كتبت هنا إشباع وإضافة لمداخلتي في برنامج صحوة، مع الأخ د. عدنان إبراهيم الذي يقدمه عامل المعرفة الدكتور أحمد العرفج، والذي أُذيع على قناة روتانا خليجية. (رابط الحلقة)

الشيخ حسن بن فرحان المالكي باحث في الشؤون الشرعية والتاريخ ومهتم بقضايا حقوق الإنسان
الشيخ حسن بن فرحان المالكي
باحث في الشؤون الشرعية والتاريخ ومهتم بقضايا حقوق الإنسان

(1)
مقدمة للفهم، وفيها نماذج من التسييس-
صلاة الجماعة سنة عند المذاهب الأربعة
لكنها فرض عين عند ابن حزم وابن تيمية – تأثراً منهما بالسياسة الأموية، فهي من جعلت صلاة الجماعة فرضاً لأجل مراقبة المعارضة-
.فكان ابن حزم وابن تيمية – مع ذكائهما- أقل إدراكاً للأثر السياسي في تعظيم صلاة الجماعة، فالسياسة قررت من أيام بني أمية – ولهدف سياسي- :
1- أن من تخلف عن صلاة الجماعة فهو منافق
2- وأنه حلال الدم
3- ويجوز حرقه وحرق بيته إذا لم يكن فيها أطفال ونساء
4- وهذا كله يتضمن إقفال المحلات عند الصلاة .
الهدف من هذا:
وكان الهدف السياسي كما قلنا هو إسباغ المعنى الديني على حكام الجور، فاهتمامهم الظاهري بالشعائر يعطيهم شرعية دينين عند العامة، والهدف الثاني من التشدد في صلاة الجماعة خاصة هو مراقبة المعارضة بالدرجة الأولى، بحيث يمكن الولاة أن يرونا كل المعارضين في المسجد كل يوم، وخاصة في مناطق المعارضة كالعراق والحجاز..
وكان أمراء الولايات يؤخرون الصلوات عن أوقاتها بشكل كبير، بحيث يتم أداء صلاة الجمعة قبيل المغرب في البصرة أيام الحجاج .. – كما سياتي- ولكن مع اتهام من تخلف بالنفاق واستحلال دمه، لأن من تخلف يعني أنه ليس على رأي السلطة، وأنه لا يقر بإمامة الحجاج وولاته في الدين ..الخ ، فالتخلف عن صلاة الجماعة تلك ألأيام كان يحمل معارضة فكرية قد تتحول إلى ثورة مسلحة.
فالتسدد في صلاة الجماعة وإقفال المحلات مع أخذ الأيمان بالطلاق والعتاق على المصلين بأنهم ما صلوا في بيوتهم قبل القدوم إلى المسجد وأنهم لن يصلوا في بيوتهم بعد الانصراف من المسجد، كل هذا لتثبيت أن أئمة الجور هم أئمة الدين وأنهم خلفاء الله في الأرض ، … في أمور كثيرة كان الهدف منها الاستيلاء على الدين كله، والصلاة من أهم شعائر الدين الظاهرة، ولكن إذا أداها الرجل في بيته فكيف يمكن للسلطة الاستيلاء عليها؟ لابد من المسجد ومن غاب فهو منافق حلال الدم.
ويضاف إلى مراقبة المعارضين، مراقبة من يلتزم بالأحكام الفقهية الأموية – التي شذوا بها عن السنة- فمن التزم فهو من ( أهل الطاعة والسنة والجماعة) ومن جهر بالبسملة أو أرسل اليدين أو توقف عن لفظ آمين مثلاً فهو من المعارضة ( أهل البدعة والضلالة).
إضافة إلى كون المسجد يمثل وسيلة الأعلام الفعالة الأولى يومئذ، وهو المكان الأنسب لبث الثقافة السلطانية في خطب طويلة قد تستمر ساعات – كما سيأتي- لتنشئة الجيل على هذه الثقافة المليئة بالجبر والتشبيه وطاعة الحاكم وتعظيمه ولعن أهل البيت والمعارضين وضخ الاسرائيليات والقصص الخرافية وسماع الأحاديث الموضوعة التي تدعم السلطة وتمدح رموزها وتذم المعارضة وتذم رموزها… الخ.
للباحثين فقط؛
مراقبة الأثر السياسي داخل الشعائر كالصلاة والصوم والحج والزكاة من أهم ما يجب أن يكشفه الباحثون هذه الأيام، فقد دخلت سياسات كثيرة في شعائرنا وزينها الشيطان لما فيها من مظهرية وفخر واستئناس بالجمع والكثرة … زينة.
وكل ما يسمى بأركان الإسلام ( من شهادة لا إله إلا الله إلى الحج) فيها من السياسة كثير جداً لم يكشف بعد، والواجب كشفه وفصله عن شريعة الله، ليكون الدين كله لله، لا لسياسة ولا لمذهب.
بعض السنن الأموية انتهت:
– مثال التلبية-
وبعض هذه السياسات الأموية التي تم إدخالها في الصلاة مثلاً أو في الحج أو غيرها، قد انتهت، ولكن بعضها مازال جارياً..
فمثلاً من السياسات الأموية في الحج قطع النلبية يوم عرفة، منعها بنو أمية وهي سنة نبوية ثم علوية، ولكن لأن الإمام علي كان يظهر هذه السنة فقد أبطلها الأمويون ونهوا عنها، ولكنها زالت فيما بعد وثبتت السنة.
مثال:
في مسند أحمد ط الرسالة (3/ 364) بسند صحيح:
قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، قَالَ: لَا أَدْرِي أَسَمِعْتُهُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَمْ نُبِّئْتُهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بِعَرَفَةَ وَهُوَ يَأْكُلُ رُمَّانًا، فَقَالَ: ” أَفْطَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ، وَبَعَثَتِ الَيْهِ أُمُّ الْفَضْلِ بِلَبَنٍ، فَشَرِبَهُ ”
وَقَالَ: ” لَعَنَ اللهُ فُلانًا عَمَدُوا إِلَى أَعْظَمِ أَيَّامِ الْحَجِّ، فَمَحَوْا زِينَتَهُ، وَإِنَّمَا زِينَةُ الْحَجِّ التَّلْبِيَةُ ”
اهـ
وكلمة فلان هنا هو معاوية، ولكن أحمد يحذف اسم معاوية وبني أمية إذا وردوا في مورد الذم كما هي عادته وعادة كثير من أهل الحديث، يحمون معاوية من رسول الله ومن الصحابة الذامين له – وهذه فيها نوع من خيانة علمية – ولكن هذا هو الواقع ، وهذا مبحث آخر – حذف أحمد في حوالي 100 موضع فيها ذم صحابة أو بني أمية-
التصريح بالباعث واسم معاوية عند غير أحمد:
فالحديث مروي عند النسائي وفيه التصريح باسم معاوية ، ففي سنن النسائي (5/ 253)
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِعَرَفَاتٍ، فَقَالَ: «مَا لِي لَا أَسْمَعُ النَّاسَ يُلَبُّونَ؟» قُلْتُ: يَخَافُونَ مِنْ مُعَاوِيَةَ، فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ، مِنْ فُسْطَاطِهِ، فَقَالَ: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ فَإِنَّهُمْ قَدْ تَرَكُوا السُّنَّةَ مِنْ بُغْضِ عَلِيٍّ»
والسند حسن، وفيه التصريح بالسبب بأن إبطال هذه السنة كان الباعث لها هو بغضهم للإمام علي، لأنه في خلافته أحيا كثيراً من السنن كان منها متعة الحج والتلبية غير ذلك..
هذا في الحج كمثال فقط
عودة لتسييس صلاة الجماعة:
نرجع للسياسات التي أدخلها بنو أمية في الصلاة، وهي كثيرة جداً، منها ما هو داخل الصلاة كالإسرار بالبسملة، ثم إنكار أن تكون البسملة آية من الفاتحة – ومازالت هذه إلى اليوم- ومنها الضم والتامين، ومنها ماهو خارج الصلاة كالتشدد في صلاة الجماعة وإثبات أن أئمة الجور هم أئمة الدين ، ومن لا يصلي خلفهم ويشهد جماعتهم فهو منافق حلال الدم.. ..الخ
ونحن نركز على بني أمية وإن كان بنو العباس أهل جور مثلهم، لتقدم بني أمية ورسوخ كثير مما أضافوه لمسائل الدين إلى اليوم، بينما بنو العباس لم يضيفوا شيئاً ذا بال إلا في المواريث في ( توسعة ميراث العم ومنع البنت) والهدف إثبات أن العباس رضي الله عنه هو وراث النبي لال فاطمة عليها السلام… أما الإضافات الأموية فهي كثيرة جداً في كل شيء تقريباً.

(2)
– الرواية الفاضحة المؤسسة لكشف تسييس صلاة الجماعة-

أكبررواية فاضحة صححها أهل السنة هي رواية يزيد بن نعامة الضبي، وهو صحابي نسي الناس صحبته وروايته للحديث لسبب يسير جداً وهو أنه قال لأمير البصرة عندما تأخر عن أداء صلاة الجمعة ( الصلاة رحمك الله)!
فقط
فقط
فقط!
قصة الصحابي يزيد بن نعامة الضبي كان قد أمر نائب الحجاج على البصرة الحكم بن أبي أيوب الثقفي بصلاة الجمعة قبل أن تغيب الشمس!
فتسبب له ذا القول بنفي بسجنه أكثر من عشر سنوات ونسيان علمه وصحبته بل واسمه وشطبه من لائحة صالحي الأمة، حتى أنه لا يكاد أحد يعرفه اليوم من أؤلئك المدافعين عن الصحابة والغيورين على السلف الصالح!
وبعض قصته رواها أبو يعلى وغيره بسند صحيح-
مسند أبي يعلى [ جزء 2 – صفحة 536 ] –
قال: حدثنا قطن بن نسير حدثنا جعفر بن سليمان حدثنا المعلى بن زياد قال :
لما هزم يزيد بن المهلب أهل البصرة، قال المعلى : فخشيت أن أجلس في حلقة الحسن بن أبي الحسن (البصري) فأوجد فيها فأُعرف!
فأتيت الحسن ( البصري) في منزله فدخلت عليه،
فقلت : يا أبا سعيد كيف بهذه الآية من كتاب الله ؟
قال : أيةُ آيةٍ من كتاب الله ؟
قلت : نعم قول الله في هذه الآية : { وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون } [ المائدة : 62 ] قال : يا عبد الله إن القوم عرضوا السيف فحال السيف دون الكلام !
قلت : يا أبا سعيد – يعني الحسن البصري- فهل تعرف لمتكلم فضلاً؟
قال : لا ! ( وهذا رأي الحسن وهو ضعيف فالمتكلم بالحق أفضل)
قال المعلى : ثم حدث (الحسن) بحديثين قال – في الحديث الأول- :
حدثنا أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول الحق إذا رآه أن يذكر تعظيم الله فإنه لا يقرب من أجل ولا يبعد من رزق) ..
قال : ثم حدث الحسن بحديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(ليس للمؤمن أن يذل نفسه))
قيل : وما إذلاله نفسه ؟
قال : يتعرض من البلاء لما لا يطيق)
قيل : يا أبا سعيد فيزيد الضبي وكلامه في الصلاة؟
– يقصد أمره نائب الحجاج على البصرة بصلاة الجمعة قبل أن تغرب الشمس-
قال – الحسن- : أما إنه لم يخرج ( يزيد بن نعامة) من السجن حتى ندم!
– وهذه إشاعة من السلطة صدقها الحسن كما سيأت84ك ، وقد سبق ذكر بعضها في ((أبواب: المواقيت)) .
22- وروى فيه بإسناده : أن أبا عبيدة بن عبد اىد بن نعامة- بينما أنا و الحسن نتذاكر إذ نصبت أمرك نصباً
فقال ( يزيد): مه يا أبا الحسن؟
قال ( المعلى) : قلت : قد فعلت ..
قال ( يزيد) : فما قال (الحسن البصري) ؟
قلت : قال : أما إنه لم يخرج من السجن حتى ندم على مقالته!!
قال يزيد : ما ندمت على مقالتي وايم الله لقد قمت مقاما أخطر فيه بنفسي – وهذا تكذيب للإشاعة الأموية، وقد بقيت هذه الإشاعات شائعة في التيار السلفي، كلما أظلم عليهم رأي علم من الأعلام يقولون: قد تاب)!.
قال يزيد : فأتيت الحسن
فقلت : يا أبا سعيد : غُلبنا على كل شيء، نُغلب على صلاتنا ؟
فقال : يا عبد الله إنك لم تصنع شيئا إنك تعرض نفسك لهم ثم أتيته فقال لي مثل مقالته
قال – في ذكر قصته- : فقمت يوم الجمعة في المسجد و الحكم بن أيوب – نائب الحجاج- يخطب
فقلت : رحمك الله الصلاة! – وهذه هي الكامة التي ذهبت بصحبته وحديثه إلى اليوم-
قال : فلما قلت ذلك احتوشتني الرجال يتعاوروني فأخذوا بل%D بن جبير وأبا البختري وأصحابه يومئون يوم الجمعة ، والحجاج يخطب ، وهم جلوسٌ !
29- وعن محمد بن إسماعيل ، قال يه حتى ظننت أنهم سيقتلوني دونه
قال : ففتح لي باب المقصورة
، قال : فدخلت فقمت بين يدي الحكم – نائب الحجاج- وهو ساكت.
فقال – أي الحكم نائب الحجاج- : أمجنون أنت ؟ قال : وما كنا في صلاة ؟؟ – يقصد لماذا تأمرني بالصلاة ألم نطن في صلاة مادمنا نخطب لصلاة الجمعة من الظهرل إلى المغرب!-
فقلت – القائل يزيد- : أصلح الله الآمير هل من كلام أفضل من كتاب الله ؟
قال – الحكم- : لا
قلت : أصلح الله الأمير أرأيت لو أن رجلا نشر مصحفا يقرؤه غدوة إلى الليل أكان ذلك قاضيا عنه صلاته ؟ – حجة يزيد بن نعامة قوية وهذا يدل على أنه كان من فقهاء الصحابة، لكن أين فقهه اليوم ؟ أين حديثه؟ أين هو من معاوية وسمرة والمغيرة؟-
قال الحكم : والله إني لأحسبك مجنوناً – هذا رد الحكم ، وفيه تفاهة فقه السلطة-
قال – يزيد الضبي- : و أنس بن مالك جالس تحت منبره ساكت!
فقلت: يا أنس يا أبا حمزة أنشدك الله فقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبته أبمعروف قلت أم بمنكر ؟ أبحق قلت أم بباطل ؟
قال – يزيد – : فلا والله ما أجابني بكلمة!!! – انظر خوف أنس وقعوده عن الشهادة لله، فلذلك اشتهرت أحاديثه لأنه كان ضعيف أمام السلطة-
قال له الحكم بن أيوب : يا أنس
قال : لبيك أصلحك الله!
قال – الحكم- : وكان وقت الصلاة قد ذهب ؟؟؟ – يعني هل ما قاله يزيد بن عامة صحيح؟ هل ذهب وقت صلاة الجمعة عنجما اقتربنا من وقت غروب الشمس قبل أن نصليها- وكانت عادة بني أمية أن يخطبوا الخطبة جلوساً على المنبر، ويطيلونها أكثر مما يطيلها بعض الزعماء العرب اليوم، وتكون الخطبة سياسية ليس فيها دين ولا شرع.. فيستمرون في هذه البيانات حتى يخرج الوقت ويعدون أنفسهم في صلاة ما داموا جالسين يخطبون …فلذلك قال الحكم: أولسنا في صلاة؟ وعد الأمر بالصلاة لوقتها جنوناً؟؟- فماذا كان جواب أنس بن مالك ؟
قال أنس : كان بقي من الشمس بقية!! – جواب عجيب وضعيف من أنس-
فقال الحكم : احبسوه – يقصد يزيد الضبي ولو كانت شهاجة أنس قوية لما سجنوا ذلك الصحابي الصالح يزيد بن نعامة عشرين سنة-
قال يزيد : فأقسم لك يا أبا الحسن – يعني للمعلى – لما لقيت من أصحابي كان أشد علي من مقامي، قال بعضهم : مراءٍ، وقال بعضهم : مجنونٌ
– وهذه هي العامة الأموية وخصائصها إلى اليوم-
قال : وكتب الحكم (نائب الحجاج بالبصرة) إلى الحجاج (بواسط) : أن رجلا من بني ضبة قام يوم الجمعة قال : الصلاة! وأنا أخطب! وقد شهد الشهود العدول عندي أنه مجنون !
فكتب إليه الحجاج : إن كانت قامت الشهود العدول أنه مجنون فخل سبيله وإلا فاقطع يديه ورجليه واسمر عينيه واصلبه .. – هذه هي العقوبة الأموية في حق من يقول: الصلاة الصلاة، وسيسجن يزيد لاحقاً كما سيأتي-
قال يزيد: فشهدوا عند الحكم أني مجنون فخلى عني!
قال المعلى عن يزيد الضبي :
ثم مات أخ لنا فتبعنا جنازته فصلينا عليه فلما دفن تنحيت في عصابة فذكرنا الله وذكرنا معادنا فإنا كذلك إذ رأينا نواصي الخيل والحراب فلما رآه أصحابي قاموا وتركوني وحدي فجاء الحكم حتى وقف علي فقال : ما كنتم تصنعون ؟
قلت : أصلح الله الأمير مات صاحب لنا فصلينا عليه ودفن فقعدنا نذكر ربنا ونذكر معادنا ونذكر ما صار إليه
قال : ما منعك أن تفر كما فروا ؟
قلت : أصلح الله الأمير أنا أبرأ من ذلك ساحة وآمن للأمير من أن أفر
قال : فسكت الحكم، فقال عبد الملك بن المهلب بن أبي صفرة- وكان على شرطته – تدري من هذا ؟
قال – الحكم – : من هذا ؟
قال – ابن المهلب- : هذا المتكلم يوم الجمعة – ما نسوها له !!- وهذا واضح أنه لم يأمر أحد بالصلاة في وقتها غيره لعقود-
قال : فغضب الحكم وقال : أم إنك لجريء.. خذاه!
قال : فأخذت فضربني أربع مئة سوط فما دريت حين تركني من شدة ما ضربني
قال : وبعثني إلى واسط فكنت في ديماس (سجن)الحجاج حتى مات الحجاج..
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد – (ج 3 / ص 310)
رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.
هذه قصة يزيد بن نعامة الضبي الصحابي الذي كان أفضل من أنس بن مالك ومن الحسن البصري – لكن لا يعرفه أحد، عاش بين تهمة الجنون والسجن وضاع كل شيء وبقي لنا الضعفاء في أنفسهم وأقوالهم، هم من قادوا الثقافة الإسلامية –
الأفضل أن أسكت، وأن أترك للعلامة الكبير ابن رجب الحنبلي أن يتحدث عن هذه الرواية وأشباهها من تسييس صلاة الجماعة ، وما يفهم منها من تركنا الصادقين وفقههم تعبث بهم السلطات واتهامات الجنون بلا مدافعة عنهم ولا إحياء لذكرهم ولا معرفة لصحبتهم ولا خيريتهم، وإحيائنا واحتفائنا بما احتفت به السلطة الأموية والعباسية من الضعفاء وفقههم وأحاديثهم… – إلا من رحم ربك-

(3)
– تعليق ابن رجب الحنبلي على قصة الصحابي يزيد بن نعامة الضبي-
تعليق ابن رجب الحنبلي:
وقد ذكر ابن رجب الحنبلي فوائد في كتابه : فتح الباري ( 6/ 192) تعليقاً على خبر يزيد الضبي هذا وحشد فيه كثيراً من الآثار الصحيحة حول تدخل بني أمية في القرن في تفاصيل الصلاة ومنعهم الناس من الصلاة لوقتها وغير ذلك..
وسأذكر قول ابن رجب وتعليقاته ورواياته مرقمة لتسهيل الفائدة ..فقال:
(فقد تبين بهذا السياق :
1- أن الصحابة والتابعين – يعني يومئذ- كانوا كلهم خائفين من ولاة السوء الظالمين،
2- وإنهم غير قادرين على الإنكار عليهم،
3- وأنه – أي الإنكار- غير نافع بالكلية ؛
4- فإنهم يقتلون من أنكر!!
5- ولا يرجعون عن تأخير الصلاة على عوائدهم الفاسدة
6- وقد تكلم بعض علماء أهل الشام في زمن الوليد بن عبد الملك في ذلك ، وقال : أبعث نبيٌ بعد محمدٍ يعلمكم هذا – أو نحو ذلك ؟ فأخذ فأدخل الخضراء فكان آخر العهد به !!
7- ولهذا لم يستطع أنس أن يجيب يزيد الضبي بشئ حين تكلم يزيد!
8- وإنما قال للحكم لما سأله : قد بقي من الشمس بقيةٌ -!!
9- يريد : قد بقي من ميقات العصر بقيةٌ -، وهو كما قال-
10-لكن وقت الجمعة كان قد فات ، ولم يستطع أن يتكلم بذلك!
11- فلما دخل الحكم داره ، وأدخل معه أنساً ويزيد الضبي ، فسئل أنس في ذلك الوقت عن وقت صلاة النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فأخبر أنه كان يعجل في البرد ، ويبرد في الحر ، ومراده -والله أعلم – : صلاة الظهر ، وهذا هو الذي أمكن أنسا أن يقوله في ذلك الوقت ، ولم يمكنه الزيادة على ذلك !!
12-وأكثر العلماء على أن الجمعة لا يبرد بها بعد الزوال ، بل تعجل في أول الوقت ، وللشافعية في ذلك وجهان .
13- وقد كان الصحابة والتابعون مع أولئك الظلمة في جهدٍ جهيدٍ ، لا سيما في تأخير الصلاة عن ميقاتها ، وكانوا يصلون الجمعة في أخر وقت العصر ، فكان أكثر من يجيء إلى الجمعة يصلي الظهر والعصر في بيته ، ثم يجيء إلى المسجد تقية لهم ،
14- ومنهم من كان إذا ضاق وقت الصلاة وهو في المسجد أومأ بالصلاة خشية القتل
15- وكانوا – أي الأمراء- يُحلِّفون من دخل المسجد أنه ما صلى في بيته قبل أن يجيء !!!
16- قال إبراهيم بن مهاجرٍ : كنت أنا وسعيد بن جبيرٍ وإبراهيم نصلي الظهر ، ثم نجلس فنتحدث والحجاج يخطب يوم الجمعة ، خرّجه أبو نعيمٍ الفضل بن دكين في ((كتاب الصلاة )) .
17- وخَّرج -أيضاً- بإسناده ، عن أبي بكر بن عتبة ، قال صليت إلى جنب أبي جحيفة ، فتمسى الحجاج بالصلاة ، فقام يصلي الجمعة ، ثم قام فصلى ركعتين ، ثم قال : يا أبا بكر ، أشهدك أنها الجمعة، وهذا غريبٌ ، يدل على أنه يصح أن يصلي الرجل الجمعة وحده..
18- وبإسناده : عن الأعمش ، عن إبراهيم وخيثمة ، أنهما كانا يصليان الظهر
والعصر ، ثم يأتيان الحجاج يوم الجمعة ، فيصليان معه.
19- وعن أبي وائل ، أنه كان يأمرهم أن يصلوا في بيوتهم ، ثم يأتوا الحجاج فيصلون معه الجمعة.
20- وعن محمد بن أبي إسماعيل ، قال : كنت في مسجد منى ، وصحف تقرأ للوليد – بن عبد الملك- ، فأخروا الصلاة : قال : فنظرت إلى سعيدٍ بن جبير وعطاء يومئان ، وهما قاعدان!!
21- وقد ذكر أبو زيد عمر بن شبة النميري البصري في ((كتاب أدب السلطان )) باباً في تأخير الأمراء الصلاة ، خَّرج فيه الأحاديث المرفوعة ، والآثار الموقوفة في ذلك ، وقد سبق ذكر بعضها في ((أبواب: المواقيت)) .
22- وروى فيه بإسناده : أن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعودٍ كان يروح إلى المسجد وقد صلى الظهر والعصر ، فيجلس فينتظر ، فيقول – للخطيب- : ماله قاتله الله ؟!
يصيح على منبره صياحاً ، وقد فاتته العصر ، ولم يصل الظهر بعد!
23- وبإسناده : عن عمرو بن هرم ، قال : كان أنس بن مالكٍ يصلي الظهر والعصر في بيته ، ثم يأتي الحجاج فيصلي معه الجمعة!!!
24- وبإسناده : عن عبد الله بن أبي زكريا ، أنه كان يجمع مع الوليد بن عبد الملك ما صلى الوليد في وقت الظهر الجمعة ، ويعتد بها جمعةً ، فإن أخرها عن وقت الظهر صلى الظهر في آخر وقت الظهر أربعاً إيماءً ، ثم صلى الجمعة معه ، وجعلها تطوعا ، فإن أخر العصر حتى يخرج وقتها صلاها في آخر وقتها ايماءً .
25- وبإسناده : عن حصينٍ ، قال : كان أبو وائل إذا أخر الحجاج الجمعة استقبل القبلة ، يومئ ايماءً : يتناعس!!
26- وبإسناده : عن جريرٍ ، قال : شهدت الجمعة مع ابن هبيرة ، فأخر الصلاة إلى قريب من العصر ، فرأيت الناس يخرجون ، فرأيت أبا حنيفة خرج ، فكأن شيخ يصيح في المسجد : لو كان الحجاج ما خرجوا ، وجعل فضيل بن غزوان ويقول : إنهم ، إنهم..- يتأسفون على سنة الحجاج !-
27- وبإسناده : عن ابن سيرين ، أنه حضر الجمعة ، فأخر الأمير الصلاة ، فأدمى ظفره ، ثم قام فخرج ، وأخذته السياط حتى خَّرج من المسجد!
28- وعن عطاءٍ بن السائب : قال : رأيت سعيدٍ بن جبير وأبا البختري وأصحابه يومئون يوم الجمعة ، والحجاج يخطب ، وهم جلوسٌ !
29- وعن محمد بن إسماعيل ، قال : رأيت سعيد بن جبير وعطاء ، وأخر الوليد الجمعة والعصر ، فصلاهما جميعاً ، قال : فأومئا إيماءً ، ثم صليا معه بمنىً .
30- وبإسناده : عن حميدٍ ، أن الوليد بن عبد الملك خَّرج بمنىً بعد العصر ، فخطب حتى صارت الشمس على رؤوس الجبال ، فنزل فصلى الظهر ، ثم صلى العصر ، ثم صلى المغرب .
31- وروى بإسنادٍ له : عن سالم ، أنه ذكر أن الوليد قدم عليهم المدينة ، فما زال يخطب ويقرأ الليث حتى مضى وقت الجمعة ، ثم مضى وقت العصر ، فقال القاسم بن محمد لسالم :أما قمت فصليت ؟ قال : لا .قال : أفما أومأت ؟ قال: لا . وقال : خشيت أن يقال : رجل من آل عمر !! ..
32- وروى بإسناده : عن عمارة بن زاذان : حدثني مكحولٌ ، قال : خطب الحجاج بمكة ، وأنا إلى جنب ابن عمر ، يحبس الناس بالصلاة ، فرفع ابن عمر راسه ، ونهض ، وقال : يا معشر المسلمين ، انهضوا إلى صلاتكم ، ونهض الناس ، ونزل الحجاج ، فلما صلى قال : ويحكم ، من هذا ؟ قالوا : ابن عمر ..
قال : أما والله لولا أن به لمماً لعاقبته .
33- وروى أبو نعيم في ((كتاب الصلاة )) :ثنا زهير ، عن جابر -وهو : الجعفي -، عن نافع ، قال : كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج ، فلما اخرها ترك الصلاة معه .
34- وكان الحسن يأمر بالكف عن الإنكار عليهم ، ثم غلبه الأمر فأنكر على الحجاج ، وكان سبب اختفائه منه حتى مات الحجاج ، والحسن متوار عنه بالبصرة .
35- وقد روى أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب ((مناقب الحسن )) بإسناد له ، أن الحسن شهد الجمعة مع الحجاج ، فرقى الحجاج المنبر ، فأطال الخطبة حتى دخل في وقت العصر ، فقال الحسن : أما من رجل يقول : الصلاة جامعةٌ ؟ فقالَ رجل : يا أبا سعيدٍ ، تأمرنا أن نتكلم والإمام يخطب ؟ فقال : إنما أمرنا أن ننصت لهم فيما أخذوا من أمر ديننا ، فإذا أخذوا في أمر دنياهم أخذنا في أمر ديننا ، قوموا ، فقام الحسن وقام الناس لقيام الحسن ، فقطع الحجاج خطبته ، ونزل فصلى بهم ، فطلب الحجاج الحسن فلم يقدر عليه .
36- وهذا كله مما يدل على اجتماع السلف الصالح على أن تأخير الجمعة إلى دخول وقت العصر حرام لا مساغ له في الإسلام .
37- ولما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة صلى الجمعة في أول وقتها على ما كانت عليه السنة .
38- فروى إسماعيل بن عياش ، عن عمرو بن مهاجرٍ ، أن عمر بن عبد العزيز كان يصلي الجمعة في أول وقتها حين يفيء الفيء ذراعا ونحوه ، وذلك في الساعة السابعة .
38- وقال ابن عونٍ : كانوا يصلون الجمعة في خلافة عمر بن عبد العزيز والظل هنية.
انتهى كلام ابن رجب الحنبلي.. وأنتم ترون مدى العبث الأموي بالصلاة فلم يبقوا دنيا ولا ديناً، إلا ضموه لأنفسهم وأجبروا الناس عليه، وشرعنوا له العقوبات الكبيرة، وهذا تعليق على رواية واحدة من الروايات التي تكشف تسييهم لشعائر الدين، فكيف لو استعرضنا العشرات منها بل المئات.
لن نتشعب… سنبقى في موضوع صلاة الجماعة
ولي تعليق لاحق على كلام ابن رجب ..
فيظهر لي أنه لم يستنطق الروايات سياسياً كما يجب، وهو معذور، فكل الفقهاء وأهل الحديث ضعفاء في إدرك الأثر السياسي وشهوة السلطة ، التي لا تشبع من الاستيلاء على الدنيا حتى تستولي على الدين أيضاً
ليس هذا فقط بل مع تعديل الدين وترتيبه حسب ما ترى السلطة وحسب مصالحها لا حسب النص الشرعي، والشيطان بعد ذلك ظهير لها، ،
فالسلطة ترفع الأمر اليسير وتستبيح لأجله الموبقات،
وتترك الأمر العظيم وتهجره وتنسيه الناس،
وتقتل الذين يأمرون بالقسط من الناس،
ويمنحون العطايا والوظائف لمن يسير في ركابهم ويروي ما يحبون ويجتنب ما يكرهون
فوصلنا الدين كما ترون!
فتنة لأهله ، عذاباً لهم ولغيرهم، لا يتوقف عن إذكاء مشروع الشيطان في العداوة والبغضاء والسوء والفحشاء … هذا هو الدين التاريخي المحرف
الدين السلطاني الذي ارتضت السلطات أن تبقيه لنا..
لا رحمة ولا عدل ولا عقل ..
إنما ألفاظ ومظاهر وتفاخرات إبليسية جاهلية.. إلا من رحم ربك..
دين تاريخي عجيب، مفصول عن القرآن والعقل والمشتركات العظمى
مفصول عن الرحمة التي لأجلها أرسل الله رسوله مبعوثاً للعالمين.
غاية الدين نشر الرحمة وإقامة القسط
فأصبح أهم أهداف المسلمين تجفيف الرجمة وإماتة العدل…
لأنهم تساهلوا في مثل هذه القصص ذات العبرة، فضعف الوعي التاريخي وما يحمله من مراقبة عمليات تبديل للدين عبر التاريخ، ولو أدرك العلماء ما أضافت السلطات إلى الدين وما نزعت منه لاكتشفوا الإسلام الأول المخبوء رحت ركام الروايات والعقائد وألأعيان.
ابن رجب من أفضل من علق على هذه الرواية إلا أنه لم يستوف الاستنطاق السياسي لهذه الرواية – رواية يزيد الضبي- ولا للروايات المذهلة التي أوردها على هامش هذه الرواية، والتي بلغت التواتر في أمر واحد وهو تسييس الصلاة وخاصة صلاة الجماعة.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: