د. عادل العُمري أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة القصيم
د. عادل العُمري
أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة القصيم

العمى الفقهي ومصيبتنا الطويلة في هذا العمى، ومن العمى الفقهي أن نتصور أن التراث الإسلامي هو الدين ؛ فأيُّ نقدٍ لهذا التراث فإنما هو نقدٌ للدين نفسه، وتلك مشكلةٌ أزليةٌ نعانيها نحن المسلمين ..

التراث الإسلامي – يافضلاء – ليس ديناً وإنما هو مصطلحٌ شاملٌ يتسع لكل ما له علاقة بالإسلام من قطعيات يقينية ومن روايات ظنية محتملة للصواب والخطأ والصحة والضعف، ومن اجتهادات وأقوال لعلماء سابقين في فهم هذه النصوص وتطبيقها على الواقع ..

إذن التراث الإسلامي مصطلحٌ واسع فيه مسلمات يقينية تتمثل في نصوص القرآن والسنة قطعية الثبوت والدلالة وهذه أمور يجب الالتزام بها – شرعاً – ولا يجوز نقدها لأنها من المعلوم من الدين بالضرورة كالإيمان بوجود الله وبنبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبالبعث والنشور وكذلك الإيمان بأصول العبادات من صلاة وحج وزكاة وليس بفروعها ..

لكن التراث أيضاً يشتمل على روايات ظنية قابلة للصحة والضعف من جهة الثبوت وقابلةٌ كذلك للصواب والخطأ من جهة الدلالة ..

فالظني من جهة الثبوت كأحاديث الآحاد التي لم تبلغ حد التواتر ، وأغلب الأحاديث الواردة في كتب السنة النبوية من هذا القبيل سواءً كانت صحيحةً قد توافرت فيها شروط الصحة عند المحدثين ، أم كانت ضعيفةً لم تتوافر فيها شروط الصحة، والأحاديث المتواترة قليلةٌ جداً عند مقارنتها بأحاديث الآحاد ..

وأما الظني من جهة الدلالة فهي المسائل التي ثبتت بنصوصٍ قطعية الثبوت لكنها محتملةٌ لأكثر من تفسير ..

وهناك مسائل جمعت بين الأمرين معاً: فقد ثبتت بنصوص ظنية الثبوت وظنية الدلالة ، ومع ذلك نجد – وللأسف – من يجتهد ويدعي الإجماع فيها !!

وإذا كان الأمر بهذا الشكل المقرر في مدونات علم أصول الفقه والحديث فلماذا الهلع والخوف من أطروحات عدنان إبراهيم والتي تبقى في حدود دوائر الاجتهاد المستنبط من الأدلة الشرعية ؟

وإذا كنا بالفعل ننشد ترسيخ مفهوم الوسطية والاعتدال الديني في مجتمعنا ونريد أن نحارب مفاهيم التطرف والإرهاب فعلينا أن نكون أكثر إيجابيةً تجاه المختلف الذي يرى الحقيقة من زاويته التي يراها مناسبةً لمقصد النص الشرعي.

نحن نتحدث كثيراً عن الوسطية والاعتدال ونبذ التشدد والغلو ، وهذا شيء جيد ومهم ؛ لكن الشيطان في التفاصيل والمشكلة تكمن في التطبيقات والممارسات ..

ماذا تعني الوسطية وماهو الاعتدال ؟ وكيف ننبذ التشدد والغلو ؟

الوسطية ليست مجرد ادعاءات أو كلمةٍ تقال ..

الوسطية منهجٌ وسلوك بمعنى أنها أفعالٌ وأقوال .. فليس من المفيد أن ندَّعي الاعتدال أو ندعو للوسطية ثم لا نترجم تلك الدعاوى بتطبيقات حقيقية للمنهج الوسطي المعتدل ..

ماذا عسانا أن نسمي من يحرض على المختلف أويطالب بإقصائه ومحاكمته لمجرد الاختلاف، أويبدعه أو يفسقه أو يكفره أو يقيم الدعاوى والمآتم لمقاطعته؟

ماذا ترك هذا المدعي للخوارج وجماعات التكفير أو لجماعات الغلو والتشدد أو ماتسمى بحركات الإسلام السياسي كالقاعدة وداعش ومتشددي الاخوان والسرورية ..

حقيقة الوسطية والاعتدال في الاختلاف أن تتبنى رأيك المدعَّم بالأدلة والبراهين مع احتمالية الخطأ والزلل وقصور الفهم لديك ، وأن ترى خطأ رأي غيرك مع احتمالية صوابه وقصور فهمك، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: ” قولي صوابٌ يحتمل الخطأ وقول غيري خطأٌ يحتمل الصواب ” ..

لقد فهم الشافعي أصول الاختلاف في الشريعة الإسلامية وأن الاختلاف في فروع العقيدة والفقه أمرٌ طبيعي وموجود وليس في ذلك حقائق مطلقة ويقينيات بدليل اختلاف المسلمين فيها بشتى مذاهبهم منذ القدم .

أخيراً :

برنامج صحوة الذي يقدمه الدكتور أحمد العرفج مع ضيفه الدائم الدكتور عدنان إبراهيم، محاولة من محاولات الخروج من السبات الفقهي الذي عاشته المجتمعات الإسلامية في العقود الأخير ” وأول التجديد قتل القديم بحثاً ” كما هي عبارة الشيخ أمين الخولي يرحمه الله ..

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: