فيليكس ماركوارت

في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي طاول فرنسا أخيراً، تأتي ردّة الفعل التي أبداها كلّ من يكره الإسلام والأطراف العديدة من الطبقة السياسية، فضلاً عن غياب مصداقية القادة المسلمين، كتذكير واضح لفشل البلد في إدماج أكبر أقلّية دينية فيه.

وفي أعقاب الهجمات الإرهابية التي شُنّت في باريس في كانون الثاني (يناير)، اعتقدتُ، كما نائب رئيس الوزراء السابق في ماليزيا والمعارض أنور إبراهيم، أنّ الوقت قد حان للسير على خطى الإصلاحي المصري محمد عبده، الذي شكّل عمله في مطلع القرن العشرين آخر محاولة جدّية ومنظّمة لتحديث الفكر الإسلامي.

وقد شاركنا سوياً في تأسيس مؤسسة «الكواكبي»، في محاولة لجمع قادة الدين والفكر المسلمين من جميع أنحاء العالم، المصمّمين على عدم السماح للسفاحين والأغبياء والساخرين بالسيطرة على ديننا. لقد حان الوقت لنواجه نحن المسلمين، تنظيمات مثل «الدولة الإسلامية» و «بوكو حرام»، والسياسات التي ترمي إلى تحديد معالم الإسلام، وإطلاق أحكام حول المسلمين الملتزمين أو غير الملتزمين. وبما أنّنا نحن المسلمين، الضحايا الأبرز لهؤلاء الهمجيين، فمن الطبيعي أن نضطلع بأدوار بارزة في هذا المسعى. أمّا طموحاتنا، فهي:

– توفير منتدى للنقاش يكون نقطة مرجعية على الإنترنت، لمساعدة المسلمين في جميع أنحاء العالم على تحديد مكان انتهاء الدين وبدء الثقافة.

– إعادة تركيز الفكر الإسلامي على المثل والغايات السامية لديننا (التعليم، العدالة السياسية والاجتماعية، المساواة، بخاصة بين الجنسين، الانفتاح واحترام الغير)، والتغلّب على هاجسنا لاعتبارات تتعلّق بالأنظمة الغذائية، والملابس، والتقويمات.

لقد حصدنا دعم قادة الفكر الإسلامي اللامعين من جميع أنحاء العالم، بمن فيهم جاسر عودة، المدير التنفيذي لمعهد المقاصد في لندن، ومالك الشعار، مفتي طرابلس والشمال في لبنان، ومولانا إحسان هندريكس، رئيس مجلس القضاء الإسلامي في جنوب أفريقيا، وغالب بن شيخ، رئيس «المؤتمر العالمي للأديان من أجل السلام»، وطارق السويدان، مقدّم البرامج الحوارية ذو التأثير الواسع النطاق، وطارق رمضان، اللاهوتي المصري السويسري، والإمام النمسوي الفلسطيني عدنان إبراهيم، علماً أنّ لدى هؤلاء الثلاثة الأخيرين أنصاراً يبلغ عددهم الملايين داخل البلدان ذات الغالبية المسلمة وخارجها. ويُذكر أنّ البيانات الرسمية وأعمدة الرأي التي أنتجناها في الأشهر التي تلت، نُشرت في الصحف اليومية والأسبوعية في جميع أنحاء أوروبا وآسيا، وكذلك في صحيفتي «الحياة» و «الشرق الأوسط»، وهما من بين أكثر الصحف اليومية باللغة العربية تداولاً واحتراماً في العالم. وكانت ردود الفعل إيجابية للغاية في شكل عامّ.

إلا أنّ حفل الافتتاح الذي أقمناه في فرنسا في 21 نيسان (أبريل)، والذي غطّته وسائل إعلام فرنسية وعربية عديدة بجوّ من الإيجابية في شكل عامّ، حصد مزيجاً من الشك والعداء المباشر من وسائل الإعلام الإسلامية الأصولية ومجموعة من الأصوات المتشدّدة، ولا سيما السلفيين الجدد، على وسائل التواصل الاجتماعي. إضافة إلى ذلك، تجاهل قادة المجتمع المعتدلون مبادرتنا، ووافقوا على فكرة أننا غير شرعيين بطريقة أو بأخرى. وفي أوائل شهر حزيران (يونيو)، أفسح هذا العداء الطريق لتهديد فعلي، عندما نُشرت صورة، ظهرتُ فيها إلى جانب عدنان إبراهيم، وهو الداعية المسلم الذي يمارس تأثيراً كبيراً في العالم هذه الأيام (التقطت خلال حفل الافتتاح المذكور أعلاه) في العدد الأخير من «دار الإسلام»، وهي مجلة دعائية لتنظيم «داعش» باللغة الفرنسية، تركّز على «النضال ضدّ المرتدين». وكانت الرسالة واضحة: يجب القضاء عليهم بأي وسيلة متاحة.

وفي وقت سابق من هذا العام، قمتُ، بمساعدة بن شيخ، وطارق أوبرو، إمام بوردو، بإطلاق حركة تُسمى «كفى صمتاً!». وكان هدفنا مواجهة التأثير المتباين لهذه الأصوات المتطرفة في المجتمع، التي تسيّس الإسلام وتستخدمه كأداة في الصراع ضد ما يعتبره كثر، لا سيّما في أوساط الشباب المسلمين، نوعاً من الخوف من الإسلام في الدولة الفرنسية. لقد دعينا المسلمين الفرنسيين الى التعبير علانية عن موقفهم ضدّ المتطرفين الذين يدّعون أنهم يمثلونهم، والذين يهيمنون على مجتمع مؤلّف من أعضاء يعملون بجدّ ومناصرين للسلام. إلا أنّ أحداً لم يأبه بهذه الدعوة التي أطلقناها.

وقد أدّى الخوف والضغط الاجتماعي القديم دوراً في هذا الرد الصامت. ففي ظلّ تعرّضهم لانتقادات قاسية واستهداف من المجتمع، يخشى المسلمون الفرنسيون أن يُعتبروا خونة في نظر المجتمع – بما أنّهم يعلمون أنّه لا مفرّ من عيشهم جواً من القلق والذعر. ولا شكّ في أنّ صمتهم في مثل هذه الظروف، ناجم عن شعورهم بالضيق.

غير أنّ الخطأ يكمن أيضاً في علاقة الدولة الفرنسية الغامضة بالدين والإسلام في شكل خاص، وذلك لعدد من الأسباب، أعذروا لغتي الفرنسية، فما من أمر أسوأ من أن يكون المرء مسلماً يعيش في فرنسا (معظم المسلمين من شمال أفريقيا أو جنوب الصحراء الكبرى، يجدون صعوبة أكبر في العثور على وظائف من المواطنين الآخرين، وهم في المعدل أفقر منهم، كما أنّهم أكثر عرضة ليكونوا ضحايا التمييز، وما إلى ذلك). ولكن احتراماً للفهم المحدود جداً للعلمانية (المقدسة في فرنسا)، لا تسمح الجمهورية الفرنسية بإحصاء عدد الأطفال وفق خلفيّتهم الدينية أو العرقية (وفي الواقع، يشكّل إجراء مثل هذه الإحصاءات أمراً غير قانوني في فرنسا)، في حين أنّه ما من بيانات رسمية عن طبيعة المحنة التي يعيشها المسلمون في فرنسا.

ونتيجة لذلك، لم يتمّ اتخاذ أي إجراءات لتحسين وضع المسلمين الفرنسيين. وما زال الشباب المسلمون يعتقدون أن هناك تحيزاً مؤسسياً ضدهم على مستوى الدولة.

وأثار رئيس بلدية يميني متطرّف في جنوب غربي فرنسا أخيراً، ضجة بسبب إجرائه إحصاءات «غير رسمية» عن الخلفية الدينية لأبناء بلدته. وقد سخر من هذه الفكرة مدعياً أنه قام بذلك من خلال استنتاج دين الأطفال من أسمائهم. وفي حين أنّه تمّ التشكيك في المنهج الذي اتّبعه، تبقى الحقيقة أنه لاستحداث سياسة مفيدة وتنفيذها، يحتاج المرء إلى بيانات. وفيما يجب أن تبقى مُثل الجمهورية الفرنسية أساسية، كما يقول المَثل، الطريق إلى الجحيم محفوف بالنوايا الحسنة. ولربما حان الوقت للتساؤل حول ما إذا كان المسلمون الفرنسيون على استعداد ليتمّ اعتبارهم مسلمين في الإحصاءات التي تُجرى، وذلك في محاولة لتحسين وضعهم في المجتمع الفرنسي.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليق 1

اترك رد

  • الجزئية التي شدت انتباهي في هذا الموضوع و جعلتني أود مناقشتها هي الجهود التي بذلت للبدء في ورشة عمل للإفصاح عن حقيقة الإسلام المشرقة للعالم و أن الإسلام ليسى إرهابيآ، و رغم كلام المؤتمرات و الإجتماعات التي تحظى بدعم كبير، إلا أنها بعد ذلك لا تنتقل للخطوات التاليه، فيتم صرف طاقات كبيرة على عقد الإجتماعات و التوافق على ألأمور و لا يتمخض عنها عملآ فعليآ حقيقيآ ملموسآ على أرض الواقع، و ما ينشأ بعده هو عواصف إعلامية و تخوفات من المخالفين لبعض آراء المشاركين، و تشكيك بالنوايا، فيتم إجهاض الجهد من بدايته، أطرح هنا هذه القضية التي أرى أنها مشكلة رئيسية في العمل لدين الله في هذه الأيام، فنصبح كمن نقضت غزلها قبل أن يكتمل، علينا أن نجلس معآ و نفكر بعقلانية و نفتش عن آلية للاتفاق و العمل معآ، علينا أن نخرج من شرك البحث عن أرضية التطابق التي هي وهم، نحن نشترط على بعضنا قبل البدء بأي عمل أن نتطابق في كل أفكارنا. بالله عليكم كيف يمكن ذلك؟؟؟؟، لقد علمنا رسول الله و من أتى بعده من علماء و أئمة أن الإختلاف يعني التنوع و يعني تعدد الحلول و أن الحياة غير ممكنة بدونه، لعلمائنا و مشايخنا الرائعين و القدوات أدعو الله أن ينير بصائرهم لنبذ الخلافات ولا أقول الإختلافات، الإختلاف صحي و ضروري و الخلاف يؤدي لما نحن فيه من قلة في الإنجاز و تناحر فيما بيننا. نحتاج أن نبدأ العمل و نقلل النقاشات التي تثبط العمل، لنشمر عن السواعد سادتي و لنعمل.

    ريما الخطيب
    12-مايو-2016

%d مدونون معجبون بهذه: