أسماء الله الحسنى l الحلقة 6

video

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩، يا ربي لك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه، كما يُحِب ربنا ويرضى. لا نُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله، ورسوله، وصفوته من خلقه. اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المُبارَكين المُنتجَبين، وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، ربنا تقبَّل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركعونا وسجودنا ودعاءنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، اللهم بلِّغنا مما يُرضيك آمالنا، واختم بالسعادة آجالنا. علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً، اللهم آمين.

أما بعد، أيها الإخوة الأحباب، أيتها الأخوات الكريمات:

السلام عليكم جميعاً ورحمة الله تعالى وبركاته.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۩، إذا كانت البسملة آية من كل سورة، إذن هناك مئة وثلاث عشرة مرة. هناك مئة وثلاث عشرة بسملة؛ لأن سورة التوبة خالية من البسملة، ولكن عُوضت بسورة النمل، إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ۩، كاملةً! سُبحان الله. وإن لم تكن كذلك، فهي على الأقل من الفاتحة. وإن لم تكن، فالرحمن الرحيم مذكور في كتاب الله في مواضع (هكذا بالاقتران)، وأما الرحمن وحده، فمذكور في خمس وخمسين آية. وأما الرحمة وما اشتُق منها، فهذه مذكورة في ثلاثمائة وخمسين موضعاً من كتاب الله.

أكثر أسماء الله – تبارك وتعالى – وروداً ودوراناً في الكتاب العزيز بعد اسم الله الأعظم (الله): الرحمن. أكثر اسم ورد ما هو؟ الله طبعاً – كما قلنا أمس -. يليه مُباشَرةً اسم الرحمن. خمس وخمسون مرة! أكثر اسم ورد بعد الله: الرحمن، ولكن الله ورد أكثر من ذلك بكثير، ولذلك بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ ۩، مُباشَرةً الرَّحْمَنِ ۩ يلي ماذا؟ اللَّهِ ۩. أي أول ما وُصف به الله هو ماذا؟ الرحمن. وهذا صحيح، لماذا؟ الرحمة أوسع صفاته. ماذا تقول الملائكة؟ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً ۩… بدأ بالرحمة! وَعِلْمًا ۩. ليس علماً ورحمةً، وإنما رَحْمَةً وَعِلْمًا ۩. أوسع صفات الله الرحمة.

والدليل على أنها أوسع صفات المولى – لا إله إلا هو، الرحمن الرحيم – قوله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ۩. الله أكبر! لماذا شاء أن يُعبِّر في هذا الموطن بالذات بــ الرَّحْمَنُ ۩؟ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ۩، أيضاً الشيء نفسه! الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ۩، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ۩. يقول العارفون بالله عبَّر – سُبحانه وتعالى – بأوسع صفاته، ألا وهي الرحمن، عن استوائه على أوسع وأعظم مخلوقاته. أعظم جِرم خلقه الله هو ماذا؟ العرش. وهذا معروف، وفي أحاديث أبي ذر وغيره لو مُدت السماوات السبع والأرضون السبع… لو مُدت! وهذا يُؤكِّد أنها ماذا؟ مطوية. وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ ۩، والآن هي مطوية، وهذا له علاقة حتى – كما قلنا مرة في درس علمي – بماذا؟ بمسألة فلكية، بمسألة كونية. لأنه قال يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۩. قال كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۩. إذن يُوجَد طي ونشر، ولكن على محور، وبعد ذلك يعود ماذا؟ الطي مرة أُخرى، على المحور. المُهِم هذا يُمكِن أن يُوحي بنظرية علمية خارقة جداً في علم الكونيات، على كل حال هذا هو. فالنبي يقول لو مُدت… لأنها ليست ممدودة الآن، ولكن هذا لو فرضنا أننا مددناها. لو مُدت السماوات السبع والأرضون السبع، فكانت جميعاً – هكذا -، ما كانت إلى عرش الرحمن، إلا كحلقة – كخاتم – في صحراء – في فلاة -. الله أكبر! شيء مُخيف.

إذن ما هذا الكائن؟ العرش شيء مُخيف، جِرم – والجِرم هو الجسم، وليس الجُرم، فالجُرم هو الجريمة طبعاً. الذنب الكبير يُسمى الجُرم، وأما الجِرم فهو الجسم، يُقال عنه الجِرم – مهول. إذن هذا الجِرم مهول، هائل جداً، مهول الخلقة! أعظم الأجرام هو عرش الرحمن – تبارك وتعالى -، وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ۩، وهذه من أعظم الملائكة، أي حملة العرش. ولما خلق الله العرش، قال لهاته الملائكة الثمانية احملوه، فما أطاقوه طبعاً. حاولوا أن يحملوه ويأخذوه، ولم يطيقوا! والعرش له قوائم طبعاً، ومكتوب على قوائم العرش ماذا؟ لا إله إلا الله، محمد رسول الله. يا الله! انظر كم لرسول الله من هذا المكان! على قوائم عرش الرحمن: لا إله إلا الله، محمد رسول الله. قال احملوه. قالوا يا رب لا نستطيع. قال احملوه، بلى، ما خلقتكم إلا لحمله. فحاولوا الثانية، فلم يستطيعوا، فحاولوا الثالثة، فلم يستطيعوا. فقال قولوا لا حول ولا قوة إلا بالله. فقالوها، فإذا هو كالريشة بين أيديهم، حملوه! انظر إلى هذه الكلمة العظيمة، كم هي عظيمة! لا حول ولا قوة إلا بالله، هذه كنز. النبي قال أوتيت كنزاً. هذه كنز من كنوز الله، لا حول ولا قوة إلا بالله! لو قلتها بيقين، تفلق الصخر، تنتصر في أي معركة، لو قلتها بيقين! لا حول ولا قوة إلا بالله.

وبعد ذلك هناك الشيء نفسه، انظر؛ لا حول ولا قوة، وهذه اللا نافية للجنس. فهي المُسماة ماذا؟ بالنافية للجنس. لا حول ولا قوة إلا بالله؛ لأن الوجود كله بالله، لا علم إلا بالله، لا وجود إلا بالله، وكذلك لا حول، لا فهم، لا كلام، لا سمع، ولا بصر، إلا بالله، كله بالله! إنا بك، وإليك.

فحملوه، على كل حال هذا هو. فإذن شاء الله – تبارك وتعالى – أن يُعبِّر عن هذا الاستواء على أعظم مخلوقاته وعلى أعظم جِرم وجسم، بماذا؟ بأوسع صفاته، ألا وهي الرحمن، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ۩، الله أكبر!

روى البُخاري ومُسلِم والترمذي وغيرهم – رضيَ الله عنهم وأرضاهم -، عن أبي هُريرة – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -، قال قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – لما قضى الله الخلق – وهذا لفظ البُخاري، وعند مُسلِم لما خلق الله الخلق. إذن لما قضى الله، أو لما خلق الله الخلق – كتب في كتاب – وفي رواية في كتابه -، فهو عنده فوق العرش: سبقت رحمتي غضبي – وفي رواية غلبت رحمتي غضبي -. وروى أيضاً في الصحيح، قال قال – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم – قال الله – تبارك وتعالى – رحمتي تسبق غضبي. الله أكبر!

هذا متى؟ حين قضى الخلق. كتب هذا في كتاب، وهو عنده على العرش. إن رحمتي سبقت – أو غلبت، أو تسبق – غضبي. دائماً الرحمة قبل ماذا؟ قبل الغضب. لا إله إلا هو! هذه أوسع صفاته؛ الرحمن، أوسع صفات الله!

ولذلك اسم الرحمن – لا إله إلا هو – اسم خاص، وهو من أخص الأسماء. وطبعاً اسم الله بلا شك هو الأخص مُطلَقاً، ولذلك قال ماذا؟ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ۩. لا يتسمى به إلا الله! وأما اسم الرحمن، فهو من أخص الأسماء بعد ماذا؟ بعد اسم الله – تبارك وتعالى -. أخصها في التسمية، وأعمها في الأثر. كيف؟ ما معنى هذا الكلام؟ وهذا الكلام ليس لي، هذا للإمام الجليل جعفر الصادق – عليه السلام، ورضيَ الله عنه وأرضاه -، من أئمة أهل البيت! جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن حُسين بن عليّ، ابن عليّ وابن فاطمة – عليهم السلام أجمعين -.

فجعفر الصادق يقول الرحمن أخص الأسماء، وأعمها أثراً، والرحيم أعمها في الاسم، وأخصها في الأثر. وهذا مُهِم جداً لنا في بحثنا اليوم؛ لكي نفهم الفرق بين الرحمن والرحيم، وهل هما مُترادِفان كما ظن الإمام السيوطي، وغلط في ذلك بلا مرية؟ السيوطي – قدَّس الله سره -، وتبعه على ذلك الإمام الصبّان – رحمة الله تعالى عليهما -، ظن أن الرحمن يُرادِف الرحيم، وأن الرحيم هو الرحمن، وهذا غير صحيح، وكما قال الإمام محمد عبده هذه زلة لا يُسأل لصاحبه إلا المغفرة. زلة كبيرة! ما هذا التكرار؟ هل هناك تكرار بهذه الطريقة؟ لا يُوجَد تكرار، مُستحيل! الرحمن يختلف عن الرحيم، يُوجَد فرق، وإن كان أصل الاشتقاق واحداً. وهذا الفرق سنخوض فيه بُعيد قليل – إن شاء الله تعالى -.

فالرحمن أخص الأسماء، أو من أخص الأسماء، ما معنى أنه من أخص الأسماء؟ لا يتسمى به أيضاً أحدٌ غير الله. ولذلك التعريف فيه أيضاً لازم، الرحمن الذي هو الله، أبداً! ليس غيره. ولذلك لم يرد في كتاب الله – تبارك وتعالى – بغير ال التعريف، دائماً الرحمن. لكن الرحيم ورد كيف؟  وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ۩، إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ۩، ورد هكذا. ولكن الرحمن، حيثما ورد في الكتاب العزيز، ورد بال التعريف، باستمرار! لا يُوجَد رحمن، دائماً الرحمن، الرحمن! هل مفهوم لماذا؟ لأنه اسم خاص بالله – تبارك وتعالى -.

ولما انبعث المجنون الكذّاب في كذبه مُسيلِمة – لعنة الله تعالى عليه – وجسر، فسمى نفسه بالرحمن؛ رحمن اليمامة، قرع رأسه أحدهم. وإلى اليوم وإلى يوم يقوم الناس لرب العالمين، يُلقب بالكذّاب، فصار يُدعى أبداً مُسيلِمة الكذّاب. وطبعاً هو ليس مُسيلَمة، ودائماً أُنبِّه عليها، قال أحد مشايخ الإسلام مَن قال مُسيلَمة، فهو أكذب منه. غير صحيح – قال – هذا. هو اسمه مُسيلِمة الكذّاب. مُسيلِمة الكذّاب! حين نقول مُسيلِمة، نقول الكذّاب. لا نقول الرحمن، وإنما نقول الكذّاب. فلا يُمكِن هذا، صعب! صعب أن هذا الاسم يليق بأي أحد، لا يليق إلا بالله – تبارك وتعالى -.

جيد، ما الفرق بين الرحمن والرحيم؟ عرفنا مبدئياً أنهما ليسا مُترادِفين كما ظن السيوطي والصبّان – رضيَ الله تعالى عنهما -، إذن ما الفرق بينهما؟ أيهما أبلغ؛ رحمن، أو رحيم؟ أكثر العلماء على أن الرحمن أبلغ من الرحيم، أوسع وأشمل وأبلغ. واحتجوا بحُجج كثيرة، منها أن بناءه – أي زِنته، أي وزنه – يدل على ذلك. فوزن فعلان يدل على السعة والشمول، يدل على السعة والشمول والامتلاء! نقول غرثان، ونقول عكسها شبعان، أي عكس غرثان طبعاً، غرثان تعني جوعان، هذا ذبحه الجوع، لم يأكل بالمرة، فارغ! إذن غرثان، وَتُصُبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوافِلِ. من قول حسّان في أمنا عائشة – رضيَ الله عنهما وأرضاهما -، قال وَتُصُبِحُ غَرْثَى.

حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ                  وَتُصُبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوافِلِ.

غرثان، ملآن، شبعان، ريّان – مُرتوٍ بالماء -، عطشان، غضبان، عجلان، وعُريان، التي نُسميها نحن الآن عَريان بالعامية، نقول عَريان. لا! الصحيح هو عُريان، ولذلك لا يُقال عُريان، لمَن كان عليه خلق ثوب، ولو حتى قطعة ثوب هكذا صغيرة، لا نقول عنه ماذا؟ عُريان. ماذا نقول عنه؟ عارٍ. ولا نقول عُريان، إلا إذا كان بلا أي شيء، كما خلقتني يا مولي. كما يُقال، هذا بلا أي شيء، فيُقال ماذا؟ عُريان. هل فهمتم كيف؟

فتدل على ماذا؟ على السعة والشمول والامتلاء. أي هذه الزِنة، هذه الزِنة أو هذا الوزن؛ فعلان. هذه واحدة! وأما فعيل، فأحياناً تأتي بمعنى فاعل، وأحياناً تأتي بمعنى مفعول، وليس في هذا كبير مُبالَغة. كما قال الصرفيون، كيف؟ ففعيل بمعنى فاعل، مثل سميع بمعنى سامع. سميع، أي سامع. فعيل بمعنى مفعول، مثل قتيل بمعنى مقتول. تقول وجدت قتيلاً. فما معنى قتيلاً إذن؟ مقتولاً. ويستوى فيه المُذكَر والمُؤنّث؛ امرأة قتيل ورجل قتيل، أي مقتول ومقتولة. فهذا ليس فيه كبير مُبالَغة، على الضد من ماذا؟ من فعلان. هذه واحدة!

ثانياً هناك القاعدة المعروفة؛ كلما زادت حروف الكلمة، فإنه يزداد المعنى، دل ذلك على زيادة المعنى! الزيادة في المبنى، تدل على الزيادة في المعنى. كما يقول العلماء، وحروف الرحمن أزيد من حروف ماذا؟ الرحيم. إذن هي أبلغ! فما الفرق إذن بينهما؟ ما الفرق بينهما؟

قال الجمهور (جمهور علماء أهل السُنة)، قالوا الرحمن هو المُنعِم بجلائل النعم وعظائمها وأصولها. فمثلاً الآن أنتم تعلمون أن النعم، كل النعم، أصول وفروع، أليس كذلك؟ من أصول النعم الصحة، من أصول النعم الصحة! هذا أصل، من ماذا؟ من أصول النعم. وله فروع كثيرة، صحة الأعضاء على الانفراد، من فروع ماذا؟ من فروع الصحة. وهكذا! وعلى كل حال قِس على ذلك بقية النعم.

فالمُنعِم بجلائل النعم وعظائمها وأصولها هو الرحمن، والمُنعِم بدقائق وخفي النعم هو الرحيم. هذا قول! قول آخر؛ الرحمن أعم وأشمل من الرحيم. الرحمن في الدنيا والآخرة، الرحمن هو رحمن في الدنيا والآخرة! الرحمن رحمن بالمُؤمِنين وبالكافرين، بكل عباده، أجمعين! وهذا صحيح طبعاً. لو لم يكن رحماناً – تبارك وتعالى – بالكافرين، لأهلكهم في الدنيا، ولعاجلهم بالعقوبة، وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى ۩، ما هذه الكلمة التي سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ ۩؟ اليوم ذكرتها؛ إن رحمتي سبقت غضبي، رحمتي! الله يقول لولا هذه الكلمة، لما أُمهِل كافر حتى ولو للحظة واحدة، مُباشَرةً يكون الحساب في الدنيا، وينتهي كل شيء. ولكن ربنا قال لا، رحمتي سبقت غضبي، رحمتي سبقت! فهو يُنظِرهم ويُؤخِّرهم. وهذا تفسير طبعاً من التفسيرات، ولكن هو تفسير قوي – بحمد الله تعالى -، لهذه الكلمة التي سبقت من رب العالمين – لا إله إلا هو -، إن رحمتي سبقت غضبي.

جيد، فالرحمن – كما قلنا – بمَن؟ بالمُؤمِن وبالكافر. وهذا صحيح! ماذا قال إبراهيم – عليه السلام -؟ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۩. قال مَنْ آمَنَ ۩. وطبعاً من الرحمة ماذا؟ الإنعام بالأرزاق. أليس كذلك؟ هذا من وجوه رحمة الله، وطبعاً وجوه رحمة الله كثيرة جداً جداً، وتحتاج إلى مُحاضَرات! نحتاج إلى مُحاضَرات، ولن نخوض فيها، كثيرة جداً جداً. وتستطيع أنت أن تصل إليها بنفسك، بمُطالَعة واستقراء آيات الكتاب العزيز. حاول أن تقرأ كل مورد فيه كلمة رحمة أو مُشتقاتها، وسوف تعرف مجالي ومظاهر رحمة الله، كثيرة جداً جداً!

خلق الكون من رحمة الله، بالرحمة خلق الكون، طبعاً! مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ۩، لا يُوجَد! هذا خلق الرحمن، الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَٰنُ ۩، هو رحمن؛ لأنه خلق هذه الأشياء، فهذا من رحمة الله. وإقامة القيامة من رحمة الله، اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۩، هذا من رحمته، لماذا؟ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ۩، هذا الجمع من رحمة الله طبعاً؛ حتى يُجازى كل إنسان بما عمل؛ إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. فهذا من رحمة الله، وهكذا! رحمة الله كثيرة جداً جداً، أي حتى خلق الجنة والنار من رحمة الله، انظروا! من رحمة الله. وخلق الدنيا وخلق الإنسان من رحمة الله. تعليم الإنسان وإعداد الإنسان هذا الإعداد العجيب من رحمة الله، الرَّحْمَنُ ۩ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ۩ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ۩ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ۩، فهذا من رحمة الله. مظاهر رحمة الله كثيرة جداً جداً! كسوق السحاب، إنزال المطر، أشياء كثيرة جداً جداً، لن نخوض فيها، ويُمكِن – كما قلت – بالاستقراء أن يعود إليها كل واحد منكم – إن شاء الله تبارك وتعالى -.

جيد، قَالَ وَمَن كَفَرَ ۩. إبراهيم يقول ارزق، ارزق بهذه الثمار والأنعام فقط المُؤمِنين يا رب. الله قال له لا يا إبراهيم. قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ۩. قال له حتى الكفّار! ويروى القصة المعروفة جداً عن الخليل – عليه الصلاة وأفضل السلام -، أنه استضافه رجل كافر، قيل كان من عبدة النار. قيل كان من عبدة النار وهذا لا يعنينا، المُهِم أنه رجل كافر. استضافه، أي طلب الضيافة والقِرى. وإبراهيم عرف أو علم أنه من عبدة النار، أو أنه من المُشرِكين، فقال له لا، حتى تُغيّر دينك. ما هذا؟ أأطعِم أنا إنسان كافر ومُلحِد بالله؟ فقال لا أفعل. فمر الرجل، ما معنى مر؟ أي انطلق. يُقال مر، أي ذهب.

فمر الرجل، فأوحى الله له أن يا إبراهيم، أبيت أن تُضيف عبداً من عبادي، وأنا أرزقه على كفره سبعين سنة! قال له هذا من سبعين سنة وهو كافر، كبير في السن! وأنا أرزقه على كفره. وأبيت أن تُضيفه ليلةً! ماذا كان عليك لو أضفته ليلةً؟ فعاد إبراهيم في أثره – عليه السلام -، وإبراهيم كان معروفاً بالكرم، من أكرم الأنبياء! كان يُدعى ويُكنى بأبي الضيفان. الضيفان تعني الضيوف، جمع ضيف. ضَيف وضُيوف وضَّيف اسم جنس، فأنت تقول حتى الضيف اسم جنس، وضيفان! يُكنى بأبي الضيفان – عليه السلام -.

فعاد في أثره، حتى أدركه، وقال له عُد، وأنزِل علىّ على الرحب والسعة. قال لماذا؟ ما الذي طرأ؟ أخبرني. فأخبره أن الله عتب عليه؛ لأجل أنه طرده لكفره، وأراده على تغيير دينه. فقال أشهد أن هذا الإله حق، وأسلم الرجل. هذا هو طبعاً.

ولذلك روى الإمام الطبراني – على ما أذكر، إن شاء الله تعالى -، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – إن الله قد رضيَ هذا الدين لنفسه، وهذا الدين لا يُصلِحه إلا الكرم وسخاوة الأنفس. أرأيتم؟ من أكبر أبواب الدعوة الكرم وسخاوة النفس. لا يُمكِن أن يكون هناك إنسان مُسلِم، ويقول لك أنا داعٍ إلى الله، وهو إنسان بخيل كزّاز، لا ينفع! لا بد وأن يكون عنده سخاء نفس وكرم. ولذلك لا يُوجَد نبي بخيل، مُستحيل أن يُوجَد نبي بخيل. وكل الأنبياء هم أكرم خلق الله، والنبي هو أكرمهم. والنبي حين سُئل مَن أكرم الأكرمين؟ مَن أجود الأجودين؟ قال لهم الله – تبارك وتعالى -. الله هو أجود الأجودين، ثم أنا. ليس عدي بن حاتم، لا! وليس فلاناً ولا علاناً، أبداً! ثم عالم، علم علماً، فعلَّمه الناس. أجود الأجودين بعد رسول الله هذا، أرأيتم؟ وهذه معناها أنه يُوجَد عندنا – بعد رسول الله – أُناس عندهم أموال يُعطون منهم، وهناك أُناس علماء ويُعلِّمون، النبي قال لا، العالم هذا أجود، أجود من أي جواد. طبعاً لأن الذي يُعلِّم الناس الجود والشجاعة والجهاد والعفة والكرم والسخاء والتسامح والحلم والصبر والمعاني الجميلة ومحامد الأخلاق، هم مَن؟ العلماء. لا يُوجَد غيرهم! العلماء حياة للناس، كالمطر حياة للأرض. المُهِم، فهذا هو أجود الأجودين، بعد رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -.

فالله – تبارك وتعالى – رحمن، رحمن بكل عباده؛ مُؤمِنهم وكافرهم. جيد، وأما الرحيم، فقيل هو رحيم في الآخرة، ورحيم بالمُؤمِنين على وجه الخصوص، إن في الدنيا أو في الآخرة، لقوله وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ۩، قال بِالْمُؤْمِنِينَ ۩. هو قال هذا، ولم يقل وكان رحيماً بالمُؤمِنين، قدَّم وقال وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ ۩، أي وحدهم، فقط! وليس بالكافرين، لا! هو رحيم فقط بالمُؤمِنين، وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ۩، إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ۩، قال إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ۩.

على كل حال هذه هي وجوه التفرقة التي يُمكِن أن نقع عليها – أو هي مُعظَمها – في كُتب الأقدمين، إلا أنني من باب إحقاق الحق والشهادة به، قرأت للأستاذ الإمام محمد عبده – رحمة الله تعالى عليه -، ومُنذ مُدة – بحمد الله -، في تفسيره (تفسير المنار) تفرقةً غاية في الإبداع والدقة، سُبحان الله! وفعلاً يبدو أن الله – عز وجل – يأبى إلا أن يترك أيضاً للأواخر أو للآخرين ما لم يُوفَّق ويُهدى إليه المُتقدِّمون، وهذا شيء عجيب طبعاً، فهذا العالم المُتأخِّر – مات في عام ألف وتسعمائة وخمسة، أي في أول القرن العشرين – اهتدى إلى وجه في التفرقة بين الرحمن والرحيم، لم يهتد إليه مُعظَم السابقين من الأئمة والعلماء والنحويين والصرفيين والمُفسِّرين، ولم يرتض كل هذه الوجوه. محمد عبده ماذا قال؟

وهو كان رجلاً ثابتاً طبعاً في علوم اللُغة العربية. أي أثبت في النحو والصرف وعلوم العربية، أثبت منه في علوم الدين طبعاً. أي في الحديث والفقه وأصول الفقه وما إلى ذلك، كان أضعف، ولكن في علوم اللُغة بالذات كان أثبت بكثير – رحمة الله تعالى عليه -، وهذا هو السر أنه وُفق إلى هذا الوجه.

قال محمد عبده – رحمة الله تعالى عليه – بالتأمل في لُغة العرب وأساليبها، يبين لنا أن هذه الزِنة أو هذا الوزن؛ فعلان، إنما هو وصف فعلي للعارض من الصفات. وهذا صحيح، ليس للصفات الثابتة، ليس للصفات النحائزية، أي التي تكون بالجبلة أو الغريزة، أبداً! إنما للصفات العارضة. فالشِبع والجوع والري والغضب والعُري، وأمثال هذه، عارضة أو ثابتة؟ عارضة. صحيح! شبعان، ريّان، غرثان، جوعان، عجلان، عُريان، كلها صفات عارضة. هذه واحدة! وأما فعيل، فبالضد من ذلك. يدل على الصفات… ماذا؟ الثابتة. تدل على الثبات والدوام، كحليم وعليم ورحيم، وما إلى ذلكم. عجيب، مدخل ذكي جداً جداً، مدخل لُغوي صرفي.

إذن، يقول محمد عبده – رحمة الله تعالى عليه – فأنا أرى أن الرحمن تدل على… ماذا؟ على ما أشبه أن يكون بصفة الفعل، الرحمة التي يرحم بها الله عباده. لكن هذه الرحمة إذا سمعها العربي – العربي القح الصرف، ليس مثلنا، نحن لا نعرف شيئاً، العربي الأصلي الذي نزل عليه القرآن الكريم – أدرك معناها، حين يسمع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ ۩، يطمئن قليلاً، ولكن يوجل في الوقت نفسه، يقول رحمن، يرحمني، ولكن قد تنقطع الرحمة. أرأيت؟ لأنه رحمن، وهذه الصفات عارضة، يُمكِن أن يرحمني اليوم، ويمتد هذا لسنة أو سنتين، وبعد ذلك يقطع رحمته عني، يُمكِن أن تكون الرحمة عارضة. يخاف! يطمئن ويخاف في الوقت نفسه. فجاءت ماذا؟ الكلمة الثانية، أو الاسم الثاني. لماذا؟ لكي يُفرِخ روعه، ويقر قراره، ويُعطيه السكينة والطمأنينة الإيمانية. قال له لا، هو الرحمن، وفي الوقت نفسه أيضاً الرحيم. الرحيم! رحمة ثابتة، وهذه الرحمة تمتح من ماذا؟ من معين رحمته الثابتة – لا إله إلا هو -.

وهذه التفرقة من أبدع ما يكون، ولكن علَّق عليه تَلميذه الشيخ محمد رشيد رضا – رحمة الله تعالى عليه – بقوله وسبقه إلى نحو من هذا المعنى الشيخ العلّامة ابن قيّم الجُوزية. الذي نحن نُسميه ابن القيم الجَوزية، وهو في الحقيقة ابن قيّم الجُوزية. الأحسن أن يُقال ماذا؟ ابن قيَم الجُوزية (بالإضافة). لماذا؟ لأن أباه كان قيّماً على مدرسة تُعرف بالمدرسة الجُوزية (بالضم)، فأبوه هو قيّم الجُوزية، وهو ابن قيّم الجُوزية. وهم يقولون ابن القيم الجَوزية، هكذا! المُهِم أن هذا خطأ شائع.

جيد، الإمام الشيخ العلّامة أبو محمد شمس الدين بن قيّم الجُوزية، أنتم تعرفونه، تَلميذ ابن تيمية، أخص تَلاميذ التقي بن تيمية. مُتوفى ابن القيّم في عام سبعمائة واثنين وخمسين تقريباً، نعم! فابن القيّم – رحمة الله تعالى عليه – قال الآتي، ولكن على الضد من كلام محمد عبده. على نحوه، ولكن بالضد. عاكس! قال الرحمن تدل على صفة ذات، والرحيم على صفة فعل. الرحيم على صفة فعل! عكس كلام محمد عبده، ولكن فرَّق بينهما بالتفرقة نفسها، أرأيت؟ صفة ذات، وصفة فعل.

وكيف استدل على ذلك ابن القيّم – رحمة الله تعالى عليه -؟ استدل بأنه وجد أن الله – تبارك وتعالى – في موضعين قال وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ۩، إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ۩. ولا يُوجَد في كتاب الله – تبارك وتعالى – إنه بهم رحمن، أو هو بهم رحمن، أو كان بهم رحماناً. لا يُوجَد! مما يدل على أن الرحمن هو أصل الرحمة، الوصف الثابت! وأن الرحيم تدل على ماذا؟ على الرحمة التي يرحم بها الله عباده. واستجاد هذا واستروح إليه رشيد رضا، وقال وهو قوي. أي أحسن حتى من كلام محمد عبده، لماذا؟ لأن الآيتين تشهدان له. وإن كان الصرف يشهد لمَن؟ لمحمد عبده. والله أعلم بحقيقة ذلك.

ما حظ العبد المُسلِم والأمة أو الأخت المُسلِمة من هذا الاسم؟ واضح! الحظ أن نتخلَّق بخُلق ماذا؟ الرحمة. قدر ما نستطيع! حتى قال شيخ الإسلام أبو حامد الغزّالي – قدَّس الله سره – حظ المُؤمِن المُوحِّد من اسم الله الرحمن، ألا يدع غافلاً ولا يدع شارداً، إلا حاول دلالته وهدايته، باللُطف والرفق، لا بالعُنف، حتى يصل إلى مقام، يرى في ذنوب الخلق جميعهم، ذنباً له. يرى في ذنوب الخلق جميعاً، ذنباً له! أي ذنوباً منه وله. قال هذا حظ المُؤمِن من خُلق الرحمن أو من اسم الرحمن.

إذن أهم ما ينبغي على المُؤمِن أن يتخلَّق به، ما هو؟ استنقاذ عباد الله من النيران. هذه هي الرحمة الحقيقية! أعظم ما ترحم به عباد الله، هو ماذا؟ أن تستنقذهم من نار جهنم. قبل أن ترحمهم بإعطاء المال، أو بالبسمة الحانية، أو بإعطاء الدواء، لا! قبل.

قال أبو حامد وأما حظه من اسم الله الرحيم، فألا يدع فقيراً ولا مُحتاجاً ولا مُعوزاً، إلا سد خلته، بقدر ما يستطيع! قال فإن لم يكن عنده ما يسد به الخلة والعوز، لم يُخله من دعوة صالحة. ليس عندي، ولا أستطيع! فأدعو له بظهر الغيب، أدعو الله أن يُوسِّع على هذا العبد، على هذا الأخ، وعلى هذه الأخت، فهذه من الرحمة.

وطبعاً هذان أشبه بأن يكونا مثالين، وطبعاً التمثيل يُمكِن أن يتحقَّق – إن شاء الله – بغير هذين المثالين، بأمثلة كثيرة جداً جداً! لكن خُلق الرحمة بلا شك، من أخص أخلاق المُؤمِنين، من أخص أخلاق المُؤمِنين! من الصعب جداً أن يكون المُؤمِن قاسياً عاتياً جافياً، المُؤمِن رحيم ورقيق. كيف يكون المُؤمِن قاسياً جافياً، وهو كل مرة حين يُصلي ويُخاطِب ربه إنما يقول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۩ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۩؟ كل يوم، كم مرة! صعب جداً أن يكون قاسياً، إلا إذا كان لا يستفيد من صلاته شيئاً.

قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – في الحديث المشهور مَن لا يَرحم الناس، لا يُرحَم. وقال – عليه الصلاة وأفضل السلام – لا تُنزَع الرحمة من شقي. الإنسان الشقي – والعياذ بالله – المُعثَّر المتعوس، هو الذي ينزع الله الرحمة منه، الرحمة بكل مجاليها، وبكل معانيها، والمعاني كثيرة جداً جداً! حتى حُبك لابنك، من الرحمة. إيثارك ابنك على نفسك، بتمرة أو بأكل أو بشُرب أو بشيء، هذا من الرحمة. أن يلبس هو، وأن تعرى أنت أحياناً، أو لا تلبس مثلما يلبس، هذا من الرحمة، وتُجزى عليه. وأنتم تعلمون حديث عائشة، وهو في الصحيح – في البُخاري -. عائشة أتتها جارية – امرأة (غلبانة) هكذا – وكان عندها ابنتان. هذه المرأة كان عندها جاريتان لها، أي بنتان. فعائشة أعطتهن ثلاث تمرات، فأخذت الأم تمرة، وأعطت كلاً من ابنتيها تمرة، أي لكلٍ تمرة. فأكلت الابنتان ماذا؟ التمرتين. ويبدو أن هذه السيدة أو المرأة كانت مشغولة بالكلام مع أم المُؤمِنين عائشة، ثم بعد ذلك أخذت تمرتها – تمرة نفسها -، فشقتها باثنتين أو باثنين، وأعطت كلاً من ابنتيها. فأعجبت بهذا، أي هذا الخُلق أو هذا التصرف أعجب أمنا عائشة، يُحِبون هذه الأشياء! هذا خُلق طيب. فأخبرت الرسول بذلك، فقال هي في الجنة بفعلها هذا. الله أدخلها الجنة بهذا. وهذا في الصحيح؛ في البُخاري هذا. عجيب! أي تدخل الجنة؛ لأنها حنت على ابنتيها وأعطتهما تمرة. الحمد لله، وأكثرنا – إن شاء الله – يفعل أكثر من ذلك، الحمد لله، هذا الشيء طيب جداً جداً، الرحمة! أن نرحم أولادنا.

ولكن انتبهوا، بعض المُسلِمين يقول لك نعم، لا تخف علىّ، أنا عندي من هذا الكثير، أنا عندي رحمة عجيبة على أولادي. لكن حين تسأله هل ترحم أيتام المُسلِمين؟ يقول لك هذا لا يعنيني. نعم! ولكن النبي قال ماذا؟ النبي قال ليست برحمة أحدكم أهله – ليست هذه هي الرحمة التي أنا أُريدها -، إنما برحمة أحدكم العامة. أخرجه الطبراني، ليس فقط أن ترحم أهلك وما إلى ذلك، وإنما أن ترحم كل المُسلِمين، عامة الناس المُوحِّدين، هذه هي! وترحم أهلك طبعاً أولاً، والأقربون أولى بالمعروف. لكن لا ينبغي أن تكون هناك أنانية في الحكاية، وتقول لي رحمة. هذه ستُصبِح أنانية، لا! أنا أرحم أهلي، وعندي رحمة أيضاً تفيض على مَن؟ على كل مَن حولي مِن إخواني في المِلة والدين – إن شاء الله تعالى -. وحتى على الحيوانات، وأحياناً على الكافرين أيضاً. الرحمة واسعة جداً – إن شاء الله تعالى -.

المُهِم، جاء مرة الأقرع بن حابس التميمي – من بني تميم، وتعرفونه هذا، هو أحد المُؤلفة قلوبهم؛ عباس بن مرداس، والأقرع بن حابس، وعُيينة بن حصن. هؤلاء كانوا من المُنافِقين والمُؤلفة قلوبهم، أشقياء! وهو رجل بدوي هكذا، من بني تميم، جلف قاسٍ – ورأى النبي يُقبِّل الحسن بن عليّ. وهذا في الصحيح – عند الشيخين؛ البُخاري ومُسلِم -. رأى النبي يُقبِّل الحسن بن عليّ، انظر! انظر إلى الحنان النبوي، شيء عجيب جداً. النبي يقطع الخُطبة (الخُطبة الجُمعية)، وينزل من على المنبر، ويأخذ الحسن والحُسين، وقد أتيا في ثوبين أحمرين، أو بُردين أحمرين، يعثران. فقال رأيت هذين الصبيين يعثران، فلم أملك نفسي أن رحمتهما. قال هذه رحمة. قال لم أقدر. قطع الخُطبة!

لما تُوفيَ إبراهيم – عليه السلام – ابن رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، بكى النبي، وتعرفون العبارة المشهورة؛ إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن… إلى آخره! فجابر بن عبد الله الأنصريين – رضيَ الله تعالى عنهما وأرضاهما – قال يا رسول الله أتبكي؟ هو استغرب؛ لأن هذا النبي، رسول الله المُتعلِّق بالله، هذا عبد الله الأكرم، أيبكي على فراق ابنه، وهو طفل صغير، عمره سنة وستة أشهر؟ فقال له أتبكي يا رسول الله؟ قال وما لي لا أبكي يا جابر؟ إنما هي رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء. هذه رحمة في القلب! وطبعاً لم يتسخط القدر، لم يتسخط القدر ولم يقل شيئاً لا يُرضي الله، ولكن هذه رحمة. فهنيئاً لرسول الله بهذا القلب الكبير، هنيئاً لرسول الله بهذا القلب الكبير – عليه الصلاة وأفضل السلام -!

وهذا قسط عظيم جداً من رحمة الله، التي أرسلها الله في أرضه. وأنتم تعلمون الحديث الذي في الصحيحين أيضاً، عن أبي هُريرة، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – إن الله – تبارك وتعالى – خلق الرحمة، فجعلها مئة جُزء. أي مئة رحمة! في لفظ البُخاري فأرسل في الأرض – أي أنزل وترك – رحمة واحدة. واحتبس كم؟ تسعة وتسعين رحمة. في رواية أُخرى يرحم بها عباده يوم القيامة. لا إله إلا الله! والله شيء مُمتاز هذا، فعلا شيء مُطمئن، والحمد لله. والبُخاري زاد، هذا عند مُسلِم والبُخاري، والبُخاري زاد هذه الزيادة؛ قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – بعدها (بزيادة)، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – فلو يعلم الكافر، الذي عند الله من الرحمة، لم ييأس من الجنة. يظل وهو كافر، يظل عنده أمل في الجنة، رُغم أنه ليس عنده أمل طبعاً، مُستحيل! لأن الله حرَّم عليه الجنة؛ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۩. لكن لو تصوَّر هو كم هذه الرحمة، لبقيَ يطمع في الجنة، وهو كافر. ولو يعلم المُسلِم ما عند الله من العذاب، لم يطمع في الجنة، أو لم يأمن من النار. أي لقال أكيد أنني سأدخل النار، أكيد! لو يعلم ماذا؟ ما عند الله من العذاب.

كان الولي الصالح والرجل العارف بالله يحيى بن مُعاذ الرازي – رضيَ الله عنه وأرضاه – يقول إلهي، كيف لا نستغفرك، وكيف لا نرجو رحمتك، وقد ادخرت تسعةً وتسعين رحمةً لنا؟ كيف لا نرجوها؟ عندنا أمل كبير في رحمتك؛ لأن يُوجَد عندك تسعة وتسعون رحمة، ونحن نرى مظاهر رحمة واحدة في الأرض، ونرى كيف هي، رحمة عظيمة جداً جداً!

لما تُوفيَ أبو حمزة – أنس بن مالك، صاحب رسول الله، وقد عُمّر طويلاً، كما تعلمون، رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه – كان يضحك. سيدنا أنس، لما تُوفيَ كان يضحك، أي كان مبسوطاً، وهو يُتوفى كان مبسوطاً وما إلى ذلك، فقالوا له ألا تخاف؟ أنت تموت الآن، وأنت مبسوط جداً! الرجل كان مبسوطاً، وهو صحابي جليل، ما شاء الله عليه! فقال ما أدري ما أقول لكم. ماذا ينبغي أن أقول لكم؟ والله لا أعرف. ولكن أقول لكم إنكم ستُعاينون من رحمة الله ومغفرته ما لم يخطر على قلب بشر. والسلام عليكم! مات، ختم حياته هكذا – قدَّس الله سره -، انظر، هذا صحابي، وعنده ثقة، ويبدو أنه عاين من رحمة الله الشيء الكبير. حين كان يُنزَع، عاين هذا. هو عاين من رحمة الله شيئاً كبيراً، ولذلك هو كان يضحك مسروراً محبوراً. قال لهم لا أدري ما أقول لكم، ولكنني أقول لكم هذه الكلمة؛ سوف تُعاينون من رحمة الله ما لم يخطر على قلب بشر.  هذا هو، بلا شك.

كان عمر بن عبد العزيز، إذا انقضى شهر رمضان – قدَّس الله سره الكريم، هذا الخليفة، الراشد الخامس – وخرج إلى مُصلى العيد، كان يدعو أمام الناس؛ من أجل أن تحفظ الناس وتتعلَّم. يقول اللهم إني أسألك أن ترحمني وتغفر لي، فإنك قد قلت إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ۩. فإن لم أستوجب ذلك، فأسألك أيضاً رحمتك؛ لأنني من الصائمين – أي كنت من الصائمين، كنا إلى الأمس فقط صائمين -، وأنت قلت وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ۩. فإن لم أستحق ذلك، فأنا من المُؤمِنين، وأنت قد قلت – وعز قولك – وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ۩. فإن لم أستأهل ذلك، فأنا أرجو رحمتك؛ لأنني شيء، وأنت قلت وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۩. فإن لم أستحق ذلك، فأنا أيضاً أرجو رحمتك؛ لأنني مُصاب – أنا عندي مُصيبة -، وأنت قلت الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۩ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ۩. الله أكبر! شيء يقشعر له البدن.

كيف تلطف هذا التلطف في استخراج هذا المعنى اللطيف؟ أي لا يُمكِن غير هذا – قال له -، أنا مرحوم مرحوم – إن شاء الله -. انظر، نعم! وطبعاً هذا فهم عن الله، تفقه في القرآن، هذا المعنى في القرآن الكريم، مُستحيل! أي من أين أوتيت، سأُرحَم – إن شاء الله تعالى -. وحتى لو لم ترحمني، فأنا سأُرحَم؛ لأنني مُصاب. هذه معناها أنني وقعت في مُصيبة، فقدت رحمة الله، فأنا مُصاب، سأصبر – إن شاء الله – وأتحوقل وأقول إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۩، وسترحمني – إن شاء الله -؛ لأنني مُصاب. رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه.

إذن هي الرحمة العامة، رحمة بكل شيء – إن شاء الله تبارك وتعالى -. وطبعاً تعلمون  أن هناك حتى رحمة الحيوان، دخلت امرأة النار في هرة؛ لأنها لم ترحمها، حبستها، لا هي أطعمتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض. وخشاش الأرض هي الهوام والحشرات، فالصراصير والفئران تُسمى ماذا؟ الخشاش، خشاش الأرض!

في المُقابِل دخل الجنة رجلٌ – تصوَّر-، وفي رواية امرأة بغي. وهذا في الصحيح أيضاً، في رواية رجل، وفي رواية امرأة، وكانت بغياً، أي تُتاجِر ببُضعها – والعياذ بالله -، تُتاجِر بشرفها. نسأل الله الستر والحفظ والتوفيق لجميع إخواننا وأخواتنا؛ لأن العفة مطلوبة من الجانبين طبعاً؛ من الأخوات ومن الإخوة أيضاً، من الكل! والعفة شيء مُهِم.

جيد، فهذه المرأة البغي دخلت الجنة، وفي رواية أُخرى أيضاً في الصحيح دخل رجل الجنة، وكلاهما في الصحيحين. هذا الرجل كان أجهده العطش، فوجد بئراً، فنزل، فشرب. فلما خرج، رأى كلباً يسعى، يلهث، يأكل الثرى، أو يلحس الثرى بلسانه. قال لقد أدرك هذا الكلب من العطش، مثل الذي أدركني. أحس؛ لأنه قريب عهد بهذه المحنة، أي العطش الشديد. فنزع خُفيه وسقاه، والمرأة البغي في رواية نزعت موقيها، أي هذا مثل الجرابين الغلاظ، الموق! هذا يُسمى ماذا؟ الموق. هي نزعت موقيها، والرجل نزع خُفيه. وغير بعيد أن تكون القصة تعددت؛ لأن القصتين في الصحيحين، أي مرة لرجل ومرة لبغي. المُهِم سقاه الرجل، وسقته البغي. يقول – عليه الصلاة وأفضل السلام – فشكر الله له، فغفر له. وأما البغي، فقال فغُفر لها. هكذا بالبناء للمجهول؛ فغُفر لها. بغي، غُفر لها بهذا.

فأين – كما قال أحد العارفين – الكلب من المُسلِم؟ هذا رحم كلباً، فكيف لو رحمت أنت مُسلِماً، وعملت هذا لوجه الله، احتساباً لوجه الله؟ تأتيك رحمة إلهية كبيرة – إن شاء الله – ومغفرة عظيمة.

يقول عبد الله بن جعفر، فيما رواه أبو داود في السُنن، يقول كنت مع النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فأسر إلىّ سرا… المُهِم، ثم دخل بعد ذلك حائطاً للأنصار. وطبعاً سياق الحديث يُفهِم أنه أراد قضاء حاجته – عليه الصلاة وأفضل السلام -. دخل حائطاً من حوائط الأنصار، والحائط هو البُستان. الحائط هو البُستان، ولكن إذا كان له سور. إذا كان له سور، يُسمى ماذا؟ يُسمى حائطاً. دخل حائطاً من حوائط الأنصار، فاعترضه جمل، فلما رأى الرسول – أي هذا الجمل – حن، حن وبدأ يُخرِج صوتاً هكذا فيه حُزن وفيه تألم، فأقبل النبي عليه، ومسح ذفريه. والذفرى – ويُثنى على ذفريان – يكون في مُؤخَّرة الجمل، أي المكان الذي يُطلى بالقار – بالقطران -، حين يأخذ الجرب في الجمل.

المُهِم، فمسح النبي ذفريه بيديه، فسكن. البعير سكن، وأصبح هادئاً. فقال النبي مَن صاحب هذا البعير؟ لمَن هذا البعير؟ فأقبل غُلام من الأنصار، وقال يا رسول الله إنه لي – أي بعيري -. قال أما اتقيت الله في هذه البهيمة، التي ملكك الله إياها؟ لقد شكا إلىّ. فهو جاء إلى النبي يبكي، وهو كان يحن، والنبي فهم لُغته، طبعاً! فسُليمان أوتيَ منطق الطير وما إلى ذلك، والرسول أوتيَ كل منطق، لكل الحيوانات، إذا كان الجماد سبَّح في يده! فكان يعرف كل شيء من هذه الأشياء.

فقال له لقد شكا إلىّ، أنك تُجيعه وتُدئبه. عجيب! ثم أخبره أن مَن لا يَرحم، لا يُرحَم. حتى البهائم! لو لم ترحم، لم يرحمك الله.

وروى أبو داود أيضاً، عن ابن مسعود – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم -، قال كنا في سفر مع رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، فذهب النبي في حاجة له – أي (مشوار) صغير -. قال فرأينا حُمّرةً ومعها فرخاها، فأخذنا فرخيها. حُمّرة، أي طائر صغير، وهو معروف. فأخذنا ماذا؟ فرخيها. وتُسمى إلى الآن الحُمّرة، نحن نُسميها الحُمّرة.

قال فأخذنا فرخيها. فأقبلت الحُمّرة، وجعلت تُعرِّش. وتعريش الطير هو ماذا؟ ضربه بجناحيه، ليسقط على الأرض، ولكن لا يسقط، أي هكذا يكون في الهواء وقريباً من الأرض، هذا اسمه التعريش، وهو معروف، وهذا أكثر ما يكون، إذا أراد أن يدفع عن فراخه، يظل الطائر يُعرِّش. فأقبلت الحُمّرة تُعرِّش. وإذا بالنبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – قد أقبل، فقال مَن فجع هذه بولدها؟ ردوا عليها ولدها؟ عرف مُباشَرةً النبي، عرف أنها مفجوعة بولدها، فردوا عليها ولدها. ممنوع!

قال ثم رأى قريةً من النمل، قد حرّقنا. أي حرّقوا هكذا قرية من النمل! فقال مَن حرّق هذه القرية؟ قلنا نحن يا رسول الله. قال إنه لا ينبغي أن يُعذِّب بعذاب النار، إلا رب النار. هكذا قال! وطبعاً في الصحيح لا يُعذِّب بالنار، إلا رب النار. وهنا قال إنه لا ينبغي أن يُعذِّب بعذاب النار، إلا رب النار.

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يستنقذنا وإياكم، وإخواننا وأخواتنا، المُسلِمين والمُسلِمات، من نار جهنم، بفضله ومنّه وكرمه، آمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: