرة جداً جداً، يُحِب أن يصل إلى أعلى المراتب دائماً، وليس بالمزاعم، بالحق وبالتحقيق.

إذا القوم قالوا من فتى؟ خلت أنني                       عنيت، فلم أكسل، ولم أتبلد.

أنا الفتى، أنا الكامل. والرجولة كذلك، الرجولة كذلك! يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ۩، مَن هم؟ رِجَالٌ ۩. إذن فالرجولية تثبت على جهة الكمال والتمام، لمَن؟ لأهل الإيمان، للمُؤمِن الكامل. فالمُؤمِن الكامل رجل كامل. المُؤمِن الكامل لا يخاف إلا الله، حتى الملوك لا يخافهم، أليس كذلك؟ المُؤمِن الكامل لا يُجدي فيه لا ترغيب ولا ترهيب. وتجد رجالاً بشوارب ولحى وأحياناً بعمائم – حتى علماء دين – وأحياناً… وأحياناً… أمام الترهيب أو أمام الترغيب، يسيل لُعاب الواحد منهم، أو ترتعد فرائصه، ولا تقوم له قائمة. أهذا رجل؟ ليس برجل، لأنه ليس كامل الإيمان، لو كان كامل الإيمان، لما حصل هذا. هو لا يعنيه، لا يخاف إلا الله، ولا يرجو إلا الله، واليوم سنتحدَّث في هذا الموضوع، لا يرجو إلا الله – تبارك وتعالى -، أليس كذلك؟

قال أحد الصالحين كنت ترى أصحاب محمد – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، ورضيَ الله عن أصحابه وأرضاهم – يتمازحون، ويتباذخون بالبطيخ – تراهم ما شاء الله، عندهم أُخوة هكذا، أي وتُوجَد عفوية وهم يتعاملون، يمزحون ويضحكون وأحياناً يرمي بعضهم على البعض البطيخ، أي هكذا -، والإيمان في قلوبهم كالجبال الرواسي. فالمسألة – كما قلنا لكم – ليست بالظواهر، وبأن تدّعي أمامي أنك مُترزن ومترصن، وفي الأخير هنا خواء، لا! إذا جد الجد، نُريد أن نرى مَن الرجل طبعاً، إذا جد الجد! ولكن في الحال الطبيعي، كُن هيناً ليناً، كُن إنساناً طبيعياً، وامزح وكُن بسيطاً وعادياً. ولكن إذا جد الجد، سنقول نعم. أي وليس الكَحل في العينين كالكُحل، ليس الكَحل كالكُحل!

وإذا اشتبهت دموع في خدود                                تبيَّن مَن بكى مِمَن تباكى.

عند الجد، يبين كل أحد؛ كيف هو؟ وكيف معدنه؟

وقال أيضاً أحدهم كنت ترى الرجل، فلا تعبأ به، ولا ينال من دينه ترغيب ولا ترهيب. أنت تراه هكذا، فتقول عنه إنه إنسان بسيط، أي ولا يضح عليه هيئة رجال الدين الكبار أو ما إلى ذلك. ولكن هذا الرجل الذي أنت تراه بسيطاً وأحياناً قد تحتقره، لا يُمكِن أن تنال من دينه لا بترغيب ولا بترهيب. حين تقول له سأُعطيك وسأرفعك وما إلى ذلك، يقول لك لا، مُستحيل، مُستحيل! إني أخاف الله، ديني أولى عندي، ورجولتي ومبدأي وشخصيتي ومبادئي، لا أبيع! أنا لست بائعاً جوّالاً. أو ترهيب! أو ترهيب؛ سجن، شنق، وما إلى ذلك. أيضاً المُؤمِن الكامل هذا كله لا يعبأ به، ولا يهمه. وانظر إلى الإيمان، الإيمان – وهذه المُشكِلة – إذا مس جوهر الإنسان، أحاله شيئاً جديداً، صحيح! أنت ترى إنساناً، قد يكون جباناً، قد يكون دنيوياً، قد يكون مادياً، ولكن هي فقط لمسة الإيمان. إذا الإيمان مس شغاف القلب، واختلط بالحنايا، أحال الجوهر إلى جوهر جديد.

أرأيتم السحرة؟ ماذا قالوا لفرعون؟ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ۩. أتوا وهم يُريدون الأموال! قالوا له لو غلبنا موسى، هذا الذي غلَّبك، هل ستُعطينا؟ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ۩، أي وحتى سُنعلي لكم مراتبكم. أي في وزارة التعليم وما إلى ذلك، أو في وزارة العلم قديماً والسحر. قال لهم نعم، سنُعطيكم مراتب جديدة، لا تُوجَد مُشكِلة! جيد، هذا هو، هذا هو مُنتهى الطموح والهمة، أتوا وهم يُريدون بعض الأموال، أهذا هو؟ جيد، بعد ذلك حين رأوا الحق، عرفوا أنهم مُبطلون، وأن موسى على حق، وآمنوا مُباشَرةً، ولم يستأذنوا هذا الملعون، وهو غضب؛ كيف تُؤمِنون، ودون أن تستأذنوني؟ هو يظن أن عنده سُلطان على القلوب! فقال لهم سأفعل كذا، وسأعمل كذا، وسأُقطِّع من هنا ومن هنا – وأنتم تعرفون القصة -. قالوا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۩، افعل ما تُريد، أتُريد أن تُقطِّع؟ قطِّع يا سيدي. الله أكبر! ما هذا؟ في ربع ساعة؟ في خمس دقائق، كيف في ربع ساعة؟ الحكاية حدثت في خمس دقائق! قبل خمس دقائق كانوا يُريدون الأموال، وحين رأوا الإيمان، اختلف الأمر، ولكن هذا إيمان حق.

إذن هذا المعنى الأول للإيمان. والمعنى الثاني للإيمان – حتى لا يُدرِكنا الوقت – ما هو؟ قلنا من ماذا؟ من الأمان. الله – تبارك وتعالى -، هل تعرفون غيره، هل تعرفون أحداً سواه، يُعطينا الأمان في الدنيا والآخرة؟

(ملحوظة هامة) قال بعض الحضور كلا. فأكَّد فضيلته على صحة ذلك، بقوله كلا. ثم أكمل حديثه، قائلاً: هو الذي يُؤمِّننا أو يُؤمِننا من كل مخوف، أليس كذلك؟ هو الذي يُعطينا السلام في كل بلية وفي كل مصيبة.

وعلى فكرة من ضمن البراهين على وجوده وقيوميته وتدبيره لمُلكه – سُبحانه وتعالى – بُرهان الدعاء. أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ۩، هو الله، الله وحده! إذن موجود هو؛ لأنه يستجيب الدعاء. فأنت تدعوه في أمر مخوف، فيُلبيك – إن شاء الله تعالى -، فتعرف أنه موجود. هو وحده!

أيها الإخوة:

الأشياء التي نخافها كثيرة جداً؛ نخاف الفقر، نخاف المرض، نخاف السجن، نخاف الغُربة، نخاف العدو، نخاف فساد الأبناء، نخاف ضياع البنات، نخاف ضياع الذُرية من بعد موتنا، أليس كذلك؟ نخاف أن نُسلب نعمة الله علينا؛ في البدن، في العقل، وفي أي شيء، أي نعمة! نخاف من أشياء كثيرة، وهذا ماذا؟ هذا في الدنيا. وعند الموت الخوف أعظم، نخاف سوء الخاتمة، هذا لا يزال أعظم بكثير. ولا يأمن المُؤمِن إلا بماذا؟ إلا بإعطاء الله له الأمان؛ وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ۩. اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين. فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ۩، الخليل يتساءل – عليه السلام -، ما الجواب؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ۩. اللهم اجعلنا منهم. ما معنى الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ ۩؟ مَن هم؟ وما الظُلم هذا؟ الشرك، الشرك والحمد لله. يا ويلنا لو كان الأمان فقط للمُؤمِنين الذين لم يدنسوا بأي معصية، صغيرة أو كبيرة! لهلكنا جميعاً. كلنا أصحاب معاصٍ، كلنا أصحاب قاذورات، أليس كذلك؟ كلنا!

أيها الإخوة:

ثلاثة أحوال، فيها أوحش ما يكون ابن آدم، أخوف ما يكون الإنسان؛ حين يخرج من رحم أمه – وطبعاً هذا لا نذكره، ولكن المسكين يكون خائفاً فزعاً -، وحين يخرج من هذه الدنيا – لحظة الموت -، وحين يُبعَث يوم القيامة. ثلاثة أحوال، القرآن أشار إليها، وسوف ترون كيف، القرآن فيه أفكار عجيبة جداً، جِماع كل الفكر. ماذا قال سُفيان بن عُيينة – رحمة الله تعالى عليه، شيخ البُخاري، وشيخ مكة -؟ قال ابن عُيينة أوحش ما يكون الخلق – أي الإنسان – في ثلاث حالات: يوم يُولَد، فيأتي إلى أُناس وعالم لا يعرف منهم أحداً – شيء جديد! ويخرج مما كان فيه؛ كان في دنيا ويخرج إلى دنيا، كان في كون ويخرج إلى كون. فيكون ماذا؟ مُستوحِشاً، خائفاً، فزعاً -، ويوم يموت، فيقدم على أُناس لا يعرف منهم أحداً، ويوم يُبعَث، فيُقدم على أمر لا يعرف فيه مصيره – جنة أو نار، هذا هو، شيء مُخيف جداً جداً -. ثلاثة أحوال! فنحتاج من رب العالمين أن يُعطينا فيها ماذا؟ الأمان، والسلامة، أن يُسلِّمنا.

قال ابن عُيينة – وانظر إلى هذا الفكر العجيب وكيف تلطف في استخراج هذا المعنى الدقيق -، قال ومن هنا قال الله – تعالى – في يحيى وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ۩. الله أكبر، اللهم سلِّمنا في الأحوال جميعها. الأول انتهى، انتهينا منه، خرجنا وكبرنا، بقيَ الثاني والثالث الآن، طبعاً وكل واحد أهول من ماذا؟

(ملحوظة هامة) أجاب أحد الحضور، قائلاً: من الآخر. فقال فضيلته لا، من الذي سبق، من الذي سبق! كل واحد أهول من الذي سبقه. أضعفهم حالاً ما يكون عند الولادة، والأقوى منه ما يكون عند الموت، وما الأقوى من الذي يكون عند الموت؟

(ملحوظة هامة) أجاب بعض الحضور، بقولهم الذي يكون عند البعث. ثم قال فضيلته، مُستكمِلاً حديثه:

ولدتك أمك يا ابن آدم باكياً                          والناس حولك يضحكون سروراً.

فاجهد لنفسك أن تكون إذا بكوا                       في يوم موتك ضاحكاً مسروراً.

هذه هي البطولة، هذه هي الشطارة. لا بد وأن تستحضر دائماً هذه الفكرة؛ أنني عن قريب سأموت، ولا أدري، لعلها الساعة. لا يعرف الواحد منا، لعلها آخر ساعة في حياته. لا تعرف!

والله ذات مرة حدَّثني أحد إخواننا التوانسة – بارك الله فيهم – بالقصة التالية، والذي حدَّثني يعرف هذا الرجل، قال كان في المحل – أي لدينا هناك في البلدة – رجل مُدرِّس صالح، ما شاء الله عليه! من أهل الصلاة والصيام والتقوى، وهو (في حاله). طيب جداً – قال – وهادئ، ما شاء الله عليه، وهو مُدرِّس في المدرسة. وفي يوم عُطلة من الدراسة، قالت له زوجته خُذ السلة، واذهب إلى السوق، واحضر لنا أشياء للبيت. أخذ السلة، وذهب. وحين صار عند باب البيت، قال لا، الأمر أعجل من ذلك. وهو رجل صالح، ما شاء الله! قالت له زوجته ماذا؟ قال لها لا، أنا مُستعجل، لا يُمكِن هذا، لا يُوجَد وقت، لا يُوجَد وقت! (ما فماش وقت). حط السلة، وصلى ركعتين، فإذا به ميت، الله أكبر! هذا الرجل يُعتبه الله، ويُعطيه الرضوة، كيف عرف؟ أي هو عرف قبل عشر دقائق أو رُبع ساعة، عرف! ولذلك انظر، ها هو ختم حياته بركعتين، هنيئاً له! قال لزوجته هذا، قال لها لا، (ما فماش وقت). وما معنى (ما فماش وقت)؟ هي لا تفهم قصده، كيف (ما فماش وقت)؟ حط السلة، وصلى ركعتين، وإذا به ميت، رضيَ الله عنه، هنيئاً له! أي والله. هذه الشطارة، وهذه البطولة، أن تموت على هذه الحالة، وعلى هذا النحو، أليس كذلك؟ على هذا النحو!

حدَّثني رجل آخر أيضاً عن أخيه الذي مات مسموماً، قال أخي كان رجلاً صالحاً وطيباً، ولم يفعل للناس إلا كل خير، ولكن الحسد والحقد. وطبعاً هذا حسد مَن؟ وهذا حقد مَن؟ القرابات، الأقرباء؛ أولاد العم وما إلى ذلك، العائلة نفسها! قال فدسوا له السُم. فالمسكين عانى منه مُعاناة صعبة جداً جداً، لا أدري كم يوم! قال وكان يموت، فقلنا له ادع عليهم. قال لا والله، لا أدعو عليهم، أدعو لهم، وهداهم الله، وسامحهم الله. قال لما جاء يُنزَع، قال اخرجوا عني، اخرجوا عني. ثم قال يا عليكم السلام ورحمة الله، ما شاء الله، يا أهلاً وسهلاً، تفضلوا، تفضلوا، أوسعوا لهم. الملائكة تزوره، طبعاً الملائكة تأتي إلى رجل مثل هذا، وبمثل هذا التسامح، وبمثل هذه الأخلاق العالية؛ يُسامِح حتى مَن سمه، تصوَّر! وضيَّع عليه حياته وشبابه، انظر! هذه هي البطولة، هذه البطولة هنا، وهذه النتيجة، تأتيه ملائكة وتُسلِّم عليه، وهو فرحان جذلان ومحبور، ويرد عليها السلام. فاللهم اجعلنا يا ربي من هؤلاء المسعودين، واختم لنا بخاتمة السعادة، يا رب، وابعثنا يوم القيامة من الآمنين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

فنحتاج إلى أن يُؤمِّننا الله في أحوال كثيرة، وطبعاً أعظم الأهوال – كما تعلمون – هول يوم القيامة، وهو أهوال كثيرة! كيف؟ كيف السبيل إلى أن نأمن في ذلكم اليوم الفظيع الراهب؟ بالخوف من الله، ومُراعاته، وخشيته في الدنيا. ماذا يقول رب العزة والجلال – لا إله إلا هو، جل مجده، وعظم ثناؤه -؟ يقول في الحديث القدسي الجليل وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي أمنين، ولا أجمع على عبدي خوفين. إذا خافني عبدي في الدنيا، أمنته يوم القيامة. قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ۩ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ۩، إشفاق! أن تعيش مُشفِقاً خائفاً خاشياً راهباً، الله لا يجمع عليك الخوف في الدارين. خفته في الدنيا؟ سيؤمِّنك في الآخرة. وإذا أمنني في الدنيا، أخفته يوم القيامة. فلماذا؟ لأن الذي يأمن ربه، والذي يأمن مكر الله – فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ۩، ويأمن عذاب الله، ويأمن بأس الله الشديد في الدنيا، جريء، جسور على معصية الله، لا يهمه! قاس القلب عن مُراجَعة نفسه والإنابة إلى ربه؛ لأنه قاسٍ! ولكن الذي يخاف من الله، لا يكون كذلك. الخوف يمنعك ويحجزك، الخوف حاجز شديد جداً! في كل شيء ينبغي أن تقول إني أخاف الله.

وطبعاً كلنا نقول نحن نخاف الله، ولكن بعضنا يقول ذلك كقول إبليس، حتى إبليس قالها، قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۩. لعنة الله عليك، أتخاف الله؟ إن كنت تخاف الله، فما الذي تفعله الآن؟ تشتغل قوّاداً في بني آدم كلهم. هذه هي – كما نقول دائماً -، هذه هي! وأنا أُحِب أن أُقرِّر هذا المعنى؛ فعلاً لأنه معنى لطيف جداً جداً. الصلاح الصفدي قال ما رُميَ إبليس بحجر، ما رُميَ بقول أبي نواس. هذا قال في إبليس بيتين، من أسوأ ما يكون! أي من المُؤكَّد أنه أغاظ إبليس إلى يوم الدين، وأنا أُحِب أن أقول دائماً هاتين البيتين. قال:

عجبت من إبليس في كبره                                   وخبث ما أضمر في نيته.

تاه على آدم في سجدة                                              وصار قواداً لذريته.

لعنة الله عليك، الله قال لك اسجد لآدم، أنت والملائكة. وكلهم سجدوا، طبعاً والمعنى أن حتى جبريل سجد، كلهم! كل الملأ الأعلى سجد. قيل اسجدوا، فسجدوا. ولكن هو لم يسجد طبعاً، أحب أن يتصرَّف وكأنه أبو العريف وأبو العزة، وقال لا، أنا وما أنا ونار وطين. فما هذا؟ أتتفلسف على ربك أنت؟ ومَن هو؟ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ۩. كبر! أخذه الكبر والغطرسة والعُنجهية الباطلة، قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ۩، وكيف أسجد له؟ إذن جيد، أنت – ما شاء الله – أخذتك العزة هذه، وترى من نفسك أنك أعلى منه، وماذا بعد؟ بماذا رضيت لنفسك؟ صرت تشتغل قوّاداً لأولاده؛ لأولاد آدم – والعياذ بالله -. يشتغل قوّاداً! يُحِّب الناس في المعاصي، وفي اللواط، وفي القتل، وفي الزنا، وفي كل وساخات الدنيا – والعياذ بالله -. انظر إلى هذا، هذا المُنكَّس!

تاه على آدم في سجدة                                              وصار قواداً لذريته.

هذا إبليس الملعون – لعنة الله تعالى عليه -.

جيد، إذن ماذا نقول؟ اللهم صل على سيدنا محمد. فهذا هو إذن، إبليس يقول إني أخاف الله. لا، ليست العبرة أن تقول إني أخاف الله، العبرة أن تقول جوارحك إني أخاف الله. فرجك يقول إني أخاف الله، لا. بطنك يقول إني أخاف الله، فلا يدخلني مال فيه شُبهة وحرام، لا يُمكِن أن أطعم الحرام، لا يُمكِن أن آكل أموال الناس بالباطل؛ مُسلِمين كانوا أو غير مُسلِمين. يا أخي بعض الناس يتحيَّل بشكل غير عادي في أكل أموال الناس، بحيل فاسدة باطلة! أحياناً يأكل أموال إخوانه المُصلين، يأكل ولا يهمه، ما هذا؟ عن أي إيمان تتحدَّث أنت يا مسكين؟ هالك ولا يدري.

عينك تقول إني أخاف الله. فتغض عما حرَّم الله، هل هذا مضبوط؟ عينان لا تمسهما النار؛ عين بكت من خشية الله – وهذا فيما نحن فيه أيضاً، الخوف! خافت من الله -، وعين غضت عن محارم الله. وفي حديث آخر ثلاثة عيون. ما العين الثالثة؟ وعين باتت تحرس في سبيل الله. إذن العين التي تخاف من الله وتبكي، لن تمسها النار. لن تمس العين؟ هذا مجاز، من تسمية الكل باسم الجُزء. كما نقول رقبة، فَكُّ رَقَبَةٍ ۩، تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۩، لا! ليست العين هي المقصود، وإنما صاحب العين، أي – إن شاء الله – لن تمسه النار. الذي بكى من خشية النار ومن خوف الله، لن تمسه النار. اللهم اجعلنا من البكّائين.

والنبي كان يقول في حديثه المشهور اللهم ارزقني عينين هطالتين. أي مثل المزراب، يُحِب النبي أن يبكي كثيراً من خشية الله. يقول ارزقني عينين هطالتين، تذرفان الدمع من خشيتك، قبل أن تصير الدموع دماً، والأَضراس جمرا – في نار جهنم -. لماذا؟ لأن الجزاء من جنس العمل. ما الجزاء على الدموع الغزيرة من خشية الله؟ تُطفئ بحوراً من نار جهنم. قال له يا جبريل، يا أخي، أخبرني عن الأعمال. أُريد أن أعرف عن كل عمل، كم عدد درجاته، وكم عليه من حسنات؟ قال له والله يا أخي، يا محمد، لا نعلم، لا نعلم! ولكن الذي أعلمه – جبريل يقول له – أن الله – تبارك وتعالى – يُطفئ بالدمعة الواحدة من خشيته بحوراً من نار جهنم. بالدمعة! تخيَّل.

روى البيهقي، عن أبي هُريرة – رضيَ الله عنهم وأرضاهم أجمعين -، قال تلا رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام – يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۩. ما معنى وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۩؟ معناها – والعياذ بالله – أنها تلتهب وتشتعل بالناس. البنزين الخاص بها الناس! ما هذه النار العجيبة؟ فنار الدنيا حين تحط لها البنزين أو النفط، تشتعل. نار الآخرة حين تحط فيها حجراً أو جبلاً، أو حين تحط فيها إنساناً، تشتعل مُباشَرةً. أف! تنفجر بهذا الإنسان، شيء مُخيف، ليست مثل نار الدنيا. فحين قرأ هذه الآية، بكى أهل الصفة، حتى جرت دموعهم. فبكوا، حتى سالت دموعهم، فبكى النبي لبكائهم. النبي رآهم يبكون، فصار يبكي معهم، والنبي كان رقيقاً. يقول أبو هُريرة فبكينا لبكاء النبي. إذن الكل طبعاً – صفة وغير صفة – بكى، أي لما رأوا النبي يبكي، وهذا النبي، هذا أعظم رجل، والرجولة كلها مُتجسِّدة في شخص محمد بن عبد الله، الرجولة كلها والعظمة والجلال والفروسية والنخوة والمجد والكرم و… و… و… فالنبي يبكي، وأمامهم! فكلهم صاروا يبكون.

فقال – عليه الصلاة وأفضل السلام – والذي نفسي بيده، لا يُعذِّب الله مَن بكى مِن خشيته. أبشِروا! ولا يُدخِل الله الجنة مَن أصر على معصيته. ولو لم تُذنِبوا، لذهب الله بكم، ولجاء بقوم آخرين، يُذنِبون، فيستغفرون، فيغفر لهم.

فنسأل الله – تبارك وتعالى – ونضرع إليه، أن يجعلنا من أوليائه الصالحين، ومن عباده المحبوبين المسعودين الآمنين في الدنيا والآخرة، بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: