خالد السعيد كاتب سعودي
خالد السعيد
كاتب سعودي

لم يتسنّ لي خلال شهر رمضان من هذا العام مشاهدة ولو دقيقة واحدة من برنامج صحوة لمعده أحمد العرفج وضيفه عدنان إبراهيم، ولكن سبق لي خلال الشهر نفسه من العام المنصرم مشاهدة نتف من برنامج ليطمئن قلبي للضيف وبصحبة سعود الدوسري – رحمه الله –، كما أني شاهدت مقاطعَ من هنا وهناك لعدنان هذا على الموقع الشهير يوتيوب. والحق أقول لكم: إني لم استغرب كل ما نُسب إلى المفكر والداعية عدنان من التشيع والزندقة والفسق والضلال وما إلى ذلك من تهم ما أنزل الله بها من سلطان. ويا ليت شعري كيف يجتمع التشيع والزندقة في جوف رجل واحد! ولست أتعجب أن يُتهم الرجل بأمور كهذه، وربما أكثر من هذه، وذلك لأنه تجرأ فدخل عش الدبابير. والمقصود بعش الدبابير هنا هو الكلام في مسائل كالفن والموسيقى والحجاب والوعظ والطائفية، وهي مسائل رغم أنها لا تقوض عقيدة ولا تُوقع في كفر إلا أن الخروج فيها عما هو سائد ومتعارف عليه بين المشائخ والعوام قمين بأن يُرشق صاحبها بشآبيب من سهام من كل جانب!

ولقد وجدت من يرسل إلي بصورة لعدنان وهو يعتمر عمامة ويحمل بين يديه كتاب شرح نهج البلاغة لمؤلفه ابن أبي الحديد (ت 656 ه) ليحذر الناس من هذا الشيعي الذي يلبس ثياب أهل السنة ويدلس عليهم! قلت: أين تكمن المشكلة؟ أهي في عمامة عدنان أم في الكتاب الذي يحمله بين يديه؟ إن كان المقصود هو العمامة فعمامته ليست كمثل عمائمهم، بل إنها تشبه تلك العمامة التي يلف بها رأسه صاحب محل بقالة اتردد عليه بين فينة وأخرى، ولو قلنا إنها عمامة شيعية فما أسهل اليوم على أي مبتدئ أن يرصع جبهة نتينياهو بزبيبة كزبائب إخوان مصر، أو أن يُنقب وجه الملكة إليزابيث الثانية! وإن كان المقصود هو الكتاب – وهو للأمانة مبجل ومقدم عند الشيعة – إلا أن صاحبه شافعي الفروع معتزلي الأصول. ولا أعلم إن كنت سألحق بعدنان إبراهيم إن أخبرتكم أن الكتاب المذكور موجود عندي كنسخة إلكترونية؟

ثم كيف يقال عن عدنان إبراهيم أنه شيعي يتستر بثياب أهل السنة، وهو الذي ألقم غلاة الشيعة وسخفاءهم الحجر تلو الآخر حين ذاد عن الفاروق عمر بن الخطاب سهامهم المسمومة؟! وكيف يقال عنه إنه شيعي خبيث وهو يكشف الغطاء عن بطلان وبهتان ما يدعونه من عصمة أئمة أهل البيت والغلو فيهم؟! وكيف يقال هذا شيعي فاحذروه وهو الذي يتحدى أكبر عمامة شيعية أن يخرج إليه ليقارعه الحجة بالحجة؟ وأخيراً وليس آخراً، كيف يقال عنه شيعي وهو يتصدى لذلك الحقير البغيض المدعو ياسر الحبيب الذي حكم بالنار لأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، رضي الله عنهما وأرضاهما! وما هذا الذي ذكرته إلا بعضاً من كل. ودونك موقع يوتيوب ففيه ما يكفي للرد على هذه التهمة الجائرة.

وكتب أحدهم: وأخيراً.. تشيع عدنان إبراهيم . وغاية ما قاله الرجل إنه يحب علي وولديه الحسن والحسين. فهل يوقع حب ابن عم رسول الله وحب حفيديه وسبطي رسول الله في التشيع؟! إن كان الأمر كذلك فنحن إذن شيعة دون أن ندري! اسمع حفظك الله ما قاله ابن حجر عن الإمام أبي حنيفة: وكان أبو حنيفة يعظم أهل البيت كثيراً ويتقرب بالإنفاق على المتسترين منهم والظاهرين حتى قيل إنه بعث إلى متستر منهم باثني عشر ألف درهم وكان يحضّ أصحابه على ذلك. وهذا الإمام أنس بن مالك، وتلميذ إمامهم السادس جعفر الصادق، يمد يد العون للطالبي محمد النفس الزكية في ثورته على أبي جعفر المنصور فيفتي ببطلان بيعة المنصور، فيأخذه والي المدينة فيضربه بالسياط حتى خُلعت كتفه. وقال الإمام الشافعي، وهو أشد من أبي حنيفة ميلاً للعلويين، في حبه لبني طالب:

قالوا ترفضت قلت كلا ما الرفض ديني ولا اعتقادي

لكن توليت غير شيك خير إمامِ وخير هادي

إن كان حب الولي رفضاً فإنني أرفض العباد

وحين نأتي لرابعهم، الإمام ابن حنبل، نجده لا يقل عن أسلافه الثلاثة في حبه لعلي ولآل بيته. ومن يقرأ في مسنده سيجد أن ما حاز عليه علي من خصال وخلال يزيد على ما عند غيره من أصحاب رسول الله. والإمام أحمد هو القائل: «ما جاء لأحد من الصحابة من الفضائل ما جاء لعلي». فهل يجوز بعد هذا القول أن أئمة المذاهب الأربعة، وهم من هم، قد تشيعوا بعد تسنن؟! ما لكم كيف تحكمون!

وعدَّ بعضهم ميل عدنان لعلي وانحرافه عن معاوية، وحبه للحسين وبغضه ليزيد، دليلاً ما بعده دليل على رفضه وتشيعه. ولو صدق هذا لكان ابن يزيد، واسمه معاوية، وهو ثالث خلفاء بني أمية، رافضياً. فحين بويع معاوية الثاني بالخلافة (ت 64 ه)، وكان شاباً متنسكاً جميل المذهب، قام فخطب في الناس وقال: «… وإن جدي معاوية نازع الأمر من كان به أولى وأحق – يريد به علي بن أبي طالب – فركب منه ما تعلمون حتى صار مرتهناً بعمله، ثم تقلده أبي وكان غير خليق به… ولا أحب أن ألقى الله بتبعاتكم، فشأنكم وأمركم، ولّوه من شئتم، فوالله لئن كانت الخلافة مغنما لقد أصبنا منها حظاً، وإن كانت شراً فحسب آل سفيان ما أصابوا منها». وجاء في كتاب تاريخ الخلفاء للسيوطي أن الخليفة المأمون (ت 218 ه) قد أمر بأن ينادى سنة 211 ه: «برئت الذمة ممن ذكر معاوية بخير، وأن أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب. وذكر السيوطي في الكتاب نفسه أن الخليفة المعتضد بالله (ت 289 ه) قد عزم سنة 284 ه على لعن معاوية على المنابر، فخوّفه عبيد الله الوزير اضطراب العامة، فلم يلتفت، وكتب كتاباً في ذلك جمع فيه مناقب علي ومثالب معاوية، لولا أن قام القاضي يوسف فحذّره من نائرة الفتنة ومن انحياز العامة إلى بني طالب إن هم سمعوا بفضلهم، فأمسك المعتضد عن ذلك.

خلاصة القول، يشهد الله أني لم استل قلمي حباً في عدنان إبراهيم، أو نكاية في خصومه، ولكني كتبت ما كتبت لكراهيتي لما اعتاد عليه القوم من استسهال للغة التفسيق والتبديع والتكفير. إن لجوء المرء لمثل هذه اللغة البذيئة والرخيصة لدليل على ضعف حجته وهشاشة موقفه. إني لم أر عدنان يتكلم إلا وهو يتوكأ على دليل، إما من القرآن الكريم، أو من السنة النبوية، أو من أقوال وأفعال السلف التي حفظتها لنا أمهات الكتب. فإن كان ما يقول لا يعجبكم في شيء فدونكم كتب التراث ففيها ما يكفيكم ويغنيكم للرد عليه. لم تعد اليوم مقولة مثل: هذا زنديق أو هذا شيعي أو هذا شيطان وما إلى ذلك تقنع أحداً يا سادة. فإما أن تواجه الكلمة بالكلمة، وتقابل الحجة بالحجة، وإلا.. فالسكوت أرحم!

عن مجلة اليمامة

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: