نضال قسوم, دكتور جزائري وباحث في فيزياء الفلك، أستاذ جامعي، كاتب، مفكّر،
نضال قسوم, دكتور جزائري وباحث في فيزياء الفلك، أستاذ جامعي، كاتب، مفكّر،

حظي علم الفلك لدى المسلمين بعصر ذهبي من القرن التاسع إلى القرن السادس عشر الميلادي، حيث مسحت مراصدُ عظيمة في بغداد، ودمشق، ومراغة (في إيران اليوم)، وسمرقند، وإسطنبول السماء من أجل تحديد تواريخ الأعياد الدينية والمدنيّة، وكذلك لأغراض التنجيم. وقد أدّت تلك الحسابات والنماذج المعقّدة إلى تقدُّم علم الرياضيات.

أما اليوم، فإنّ علم الفلك لدى العرب يكاد لا يظهرعلى الخريطة العالمية، فالبحث العلميّ ضعيف في العالم العربي، وعلم الفلك أكثر ضعفاً، بعكس دول أخرى لها ـ تقريبًا ـ نفس الناتج المحلي الإجمالي للفرد، مثل تركيا، وإسرائيل، وجنوب أفريقيا. فمعظم البلاد العربية تنشر أقل من عشرة أبحاث سنويًّا في هذا المجال، وقليلًا ما يُستشهَد بهذه الأبحاث… وقلما توجد تلسكوبات ذات حجم مناسب قيد الاستخدام، أو المخطط بناؤها.

إنّ الحالة المتردِّيَة لعلم الفلك تُعَدّ لغزًا في منطقةٍ لا يُعتبر التمويلُ فيها عائقًا، وخاصةً في دول الخليج الأكثر ثراءً، حيث تتمتع المنطقة بعديد من المواقع الممتازة للرَّصْد على ارتفاع أكثر من 2000 متر، وتتمتع بسماء صافية. إنّ الإقبال الجماهيري على هذا المجال قوي، حسبما يظهر من تعدُّد المنظمات المحليّة للهواة، والتجمعات الكبيرة للظواهر الفلكيّة، كالكسوف، وعبور المُذَنَّبَات.. وعبور كوكب الزهرة ـ مؤخرًا ـ على قرص الشمس في يونيو 2012.

من وجهة نظري، فإنّ البحث العلمي في المجال الفلكي مهملٌ بسبب النظرة النفعيّة لدى العرب والمسلمين تجاه العلم (إذ الأولوية للمنافع العمليّة المباشرة)1. إنّ تلك النظرة هي ما جعلت الشعوب العربية تركّز على بناء قاعدة في العلوم التطبيقية خلال النصف الثاني من القرن العشرين، مثل هندسة البتروكيماويات والعلوم الصيدلانية. وكانت المنطقة أيضًا في حاجة إلى تنمية البِنْيَة التحتية سريعًا بعد زوال قوى الاستعمار. واليوم، هناك مجالات معيّنة ـ مثل الفيزياء النظرية ـ تُدرس على نطاق واسع، ولكن بتكلفة قليلة، وتحتل أولوية منخفضة. أما علم الفلك فيحتاج إلى مبانٍ ومعدات مرتفعة التكلفة، وفنِّيِّين على أعلى مستوى من الخبرة، مقابل عائد مادي قليل…

ثم هناك مشكلة تقف حائلاً دون تطوّر علم الفلك لدى العرب اليوم، وهي نقص الخبرة في إدارة المشروعات العلمية الكبرى، وهي عنصر ضروري لعمل المراصد والمراكز البحثية بفاعلية. وإذا نظرنا للعدد القليل من التلسكوبات الكبيرة والتي أقيمت في المنطقة خلال الخمسين سنة الماضية لوجدناها ضعيفة الاستخدام، بل وأحياناً غير مستعملة بالمرة، ونتائجها العلمية شحيحة.

وهنا، فإنني أدعو الدول العربية إلى بناء جيل جديد من المراصد. فعدة تليسكوبات متوسطة الحجم (بحيث يكون قُطْر المرآة مترًا أو مترين)، تكلفتها بضعة عشرات من ملايين الدولارات، سوف تُمكِّن الفلكيين العرب من اللحاق بالخطوط الأمامية مثل البحث عن النجوم المنفجرة، وانفجارات أشعة جاما، والنجوم المتغيّرة والكواكب خارج المجموعة الشمسية. لإنشاء برنامج دراسي معتمد لمنح درجة جامعية في مجال علم الفلك، وكذلك إنشاء برامج للتبادل الدولي لتدريب الجيل التالي من الفلكيين العرب وإدماجهم في هذا المجال. ومن شأن مثل هذه التطورات أن تشحذ اهتمام الأكاديميين وعامة الناس بالعلوم الأساسية في سائر المنطقة العربية.

ماضٍ ذهبيّ

كان لعلم الفلك مكانةً مرموقة في المجتمع منذ أوائل عصور الحضارة الإسلامية  ففي بداية القرن التاسع ـ بعد بضعة عقود من تأسيس بغداد كعاصمة للإمبراطورية الإسلامية الجديدة ـ أمرَ الخليفة المأمون (786 – 833 ميلادي) ببناء مرصدين: مرصد «الشمّاسية» بالقرب من بغداد، ومرصد «جبل قاسيون» على المشارف العالية لدمشق. كان الهدف الأساسي منهما مراجعة الجداول اليونانية والهندية القديمة الخاصة ببيانات الشمس والقمر، ووضع تقاويم مدنيّة ودينية. وقد احتوى هذان المرصدان على تجهيزات تضمّنت “ربعيّة” (أداة ذات الربع) صنعت من الرخام، بنصف قطر خمسة أمتار، لقياس الزوايا على القبة السماوية، ومزولة شمسية بعقرب مركزيّ (عمود لتكوين الظلّ) بارتفاع أكثر من خمسة أمتار.

وتعتمد العبادات الإسلامية على علم الفلك فيما يخص ثلاثة أغراض: حساب مواقيت الصلاة للمواقع والتواريخ المختلفة، والتي ترتبط بالحركة الظاهريّة للشمس، وتحديد اتجاه مكة (القِبْلَة) من أجل الصلاة، ومعرفة مواعيد الأعياد الدينية، وخاصةً شهر رمضان (للصيام)، وشهر ذي الحجة (موسم الحجّ)، عن طريق رَصْد الهلال الجديد في بداية الشهر القمري. ولا تزال هذه المسائل الثلاث تسبّب جدالات ساخنة بين الفلكيين والفقهاء المسلمين حتى يومنا هذا…

تاريخيًّا، وإضافةّ للأغراض آنفة الذكر، كانت الحاجة لعلم الفلك لأغراض الملاحة البحرية والبرية، وعَلِم الرَّحَّالون والبَحَّارون أنّ قوس الهلال يحدّد خط الشرق- غرب، وأنّ أقصر ظلّ للعمود يحدّد اتجاه الشمال- جنوب، كما أنّ ارتفاع النجم القطبيّ فوق الأفق يحدّد خطّ العرض للمكان، كما تعلّموا أن نجم “المنطقة”، وهو أحد نجوم حزام الجبّار، يتتبَّع خط الاستواء السماوي.

من ناحية ثانية، كان الحكّام المسلمون يسترشدون بالتنجيم، معتقدين أن بعض الأيام تكون أكثر ملاءمةً من غيرها للأنشطة الدنيويّة، أو القرارات المهمّة. فقدرة الفلكيين على التنبؤ بحركة الكواكب ومواضعها، وحسابهم لمواعيد الكسوف والخسوف وأطوار القمر، كانت بمثابة سلاح قويّ ضمن ترسانة الحاكم. وقد كان من المعتاد وجود فلكيّ مقيم في البلاط، و”موقِّت” في المسجد.

شَيَّد الحكام في القرن الثالث عشر مراصد عظيمة كمراغة (في إيران الحالية)، الذي كان الأكبر في عصره على الإطلاق. واستخدم الفلكيّون والدارسون حول العالم أدواته المتطورة، التي اشتملت على نموذج «ذات الحَلَق» لحركة الأجسام السماوية، بلغ عرضه عدة أمتار، بالإضافة إلى مكتبة تحوي 400 ألف كتاب. وهناك  تمّ تطوير نظريات رياضية هامة، منها خاصة نظرية “مزدوجة الطوسيّ” (التي تربط الحركتين الخطية والدائرية) والتي وضعها عالِم الفلك نصير الدين الطوسيّ في عام 1247، واستخدمت فيما بعد من قبل نيكولاس كوبرنيكس في الجانب الهندسيّ من نموذجه لمدارات الكواكب.

في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، شُيِّدت مراصد أكثر روعةً. ففي مرصد سمرقند، الذي اكتمل بناؤه في عام 1429، ويُعرف الآن بمرصد «أُولغ بيك»، احتوى مبنى ارتفاعه 30 مترًا على عشرة أجهزة. اشتملت تلك الأجهزة على «ذات الحَلَق»، و«رُبع سَمْتِي» لقياس الزاوية الأفقية للنجم من الشمال، وقوس الزوال الفلكي بنصف قطر 40 مترًا، والذي كان يقيس المواقع السماوية بدقةٍ تصل إلى بضعة ثوانٍ قوسيّة. ورغم  أنّ مرصد إسطنبول، الذي بُني في عام 1577 ، كان أصغر، إلّا أنه احتوى على عشرة أجهزة أيضًا، واشتغل به 15 عالِمًا فلكيًّا بدوام كامل2. وتم وضع جداول دقيقة لمواقع النجوم والكواكب والشمس والقمر في كلا المرصدين.

ولذلك فإن مئات النجوم والأبراج تحمل اليوم عبر العالم أسماء عربية، مثل النسر الطائر، وذَنَب الدجاجة، والنسر الواقع، ورجل الجبّار، وغيرها. وكذلك هناك اليوم أكثر من 20 فوهة قمريّة تحمل أسماء علماء فلك مسلمين، كالفرغاني، والبتّاني، والصوفي. وقد استخدم العالِم أبو ريحان البيروني (973 – 1048 ميلادية) علم الفلك وحساب المثلثات لحساب محيط الأرض بدِقّةٍ وصلت إلى 0.3 % من القيمة المعروفة لدينا اليوم. والنساء المسلمات شاركن أيضًا: ففي القرنين العاشر والحادي عشر، ساعدت فاطمة المجريطية، ابنة عالِم الفلك الأندلسي العظيم مسلمة المجريطي، أباها في وضع جداول لمواقع النجوم والكواكب. وفي القرن العاشر، كانت مريم السورية صانعةً ماهرة للأسطُرلابات المستخدمة لمسح صفحة السماء.

لكن، ابتداءً من القرن الثالث عشر، حدثت خسارة مراكز تعليمية كبيرة مثل تلك التي وجدت في إقليم إيبيرية أو الأندلس. كما أنّ الحكّام المحافظين وكثير من رجال الدين أولوا المعرفة الدينية أهمية ومكانة عليا على حساب العلوم الدنيوية، فاختفت الجامعات، وهُجرت المراكز التعليمية القديمة وانفصلت عن التطوّرات العلمية في أوروبا. ونادرًا ما كانت تحضى المراصد بمِنح من مؤسسة الأوقاف الإسلامية؛ وبالتالي نادرًا ما كانت تستمر لأكثر من سنوات أو عقود قليلة بعد إنشائها.

وانتهى عصر المراصد الإسلامية العظيمة في نهاية القرن السادس عشر مع تقهقر الإمبراطورية العثمانية، ونهوض العلم الأوروبي. واعتمدت ممارسة علم الفلك، كغيره من العلوم في ذلك الوقت، على النوايا الحسنة للخليفة أو الراعي. وتم تدمير مرصد إسطنبول في عام 1580، بعد إنشائه بأقل من ثلاث سنوات، لأن المؤسسة الدينية أقنعت الحاكم الجديد بأنّ «التطلع إلى أسرار السماوات» فعل يستحق العقوبة الإلهية، ويجلب غضب الله2.

ونتيجة لذلك، لم تتم مباشرة عِلْم الفلك وغيره من العلوم في البلاد الإسلامية حتى أواخر القرن التاسع عشر.

مرصد «أولغ بيك» بسمرقند، أوزبكستان، اكتمل بناؤه في القرن الخامس عشر، واستخدمه العديد من مشاهير علماء الفلك المسلمون. PHOTO YOKO AZIZ/ALAMY
مرصد «أولغ بيك» بسمرقند، أوزبكستان، اكتمل بناؤه في القرن الخامس عشر، واستخدمه العديد من مشاهير علماء الفلك المسلمون. PHOTO YOKO AZIZ/ALAMY

علم الفلك العربي اليوم

بدأت الحركة العلمية من جديد عندما استَعمرت القوى الأوروبية، وخاصّةً بريطانيا وفرنسا، أجزاء واسعة من العالم العربي الإسلامي، جالبةً معها أفكارًا جديدةً، وتعليمًا، وإنْ كان لقلة مختارة.

وعلى سبيل المثال، بُنِيَ المرصد الفيزيائي الفلكي «لي» في لبنان، والذي يحمل اسم راعيه، التاجر البريطاني «هنري لي»، في عام 1873 بواسطة «كورنيليوس فان ألين فان دايك»، أستاذ الفلك الشغوف بالمعهد الذي تحوّل الى «الجامعة الأمريكية في بيروت» لاحقًا. واحتوى المرصد على تليسكوب بقطر مرآة 25 سنتيمترًا، وظلّ عاملاً حتى إغلاق المرفق في العام 1980.

وفي عام 1891، أنشأ الفلكيّون الفرنسيّون مرصدًا فوق قمم التلال المُطِلّة على الجزائر. وخلال عشرين سنة (من 1891 الى 1911) أسهمَ المرصد بحوالي 1260 لوحًا فوتوغرافيًّا للسماء ضمن مشروع الدليل الفيزيائي الفلكي المصوَّر (وهو مشروع دولي كبير، كان يهدف إلى وضع خرائط لمواضع النجوم بدرجة عالية من الدقة).

وفي مصر، تم بناء مرصد حلوان في أوائل القرن العشرين 1925 (المرجعان 3 و4).، وتم تأسيس قسم علم الفلك بجامعة القاهرة، وانضمت مصر إلى الاتحاد الفلكي الدولي (IAU) في عام 1925 (المرجع 5).

لكن للأسف، فإنّ خريطة عالمية لمراصد اليوم ستُرينا تليسكوبين متوسطي الحجم فقط في العالم العربي: في مصر وفي الجزائر. وبالمقارنة، فإنّ لدى جنوب إفريقية خمسة مراصد كبرى أو أكثر، بما فيها «تليسكوب جنوب أفريقيا الكبيرSALT »، ذو المرآة التي يبلغ قطرها 11 مترًا، وهو أكبر تليسكوب بصري في نصف الكرة الأرضية الجنوبي. وتمتلك الهند ما لا يقل عن 12 مرصدًا، بما في ذلك المرصد الفلكي الهندي في «هانِل»، الذي يحوي تليسكوبا يبلغ قطر مرآته مترين.

أمّا أكبر تليسكوب أنشئ في العالم العربي على الإطلاق، فهو تليسكوب مرصد القَطّامِيّة بمصر (قُطْر مرآته 1.88 متر)، ويوجد بالصحراء على بعد 75 كيلومترًا من القاهرة. بدأ العمل بالتليسكوب في مايو 1964، ولكنه لم يُستخدَم بكامل كفاءته لعقودٍ، أو كان معطلًا. وبعد تجديده في التسعينات، قال الفلكيّون المصريّون إن التليسكوب يعمل الآن، بالرغم من الأبحاث القليلة التي نتجت عنه.

وفي العراق، تم البدء في الثمانينات في تنفيذ خطة طموحة لإنشاء تليسكوبين، يبلغ قطر مرآتيهما 3.5 و1.25 متر، إلى جانب تليسكوب راديوي، قطر مرآته 30 مترًا6.  وحالت الحروب والدمار الناتج عنها دون إنهاء المشروع، وتمت محاولات لإعادة بعث المشروع، لكن دون تقدُّم.

وفي الأعوام القليلة الماضية، تم إنشاء مرصدين في أنحاء أخرى من العالم العربي. فعلى ارتفاع 2750 مترًا، يحتوي مرصد «أوكايمدن»، بالقرب من مراكش بالمغرب، على تليسكوب آلي بقطر 50 سنتيمترًا، وهو يعنى بالبحث عن الكويكبات والمُذَنَّبَات، وتتم إدارته من قبل جامعة القاضي عياض بمراكش، بالتعاون مع « إورانوسكوب إيل دو فرانس»، وهي جمعية فلكيّة فرنسية للهواة، والجمعية الفلكيّة للهواة بمراكش. وأما المرصد الآخر، فهو في لبنان ، وقد أنشأته جامعة نوتردام في لويزة، على تليسكوب بقطر 60 سنتيمترًا، من المتوقع بدء تشغيله قريبًا. ويوجد لدى دول عربية أخرى تليسكوبات أصغر، بمرايا تتراوح أقطارها ما بين 35 و50 سنتيمترًا…

وقد اقترحت دول عربية عديدة إنشاء مراصد، بتليسكوبات تتراوح أقطار مراياها ما بين متر ومترين، منها الجزائر، وليبيا، وعمان، والسعودية، والإمارات، لكنْ لم يحدث تقدُّم يُذكر حتى الآن.

تحليل الأبحاث

ولتقييم مستوى البحث العلمي في مجال الفلك في المنطقة العربية، قمت بمقارنة بيانات نشر الأوراق البحثية العربية وعدد الإستشهادات بها في الدوريات العالمية مع مثيلاتها من إيران وإسرائيل وجنوب إفريقية وتركيا ( انظر ” الأبحاث الفلكية العربية”). نشر الفلكيّون العرب أبحاثًا أقل عددًا، واستُشهد بأبحاثهم بأعداد أقل بكثير من الفلكيين بهذه الدول الأربع الأخرى. فقد قام العالَم العربي بأكمله بنشر أبحاث فلكيّة بعدد أقل مما نشرته تركيا وحدها، وأقل بكثير مما نشرته جنوب أفريقيا، وإسرائيل كذلك. أما الأرقام المعبّرة عن الإستشهادات بالأبحاث العربية فهي أسوأ بكثير، إذ بلغت أقلّ بـ 1.5 و 8 و 15 مرة عما هي عليه في تركيا وجنوب إفريقيا وإسرائل، على التوالي.

أما بالنسبة لبرامج التخصصات العلمية في علم الفلك والفيزياء الفلكية بالجامعات العربية، فيمكن عَدُّها على أصابع اليدين. حيث توجد برامج صغيرة بمصر، والأردن، ولبنان، والسعودية، والسودان، والجزائر. ومن بين ملايين الطلبة في جامعات العالم العربي، فليس هناك سوى بضعة عشرات فقط يتخصصون في علم الفلك أو الفيزياء الفلكية في في مستوى البكالوريوس أو الماجستير، فيما طلبة الدكتوراه من أبناء البلد نادرون.

ويتم تنظيم المؤتمرات والندوات والمدارس الصيفية في هذا المجال، ولكن تأثيرها الأكاديمي متواضع جدا. كما أن هناك مؤتمر يعقد كل عامين من طرف « الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك AUASS »، وهو منظمة دولية تربط بين علماء الفلك المحترفين والهواة في العالم العربي، لكنّ هذا مؤتمر لم ينشر أيّا من أعماله.

التطلع إلى الأمام

لقد حان الوقت لأن تتجاوز الحكومات والوكالات المموّلة للأبحاث والمنظمات المشجعة للعلوم والجامعات في العالم العربيّ لتتجاوز النظرة النفعية قصيرة المدى تجاه العلم، وتشجِّع نهجًا احترافيًّا في التعامل مع علم الفلك. فالمشروعات الكبيرة في هذا المجال يمكن أن تُلهِم المجتمع العلمي والتقني، وكذا القطاع التعليمي، والجماهير الواسعة، وتغيِّر أيضا من الموقف العام تجاه أبحاث العلوم الأساسية.

ويمكن تحقيق ذلك عن طريق تنشيط الجهود لبناء مراصد متقدِّمة بمرايا تتراوح أقطارها بين متر ومترين في عدة دول، وتأسيس برامج فلكية في جميع الجامعات الحكومية، وإقامة اتفاقيّات تعاون وتبادل مع المعاهد الدولية، وتمويل الخريجين لاستكمال دراستهم ونَيْل درجة الدكتوراه من جامعات في الخارج.

إن العالم العربي يتمتع بوفرة في المواقع المناسبة للمراصد ذات النوعية الممتازة، على جبال عالية بارتفاع أكبر من 3000 متر. إذ نجد السلاسل الجبليّة بشبه الجزيرة العربية، في الإمارات العربية المتحدة، وعمان، والسعودية، واليمن تتمتع عادةً بنحو 200 الى 250 ليلة صافية سنويًّا. ويبلغ أقصى ارتفاع للقمم الجبلية بشبه جزيرة سيناء 2600  متر، وتتمتع بـ 150 ليلة صيفية صافية سنويًّا على الأقل. وتوجد مواقع ملائمة أخرى في عدة بلدان أخرى، من العراق الى المغرب.

تستطيع دول الخليج الثرية التعاون لبناء مرصد على مستوى عالمي، يمكن أنْ تبلغ تكلفته من 50 إلى 100 مليون دولار أمريكي، شاملةً المعدات: تليسكوب بمرآةٍ قطرها متران، ومقياس للإضاءة، ومقياس للطيف، وأجهزة حاسب، وشبكات تواصل سريعة، ومحطة طقس، إلى جانب بناء غرف عمل واجتماعات، وغرف مبيت، ومرافق ترفيهية، وطرق محليّة، وبِنْيَة تحتيّة.

وحتى تكتمل الصورة، يتوجّب على الجامعات العربية أن تتعاون من أجل هذا الهدف، وأن يتمّ عقد اجتماعات الخبراء لوضع مقترحات دقيقة وشاملة لإعادة إحياء علم الفلك في المنطقة.

وإنه من الواجب دعم هذه الأنشطة من قبل منظمات إقليمية ودولية مثل الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك والاتحاد الفلكي الدولي للضغط على الحكومات العربية، كما أنه من الضروريّ أن تقدّم كبريات الجامعات العربية برامج للدرجات الجامعية في الفيزياء الفلكية.

إن علم الفلك يحظى بمكانة مرموقة طبيعية في الثقافة العربية الإسلامية، ويجدر بهذه المكانة أن تُستعاد.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: