ذ. خالد أوبها  أستاذ أحياء – المغرب
ذ. خالد أوبها
أستاذ أحياء – المغرب

لن أكون سفسطائيا إن قلت أن الوصول للحقيقة المطلقة أمر مستعص إن لم أقل مستحيل، لا يمكن للإنسان بما يملكه من عقل جبار أن يصل في يوم من الأيام إلى فهم كنه وجوهر الأشياء التي تحيط به. سأكون جريئا أكثر إن قلت أن الإنسان لم يصل حتى الآن ولن يصل إلى تعريف أي شيء تعريفا كاملا يقف العقل عنده دون طرح السؤال بعده.

وكما يقول المثل : بالمثال يتضح المقال وبالشرح يتضح القصد
نأخذ مفهوم الحرارة هل سأل أحدكم نفسه يوما ما الحرارة ؟
ستكون إجابة صديقنا العامي – من عامة الناس -: الحرارة هي 45 درجة عندما نترجم جوابه نجده قال الحرارة هي ارتفاع درجة الحرارة وبذلك يبقى السؤال مطروحا ما الحرارة ؟

سيجيب أحسنهم طريقة – صديقنا المتعلم – : الحرارة نتيجة حتمية لحركة الجسيمات في – المادة –  كلما زادت الحركة ارتفعت درجة الحرارة ، للتوضيح أكثر يقول أن انتقال الإلكترونات من مستوى طاقة إلى مستوى آخر يحرر إشعاعات ضوئية على شكل حرارة
لكن  أتعتقدون فعلا ان صديقنا المتعلم أجاب عن السؤال؟  الجواب : لا

لم يقدم أية إجابة ما فعله بكل بساطة، هو تعريف الشيء بأسبابه. إذن بتعريفه هذا يكون قد خلط بين المسبب والسبب والنتيجة،
لكننا سنبسط شيء ما النقاش مع صديقنا ونقول:  جميل الإجابة صحيحة لكنها تفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة أخرى:
ما الجسيمات ؟
ما معنى وسط أو مكان – المعنى الفلسفي- ؟
لكن للتبسيط كما قلت سأكتفي بالسؤال الأول لأن الثاني جد معقد ما الجسيمات التي تتحدث عنها ؟
سيجيب بسرعة : الذرات التي تشكل الوسط.
حينها سيطرح السؤال البديهي/ ما الذرات سيجيب مقهقها سهلة : بروتونات ونيوترونات تشكل النواة ومجموعة إلكترونات تدور حولها سأسأله مقهقها أيضا وما البروتونات سيجيب متعجبا من سؤالي البروتونات مكونة من كواركات والكواركات ماهي إلا أوثار تتذبذب في الوسط – حسب نظرية الأوثار الفائقة – . الآن حانت الفرصة لأسأل صديقي ماهي الأوثار وما نظرية الأوثار وهل هي نظرية أم خمس نظريات وكيف يمكننا تفسير معادلة بخمسة حلول فلسفيا – افتراض وجود أكوان متعددة مثلا !!! –  وكيف يمكن إثبات ذلك تجريبيا ؟

سيجيب صديقنا لا أعلم لأنه فعلا لا يعلم بالمناسبة أنا أيضا لا أعلم.

إذن يبقى السؤال مطروحا ما الحرارة ؟

سنأخذ مثالا آخر وهو الضوء ، يعرف هذا الأخير بأنه حزمات من الفوتونات و سيرا على نفس المنوال الذي اعتمدناه منهجا لنا في البحث عن كنه الأشياء – جوهرها-  نطرح السؤال ماهي الفوتونات هنا ينبري لنا رواد ميكانيكيا الكم ليقولوا  إن الفوتونات ماهي إلا جسيمات تحت ذرية وأن هذه الجسيمات الصغيرة جدا تحمل صفات مادية وصفات موجية في نفس الوقت ، هي أشياء بينية لا نعرف لها شكلا تابتا هذا غريب نعم لكن هذه هي الحقيقة التي توصلنا إليها و هذا لا يعني بأي حال أن هذا التفسير هو التفسير الناجز  وأن العلم يتوقف هنا.
يقول علماء الفيزياء النظرية أن النماذج الفيزيائية تتعدد و  تختلف حسب المشاكل التي تواجه العلماء لكنها لا تصف الحقيقة و انما  تحاول الاجابة  عن اسئلة  و اشكالات موجودة وكلما كثرت الاسئلة  كلما تبين عدم صحة  او  جدية  هده النماذج في الوصف الفعلي للحقيقة  العلمية.
أظن اني بالغت في تساؤلاتي  واقتربت من مذهب السفسطة الذي يقضي بعدم قدرة الإنسان على تحصيل أية معرفة  أعتذر لم يكن هذا قصدي ولا غايتي القصد من كلامي أن المعرفة المطلقة والنتيجة الناجزة الكاملة مفاهيم مستحيلة ومدمرة
مستحيلة لأن النسبي لا يدرك المطلق وهو مفارق له عقلا وواقعا ومدمرة لأن وصول الإنسان للمعرفة الناجزة – النهائية –  يعني استنفاد العقل جميع أغراضه وأن الوقت حان ليعتزل الحياة والتساؤل وعندما يعتزل العقل فأبشر بهلاك الإنسان
لكن  الاعتقاد بوجود المطلق الذي لا يمكن تعينه وفهمه شيء أساسي  لاستمرار العلم والتساؤل لأن أعظم نعمها مُنحها الإنسان من ربه  نسبيته وقدرته على التساؤل.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: