أسماء الله الحسنى l القدوس 2/2 l الحلقة 10

video

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩، يا ربي لك الحمد، عدد خلقك، ورضا نفسك، وزِنة عرشك، ومداد كلماتك. لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ونبينا محمداً عبد الله، ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المُبارَكين المُنتجَبين، وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، اللهم ربنا تقبَّل منا، إنك أنت السميع العليم، وتُب علينا، إنك أنت التوّاب الرحيم. اللهم ربنا تقبَّل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركعونا وسجودنا ودعاءنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا. اللهم وعلِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً.

أما بعد، أيها الإخوة الأحباب، أيتها الأخوات الفاضلات:

القدوس. لبعض المشايخ والعارفين كلمات وتعاريف شتى، في تعريف هذا الاسم الجليل الأكرم؛ القدوس. بعضهم قال – وهؤلاء هم الصوفيون والعارفون بالله، قالوا الآتي – القدوس مَن تنزهت ذاته عن الحاجات، وصفاته عن مُشابَهة المخلوقات. وقال بعضهم وصفاته عن الآفات. تعريف! قال بعضهم القدوس هو الذي نزَّه نفوس الأبرار عن المعاصي، وأخذ الأشرار بالنواصي. هذا القدوس! لأنه يُقدِّس نفوس مَن؟ أوليائه وأحبائه طبعاً. ولا يُمكِن أن لا يطمع عبد في دخول حظيرة القُدس وحضرة المُقدَّس القدوس – لا إله إلا هو – بنفس مُلتاثة، أو بروح مُتكدِّرة، أو بشهواته، أو بالتفاتاته، مُستحيل! لا بد أن يُنزّه تنزيهاً كاملاً، حتى يُؤذن له بالدخول. ومن هنا فالله – تبارك وتعالى – قدوس؛ لأنه يُقدِّس نفوس أوليائه وأحبائه. وهذا معنى قولنا دائماً اللهم قدِّس أرواحنا ونزِّه ضمائرنا، أو قدَّس الله سر فلان، أو قدَّس الله نفسه، أو قدَّس الله روحه. هناك أُناس يرتشعون، ويقولون لك هذا الكلام صوفي ويُخيف، ما معنى قدَّس الله سره؟ ما هذا الدعاء؟ هناك أشياء باطينة. هؤلاء لا يعرفون لا اللُغة ولا الدين ولا أي شيء، ما هذا؟ ولا أي شيء! هذا دعاء مُمتاز جداً جداً جداً.

نحن نرغب إلى الله أن يُقدِّس ضمائرنا، وأن يُقدِّس نفوسنا – تصوَّر -، وأن يحفظها وأن يُنزِّهها من كل شوائب الشرك، من كل شوائب الشرك والوثنية والثانوية، والالتفات إلى غيره، والاعتماد والاتكال على غيره – لا إله إلا هو -، هذا هو! هذا هو التقديس، وهذا الشيء عظيم جداً جداً. بعضهم جعل هذا هو معنى القدوس، الذي يفعل هذا الفعل الكريم بعباده الصالحين وأحبائه وأوليائه وأودائه. قال بعضهم…

(ملحوظة هامة) قال فضيلة الدكتور أثناء حديثه يرحمكم الله يا أخي؛ نظراً لأن أحد الحضور عطس. ثم استكمل حديثه قائلاً: القدوس هو الذي تنزَّه عن مكان يحوي، وزمان يبليه. وهذا صحيح بلا شك، وهو مُتقدِّس عن ذلك، مُنزَّه عن ذلك. الله – عز وجل، سُبحان الله – لا يحويه مكان، ولا يحويه زمان. وطبعاً هذا بدهي، عند المُسلِمين بدهي! كيف يحويه مكان، وهو خالق المكان؟ قبل أن يكون أصلاً مكان، هو موجود – لا إله إلا هو -، موجود أزلاً أبداً، أول بلا أولية، آخر بلا آخرية، لا إله إلا هو! عجيب.

فإذن كيف تقول لي يحويه مكان؟ ولذلك الله لا يحويه مكان، ولا يبليه زمان. كيف تتحدَّث عن زمان، وهو خالق الزمان؟ أي قبل أن يخلق الله الكون والأفلاك والكواكب والنجوم والحركة – أي والحركة نفسها -، لم يكن هناك شيء اسمه زمان إطلاقاً، لم يكن! أليس كذلك؟ ولذلك السؤال الذي يتكرَّر دائماً، هو سؤال غبي؛ يقول أحدهم هل كان يستطيع الله – عز وجل – أن يخلق الفرادة الأولى في لحظة قبل لحظة خلقها؟ هو أوجد الخلق، وأوجد الكون! ويُمكِن أن نأخذ حتى بمنطق العلم الحديث، أي منطق النظريات الكوزمولوجية أو الكونية كما يُسمونها، ونقول إن بداية الكون كله كان ما يُعرَف بالبيضة الكونية. وشرحتها قبل أيام شرحاً عرضياً، وهي جِرم صغير جداً جداً جداً جداً، يُساوي طول بلانك Planck كما يُسمونه، طول بلانك Planck، شيء عدم، عدم! هو العدم نفسه.

جيد، فيقولون قبل أن يخلق هذه البيضة الكونية، أو هذه الفرادة الكونية الأولى، هل كان يستطيع أن يخلقها في لحظة قبلها؟ نقول له هذا سؤال غبي؛ لأن لم يكن هناك زمان، السؤال نفسه فيه غباء، أي كيف يكون هذا في لحظة قبلها، ولم يكن هناك لحظات؟ ومفهوم القبل والبعد خطأ أصلاً، لم يكن هذا موجوداً، أرأيت كيف هذا؟ أي حتى هذه نفسها (هذه الفرادة الأولى) هي أصل الكون كله، وهو – كما قلنا – كان مدموجاً في شيء هو العدم، والعلم يقول لك هو عدم. أي Nothingness، لا شيء، لا شيء، هو عدم، عدم! أي ما معنى أن تقول لي إن هناك شيئاً مرفوعاً أو عشرة مرفوعة للأس السالب ثلاثة وأربعين؟ ما هذا؟ شيء مُخيف، شيء مُخيف! أي أصغر من نواة الذرة ببلايين المرات، أصغر من النواة – وتعرفون النواة، ليس الذرة، وإنما النواة – ببلايين المرات، أصغر من نواة الذرة ببلايين المرات!

وأنت الآن يُمكِن أن تأخذ هباءة، هكذا ذرة غبار في الهواء! هذه فيها بلايين الذرات. هباءة الغبار هذه فيها بلايين الذرات. الذرة نفسها أكبر من النواة، هل تعرفون بمقدار ماذا؟ بالمقدار الذي تكبر به الكرة الأرضية الذرة. وهذا الكلام العلمي الدقيق الرصين، فانتبهوا!

أرأيتم؟ شيء مُخيف، وهذا يعني أن الذرة كلها منفوشة، شيء منفوش وفارغ، والنواة صغيرة جداً جداً جداً!  ولذلك حين يحصل شيء يُسمونه الانهيار الجذبي – تصوَّر -، تُصبِح الكرة الأرضية كلها أقل من حبة قمح. هذه هي النواة! والفراغ الذري هذا كله نافشها، على ماذا؟ فارغ هذا، ليس بشيء هذا.

جيد، فيقول لك طبعاً الكون نفسه في البداية كان أصغر من النواة ببلايين المرات، بلايين بلايين! من النواة، أف! ولذلك لا يُوجَد – كما قلنا – قوانين فيزياء ولا كيمياء ولا أي شيء يُفسِّر لنا كيف يُمكِن أن نتعامل مع هذا العدم. ولم يكن هناك زمان، لا زمان ولا فضاء ولا شيء، ولا جاذبية ولا أي شيء! لم يكن هناك أي شيء. جيد، فكيف يقول لنا أحدهم هل كان يقدر ربنا أو هل كان يستطيع ربنا أن يخلق هذه النواة الصغيرة – إذا صح أن نُسميها نواة – أو هذه الفرادة، في لحظة قبل التي خلقها فيها؟ نقول له هذا سؤال غبي، أنت لا تفهم شيئاً لا في العلم ولا في أي شيء، وليس عندك أي معرفة، كيف تقول قبل؟ قبل ماذا؟ هو يظن أن كان هناك زمان، لم يكن هناك زمان ولم يكن هناك مكان. ماذا كان هناك؟ كان هناك الله – تبارك وتعالى -، فقط! كيف؟ لا نستطيع أن نعرف، العقل يقف هنا، لا يُمكِن!

هو الذي خلق هذا الكون من عدم، من لا شيء، من لا شيء! وبه خلق المكان، وبه خلق الزمان، لا إله إلا هو! ولذلك خُذوا هذه الفكرة، فهي مُهِمة جداً جداً، لأن هناك خلطاً في المسألة هذه، والله فيها خلط كبير جداً جداً! هناك أُناس يقولون لك أين الله؟ يا أخي النبي سأل البنت الجارية أين الله؟ قالت له في السماء. فقال أعتقوها، فإنها مُؤمِنة. انتبهوا، مسائل عقدية خطيرة جداً جداً! وهناك أُناس يقولون لك لا، نحن لا نسأل هذا السؤال، لا يُسأل عنه بالأينية؛ لأننا إذا قلنا أين، فسنسأل عن مُتئين، أي له مكان يتموضع فيه، فلا يُسأل عنه بأين. هناك أُناس من الذين يسمون أنفسهم صوفيين، ولكنهم صوفيون ضلالة، أي صوفيون هذا التصوف الفلسفي الوحدوي الحلولي، قالوا لك نعم، موجود في كل مكان، لا يخلو منه مكان. فتباً لكم، ما أجهلكم!

سوف تقول لي خربطنا؛ لا نقدر أن نقول موجود في كل مكان، ولا أيضاً نستطيع أن نُخلي منه المكان ولا نُخليه من مكان! نعم، لا هذا ولا هذا ولا أي شيء. لماذا؟ لأنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، فقط! هذا هو، وهذه العقيدة الصحيحة. هل تُريد عقيدة قرآنية صحيحة وقوية جداً جداً وهي اللائقة بالله – تبارك وتعالى -؟ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩.

الآن خُذ أي شيء من الأشياء، أنت ستسأل عنه وتقول إنه إما أن يكون داخل الكون، وإما أن يكون خارج الكون – أي هذا الشيء -، ولكن الله لا داخل ولا خارج. لماذا؟ لأنه – لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩. أرأيتم؟ الشيء يصح أن نسأل عنه، فلا تقل لي هناك شيء موجود، وتسكت، كالتاكيون Tachyon مثلاً، أو التاخيون كما يُسمونه. حين تُحدِّثنا عن التاكيون Tachyon أو التاخيون، أو عن أي شيء؛ أي جُسيم صغير، أو أي دقيقة، وتقول لنا هي موجودة. سنقول لك أين موجودة هذه؟ إما داخل الكون، وإما خارج الكون. هذا إذا افترضنا أن هناك خارجاً في الكون، وطبعاً العلم لا يعترف بشيء اسمه خارج الكون، العلم اليوم لا يعترف، الفيزياء ليس عندها شيء اسمه خارج الكون. جيد، إما داخل الكون، وإما خارج الكون!

أنت تقول لأحدهم لا، لا داخل ولا خارج. فيقول لك هذا عدم، أنت الآن تتحدَّث عن شيء عدم، تكذب أنت، دعوى هكذا! هذا عدم، وهذه معناها أن هذا الشيء غير موجود. ونحن نقول له لا، الله – تبارك وتعالى، ونقول هذا جازمين، بحمد الله تعالى – لا هو داخل الكون ولا هو خارج الكون. لماذا؟ لأنه ليس شيئاً وليس مثل أي شيء، والأشياء هي التي يجب أن تكون إما مُتخارِجة وإما مُتداخِلة. أي شيء لا بد أن يكون إما مُتخارِج وإما مُتداخِل. الله لا مُتخارج ولا مُتداخِل. سوف تقول لي كيف؟ وسوف أقول لك لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، وفقط! هذا هو، هذا تقديس الله، قدِّس ربك بهذه الطريقة، قدِّس ربك بهذه الطريقة!

انظر – بحسب هذ المعنى – مدى ضعف العقيدة الذي عند العوام! هذا عندنا نحن كمُسلِمين، عقيدتنا في مُنتهى الضعف دون أن ندري للأسف، لأن ينبغي على العلماء أن يُعلِّمونا هذا الكلام، وأن يبدوا وأن يُعيدوا فيه مليون مرة، في الخُطب وفي الدروس وفي مكان، حتى تتقوى العقيدة. عقيدتنا مغشوشة دون أن ندري، كيف؟ أكثر عوام المُسلِمين يسألون؛ وأين يا أخي عدالة الله؟ هو قبل أن يخلقنا كان يعلم أننا سنفعل ما نفعله الآن وما سنفعله، إذن لماذا يُحاسِبنا؟ ولماذا يُدخِلنا الجنة أو النار بعد ذلك؟ انظر إلى الجهل، انظر إلى الجهل! فإذن ماذا تُريد من ربك أنت؟ أُتريد رباً – تبارك وتعالى – يخلقك، ولا يعلم ماذا ستفعل، إلا بعد أن تفعل؟ أستغفر الله العظيم، أي هل تُريد رباً يكون علمه مثل علمك؟ هذا علمك أنت، وطبعاً أنت – وهذا بدهي – لا تعرف الشيء تقريباً إلا بعد أن يقع، وإذا عرفته قبل أن يقع، تعرفه بالمُقايسة وبالتجربة وبالخبرة، أليس كذلك؟ وبالتفرس؛ ترى وجه الغبي، فتعلم أنه كذلك. أنت حين تكون أستاذاً وتدخل المدرسة، تعرف أن البليد يضح عليه هذا، وهو يفتح عينيه وما إلى ذلك، فتقول هذا راسب، ساقط. وهذا ليس لأنك تعلم الغيب، ولكن لأن هناك فراسة، إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ ۩، والنبي قال عن أُناس إنهم يعرفون الناس بالتواسم. فلا تقل لي أنا أعرف الغيب. أنت لا تعرف الغيب. يُمكِن أن تقول لي أنا مثلاً مُحلِّل نفسي. نعم، بالتحليل النفسي أنت تُحاوِل أن تعرف، بالتحليل النفسي! تُحاوِل أن تأخذ منه مرآي وأحلام، وتعمل له Hypnosis، أي تنويماً مغناطيسياً، وتجعله يهلوس ويخبط وما إلى ذلك، أي هذا المسكين، وتأخذ منه كلمات، وتذهب وتعمل عنه تحريات كاملة عند أصدقائه وعند أبيه وعند أمه وعند كل مَن يعرفه، وبهذا التحليل تعرف بعض الأشياء، فهل تقول لي هذا غيب؟ ليس غيباً، لا! هذا التحليل. أنت تُحاوِل أن تستخرج من الموجود ما ليس بظاهر، فقط! أي هذه هي القصة، وصحيح أنها عملية صعبة (عملية التحليل النفسي)، أي مثل استخراج إبرة في كومة قش، هي صعبة جداً! ولكنها أيضاً ليست معرفة غيب، أليس كذلك؟ الغيب لله – تبارك وتعالى -.

فكل الأشياء تُعرَف بوسائل وبوسائط ومُقايسات وتحاليل واستقصاءات، أليس كذلك؟ هذه هي. فهل تُريد أن يكون علم الله مثل علم البشر؟ إذن هذا ليس إلهاً، وأنت لا تتحدَّث عن إله، أنت تتحدَّث عن نفسك. طبيعي جداً أن الله – تبارك وتعالى – يعلم كل شيء. وكلمة كان وما سيكون وما هو كائن وما لم ولن يكون لو كان كيف كان سيكون، كل هذه طقطقات وشقشقات لفظية، تليق بنا نحن. عند الله لا يُوجَد شيء فعلاً اسمه كان وسيكون، هل فهمتم؟ عند الله لا يُوجَد شيء اسمه كان وسيكون، أستغفر الله العظيم! غير موجود. فلماذا إذن؟ لأن لو كانت هذه المفاهيم – هذه المفاهيم التي يُسمونها ماذا؟ التعاقبية، أي لو كانت هذه المفاهيم التعاقبية – حاكمة على الله – تبارك وتعالى -، لكان معناها ماذا؟ أن ربنا لا بد وأن يكون رهن الزمان، وأن يكون محكوماً أيضاً بالزمان، وأنه يتأثَّر بالزمان، كما نتأثَّر نحن به، أليس كذلك؟ وهذا من شأنه أن يجور على صفات الله، وعلى إحاطة علمه، وعلى قدرته. وهذا مُستحيل! الزمان هذا خلق من خلق الله – تبارك وتعالى -، أليس كذلك؟ الله مُحيط بالكون كله زماناً ومكاناً، أليس كذلك؟

ولذلك هو قبل أن يخلقه أصلاً – هذا قبل أن يخلقه – كان عالماً بكل ما سيخلقه، وبكل ما سيقع، من الأزل! من الأزل عالم ذلك، وليس من نُقطة مُعيَّنة، أزلاً! هذا هو الرب. سوف تقول لي كيف هذا؟ لماذا تقول كيف هذا؟ لأن هذا الرب – لا إله إلا هو -. نحن نحمده حمداً جزيلاً – لا إله إلا هو -، حمداً لا ينقطع فعلاً. لماذا؟ لأنه تعرَّف إلينا بهذه الصفات، وهو قال هذا، هو قال أنا هكذا.

تعرفون، لو الله لم يتعرَّف إلينا، سوف نخبط في عمياء، باستمرار! وبعضنا سيقول لا، يُمكِن أن يكون الإله قريباً من البشر، يُمكِن أن يكون خلقنا على صورته، أي ويمكِن أن يكون أعلى منا بعشرين مرة، فقط! وطبعاً هذا مُمكِن، بالعقل مُمكِن، وكل شيء مُمكِن. ويُمكِن لا، الله لا يعرف الشيء إلا بعد أن يقع! هناك أُناس مُسلِمون أنكروا ذلك، وهم القدرية الأول، أول فرقة من فرق الاعتزال كانوا يُسمونهم القدرية. أنكروا – وهذا كما في البُخاري – وقالوا ماذا؟ قالوا لا قدر، والأمر أُنف. ما معنى الأمر أُنف؟ من قولهم حديقة أُنف، حديقة أُنف أو روض أُنف! وهناك كتاب للإمام أبي القاسم السُهيلي – العلّامة المالكي الكبير الضرير – بهذا الاسم، هذا العلّامة الكبير عنده كتاب اسمه الروض الأُنف، في السيرة النبوية، في ثماني مُجلّدات. ما معنى الروض الأُنف؟ أي الروض الذي لم يُرع، لا يزال بحشيشه، مثلما هو! لم ترعه السائمة، لم تُسم فيه السائمة. فهم قالوا لا قدر، والأمر أُنف. ومنه الاستئناف. هل تعرف الاستئناف؟ من الأُنف، أي الابتداء. ها نحن بدأنا للتو في الشيء هذا، نحن بدأنا فيه من الآن، استئنفنا! أرأيت؟ استأنف الحديث؛ بدأ فيه.

جيد، فما معنى لا قدر، والأمر أُنف؟ معناها أن الله لا يعلم الشيء، إلا بعد أن يقع. فيستأنف لنفسه علماً بالشيء، بعد وقوعه. كفر! وهؤلاء كانوا مُسلِمين، وكفروا. ابن عمر كفَّرهم، وقال لا تُؤاكلوهم ولا تُشارِبوهم ولا… ولا… وهؤلاء أشرار خلق الله. مُسلِمون جهلة، عقولهم لم تتسع لصفاء العقيدة القرآنية، ولم يُسلِّموا لله مُراده – تبارك وتعالى -.

انتهى! الله علَّمك شيئاً، فقل سمعنا وأطعنا. الآن انظر إلى التنزل، للأسف يُوجَد تنزل في الأمة، الآن من أبناء المُسلِمين مَن يزعمون الآتي، يقولون لك يا أخي نحن مُسلِمون، لكن ما معنى هذا؟ هل الدين مشيخة وما إلى ذلك؟ نحن مُسلِمون! وهم حتى مُسلِمون، مثل نصر أبو زيد، عنده كلام كفر صريح في كُتبه، كفر صريح! ويقول لك يا أخي أشهد أن لا إله إلا الله. تضحك على مَن أنت الآن؟ أنت الآن تشطب كل شريعة رسول الله، وتشطب كل قرآن الله، وتقول لي هذا قرآن تاريخي وما إلى ذلك، ثم تقول لي بعد ذلك أشهد أن لا إله إلا الله. تضحك على مَن أنت الآن؟ أي هل أنت تتكلَّم مع أُناس كالأطفال الصغار ولا يفهمون شيئاً؟ فالآن من أبناء المُسلِمين مَن ادّعوا الإسلام وادّعوا أنهم من المُسلِمين، وللأسف لا يرضون حتى بالشريعة. وفي كل شيء يقول لك الواحد منهم لا يا أخي، أنا لست مُستعِداً لأن أعمل شيئاً حتى أقتنع به. أستغفر الله العظيم، تقتنع به؟ ما شاء الله عليك، أنت أينشتاين Einstein طبعاً، أو أرسطو Aristotle، أو كانط Kant!

جيد، أنا أُريد أن أقول لكم شيئا؛ هل – كما كان يقول مولانا الشيخ الشعراوي، رحمة الله تعالى عليه – الانتفاع بأي شيء فرع العلم به؟ لا، أبداً، أبداً! ولا يقول هذا إلا إنسان لا يفهم حتى ما يقول، لا يُمكِن! مُستحيل. الانتفاع بالشيء ليس فرع العلم به، إطلاقاً. بدليل أنني الآن أستخدم هذه الساعة، وأضبط – ما شاء الله – عليها ميعاد الدرس وميعاد الصلاة وما إلى ذلك، ووالله أنا لا أعرف بالضبط كيف تشتغل، عندي فكرة بسيطة جداً، ولكن لا أعرف بالضبط الكيفية. وهذا الجهاز لا أعرف بتاتاً كيف يعمل، وأما البالتوك Paltalk هذا والإنترنت Internet – أي والشبكة العنكبوتية هذه -، فلا أعرف عنهم شيئاً، إطلاقاً! والأمر نفسه مع هذا السي دي CD المُدمَج الذي تراه، وهو قطعة من البلاستيك Plastic هكذا مُحرَّقة ومُثقَّبة ثقوباً، أي يُمكِن أن تراها بالميكروسكوب Microscope، صحيح! تراها ثقوباً غائرة. وهذه تُعطيك ألواناً وصورة بعد ذلك، حين تحطها في الجهاز الخاص بها، تجد فيلم غلاديايتر Gladiator أو فيلماً آخر، أي فيلم تراه، حين تحطها في جهازها، هناك صوت وصورة وموسيقى وما إلى ذلك، وهذا موجود أمامك، على لوحة من البلاستيك Plastic، كلها مُثقَّبة بالليزر Laser، تثقيب فقط، مخزقة تخزيقاً، ثقوب! وبعد ذلك تُترجَم إلى صوت وصورة، وهناك ألوان زاهية بالملايين، درجات الألوان بالملايين، تخيَّل! وهناك أصوات وأشياء. هل تفهم ذلك؟ أنا ليس عندي أي فكرة عن الشيء هذا، صعب جداً! ليس عندي أي فكرة عن الشيء هذا. تركب السيارة وتكون مبسوطاً بها، وتسوقها وأنت لا تعرف بالمرة كيف تشتغل، أليس كذلك؟ ولا أي شيء! وحين يخرج صوت غريب، تذهب إلى الميكانيكي؛ لأنك لا تفهم شيئاً. تقول له هناك صوت غريب، فما بها؟ فيقول لك لا، هذا الشيء هو السبب، وحين يحذف لك إياه، تصير مُمتازة. فقط هناك شيء انحل قليلاً! وأنت لا تفهم أي شيء.

إذن الانتفاع بالشيء – كما كان يقول الشيخ الشعراوي، وهذه كلمة حكيمة قديمة – ليس فرع العلم به. فأنت يا سيدي لا تقل لي أنا لن أنتفع بشريعة الله، ولن أنتفع بهُدى الله، إلا بعد أن أقتنع. أنت مُؤمِن أو كافر؟ في البداية حدِّد موقفك؛ أنت مُؤمِن أو كافر؟

لا تقل هذا، إذا كنت مُؤمِناً. أنت تزعم أنك مُؤمِن، وتقول أنا مُؤمِن، مُصدِّق بالله، ومُصدِّق بمحمد، وبكل ما ثبت – تصوَّر – في شرع الله، والقرآن كله ثابت – بحمد الله تعالى -، والسُنة الصحيحة تُلزِمني. أنا – الحمد لله – آخذ كل ما صح عن رسول الله، وأما القرآن فآخذه كله، آخذه كله دون استثناء – الحمد لله -، تخيَّل! لا أُشكِّك في رُبع آية واحدة. أنت الآن مُؤمِن.

أما أن تقول لي أنا مُؤمِن، وتحط رجلاً على رجل، وتمسك لي شيئاً، وتقول لي والله هذه أنا غير مُقتنِع بها، والله هذه أنا أُريد أن أُؤخِّرها إلى أن أُفلسِف الموضوع، فهذا مرفوض. يا سلام عليك! أنت غير مُؤمِن، وهذا ليس إيماناً، انتبه. هذا شيء أشبه بالكفر، وأنت لا تدري، لماذا؟ وتزعم أنك لا تستطيع ولا تقدر أن تنتفع، حتى تعلم. ها أنت في كل حياتك تنتفع بكل شيء وأنت لا تعلم شيئاً، أليس كذلك؟ إلا في الشرع؟ تُريد أن تعلم كل شيء، وتُريد أن تُحيط علماً كالله – عز وجل -؟ صعب جداً! أليس عندك إيمان بأن هذا الشرع من رب العالمين، الذي خلقك وسوّاك، وهو أدرى وأعلم بك من نفسك؟ والله أعلم بك من نفسك، والله! وحين يقول لك هذا حرام، يكون حراماً وليس من الصحيح أن تعمله. وحين يقول لك هذا صحيح، يكون هذا صحيحاً، وعليك أن تمشي فيه، ولا تُحاوِل أن تتفلسف على الله – عز وجل -، أليس كذلك؟

سمعت قصة من أستاذ فاضل، قصة مُؤثِّرة جداً، يا أخي مُبكية، أي شيء غير عادي! يقول هذا الأستاذ – بارك الله فيه، وكثَّر من أمثاله -، يقول أنا كنت أعرف رجلاً، دارس للفلسفة، وهو مُلحِد، وغرامه يكمن في إبطال عقائد المُوحِّدين. عنده غرام شديد بأن يُشكِّك كل المُسلِمين في عقائدهم. شيطان في مسلاخ بشر! شيطان في مسلاخ بشر – والعياذ بالله -! مُلحِد، ودارس فلسفة طبعاً، ويدّعي أنه عالم، أي يستعرض هذا الرجل عضلاته على المُسلِمين. إذن جيد، لم يُوجَد ولا أمكن أن يُوجَد مَن يُقنِعه، أي لم يُوجَد أحد استطاع أن يُقنِعه، ودائماً هو يُجادِل، أي وأضل خلقاً من خلق الله – تبارك وتعالى -، وهو في سوريا، في دمشق.

وماذا بعد؟ بعد ذلك هذا الرجل – سُبحان الله – المُلحِد، الذي ليس عنده إيمان مُطلقاً بأي شيء اسمه إله، رزقه الله بُنية، هي الأولى في حياته، فأحبها حُباً شديداً جداً، ويُمكِن أن تكون جاءته على كبر. أحبها حُباً شديداً جداً، أي لا يطيق عنها صبراً. وبعد سنوات – أي والبنت لا تزال تدرس، صغيرة – ارتفعت حرارتها. والحرارة حين ترتفع، ولا ينفع معها المُضاد الحيوي – الــ Antibiotikum -، يعني هذا أنها مُؤشِّر خطير، نعم! هذا مُؤشِّر خطير جداً جداً عند الأطباء.

ذهب بها إلى الطبيب، وأعطوها مُضاداً حيوياً وما إلى ذلك، والحرارة كما هي. ومر يوم، ثم مر يومان، ثم مر ثلاثة أيام، ثم مر أربعة أيام، وهي كما هي. ذهب إلى الطبيب هذا، وإلى الدكتور هذا، وإلى البروفيسور Professor هذا، وإلى الجامعة هذه، وقالوا له الحالة خطرة جداً جداً. وهذه الحالة – قالوا له – نادرة نُدرة غير طبيعية؛ تقع في كل مئة ألف ولادة حالة مثل هذه. أي واحد إلى مئة ألف! وقالوا له الله – سُبحانه وتعالى – ابتلاك. فماذا عن المآل؛ مآل الحالة؟ قالوا له الموت.

(ملحوظة هامة) أوضح فضيلة الدكتور المعنى لأحد الحضور، قائلاً؛ الأطباء قالوا له الموت. المآل الموت، ثم قال: وطبعاً حزن الرجل وبكى، وطبعاً هو مُلحِد، ليس عنده مَن يلتجئ إليه، إلى مَن يلتجئ؟ لا يُوجَد أحد! ها قد التجأت إلى الأطباء وذهبت إليهم، وقالوا لك نحن فاشلون، ولا نقدر ولا نستطيع أن نُعالِجها، ليس عندنا علاج، لا نملك الشيء هذا، لو كنا خلقناه، لكان من المُمكِن أن نُصلِحه، ولكننا لم نخلق الشيء هذا، فنحن لا نقدر.

وتمالك نفسه قليلاً، بكى وزعل وتمالك نفسه، لأنه مُلحِد! انظر إلى الكبر، وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۩، هو يعرف ولكنه يُريد هكذا أن يتكبَّر. ولذلك الكبر أحد أسباب الكفر في القرآن الكريم. ائت أنت وادرس كل الفلسفات، لا يُوجَد فيلسوف يقول إن من أسباب الشرك والإلحاد الكبر. ولم يُوجَد فيلسوف اتسع عقله لأن يفهم الأشياء هذه. وكل كلامهم في العقليات وفي البراهين، غير صحيح! يُوجَد جُزء كبير جداً جداً من أسباب الضلال والإلحاد، يتعلَّق بالالتياث النفسي، واللُوثة النفسية. نحن نُسميها اللَوثة، وهي اسمها اللُوثة، اللُوثة أو اللُوثات النفسية هذه هي السبب، وليس البراهين العقلية، لا! ولكن هم لا يفهمون الشيء هذا.

جيد، وبعد ذلك هذا المسكين – وهو مُدرس طبعاً – صار يأخذ ابنته معه إلى مكان العمل، واللوائح الداخلية ترفض الشيء هذا، ممنوع! وهذه معناها أن موقفه بدأ يتضعضع، وأصبح قلقاً، غير مُتزِن. في الأول حاول أن يتزن وأن يُنهي الأمر، لكن صار يأخذها معه. وبعد ذلك شعر الرجل، ولأول مرة في حياته، بأنه ضعيف، وأن كل مَن حوله ضعاف مثله، وكما قال مولانا أبو اليزيد البُسطامي – قدَّس الله سره – مَن استنجد أو استغاث بعبد، فهو غريق يستغيث بغريق. أنت حين تستمد من الناس، تكون كالغريق الذي يطلب النجاة من غريق، لا يُمكِن! وكلنا غرقى، لن ينفع. وهو إلى الآن لا يُؤمِن بهذه القوة، لا يُؤمِن بالرب – لا إله إلا هو -، بالإله.

فالمُهِم، الرجل ضعف، ووصل إلى هذا الحد، انتهى، نُقطة الصفر! لم يعد كما كان، فقرَّر الآتي. وزوجته كانت تحكي إلى هذا الأستاذ القصة بنفسها. قالت قال لها أعدي لي الحمام. قالت له لماذا؟ قال لها أُريد أن أغتسل. أول غُسل في حياته (غُسل طهارة)، هذا هو! إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ۩. ولكن يُمكِن أن يكون في هذا بعض الخير، أكيد فيه خير، أي في داخل هذا المسكين، ولذلك الله ألجأه إليه إلجاءً، رغماً عنه، لم يتركه، لو تركه، لضاع في جهنم خالداً مُخلَّداً فيها أبداً. ولكن الله ابتلاه بهذه البلية، من أجل ماذا؟ أن يُرجِعه إليه، رغماً عنه. يُحِبه الله – سُبحان الله -، وانظر، ما أرحم ربنا يا أخي! رحيم بنا، رحيم. إنسان يكفر به سنوات ويُكفِّر الناس، ومع ذلك قال له تعال، أنا أُريدك، أُريد أن أرحمك. اللهم ارحمنا برحمتك، يا أرحم الراحمين.

فالمُهِم، قال لها أعدي لي الحمام. فاغتسل، وهو خجلان من زوجته ومن نفسه. دخل وصلى ركعتين، وهاتان أول ركعتين في حياته! علاقة جديدة، لأول مرة. ورفع يديه، وبكى بُكاءً مُراً، وكأنه ينتقم من جحوده، ينتقم من نفسه، ينتقم من كبريائه، الكبرياء التي كانت تمنعه. وقال يقولون إنك موجود – لا يزال يعيد كلامه -، فإن كنت موجوداً، أرني بُرهاناً؛ إما أن تشفي ابنتي، وإما أن تُميتني.

تقول زوجته فوالله الذي لا إله إلا هو، لم يُتِم دعاءه، وقد سالت دموعه، إلا ونزلت الحرارة. ذهبنا إلى البنت، وإذا بالحرارة تنزل مُباشَرةً. في اللحظة نفسها حصل الشفاء! وظل الرجل مُؤمِناً مُوحِّداً، وأيقن بالله. أرأيتم؟ هذه هي البراهين، هذا هي! قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ۩. اللهم اهدِنا بهدايتك، يا أرحم الراحمين. أرأيتم؟ فهذه هي، هذه هي!

فباختصار إذن؛ حتى لا نُطيل – أنا دخلت في موضوع القضاء والقدر وما إلى ذلك، وكل هذا على أساس أن القدوس، مُنزَّه عن المكان، مُنزَّه عن الزمان -، لا بد أن نُؤمِن بربنا، بإلاهنا – لا إله إلا هو -، فعلاً وحقيقةً ويقيناً أنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۩، ولا هو مثل شيء. لا يحويه لا زمان، ولا يحويه مكان. أكبر من كل ما يخطر ببالنا.

نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يُعلِّمنا الأدب معه ومُراعاة الحشمة؛ لأن طريق العبودية طريق أدب. إذا لزمت الأدب مع رب الأرباب – لا إله إلا هو -، وصلت إليه. إذا أسأت الأدب، أُغلقت دونك الأبواب وأوصدت. وكله طريق الأدب! فنسأل الله أن يُلزِمنا الأدب معه دائماً وأبداً.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: