أمل زاهد كاتبة سعودية
أمل زاهد
كاتبة سعودية

لاشك أن رمضان هو شهر المحبة والتآلف والتعاضد والتكافل والتآزر ، وأن قيمة المساواة بين الناس من أهم القيم الجوهرية التي يحققها الشهر الفضيل ، فلحظة الإفطار- ذاتها- تجمع ملايين المسلمين على اختلافهم ، وتوحدهم وهم يلهجون بالاستغفار بينما تمتد أيديهم لحَبَّة تمر أو جرعة ماء ، إلى باقي الملامح والممارسات الرمضانية الجميلة المحققة لقيمة المساواة والمعززة للمشاركة والتعاون وجمع القلوب والتأليف بينها.
لذا حري بهذا الشهر أن يكون شهراً لمحاربة الطائفية والتمييز والتصنيف والكراهية ، وكل مايؤدي للفرقة وشق الصف أو ينتهك السلم المجتمعي ،خاصة ونحن نعايش أزمنة الاحتراب في أكثر من وطن عربي شقيق، يستعر فيه نير الاقتتال وتتناهشه أنواء الكراهية.
جميل أن نحارب الكراهية ونناهض الطائفية والتمييز بكل وسيلة نستطيعها في هذا الشهر الكريم ، ولعلّ الفن هو الوسيلة الأنجع التي تثبت اليوم فعاليتها وقوة تأثيرها على شرائح واسعة ومتعددة من المجتمع ، ولا أدل على ذلك مما فعلته حلقة (على مذهبك) من سيلفي ، والتي ربما يتجاوز أثرها عشرات المحاضرات والمقالات المكتوبة في هذا الشأن ! فوَحدَه الفن قادر على طَرْق الأبواب المغلقة وملامسة الأسلاك الشائكة بخفة ورشاقة، مخترقاً الحساسيات الطائفية ومتجاوزاً لها دون إحداث تماس صاعق . فهو يصنع الدهشة ويقرب الصورة ، ويرينا تناقضاتنا ويضحكنا عليها ومنها ، ويقول لنا من خلال المشهد التمثيلي والمفارقات المحبوكة اللاذعة السخرية : أنا أنت وأنت أنا.. إنما يصنع اختلافاتنا ومذاهبنا مكان ولادتنا والتربية وما نتلقنه من قناعات في طفولتنا المبكرة. كما وضعت لنا الحلقة المرآة العاكسة ، وعرَّت الذات المتضخمة بورم التفوق المذهبي ، وكشفت لنا أمراضنا الثقافية وعَوار تحيزاتنا وأفكارنا المسبقة عن المختلف في المذهب ، ومن هنا أزعجت المتطرفين الذين يقتاتون على الكراهية وتأجيجها!.
يأتي أيضاً برنامج (صحوة) ليتحدث عن قيمة التعددية والاختلاف في حلقة بعنوان (نعم للطوائف ولا للطائفية )، فيقرع الدكتور عدنان إبراهيم الجرس منذراً ومحذراً من خطر الطائفية وآثارها المدمرة القادرة على حرق الأخضر واليابس ، واصفاً الطائفية بالسرطان الذي ينخر في جسد الدولة بل الأمة والدين نفسه ، فهي تتحرك على مستوى العواطف واستثارتها وتلغي دور العقل تماماً. فيما تنغلق على ذاتها وتستخدم الديناميات التي تروم بها نفي الآخر المختلف رغبة في حيازة السلطة وامتلاكها ، مؤكداً أن خطرها الأكبر يقع على البلاد العربية فهي المتضرر الأكبر منها ، ولا طريق أمامنا إلا التعايش واحتضان الاختلاف .
بالطبع لا يمكن للتوعية والتَّبيئَة الفكرية للتعددية وتقبل الاختلاف أن تثمر وتؤتي أكلها دون قانون يمسك بزمام الكراهية ويلجم نيرانها، ويقي الناس بطش وبأس بعضهم بعضا . من هنا تأتي أهمية مقترح « نظام مكافحة التمييز وبث الكراهية « ، الذي طرحته كل من الدكتورة لطيفة الشعلان والدكتورة هيا المنيع والدكتور عبدالله الفيفي في مجلس الشورى قبل ثلاثة أشهر، وحظي بتأييد عشرة أعضاء آخرين من المجلس، حسب صحيفة « مكة « يوم الأحد . ويهدف المشروع إلى تجريم التمييز بجميع أشكاله ضد الأفراد والجماعات ، ومنع الانتقاص القائم على اللون أو الجنس أو العرق أو الطائفة ، وكبح جماح النعرات القبلية والمناطقية والطائفية أو القائمة على التصنيفات الفكرية والسياسية . ويأتي على رأس ذلك حماية أماكن أداء الشعائر الدينية ومنع الاعتداء عليها أو الإساءة للمقدسات أو الرموز التاريخية المشكِّلة للهوية ، محددا عقوبة السجن عشر سنوات لمن يستغل المساجد ودور العبادة لبث الكراهية.

 

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: