ريما الخطيب كاتبة أردنية
ريما الخطيب
كاتبة أردنية

الحكمة و الموعظة الحسنة … ضعف؟!
فن الكلام و الخطاب هو بالفعل فن بكل ما تحمل الكلمة من معنى، سواءً كان الخطاب مع من يحمل نفس الفكر و المباديء أو مع المخالف.
الحديث يتنوع بتنوع المنبر و طبيعة الجمهور المستمع و الهدف من الحوار و لا بد أن يُنوع المتحدث أسلوبه إن أراد أن يكون متحدثآ ناجحآ يحقق النتائج المرجوة من حواره، و كما قالت العرب: لكل مقام مقال، ففي الخطبة مثلآ يكون الكلام موجهآ لجمهور يعلم أن له فقط أن يستمع و لا يوجد مجال للنقاش أو الأخذ و الرد، كما يعلم الخطيب أنه يستطيع أن يتكلم من خلال خطبته بما أراد دون مقاطعة، و يحق له ذلك، لكن هذا لا ينطبق على حوار مع شخص معين عن موضوع ما يكون لكلا الطرفين حق في الكلام و هنا يصبح الإسهاب و الإطالة و التفرد المسموح بها في الخطبة شيء ممجوج و ممقوت و يجعلنا نرى هذا المحاور غير ناجح في حواره و يثير حفيظة الطرف الآخر للحوار و الجمهور على حد سواء.
ينطبق هذا الكلام حين تحاور مؤيدآ لآرائك أو مخالفآ على حد سواء، ففي حالة الحوار مع طرف آخر تختلف نتائج الحوار و نجاحه باختلاف مهارة المتحدثين، و لا بد في هذه الحالة أن يكون هنالك عناية بفنون عديدة مثل فن الإستماع و فن التعامل مع الخلاف و تحقيق الهدف من الحوار يكون أفضل كلما كان المحاورون أكثر مهارة و فطنة و معرفة بما يتوجب لهم و ما يتوجب عليهم.
إذا كان الحوار مقابلة يُسأل فيها خبير في شأن ما فمن الحكمة أن يستمع للأسئلة و يجيب عليها بتركيز و لا يجيب بما ليسى له صلة بالموضوع المطروح كما أن مثل هذه الحوارات من مثل البرامج التلفزيونية يكون لها وقت محدود و خطة مسبقة لا بد من مراعاتها و الإلتزام بها، هي في الغالب مقيدة و يديرها شخص لا بد من احترام دوره و التوقف عند طلبه و الإستماع إليه ليتم تحقيق الغرض من هذا اللقاء.
اليوم أردت أن أركز على الحوار مع المخالف في الرأي لما لهذا الموضوع من أهمية لمن أراد أن ينشر فكرآ و يقود الناس إلى الخير و يتطور هو نفسه من ناحية العمق في إدراك مواقفه و ثوابته و متغيراته.
إن المحاور الناجح يعلم أن لديه ثوابت و لديه متغيرات، يدرك أنه قد يرى الحق عند الطرف الآخر و لا بد أن يتبناه فور إدراكه أنه الحق و تتلخص الطريقة العلمية لأي نشاط بأن يمر الشيء بالخطوات التالية:
اولآ: تحديد الأهداف؛ ما الذي تريده من هذا الحوار، أنت لم تحضر لمجرد الكلام فالكلام كثير لكنك تركز على أهداف معينة تريد تحقيقها من حوارك، هي ليست جلسة دردشة تقفز خلالها من موضوع لآخر بلا تركيز و لا هدف، لا بد من تركيز كلامك كله في محاور الموضوع الذي أنت بصدده.
ثانيآ: تحديد استراتيجية للحوار؛ ما هو الأسلوب الذي ستتبعه في الحوار، كم ستتكلم من الوقت، هل سيكون الحوار أخذ و رد أم سيستمع كل للآخر ثم بعدها يرد عليه، و استرتيجية الحوار مهمة جدآ لأنها ستحدد إن كان المحاور ناجحآ في حواره أم لا.
فلو حاورت مخالفآ لك يكون هدفك بشكل عام إقناعه بوجهة نظرك، لكن من الحكمة أن يكون هدفك أسمى من ذلك و هو التعاون مع المخالف لتجد معه الحق بمشاركته و مشاركتك معآ، كثيرآ ما يستل المتحاورون سيوفهم لإثبات آرائهم و حتى لو رأو الحق فإنهم ينكروه فيتحول الحوار إلى جدال عقيم.
علينا أن نجد أولآ نقاط الاتفاق مع مخالفنا، ندخل الحوار بذهن منفتح و بدون أحكام مسبقة، لا ينجح الحوار إذا كان الهدف تلقين المخالف درسآ و توعده بالخزي و الهزيمة و المحاولة بشتى الطرق للنيل منه و إسقاطه و احتقاره فأنت بهذا تكون خاسرآ لأنك لم تحقق ما جئت من أجله.
لا مانع من أن تغير رأيك و توافق مع محاورك و تتواضع تواضع العلماء فهذا لا ينتقص منك بل يعلي من شأنك و يجعل محاورك يحترمك و يعاملك بالمثل إلا إذا كان هدفه الجدال فاترك ذاك و لا تحاوره فحواره جهد مضاع لا يستحق وقتك و جهدك و طاقتك.
لا بد من إقناع محاورك بذكاء أنك صديق لا عدو و لا تثر حفيظته أو تهينه أو تستهزيء بكلامه، بل استمع له باهتمام و انظر بعينيه و أشعره بالإحترام، إجعله يحبك و يحترمك فالبغضاء أدعى أن توسع الهوة بينكما فيزيد الخلاف و تفشل في حوارك و لا تزيده إلا إصرارآ على رأيه فتأخذه العزة بالإثم و قد تكون سببآ في ضلاله.
لا بد لصاحب المباديء الباحث عن الحق أن يجعل الأنا عنده متقلصة مضمحلة و يقدم عليها فكره و منطقه و مبادئه، من يريد النزال و القتال و إهانة الناس فمكانه ليسى منابر العلم و العلماء و لا مهمته نشر الحق بل مكانه ساحة المعارك و الحروب.
لا يجب أن يغضب من هو على الحق، هو مرتاح مطمئن فالحق قوي بذاته و كل ما عليه أن يصدح به بكل ثقة و أدب و احترام ، إن لم يفعل يظلم الحق و يكون مانعآ لنشره بدل أن يكون من دعاته، يتكلم من على الحق بثقة و إيمان لا يتعصب فصوت الحق عال بلا صراخ، الصراخ و الشتم للضعفاء الذين لا يمتلكون الحكمة و لغة الحوار التي تليق بالحق لغة محترمة راقية، الحق جميل واضح ينبري له من هو مؤهل و لديه أدوات مناسبة لإظهاره و المنافحة عنه.
من الذكاء أن توصل لمحاورك شعورآ بصفاء سريرتك و إشعاره بالحميمية و أنك لست عدوآ له _ ولو كنت فظآ غليظ القلب لانفضو من حولك_، ليكن لديك حس الفكاهة و التسامح و القرب من محاورك، و هذا ضرب من القوة و ليسى الضعف كما يفهم البعض.
ثالثآ: نتيجة الحوار؛ ليسى بالضرورة أن يتم الإتفاق في النهاية بين أطراف الحوار، هي آراء يعرض كلٌ رأيه و يترك التأثير لربه فالداعي إلى الحق ليسى عليه أن يقلق بالنتائج فهذه لله سبحانه و تعالى فهو يدعو بالحكمة و الموعظة الحسنة و يحاور بالتي هي أحسن و الهدى على الله يهدي من يشاء و يضل من يشاء.
من أعظم قصص الحوار قصة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم مع عمرو بن هشام حين ابتعثه كفار قريش ليحاول إقناع النبي بترك الدعوة و أغراه بكل ما أوتي و حتى أن ذلك كان مهينآ بالنسبة للنبي عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم، مع ذلك انتظر الرسول العظيم بصبر و ثقة و إيمان حتى فرغ محاوره من كلامه تمامآ ثم قال له: أفرغتَ يا أبا الوليد؟ سبحان الله هو محمد بن عبد الله معلم الناس الخير و الحق و الرُقي، ثم ماذا كانت النتيجة، حين عاد أبو الوليد قال الكفار لبعضهم بعضآ أنه عاد بوجه غير الذي ذهب فيه، لقد استطاع صلى الله عليه و سلم بوقت و جيز أن يغير وجه محاوره و يريه الحق بكل إيجاز فلنتعلم منه فن الحوار صلى الله عليه و سلم، كما أن النتيجة النهائية هي أن عمرو لم يسلم و هذا لا ينتقص من حوار الرسول فهو قد اقتنع و آمن و لكن بغيه و كفره منعه عن رؤية الحق.
رابعآ: لا يجب الظن أن الحوار المهذب و اللين في الخطاب و تقديم بعض التنازلات هو ضعف بل هو قوة و ثقة و مثال ذلك في صلح الحديبية حين أصر المفاوض من قريش على عدم ذكر أن محمد رسول الله فطلب الرسول من علي محوها، هل كان ضعيفآ صلى الله عليه و سلم بذلك حاشا و كلا بل هي القوة و الحكمة و الإيمان بنصر الله و التعالي عن أمور اقل أهمية من أجل تحقيق الهدف الأسمى، و كفى به معلمآ للبشرية صلى الله عليه و سلم، لقد كان أشجع الناس و أجرأهم لكنه كان محاورآ عظيمآ.
رابط المقالة من موقع (المحتوى هو الأهم!- مقالة)
http://mqalh.com/mqalh-auth/rimaalkhatib/

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليق 1

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: