أسماء الله الحُسنى l الحلقة 5

video

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه، كما يُحِب ربنا ويرضى.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، ولا نظير له، ولا مثال له؛ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ۩، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله، ورسوله، وصفوته من خلقه. صلى الله تعالى عليه، وعلى آله الطيبين، وصحابته المُبارَكين، وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، ربنا افتح علينا بالحق، وأنت خير الفاتحين. علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً.

ربنا تقبَّل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركعونا وسجودنا ودعاءنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا. اللهم اجعلنا هُداةً مُهتدين، غير ضالين ولا مُضِلين، سلماً لأوليائك، وعدواً لأعدائك، نُحِب بحُبك مَن أحبك، ونُعادي بعداوتك مَن خالفك.

اللهم واجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تدع فينا شقياً ولا مطروداً ولا محروماً. اللهم آمين.

أما بعد، أيها الإخوة الأحباب، أيتها الأخوات الفُضليات:

السلام عليكم جميعاً ورحمة الله تعالى وبركاته.

نُكمِل – إن شاء الله تبارك وتعالى – في هذا المجلس، الذي أسأل الله – تبارك وتعالى – أن يتقبَّله منا أحسن قبول وأن ينفعنا به، الحديث أو ما بقيَ من الحديث، مما يتعلَّق باسم الله الأعظم الأكرم: الله – سُبحانه وتعالى -.

وقفنا في حديثنا أمس عند شرح هذه النُقطة؛ أن الله – تبارك وتعالى – هو الوجود الحق. وكل وجود عدا وجود الله – تبارك وتعالى -، هو وجود مُعار، هو وجود مُعار! وهو وجود ليس من ذاته، إنما هو وجود استنادي اتكائي؛ وجود يستند إلى وجود الله، يتكئ على قدرة الله، على رحمة الله، وعلى مدد الله – تبارك وتعالى -. وأن القيومية صفة لا تليق إلا بالله وحده. الله وحده هو القيوم، الله وحده هو القيوم! ولذلك الوجود كله لا ينفك مُحتاجاً مُفتاقاً مُفتقِراً إلى الله – تبارك وتعالى -، إلى مُبدِعه ومُخترِعه وصانعه ومُوجِده ومُمِده، في كل لحظة، لحظة فلحظة، في كل لحظة! بمعنى أن هذا الوجود مُحتاج إلى ربه في إيجاده، ومُحتاج إليه في إعداده، ومُحتاج إليه في إمداده، إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۩، وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۩، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ۩، كل شيء قائم بأمر الله، كل شيء قائم بمدد من الله. ولو انقطع هذا المدد في أقل من لحظة – شيء لا نستطيع أن نُعبِّر عنه، أقل أقل من القليل، أقل من القليل! شيء شبيه بالعدم -، مُباشَرةً يلف العدم الوجود مرةً أُخر، ينتهي إلى عدم! وهذا معنى – كما شرحه بعض علماء وفلاسفة وعارفي المُسلِمين – أو أحد معاني اسم الله الخلّاق. الله خالق وخلّاق.

طبعاً خلّاق؛ لأنه يخلق كثيراً، وعدد مخلوقات الله لا يعلمها إلا الله – تبارك وتعالى -، وفي كل لحظة هو يخلق، في كل لحظة هو يخلق خلقاً جديداً، أليس كذلك؟ من أحياء وجوامد وغير ذلك، مما يعقل ومما لا يعقل، خلقه كثير جداً جداً جداً، وملكوته وسيع جداً جداً جداً، ولكن أيضاً هو خلّاق بمعنى أنه ماذا؟ أنه يُمارِس هذا الفعل (فعل الخلق أو الخلّاقية) أبداً، في كل لحظة أيضاً، حتى في حق المخلوقات ذاتها، وهذه هي النظرية المعروفة لدى فلاسفة أو بعض فلاسفة المُسلِمين، وأعجب ما وجدت أن ابن حزم يقول بها – رحمة الله تعالى عليه -.

ابن حزم أشار إلى هذه النظرية بطريقة ذكية وعجيبة، في كتابه الموسوعي في الأديان والفرق، المعروف بالفِصل (الفِصل في الأهواء والمِلل والنِحل)، كتاب عجيب جداً جداً! ابن حزم مُنحاز إلى نظرية الخلق المُستمِر، التي قال بها بعد ذلك الفيلسوف الفرنسي مالبرانش Malebranche، وديكارت Descartes يُشبِه أن يكون قال بها. على كل حال نظرية الخلق المُستمِر، بمعنى أن الله – تبارك وتعالى – يخلق هذا الوجود – يخلقك، يخلق كل شيء، مما هو مخلوق أيضاً – في كل لحظة، يُفنيه ويُعيده، يُفنيه ويُعيده، في كل لحظة! الله أكبر، شيء مُخيف. وهذا معنى إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۩. لو كانت هناك لحظة واحدة ينقطع فيها عن الخلق هذا المدد، ينتهي كل شيء، إذن وجودنا ظلي، وجودنا ظلي!

ومن هنا قال مولانا ابن عطاء الله – قدَّس الله سره – كيف يُتصوَّر أن يحجبه شيء، وهو الواحد الذي ليس معه شيء؟ قد يقول لي أحدكم كيف ليس معه شيء، ونحن موجودون، والخلق كله موجود؟ لا، لا! الموجود هو الله – تبارك وتعالى -، وهو موجود واحد أحد، لا إله إلا هو! وأما نحن، فموجودون به، ولسنا موجودين معه. وفرق كبير بين الوجود به، والوجود معه. ولله المثل الأعلى في السماوات والأرض، يُمكِن أن نضرب هذا المثال الخاص بالمُهندس أو المُبرمِج؛ لنفترض أن هناك مُهندساً مُبرمِجاً، يثوي ويقبع في غُرفة خلق جدار، وفي غُرفة أُخرى شاشة الحاسوب – أي الشاشة، الــ Monitor، الــ Bildschirm -، وهذا المُهندس تظهر بعض نتائج حساباته أو نتائج حساباته وأعماله على هذه الشاشة – على هذا الــ Monitor – العارضة، هل يسوغ لهذه الشاشة أن تزعم في لحظة أنها موجودة مع المُهندس، وأنها تُساويه، أو لها لون وجود من جنس وجود هذا المُهندس، أو لون عقل وإدراك وإنجاز من جنس ما لهذا المُهندس وسنخه؟ كلا، هي موجودة به، ولو انقطع عنها لحظة واحدة، يختفي هذا العطاء، أليس كذلك؟ تجمد. إذن هي موجودة به، ليست موجودة معه. نحن موجودون بالله، نحن قائمون بالله، لا إله إلا الله!

وهذا أيضاً بعض معنى مالك المُلك، هل تملك أنت نفسك؟ ولا شيء! أنت لا تملك أي شيء من ذاتك. فكِّر في هذا الاسم العجيب. قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ۩، هو: مَالِكَ الْمُلْكِ ۩، أي كل شيء يُملَك، هو مالكه. أنت تقول أنا أملك هذا الخاتم. وهذا غير صحيح، أنت لا تملكه، هو ملَّكك إياه، إعارة! على سبيل المجاز، ونحن مالكون على سبيل المجاز، وهو سمانا مالكين، وملَّكنا أشياء، على سبيل المجاز. المالك الحقيقي يملكك ويملك ما تملكه، وهو الله – تبارك وتعالى -، ولذلك أنت لا تملك ماذا؟ لسانك. في لحظة يستطيع أن يُخرِسك، في لحظة يستطيع أن يسلبك البصر، في لحظة! بل في أقل من لحظة، ولا يستطيع كل الأطباء أو العلماء – لو شاء – أن يُعيدوا إليك نور البصر، وكذلك السمع، والعقل. تجد إنساناً – سُبحان الله – وسيماً قسيماً، بتصرف طيب، إذا سُلب عقله، يُصبِح مسخرة وهزؤاً، وكل إنسان مُعرَّض لهذه الأشياء. نسأل الله ألا يمتحننا، ونسأله أن يُعافينا دائماً، أي والله! الامتحان صعب، والابتلاء صعب. تخيَّلوا هذا! فنحن لا نملك شيئاً، لماذا؟ لأن وجودنا ليس من ذاته، وجود ظلي، وجود تابع دائماً للمدد، ولو انقطع المدد، ينتهي كل شيء.

وهذا المدد يُمكِن أن يزداد، لو اتقينا الله، لو تزلفنا إليه، لو تقرَّبنا إليه – تبارك وتعالى -، لو تذللنا، وتخضعنا، واطرحنا أنفسنا على أعتابه – لا إله إلا هو -، وقبلنا، ولو بعض القبول، يُمكِن أن يزدينا من فضله، لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۩. وقلت في خُطبة قريبة الله استثنى في أشياء كثيرة؛ في المغفرة، وفي الرحمة، وفي الرزق، وفي النصر، في أشياء كثيرة! في أشياء كثيرة استثنى، ولكن في الزيادة على الشكر لم يستثن، لم يقل ماذا؟ لمَن شاء أو إن شاء. وإنما قال لَأَزِيدَنَّكُمْ ۩. الله أكبر! إذن باب لا يُوصَد، وباب مُؤكَّد وعام وشامل وتام، أي باب الشُكر. أنت فقط اشكر نعمة الله، وسوف ترى الزيادة، في كل شيء؛ في صحتك، في علمك، في جمالك، في مالك، في أهلك، في توفيقك، في محبة الله لك، في محبة الناس لك، في كل شيء! بالشُكر. وعكس ذلك تماماً بالجحود والكُفر والنسيان والغفلة والعصيان – والعياذ بالله -، تُسلَب النعم يا مسكين، وأنت لا تدري. وبعد ذلك تُضيع أوقاتاً طويلة جداً جداً، في زيارة الأطباء وزيارة المشايخ والدجّالين وسؤال الصالحين وسؤال الطالحين والدعاء والتوبة الناقصة والضراعة المدخولة، وربما لا يُستجاب لك، فقدت النعمة! أنت الذي فقدتها. ولذلك الشُكر قيد النعم، الشُكر قيد النعم! قيّدوا النعم بالشُكر، كله مُلك لله، ليس لنا، كله مُلك لله.

وإلى هذه الحقيقة؛ حقيقة أن الوجود الحق هو وجود المولى وحده – لا إله إلا هو -، أشار القرآن. وطبعاً القرآن في عشرات الآيات يُؤكِّد هذا، كل آية تقول بأن الله هو الحق، تعني هذا. ما معنى أن الله هو الحق؟ الله هو الوجود الحق، الثابت من ذاته ولذاته وفي ذاته وبذاته. هذا معنى الحق! وحين نُفيض – إن شاء الله تبارك وتعالى – في شرح اسم الله الحق، سوف أيضاً نعود بالتوسع من جهة أُخرى، لشرح هذا المعنى.

ولذلك النبي سن وصادق على قول لبيد بن ربيعة العامري، أحد أصحاب المُعلقات السبع. قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد. أصدق كلمة! ما هي؟ ألا كل شيء ما خلا الله باطل. كل شيء! كل شيء باطل، حتى نحن وجودنا باطل. ما معنى باطل؟ كما قلنا ليس وجوداً من ذاته، ليس وجوداً حقاً، هو وجود مُفاض، وجود مُعار، فقط! لمُدة مُعيّنة، ولحكمة مُعيّنة، ثم يُسحَب، وننتقل من طبق إلى طبق رُغماً عنا، لا نستطيع غير ذلك، أليس كذلك؟ لا نستطيع! كنا أجنة رُغماً عنا، أتينا إلى الحياة دون أن نُستشار، دون أن نُستشار! صرنا شباباً، اكتهلنا، شخنا، تهدمت أسناننا وعلت رُغماً عنا! وننتقل إلى البرزخ رُغماً عنا، ونُوقَف بين يديه رُغماً عنا، لا نملك شيئاً، إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ ۩، وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ ۩، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۩، إِنَّا لِلَّهِ ۩، الله أكبر! قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ۩، ليس عيني، ليس عقلي، ليس لساني، إِنَّا ۩، كلي!

ماذا كان يقول مولانا رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -؟ كان يقول إنا بك وإليك. أرأيتم؟ إنا بك، إذن نحن بالله، ولسنا مع الله، نحن بالله، وجودنا بالله، والنبي كان يقول إنا بك. ما معنى إنا بك؟ هذا هو! وجودنا، قيامنا، والذي نتوهمه من ثبوتنا ودوامنا النسبي، كله بالله، ليس من ذاته، كله صورة! إنا بك وإليك. والمصير والمُنتهى والمرجع أيضاً إلى الله.

فهذا معنى قول الشيخ – قدَّس الله سره – هو الواحد الذي ليس معه شيء. لكن به ماذا؟ أشياء كثيرة. تُوجَد به أشياء كثيرة! وكل الموجودات موجودة بالله، وليست موجودة مع الله.

وأما أن الله – حتى لا نُطيل اليوم – ظهر بكل شيء، كما قال الشيخ، فهذا إشارة إلى الدلائل الدالة عليه، والسُبل المُوصِلة الهادية إليه، في الآفاق وفي الأنفس، وهي كثيرة جداً! سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ ۩، وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ ۩ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ۩، آيات كثيرة! وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ۩.

ولذلك قال السادة العلماء – رحمة الله عليهم وعلينا وعليكم معهم أجمعين، بفضله ومنّه -، قالوا آيات الله كثيرة، لا عدد لها، ولكن لا يستفيد بها ومنها إلا الأقل، كالنجوم في السماء، كثيرة جداً! ومن الحكم التي لأجلها خلق الله هذه النجوم، لنهتدي بها في ظُلمات البر، وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ۩، ولكن قل مَن يُحسِن أو مَن أحسن الاهتداء بالنجم. هل تعرف؟ هل أعرف؟ أنا لا أعرف، لا نعرف، صعب! لا نعرف كيف نهتدي بالنجم، أليس كذلك؟ فكذلكم آيات الله في الآفاق وفي الأنفس، كثيرة جداً جداً، وقل مَن يُحسِن أن يهتدي بها، لماذا؟ ليس لدينا فكرة. مشغولون بالبطن، بالفرج، بالمنصب، بشهوة السُمعة، بالتصدر، بالتقدم، وبالكلام الفارغ، سخافات الدنيا كلها! كلها سخافات، والله العظيم كلها سخافات.

إذا أردت أن تختبر نفسك؛ هل أنت من أهل الله؟ وهل لله عناية خاصة بك؟ زِن في نفسك هذه المعاني. إذا كان دأبك وشهوتك وجهادك وحركتك وسعيك وجدك وكدك ووكدك، إذا كان كل أولئكم في سبيل مُشتهيات دنيوية زائلة، من مال أو منصب أو جمال أو سُلطة أو قوة، فلا، فأنت لا شيء، أنت لا شيء! الله لا ينظر إليك نظر العناية، الله وكلك إلى نفسك. وإن كان كل ما ذكرت في سبيل أُخرى، كلها تُفضي إلى مزيد توثيق الصلة بالله – تبارك وتعالى -، الاستدلال عليه، التعرف إليه، التقرب إليه، ربط كل شيء في الوجود بالله، بالخالق، المُبدِع، الوحيد! كل شيء مربوط بربه، فأنت من أهل الله، والله له نظر عناية بك.

وعجيب أن من العارفين بالله – تبارك وتعالى – مَن عد ضمن أساتيذه ومشائخه أشياء من الجمادات، كحجر مُعيَّن هكذا، يقول هذا أستاذ لي. الحجر؟ كيف؟ طبعاً! وهو شيء من الأشياء. أمس جاءني أخ – والله – وأشار بإشارة لطيفة. أخ مصري فاضل – بارك الله فيه – أتى بحجر صغير – أي Stein -، ويبدو أن طفلاً كتب عليه Ich bin wichtig، أي أنا مُهِم، فــ Wichtig تعني مُهِم، أنا مُهِم! وطبعاً طفل كتب عليه، ولكن هذه إشارة، وهذا الرجل ربط كلامي بهذا الحجر، وهو حين وجده، أخذه وأحس أن هناك إشارة مُعيَّنة، وبعد الدرس قال لي انظر، وجدته اليوم. فقلت له وهذا صحيح. الحجر يقول أنا مُهِم. طبعاً مُهِم، يُمكِن أن يكون أستاذاً لك هذا إلى الله – عز وجل -. كيف؟ أنت الآن لا تفهم؛ لأنك لم تتعلَّم كيف تتلمذ وكيف تستثمر هذه الآيات.

شيخ وعارف بالله كبير جداً جداً – قدَّس الله سره -، قرأت له يقول من أساتيذي ومشائخي – لا أدري بقرطبة أو إشبيلية – ميزاب ماء، في درب كذا كذا، في البلدة الفلانية. ميزاب ماء، أي مزراب ماء. قال هذا أستاذي. وتعلَّم عليه دروس كثيرة جداً جداً! كيف؟ الله أكبر، هذا هو، وكل شيء هكذا.

وفِي كلِّ شيءٍ لَهُ آية                                  تَدُلّ على أنّهُ واحِدُ.

فكيف سنفهم هذه الآيات إذن؟ في كل شيء! كبر أم صغر، كله دلائل على الله، ووسائل إلى الله – تبارك وتعالى -.

النبي كان له هذه العلاقة، النبي أخذ حصيات هكذا بيده مرة، لكي يُظهِر مُعجِزةً وخارقةً، ولكي يُعلِّم أصحابه علم اليقين، بل عين اليقين، عين اليقين! رأوا ذلك وسمعوه. وضع هذه الحصيات في كفه الشريف، فسبحن، فوضعهن على الأرض، فخرسن، توقفن عن أن يحكين، كن يقولن سُبحان الله، سُبحان الله، سُبحان الله، سُبحان الله.. فوضعهن، فسبحن، ثم وضعهن على الأرض، فخرسن.

ما معنى ذلك؟ ما معنى ذلك؟ كمال المُناسَبة، كمال المُناسَبة الروحية بين رسول الله – أعبد خلق الله، وأفضل خلق الله، وأجل خلق الله، وأحب خلق الله إلى الله، صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، ما ذكره الذاكرون، وما غفل عن ذكره الغافلون – وبينها. رسول الله هناك كمال مُناسَبة بينه وبين هذه الكائنات المُوحِّدة. هذه كائنات مُوحِّدة هكذا، لا تستطيع إلا أن تكون مُوحِّدة عابدة والهة. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ۩، كله! ساجد، في حال سجود، كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۩ – كما قلنا أمس -، قال وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۩، وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ۩. فلكمال المُناسَبة، ظهرت حقيقة العبودية من هذه الأحجار أو من هذه الحصيات لرسول الله ولأصحابه، فإذا بها تُسبِّح.

أيها الإخوة والأخوات:

كثير من أولياء الله، وكثير من العارفين بالله – تبارك وتعالى -، يسمعون تسبيح النباتات والأشجار والحصى والماء، وأشياء عجيبة أكثر من ذلك! حتى أن بعضهم يبتهل أحياناً إلى الله أن يُخفِّف أو أن يحجب عنه بعض ذلك؛ لأن هناك أصواتاً غريبة، هناك أصوات ولُغات وأشياء و… و… شيء عجيب جداً! فيُريد أن يُحجَب عنه بعض ذلك؛ حتى يستطيع أن يفرغ إلى شيء آخر، هذا يكون صعباً جداً. الكون كله في حال تسبيح، في حال هُيام، في حال وله وتتيم بالخالق، لا إله إلا هو! شاء أو أبى هذا الكون المادي.

ورحمة الله على البوصيري – المادح الأعظم لرسول الله -، حين قال في همزيته:

رَبِّ إِنَّ الْهُدَى هُدَاكَ، وَآيَاتك                       نُورٌ، تَهْدِي بِهَا مَنْ تَشَاءُ.

كَمْ رَأَيْنَا مَا لَيْسَ يَعْقِلُ، قَدْ                         أُلْهِمَ مَا لَيْسَ يُلْهَمُ الْعُقَلاَءُ!

صحيح! رأينا أشياء جامدة – يقول – أُلهِمت أشياء لم يُلهمها حتى العُقلاء؛ العُقلاء الجحدة، النكرة، الجهلة، الجامدون، المُنقطِعون، الغافلون.

نسأل الله أن يُنبِّهنا بآية من عنده، وأن يصل حبلنا بحبله، بفضل منه ومنّة، لا إله إلا هو.

جيد، إذن إنا بك وإليك. إنا بك وإليك! وأما أنه – تبارك وتعالى – ظهر لكل شيء، فهذا هو المعنى الذي انتهينا إلى تقريبه الساعة. ظهر لكل شيء، فعرفه، فعبده وسبَّحه، فعبده وسبَّحه! كلٌ بطريقته وبسبيله التي لا نعرفها. هذا هو المعنى، على جهة الاختصار.

نكتفي – إن شاء الله تبارك وتعالى – بهذا القدر. نسأل الله – تبارك وتعالى – أن يستنقذنا وإياكم، وإخواننا وأخواتنا، المُسلِمين والمُسلِمات، من نار جهنم، بفضله ومنّه وكرمه، آمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: