فهد عامر الأحمدي
فهد عامر الأحمدي

عالم الأحياء الإنجليزي تشارلز داروين اكتسب سمعته السيئة لسببين رئيسيين:

– الأول: انتشار الادعاء القائل بأن الإنسان انحدر من القرد (وهو الادعاء الذي لم يذكره داروين في كتابه أصل الأنواع)…

– والثاني: بسبب موقف الكنيسة المعادي له خشية استبدال فكرة التطور بوجود خالق ومبدع للحياة (وهو الموقف الذي استنسخناه بحذافيره دون الانتباه الى إمكانية دخول فكرة التطور ضمن المشيئة الإلهية)…

وأنا شخصياً أعتقد أن المشكلة في “نظرية داروين” لا تكمن في مسألتي التطور أو طريقة انبثاق الحياة ذاتها (كون حدوثهما لايخرج عن ارادة الخالق عز وجل) بل في استغلالهما كبديل لوجود الخالق المصور وادعاء ظهور الحياة بطريقة ذاتية وصدفة اعتباطية !

… أيضا من المغالطات التي أحاطت بنظرية داروين اعتبارها فكرة خاصة بتشارلز داروين نفسه، وعدم تواجدها أو التطرق إليها قبل ظهورها في كتابه (أصل الأنواع) عام 1859…

فأفكار داروين كانت موجودة قبله (كفلسفة في الخلق) في الثقافات الهندية واليونانية والفارسية بل وحتى العربية .. كما نوقشت (كفرضية علمية) في أوربا أيام داروين ذاته – خصوصا من قبل عالم الأحياء الفرنسي “لامارك” والانجليزي “والاس” الذي أرسل مسودة أعماله لداروين لتقييمها دون أن يعلم انتهاءه من العمل عليها !!

…أما المدهش فعلا فهو أن ابن خلدون سبق داروين منذ خمسة قرون في الحديث عن تطورالمخلوقات وتشعبها – بل وحتى احتمال وجود علاقة بين الانسان والقردة.. فقد قال مثلا في أول فصل من مقدمته المعروفة: “… واعلم أرشدنا الله وإياك أن هذا العالم بما فيه من مخلوقات على هيئة من الترتيب والإحكام وربط الأسباب بالمسببات … وعالم التكوين ابتدأ من المعادن ثم النبات ثم الحيوان بحيث يتصل آخر أفق المعادن بأول أفق النبات ويتصل آخر أفق النبات بأول أفق الحيوان … ومعنى الاتصال في هذه المكونات أن آخر أفق منها مستعد لأن يصير أول أفق للذي بعده… واتسع عالم الحيوان وتعددت أنواعه حتى انتهى إلى الإنسان صاحب الفكر والروية، ترتفع إليه من عالم القردة الذي اجتمع فيه الحس والإدراك ولكنه لم ينته إلى الروية والفكر أول أفق الإنسان من بعده…” (انتهى بتصرف) !!

ولكن ما أخر الانتباه لأفكار ابن خلدون أن كلمة (عالم القردة) في النص السابق حرفت في جميع الطبعات المتداولة في العصر الحاضر إلى (عالم القدرة) بدليل وجود المعنى الأول في طبعة باريس التي وثقها المستشرق الفرنسي كاترمير وظهرت عام 1858 قبل الطبعات المتداولة في العالم العربي .. بل وتوجد في الطبعة الفرنسية فصول وثنايا وخواتيم محذوفة من الطبعة العربية (أعظمها حجما عشرة فصول كاملة في الباب السادس) ..

وفي الفصل الخامس من الباب السادس يكرر ابن خلدون نفس المعنى السابق بخصوص تشعب وتطور المخلوقات حيث يقول: “… والوجود كله في عوالمه البسيطة والمركبة على ترتيب طبيعي من أعلاها وأسفلها متصلة كلها اتصالًا لا ينخرم وأن المخلوقات التي في آخر كل أفق مستعدة لأن تنقلب إلى الذات التي تجاورها من الأسفل والأعلى استعدادا طبيعيا، كما في النخل والكرم من آخر أفق النبات، وكما في الحلزون والصدف من أفق الحيوان، وكما في القردة التي استجمع فيها الكياسة والإدراك مع الإنسان صاحب الفكر والروية… وهذا الاستعداد الذي في جانب كل أفق من العوالم هو معنى الاتصال فيها…” (انتهى بتصرف)

ومثل هذه الفقرات تتكرر في مقدمة ابن خلدون وتشير في مجملها إلى وجود سلسلة تطورية تصل بين الخلائق بحيث يتحول آخر أفق فيها (بمعنى آخر مرحلة تطورية) إلى بداية خلق جديد ونوع مختلف..

… على أي حال حديثنا لم ينته بعد ، وفي المقال القادم سأخبركم كيف سبق بقية علمائنا العرب داروين في الحديث عن تطور المخلوقات وانبثاق الحياة من العدم…

عن صحيفة الرياض المصدر

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليقات 3

اترك رد

  • التطور في الخلق هو مذهب العلماء المسلمين : البيروني و الفارابي و الكندي وابن سينا و ابن مسكويه و القزويني و ابن مسرة و اغلب المعتزلة و هو راي اخوان الصفا و اغلب الصوفية و على راسهم السهروردي و ابن عربي بل ان الصوفية اكثر تقدما من دارون اذ لا يعتبرون ان الانسان هو نهاية التطور و لا ان التطور ينتهي بالموت
    للاطلاع يرجى مراجعة كتاب مبدا التطور الحيوي لدى فلاسفة الاسلام للدكتور محفوظ علي عزام

  • السؤال هنا: لماذا نظر علماء المسلمون بعين المؤمن بالله لهذه الظواهر مقابل احتفال الغربيون بالنظرية للتحرر من الإيمان ؟
    و الثاني: هل هناك ادلة تشير ان علماء الغرب كانوا على اطلاع في اعمال من سبقهم من المسلمين ؟
    و الثالث: اذا كان النظر في هذه الظواهر لم يؤثر في إيمان المسلمين طوال هذه العصور فلم يتم تحريف الكتب؟
    (هذا مؤلم جدا من ناحيتين الاولى هي الأمانة العلمية ” اليست من الدين” و الثانية : هل فعلا المحرف افترض غياب الفهم عند القارئ لهذه الدرجة)

%d مدونون معجبون بهذه: