د. فالح الرويلي كاتب سعودي
د. فالح الرويلي
كاتب سعودي

عبر البريد الإلكتروني وصلني عتاب من صديق بسبب الظهور في مداخلة على برنامج “صحوة”، هذا البرنامج الذي أثار كثيراً من الجدل والتجاذبات، رغم أن هذه المشاركة لا تعني بالضرورة قبول كل ما يُطرح أو يقال، صحيح قد أتفق مع بعض ما جاء فيه، وأرفض بعضاً آخر، إلا أن هذه حالة طبيعية، وظاهرة صحية، فالحسن يبقى حسناً في ذاته، والقبيح يبقى قبيحاً في ذاته، ولا يهم كثيراً من طرحه.

الدكتور العرفج صديق مقدر، وهو محاور وعامل معرفة مميز، ومن حقه كمقدم برنامج أن يطرح تساؤلاته على ضيفه، ويبقى الكلام مسؤولية المتكلم.

وفي نظرة عامة على البرنامج فلا ينبغي اعتباره منتجاً إعلامياً خرج من العدم، بل يمكن ملاحظة أنه نقل إلى السطح عبر الفضاء التلفزيوني ظاهرة متصاعدة تتمثل في حراك كبير داخل منظومة عالم أفكار المجتمعات العربية واﻹسلامية يشمل مستويات مختلفة منها العميق ومنها السطحي، خصوصاً مع ثورة الاتصالات، وتفاعلات مواقع التواصل الاجتماعي، وحالة العولمة التي تشهدها الدنيا.

ويمثل هذا الحراك سنة كونية من السنن الاجتماعية، وهي بالمناسبة مؤشرات إيجابية، فأي تغيرات جوهرية داخل المجتمعات الإنسانية يسبقها أعاصير وزوابع وحرائق تطال كل شيء حتى أكثر المسلمات رسوخاً في وجدان اﻹنسان.  يقول الفيلسوف الفرنسي ومؤسس علم سيكولوجية الجماهير غوستاف لوبون إن التحولات الكبرى في حياة الشعوب التي تسبق تبدل الحضارات ليست تحولات سياسية في الأساس، ولكن السبب الحقيقي الذي يكمن وراء هذه الأسباب الظاهرية هو التغيير الذي يصيب أفكار الشعوب من آراء عامة وتصورات وقيم ومبادئ.

وفي تقديري فإن كل الحروب والظروف السياسية الحالية لا تعني الكثير في مقابل حروب اﻷفكار العالمية الداخلية أولاً على مستوى مجتمعاتنا الإسلامية والعربية التي عانت من ركود وتكلس في القرون السابقة من بعد سقوط دولة الموحدين كما رصد مالك بن نبي.

والخارجية ثانياً على مستوى علاقتنا بالعالم المحيط بنا من مجتمعات مادية وغيرها. والتربة تحتاج إلى التقليب من حين ﻵخر كي تخصب ويزيد إنتاجها، ويرتفع نبتها.

(أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ..).

وفي هذه المرحلة التاريخية الحاسمة كل من يستطيع تقديم ذخيرة معرفية وثقافية يمكنه تحقيق انتصارات، وتأثيره سيكون عظيماً.

أما محاولات الترهيب أو الهجوم على شخص المتحدث –أي متحدث- لن تُحجم من تأثيراته، وغالبا نتائجها عكسية، فالإنسان بطبعه مولع بكل ممنوع. والحجة تقارع بالحجة، والفكرة تقاومها الفكرة، ومن الجميل أن يكون هناك تطاحن على مستوى اﻷفكار. لأن ذلك من شأنه أن يزيل التكلس عن عجلة التفكير، ويثير التفاعل في العقول. ويجيب على التساؤلات الملحة في عقول الشباب.

ويمكن ملاحظة أن هذا المعنى مسطراً في آيات الذكر الحكيم حين قال الله سبحانه وتعالى لموسى وهارون عليهما السلام: (اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ)، ولنا أن نتصور أن هذا الخطاب اللين موجه إلى فرعون المتجبر، فرعون الذي قال:  (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي)، فالخطاب اللين المنطقي هو الخطاب المطلوب في مثل هذه الظروف.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليق 1

اترك رد

  • اقدر للموقع فرصة قراءة هذه المقالات و ارى ان هذه الأقلام المسؤلة الصادقة الشابة العالية المهنية البعيدة عن الإنشاء المفتقر للهدف هي ومضة أمل لنا كمتابعين

%d مدونون معجبون بهذه: