د. عمرو شريف
د. عمرو شريف

كما توقع بعض رفاق رحلة عقل ، احدثت رسالة ” التطور البيولوجي ” زوبعة في محيط الخلقويين ، وكما ظهر من مداخلاتهم فهم للاسف لا يدركون ابعاد الموضوع ولا يدركون خطورة منهجهم ، كما ان إلمامهم بالمنهج العلمي ضئيل للغاية . والمحزن ان كل ما طرحوه من تساؤلات سبق الاجابة عنه في الرسالة وفي الحلقات التي انزلت روابطها . وذلك يؤكد أمرا أدركناه عنهم من قبل ، وهو انهم لايقراون ما يعارضونه ، وان قرأوا فهم لا يفهمونه !!

وتتركز الأخطاء الفظيعة لمنهجهم ، كما ظهر في مداخلاتهم في نقطتين :

اولا : لا يأخذون في الاعتبار الاجماع العلمي حول مفهوم التطور ، بل وينصبون من انفسهم ( علي قلة بضاعتهم ) حكما علي الاجماع العلمي ، ويقولون لا نجد دليلا واحدا علي التطور !!!!!
وكئن جميع علماء العالم جهلة او مخدوعين او متامرين !!!!!
ويندهشون بعد ذلك ، لماذا يؤثر الكثيرون العلم ويفرون من الدين ، ويتبنون الالحاد .

ان خطا هؤلاء المنهجي في هذه القضية ، هو عدم ادراكهم للمنهج العلمي ، فيعتبرون ان وجود معارضات للنظرية يحتم إسقاطها ، ولا يدركون ان كل نظرية لها أدلتها ولها معارضاتها ، وان قمم التخصص في في العالم ( وليس هواة العلم ) هم الذين يحددون وزن ومدي حجية الادلة والمعارضات . هذا هو المنهج العلمي .

لذلك كان بديهيا الا تدخل الصفحة في مناظرات مع من هذا هو نصيبه من العلم ومن المنهج العلمي .

ثانيا : يعتبر هؤلاء ان ايات الخلق في القران الكريم من المحكمات وثابتة الدلالة علي الخلق الخاص ، وبالتالي فان من خالف ذلك فقد خالف ثوابت العقيدة، بل ووصفه بعض الحمقي بالكفر .
ويتجاوز هؤلاء الامر ، ويضربون العلم بالدين ، وينصبون من انفسهم بافهامهم الدينية النسبية حكاما علي الاجماع العلمي !!!!

وحتي لا ندخل في مهاترات حول قطعية دلالة ايات الخلق في القران الكريم ، فلنتأمل موقف مؤسسة الأزهر الشريف ، اعلي جهة علمية دينية في العالم الاسلامي ، وسيكون ذلك من خلال اربع مواقف مشرفة لازهرنا العريق :

١)) في عام 1998 اصدر د عبد الصبور شاهين ، أستاذ ورئيس قسم علوم اللغة العربية بكلية دار العلوم ، رحمه الله ، كتابه : ” ابي ادم ، قصة الخليقة بين الأسطورة والحقيقة ” . وطرح فيه طرحا جديدا تماماً لخلق الانسان ، كما فهمه كمتخصص في اللغة العربية والدين من ايات الخلق في القران الكريم .
وكانت رؤية د عبد الصبور شاهين تحمل معاني التطور ! . فخلق ” البشر ” بدا من طين ، ثم استخرج الله عز وجل منه نسلا ( … من سلالة من ماء مهين )سورة السجدة :٨ ..وعبر اجيال عديدة من التناسل تمت تسويته ، ثم نفخ الله عز وجل في احد أفراده الروح ، فصار إنسانا . انها رؤية تطورية استمدها علم من أعلام الاسلام واللغة العربية ، استمدها من القران الكريم دون ان يكون له دراية بالتطور البيولوجي .
قامت الدنيا ، ورفع عليه الموتورون أربع قضايا تكفير !!!

طلبت المحكمة راي مجمع البحوث الاسلامية التابع للأزهر الشريف ، فجاء التقرير يحتوي علي ما يلي : قام المؤلف باجتهاد لفهم النصوص القرانية ، أصاب في بعضه وأخطأ في بعضه ، ولا تري اللجنة ان المؤلف قد تجاوز الحد في تاويلاته للنصوص القرانية . وحث التقرير العلماء المسلمين علي متابعة الاجتهاد لمواكبة التطورات العلمية الهائلة ….يا الله

حصل د عبد الصبور علي البراءة ، وغرمت المحكمة من رفع القضايا الرسوم ،
وتعرفت علي د عبد الصبور ، وقرأت عليه كتابي ” ابي ادم من الطين الي الانسان ” علي مدي خمسة عشرة لقاء ، وكتب له المقدمة .

قصة لا ينبغي ان ندعها تنسي ( بضم التاء ) عبر التاريخ ، حافلة بالعبر :
– اعلي هيئة علمية في الأزهر ، قبلت الاجتهاد وان اختلفت في بعض أجزاءه ، وهو اجتهاد يطرح فكرا تطوريا في خلق الانسان ، فكر مستمد من علوم اللغة . مما يجزم بان ايات الخلق في القران الكريم من المتشابهات التي تحتمل عدة تأويلات …

٢)) في عام 1999 كتب د حسن حامد عطية ، أستاذ البيولوجيا بجامعة القاهرة ، رحمه الله ، كتابه ” قضية الخلق ” . أيد فيه بشدة مفهوم التطور الموجه ، واجتهد في تأويل ايات خلق الانسان في القران الكريم في ضوء مفهوم التطور ، وقد نقلنا عن هذا الكتاب معظم ما نشرته من اجتهادات في فهم هذه الآيات في كتابي ” كيف بدا الخلق ” ..وذكرت انه ” لو ثبت ” مفهوم التطور ، فهذه احدي الاجتهادات المعقولة ، حتي نتحاشا الصدام بين العلم والدين ، وهو الصدام الذي سيضر بالدين في المقام الاول .

اهم ما في الامر، ان الذي كتب مقدمة الكتاب هو فضيلة الاستاذ الدكتور الشيخ عبد المعطي بيومي ، عميد كلية أصول الدين الأسبق التابعة لجامعة الأزهر ( رحمه الله ) . يا الله …. كتاب كله اجتهادات في التفسير في ضوء تطور الانسان ، يقدم له عميد كلية أصول الدين !! ويكتب قائلا : للمؤلف أجران فيما أصاب فيه من اجتهاد ، وله اجر فيما أخطا فيه … الله ….. لم يكفر ولم يخطيء المؤلف ( بضم الياء )

٣)) منذ عامين ، اتصل بي فضيلة الشيخ الدكتور محمد عمارة ، المفكر الاسلامي الكبير ، ورئيس تحرير مجلة الأزهر وقتها ، وطلب مني ان اكتب كتابا لتفنيد الالحاد ، ليصدر كهدية مع احد أعداد المجلة .
قلت للشيخ : اني اطرح مفهوم التطور الموجه كاحتمال علمي لنشأة الانسان ، فهل ستقبل مجلة الأزهر ان أشير الي ذلك .أجابني : اذا كان هذا راي العلم فالإسلام يحترم العلم …كتبت الكتاب ، وقدم له د عمارة في عشرين صفحة ، وصدر باسم ” وهم الالحاد ” كهدية مع عدد المحرم قبل الماضي .
سبحان الله ، كتاب يطرح التطور البيولوجي كاحتمال غالب ، يرحب به الأزهر هذا الترحيب !!

٤)) للإمام الاكبر د احمد الطيب شيخ الجامع الأزهر ، برنامجا أسبوعيا علي القناة الأولي في التليفزيون المصري . وفي برنامجه منذ عام تقريبا عرض الامام الاكبر كتابي ” خرافة الالحاد ” وتحدث عنه وعن مؤلفه ، باعتباره أفضل ما قرا من الكتب الموضوعية والمنصفة في تفنيد الالحاد .
هذا بالرغم من ان في الكتاب فصلين كاملين عن التطور …..

أسعدني كثيرا ان يكون بالأزهر هذه العقول المستنيرة :
الامام الاكبر ، مجمع البحوث الاسلامية ، عميد كلية أصول الدين ، الاستاذ الكبير بكلية دار العلوم ، المفكر الاسلامي الكبير ورئيس تحرير مجلة الأزهر …
رجال قد لا يعرفون الكثير عن التطور البيولوجي ، لكنهم لاشك يعرفون الكثير عن الاسلام وعن القران الكريم …
هذا هو الاسلام الذي نعرفه ، والذي تربينا عليه
وليس اسلام من يجعلون من أنفسهم حكاماً علي الاجماع العلمي وعلي عقائد الآخرين .

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: