أصبحت جملة تقليدية، وقديمة جداً، حين نردد النظرية في أن “الصحوة تحتاج إلى صحوة”. قلت ذلك ما قبل أيام للصديق الغالي، عامل المعرفة، الدكتور أحمد العرفج ونحن نتحدث حول بعض الأفكار الممكن طرحها للنقاش والمداولة ضمن برنامجه الرمضاني الرائع “صحوة” على قناة روتانا خليجية. ولولا أنه فاجأني بأن كل حلقات البرنامج قد تم تسجيلها من قبل لما قلت له إن مثل هذه البرامج تحتاج إلى أن تكون حية مباشرة وقابلة للتفاعل حتى تثري هذه الأطروحات الساخنة. خذ للمثال أن ثلاثة من المشايخ الأفاضل -و”الأفاضل” هنا لزمة احترام وإلزام لغة- قد أفتوا بحرمة متابعة هذا البرامج. كان يمكن لمثل هذه الفتاوى، ولوحدها، أن تكون حلقات نقاش ثرية، وكان يمكن أيضاً لأصحاب فتاوى التحريم أن يقولوا آراءهم في مسببات الفتوى وحيثياتها بكل حرية إن هم أرادوا ذلك.

ولما يقرب من أسبوعين، لا زال هذا البرنامج يرسم لنا ملامح “صحوة مضادة” فما هي هذه الصحوة الجديدة؟ هي صحوة مضادة تتشكل، وللأسف الشديد، على خجل واستحياء وتظهر فوق السطح خائفة وجلة من ضغط وسيطرة الخطاب السائد، وهذه طبيعة صراع الأفكار. خذ على سبيل المثال ما يراه أباطرة الصحوة التقليدية عن مفكر إسلامي مثل الدكتور عدنان إبراهيم: هم أولاً ينتقدون فيه أبرز نقاط قوته، إذ هو باحث ومؤلف عاش معظم حياته العلمية والعملية في الوسط الأوروبي، ولعله لهذا ينظر لقضايا الأمة الملتبسة والشائكة من زاوية عليا أتاحت له أن يرى لهذا الإسلام صورة بانورامية لهذا الدين العظيم الذي يصلح لكل زمان و”مكان”. هذا المنهج يناقض نظرية الصحوة المتحجرة التي تنادي في كثير من أفكارها بحرمة الهجرة إلى “دار الكفر” إلا لضرورات محددة ومتشددة. هذه الصحوة التقليدية المتخشبة تتجاهل أن ما يقرب من 15% من سكان الغرب هم من الجالية المسلمة، وأن ما يقرب من 70% من وظائف الكون تكمن في خريطته. الصحوة التقليدية لم تستوعب أنها كانت ضمن أسباب عدة أودت بما يقرب من مليوني مهاجر مسلم لعبور بحار الموت وقواربه إلى الغرب في عام واحد. في برنامج “صحوة” وهذا ثانياً يستعرض لنا عدنان إبراهيم أقوال الأئمة الأربعة في كل قضية فقهية ويرد منها بآراء أطياف من العلماء الكبار الذين قضوا حياتهم في نقد وتحقيق التراث، وللمتابع المشاهد أن ينظر إلى هذا الطيف الواسع من الاختلاف المحمود على القضية المطروحة الواحدة. هذا تحليل يناقض فكرة الصحوة التقليدية التي ألغت من خطابها حتى منهج “الراجح والمرجوح” تحت إملاءات الصوت والرأي الواحد.
والخلاصة، وهذه نصيحة محب أن على سدنة الصحوة التقليدية أن ينتبهوا لكل هذا التحول الجذري في بناء الأفكار وتسويقها في العقد الأخيرة من الزمن. برنامج “صحوة” إشارة لافتة إلى هذا التحول، ومن يدري فقد تكون فتوى تحريم مشاهدته دعوة لزيادة أتباعه.
عن موقع الوطن الآن الرابط

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: