“نحن أمام قضية لست أحسب أني أوتيت بسطة من العلم لمناقشتها بقدر رغبتي بمشاركتكم التفكير فيها فأن أصبت فالحمد الله و أن أخطئت فأنا بتأكيد إنسان يحتاج التقويم .”

مقدمة

من يكتب التاريخ ؟ هل نستطيع أن نعطيه الثقة ونحجب عقولنا عن مسائلته ؟ من الموجه لنا في التسليم أو الرفض لحادثة أو مجموعة من الأحداث التاريخية , هل الثقافة التي نحن حصاد زرعها , أم التجرد و التسليم بما جاء في  المصادر الأولية كواقعة تاريخية  لا مجال لدحضها  سواء كان منسجم مع ما سقته إيانا الثقافة أو كان مخالفاً لها ؟

 

التاريخ كما يراه جان كلود بارو,غيوم بيغو

في كتابهما ,التاريخ الكامل للعالم منذ ما قبل التاريخ إلى يومنا هذا, الطبعة الأولى 1429,المترجم عن دار الفارابي و مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم , لنلقي نظرة أولى على فهرس الكتاب الذي يؤرخ العالم منذ ما قبل التاريخ , ليعرج على الأديان و حضارات البحر المتوسط , الفرس و العالم الإغريقي , ثم يلوح لإسكندر في الأفق , فالإمبراطورية الرومانية و الديانتين اليهودية و المسيحية حتى بزوغ عصور الإسلام التي أفردها في تسعة صفحات فينتهي كل شيء يستحق الذكر عنها , فيستطرد فيما تبقى في القرون الوسطى حتى يصل انهيار الإتحاد السوفيتي .

ما نريد تسليط الضوء عليه ليس كمية الصفحات التي كانت قليلة مقابل الإسهاب في التاريخ الأوربي القروسطي ,لكن إغماض العين عن عصر الإسلام الذهبي من القرن الثامن إلى القرن الخامس عشر و التقليل من الدور الحضاري للإسلام في حقبة تاريخية مضت ( وإحقاقاً للحقيقة و التاريخ يجب على كاتب التاريخ أن لا يتجاوزها سواء أعجبته أم لم تعجبه ) , فقرة التسعة صفحات عن تاريخ الإسلام هي مجرد تاريخ سياسي دون ذكر للإسهامات العلماء المسلمين في الفلك و الطب و الرياضيات و الفنون و العمارة , بينما القرون الوسطى ” خلافاً لما هو شائع يمكن أن تنافس في حضارتها العصور القديمة “102,”وكانت العصور الوسطى بفضل الجامعات , فترة اكتشافات علمية وتقنية كبيرة ” 104, فيستطرد في ذكر بعض تلك الاكتشافات , دون ذكر لدور العلماء المسلمين أو حتى ترجمة كتب فلسفة اليونانيين وفضل شروح ابن رشد  ونشوا ” الرشدية اللاتينية ” .

وفي الإطار ذاته المسيحية القروسطية  ” هي الحضارة الأولى التي تدرس  فيها المرأة ” , ” وقد أشرنا إلى أن المرأة خارج العالم اليهودي المسيحي , كانت ولا تزال حتى اليوم مظلومة . فما تزال تتحجب في الإسلام ( حيث زواج البلوغ هو القاعدة ) “(105)

كما أن الاستشراق كما هي رؤية الكتاب  منح الإسلام دور مبالغاً فيه!! ” ولا نقلل من عظمة الحضارة العربية إن الغرب لا يدين لها إلا بالقليل جداً ”  أما الأندلس كانت ساطعة لكن ” جزئياً أيضاُ بفضل اليهود ” .” والواقع أن كل مائة معلومة استوعبها العالم المسيحي القروسطي , كان النصف يأتي من الكنيسة الرمانية الكاثوليكية ” ” وثلاثون تأتي من القسطنطينية ” , ” وعشرون فقط تأتي من الإسلام – وحتى هذا كثير . ونستطيع أن نميز , تحت تأثير المبالغة في الدور الحضاري للإسلام , نوعاً من ” كره الذات ” لدى الغربيين . وعلى أية حال, فهذا غير علمي أبداً .”  (110)

أن الإسلام دين لا يتسامح كما المسيحية  كما يحاول أن يقول هذا الكتاب  والشاهد التوترات بين باكستان المسلمة و الهند الهندوسية , لكن السؤال , اليهود كانوا يعيشون مع المسلمين في الأندلس وبل كان منهم الوزير , فهل كان الإسلام مسئول كما أوربا المسيحية عن أفران الغاز , و محاكم التفتيش ؟.

لا يكف الكتاب عن لمز الإسلام بمغالطات تاريخية قد لا تغيب عن القارئ  فرقيق الذي سبق عصر الإسلام ” كانت تجارة الرقيق في البداية إسلامية وعربية “(164) !!!!

بينما يظل الكتاب يمجد اليهود , فالإسلام و العالم القديم عالم بلا نساء ” باستثناء الشعب اليهودي ” !!! (47) , ويقرر المؤلفان أن ” القوتان اللتان جاءت منهما الحضارة الحديثة : الإنسانية الإغريقية في أثينا و التوحيد اليهودي في أورشليم “(48)

جحود أوروبا

ذكر الدكتور عدنان إبراهيم في خطبة “أوروبا والجحود الأكبر”بتاريخ 23/5/2014, الحضارة الأوربية بتعبير إبراهيم هي بنت الحضارة الإسلامية  بدون شك , لكن هي لا تدرس و تكاد لا تذكر باستثناء ثلة قليلة من المنصفين , فالحضارة الأوروبية حسب زعمهم هي امتداد لحضارة الإغريق , فما شأن العرب و المسلمين !! .

إذا ما أردنا الإجابة عن ذلك , فربما  نحتاج لمئات الصفحات , المزودة بشواهد لسانهم قبل لساننا وهذا ما لا نريد التوسع فيه هنا.

ليس القضية هي هذا الكتاب بدرجة أولى فغيره الكثير و الكثير مما يمكن لذوي الأهلية دراسته و نقده , إنما ما لاح في خاطري هو سؤال ما الحاجة المعرفية من ترجمة هذا الكتاب ؟

الموقف من الترجمة

الترجمة هي عملية تحويل نص أصلي مكتوب ويسمى النص المصدر من اللغة المصدر إلى نص مكتوب النص الهدف في اللغة الهدف . (ويكيبيديا، الموسوعة الحرة) .

لا نحتاج لتنظير بشأن أهمية الترجمة , ونقل ما وصلت إليه البشرية في كافة حقول المعرفة إلى اللسان العربي لتكون بين يدي القارئ , بل ربما نحتاج لبذل جهد أكبر بهذا الخصوص , وربما لا نختلف بخصوص أهمية رفع الوصاية ” الدينية /السياسية ” فيما يجوز ترجمته وفيما يحظر .

للقارئ الحرية الكاملة في اختيار مادة المعرفة , وعلى هذا المبدأ يمكن ترجمة كتب الفلسفة و العقائد و الأدب و العلوم الطبيعية و الإنسانية , وتقع المسؤولية على القارئ في اتخاذ موقف علمي تجاه قضايا الفكر و المعرفة.

يعرف المسلم قبل غيره أن القران ذكر عقائد غير المسلمين بل ذكر حوار إبراهيم عليه السلام مع الملك نمرود, فلا نأتي نحن ونمنع بعض الكتب بحجة أنها تخالف ديننا , فالدين أقوى من أن تضعفه تلك العقائد .

محل النقاش هو ترجمة كتاب التاريخ ” الذي يحمل مغالطات بشأن تاريخنا ” هل يمكن أن يترجم تحت مبدأ حرية القارئ أم لا ؟

بعد تقدير جهودكم المبذولة لترجمة , لنا أن  نتساءل نحن معشر القراء , هل ترجمة الكتب ترجمة انتقائية أم هي ترجمة عشوائية ؟

بمعنى هل يقوم المترجم بالترجمة بناءاً على أهمية المعرفة التي بين جنبي كتاب ما لينقلها إلى القارئ العربي , أم المترجم غير معني بذلك ؟ , ما الحاجة المعرفية لترجمة  هذا الكتاب وما كان على شاكلته ؟ ماذا لو سلم به قارئ ليس على دراية جيدة بتاريخ المسلمين و دورهم  الحضاري  !!

أي أهمية يحملها كتاب يحمل مغالطات بشأن تاريخنا , لنقوم بتقديمه كمادة معرفية و ثقافية للقارئ ؟

قد يبدو المقال برمته يحمل تناقضاً عجيباً حول التأكيد على حرية القارئ ورفع الوصاية عنه , فيما أحاول الوصاية أنا بشكل أخر , لكن مهلاً فقط أردت طرح السؤال بصوت عال , ومشاركتكم الإجابة عنه .

إضاءة

قد يكون لكل منا قراءة مختلفة لتاريخ لكن الحقيقة التاريخية واحدة يقرأها  فقط المنصف المتجرد من كل شيء قد يؤثر على رؤية الحقيقة .

رابط المقال الأصلي

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: