قاهر الاكتئاب

video
خطبة قاهرالاكتئاب، للدكتور عدنان إبراهيم، تناول فيها مرض العصر؛ الاكتئاب، وهل يمكن قهره وقهر الكآبة و الحزن؟ وكيف تكون الحياة مع الاكتئاب ؟

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. مَن يهده الله، فلا مضل له. ومَن يُضلل، فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شرك له، ولا نظير له، ولا مثال له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، ونجيبه من عباده. صلى الله تعالى عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته المباركين الميامين، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

عباد الله:

أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، كما أحذركم وأحذر نفسي من عصيانه سبحانه ومخالفة أمره، لقوله جل من قائل مَّنْ عَمِلَ صَٰلِحًا فَلِنَفْسِهِۦ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ *.

ثم أما بعد/

أيها الإخوة المسلمون الأحباب، أيتها الأخوات المسلمات الفاضلات/

يقول الله جل من قائل في كتابه العزيز، بعد أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:

اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقْدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ * وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ * كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ * وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ *

صدق الله العظيم، وبلَّغ رسوله الكريم، ونحن على ذلكم من الشاهدين. اللهم اجعلنا من شهداء الحق، القائمين بالقسط. آمين، اللهم آمين.

إخواني وأخواتي/

موضوعنا اليوم موضوع تتقاطع فيه علوم وشؤون شتى؛ علوم الأعصاب، وعلوم الاجتماع، وعلوم النفس، وعلوم الاقتصاد، وطبعا علوم الدين، علوم الصلة بالله تبارك وتعالى وبخلق الله عبر شرع الله وهدي الله سبحانه وتعالى!

وهذا الموضوع يزداد انتشارا في العالم أجمع! إنه موضوع أو موضوعة الاكتئاب، التي طالما تناولناها وتحدثنا عنها، لكن المُقاربات لا تزال تتجدد فيها، وحري بالمرء أن يتابع آخر المقاربات، وربما تكون أنجعها وأفيدها، في هذا الباب.

القاتل الأول مع حلول نهاية هذا العقد أو بدايات العقد الرابع من هذه الألفية الثالثة، سيكون الاكتئاب! لن تكون الأمراض الوعائية، لن يكون السرطان! القاتل الأول سيكون هذا المرض الواسع الانتشار حول العالم.

في الدول الغربية، إخواني وأخواتي، تقوم الجهات المُختصة دائما بين الفترة والفترة، بشكل دوري، بفحص جودة المياه، التي تُمد بها البيوت والمنازل. ويلاحظون باستمرار، بل بازدياد، صعوبة تخليص هذه المياه، من بعض المكونات الكيميائية، وذلكم لكثرتها! ما هي هذه المكونات؟ إنها الأدوية النفسانية، الأدوية المُضادة للاكتئاب وأيضا علل أو اعتلالات نفسية أخرى. هذه تُتناول بألوف الأطنان! وشركات الأدوية الكبرى، أو ما يُعرف بال Big Pharma، حول العالم، وخاصة في العالم الغربي، وخاصة في الولايات المُتحدة الأمريكية، هذه تجني كل سنة ما لا يقل عن مئة مليار دولار، من هذه الأدوية!

إذن هذا قاتل حقيقي، وهذه تهمة مُخيفة ومُرعبة. وللأسف الشديد بما أننا صرنا نعيش في قرية كونية واحدة، فقد أخذ هذا المرض أيضا يستشري وينتشر في المسلمين والمسلمات، حول العالم؛ لأنهم بدأوا يعيشون بأنماط حياتية مُقاربة ومُشابهة للغاية للأنماط الحياتية هنا في الغرب.

وقد يُسارع أحدكم إلى القول وما علاقة أنماط الحياة بهذا المرض الفتّاك، بهذه العلة المُقلقة؟ إنها علة عضوية، إنها مُجرد اختلال لكيمياويات الدماغ Brain chemical imbalance. هكذا يقولون! اختلال كيميائيات الدماغ، وخاصة مادة أو المُوصّل العصبي المعروف بالسيروتونين Serotonin. نقص السيروتونين Serotonin يسبّب هذا. هذه علة لا حول لنا ولا قوة إزاءها، قدر إلهي! الدماغ يختل، هذه الآلة شديدة التعقيد تُصاب بهذا العطب الجزئي، عطب وظيفي، اختلال توازن، اختلال توازن Imbalance. يقولون! هل هذا صحيح؟

ظل هذا صحيحا، وظل هذا ما تُردده المراجع العلمية والأبحاث العلمية المُحكَّمة وغير المُحكَّمة، وطبعا الأدلة الإرشادية، مثل الدليل المعروف بالدليل التشخيصي الإحصائي. الدليل التشخيصي الإحصائي الأمريكي طبعاً، وأصبح الآن مُعتمداً حول العالم؛ DSM، هذا الدليل يؤكد أن هذا المرض مرض في الدماغ.

للأسف الشديد يُفيد المرضى، ويُفيد حتى العلماء ومَن أُصيب بهذه العلة – لا يزال ربما يعاني، وربما بعضهم تشافى إلى حد أو إلى آخر -، أفادوا بأنه كان من الغريب جداً أن تعتاد أو تختلف إلى طبيبك النفسي، عشر سنين وعشرين سنة وثلاثين سنة، وفي كل مرة لا يسألك ما الذي دهاك؟ مِمَ تعاني؟ فقط هو يتندس ويبحث عن الأعراض! إن توفرت فيك خمسة من هذه الأعراض، من مجموع تسعة أعراض – بحسب الدليل التشخيصي الإحصائي -، فأنت مريض بهذا المرض، والعلة في دماغك. إذن عليك أن تأخذ هذه الحبات، التي ستختلف ألوانها في كل فترة، عنها في الفترات السابقة؛ لأنك ستبدأ بعشرين ملليجراماً، وستجد تحسناً حقيقياً، وأن القلق زايلك، وأن الحياة أصبحت من أحسن ما يكون! لكن الآثار الجانبية موجودة، وستُعاني منها، وفي رأسها السمنة، ستسمن كثيراً! والتعرق الشديد الذي لا تفسره، والتعرق الشديد! تراجع الطاقة والقابلية الجنسية، بشكل مُقلق جداً. هذا بحد ذاته مُرشح أن يكون أحد أسباب الاكتئاب! حين تتراجع طاقة الإنسان وقابليته في هذا الباب، هذا بحد ذاته يكربه، ويسبب له الاكتئاب! لكن هذا أثر جانبي. الحوامل مُعرضات للإجهاض، أكثر بكثير، مِمَن لا يتعاطين هذه الأدوية، من الحوامل أيضاً. أيضا معرضات لإنجاب ووضع أطفال مُصابين بالتوحد وبالتشوهات الخلقية!

آثار جانبية مُخيفة، عجيب! وهل هذا الدواء يستحق؟ هل هذا يستأهل؟ هل هو فعّال جداً فعلاً في القضاء وفي اكتساح هذا المرض واجتثاثه من جذوره حتى ندفع هذه الأكلاف الجانبية الباهظة؟ هذا ما سوف نُتابعه، بُعيد قليل. على كل حال كما قلت لكم ألوف الأطنان، في العالم، وخاصة العالم الغربي، تُستهلك من هذه الأدوية، المؤذية أيضاً بآثارها الجانبية، المؤذية بآثارها الجانبية!

إذن إلى وقت قريب، الاكتئاب عموما، كان مرضا عضويا، وظيفيا، دماغيا، اختلال توازن! نعم يتحدثون عن الاكتئاب التفاعلي، ولكن لا يولونه أهمية حقيقية، ويربطونه بالاكتئاب الباطني Endogenous depression. أما ال Reactive depression، فهو الذي يأتي كرد فعل على أسباب موضوعية. الإنسان إذا فقد عزيزا مثلا، ألا يصيبه حزن عميق؟ هذا الحزن العميق، أليس مُرشحا أن يستمر شهرا وشهرين وثلاثة وربما سنة وسنتين؟ بعض الناس لا يتجاوز حزنه على وديده، على حبيبه!

أم مثلا، لها ابن وحيد، وجاءها ربما على عطش وعلى كبر، تفقده – نسأل الله العفو والمُعافاة للجميع -! ربما لن تتجاوز هذه المُصيبة، ستموت في إثره، بعد سنة أو أقل أو أكثر، لن تتجاوز! ماذا تقولون؟ قال لك هذا بشكل عام نحن نُسميه الاكتئاب التفاعلي.

إنسان انهار زواجه، بعد عشرين أو ثلاثين سنة من زواج ناجح، وفيه أولاد، فيه أولاد! أنجب أولاداً. ينهار هذا الزواج، بعد ثلاثين سنة، ألا يُصيب هذا الحدث الإنسان بحُزن عميق، ربما بيأس، بإحباط، باضطراب في سلوكه؟ مُرشح جداً.

فشل مثلاً في التقدم لوظيفة أو لجامعة، يحصل على مقعد دراسي، أو وظيفة يتمناها، يسعى إليها من عشر سنين، فشل! يُصيبه أيضاً هذا. أشياء كثيرة! حادث وقع له، فقد ساقه أو يده أو عينه أو أي شيء من حواسه أو أعضائه، ألا يصيبه؟ قال لك هذا كله يدخل تحت ماذا؟ ال Reactive depression. هذا الاكتئاب التفاعلي، الذي يأتي كرد فعل على أسباب موضوعية مفهومة! لكن لِمَ يقول المُختصون الخبراء في هذا الباب الاكتئاب بشكل عام مرض لا عقلاني؟ بالعكس! هو لا عقلاني بطريقة أقصوية Ultimate. هكذا يعبرون؛ بطريقة لا أقصوية! بالمرة لا عقلاني! طبعاً لأنهم يجعلون وكدهم وتركيزهم – بنسبة أكثر من تسعين في المئة ربما – على عدم توازن كيميائيات الدماغ، اختلال توازن كيميائيات الدماغ! على النواقل العصبية!

ولذلك لِمَ تختل بالضبط؟ ما الذي يسبب اختلالها؟ هذه الحوادث الموضوعية أليست يُمكن أن تكون مُرشحة، وبأرجحية، في التسبب في اختلال مثلاً هذا التوازن الدماغي؟ إذا سلّموا بهذا، فالأمر سيُصبح بعد ذلك علاجه رهناً بماذا؟ بعلاج الأسباب الموضوعية. وليس بإعطائنا حبابي كما يقول المصريون، حبوب كما قلت لكم مُلونة، تبدأ بعشرين ملليجراماً، وبعد ثلاثة أشهر تذهب إلى الطبيب، وتقول لم أعد أستفيد، الاكتئاب يكتسحني، يقهرني، عاد يقيدني. يقول لك خذ ثلاثين ملليجراماً – بلون مُختلف -. ثلاثة أشهر أُخرى، لم تعد تُجدي، يقول لك خذ أربعين ملليجراماً. ثم يقول لك خذ خمسين ملليجراماً. ثم يقول لك خذ ستين ملليجراماً. ثم يقول لك خذ حبتين في اليوم ستين ملليجراماً؛ مئة وعشرين ملليجراماً. والآثار الجانبية تتصاعد! الآثار الجانبية تتصاعد وبعد سنتين إلى ثلاث سنوات يفشل كل شيء، ثم يعود الاكتئاب، بشكل أبشع بكثير من ذي قبل! ما الذي يحدث؟ ما الذي يحدث؟

لكي لا نُطوّل – للأسف نحن الآن في التوقيت الشتوي، ليس أمامنا إلا وقت يسير جداً في هذه الخُطبة – لا بد أن أتكلم بوتيرة أسرع، وباقتضاب أيضاً أكبر.

أحد كبار العلماء المُختصين في هذا الباب، هو البروفيسور إرفينغ كيرش Professor Irving Kirsch، من كلية طب جامعة هارفارد Harvard، الجامعة الأعرق في العالم! وصاحب الكتب العديدة حول هذا الموضوع، وبالذات حول أدوية الاكتئاب، التي كان يُسوّق لها، ويعمل لها دعاية مُتحمسة، وهو صاحب الكتاب الأشهر؛ أدوية الإمبراطور الجديدة The Emperor’s New Drugs، أدوية الإمبراطور الجديدة! كان يعمل دعاية كبيرة لهذه الأدوية.

بعد ذلك لفته أحد تلامذته، من طلاب الدكتوراة، قال له يا بروفيسور، الموضوع مُريب، هناك علامات استفهام لا بد من البحث لها عن جواب. مثل ماذا؟ قال له أنصحك الآن، وبحكم القانون – مر أكثر من ثلاثين سنة -، يُمكن لك أن تعمل Access – أي تنفذ إلى، تخلص إلى – إلى المعلومات المُتعلقة بالتجارب والاختبارات التي أجرتها شركات الأدوية العملاقة التي تُنتج هذه الأدوية. خاصة بروزاك Prozac، وزولفت Zoloft، وباكسيل Paxil – في أمريكا يُسمون الأخير باكسيل Paxil -، إلى آخره! أدوية كثيرة ومعروفة.

وفعلاً هذا الرجل لم يُكذّب خبراً كما نقول، وبدأ يبحث. بروفيسور وعنده صلاحية بحُكم القانون! فوجئ أن هذه الشركات التي تُصنّع هذه الأدوية، أجرت مئات الاختبارات، لكنها لم تُقدّم إلا العشرات اليسيرة. أي من نحو مثلاً مئتين وثمانين اختباراً، قدّمت خمسة وعشرين اختباراً فقط! لماذا إذن؟ أين البقية؟ من مصلحتك أن تُقدّمي كل شيء. لا! لأن المئتين والثمانين لم تنجح، أثبتت أن الأدوية غير فعّالة، لم تؤت أكلها. في الخمس وعشرين حالة، هناك نوع من الإيجابية، من الاستجابة للدواء ولفاعلية الدواء.

إذن تقول لي وهل يسمح القانون بهذا؟ هذا ما فوجئ به البروفيسور المُختص إرفينغ كيرش Irving Kirsch، وفاجأنا بالتالي به! قال وجدت أن القوانين في اليو إس أيه USA مُصممة؛ لكي تُسهّل حصول شركات الأدوية على التراخيص. بسهولة! الدواء يُعطى الرخصة، ويُصبح مسموحاً بتداوله، بسهولة! كيف؟

قال مثلاً – وهذا شيء عجيب، لا يكاد يُصدق – المطلوب فقط أن تتقدم الشركة باختبارين، وبغض النظر أين أُجريَ هذان الاختباران! في اليو إس أيه USA، في اليو كيه UK، في أوروبا، في زيمبابوي، في إفريقيا، في أي مكان! ليست مُشكلة، في أي مكان! اختباران!

لكن هل هناك نسبة مُعينة تُشترط في إيجابية أو فاعلية الدواء؛ أن يكون فعّالا مثلا بنسبة سبعين في المئة أو ثمانين في المئة؟ لا، مُجرد أن يكون فعّالاً، حتى بنسبة خمسة عشر أو عشرين في المئة، مقبول!

قال البروفيسور كيرش Professor Kirsch، قال هذه بداية الفضيحة! فضيحة حقيقية! وهو طبعا ضميره أنّبه جداً؛ أنا أعمل دعاية، وأدرّس هذا في هارفارد Harvard، وألفت كتبا ونشرتها، وعلى أساس أن هذا علم، وهذه اختبارات. وماذا عن ثقة الناس في العلم، وثقة الناس في الشركات، وثقة الناس في القوانين؟ والناس المساكين ضحايا، الناس ضحايا! يدفعون صحتهم، فضلاً عن أموالهم، ولا توجد نتيجة! توجد نتائج سيئة، أسوأ من ذي قبل! فضيحة كُبرى، Scandal حقيقي!

قال معنى هذا أن الشركة لو قامت بألف اختبار وتجربة، ولم ينجح منها إلا اثنان، لها الصلاحية أن تعرب عن ماذا؟ أن تكشف عن الاثنين فقط. وتُخفي ماذا؟ تسعمائة وثماني وتسعين. بتعبيره هو هكذا! قال وبالقانون! ولا أحد يقدر على أن يلوم عليهم أو يعتب عليهم.

قال والأكثر من هذا، والأدهى من هذا، أن الذي يقوم بهذه الاختبارات العلمية الدوائية الشركة نفسها. ليست جهات مُحايدة! ثم الذي يكتب التقرير العلمي، ليس الباحث العلمي، بل مُوظف في الشركة. ليس باحثا علميا مُتخصصا، يُمكن أن يتحرّك ضميره، لا! مُوظف، عجيب! ثم الجهات الناظمة – في الدولة، في الاتحاد طبعا، في اليو إس أيه USA! الجهات الناظمة التي تُعطي الرخصة وتمنح الرخصة أو تمنعها -، أربعون في المئة من الأجور؛ أجور الموظفين، تدفعها شركات الأدوية. أما في المملكة المُتحدة “بريطانيا”، فمئة في المئة من الأجور، تدفعها شركات الأدوية.

فاز المُستهلك! واضح أن المُستهلك فاز! واضح أنه ضحية مُستغفَلة كبيرة. هنا بدأ البروفيسور إرفينغ كيرش Professor Irving Kirsch العمل العلمي الجدي، قال بما أن هذه الأدوية ليست لها هذه الفاعلية، وهم يسترون خيباتها، إذن ما قصة اختلال كيميائيات الدماغ؟ ما قصة أن هذه الأدوية تُعيد المُعادَلة والاتزان لكيميائيات الدماغ؟ ما دور السيروتونين Serotonin في القصة كلها؟

بدأ يبحث، وإذا بالقضية شبه أكذوبة! الآن علماء كبار، وعلماء كبار في الأعصاب، ومُتخصصون في هذه القضية، يقولون لك قضية السيرتونين وتأثيرها خرافة. بعضهم يقول كذبة. بعضهم يقول فكرة تسويقية. مُجرد فكرة تسويقية، لا علاقة لها بالقضية. عجيب! ألهذه هذه الدرجة؟ ما الذي يحدث؟

ثم كشف لنا هذا العالم النزيه – حمداً لله، أن نزاهته هي التي فازت، وليست مصلحته، وأكيد كان مُنتفعاً هو من هذه الشركات ومن هذه المؤسسات ربما – عما هو أكثر. هذا العالم قال لك هناك دراسات اطلعت عليها، أجرتها شركات تصنيع الدواء – ال  Big Pharmaهذه – بنفسها. دراسة كبيرة واسعة، أثبتت أن تأثير الأدوية المُضادة للاكتئاب لا يزيد على تأثير الأدوية، بل هو أقل – لكي أكون صادقاً معكم، هو قال إنه أقل في هذه الدراسة – من تأثير الأدوية الوهمية. أي لو أعطيناك ماءً أو محلولاً ملحياً كما يُقال بلون وبطعم مُعين، سيكون أفيد لك، من هذه الأدوية التي تُدمر جسمك. عجيب! وفي دراسة أُخرى تُعادل تأثير الدواء الوهمي. أي ال Placebo كما يُسمونه – العرب يُسمونه بلاسيبو -، Placebo! يقولون لك تأثير الدواء الوهمي Placebo effect. معروف!

هناك قصة مشهورة أيقونية – والقصص طبعاً بالمئات، لكن هذه من أشهر القصص، أي أصبحت قصة أيقونية Iconic – لطبيب التخدير الأمريكي هنري بيتشر Henry Beecher.

في الحرب العالمية الثانية، وعلى الجبهة مع النازيين، سقط طبعاً الجنود الأمريكان بالعشرات وبالمئات، في ساعات معدودة! فكان لا بد من المُسارعة إلى إجراء عمليات جراحية، لا يتوفر فيها شرط التخدير، للأسف الشديد! الظروف لا تسمح.

فكان يأتي هذا الدكتور، أي بيتشر Beecher، ويقول للجرحى من الجنود سوف نحقنكم بالمورفين Morphine، وهذا سيكفي في هذه المرحلة. ويحقنهم بالمورفين Morphine، يستجيب الجسم، يتخدرون، ويبتر ويبضّع ويعمل ما يريد في الجسم.

وبعد أن أنجز عشرات هذه العمليات الجراحية والاستئصالية، فاجأ مَن حوله؛ كل ما أعطيتهم إياه هو مُجرد محلول ملحي. لا مورفين Morphine ولا ما يحزنون! البروفيسور ذكي، عالم ذكي، جرّاح ذكي، يعرف تأثير الوهم، قوة الوهم على الإنسان، ال Placebo effect! الوهم يقتل يا إخواني.

من أجمل ما قرأت ومن أبلغ ما قرأت، عن تأثير الوهم في الإنسان، كلمة لعبد الله بن المقفع، الأديب والكاتب الكبير، كليلة ودمنة! ابن المقفع يقول يبلغ من قوة الوهم في الإنسان، أنه لو امتلك نساء الأرض – ليس أجمل النساء، وإنما نساء الأرض! أصبحن كلهن من عند آخرهن ملكاً له، حوزة له -، ثم سمع أن في أقصى المعمور – أو المجهور – من الأرض، امرأة لم تدخل في حيازته وملكه، لصورها وهمه له أجمل من كل ما عنده! هذا الوهم.

على فكرة؛ والذي تستبد به سُلطة الوهم وقوة الوهم، يُمكن أن تدمر حياته! يُمكن أن تدمر حياته؛ العاطفية، العلمية، المسلكية، والزوجية، أي شيء! على الإنسان دائماً أن يُبدّي العقل، أن يُبدّي العقل وألا يخضع للوهم، لكن هذه طبيعة الإنسان!

دراسة ثالثة – حتى نكون مُنصفين – كانت فيها النتائج مُختلطة! الأمر إذن لا يُبشر بخير. لا نُريد أن نُمعن أكثر من هذا. إذن الآن قد يقول لي أحدكم إنه يُعاني. وفي الحقيقة هذا يحصل كثيرا! يتواصل معي إخوة وأخوات من كل الأنحاء، وللأسف يقولون هذا. وهذا الذي جعلني أُبدّي هذه الخُطبة أيضاً على غيرها، مع أن عودتي قريبة إلى هذا المنبر، الذي أسأل الله أن يُباركه؛ لأن الموضوع فعلا أثر في وأقلقني وأحزنني. إخوة وأخوات وأبناء إخوة وبنات إخوة، يُعانون من هذا المرض، بطريقة مُقلقة! وطبعا يذهبون إلى الطبيب النفسي، ولا تُوجد استفادة، كما قلنا فقط في أول أشهر، وبعد ذلك ينتهي الأمر! بعد سنة وما إلى ذلك، يعودون في حافرتهم! فكان لا بد أن نُحاول أن نُقدّم ولو نصيحة طيبة. وإن شاء الله هذه النصيحة، هذه الخُطبة خُطبة نصيحة، بإذن الله ستكون مُفيدة إلى حد بعيد، واستفاد منها كثيرون، والذين اطلعوا على هذه المعلومات قالوا – من علماء كبار، ومتخصصين – قالوا لو أن الناس اطلعوا بشكل أوسع على هكذا معلومات، سيكون العالم مكانا أسعد. طبعاً، سنقدر على أن نُعالج هذا الغول، سنقدر على أن نُلجم هذا الغول اللعين، الذي يفتك بحياتنا، بسوية حياتنا الطبيعية. ال Depression. يقولون! شيئاً مُرعباً أصبح هذا ال Depression، ولا يوجد علاج حقيقي.

نرجع إلى المسألة. وطبعاً الخط ربما كان من بداياته مع البروفيسور كيرش Professor Kirsch. فإذا لم تكن الكيميائيات، ولم يكن الاختلال والاتزان، هو القضية، فإذن القضية أين؟ لماذا لا يكون الاكتئاب في حقيقته هو مرض تفاعلي فعلاً – الاكتئاب هو ال Reactive depression ، هو هذا -؟

العجيب أن الدليل التشخيصي الإحصائي الأمريكي، الذي ذكرته لكم اليوم، بتأثير هذه النقدات والاعتراضات، من الإخصائيين، اضطر إلى إدخال استثناء، في تشخيص الاكتئاب! وسموه ماذا؟ ال Grave exception. أي استثناء الثُكل، أنا هكذا أترجمه. وبعضهم يترجمه استثناء الحداد، وهذا غير دقيق! ال Grave هو الثُكل، حين يفقد الإنسان عزيزاً عليه. سموه هكذا، ويُمكن أن تسميه الاستثناء الثُكلي، لا تُوجد مُشكلة! ال Grave exception استثناء الثُكل، أي استثناء حالة الثُكل. ما معنى هذا؟

معنى هذا يا إخواني أن هؤلاء تأخروا خطوة للخلف، وهذا جيد أنهم تأخروا، واعترفوا أن من الممكن أن تأتي بسبب حالة الثُكل إلى الطبيب النفسي، وليس إلى المحلل طبعاً! هم لا يعترفون بالمحلل، لا يُريدون التحليل، يُريدون طبيباً يُعطيك كيمياويات، وليس مُحللاً، فرويد Freud يتأخر! مع أن له دوراً – أي فرويد Freud – في هذه القضايا، لماذا ليس له؟ والدين والوعظ له، والإيمان والعقيدة والتفكير السليم لهم، أكبر الدور! لكن مع اختلال في الدماغ، أين الدور؟

مُقاربة أن الاكتئاب مرض لا عقلاني، مرض كيميائي في الدماغ، تجعلك عاجزاً قاصراً، ما الحيلة؟ ما الحيلة؟ لا نستطيع أن نعمل له شيئاً، قدر هذا، قدر! مثل مرض السكري، السرطان، مثل أي مرض! مرض في الكلية، في الكبد، مرض وعائي، قدر! ماذا نفعل إذن؟ يجعلك عاجزاً، ويجعلك أيضاً تتوجه باللوم والكره لجُزء منك؛ لجهازك العصبي، تصير كارهاً لنفسك، وهذه لها آثار نفسية سيئة جداً جداً، وهذا الذي يحصل! وفي الحقيقة الأمر أسهل وأيسر من هذا بكثير، بحمد الله تبارك وتعالى.

ولذلك الآن بدأنا مُقاربة جديدة، خارج الدماغ. الدماغ هذا سنضعه على جهة، وسنقول له إلى حين. ثم نرى القصة من الخارج، من الخارج! الأحداث الخارجية، سياقات الحياة، الأحداث الصادمة، ال Trauma التي تحصل للأطفال، ال Childhood trauma يُسمونها، Trauma الطفولة! وتقريباً مَن منا ليس عنده Childhood trauma؟ مَن؟ مَن رُبيَ تربية مثالية بالكامل، ولم يُعتد عليه، على الأقل في كرامته واعتباره؟ مَن لم يُقل له وهو صغير يا كذا ويا كذا ويا أبا كذا وكذا؟ خاصة في بلادنا العربية المُتخلفة للأسف الشديد؟ والله العظيم! يا أبا رأس، ويا أبا الأذنين، ويا أبا كذا، ويا أحول، ويا أشبح، ويا أفكح، ويا كذا! شيء غريب! تشفٍ، شيء غريب! ومن الأب والأم وأقرب المُقربين! وأنت عالة، وأنت فاشل، وأنا أتكفل بك، وأنت لا تسوى، على الأقل كذا! ما هذا؟ تعرفون، الإساءات للأطفال في طفولتهم، مثل هذه الإساءات للاعتبار والمثابة وكرامة النفس واحترام النفس، أسوأ أثراً على الطفل من الاعتداء الجنسي، على أن الآخر هذا مُدمر ولعين، وبين قوسين (مَن يفعله مِن خنازير البشر).

حين يعتدي جد على حفيده، أو أب على ابنه أو ابنته، نقول (هؤلاء هم خنازير البشر). وبين قوسين هذا، ويا ليتنا ما اضطُررنا أن نذكر هذا الموضوع المُقزز هذا! (هؤلاء خنازير البشر). لعنة الله على أمثال هؤلاء، الذين من أجل الانسياق وراء شهواتهم الحيوانية، لا يبالون بتدمير أقرب الناس إليهم! أنت دمرت هذا، دمرت ابنك، دمرت ابنتك، أسلمتها ليس إلى مجهول، أسلمتها إلى مُستقبل هو اللعنة بعينها، هو الجحيم بذاته! من أجل ماذا؟ تباً لهؤلاء الأوغاد! لكن الحياة موجود فيها هؤلاء للأسف الشديد!

إذن هذه الأشياء ليس لها علاقة بالاكتئاب؟ طفل تعرض لمثل هذه الصدمات وهذه الحوادث المؤسية! ليس لها علاقة باكتئابه حين يبلغ سن المُراهقة أو حتى بعد ذلك؟ لا، لها، لها علاقة كبيرة جداً جداً، كيف ليس لها؟ ولذلك أصبحت المُقاربة الجديدة، مُقاربة أكثر واقعية، وأكثر عقلانية – ليس لا عقلانية، لا! أكثر عقلانية -.

كانت المُقاربة الأولى، كما عبّر عنها أحد علماء الأعصاب، تُختزل بسؤال ?What’s wrong with them ما الخطأ فيهم؟ هناك خطأ فيهم، هناك مُشكلة في الدماغ طبعاً، في الطنجرة هذه، هناك خطأ في دماغك، في هذه الآلة هناك خطأ. بعد ذلك أصبحت المُقاربة ماذا؟ ?What happened to them ما الذي وقع لهم؟ كيف تأذى هؤلاء؟ بماذا مروا؟ ما الذي دهاهم؟ وهذه المُقاربة الصحيحة، وليس ?What’s wrong with them لا! ?What happened to them ما الذي يحصل لهم؟ وصار الآن المُعالج لا بد أن يسأل هذا السؤال! ما الذي حصل لك؟ ما الذي حدث معك؟

فهناك تجربة عجيبة جداً، قام بها مجموعة من العلماء، على بضع مئات من السيدات الإنجليزيات، اللاتي التحقن ببرنامج، يقوده أطباء ومُختصون أيضاً للتخسيس، لتخفيض الوزن! ودخل هؤلاء على الخط، من زاوية ثانية! على البرنامج.

إحدى هؤلاء السيدات كان وزنها بلغ مئة وثمانين، أو مئة وخمسة وثمانين – بالأحرى – كيلوجراماً. بعد نجاح البرنامج معها، انخفض وزنها إلى ستين كيلوجراماً. يوم الاحتفال – حين احتفل الأطباء والمُعالجون والمُمرضات، وكانوا سعداء جداً والتقطوا الصور -، هي كانت حزينة، لم تكن راضية، كانت كالخائفة!

دخل هذا العالم الباحث مُباشرة، بلطف شديد جداً وبحسن تأتي، وبدأ يسألها، يسألها ويُناقشها. قالت له في الحقيقة يا سيد فلان، أنا لم أكن سعيدة بوزني الجديد. قال لها عجيب! كل البنات والنساء يتمنين هذا! جسم ممشوق وقوام جميل وحركة ونشاط، ويُوحي بالذكاء! لأن الناس يظنون أن السمان جداً بُله وحُمق. وهذا خطأ، وهذا تمييز مُجرم! لكن هذا الذي يحصل في الشرق وفي الغرب، للأسف الشديد!

قالت له لا، أنا شعرت أنني مكشوفة، شعرت بالرعب، بالخوف! وهو فهم، التقط الخط! سألها سؤالا ذكيا جدا، قال لها مُنذ متى بدأ وزنك يزيد؟ قالت له في الحقيقة في الحادية عشر من عمري، قبل ذلك كنت طبيعية! في الحادية عشرة بدأ وزني يزيد. وواضح أنه وزن زائد باكتساب الطعام، ليس بسبب هرموني أو أي شيء آخر، لا! باكتساب الطعام، تأكل كثيرا.

عاد يسألها طبعا بطريقة أيضا أكثر حسّاسية؛ هل اتفق لك حدث ما؟ أي هل هناك شيء آلمك وما إلى ذلك؟ قالت وهي طبعا تشعر بالخجل وبالعار في الحقيقة جدي اعتدى علي، وبدأ من تلك السنة في اغتصابي. أي يبدو أنه دأب على هذا ربما سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات، لا ندري، لم تُصرح هي، فقط قالت بدأ! أي مشوار – والعياذ بالله -.

فهم هذا الطبيب المُعالج العالم. قالت له ولذلك أنا أشعر حين أكون بدينة وقبيحة ونتنة أنني محمية. ليس هناك رجل يحبها ولا يتحرش بها ولا ينظر إليها، اذهبي في حال سبيلك. أرأيتم المسكينة؟ وقال لك اكتئاب! والاكتئاب تأدى بها إلى السمنة وما إلى ذلك! ما السبب؟ نريد السياق الأوسع، الذي أودى بها إلى هذا المصير الحزين المأساوي! لأن هذا اللعين المُجرم دمر عليها براءتها، حطم براءتها، انتهك حُرمتها. حفيدته! شيء لا يكاد يُصدق.

يكتشف هذا العالم، يقول وجدت خمساً وخمسين في المئة من هؤلاء النساء، اللاتي التحقن بهذا البرنامج للتخفيض أو التخسيس، جرى لهن الشيء نفسه! اعتداء جنسي في الطفولة، أو في مُقتبل المُراهقة! وطبعاً تُريد نوعاً من العلاج.

ثم بعد ذلك بدأ يواصل البحث، ووجد المساجين في السجون، الذين يخافون من اعتداء الأقوياء والمُجرمين عليهم، يميلون إلى اكتساب الوزن. هنا ماذا؟ دفاع فيزيقي، أي دفاع حسي مادي. لكي أدافع عن نفسي، وفعلا إذا ضربني، أضربه، وأتحمل الضرب أيضاً. مساكين، مساجين! يسمنون لكي يدافع الواحد منهم عن نفسه.

أيضا هناك الفئة الثالثة، وهذه عجيبة! وجد أن من النساء والرجال، مَن يكتسبون الوزن الزائد، لماذا؟ لأنهم يظنون أنه يجعلهم بعيدا عن أعين الرقابة، خاصة في العمل، في الوظيفة! فلماذا؟ ما علاقة هذا بهذا؟ طبعا واضحة المسألة، أشرت إليها قُبيل قليل! لأن المُدير أو المسؤول أو الآخرين حتى مِمَن يتحاسدون ويتغايرون معهم، سيغضون الطرف عن هؤلاء السمان البُله! لأن السمين في نظرهم أبله وأحمق وبطيء الحركة. إذن التوقعات ماذا؟ تكون مُتدنية منه. لا تتوقع من سمين أداء وفاعلية في العمل، كالرشيق! فإذن هو يُريد العمل، ولكن بأقل ماذا؟ بأقل مجهود، عن طريق هذا الأمر.

الإنسان مُعقد، الإنسان مُعقد جداً. أكيد كل واحد منا، يخضع لإملاءات لا شعورية، تُملي عليه مسلكيات مُعينة، أمزجة مُحددة، أفكاراً كذائية، واتجاهات في الحياة، وهو لا يدري! لذلك العلم ليس نوراً فحسب، والعلم إنقاذ، والعلم قوة! العلم قبس إلهي، لا إله إلا إله الله! العلم كشف عن الحقائق، كشف عن الحقائق الغائرة! مثل هذه الحقائق طبعا مُستحيل تكشف عنها، ماذا؟ علوم البلاغة مثلا، أو حتى الفلسفة الميتافيزيقية. هذه تُريد علوماً مُتخصصة، سبحان الله! تُريد علوماً مُتخصصة.

إذن المُقاربة الجديدة؛ ما الذي حدث لهم؟ على كل حال، للأسف طبعاً الموضوع طويل جداً، نُريد أن نأخذ فقط نقاطاً مُضيئة فيه، ثم يُمكن لكل منكم أن يُتابع الدرس وحده والتقصي – بإذن الله -، وهو مُفيد جداً.

هؤلاء الذين بدأوا المُقاربة، التي أُسميها السياقية، الأوسع للاكتئاب، أو المُقاربة النفس اجتماعية – يُمكن أن تُسميها هكذا؛ النفس اجتماعية. فهناك أشياء نفسية، وهناك أشياء اجتماعية! لكن ليست هي المُقاربة ال Neuraly، أو المُقاربة العصبية، لا! مُقاربة هنا نفس اجتماعية -، وجدوا أن أسباب الاكتئاب كثيرة وفاعلة جداً، أكثر من حكاية سيروتونين Serotonin، أكثر بكثير! ولكن ظل دائماً يُغض الطرف عنها! في أولها كما قلت لكم حالة الثكل.

طبيعي يا أخي الإنسان حين يفقد عزيزاً أو يُصاب بمُصيبة كبيرة في أقرب الناس إليه، أن ماذا؟ يستبد به الحزن واليأس والسودوية، ولو لفترة! لذلك الدليل التشخيصي الإحصائي، قال لك وضعنا هذا الاستثناء؛ استثناء حالة الثُكل، ال .Grave exception جميل! كم من حقي – نسأل الله العفو والعافية للجميع – أن أحزن، إذا مات مثلاً عزيز جداً علي – ولا أريد أن أمثّل، لا ابتلانا الله، نسأل الله العفو والعافية -؟ الدليل قال لك في البداية سنة. من حقك أن تحزن سنة! ما معنى هذا علمياً في الطب النفسي؟ معناه لن تُشخّص بأنك مُعتل نفسياً، لا! أنت عندك أعراض الاكتئاب، عندك خمسة أو ستة من التسعة، لا تُوجد مُشكلة! لكن أنت غير مُعتل، ولن نُعطيك ماذا؟ (الحبابي) هذه. كُن طبيعياً، كُن في عالم الله وفي طبيعة الله. بعد سنة، إن استمر معك هذا الحزن، تعال هنا، أنت مُعتل نفسياً، وسنُعالج دماغك المعطوب. هذا معنى استثناء حالة الثُكل.

للأسف الشديد، مع كل طبعة جديدة، كان هذا الدليل ماذا؟ يُقلص المُدة! جعلها ستة أشهر – عندك الحق أن تحزن ستة أشهر. بعد ستة أشهر، أنت مُعتل، سنرجع نعبث بدماغك ونكسب الفلوس -، ثم ثلاثة أشهر، ثم شهراً، وفي آخر طبعة، قبل أن يُحذف الاستثناء؛ أسبوعين. مهانة! يقول أحد العلماء مهانة! هذه مهانة! مهانة للإنسان! أي زوجتي، ابني، أبي، أمي، أستاذي، معلمي، صديق عمري، لا يستحق مني أكثر من أسبوعين؛ كي أحزن عليه؟ قال لك نحن أعطيناك أسبوعين. أنتم أنفسكم أعطيتم سنة! آلهة! أنتم آلهة؟ أتُهندسون عواطف الناس؟ حتى العواطف تُهندس بالطريقة السخيفة هذه؟ الدولار قابع للخلفية، يبدو أن الحكاية كلها دولار، هي الفائدة المادية للشركات العُظمى هذه. قال لك أعطيناك أسبوعين. بعد أسبوعين إن استمرت معك الحالة، فأنت مُعتل، والخلل في الدماغ!

العجيب أن مِن العلماء الأذكياء – وكم فيهم من الأذكياء طبعاً! – مَن وجَّه نقداً صارماً أيضاً لحالة الثُكل كاستثناء. لماذا الثُكل إذن؟ فهل انهيار الزواج ليس مُبرراً للحزن والكآبة والإحباط؟ طبعاً! كلكم سوف تقولون أكيد مُبرر. زواجي استمر ثلاثين سنة! كيف؟ فقد عملي – في دولة مثل يو إس أيه USA بالذات، وربما في بريطانيا، من أيام تاتشر Thatcher طبعاً، والرأسمالية المُتوحشة Savage capitalism، والليبرالية الجديدة، والخوصصة -! أي هذه أحد الأسباب أيضاً المُهمة جداً جداً.

الآن تقريباً في هذه المُجتمعات بدأت تتراجع طبقة ماذا؟ البروليتاريا Proletariat. طبقة العمال الصُلبة الصامدة القوية، التي تكون في شكل اتحادات وتكتلات، وتقدر على أن تُطالب بحقوقها وتُدافع عن حقوقها، تراجعت كثيراً، لصالح طبقة جديدة، سماها مُفكِّر إنجليزي بريكاريا Precariat. لم يعد هناك بروليتاريا Proletariat، No more proletariat! يُوجد عندنا ماذا؟ بريكاريا Precariat. والبريكاريا Precariat ما هي؟ طبقة العمال والمُوظفين وما إلى ذلكم، الذين يشتغلون ربما باليومية، أو بعقد محدود، أو تحت الاختبار. كل يوم تُختبر! إذا الأداء لم يكن جيداً، فستُعطى إنذاراً، ويُمكن أن يحدث هذا مرة، أو مرتين، أو ثلاث مرات، ثم تُطرد. لا يُوجد أمان، لا يُوجد شعور بالأمان! لا تُوجد عقود Permanent، أو عقود دائمة، مُستدامة، لا يُوجد الكلام هذا! أو حتى طويلة الأجل. عقود قصيرة جداً جداً! أو وظّف نفسك بالطريقة التي تراها، ابحث لك عن شغل، ائت برزقك بالطريقة التي تناسبك. هذه يُسمونها ماذا؟ Self-employed. يقول لك هذا. هذا توظيف ذاتي!

وهذا اقتصاد جديد! البريكاريا Precariat عندها اقتصاد أيضاً اسمه ال Gig economy. ال Gig economy هو هذا! شغل ليوم، شغل لساعة، شغل لأسبوع، شغل تحت الاختبار، شغل! لا يوجد، لا يوجد أمان! فطبعا هذه الحالة تجعل الإنسان أقرب إلى ماذا؟ إلى الكآبة، إلى التوجس، إلى ال Anxiety أو القلق النفسي. وعلى فكرة، على ذكر ال Anxiety أو القلق النفسي، القلق النفسي في الدارسات العلمية الدقيقة، في باب الاكتئاب، مُرتبط بالاكتئاب؛ يصعدان معاً، ويهبطان معاً، ويتناوبان! فلا تستغرب من نفسك، إذا أُصبت مرة بنوبات هلع – ال Panic attacks هذه الرهيبة -، ووجدت أنك تشعر بالتعرق، وتشعر أنك غير قادر على أن تتنفس، وأنك ستموت، وأن الموت اقترب منك جداً جداً! وتستمر معك ربع ساعة أو عشر دقائق، ثم ينتهي كل شيء، وكأن شيئاً لم يكن! هذا ماذا؟ Anxiety. له علاقة بالاكتئاب. في اليوم الثاني لا، ليس عندك ال Panic attacks هذه، لكن عندك رغبة عجيبة جداً في البكاء! تدخل الغرفة، في زاوية، وتظل تبكي لساعة، بكاء، بكاء! تشعر من نفسك أنك تُريد أن تموت. هذا هو! فال  Depressionمع ال Anxiety مُتلازمان – قال لك في الدراسات الدقيقة -؛ يصعدان معاً، يهبطان معاً، ويتناوبان.

ظروف مثل هذه، أكيد ستجعل الإنسان في حالة قلق مُستمر، أليس كذلك؟ فالمُهم، سجلوا اعتراضات؛ ليس فقط حالة الGrave ، حالة الثُكل! هناك حالات أُخرى كثيرة. فالدليل التشخيصي الإحصائي قال لك ستتعبوننا معكم! حذفنا الاستثناء كله. لا يوجد، لا يوجد استثناء! أي رجعنا إلى المربع الأول، الاكتئاب مُشكلة في دماغك، مُشكلة كيميائية، وسنُعالجها كيميائياً. عجيب! شيء في مُنتهى البؤس، في مُنتهى البؤس وفي مُنتهى الخيبة.

إذن كما قلت في شكل نقاط ما هي الأسباب الرئيسة التي يُمكن لنا أن نعرفها؟ لكي نحذر منها، ونعرف كيف نُعالجها؛ لأن إذا عُرف السبب، لن نقول بطل العجب، وإنما عُرف العلاج. إذا عرفت بالضبط! أهم شيء التشخيص يا إخواني، أن يكون دقيقاً. بعض الناس مات؛ لأن طبيبه الفاشل، فشل أن يشخصه على مدى سنتين وثلاث سنوات. قريبة لي أنا ماتت بالذبحة الصدرية، أي بال Angina pectoris، ولم يعرفوا كيف يشخصونها، أكثر من سنة! ثم ماتت المسكينة، وكان يُمكن ببساطة، أن يُجرى لها عملية Pipes بسيطة جداً جداً، و Kette(بالألماني)، وينتهي الموضوع كله، في نصف ساعة! لكن الطبيب فشل، ولم يعرف التشخيص! وهكذا يحدث هذا، يحدث دائما هذا! يُمكن أن يتحطم إنسان؛ بسبب فشل وخيبة طبيب، غير ماهر، وغير نزيه، وغير صادق في علمه. فإذن الأسباب كثيرة يا إخواني. هذه الأسباب أحد الذين كتبوا في هذا الموضوع كتابا رائعا جعلها كلها تحت عنوان الانفصال Disconnection، الانفصال! يحدث نوع من الانفصال.

الانفصال عن الآخرين، البشر، الوحدة Lonliness، الوحدة أو الشعور بالوحدة هذا! هذا عال جداً جداً في المُجتمعات الغربية، والآن في المُجتمعات الإسلامية التي اكتسبت نمط الحياة الغربي في الحياة، وخاصة مع السوشيال ميديا Social media. وما شاء الله نبشركم سيأتيكم الميتافيرس Metaverse، انس! انس! أكثر أناس سيربحون في عصر الميتافيرس Metaverse الأطباء النفسيون وشركات الأدوية، من الآن أقول لكم، وهذه ليست نبوءة وليست ذكاء، أي هذا معروف. هؤلاء سيربحون كثيراً جداً، كما لم يفعلوا من قبل، في عصر الميتافيرس Metaverse. نحن هكذا ولم ننته من الموضوع! فإذن الانفصال عن الآخرين Disconnection from other people. يقول لك الانفصال عن الآخرين.

الانفصال عن الطبيعة، العالم الطبيعي ال Natural world! نحن في نهاية المطاف حيوانات. يقول لك حيوان ناطق، حيوان اجتماعي! لكن نحن حيوانات، خُلقنا في هذه الطبيعة، الله خلقنا في الجنة، وخرجنا منها إلى الأرض أيضاً، بجنانها وصحاريها وبحارها وأنهارها ومُحيطاتها ورملها وترابها وسمائها ونجومها، أبناء الطبيعة! الحياة المُعاصرة فيها انفصال مُرعب عن الطبيعة، حياة كلها في صناديق، في علب! أين الطبيعة؟ أين الأشجار؟ أين الخضرة؟ أين العصافير؟ أين المياه؟ أين الأنهار؟ أين…؟ أين…؟ أين….؟ أين الهواء ال  Fresh السليم حتى؟ تلوث! غير موجود كل هذا. الانفصال عن الطبيعة أحد أسباب الاكتئاب.

ثلاثة؛ الانفصال عن القيم ذات المعنى الMeaningful values . ال  Meaningful values هناك انفصال عنها. تعيش بقيم أحسن مَن نعتها بأنها قيم مُلوثة. أي ذهنك مُلوث بقيم ما ينبغي كانت أن تجد لها سبيلاً إليه، لكن تلوث الذهن، كما يتلوث بالضوضاء ويتلوث حتى بالعوادم، يتلوث بالأفكار الغالطة. في رأس هذه القيم، أن الاعتبار الأول والاهتمام الذي ينبغي أن يُعطى لماذا؟ للمراكمة المادية! للفلوس وال Konto والسيارات والبيوت والعقارات! المادة والمادة والمادة. دمركم هذا، ما أعطى الناس سعادة، دمر الناس. وهذا ليس كلامي، كلام العلماء المُختصين، والدراسات كلها تؤكد هذا. هذا أحد أكبار أسباب الاكتئاب.

أيضاً العمل المُنفصل عن المعنى. تشتغل عملاً – وأكيد كثير منا جرب هذا -، هذا العمل تشعر أنه يُهدر عمرك؛ لأنه عمل روتيني، لا تشعر أنه يُضيف إليك شيئاً، ولا أنت به قادر على أن تصنع فرقاً في حياة أحد من الناس. مُستحيل، أبداً أبداً! عمل روتيني؛ سكّر، افتح، أو خض الشيء، أو وقّع مثلا، وما إلى ذلك! ما الأعمال هذه؟ وأنت مُستواك غير هذا، طموحاتك غير هذا! وهذا العمل وفقط، ولا يُوجد غيره. وإذا أردت أن تفكر في أن تتركه، فسيكون من الصعب جداً أن تجد بديلاً للرزق. صرنا فيما يُعرف بعبودية الأجر ال Wage slavery. عبودية الأجر! تتحكم بنا عبودية الأجر، هو هذا!

إذن العمل الذي ليس فيه معنى! لكن انظر إلى الإنسان الذي يُمارس عملاً يُحبه، الله أكبر! هو ينمو بهذا العمل، كل يوم. يشتاق إليه، هو يشتاق إلى أن يقوم من النوم، ليذهب لكي يُمارس هذا العمل، الذي يُضيف إليه، أو يشعر أنه يُضيف به للناس. أي حتى المُهندس والطبيب والمُعالج النفسي والطبيب النفسي يُضيف، يُضيف! يرفع مُعاناة الناس، يُسعد الناس، يُحقق شيئاً للناس! لكن هناك أعمال ليس فيها معنى، كان يُمكن أن يقوم بها روبوت Robot، يا ليتهم يأتون بروبوت Robot لكي يعملها! أي هذا أفضل، لكن هذه فيها مهانة للإنسان، شعور بالمهانة!

على ذكر المهانة، أحد الأسباب – ولا بد للأسف أن نُنهي – أيضاً شعور الإنسان بفقدان القيمة والمعنى والمثابة. ليس له احترام، ليس له احترام! ليس له قيمة، ليس له قدر، ليس له اعتبار. وليس شرطاً أن يكون هذا بالطريقة المُباشرة! نحن نعيش في ثقافة الآن عصرية، تقريباً تُشعرنا بالآتي، إلا قليلاً! مَن القليل هذا؟ المُتميز جداً فينا! أي إذا كان هناك شخص مُتميز، عنده أموال كثيرة مثلاً، رجل أعمال Businessman، عالم كبير، فيلسوف خطير، إعلامي ناجح – نفترض، أياً كان! لكن الناس ليست كلها على هذا النحو – جرّاح كبير، طبيب كبير أيضاً، وليس طبيباً عادياً حتى! فلماذا إذن؟ لأن كل وسائل التواصل هذه، على اختلافها – والتلفاز حتى من قبلها – تُعلمك أن العالم يعج بالسعداء المُتوفقين المُبرزين، الذين أنت لست واحداً منهم، لست منهم! هم هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء. حتى إذا تعلق الأمر بالهيئة الشكلانية أو الشكل، فهناك مليون رسالة أنت تتلقاها كل شهر! كل شهر تتلقى ألوف الرسائل – هذا لكي نكون دقيقين – التي تُفهمك، وهذا ومع كل إعلان تقريباً، تقريباً! أنك قبيح وغير لائق ومقزز، جسمك مقزز، شكلك مقزز وغير لائق، أنت لا تليق بالبلاج Plage أو الشاطئ Beach، لا تليق! لا تليق بأن تكون في الحفلات المُميزة، لا تليق بالسيدات الجميلات الممشوقات؛ لأن جسمك وشكلك وشعرك وصلعتك وما إلى ذلك لا يليقون! فما الحل؟ تعال عندنا، وخذ منتوجنا، خذ العصا السحرية. ويا ليتها تعمل هذا! وليست عصا سحرية، عصا من خشب. خذ العصا السحرية، وأنت ستُصبح ذلك اللائق. كذب! يكذبون، كأننا أطفال.

وعلى فكرة، ستضحكون وستقولون طبعاً هذه إعلانات وما إلى ذلك! للأسف الشديد قال لك هناك دراسة أيضاً أثبتت أن كل الناس يُعبرون عن ماذا؟ عن ثقتهم بأنفسهم، وأنهم لا يُخدعون بالإعلان. والدراسة أثبتت العكس تماماً، أنهم يفعلون، يتأثرون من حيث يدرون أو لا يدرون، يتأثرون والإعلان يخترقهم. نحن نتعرض في اليوم يا إخواني لأكثر من خمسمائة إعلان، وكل يوم! طبعاً الذي يمشي قدامك هذا، ويأتي لكي يُصلي الجمعة معك، وهو يلبس بوس Boss أو نيكي Nike وما إلى ذلك – يلبس في رجله نيكي Nike مثلا -، يحمل إعلاناً! هذا إعلان، هو حامل إعلان، غير مدفوع، مجاني، إعلان! فضلا عن الإعلانات الموجودة على الباصات Buses طبعاً وفي الشوارع والبلاكات Plakats، فضلا عن إعلانات التلفزيون Television، وفضلا عن إعلانات الفون Phone اللعين هذا! كلما فتحت صفحة، وأردت أن تقول بسم الله، يأتيك مائتا إعلان، وتظل تقفل وتقفل وتقفل وتقفل. إعلانات! فيض من الإعلان، غير طبيعي، يستلبنا من قيمنا الحقيقية، ويفرض علينا القيم المُلوثة! وهذه اسمها قيم مُلوثة.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ *. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد

إخواني وأخواتي

قد يُبادر بعض مَن يُريد أن يُغادر المسجد بعد صلاة العصر، إلى السؤال؛ أين الإسلام في هذا؟ أين الدين؟ نحن في مسجد، هذه خُطبة جُمعة! الخُطبة جيدة، وقد نستفيد منها، لكنها خُطبة نفسية علمية طبية عصبية، أي ليست لها أي مُدخلية في الدين! لا، لها مُدخلية كبيرة، الدين له مُدخلية كبيرة في الموضوع، لكن هذا بعد ماذا؟ بعد أن نضع النقاط على الحروف، ونُضيء النقاط الأساسية في موضوع الخُطبة، سنرى هل فعلاً يُمكن للدين أن يُمارس دوراً علاجياً شفائياً في مثل هذه الموضوعات؟ وطبعاً لن نقول لكم الجواب عند المُتدين، المُتحقق بمعنى الدين. اذهبوا وسلوه، وستروا إنسانا، كما قلت في الخطبة السابقة، لا تقلقله القلاقل ولا تُزيله الزلازل! رجل راض بقضاء الله، سعيد بما قسم الله، في حالة من السكينة، في حالة من الجمال، في حالة من التركيز والهدوء، في حالة من السوية، غريبة! لكن هذا ليس الدين، الذي يعرفه كل الناس، انتبهوا!

مُعظم الناس يعرفون الدين الشكلاني، الدين المُفرغ من جوهره وحقيقته، بالعكس! الدين الذي أعادوا هم تشكيله؛ حتى يتواءم مع ماذا؟ مع عللهم وأمراضهم وأهوائهم وتحيزاتهم. شوّهوا الدين وأجرموا في حقه، بدل أن يُعطوه فرصة أن ينهض بهم وأن يعطيهم السوية والنضوج.

اللهم اهدنا فيمَن هديت، وعافنا فيمَن عافيت، وتولنا فيمَن توليت. علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وفقهاً ورشداً. رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ *.

اللهم إنا نسألك بأنا نشهد بأن لا إله إلا أنت، الأحد الأصمد، الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ *، أن تُتم علينا نعمك. اللهم أسبغ علينا نعمك، ظاهرة وباطنة. ونسألك العفو والعافية والمُعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.

احفظنا وأزواجنا وأهلينا وأولادنا؛ أبناءنا وبناتنا، وقراباتنا وصديقنا ومَن أحببنا ومَن أحبنا فيك يا رب العالمين، من كل مكروه وبلية، من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوق، ونعوذ بعزتك وعظمتك أن نُغتال من تحتنا، إلهنا ومولانا رب العالمين.

عباد الله/

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ *، وأقم الصلاة.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: