أسماء الله الحسنى l الحلقة 7

video

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩، يا ربي لك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مُبارَكاً فيه، كما تُحِب وترضى. لا نُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله، ورسوله، وصفوته من خلقه. اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المُبارَكين المُنتجَبين، وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۩، ربنا تقبَّل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا وركعونا وسجودنا ودعاءنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، اللهم بلِّغنا مما يُرضيك آمالنا، واختم بالسعادة آجالنا. علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علماً وفقهاً، اللهم آمين.

أما بعد، أيها الإخوة الأحباب، أيتها الأخوات الكريمات:

السلام عليكم جميعاً ورحمة الله تعالى وبركاته.

نحن اليوم – إن شاء الله تعالى – على موعد، مع اسم جديد من أسماء الله الحُسنى، إنه اسم الله المَلك – جل جلاله -. أخذنا الله – تبارك وتعالى -، الرحمن، الرحيم. والآن نأخذ المَلك. الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۩، بهذا الترتيب، نعم! وهي طبعاً وردت بهذا الترتيب في الحديث الذي عيَّن هذه الأسماء التسعة والتسعين، من رواية الإمام الترمذي – رضيَ الله تعالى عنه وأرضاه -.

المَلك!

أيها الإخوة:

في القرآن الكريم لدينا أو يُطالِعنا من أسماء الله – تبارك وتعالى – المَلك، ومالك ولكن بالإضافة، المَلك يأتي بغير إضافة، وأما المالك، فلا يأتي إلا مُضافاً؛ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ۩، مَالِكَ الْمُلْكِ ۩، وهكذا، نعم! إذن هناك المَلك، وهناك المالك، وهناك المليك؛ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ۩ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ۩، فالله هو المَلك، المالك، المليك. هو الملك، المالك – مَالِكَ الْمُلْكِ ۩، و: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ۩، ومالك كل شيء، لا إله إلا هو، نعم -، وهو المليك أيضاً، وهو المليك! ما أصل اشتقاق هذه الكلمة؟

أيها الإخوة والأخوات:

أصل اشتقاق هذا الاسم أو هذه اللفظة، قولهم ملكت العجين، ملكت العجين! وملكت المرأة العاجنة العجين. ما معنى ملكته؟ بمعنى أحكمت وشدت عجنه. فالمُلك في الأصل – في أصل الاشتقاق – هو الشد والربط. فإذا شدت العجن، يُعتبَر ويُقال ماذا؟ يُقال إنها ملكت. ولذلك يُقال أملكي عجينكِ. نعم! هذا هو أصل الاشتقاق.

وإلى الآن لدينا كلمة عامية، وهي فصيحة، نستخدمها ولا نعرف صلتها بكلمة المُلك والمليك والمِلك، ولا نعرف حتى معناها، وهي إملاك المرأة، نقول أملك عليها. أليس كذلك؟ الإملاك معروف! هذه موجودة في أكثر لُغات العرب العامية الآن، أي في أكثر لهجاتهم العامية. يقولون لك أملك عليها. أي أملك على المرأة، والإملاك! أي فقط هم عملوا الإملاك، في المغرب وفي المشرق موجودة، موجودة ونسمعها في لهجات كثيرة، الإملاك! ما معنى الإملاك هنا؟ الإملاك يُقصَد به طبعاً العقد، يقصدون بالإملاك العقد. إذا خطبها – في الخِطبة -، لا يُقال إنه أملك عليها. يُقال خطبها. هل أملك عليها؟ هكذا نقول في العامية. لا، لم يُملِك. أي لم يعقد، وهذا استخدام فصيح، هذا استخدام فصيح! إملاك المرأة في اللُغة الفُصحى، هو شدها بالعقد. شدها؛ حتى لا تضيع، حتى لا تفر. شدها بالعقد! هذا هو أصل الكلمة.

إذن أصل هذه الكلمة الشد والاستيثاق، الشد والاستيثاق وما شاكل هذه المعاني. جيد! ما دخل هذا المعنى في المُلك، وفي المِلك؟ ما دخل معنى الاستيثاق والشد في المُلك؟ لا، له دخل واضح، له مدخلية واضحة، حين تكون علاقة المالك بما يملك، من أقوى ما يكون. ولذلك لا مَلك على الحقيقة ولا مُلك على الحقيقة، إلا لمَن؟ إلا لله. نحن علاقتنا بما نملك ضعيفة جداً، أي نحن نتهيأ طبعاً أن أحسن وأن أوثق ما نملكه أبداننا؛ أنا أملك نفسي، وهذه طبعاً النغمة الغبية، النغمة الشيطانية! هذا مما أوحت به شياطين الإنس والجن، بعضهم لبعض – بعضِهم أو بعضُهم لبعض، لك أن تقول الاثنين، إذا جاورت قلت، بعضِهم، وإذا لم تُجاوِر، قلت بعضُهم -. ما هو؟ يقول لك جسدي، وأنا حر فيه. نغمة سيئة شيطانية، من أسوأ ما يكون، من أسوأ ما سوَّلت الأبالسة إلى المساكين المغافيل من الناس. جسدي وأنا حر فيه! كيف؟ أنت لا تملكه، وهو ليس – أي الجسد هذا – ملكاً لك، وصدق العارفون بالله حين قالوا أنت مُستخلَف في أرضين؛ في أرض الله، وفي أرض بدنك. أنت خليفة في دائرتين! أنت خليفة في دائرتين، مُستخلَف بأمر الله، بمشيئة الله، وبحكمة الله – تبارك وتعالى – في أرضين أو في ميدانين؛ في أرض الله، وفي أرض بدنك. في ساحة الوجود، وفي ساحة هذا البدن أنت مُستخلَف، أنت مُستخلَف! أنت لا تملك شيئاً.

ولذلك يُمكِن يوم القيامة أن الله – تبارك وتعالى – إذا أسأت معه الأدب، أو أتيته بقليل من العُجب والنظر إلى الذات وعدم هضيمتها، يُمكِن أن الله – تبارك وتعالى – يُحاسِبك على ماذا؟ على ما لست تملك؛ على أعضائك. ويقول لك هذه ليست لك، ادفع ثمنها الآن، ادفع جزاءها، أنت عبدتني؟ جميل، بإرادتك. أنت عبدتني، وقد كنت تستطيع ألا تعبد، هل تُساوي كل هذه العبادة، هذه النعمة التي أوليتك وأعطيتك وأسبغت عليك؟ لأنها ليست لك! بصرك ليس لك، سمعك ليس لك، ذكاؤك ليس لك، وكذلك فصاحتك، لسانك، جمالك، لونك، طولك، عرضك، قوتك، عصبك، وكل شيء فيك، ليس لك. إذن ادفع الثمن، وتهلك مُباشَرةً.

روى الإمام الطبراني، عن عبد الله بن عمر – رضيَ الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين -، قال جاء رجل حبشي إلى النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام -، وقال يا رسول الله، فُضلتم علينا بالألوان والنبوة. وهو حبشي، أي أسود الألون. وأنت يا رسول الله – ما شاء الله – أبيض وجميل ونبي. ويُخاطِب النبي بذاته! يقول فُضلتم علينا يا رسول الله بالألوان والنبوة. فإذا آمنت بمثل ما آمنت به، وعملت مثلما عملت يا رسول الله، أكون معك يوم القيامة في الجنة؟ قال نعم. ففرح الحبشي فرحاً شديداً. طبعاً! تكون معي. ليس فقط في الجنة، ومع الرسول، وهذا قرآن؛ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ (قال مَعَ الَّذِينَ) أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا ۩ ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۩… اللهم تفضَّل علينا بفضلك الواسع، دنيا وأُخرى، يا رب العالمين، بكرمك يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين.

ثم قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – الآتي، النبي قال بعد ذلك الآتي. قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – مَن قال لا إله إلا الله – طبعاً مُخلِصاً بها ماذا؟ قلبه. مُعتقِداً بها اعتقاداً جازماً -، كان له بها عهد عند الله يوم القيامة. يُريد أن يُبشِّر هذا الحبشي، وأن يُبشِّرنا من ورائه. أنت فقط بالتوحيد – بشهادة التوحيد – يكون لك عهد عند الله. هل تعرف ما معنى عهد إذن؟ عهد وميثاق وموعدة، تستطيع أن تُطالِب بها ربك، تقول له يا رب، مهما حصل أنت كنت مُوحِّداً، أنا أيضاً أن تُجازيني بهذا التوحيد، أنا أتيتك مُوحِّداً. كما قال عمر الخيام:

إن لم أَكن أَخلصت في طاعتِك                     فإنني أطمعُ في رَحمتك.

وإنما يَشفعُ لي أنني                         قد عِشت لا أُشرِكُ في وَحدَتك.

قال له قد عِشت لا أُشرِكُ في وَحدَتك. لم أُشرِك أنا. صحيح! يُمكِن أن أكون قد فسقت، وشربت الخمر – والخيام مشهور عنه هذا -، ولكن أنا لم أُشرِك في وحدتك. صحيح!

الإمام أبو العباس بن سُريج تعرفونه، يُقال هذا مُجدِّد المئة الثالثة في الإسلام. إمام شافعي جليل، علّامة كبير! كان بحراً من بحور العلم، التي لا تُنزَح – قدَّس الله سره الكريم -، وكان من الصالحين. أبو العباس بن سُريج قال رأيت وكأن القيامة قد قامت – رؤيا حق فعلاً -، وكأن رب العزة – لا إله إلا هو، جل جلاله – قد جمع العلماء، ثم حاققهم، قال أيها العلماء قد علمتم، فماذا عملتم بما علمتم؟ وطبعاً ليس مَن علم، كمَن لم يعلم. في الحديث الضعيف أول ما يُبدأ به، يُبدأ بالعلماء، أي بعلماء السوء – والعياذ بالله -، ويُقال لهم ليس مَن علم، كمَن لم يعلم. كنتم على علم وعلى ضلالة، يا ويلكم! هؤلاء – والعياذ بالله – سيهلكون. وفي الحديث يُبدأ بهم قبل عُبّاد الوثن – والعياذ بالله -. يُبدأ بهم قبل عُبّاد الوثن، أو الأوثان؛ لعظم خطرهم، ولعظم فسقهم – والعياذ بالله -، وفشو ضلالتهم في الناس. الناس حين ترى العالم فاسقاً – والعياذ بالله -، تزداد ضلالة. أي يكون هذا بفسقه وهو عالم – والعياذ بالله -، يكون أدعى إلى غواية الناس وإضلالهم من أكبر فاسق وضال. فهذا شيء خطير جداً جداً!

المُهِم، الله يُحاقِق العلماء ويُحاسِبهم؛ فماذا عملتم بما علمتم؟ فقالوا قصَّرنا وأسأنا يا ربنا، ومغفرتك نرجو. فأعاد السؤال، وهذه الرؤيا عجيبة جداً! قال قد علمتم، فماذا عملتم بما علمتم؟ وكأنه لم يرتض جوابهم. قال فدخلنا الفزع جميعاً. شيء مُخيف، لم يرض بهذا الجواب، ما معنى قصَّرنا وأسأنا؟ هذا ليس جواباً، ليس مرضياً عند الله. قال فألهمني الله. وهذا كان شيخ الإسلام، ومُجدِّد المئة الثالثة، ليس إنساناً عادياً، وليس عالماً عادياً. فألهمني الله – تبارك وتعالى -، فأستأذنت – أي استأذن بالخطاب، بالكلام -، وقلت يا رب، إن كنا قد أسأنا وقصَّرنا، فإننا قد وحَّدناك، ولم نُشرِك بك شيئاً، وقد وعدت أن تغفر الذنب كله، عدا الإشراك بك، وقد جئناك وليس في صحائفنا شرك، فاغفر لنا. قال فأعجبته – تبارك وتعالى -. قال أحسنت، ادخلوا الجنة بفضلي ومغفرتي. هذا هو، فقط! هذا هو، الله أكبر، أي علماء الإسلام ليس عندهم دالة، حتى يقولوا نحن عملنا وكتبنا وألَّفنا، لا يُمكِن!

أبو حنيفة – قدَّس الله سره، هذا الإمام الأعظم – رُؤيَ في المنام بعد موته، قيل له ما فعل الله بك؟ قال الحمد لله، غفر لي، وتجاوز، وسمح، وأنزلني مُنزلاً خيراً. قيل بِمَ؟ بعلمك؟ قال بعلمي؟ هيهات! العلم؟ هيهات! إن للعلم شروطاً وآفات. أشياء كثيرة جداً! وطبعاً يُمكِن أن تتقاضى كل هذا العلم في الدنيا، صحيح! هذا هو، الناس أولاً تحترم العالم أكثر من الجاهل، هناك احترام ورُغماً عنهم، هكذا فطرة مركوزة، فأيضاً ليس فعلاً مَن علم، كمَن هو جاهل. جيد، فهذا ربما يكون جزاءك في الدنيا، أي الاحترام، احترام الناس؛ يُقال أهلاً يا مولانا وما إلى ذلك، وبعض الناس يُسارِعون إلى مرضاتك، ويُسارِعون إلى خدمتك، وينتهي الأمر، هذا أجرك، انتهى! مُصيبة، مُصيبة!

فقيل بِمَ إذن يا شيخ الإسلام؟ قال بما قال الناس في وليس في. الكثيرون بهتوا أبا حنيفة، قالوا عنه زنديق. قالوا عنه كذّاب. قالوا عنه إنه إنسان لا يفهم في السُنة. قالوا عنه إنه إنسان دعي في العلم. قالوا عنه إنه إنسان جاء ليهدم سُنة المُصطفى. هكذا! يُوجَد بعض علماء الإسلام الذين زندقوه، قالوا هذا زنديق، زنديق! وقالوا – أسوأ فتنة في تاريخ الإسلام – وهو العالم طبعاً – وجود النُعمان بن ثابت. تخيَّل!

عبد الله بن المُبارَك كان يُخالِف أبا حنيفة في أشياء كثيرة، ولكنه كان يُنصِفه، ويُقِر بأنه عالم ثبت، وجبل من جبال العلم. وكان يُخالِفه في أشياء كثيرة، كثيرة جداً! ومشربه يختلف؛ ابن المُبارَك أثري، وأبو حنيفة من أصحاب الرأي والأثر، فيختلف عنه تماماً. يقول ابن المُبارَك أتيت الأوزاعي في الشام – الإمام الأوزاعي، رحمة الله عليه، وكان إمام أهل الشام، قال أتيته -، فجرى هكذا عرضاً ذكر أبي حنيفة، فوقع فيه، قال بئس الرجل هو، أعوذ بالله، سمعت أن عندكم – في بلاد العراق – رجل يُقال له أبو حنيفة. وجعل يخوض في عرضه. هكذا! وعند كثير جداً من العلماء سُمعته كانت سيئة جداً للأسف، ابتلاء! الله أراد أن يبتليه، وأن يُعلي درجته في الآخرة، أي بسبب هذه المحنة.

قال فسكت، وبعد سويعة أخرجت كتاباً من جرابي، وقلت له يا إمام لو سمعت إلى شيء من هذه المسائل. قال هات، هاتِ ما عندك. قال فقرأت عليه مسألة، فاستحسنها، قال هذا حسن جداً، استدلال مُمتاز، وعلم مُمتاز، هاتِ. وهكذا مع مسألتين، ثم ثلاث، أربع، خمس، عشر مسائل. قال لمَن هذا العلم؟ قلت لرجل عندنا في العراق، يُقال له النُعمان بن ثابت. قال إنه عالم يا عراقي. يا عراقي – قال له – هذا عالم. أف! عالم كبير هذا. قلت له هذا أبو حنيفة. قال هذا أبو حنيفة؟ قلت نعم، هذا أبو حنيفة، وهذا علمه، وهذا قوله. قال أشهد أنه عالم. إذا كان الأمر كذلك، فلا. قال له، هذه معناها أن الحكاية تتعلَّق بالدعايات. وهذا يقع! فهؤلاء كانوا علماء الإسلام، ولم يُدلوا، لا بعلم، ولا بهُدى، ولا بأمر بالمعروف، ولا بنهي عن المُنكَر، ولا بدعوة إلى الله، إنما قالوا فقط ماذا؟ نحن مُوحِّدون يا رب. قالوا. قال له السراج أنا مُوحِّد. قال له أنا مُوحِّد، لست مُشرِكاً. فقط، هذا الذي عندنا! قال إذا كان الأمر كذلك، فلتتفضلوا، لا تُوجَد مُشكِلة.

فالنبي قال ماذا؟ مَن قال لا إله إلا الله، كان له بها عند الله عهد يوم القيامة. اللهم اجعلنا منهم، أحينا وأمتنا على شهادة أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله، اللهم آمين، يا رب العالمين.

جيد، قال – عليه الصلاة وأفضل السلام – ومَن قال سُبحان الله وبحمده، كتب الله له مئة ألف حسنة. انظر، بلا إله إلا الله، يكون لك عهد عند الله، عهد! انتهى، وثيق. وحين تقول سُبحان الله وبحمده، تُكتب لك مئة ألف حسنة. فقام صحابي، فقال يا رسول الله، وكيف نهلك على الله؟ إذا كانت القضية هكذا، فسنفهم من معناها أنه لن يهلك إنسان! وأنا أقول لكم – والنبي قال ذلك، عليه الصلاة وأفضل السلام – لا يهلك على الله إلا هالك، فعلاً! يوم القيامة لن يهلك إلا هالك، ولن يدخل النار إلا فعلاً مَن كان مُستحقاً أن يدخلها؛ لأن رحمة الله أوسع مما نتخيَّل فعلاً، ووأوسع مما نتصوَّر؛ لأن الله يُعطينا الكثير على العمل البسيط جداً جداً، يعطينا على العمل القليل الصغير اليسير، أجراً كبيراً، أي لا يدخل في الوهم! فإذن لماذا؟ يُريد أن يرحمنا، يعلم ضعفنا، ويُشفِق علينا، وهو أرحم بنا من والدة المرء به، ولا يُحِب أن يدخلنا جُهنم، ولذلك يُريد أن يستنقذنا بكل أسلوب، عمل بسيط جداً جداً، يُعطيك عليه أجراً لا تتخيَّله.

وانتبهوا، أُريد فقط هنا أن أقول هذه الكلمة، مُهِمة جداً؛ ليس العمل فقط – أيها الإخوة والأخوات، رعاكم الله جميعاً – هو العمل العبادي. ليس العمل هو العمل العبادي المحض. بعض الناس يظن أنه هكذا، وهو – والله – ليس كذلك. أنا أحياناً يخطر في بالي أن هناك أعمالاً كثيرة، أنتم ترونها دنيوية، وفي الحقيقة حين نتعمَّق، نُدرِك أنه لا يُوجَد شيء دنيوي – إن شاء الله -. كل شيء يُراد به وجه الله، هو عمل عبادي وقُربة إلى الله، كل شيء! أكلك، شُربك، البسمة، احترام الناس، التواضع. لا بد وأن تكون مُتواضِعاً، تنفي عن نفسك الكبر والعُجب والغرور والعُنجهية الفارغة والغطرسة الزائفة، تُساعِد الناس، تكون هيّناً، ليّناً، موطأ الأكناف، رفيقاً… إلى آخره! تُعطي، ترضخ، تنفح، تنصح، تُحِب لغيرك ما تُحِب لنفسك أو قريباً مما تُحِب لنفسك – وهذه مرتبة صعبة جداً جداً -، تكف أذاك عن الناس، وكل هذه قُربات إلى الله، تستر!

اسمعوا هذه القصة العجيبة المُؤثِّرة، هذه ليست عبادة، هذا لم يُصل ولم يصم، وهذه القصة وقعت في بلاد الشام، في دمشق، في مسجد أعتقد أن اسمه مسجد الورد تقريباً. المُهِم، أن هذه القصة لها أكثر من نصف قرن، ولكنها قصة حقيقية؛ لأن الشيخ الذي كان يؤم في المسجد معروف – أي في مسجد الورد هذا -، وهو الذي حكى القصة، والشيخ كان عالماً كبيراً ورجلاً صالحاً.

يقول هذا الشيخ – رحمة الله تعالى عليه – رأيت النبي – عليه الصلاة وأفضل السلام – ذات ليلة في المنام. انظروا، النبي! ولم يأت لأجله، أتى لأجل شيء آخر. قال له يا فلان ائت جارك فلاناً، وبشِّره أنه رفيقي في الجنة. هكذا! بشِّره، اذهب إليه. فكبرت عليه، حزن هذا المسكين؛ أنا الشيخ والعالم والإمام، أي هذه أول مرة أرى فيها النبي، وليس من أجلي أيضاً!

وجاره هذا ما قصته؟ هو سمّان، وأنتم تعرفون السمّان. أي يبيع البقول، يبيع الشعير والذرة والحمص والبرغل وما إلى ذلك. سمّان مُتواضِع في حاله، صحيح أنه إنسان مُصلٍ، ويرتاد المساجد، ولكن هو ليس عالماً ولا داعية، في حاله، كاف شره عن الناس، باذل خيره وكاف شره.

قال فأتيته مُباشَرةً، وقلت له يا فلان أبشر، سأقصك عليك بُشرى عظيمة جداً جداً، لكن على أن تُعاهِدني أن تُخبِرني بالخصلة التي بلغت بك. أي أُريد أن أعرف لماذا؟ لأن على ما يبدو أن هذا العالم كان فاهماً، وكان عالماً صالحاً، أي هذا المسكين يعمل بعلمه ويُحاوِل أن يجتهد، لكن لم يرتفع إلى هذه الرُتبة، أن يُبشَّر بأنه رفيق الرسول – صلوات ربي وتسليماته عليه – في الجنة. قال له لا. قال له لا، إلا أن تُعاهِدني! المُهِم، أصر عليه، وعزم عليه، واستحلفه. يُريد أن يعرف، انتهى! فضول إيماني، وليس فضولاً أهوائياً نفسانياً. قال له إذن أُخبِرك، أنا سأُخبِرك.

قال له المُهِم، رأيت النبي، وقال لي كذا وكذا وكذا. تأثَّر الرجل جداً، وقال الحمد لله. حمد الله، وقال له اسمع حكايتي؛ تزوَّجت امرأة، فلما كانت في الشهر الرابع، ألفيتها حاملاً في الشهر التاسع. وطبعاً هذا لا يُمكِن، لو كانت في السادس، لقال أهلاً وسهلاً، لكن كيف يكون هذا في الرابع، وتكون هي في التاسع؟ معناها – والعياذ بالله – ماذا؟ زلت بها قدمها، ونسأل الله الستر، جميل ستره، على جميع المُسلِمين والمُسلِمات.

قال فلو شئت أن أفضحها، لفضحتها. الشرع معي، والعُرف معي، والناس معي، وأهلها معي، لكن لما تحققت، علمت أنها زلة. أخطأت بطريقة ما هذه المسكينة، وغُلبت على نفسها. لا نعرف ما القصة، لم يحك التفاصيل. قال علمت أنها زلت، فألهمني الله سترها، لوجه الله، ثم لما ألجأها المخاض أو الطلق، أحضرت لها قابلةً من الليل، فأولدتها، فلما أُذن للفجر، أخذت الطفل الوليد تحت عباءتي، وقصدت المسجد، ووضعته في ناحية الباب، وصليت، فجعل يبكي الطفل ويصرخ، للأسف! ابن ساعة هذا. فانفتل الإمام بعد الصلاة والمُصلون، وقالوا هناك ولد، ولد! لا حول ولا قوة إلا بالله. وتعرفون طبعاً القصة وكيف هي بقيتها، أي هذا ابن حرام، وهو محطوط هنا، هذا ولد، ولد! فقلت ما هناك؟ فقالوا ولد، يبدو أن أمه أخطأت به، فرمته هنا في المسجد. قال ضموه إلىّ، أنا أكفله – إن شاء الله -، حالتي ميسورة، وأنا أكفله. انظر، انظر إلى هذا، انظر! انظر إلى حُسن التلطف، أي هذا من هداية الله لعبده الصالح، انظر كيف فعلها، حتى لا تبقى أدنى شُبهة، وأيضاً في الوقت نفسه – انظر إلى الرحمة التي عنده – حتى لا يحرم أمه منه. هي أمه! صحيح من زنا، ولكن هي أمه، وكان في أحشائها.

قال ضموه إلىّ، أنا أكفله – إن شاء الله – لوجه الله. قال فضممته، وأعطيته أمه، وسترت عليها، وهكذا كان. قال تلك التي بلغت بك. أرأيتم كيف؟ هذا العمل، الذي جعله مع الرسول، وجاء النبي يقول له بشِّره أنه يكون معي رفيقي في الجنة. هكذا إذن، هذا الدين، هذه التقوى.

إذن عندنا المَلك، والمليك، والمالك. عندنا المَلك، والمليك، والمالك – مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ۩، إلى آخره -. جيد! وقلنا الأصل هو ماذا؟ الشدة والاستيثاق. ولأن هذا هو الأصل في معنى المادة، إذن لا مُلك على الحقيقة إلا لمَن؟ إلا للواحد القهّار – لا إله إلا هو -، لرب العالمين؛ لأنه هو الوحيد الذي يستطيع أن يتصرَّف – تصوَّر – تصرفاً مُطلَقاً في كل شيء، أما نحن، فتصرفنا ضعيف، نعم! ومن هنا دخلنا، لماذا؟ لأننا لا نملك حتى أبداننا، لا نملك حواسنا، وكل هذا مملوك لله، ونحن مأمورون أن نتصرَّف على الوجه الذي يرضى به الله – تبارك وتعالى -، إذن لا مُلك لنا، حتى أبداننا ليست مُلكاً لنا، أليس كذلك؟ مُلك مجازي، مُلك صوري، مُلك ظلي، إعاري – كما نقول دائماً -، وكل شيء هكذا، الدنيا كلها! ونحن أيضاً – كما قلنا – مُعارون في هذه الدنيا.

جيد، يُمكِن أن نتأمل في مُلك العباد، وفي مُلك الله – تبارك وتعالى -. يُمكِن أن نتأمل في المُلك كُله، في الخلق كله، الخلق كله! كل ما خلق الله. وطبعاً سوف تقول لي أي هل الله خلق فقط الدنيا والآخرة والجنة والنار؟ لا، الله خلق أشياء لا نعرفها، وخلق أشياء أوسع مما نظن، في أول سورة الفاتحة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۩، ما العالمون؟ جمع عالم، والعالم اسم. اسم جمع هو أصلاً، أي العالم، أليس كذلك؟ كما نقول رهط، قوم، جيش، قبيلة. يُوضَع على جماع – كما يقول علماء اللُغة، على جماع، على معنى مجموع -، لا مُفرَد له من لفظه، لا مُفرَد له من لفظه! ما مُفرَد رهط؟ لا يُوجَد، من لفظه لا، يُوجَد رجل، تقول رجل، أليس كذلك؟ ومُفرَد قوم الشيء نفسه؛ رجل، وكذلك مع جيش، تقول جُندي، وهكذا! كلمة عالم ينطبق عليها الشيء نفسه، عالم تعني أشياء كثيرة جداً جداً، مضبوط؟ الإنسان وحده لا يُسمى عالماً، ولكن عالم الإنس كله هو عالم، وكذلك عالم الجن، عالم الملائكة، عالم الحور العين، وهكذا! عوالم، عالم السماوات، عالم الأرضين، هي عوالم كلها.

إذن كل هذه المخلوقات، بكل هذه العظمة، بكل هذا التعداد، بكل هذه الكثرة والوفرة، كلها إلى جانب مُلك الله الحقيقي، ماذا تُعتبَر؟ عدماً. نحن نعدها عدماً، لماذا؟ مسألة رياضية بسيطة جداً جداً؛ ما هي نسبة أي رقم مما يتناهى، إلى ما لا يتناهى؟ الصفر. أليس كذلك؟ لو حططنا مثلاً – نقول مثلاً – كوادريليون Quadrillion، على مالانهاية، كم سيُساوي؟ صفراً. لو حططنا سنتليون Centillion، على مالانهاية، كم سيُساوي؟ صفراً. أكبر رقم؛ جوجول Googol، لو حططنا الجوجول Googol على مالانهاية، كم سيُساوي؟ صفراً. وهناك ما هو أكبر حتى من الجوجول Googol، أعتقد اسمه الجوجولبلكس Googolplex، نعم! الجوجولبلكس Googolplex هو عشرة أس جوجول Googol، أرأيت الجوجول Googol؟ الجوجول Googol عشرة أُس مئة، والجوجولبلكس Googolplex عشرة أُس جوجول Googol، أف! شيء مُخيف، ولا يُوجَد طبعاً هذا، والعلماء حتى الآن لم يستطيعوا أن يُعيّنوا أي شيء في الكون يُقاس بالجوجولبلكس Googolplex، غير موجود، غير موجود في الكون! مُستحيل، رقم خيالي، مُخيف. هذا الرقم على المالانهاية، سيُساوي كم؟ صفراً.

الآن قدرة الله، مُتناهية أو غير مُتناهية؟ هذه غير مُتناهية. لا إله إلا الله! أي ربنا – تبارك وتعالى – يستطيع (لو شاء) أن يخلق مثل هذا الكون في كل لحظة، من أي لحظة تُريد؛ من الآن، أو من قبل مليون سنة، أو من قبل غير ذلك، إلى الأزل، إلى مالانهاية، يستطيع أن يظل – لا إله إلا هو – في كل لحظة، وفي أقل من لحظة، أن يظل يخلق مثل هذا الكون، وأعظم منه خمسين ألف ألف بليون Billion جوجولبلكس Googolplex، في كل لحظة، وهكذا إلى مالانهاية. لا إله إلا الله! فهل فهمتم ما معنى المَلك؟ هذا هو المَلك، هذا هو المالك، هذا هو المليك. فعلاً! إذن نحن لا نملك أي شيء، ولذلك نتساءل ما حظنا من هذا الاسم؟ لو تعمقنا الآن وحاولنا أن نفهم قليلاً، لعلمنا أن حظنا من هذا الاسم أن نجعل كل اعتمادنا، على مَن؟ على المالك. ولا تسأل الناس أي شيء، ولا تطمع من الناس في أي شيء، ولا تمد يدك، ولا تمد عينك، ولا تمد قلبك، أبداً! خل كل ثقتك بالله – تبارك وتعالى -. الناس عبيد، ومملوكون، ومملوكون لأخس الأشياء أحياناً.

أحد الصالحين قال له أمير سلني حاجتك. قال إلىّ تقول هذا؟ أنت؟ انظر، عنده عزة بالله. قال له أنت تقول لي هكذا؟ أنا أسألك؟ قال له لماذا لا؟ هذا أمير وعنده طبعاً الكثير، وهذا الرجل الصالح غضب، وقال له إلىّ تقول هذا؛ سلني حاجتك؟ انظر، مُعتز بالله هذا. قال له ولماذا لا؟ أي الأمير. قال له أنت عبد لعبدين، أنا سيدهما. أنت أصلاً عبد، هناك اثنان أصلاً هما أسياد عليك، وسيداك هذان هما عبدان عندي. قال له كيف؟ غير فاهم الأمير هذا! غبي طبعاً، هذا الأمير لا يفهم شيئاً، وهذا الرجل عارف بالله، طبعاً! عارف بالله هذا. والعلماء قالوا كلمة، قالوا علم العلماء – أي علماء الشريعة، مَن يعرفون الفقه والنحو وما إلى ذلك – إلى علم الأولياء – الحقيقيين، الأولياء الحقيقيين، وليس الكذّابين الدجّالين -، كعلم الأطفال إلى علم العلماء. أي حين تأتي بأتخن عالم عند رجل عارف بالله، تجد أنه يُعتبَر طفلاً، ليس بشيء، ولا يعرف شيئاً. أهل الله، الذين أعطاهم الله علماً من عنده هكذا وفتح عليهم، شيء عجيب، فوق ما نتخيَّل. هذا بالنسبة لنا طبعاً، أما بالنسبة لله، فهم صفر طبعاً، لا يُمكِن! وكله بالنسبة لله صفر، عدم كله! بالنسبة لنا وبالنسبة للعلماء، العلماء يُعتبَرون أطفالاً عندهم، تخيَّل! وعلم هؤلاء العارفين إلى علم الأنبياء، يُعتبَر علم أطفال. وعلم الأنبياء، إلى علم الرُسل، ينطبق عليه الشيء نفسه، وهكذا! وعلم الأنبياء والرُسل إلى علم محمد – عليه السلام -، يُعتبَر علم أطفال، ليس بشيء. هذا لكي تعرف علم سيدك رسول الله – عليه الصلاة وأفضل السلام -، شيء أكبر مما تخيَّل، الرسول أكبر من هذا. أكبر بكثير جداً – عليه الصلاة وأفضل السلام -، تخيَّل! قال وعلمت كل شيء. قال ظهر لي ملكوت السماوات والأرض، وعلمت كل شيء، فسلوني عما بدا لكم. وهذا الحديث صحيح – بحمد الله تعالى -. كل شيء – قال – في السماوات والأرض. هكذا! في لحظة، الله أعطاه هذا الكشف المُبين – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم -، عظيم رسول الله، عظيم جداً جداً، وإلا كيف هو أعظم خلق الله؟

المُهِم، قال له وما هما؟ ماذا؟ ما هما هذان السيدان، اللذان هما عبدان عندك؟ ما هما؟ قال له الشهوة والغضب، ملكاك وملكتهما، وغلباك وغلبتهما. أنا أغلب القوة الغضبية التي في، وأغلب شهوتي، أي شهوة! وليس فقط شهوة النساء، وإنما كل الشهوات، وأنت عبد عند هذين الاثنين، فكيف أنا أسألك؟ أنت لست بشيء. قال له أنت صفر على الشمال. فسكت المسكين!

الإمام الندوي الكبير – أبو مولانا “أبو الحسن الندوي”، رحمة الله عليهما رحمة واسعة، أبوه كان اسمه عبد الحي، علّامة كبير جداً جداً ومُحدِّث ومُؤرِّخ، وهو مُؤرِّخ الهند الإسلامية، وهو الوحيد الذي كتب تاريخاً للهند الإسلامية من القرن الثاني إلى القرن الرابع عشر الهجري، في مُجلدات واسعة، سماه نُزهة الخواطر، رحمة الله تعالى عليه، ترجم فيها لكل العلماء والصُلّاح والمعروفين والنُبلاء في الهند الإسلامية، عبد الحي الندوي في نُزهة الخواطر – حكى أن عن أحد علماء الهند المُسلِمين والأولياء العارفين، دعاه أحد الملوك المغول، وقال له أُريد أن أُقطِعك هذه الولاية. هذه أرض كبيرة، ولاية! أُريد أن أجعلها إقطاعية لك. قال له لا، يا أيها الملك، أنا لا أود ذلك. قال له لماذا؟ قال له أنت فقير. قال له أنا فقير؟ أنا في ملك، وفي الهند هنا. قال له أنت فقير، تملك جُزءاً يسيراً من أرض الله، في الهند هنا، ولا تملك على الحقيقة، والأرض كلها مُلك حقير في جانب مُلك الله، أنا إن أردت شيئاً، فأنا أسأل مولاي، مَالِكَ الْمُلْكِ ۩، بيده كل شيء. لكن لو أخذت منك شيئاً، فإنما أكون قد رزأتك، أي أخذت منك جُزءاً، أي هذا سيُؤثِّر عليك في الأخير أيضاً، أي هذا محسوب. ولكن حين أسأل ربي، لا يحصل هذا. فسكت، واستكان لها. انظر!

ولذلك كيف يذل للعبيد، مَن يعلم أن عند مولاه كل ما يُريد؟ كما قال أحد العارفين. كيف؟ كيف تذل للعبيد؟ كيف؟ كيف تجعل طمعك – حتى ولو كان هذا طمعاً نفسياً – فيهم؟ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ ۩، ولذلك الآن بدأنا نتحقق حقيقةً أن مَن تفقه وتعمق بأسرار أسماء الله – تبارك وتعالى – أو ببعض حتى معانيها وليس أسرارها – ماذا يكون معناها؟ -، بدأ فعلاً يتعمق الإيمان الحقيقي. من أهم الأبواب إلى تعميق الإيمان، ماذا؟ أن تتعمق معنى أسماء الله وصفاته. هذا لكي تعرف مَن هو ربك، لا إله إلا هو! لا أن تقول فقط لا إله إلا الله. مَن هو الله هذا؟ ما هي أسماؤه؟ وما صفاته؟ وكيف؟ لا بد وأن تتعمق هذا الشيء، وأن تجعله دائماً على ذُكر منك، في مصبحك وفي ممساك. حين تنام، لا بد وأن تُفكِّر دائماً في عظمة الله، في كرمه، في حلمه، في شُكره، في صبره، في قدرته، في مُلكه، في رحمته، في مغفرته، في أحاديته، وفي استغنائه. دائماً تُفكِّر، وتأتي بالأمثلة، تأتي بها! أنت من عندك تأتي بالأمثال، تضرب الأمثال، لكي تبدأ تتعمق في الشيء هذا، فتُصبِح مُؤمِناً حقيقياً، ويرسخ الإيمان عندك، وتُصبِح عندك علاقة حقيقية بالله، تتوثق يوماً فيوماً، ولحظة فلحظة، وساعة فساعة – إن شاء الله تبارك وتعالى -.

روى الإمام الطبراني، ورواه أيضاً في الصغير بإسناد جيد، نعم! عن مُعاذ بن جبل، أنه تأخَّر عن صلاة الجُمعة – مُعاذ تأخَّر عن صلاة الجُمعة -. النبي افتقدته؛ لأنه صحابي جليل، هو شاب وعالم، والنبي يُحِبه، فافتقده. فلما انصرف النبي من صلاة الجُمعة، لقيه، فقال أين كنت يا مُعاذ؟ أي لم أرك في صلاة الجُمعة! قال يا رسول الله، كنت خارجاً إليك. أنا والله كنت جئت لكي أُصلي الجُمعة طبعاً، ولكن ليهودي علىّ دين من تبر. كان قد أعطاه بعض الذهب هكذا، دين! أعطاه أوقية؛ أوقية من تبر، هذا بالضبط، أوقية ذهب دين. فقال له فحبسني اليهودي. قال يا مُعاذ، وأين أنت من هذا الدعاء؟ لو دعوت به، وعليك صبير – وما معنى صبير؟ أي كومة كبيرة، كومة هكذا من ذهب – دين، لقضاه الله عنك.

ما هو يا رسول الله؟ وانظروا إلى الفقه، الفقه المُحمَّدي المُصطفوي – صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم -؛ قال قل قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ۩… الله أكبر! تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ ۩… هناك دين؟ ها هي، ها هي آية الدين. قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ۩ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ۩… والنبي أمره بهذا كله، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ۩. يا رحمن الدنيا – وهذه بقية الدعاء طبعاً، تلك آية من كتاب الله، في سورة آل عمران، من أوائلها، وبعد ذلك أكمل، وقال له قل – والآخرة ورحيمهما – وهذا له علاقة بدرس أمس أيضاً، يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما -، فإنك تُعطي ما تشاء منهما، وتمنع ما تشاء منهما، اقض عني الدين، وأغنني من الفقر. النبي قال له هذا الدعاء، لو دعوت به، وعليك صبير – أي كومة كبيرة – من الدين، لقضاه الله عنك. لماذا؟ أين السر؟ السر في كلمة قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ۩.

تعرف – وهذا شيء عجيب، سُبحان الله! تعلم هذا، لو فكَّرت فيه – أن من المُمكِن أن تجد أن هذه الآية تصلح لأشياء كثيرة. بمعنى إذا فقدت صحتك مثلا، أو صار عندك أي مُشكِلة، فقل يا مَالِكَ الْمُلْكِ ۩، رد علىّ صحتي؛ لأن صحتي من ضمن مُلكك. أليس كذلك؟ وببساطة من خزائن المُلك يُمكِن أن تُعطيني بعض الصحة. فيُعطيك إياها، فهذه لها علاقة حتى بالصحة، يا مَالِكَ الْمُلْكِ ۩! قل يا مَالِكَ الْمُلْكِ ۩، ثبِّت حفظي، وزِدني حفظاً وذكاءً والتماعاً وتألقاً. يا مَالِكَ الْمُلْكِ ۩، زِدني فقهاً وعلماً. كله ينفع، وكله بــ مَالِكَ الْمُلْكِ ۩! عند أي شيء تُريده من الخير – إن شاء الله – الدنيوي أو الأُخروي، توسَّل واضرع بيا يا مَالِكَ الْمُلْكِ ۩، يُعطك. أي ليس شرطاً فقط أن تقول يا كريم، ويا وهّاب، وهذا أيضاً مُمتاز، ولكن يُمكِن حتى أن تضرع بيا مَالِكَ الْمُلْكِ ۩، وأنت تستحضر هذا المعنى. ما المعنى الذي تستحضره؟ أن كل الأشياء في المُلك، هي خزائن عند الله، وخزائنه لا تنفد أبداً. لماذا؟ لأنها كلها بــ كُن فَيَكُونُ ۩، كُن فَيَكُونُ ۩. لو كل الإنس والجن قاموا في صعيد – وهذا في الحديث الصحيح – واحد، فسألوا الله، كل يسأله مسألته، فأعطى كل أحد سؤله أو مسألته، ما نقص ذلك من مُلكه شيئاً. يا الله! لا إله إلا هو.

وقلت معناها كيف نطمع في الناس؟ كما قلت كيف نطمع في الناس؟ كيف نشحذ من الناس؟ كيف نمد أعيننا للناس؟ لا نحتاج الناس، مَالِكَ الْمُلْكِ ۩ فقط، نضرع إليه في كل شيء، ويُعطينا كل شيء – لا إله إلا هو -، بطريقته الخاصة، بطريقته! قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا ۩. قال أنا لست مثلكم، أنا لا أُمسِك، أنا أُعطي بغير حساب، ولكن حين تستحق. حين تستحق، يُعطيك بغير حساب، أليس كذلك؟ عكسك أنت يا بشر، يا ضعيف، يا حريص، يا حريص! يا شحيح، وَأُحضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ ۩. الله قال، هذا موجود، نحيزة، غريزة، معجونة في طينة الإنسان عجناً، وهي اللُحمة، هي اللُحمة! والحرص هو السدى. الشُح هو اللُحمة، والحرص هو السدى. هذه هي ماذا؟ بُنية الإنسان، أو بِنية الإنسان. نعم! هذا هو جُلباب الإنسان المعنوي، من حرص ومن شُح، لُحمة وسدى.

المُهِم، إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا ۩. قال يا بلال، أنفِق. أنفق بلالا، ولا تخش من ذي العرش إقلالا. رواه أحمد في الزُهد. قال له يا بلال، أنفِق. قال له هذا، وقال يا زينب، ارضخي، يرضخ الله لك، ولا توعي، فيوعي الله عليكِ. لزوجته! وكانت تُدعى بأم المساكين، وكانت كريمة جداً جداً، والنبي أحب هذا، أحب منها هذا الكرم، وقال زينب أطولكن يداً. فذهبت نساؤه يُطاوِلنها بالأيدي. قال ليس ذاك. لم يفهمن! النبي قال زينب أطولكن يداً. لماذا؟ لأنها كانت كريمة جداً، تُحِب الناس وتبحث عنهم، وتُحِب أن تُعطي، تُدعى بأم المساكين. فذهبت عائشة وغيرها، وقلن لها حطي يدك؛ حتى نرى مَن أطول يداً. وفعلاً ليست هذه القصة، القصة تختلف. فماذا قال لها النبي؟ قال لها ارضخي. وما معنى ارضخي إذن؟ ادفعي، واكرمي. يرضخ الله لكِ. ولا توعي… وَجَمَعَ فَأَوْعَى ۩، وما معنى وَجَمَعَ فَأَوْعَى ۩؟ أي وضعه في وعاء، وقيل وشده بوكاء، أي بالخيط. وَجَمَعَ فَأَوْعَى ۩، الإنسان الهلوع هذا، ليس مُؤمِناً، الله قال إِلاَّ الْمُصَلِّينَ ۩، نعم! المُؤمِنون ليس عندهم الصفة هذه.

جيد، قال لها ولا توعي، فيوعي الله عليكِ. حتى الله سيصير يعطيك بقدر. أنت حين تكرم، الله يكرم. وأنت حين تبخل، الله يُعطيك بقدر، يُقتر عليك في الرزق، هل هذا واضح؟ يقتر عليك في رزقك.

واسمعوا هذه القصة العجيبة، عن الإمام الجليل سُفيان بن عُيينة. وسُفيان بن عُيينة هو شيخ الإمام البُخاري – كما أقول دائماً -، أليس كذلك؟ وهو شيخ مكة. يقول سُفيان بن عُيينة كنت يوماً في الطواف – أي أطوف -، فرأيت رجلاً، ووقع في قلبي أنه من عباد الله الصالحين. قال رأيته، وأدركت هذا. وهذا إمام جليل! قال فأتيته، وقلت له أتقول شيئاً ينفعنا الله به؟ أي هل عندك نصيحة، تنصحنا بها؟ قال فلم يرد علىّ جواباً. أي ولا كأنه يسمعني.

فجعل يطوف، حتى إذا فرغ من طوافه، أتى المقام، فصلى خلف المقام ركعتين، ثم أتى الحجر، فجلس فيه، فأتيته. لا يُمكِن! يُريد أن يتعلَّم منه، وجهه عجيب! فقلت له أتقول شيئاً ينفعنا الله به؟ قال أتدرون ماذا قال ربكم؟ ما هذا الأسلوب الخاص به حتى في الكلام؟ واضح على هذا الرجل أنه غير عادي، ما هذا؟ أتدرون ماذا قال ربكم؟ قلت ماذا؟ قال قال ربكم أنا الحي الذي لا يموت، هلموا، أطيعوني، أجعلكم أحياءً لا تموتون. ومن هنا قال العارفون بالله قلب العارف قلب رأى ربه، ومَن رأى ربه لا يموت، خالد! وهذه ليس معناها أنه لا يموت في الدنيا، لا! يبقى خالداً، بالمعنى المعنوي للخلود، وليس بالمعنى البدني الجسماني طبعاً.

قال أنا الحي الذي لا يموت، هلموا، أطيعوني، أجعلكم أحياءً لا تموتون. قال ربكم أنا المَلكُ الذي لا يزول – أنا المَلكُ الذي لا يزول، هذا من أجل اسم المَلك، الذي نتناوله اليوم -، هلموا، أطيعوني، أُعطكم مُلكاً لا يزول. قال أُعطكم مُلكاً لا يزول! وهذا مُلك الإيمان، مُلك الأعمال الصحالة، وليس مُلك الدنيا. مُلك الدنيا كله زائل، وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ ۩.

وقال كلمة ثالثة أيضاً؛ أنا المَلك… اللهم صل على سيدنا محمد، نسيت. المُهِم، إذا ذكرتها، أقولها. وقال الكلمة الثالثة، قال فجعلت أُفكِّر، ثم التفت، فلم أجده. اختفى في لحظة! قال ووقع في قلبي أنه الخضر – عليه السلام -. فإن صحت هذه الحكاية، فهي تُؤكِّد أن الإمام سُفيان بن عُيينة يعتقد ماذا؟ أن الخضر حي يُرزَق. وهذا اعتقاد كثير جداً من العلماء والصلّاح.

لا يزال للحديث بقية، ولا نقول للأسف، لعل هذا من حُسن حظنا – إن شاء الله -. نُكمِل هذا الحديث، وربما ندخل في اسم القدوس – إن شاء الله تبارك وتعالى – غداً.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: