حسن بن فرحان المالكي باحث في الشؤون الشرعية والتاريخ ومهتم بقضايا حقوق الإنسان
حسن بن فرحان المالكي
باحث في الشؤون الشرعية والتاريخ ومهتم بقضايا حقوق الإنسان

كل يذم التعصب وأكثر من يذم التعصب هم طلبة البحث والعلم من جميع التخصصات ، لكن المأساة في هذا الأمر أن الذين يذمون التعصب يقعون فيه من حيث لا يشعرون إلا من رحم ربك فتجد بعضهم يتعجب من انحراف الآخرين عن ( الحقيقة ) بينما هذه التي يزعمها ( حقيقة ) لم يتوصل إليها بنفسه وإنما أخذها تقليداً أو تلقيناً فهو بهذا يلزم نفسه ويحاسب غيره بفعل غيره!! ونستثني من زعم أنه تأكد من الحقيقة بنفسه واختبرها تحت مطرقة البحث العلمي.
الذي يذم التعصب هو بحاجة أولاً أن يشك في نفسه هل هو متعصب أم منصف ؟!
وإذا كان صادقاً مع نفسه فليسألها عن ضوابط الإنصاف وعلامات التعصب ؟! أما أن ينظر (لتعصبات) الآخرين التي قد تكون ( إنصافاً ) وينسى نفسه فهذا من أوضح صور (التعصب).
ويزداد العجب عندما نجد اثنين من المختلفين ونجد كل واحدٍ منهما يتعجب من تعصب الطرف الآخر!!
وكذلك على مستوى الطوائف والفرق الإسلامية وغيرها تجد كل طائفة تدعي أنها أخذت العلم عن الكتاب والسنة، وأن الآخرين ليس عندهم منهج ولا رؤية ، ثم تجد هذه الطائفة تتبع ذلك بعرض بعض ما يرونه من ( حماقات ) لتلك الطائفة الأخرى وهذه الطائفة الأخرى تجدها ملتزمة بـ ( الخط نفسه ) من الدعوى والادعاء والتشويه.
وبهذا وأمثاله يتأخر المسلمون ولا يتقدمون لأن معظم نقاشاتهم وأبحاثهم وتخطيطهم موجه ضد أنفسهم وكأن الالتقاء مع المسلمين الآخرين جريمة وخيانة ، وهكذا يتخذ التعصب أشكاله الحربية من حفر خنادق الدفاع إلى إطلاق صواريخ الاتهامات !!
أما ( الإنصاف المسالم ) فليس له كل هذه ( العدة ) ولا يستطيع بل ولا يحب أن يمتلكها لأن امتلاكها يعني الذوبان في التعصب والانتهاء من الوجود ، فهو يفضل البقاء مطارداً على الهلاك السريع.
والأكثر مرارة أن يوصم ( الإنصاف ) بالتعصب من الأطراف المتعصبة التي تعتبر ( حياده ) تعصباً مادام أنه لم ينضم لهذا التعصب أو ذلك !!
علاج تلك التعصبات ( المحاصرة ) للإنصاف لا يمكن نجاحه مادام كل طرف لا يعترف بأنه يمكن أن يكون متعصباً مثلما لا تستطيع أن تقنع مريضا بارتياد المستشفى إذا كان غير مقتنع بأنه مريض ويرى نفسه في كامل الصحة والعافية ويرى أن نصيحتك دلالة مرضك وليس مرضه !!
إذاً فالخطوة الرئيسة هي اعتراف كل الأطراف من طوائف وأفراد بأنه ( يمكن أن يكون عندهم تعصب سواءً علموه أو لم يعلموه) فهذا أقل قدر يمكن الاعتراف به ذلك الاعتراف الذي يسهم في مناقشة بقية ( علاج التعصب ) أما إذا لم يعترفوا – كما هو متوقع بل مؤكد!! – فهذا ذروة التعصب !!
وعلى هذا كله فسيبقى ذم التعصب في النظريات المدونة أما الواقع فسيبقى في تغذية التعصب وتأكيده ، ولا أدري بعد هذا كله كيف نتفاءل في علاج التعصب وندعو إليه !!

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليقات 4

اترك رد

  • نعم لا شك أن معرفة الداء نصف الدواء … يبدو أن أنجع علاج لهذا التعصب هو التجربة و رؤية الأبواب مسدودة تجاههم في حل مشكلاتهم ليخلصوا في النهاية لنتيجة أنه مهما كثر الاغترار بما عندنا و التحيز له و لو كان باطلاً هذا لا يغني من الحق شيئاً كما قال تعالى { و إن الظن لا يغني من الحق شيئاً } و كما قال الدكتور عدنان في برنامجه على قناة الميادين بأن وجه الصواب لا بد أن يشهد عليه الناس جميعاً أو أكثرهم بأنه صواب مهما صاح صاحب هذه الوجهة أنه صائب لا يغني هذا عن شهادة الناس بذلك و من هنا نقترح أن تُستَخدم تقنية الانترنت بالتصويت لأيٍ من المواضيع و الآراء الهامة خاصة المصيري منها .. شكراً لكل من يهتم بأمور المسلمين مخلصاً من قلبه لأن هذا هو مفتاح الإصلاح بإذن الله ….

  • سبحان الله الذي قدر تبيان صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم بأن ابتلاءنا ببأسنا الشديد على بعضنا، إن التعصب و الله أعلم هو الأصل في البشر (إنك لن تستطيع معي صبرآ)، فما خفي أعظم و الأمور ليست بظواهرها، فالإنسان مخلوق ذاتي، بمعنى أن لكل فرد رؤيته الخاصة و استيعابه الذي يبنيه على المعطيات التي أمامه، و لكي يدرك نسبية الأمور عليه أن يدرب نفسه على استيعاب عدة أمور منها نسبية الأشياء و محدوديته و اختلاف المنظور من شخص لآخر، عليه أن يتمرن و يمارس فنون الحوار و الإستماع و الصبر و التقبل فما هو من المسلملت بالنسبة لشخص هو بلا شك خطأ كبير لآخر!، لو استوعب الإنسان هذا لما جادل بل حاورو لما تمسك برأي قد يثبت له خطأه لاحقآ ، بعض الأمور حدده الخالق بأنه صح أو خطأ لا يقبل الشك و حتى هذا علينا أن نفهم أن هذه قضية إيمانية و علينا أن نترك مساحة لغيرنا للقرار إن آمنو (لا إكره في الدين )، فيتحول الكلام من محاولة إثبات وجهة نظر و عصبية و جدال واستنزاف للطاقات بلا طائل و لا نتيجة، إلى مجرد استعراض وجهات النظر الكثيرة و الإستمتاع بمشاركة المعرفة (و جعلناكم شعوبآ و قبائل لتعارفو). فلا مسلمات إلا القرآن الكريم و صحيح ما ورد عن الرسول عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم و حتى هذا قال فيه عز من قائل (فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر)، فلم التعصب؟؟؟، بأسنا بيننا شديد لذا سنتنا أن نتذكر أسبوعيآ على الأقل من خلال قراءة سورة الكهف أن الأمور ليست بظواهرها كما علمنا العبد الصالح بقصته مع سيدنا موسى عليه السلام.

%d مدونون معجبون بهذه: