فهد عامر الأحمدي
فهد عامر الأحمدي

أعلن الفاتيكان عن رضاه عن نظرية النشوء والارتقاء التي وضعها تشارلز داروين وقال إنها تتفق مع الكتاب المقدس – ولكن دون نية الاعتذار عن المواقف الكنسية السابقة المعادية للنظرية!!

وجاء هذا الاعتذار ضمن الكلمة التي ألقاها الأسقف جيانفرانكو رافاسي وزير الثقافة بالفاتيكان بمناسبة الذكرى المائة والخمسين لصدور كتاب “أصل الأنواع” لداروين.. ومن المعروف أن الكنائس المسيحية – ومجمل الأديان السماوية – ناصبت داروين العداء بسبب نظريته المتعارضة مع التفسير الديني للخلق.. غير أن أول موقف (كاثوليكي مسيحي) خرج عن هذا الخط جاء من بابا الفاتيكان بيوس الثاني عشر الذي وصف في عام ١٩٥٠ نظرية النشوء والارتقاء بأنها “نهج علمي صحيح بالنسبة لتطور البشر” – كما عاد البابا السابق يوحنا بولس الثاني وقال نفس الرأي في العام ١٩٩٦.

ونفس التنازل لوحظ من قبل الكنيسة (البروتستانتية) حيث قال “مالكولم براون” ممثل الكنيسة الإنجليزية في سبتمبر الماضي أن كنيسة انجلترا تدين بالاعتذار لداروين عن الطريقة التي استقبل بها الانجليكانيون أفكاره في بريطانيا – وحرموا بسببها كتابه من القراءة والتداول..!!

.. وكنت شخصياً قد كتبت مقالاً طالبت فيه بضرورة تجزئة موقفنا الإسلامي من هذه النظرية.. فعداؤنا لنظرية داروين تأثر منذ البداية بالموقف المعارض للكنيسة الأوروبية – في حين أنها تتضمن عناصر لا تتعارض مع المفهوم الإسلامي للخلق ، بل وتتفق معه في أوجه عديدة!

فنظرية داروين يمكن جمعها في فرعين رئيسيين:

– الفرع الأول يحاول إقناعنا بظهور الكائنات الحية من العدم وأن الحياة ظهرت بطريقة عشوائية دون تدخل قوى خارجية (وهذا يخالف المفهوم الديني للخلق)!

– أما الثاني فيتحدث عن تطور وتفرع الكائنات بما يتناسب مع بيئاتها والظروف المتغيرة حولها.. وهذه الفكرة ليست فقط حقيقية ومشاهدة بل واستشهد بها القرآن كثيراً لإثبات قدرة “الخالق” على الإبداع والتنويع والزيادة في الخلق.. فهناك مثلاً قوله تعالى (يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير) وكذلك (فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة) وأيضاً (ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة).

فبالإضافة للمعنى الواضح لكلمة (يزيد) في الآية الأولى، تحدث تفسير الجلالين عن كلمة (بث) في الآية الثانية بمعنى فرق ونشر و(فيها من كل دابة) أي ينعمون بخصب الأرض فوقها.. أما الجامع لأحكام القرآن فتحدث عن كلمة (بث) بمعنى فرق ونشر وال (دابة) معنى يجمع الحيوان كله.. أما ابن كثير فقال: أي ذرأ في الأرض من أصناف الحيوانات ما لا يعلم عدد أشكالها وألوانها إلا الذي خلقها!

وكل هذا يؤكد ويثبت الفرع الثاني من نظرية داروين بخصوص التطور والتفرع المستمر للكائنات الحية – والذي لم يتحرج المفسرون الأوائل من إثباته والحديث عنه!!

.. والجميل أن هذا التقارب – الذي بادر به الجانب الديني – قابله تقارب مشابه من الجانب الدارويني.. ففي أمريكا ظهرت مدرسة جديدة – انشقت عن المدرسة الداروينية المتعصبة – اقتربت من الموقف الديني للخلق بتقديم ما يعرف بفرضية “التصميم الذكي” (Intelligent design).. وهذه الفرضية تتبنى مبدأ التطور ولكن من خلال إرادة ذكية وقوة حكيمة تقف خلف عمليات الخلق والفناء – بدل سلوك العشوائية والمصادفة الذي تبنته فرضية داروين تهرباً من فكرة “الخالق” ودخلت بسببها في متاهات واضحة!

.. ولكن كما يرفض الفاتيكان والكنيسة الإنجليزية تقديم اعتذار صريح عن موقفهما العدائي لداروين؛ يرفض رواد “التصميم الذكي” الاعتراف بوجود خالق للحياة (بمعناه الديني) ويستبدلونه بمصطلحات فلسفية مطاطة مثل “إرادة ذكية” و”قوى حكيمة” و”توجيه إيجابي”..!!

.. أما شخصي المتواضع فيتبنى موقفاً سامياً وبسيطاً:

فبصرف النظر عن المصطلحات التي نستخدمها في نظرية داروين.. ثبات أم تطور.. نشوء أم انقراض.. طفرة أم تفرع.. لا يخرج شيء عن مشيئة الخالق وأمره للشيء أن يقول له كن فيكون!!

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: