داروين وصفقة جحا – الجزء الثاني

video

إذن يا إخواني قضية أن الوجود أو الكون محكوم بقوانين عتيدة صارمة سارية في كل جنباته وأنحائه، قضية لها دلالة تأليهية كبيرة، أكبر مما يظن بعض العلماء المُتعجلين. دلالتها على الصانع الباري المُوجد – لا إله إلا هو – أكبر وأكثر صلابة وصلادة من أن تُنكر أو تُكابر.

سنرى بعد قليل أن الفلسفة العقلية مُنذ بداياتها الأولى في بلاد الإغريق، وربما قبل ذلك، أدركت هذه الحقائق، التي تُوشك أن تكون واضحة بذاتها، إذا لم يعترضها نوع من التشويش، نوع من التشغيب، لسبب أو لآخر، يُمكن أن تكون حقائق واضحة بذاتها، سنرى هذا بعد قليل.

لكن المُشكلة أين؟ المُشكلة مُزدوجة على ما ألمعت، أن من العلماء مَن يرى أن القانون بحد ذاته كفيل وضمين بالاستغناء عن دور الله في الوجود، يُعوّض هذا الدور! وواضح أن هذا لا يقوم على أساس سليم إطلاقا. مرة أخرى وعاشرة ومئة؛ لأن القانون يحتاج إلى مَن يقننه، إلى مَن يوجده، وإلى مَن يشغله. نحن لا نزال في مُشكلة من أين أتى الشيء؟ من أين أتى الشىء؟ مُشكلة أكبر؛ كيف لهذا الشيء الذي وُجد أولا أن يتطور وأن يترقى وأن يُصبح ما أصبح عليه الكون الآن؟ كل هذا وفق قوانين عتيدة، وفق قوانين عتيدة هي التي أنتجت لنا كل ما يُعرف الآن بمظاهر الانتظام، وكل ما يُفسر بالقوانين.

ولذلك قلت من سنوات، وما أزال أقول، كلما تفكرت في هذه المسألة بعمق، أجد أنني مدفوع إلى تكرار القول! لا يُمكن لك مع مُلاحظة هذه الحقائق الصُلبة أن تُلحد، إلا بعد أن تنتحر عقليا، أن تكفر بمعنى النظام ومعنى القانون ومعنى التصميم ومعنى الدلالة ومعنى المعنى، كل شيء عندك يصير ليس له معنى! هذا انتحار عقلي طبعا، أي المخ هنا يكون فقد تماسكه بالكامل! هناك مَن يقول لك هو هكذا، وحده! جاءت وحدها، هي هكذا. ما معناها؟ ليس لها معنى. هذا المسكين انتحر! لكن ما لم يُقرر المرء أن ينتحر، سيرى نفسه عاد إلى أرضية الإيمان، على الرغم منه، وبطريقة سلسة وبسيطة.

المُشكلة على الطرف الآخر، في الأصولية الدينية للأسف الشديد. وموقف الأصوليين الدينيين غير متناسق، يفتقر إلى عنصر التناسق، التناسق مع ذاته! كيف؟ انتبه، الآن كثير ممن يتكلم باسم الدين، يقشعر بدنه إذا نسب عالم أو مُفكر أو فيلسوف فعلا ما لكيان طبيعي، ينزعج! لماذا تنزعج؟ ما الجديد؟ لم يعد هناك أي شيء جديد. سوف تقول لي حتى على مستوى الانتخاب الطبيعي؟ حتى على مستوى الانتخاب الطبيعي ال Natural selection، أن الانتخاب الطبيعي يفعل، أن الانتخاب الطبيعي ينتخب، أن الانتخاب الطبيعي يُصفي! ما المُشكلة؟ أنت مبدئيا تقبل ماذا؟ فعل القوانين، تقبل فعل القوانين! تقبل فعل الوكلاء، سبحان الله! في الفكر الغربي يُسمونهم Agents، وكلاء، القانون كوكيل! في الأدبيات الفلسفية الإسلامية الملائكة وُصفت بأنها وكلاء، وكلاء عن الله تبارك وتعالى. القرآن غاص ملآن طافح من الآيات التي تُسند وتنسب هذه التدبيرات الكونية إلى ماذا؟ إلى الملائكة، إلى الوكلاء! وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا *، أليس كذلك؟ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا *، ملآن! أليس كذلك؟

أكثر من هذا، انتبهوا! الموقف اللاهوتي القرآني…ماذا أقول؟ هذا موقف رباني! مُتماسك تماما ومُتسق ومُتناغم ومُتراسل مع بعضه، لكن يحتاج إلى ماذا؟ إلى مَن يفهمه كما هو، في واقعيته. القرآن ملآن – أكيد ألوف الآيات، أكيد ألوف – بألوف الآيات التي تُسند الأفعال إلى كيانات غير  عاقلة، غير عاقلة! ونحن نفعل هذا في لغتنا اليومية باستمرار، أليس كذلك؟ باستمرار! ليست قضية فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ *، نحن هنا الذي استفز الوعي الخاص بنا نسبة الإرادة، وهي مما يليق بالفواعل أو الفاعلين الشاعرين، الفاعلين المُدركين، الفاعلين العالمين، ذوي العلم والشعور والإدراك، فكيف الإرادة؛ جدار يريد، الجدار يريد أن ينقض؟ قال لك مجاز. وطبعا قضية المجاز هذه سهلة، تسهل على العلماء أي شيء، مرر أي شيء! وعلى فكرة تخدر الوعي، مثل المخدر! تخدر الوعي وتفوت عليك مُلاحظة الحقائق التي من المفروض أن تكون ساطعة وفاقعة، لكننا لم نعد نلحظها، وتورطنا، ولا نزال نتورط، في إشكالات مع العلم والفلسفة؛ لأننا لم نلحظ هذه الحقائق التي تفقأ العينين الثنتين. ليس جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ * فقط، القرآن مملوء بهذا! وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلْأَنْهَٰرُ ۚ *. نهر يتفجر، فعل التفجر منسوب لماذا؟ للنهر. والنهر كيان ماذا؟ مادي. النهر يتفجر! طبيعي. نحن نقول الريح أمالته، الريح كسرته، الريح عصفت به، الريح جاءت. القرآن جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ *. الموج يجيء، والريح تجيء، ونحن نجيء أيضا. والفرق بين مجيئي ومجيء الموج ومجيء الريح، أنني جاءٍ دارٍ – اسم فاعل هذا، أي جائي – شاعر عالم، عالم بمجيئي. هل الريح جائية عالمة؟ لا أستطيع أن أجزم الجواب وأقول لا. انتبهوا، لأن ثمة نظرية في العرفان الإسلامي وفي الفلسفة الإسلامية وحتى في فلسفات عالمية قديمة ووسيطة، تؤكد أنه ما من شيء في الوجود يخلو من ماذا؟ من شعور ووعي ودراية، تليق بمرتبته الوجودية! لأن عندنا هناك مادة، هناك معادن، هناك نبات، هناك حيوان، برتب الحيوان وأعلاها الإنسان العاقل الحديث، رتب وجودية!

القرآن مبدئيا واضح أنه ماذا؟ يُبارك هذا المنظور. تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا *. أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ *. هناك التسبيح، وهنا السجود أيضا، كأن هذا توحيد أفعالي، توحيد فعلي، وذاك توحيد نظري علمي، تسبيح! وعلى فكرة، على ذكر التسبيح والتوحيد بالتسبيح، كأن الكائنات تسبيحها شهادتها – اجتهاد مني، وقد أكون مُخطئا، عن تسبيح الكائنات، كل الكائنات، ما وعى منها ولم لا يعي – شهادتها بأنها مخلوقة بالحق، وأنها خاضعة لقانون يُمكن أن يُدرس ويُفهم! لأنه ماذا؟ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ *، سبحانه! سبحان الحق الذي لا يوجد شيئا إلا بالحق، لا إله إلا هو! وقوله الحق، وهو الحق، وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ بِٱلْحَقِّ ۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ ۚ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّورِ *، شيء يقشعر له البدن، حق! وأنزل الآيات والكتب بالحق، وأرسل الرسل ونبأ الأنبياء بالحق، وتلا الآيات واقتص علينا ما اقتص بالحق؛ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۗ  *، وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا *، نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ *! الحق، لا إله إلا هو! فكأن تسبيح الموجودات وتسبيح الكائنات، هو ماذا؟ هو شهادتها بأنها ماذا؟ بأنها محكومة بقانون يُدرس ويُفهم ويوعى. وهذا القانون يؤكد أنها ما خُلقت ماذا؟ باطلا، ولا خُلقت لعبا. خُلقت لغاية وخُلقت لهدف! هل هي دارية به؟ قد يكون؛ لأن حسب هذا المنظور ما من شيء إلا وله لون دراية، نوع شعور، درجة إدراك، تتناسب مع ماذا؟ مع مرتبته الوجودية.

لأن الوجود مُشترك، لفظي أو معنوي؟ مُشترك معنوي يا إخواني وليس لفظيا. الوجود حقيقة واحدة، لكن مُشككة، ليست مُتواطئة! تماما مثل حقيقة النور، النور شيء واحد، لكن له مراتب. ولذلك يُوجد بالتشكيك، أي النور من لمبة مثلا خمسمائة وات Watt، غير النور من لمبة خمسين واتا Watt، أو خمسة واتات، وهكذا، بلا شك! وكله نور، وله نفس الطبيعة، الكاشفية! أي هو كاشف بنفسه، ظاهر بنفسه، مُظهر لغيره. والوجود كذلك، الوجود طبيعته نورانية. لذلك اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ *، وكل شيء آية تدل على الله، آية! لأنه نور، يكشف، يدل عما وراه، لا إله إلا الله!

فقد يكون هذا معنى تسبيح الكائنات. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ *. مما يدعم ويشهد لمنظور الوجود الشاعر، الوجود الداري الواعي العالم، آثار كثيرة، غير الآيات أيضا. طبعا على مُستوى الحيوانات الله يقول وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ  *، الطير تعرف، عندها واجب، عندها ورد مُعين، عندها واجب، واجب صلاة وواجب تسبيح، وهي تعرف! وورد في بعض الآثار أنها حين تُقصر، تؤاخذ على ذلك.

أيضا يا سيدي، الكون كله، السماوات والأراضون، الأكوان كلها، عندها هذا الشعور، قرآنيا! ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ *، لا إله إلا الله! أَتَيْنَا طَائِعِينَ *. إذن هناك نوع شعور، نوع شعور بكينونتها، نوع شعور بسهمها في الوجود، بحظها من الوجود، نوع شعور ربما بالغاية التي لأجلها أوجدت. تُسَبِّحُ لَهُ *، ولذلك تُسَبِّحُ *، لا إله إلا هو! تُدرك أنها لم تُوجد هدرا ولا بطلانا ولا لعبا ولا عبثا، لغاية! إذن انتبهوا، هذا حتى ضعوه في البال.

لذلك لا تقل لي مجاز. في كل شيء تقول مجاز، مجاز! القرآن طبعا طافح بنسبة هذه الآثار الطبيعية إلى فواعل طبيعية، وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلْأَنْهَٰرُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ *، كأن هناك علاقة غائية! هذا يتشقق؛ لكي يُعطي هذا الماء فرصة أن يخرج. كونه يتشقق، هذا فعل، فعل وفاعل! كون الماء يخرج، فعل وفاعل. الماء خرج، والماء دخل، والريح عصفت، والريح أتت، والريح أمالت، والريح كسرت. كل يوم نحن نستخدم هذا باستمرار، أليس كذلك؟ والجو عكر مزاجي. الجو تسبب في تعكير مزاجي. هو سبب، فاعل. مدى درايته، موضوع ثان هذا. مدى درايته بذلك، موضوع ثان، لكن فاعل!

أي ليس شرطا أن يكون الفاعل واعيا. هذا إذا أخذنا بلا وعي الوجود! أن الوجود غير واع، الوجود المادي غير واع وغائب عن نفسه، كما كان يُقال في الفلسفة القديمة! المادة غائبة عن نفسها، فكيف تعي غيرها؟ كانوا يقولون هكذا! لكن ليس شرطا، هذا ليس علما، هذه نظرية فلسفية قديمة، لكن لو أخذنا بهذا يا إخواني، لو أخذنا بهذا، فسنخرج بنتيجة فلسفية مُهمة؛ ليس من شرط الفاعل أن يكون واعيا.

الفاعل قد يكون واعيا عالما داريا، وقد لا يكون كذلك. وعلم الفاعل أيضا على مُستويات! علمنا نحن كعلم الطيور؟ علم الطير، علم العصفور، علم النملة، علم النحلة، علم العنكبوت، ضئيل! نحن شيء كبير، مثلا. عندها علم وعندنا علم، عندنا وعي وعندها نوع من الوعي (مع تعليق قضية تعريف الوعي، مع تعليق تعريف الوعي).

إذن ليس شرطا أن يكون الفاعل واعيا. ذكّروني بهذا. هذا مُهم جدا جدا اليوم على فكرة، هذا محور أساسي في خطبة اليوم، وفي موضوع اليوم، في التباس العلاقة وترميم العلاقة المُلتبسة؛ لأنها غير واضحة للأسف، لا لهؤلاء ولا لهؤلاء – لبعضهم طبعا، لبعض هؤلاء وبعض هؤلاء -.

نرجع إلى القرآن الكريم، وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ *، وهنا ماذا قال لك؟ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ *. لا إله إلا الله! أي الحجارة تشعر بربها، لا إله إلا هو! تشعر بجلال الله. لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ عَلَىٰ جَبَلٍۢ لَّرَأَيْتَهُۥ خَٰشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ *.

انظر، الرؤية الكونية – ال Weltanschauung، ال Big picture، ال Worldview. كلها أسماء لنفس الشيء – الإيمانية، المُتكئة على القرآن، رؤية مُتكاملة مُركبة يا إخواني، عميقة عجيبة، توحيدية فعلا، لا إله إلا الله! كما أن الله واحد، وهو المسئول الأول – لا إله إلا هو – وعلة العلل وسبب الأسباب، مُوجد كل موجود – لا إله إلا هو -، ووجوده واجب لذاته، من ذاته، بذاته، فكذلك يا إخواني كل شيء من هذه الموجودات شاهد له وشاهد بحضوره – لا إله إلا هو -. قال لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ عَلَىٰ جَبَلٍۢ لَّرَأَيْتَهُۥ خَٰشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ *. فإذن الرؤية التوحيدية، المُتكئة على الإيمان، تُوحد الكون أيضاً، ليست شهادة بأن الله واحد فقط، لا! وشهادة بأن الخلق أيضا واحد؛ لأنه مخلوق لواحد – لا إله إلا هو -. وكله يؤدي شهادة واحدة، نفس الشهادة!

ما أسعدنا بشهادة أن لا إله إلا الله! اللهم أحينا عليها، وأمتنا عليها. لا إله إلا الله، لا رب، لا مُدبر، لا معبود، لا حقيقة مُطلقة بلا قيد وبلا شرط، إلا الله، لا إله إلا هو! وكل الحقائق الأخرى، مُرتبطة بها، وتستمد منها، رصيدها هو الله. من غير الله، كل شيء يعود باطلا، أبدا! لا يُمكن للعقل أن يفهمه، أبدا! ولا يُمكن أن تفهمه وتستريح، إلا إذا ربطته بحقيقة الحقائق، لا إله إلا هو! واضح يا إخواني؟ جميل.

قال لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ عَلَىٰ جَبَلٍۢ لَّرَأَيْتَهُۥ خَٰشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ *. الآن انظر طبعا، بخطوة إلى الأمام، وسوف ترى كيف تصير الأمور! آيات كثيرة الله يُخبر فيها أنه أنزل من السماء ماء وأنبت؛ فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ *، فَأَنْبَتْنَا بِهِ *، فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا ۚ *. الله أنبت بالماء النازل، أي الأرض لم تُنبت، ولا المطر أنبت! لكن في آيات أُخرى؛ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ  *. يَخْرُجُ *، ينبت. النبات ينبت! وذاك الله أنبته، والله أخرجه. الله أخرجه، وهو يخرج. الله أنبته، وهو ينبت. قال فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ *. هناك قال فَأَنْبَتْنَا *، هنا قال أَنبَتَتْ *. هي التي أنبتت! وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ *.

بدأنا نحتار! هي التي أنبتت، أو الله أنبت فيها؟ الاثنان صحيحان. لكن انتبهوا، المبادئ دائما؛ قريبة، مُتوسطة، بعيدة أولى. المبدأ الأول البعيد – ولا أقرب منه طبعا، ولكن هذا اصطلاح فلسفي – هو الله، لا إله إلا هو! هو مبدأ المبادئ، Cause of causes، علة العلل، سبب الأسباب، فاعل الفاعلين.

على فكرة الفاعل يُقسّم فلسفيا بلحاظ الاستقلال وعدم الاستقلال، بلحاظ الاستقلال والتبعية، إلى اثنين؛ فاعل مُستقل ذاتيا، ويُسمى الفاعل الذاتي، ويوجد منه واحد فقط، وغير قابل للتثنية أو للاثنينية، وهو الله تبارك وتعالى. وكل ما عدا الله من الفواعل السبعة – سوف تقول لي سبعة؟ سبعة. فلسفيا مُسخَّر له. والآن سأذكرها سريعا، لكن لن أشرح؛ لأن الوقت سيضيق جدا! كل أنواع الفواعل السبعة مُسخَّرة له. وجميل جدا أن الفيلسوف العقلاني من قديم فهم أن الفاعلية لها ماذا؟ أشكال وتمثلات كثيرة. ليس شرطا أن يكون الفاعل عاقلا وواعيا وداريا، أبدا! من المُمكن أن يكون مادة أو جمادا، وهو فاعل. ومادام هناك علة فاعلية، بحسب البرهان العقلي، كل علة فاعلية، يكون هناك ماذا؟ علة غائية. انس! وإذا رأيت علة غائية، فقطعا هناك علة فاعلية، حتى لو كانت العلة الفاعلية هذه غير عاقلة، لكنها علة. شيء جميل هذا!

فإذن لدينا الله تبارك وتعالى وحده هو الفاعل الذاتي، المُستقل مُطلقا. وكل الفواعل السبعة، التي سأعرضها سريعا الآن – نُلم بها إلمامة سريعة – مُسخَّرة. الفواعل السبعة كلها مُسخَّرة، للفاعل المُسخِّر، لا إله إلا هو! فالأول والثاني والثالث…والسابع، كل واحد فيها عنده عنوانه الخاص، وعنده المعنى اللائق به، ولكن هو فاعل مُسخَّر. مُسخَّر، مُسخَّر، مُسخَّر، مُسخَّر، مُسخَّر، مُسخَّر، مُسخَّر! وهناك فقط فاعل واحد، هو فاعل مُسخِّر، يُسمى الفاعل الذاتي، لا إله إلا هو!

القرآن – سبحان الله – يُبارك هذه النظرية، بشكل عام طبعا، من غير التفاصيل، يُبارك! قال لك الفاعل الذاتي الحقيقي بإطلاق، هو الله. مَن الذي أنبت؟ الله. مَن الذي أحيا؟ الله. مَن الذي أمات؟ الله. مَن الذي أنزل؟ الله. مَن الذي هدى؟ الله. مَن الذي أضل؟ الله. مَن الذي فعل كذا؟ الله.

إذن هذا المبدأ الأول، المبدأ الحقيقي، المبدأ الأعمق. وهناك مبدأ مُتوسط، وهناك مبدأ قريب. المبدأ القريب هو الذي يصدمك ويبدهك مُباشرة، تراه هكذا أمامك. انتبه، لا تقف معه كثيرا، لا! هناك مبدأ ثان، يكون وسطا، وبعد ذلك نأتي إلى المبدأ الأعلى، جميل جدا! فنأتي الآن القرآن الكريم، كما قلت لك حين تقرأه وتتأمل فيه، تجد أنه ماذا؟ يُبارك هذه النظرية. وهذا مثال من أمثلة كثيرة، أي مرة الله هو الذي يُنبت، والمرة الثانية يقول فيها ماذا؟ لا، هي التي أنبتت. أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ *. إذن يا رب نحن نزرعه؟ قال نعم، لكن ليس على الحقيقة. الزارع الحقيقي هو الله. فسر لي إياها فلسفيا وعلميا، نعم، هذا هو! هذه الآية تجرك جرا، إلى استفزاز وعيك، لمُساءلة طبيعة الأشياء! لِمَ كانت التربة بحيث تكون هكذا مُفككة؟ ليست صلبة كالحديد! لو كانت التربة صلبة كالحديد، لانتهى الأمر! لا يتخللها لا ماء ولا تُوضع فيها بذور ولا ينبت فيها شيء! لا، هي مُفككة مُخلخلة، اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ *، تخيل! ولِمَ كانت البَذرة أو البِذرة، لِمَ كانت هذه البِذرة تنطوي على قوة وعلى فاعلية؟ هي بالقوة شجرة، وهي بالفعل الآن بذرة، لكن عجيب! سوف يقول لك أحدهم الجينوم Genome. نعم، حلو هذا، هذه مُصطلحات علمية صحيحة، وهذا جميل! ساعدتنا هذه، هي لم تُشوش علينا، بالعكس! هذه قصرت علينا الطريق. هذا الجينوم Genome ما أساس وجوده؟ لماذا بُنيت الكائنات الحية من نباتات وحيوانات على موضوع الجينوم Genome؟ لماذا يُوجد جينوم Genome أصلا؟ وهذا الجينوم Genome يُحصّل لها ماذا؟ ما به القوة، يجعلها شجرة بالقوة. ضعها في الظروف المُناسبة والمُقتضيات المُناسبة، وامنع عنها الموانع – نسأل الله أن يمنع عنا موانع الفهم والخشوع والإدراك والبخوع للحق. امنع عنها الموانع، وفر لها الشروط والمُقتضيات -، تُصبح ماذا؟ تُصبح شجرة! لكن شجرة كما هو مُرصد لها بقوتها، ليست أي شجرة! إنك لا تجتني من الشوك عنبا. تزرع شوكا، يعطيك شوكا. تزرع عنبا، يعطيك عنبا. لا إله إلا الله! لِمَ كان الأمر كذلك؟

الله يقول لك أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ *. يستفز وعيك، انتبه. أنا الذي هيأت كل هذه الأمور، أنا الذي أوجدت المادة أصلا، وقننت قانونها، وجعلت فيها القابليات، وجعلت لها مرتبة القوة ومرتبة الفعل، وأنا أيضا الذي آذن حين آذن بإخراجها من القوة إلى الفعل! ولو منعت، لم تخرج، تُجهض! تموت بذرة، لا يخرج منها شجرة. لا إله إلا الله! مثل الجنين الجهيض ال Aborted. هو هذا! يُريد أن يلفتك إلى ماذا؟ إلى القوانين السارية في والحاكمة على الوجود وفي الوجود. اجعل عقلك عقلا علميا وعقلا فلسفيا عميقا.

جيد، نفس الشىء المثال الذي أتمثل به كثيرا؛ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا *، إذن واضح مَن الذي يتوفى؟ الله تبارك وتعالى. في آية ثانية – في الأنعام – يقول ماذا؟ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ *. لا، قال لك الذي يتوفى الرُسل، ملائكة. في آية ثالثة – في السجدة؛ الم – قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ *. لا إله إلا الله! ثلاث نسب؛ مرة ملك الموت، ومرة الملائكة (أعوان ملك الموت)، ومرة رب العالمين!

ما الصح؟ كله صح، كله صح! هذه علل قريبة، وهذه العلة البعيدة الأولى الحقيقية المُطلقة، لا إله إلا هو! الله أوجد هذا النظام في الوجود كله ليشتغل ويشغله عبر ماذا؟ عبر نظام ماذا؟ القانون، عبر نظام الأسباب. الله يفعل هذا! لكن دائما؛ لأن القرآن خطته كما نقول دائما ماذا؟ خطته إيمانية هدائية، يُحاول يستفز وعيك، ويلفتك إلى الأشياء التي لا تظهر مُباشرة، ويقول لك لا تنس، لا تنس الله، لا إله إلا هو! لا تنس صاحب القانون، لا تنس المُوجد الأول لكل شيء ولأي شيء، وأيضا مُقنن قانون الشيء وقانون كل شيء، لا إله إلا هو!

جميل! تتكامل عندك النظرة بشكل من أروع ما يكون، وليس عندك أي مُشكلة بعد ذلك! إذن إذا لم يكن عندي مُشكلة أن أتقبل مثلا في الجيولوجيا فاعلية عوامل التعرية – تشتغل في الجبال وفي الأرض وفي الشواطئ عوامل التعرية -، فلماذا عندي مُشكلة في أن أتقبل فاعلية الانتخاب الطبيعي؟ ما المُشكلة؟ نفس الشيء! هذا قانون، وهذا قانون، وهذا قانون، وهذا قانون!

سوف نرى فيما بعد أين المشاكل الموهومة، التي يتوهمها الأصولي الديني، الذي ليس عنده فكر ديني مُتسق قوي عميق، ويقول لا، لا يجوز! ما الذي لا يجوز؟ ويظنه إلحادا! يظن أن هذا إلحاد وكفر وما إلى ذلك!

ولذلك يُعجبني أن تشارلز داروين Charles Darwin نفسه – وهذا الرجل بلا شك كان من العباقرة، لا أحد يشكك في أنه كان رجلا عميق الفكر، تشارلز داروين Charles Darwin – كتب الآتي، وهذا طبعا نبأ غير مُفرح للملاحدة، وهم يعلمونه جيدا؛ لأن هذا مُوثق، وغير منسوب إليه، بالعكس! هذا ثابت بقلمه، في مُراسلاته! قبل وفاته بثلاث سنوات؛ في ألف وثمانمائة وتسعة وسبعين، كتب إلى أحد أصدقائه، يقول إني لأستشعر الاستغراب، أو التعجب، من الذين يبدون عسرا في التوفيق بين التأليهية – أي ال Theism. ال  Theismوليس ال Atheism. أي الإيمان؛ الإيمان بالله! لأن Theos الله، أي الإيمان بالله – وبين التطور! قال لماذا؟ أي لماذا ترونها مسألة صعبة؟ قال أنا غير قادر على أن أفهم هؤلاء الناس. وفعلا هذا صحيح؛ لأنه ذكي، فاهم! أي ما المُشكلة؟

أنت تقبل الآن أن المطر عنده فاعلية في الإنبات؟ تقول لي أقبل، والله قال هذا. نعم، اقبل أن الانتخاب عنده فاعلية أيضا، ما المُشكلة؟ هذا قانون، وهذا قانون، وهذا قانون! أنت تقبل أن حركة الأجرام، الكواكب والمجرات والأشياء كلها – محكومة بالجاذبية؟ نعم، أقبل. جيد، إذن ولماذا لا تقبل أن حركة نمو الكائنات محكومة بقانون الانتخاب مثلا؟ من حيث المبدأ، وهذا لا يعني أنني مع الانتخاب قولا واحدا ومن غير تفصيل، لا، أنا أؤصل فلسفيا وثيولوجيا المسائل؛ لكي يكون تفكيرنا مُحترما، تفكيرا مُتسقا. من أهم شروط النظرية العلمية والفلسفية، عموما النظرية كنظرية، الاتساق. لا يُمكن أن تقبل شيئا هنا، وترفضه هناك، وتظن أن عندك أي أساس فكري. لا، هذه معناها أنك غير مُتسق مع نفسك! يجب أن تكون مُتسقا.

فهو كان يستغرب ويتعجب – أي تشارلز داروين Charles Darwin – أن لماذا هؤلاء يرون صعوبة في أن يكونوا مؤمنين وفي نفس الوقت مُعتقدين بالتطور مثلا، أو مُصدقين لنظرية التطور؟ قال لا تُوجد صعوبة. قال بالنسبة لي فيما يخصني أنا، أنا حالتي كانت تأرجحية. هو مثل البندول Pendule! هكذا كان موقفه الإيماني. وفعلا هو تأرجح في إيمانه؛ بدأ مؤمنا صُلبا قويا في رحلة البيجل Beagle، وبعد ذلك بدأ الشك يجتاحه. على كل حال لكن انتبهوا، هذه شهادة بقلمه. قال لم أكن في أسوأ أحوالي يوما، قط، مُلحدا. انتبهوا، إذن أي واحد يقول لي داروين Darwin كان مُلحدا، هو يكذب على الرجل ويكذب على الحقائق. الرجل بقلمه، قبل وفاته بثلاث سنوات، قال أنا لم أكن يوما طيلة حياتي مُلحدا. إذن ماذا كنت أنت؟ كنت مؤمنا دائما؟ لا! بدأ مؤمنا.

قال ولكن لاأدري – أي Agnostic، لاأدري، أي شخص لاأدري – وصفٌ يُناسبني إلى حد بعيد جدا. أنا لاأدري. صرت مُتوقفا، لا أعرف؛ هل هناك إله أم ليس هناك إله؟ ما القصة؟ لكن من ناحية فلسفية ومبدئية هو لا يرى أي استلزام من التطور للإلحاد؛ أنك إذا آمنت بالتطور، تُلحد. قال أبدا! ما العلاقة؟ ما العلاقة؟

ومن جميل ما ذكره تشارلز داروين Charles Darwin في ال Origin – وهو كتابه المشهور جدا؛ On the Origin of Species، وهو أصل الأنواع – أنه يروم ويريد ويقصد إلى أن يُشيد بناء أو عمارة علم الأحياء، كما شُيد علم الفيزياء، وعلم الكونيات، أي وعلم الفلك. كما أن النجوم والكواكب محكومة بقانون الجاذبية، لماذا لا يكون عالم الخليقة محكوما بقانون آخر؛ قانون التطور مثلا؟ ما المُشكلة؟ قال. نفس الشيء! وكلها في نهاية المطاف تصح أن تكون قوانين ربانية؛ الرب أوجدها، الرب قننها، الرب شغلها. ما المُشكلة إذن؟ لماذا؟ سوف نرى لماذا! سوف نرى ما مُبررات الأصولية الدينية، التي فيها مثلا رفض للانتخاب الطبيعي من حيث هو، هكذا يرفضونه!

كما قلت لكم يُقرّب فهم هذه المسألة الأساس الفلسفي، الذي وافق مُنذ البدايات على جعل الفاعلية غير مشروطة بالوعي والإدراك. أي يصير كل شيء في الكون ماذا؟ فاعلا. وطبعا هو ليس فاعلا مُطلقا، هو فاعل من جهة، ومفعول من جهة، علة من جهة، ومعلول من جهة، طبيعي هذا، نعم! لكن في نهاية المطاف علة العلل، التي هي علة لكل شيء، وليست معلولة لشيء؛ الله تبارك وتعالى. ولو الأمر تسلسل؛ لكل معلول، ولكل معلول، لما وُجد شيء في الكون! والكون موجود، ونحن موجودون! هذا اسمه برهان الوسط والطرف لابن سينا. لن أشرحه الآن، لكن فقط اعرفوا اسمه، وهذه خُلاصته. وهناك آخر أقصر منه، اسمه برهان الأسد الأخصر، لأبي النصر الفارابي، لكن يقوم على مُقارنة المُمكن بالواجب، لا إله إلا هو! وقريب جدا من برهان ماذا؟ الطرف والوسط، لابن سينا.

فالله هو وحده علة، غير معلولة. وكل ما عداه، علة ومعلول، علة ومعلول، علة ومعلول، تمام؟ وهذا الوجود، هذه طبيعة الوجود! ليس شرطا أن يكون الفاعل ماذا؟ داريا، شاعرا، عالما. وأعطيكم التقسيم الفلسفي، المُرهق طبعا، والذي يحتاج إلى بسط كثير؛ لكي تفهموا هذا التقسيم! لكن هذه السكيما Scheme أو هذه الأخطوطة، مُيسرة كثيرا:

عندنا الفاعل – فرضيا -، والفاعل إما أن يكون عالما بفاعليته، عالما بذاته، أو غير عالم. إن كان غير عالم، كما نفترض في المادة الميتة – الأشياء الميتة هذه، الجمادات! هذا إن كان غير عالم – فإما أن يكون فعله مُوافقا لبنيته وهكيله وطبيعته، ويُسمى الفاعل بالطبع، وإما لا. يضربون مثالا بمالعدة مثلا! المعدة شيء مادي، ليس عندها وعي، ليست كائنا حيا، جميل؟ خلايا حية، لكن ليست كائنا حيا هي، ليست كيانا حيا، مثل نملة أو نحلة أو إنسان. هذا العضو يقوم بماذا؟ بدور كبير في عميلة الهضم. حين تهضم وتُساهم في الهضم، فعلها يُسمى فعل بالطبع؛ لأنه ماذا؟ يُوافق ماذا؟ يُوافق بنيتها وتكوينها والأحماض التي تفرزها، هي هكذا! حين تعتل، وتنحرف عن مِزاجها، كما يقول الطب القديم، أي تعتل، تُصبح تفعل دورا مُخالفا لطبيعتها، واضح؟ إذن فاعل بالطبع، إذا وافق طبيعته وهيكله. وإن لم يُوافق، فهو فاعل بالقسر – بالسين، بالقسر، أي مثل الجبر، لكن الجبر رصدوه لماذا؟ للعاقلات، للأشياء العاقلة -.

ثم الفاعل العالم بفاعليته وبفعله، إما أن يكون علمه هو عين فعله، أي في مرتبة فعله، بحيث لا يتقدم العلم على ماذا؟ الفعل. يُسمى الفاعل بالرضا. فإن لم يكن كذلك، كان عالما بفعله، ولكن علمه قبل فعله. وهذا الذي علمه قبل فعله، يُسمى الفاعل بالقصد.

ثم الفاعل بالقصد إن كان علمه، السابق على فعله، مقرونا بداع زائد، فهو الفاعل بالعناية. وإن لم يكن فعله، مقرونا بداع زائد، فهو الفاعل بالتجلي. أي كان ماذا؟ علمه عين ذاته، ولا تُوجد زيادة! العلم غير زائد على الذات. يُسمى الفاعل بالتجلي.

شيء عجيب! سبعة أقسام! على فكرة، هذه الفلسفة العقلية القديمة، التي أسست مع سقراط Socrates، أو بالأحرى مع الحكماء الثلاثة؛ سقراط Socrates، وأفلاطون Plato، وأرسطو Aristotle، ليست لعبا، وليست لعب أولاد صغار!

اليوم بدأ بعض كبار الفلاسفة في أوروبا وأمريكا بالذات، يُعيدون اكتشاف أرسطو Aristotle؛ مَن هو أرسطو Aristotle؟ وما فلسفته؟ ويقولون واو Wow! لم نكن نعرف، كنا نظن أننا نفهم! حين قرأنا أرسطو Aristotle في نصوصه الأصلية وبعمق حقيقي، وجدنا كانط Kant ليس بشيء، وجدنا ديفيد هيوم David Hume ليس بشيء! فكيف بالعلماء اليوم، الذين هم ليسوا فلاسفة، مثل هوكينج Hawking، ودوكنز Dawkins وكراوس Krauss؟ لا يُقال ليسوا بشيء فحسب، بل لا يُذكروا أصلا!

وسُبحان الله! وأنا وجدت من هؤلاء الفلاسفة، مَن أكد هذا، مثل فيسير Feser، صاحب The Last Superstition، أي الخُرافة الأخيرة! قال لك أنا حين فهمت فقط هذه النُقطة البسيطة، قادتني إلى الإيمان سريعا. وبعد أن قضى الشطر الأعظم من حياته مُلحدا، من عام ألفين وتسعة صار مؤمنا، ويُبشر بالإيمان في كتبه الفلسفية. فيلسوف! هو علماني، لكن بدأ يفهم أرسطو Aristotle.

في الحقيقة، شئنا أم أبينا، الوجود يؤكد هذه النظرية! أن كل ما في الوجود، في نهاية المطاف له فاعلية، أليس كذلك؟ سواء كان داريا بها، أو غير دار، لكن له فاعلية، أليس كذلك؟ هل تُنكر أنت فاعلية الريح، وتأثيرها على الجو، وتأثيرها على أشياء كثيرة، بما فيها على وضعك وإحساسك بالحرارة؟ تُنكر تأثير المطر، ونزول المطر؟ تُنكر تأثير الريح في إنزال المطر؟ تُنكر كل هذا؟ كل نظام الأسباب! كله فواعل، كله ماذا؟ فواعل. فواعل وآثار، فواعل وآثار!

جميل أن الفيلسوف العقلاني القديم أدرك أن ليس بالضرورة وليس بالشرط أن يكون الفاعل ماذا؟ عاقلا وواعيا! ولكن نرجع للسؤال، للأسف اللاهوتي الديني الأصولي الساذج البسيط؛ لأن لم يعد عندنا عباقرة كبار. لو كان هناك عباقرة حقيقيون، من قيمة أبي حامد الغزالي والفخر الرازي وحتى ابن تيمية، فضلا عن أبي الوليد بن رشد وأبي علي بن سينا وأبي نصر الفارابي، أصحاب العبقريات المُذهلة! ما ظللنا نتخبط في هذه التخبطات الطفولية، تخبطات سخيفة جدا! للأسف الشديد.

لكن سوف تقول لي أنت الآن تكلمت عن خطأ الموقف الأصولي الديني البسيط، غير المُتناسق مع نفسه! وأوضحناه. إذا قبلت مبدأ الفاعلية، وخاصة في الكيانات غير العاقلة، من حيث الأصل، فعليك ألا تتناقض بعد ذلك، وعليك ألا يكبر عليك، أن تقبل بماذا؟ بفاعلية كيان مُعين أو سبب مُعين. فهذا من هذا، هذا مثل هذا! أي ما المُشكلة؟ ما هي المُشكل؟

وإذا كان المُبرر لديك أن تقبل بفاعلية تلك الفواعل، حتى غير الدارية وغير العاقلة، على أساس أنها مأمورة بأمر الله، وأنها خاضعة لأمر الله وخاصعة لقانون الله الحاكم عليها وفيها، فاقبل هذا في هذا الفاعل أيضا، الذي ترددت فيه وشعرت أنه يهز إيمانك! لا يهز إيمانك هو، لماذا يهز إيمانك؟ نفس الشيء، نفس ما ينطبق على هذا، ينطبق على هذا.

سوف تقول لي عند التطبيق، الأمر يختلف! حتى لا أغادر هذه النُقطة، دون أن أشفي فيها كما يُقال بعض العلة وأنقع فيها بعض الغُلة. قد يقول لك أحدهم لا، لا تدلس علينا! لأن هناك أناسا مستعجلون؛ يا مدلس! ويبدأ يُعطيك ألقابا. سامحهم الله، وهداهم. يا مدلس! ليس تدليسا يا رجل، هذا تأصيل، تأصيل للمسائل. يقول لك الانتخاب الطبيعي ليس على هذا النحو، الانتخاب الطبيعي أصلا هم يوصفونه بأنه أعمى وما إلى ذلك. ولماذا؟ وهل الريح المُبصرة إذن؟ والمطر مُبصر؟ أصلا المفروض المفروض في كل الفواعل غير الواعية، غير الدارية، أن تكون ماذا؟ عمياء أيضا وصماء ولا تفهم شيئا! لأنها فواعل غير عالمة، أليس كذلك؟ ومع ذلك تفعل! والقرآن نسب لها الفاعلية، وأقر بفاعليتها، أليس كذلك؟ ونحن نفعل هذا ألف مرة في اليوم، ننسب إليها الفاعلية!

لكن هنا العظمة! مُلاحظة أينشتاين Einstein وويجنر Wigner، أن مع أنها جمادات أو غير عاقلة، لكن – لا إله إلا الله – تُنتج المعنى، وتتغيا الغاية، كأنها عاقلة! وكأنها فاهمة! كأثر لماذا؟ لفاعلية القانون الرباني الحاكم فيها. لا إله إلا الله! ولذلك هذا الذي يقودنا إلى الله، رغما عنا. انتبه! أي لو لم يكن هناك إله، أبدع الكون، وأخضع هذه الموجودات غير الواعية أو غير العاقلة، لما وُجد النظام. وعلى فكرة الفرق بينك وبينها ليس كبيرا جدا، انتبه!

لأن في الأخير حسب المنظور المادي أنت من أصل مادي، لكن بالتطور والترقي والتكامل، وصلت للدرجة هذه، حلو! أنا يُمكن أن أقبل هذا مبدئيا، ما رأيك؟ على فكرة – وهذه قضية خطيرة جدا جدا – من المُمكن أيضا أن يزندقك ويكفرك واحد غير مُتعمق في العقيدة! لا، يُوجد عندنا علماء مُسلمون كبار، سُنة وشيعة، وهم ليسوا علماء في الحقيقة فحسب، أي عباقرة، أناس لهم عقول مُذهلة، قبلوا أن تكون ما يُعرف عندنا بالروح – يقول لك الروح والنفس. أي ال Spirit أو ال Soul – مُنتجا ماديا. حتى الروح أو النفس، قبلوا أن تكون مُنتجا ماديا. أستغفر الله، أستغفر الله، ابصق من فمك يا رجل. سيُجنون! نعم، أنا لا أكذب عليهم، أنا أحكي لك ما درست وما أعرف، وأعرف هذا من نحو خمس وثلاثين سنة – بفضل الله -! وفي رأسهم أبو بكر الباقلاني.

أبو بكر الباقلاني مُتكلم أهل السُنة والجماعة، الذي تنازعت نسبته إليهم الحنابلة والمالكية والشافعية، والأرجح أنه مالكي. شيء عجيب! الحنابلة معروفون، أهل جمود على الظواهر، وتعرفون موقفهم العقدي. والباقلاني شبه فيلسوف يا أخي، هو مُتكلم بصراحة، أي فيلسوف، تقريبا. والفرق بين الفيلسوف والمُتكلم بسيط قليلا، فانتبه! الكثير من المباني مُتحدة. الفرق أن الفيلسوف لا يُقيد نفسه بغاية فكرية؛ لكي يُبررها، لا! أينما ذهب به الدليل الفلسفي، يذهب. لو قال له الدليل الفلسفي لا يُوجد إله، سوف يقول لك لا يُوجد إله. المُتكلم لا، مقيد نفسه مبدئيا بغايات؛ أن الله موجود، والنبوة حق، واليوم الآخر حق، والقرآن حق. ويُريد ويُحاول ماذا طبعا؟ أن يُثبت هذه الأشياء بالطريقة العقلانية. هذا الفرق! واضح؟ فالفيلسوف أكثر تحررا، أكثر تحررا من حيث الأصل.

فهو في الأخير مُتكلم، أي هو فيلسوف، أي فليسوف مُسلم، فيلسوف مُوحّد. قال لك النفس أو الروح هي نتيجة لترقي المادة. المادة تتكامل، تتحرك، تنتقل من طور إلى طور ومن جوهر إلى جوهر، وتصير في الأخير النفس. عجيب! سوف تقول لي هذه بعينها نظرية ماذا؟ الديالكتيك الماركسي. طبعا، هذا هو! الماركسيون قالوا هذا. وهم سعداء! لو سمعوا الكلام هذا، لطاروا به، ولأعطونا عليه مليون دولار! لكن هم انتهوا أصلا، وفلسفتهم وعالمهم كله انتهى.

في النطاق الشيعي عندنا صدر المُتألهين، اسمه صدر المُتألهين! لكن ليس بالإجماع؛ عند الكثير من الشيعة، من الإخباريين هؤلاء، اسمه صدر المُتزندقين! ويكفرونه! لأنه أزعجهم بفلسفته، وهو فيلسوف كبير جدا، بلا شك. جمع الفلسفة العقلية والفلسفة الإشراقية والعرفان الإسلامي وأيضا الدليل النقلي من الكتاب والسُنة، كل هذا جمعه في بوتقة واحدة، وعمل فلسفة اسمها ماذا؟ الحكمة المُتعالية. أودعها كتابه الموسوعي الأسفار الأربعة – الأسفار العقلية طبعا، الأسفار العقلية الأربعة -.

مُلا صدرا الشيرازي، أو صدر المُتألهين كما كان يُعرف ويُلقّب ويُحب أشياعه أن يُلقّبوه، يرى الآتي عن النفس، وهي من المُجردات، لكن ليس تجريدا تاما؛ لأن المُجردات على نوعين؛ مُجردات في مقام الذات وفي مقام الفعل، مثل الملائكة، وكانوا يُسمونها قديما العقول. الفلاسفة الأغارقة كانوا يُسمونها العقول. الإسلاميون يُسمونها ماذا؟ الملائكة. لكن هذه الملائكة، العقول هي هي الملائكة. هي مُجردات في مقام ذاتها وفي مقام فعلها.

ومن غير تطويل؛ لأن هذا يحتاج إلى شرح! معنى كونها مُجردة في المقامين كليهما، أنها لا تحتاج إلى المادة أصلا، لكي تُمارس ماذا؟ آثارها وأفعالها، أبدا. وسوف تقول لي معناها إذا هي لا تحتاج إلى المادة ومُجردة من المادة بالكامل، فإذن هي كائنات غير مُتزمنة؟ نعم، غير مُتزمنة. انتبهوا، هذه قضية فيزيائية وفلسفية مُهمة جدا! أي شيء مُتزمن مادي. سوف تقول لي لماذا؟ مادي! أي شيء إن برهنت على أنه مُتزمن، يتأثر بالزمن، يجري عليه الزمن، لا بد أن يكون ماديا. وبرهانها بسيط! لأن كل مسألة فلسفية، تحتاج إلى برهان. برهانها بسيط! أن الزمن ما هو؟ الزمن هو مقدار الحركة، كما عرفه أرسطو وابن سينا وكل الفلاسفة العقليين، أو عداد الحركة. ولا حركة، إذ لا مادة. الحركة تكون في المادة، أليس كذلك؟ إذن لا بد من هذا؛ إذا مُتزمن، فمعناها الزمن يقتضي الحركة، والحركة تكون في المادة، إذن مادي! لذلك الله ليس مُتزمنا، لا إله إلا هو! وعندنا مسائل كثيرة غصنا فيها وتخبطنا وخبطنا أنفسنا؛ لأننا نظن أن الله ماذا؟ مُتزمن. لو كان الله مُتزمنا، لكن ماذا؟ ماديا. ولو كان ماديا، لكان مُركبا، ككل مادة، مُركبة! أليس كذلك؟ ولا ما كان خالقا. كلام فارغ، الله غير مُتزمن، لا إله إلا هو! بل هو مُوجد المُجردات.

فالملائكة أو العقول هي مُجردات في المقامين؛ مقام الذات ومقام الفعل. أما النفس البشرية، وهذا عند كل الفلاسفة العقليين، انتبهوا! فهي مُجردة في مقام ذاتها، ومادية في مقام فعلها. وهذا صحيح! بدليل أن هذه النفس لا تستطيع أن تُمارس حتى على البدن أي فعل، إلا عبر ماذا؟ المادة. أي حتى إذا أرادت أن تعي عبر البدن، تحتاج الدماغ، ال !Brain تحتاج الدماغ! إذا أرادت أن تُحرك اليد؛ يد بدنها، تحتاج إلى الأعصاب وإلى العضلات وإلى الأوتار وإلى غيرهم، قصة كبيرة! إذا أرادت أن تُعطي هذا البدن حاجته من الطعام والشراب، تحتاج إلى ماذا؟ إلى الأعضاء وإلى الأجهزة الهاضمة وما إلى ذلك، وأيضا إلى المواد التي تُستخلص منها، أي إلى المُغذيات، ال Nutritines.

إذن – احفظوا هذا – النفس مُجردة في مقام ذاتها، ومادية في مقام فعلها. أبو بكر الباقلاني قال لك النفس بدأت في الأصل غير مُجردة، مادية. وترقت، ترقت، ترقت، وصارت هكذا. نفس النظرية بسطها ومدها وبرهنها بطريقته صدر المُتألهين. قال لك هكذا كانت النفس! عكس ما يعتقد علماء الدين والبسطاء والوعاظ طبعا، وليس الفلاسفة! أنها وحدها ومخلوقة وجاءت على البدن وحلت فيه، كأنها ماذا؟ نَفَس أو دخان، كما يظن اليونان والأغارقة، إلى آخره! بعضهم كان يظن أن النفس هي الدم، كلام فارغ، هذه ماديات كلها. قال لك هذه بدأت مادية محضة. لكن مُلا صدرا كان يقول بالحركة الجوهرية؛ لأن الحركة عند الفلاسفة من قبله عموما، كانت تكون في الأعراض، وليست في الجواهر.

سوف ندخل في أشياء مُتخصصة! المُهم، لا علينا. هو قال الحركة تكون في الجوهر. بمعنى أن الجوهر نفسه قابل للتبدل. والجواهر خمسة، الجواهر خمسة! والأعراض تسعة. فهو قال بالحركة الجوهرية، وبناء على نظريته في الحركة الجوهرية، قال النفس في الأخير، التي أصبحت مُجردة في مقام ذاتها، وبقيت مادية في مقام فعلها، هي ماذا؟ نتيجة الحركة الجوهرية في المادة، في البدن. عجيب! أي انظر، كانت هناك حركية، قبل الديالكتيك وقبل ماركس Marx وقبل هيجل Hegel وقبل الكلام هذا كله! يُوجد عقل جبار، يشتغل! يفكر في الموجودات، يُفكر في الأشياء، ويُحاول أن يُقنن وأن يرى. ليس مثل اليوم، على أي شيء؛ زنديق، كفر، خرج! ما هذا؟ نلعب لعبة أطفال! مسرح أطفال! مسرح أطفال! أين الفكر الحقيقي؟ أين العباقرة؟ أين الناس أصحاب العقول الحقيقية من الدارسين الفاهمين الذين يقدرون على هذا؟

حتى الكلام هذا، ربما لا يُغري أكثر هؤلاء المُتعجلين، بأن يعود كل منهم ويُعيد النظر. لا، الواحد منهم يأخذه ويُكذّبه مُباشرة، دون حتى أن يفهم حقيقته! ولو ذهبت وسألته أصلا كيف يُميز الجوهر عن العرض، لن يعرف! وما حقيقة الجوهرية وحقيقة العرضية، لن يعرف! لكن هو يعرف أن يُكذّب وأن يرد وما إلى ذلك! هذا أصبح أزمة للدين، انتبهوا! هذا أزمة للفكر الديني، أزمة للاعتقاد الديني، هذا ليس حلا، ليس حلا! هذا حل فقط للوعاظ والموعوظين من السذج والبسطاء من الناس، ليس للناس التي تُحب أن تفهم، وتُحب أن تصل إلى مُقاربات حقيقية وذات عُمق.

على كل حال إذن الخلاصة أن الفاعل لا يُشترط فيه العالمية والوعي والإدراك، جميل يا إخواني؟ ثانيا؛ إذن ما الفرق بين الفاعل الواعي والفاعل غير الواعي، لجهة الغاية؟ فرق مُهم، لكنه أيضا مضبوط. الفاعل الواعي حين يفعل، يتغيا غاية مُعينة، هو يكون عالما بها، وربما على دراية بمُعظم الأسباب المُوصلة إليها، والمبادئ المُتخللة بينه وبينها، يُقال إن غايته ما لأجله حركته، ما لأجله فعله. هذه غاية الفاعل العاقل. وإذا الفاعل غير عاقل؟ مطر نزل، ريح قصفت، ماء سال، حجر تشقق، أي شيء، أي شيء! نار شبت واشتعلت، فاعل غير عاقل، وفي الأخير هناك غاية، لا بد وأن تكون هناك غاية، انتبه إذن! النار الآن، ضع أمامها قطنا، أو ضع خشبا، أشعلها في خشب، ما الغاية في النهاية؟ الخشب يُصبح رمادا، القطن يصير رمادا. هذه الغاية، هذا ال Aim، هذا التيلوس Telos باللاتيني، التيلوس Telos، الغاية! سوف يصير رمادا.

نعم، هذه الغاية يُعبّر عنها بالرطانة الفلسفية، بالاصطلاح الفلسفي، فنيا، بأنه ما إليه الفعل. ليس ما لأجله، وإنما ما إليه، أي ما ينتهي إليه. وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ *، انظر! وهناك إلى. هناك فرق بين إلى مُستقر ولمُستقر، رأيت؟ إلى! هنا ماذا؟ الغاية. كأنها غاية في الفضاء، وطبعا الفضاء يحتاج إلى زمن لقطعه، أي Spatial and time. غاية فضائية وغاية ماذا؟ فيها زمن.

المُهم، ما إليه الفعل، ما إليه الحركة. لكن مع ذلك، تبقى ماذا؟ تبقى غاية. وتلك غاية، ولكن ما لأجله الفعل، ما لأجله الحركة. الغاية دائما موجودة! كلما وُجدت الفاعلية، وُجدت الغائية. كلما رأينا الغائية، استدللنا على ماذا؟ الفاعلية. جميل أن الكون مبني بهذه الطريقة! وهذه الطريقة التي بُني عليها الكون، هي التي حيرت مَن؟ أيتشتاين Einstein كما قلت لكم وويجنر Wigner. وقالوا كيف الكون هذا مفهوم؟ ولماذا تطور بطريقة مفهومة؟ ولماذا قابل حتى أن يُفهم؟ لأنه هكذا، لأن فيه الوعي. كما قال السير الجيمس جينس Sir James Jeans – ذكرتها اليوم -، هذا عالم واع، هو وجود واع، لا إله إلا الله! والوعي يحتاج إلى ماذا؟ إلى مصدر.

الآن سآتي إلى نُقطة من أجمل ما يُمكن أن أدلي به في هذه الخُطبة، ومن أهم ما يُمكن أن أقول، انتبهوا! عموما، وخاصة الماديين – أخص الماديين – حين تحدث الواحد منهم عن الوعي، الذكاء، الإدراك، الشعور، الإحساس، إلى…إلى… إلى آخره! دائما يستحضر ماذا؟ الحالة الإنسانية. والإنسان ما شاء الله عليه طبعا، مئة تريليون خلية، مئة تريليون خلية! والدماغ الخاص بنا فيه كم خلية عصبية – أهم شيء في الجملة العصبية المركزية، أهم شيء الدماغ -؟ ثمانية وستون مليار خلية عصبية، التي يسميها أهل الشام العصبون، أي الNeurons  هذه، أي ثمانية وستون بليون  Billionأو مليار – نحن هكذا نُسميها في ألمانيا وما إلى ذلك، في أمريكا يُسمونها البليون Billion.. ثمانية وستون مليار – والمليار عشرة أس تسعة – خلية عصبية. أو Oh! المادي يفرح فرحا شديدا هنا، يستخفه الفرح، ويقول لك طبعا يا أخي ثمانية وستون مليار خلية، وتتفاعل مع بعضها، وكل خلية عندها ماذا؟ ألوف التشابكات، مع كل خلية إلى جانبها. فما شاء الله إذن، هذا بناء شديد التعقيد، شديد التواصلية، شديد التآثرية Interactivity، شديد التآثرية! فلا جرم أنه ولّد ماذا؟ الذكاء والفهم والوعي والإبداع والاختراع والعبقرية! قضية مُعقدة.

سوف أقول له لا، اربع على ظلعك، إياك أن يستخفك الفرح والزهو المادي! انتبه! ألا تلحظ أن النملة، التي مُخها أقل من كريستالة ملح، عندها ذكاء غير طبيعي، وتصرفات مُبدعة وعجيبة ومُذهلة ومُحيرة؟ أي المسألة كأنها ليست موقوفة على ماذا؟ على الكم الهائل من الخلايا والتركيب. إلى الآن الموضوع لا يزال غير واضح! وسوف يقول لك ومع ذلك هي كائن حي مُكون من ملايين الذرات وملايين الخلايا طبعا. وطبعا هي مُكونة من مليارات الذرات، مليارات الذرات! وملايين ملايين الخلية. وعندها في الأخير ماذا؟ ما يُبرر الوعي الخاص بها والذكاء. حلو، حلو، حلو!  دع هذا، توقفنا عن الحديث عن النملة، لا نريد، دع عنك النملة. الآن سنُلقي بالقنبلة الخاصة بنا؛ البكتيريوم. نحن نسمع دائما البكتيريا، وفعلا لأن هذا بكتيريوم! أي ما البكتيريوم هذا؟ فالبكتيريوم هو (بكتيراية) بالمصري واحدة، واحدة! المصريون يقولون لك (بكتيراية) مثلا. (بكتيراية) واحدة اسمها باللغات الأجنبية بكتيريوم Bacterium.

والبكتيريوم هو هذا الكائن الميكروسكوبيك Microscopic الصغير الذي لا تراه بعينك المُجردة، لا بد وأن تراه بالمجهر. في كل جرام من التربة – خذ جراما. جرام؟ جرام واحد – خمسون مليون بكتيريوم. الله أكبر! جرام؟ جرام. تأخذ جراما هكذا، وتجد فيه خمسين مليون خلية بكتيرية. الواحدة يُسمونها بكتيريوم، الجماعة بكتيريا، هذه جماعة! جميل! خمسون مليونا! على فكرة سوف تقول لي ولكنه يبقى كائنا تافها، وكأنه غير موجود. هذا أخطر مما تظن، وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ *، وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ *.

يُوجد مُصطلح في علم الأحياء وفي علم الإيكولوجي Ecology وما إلى ذلك، يُسمونه البيوماس Biomass. البيوماس Biomass يعني الكتلة الحيوية. ما البيوماس Biomass؟ الماس Mass الكتلة، ويُمكن أن توزنها. كتلة كل الأحياء التي على الكوكب! وسوف تقول لي طبعا في قمتها الحيوانات. ونحن من الحيوانات، الثدييات. الحيوانات كلها، كل الحيوانات، بأنواعها، بالملايين! وكل النباتات، ويبقى شيء ثالث وينتهي الأمر. هو هذا! كله حيوانات، نباتات، وماذا؟ وفطريات. أي كائنات ماذا؟ دقيقة. ميكروبات يُسمونها، ميكروبات! كائنات دقيقة، والتي هي ماذا؟ الميكروبات خمسة؛ البكتيريا، الفيرس Virus، الFung ، وهو الفطر، بعد ذلك الطحالب، والأوليات أو الأولانيات، البروتوزوا Protozoa! خمسة أشياء! كل الكتلة هذه يُسمونها الكتلة الحيوية. كم تبلغ تقريبا؟ خمسمائة وخمسين مليار طن. سوف تقول لي طبيعي، هناك الأفيال والأسود والبشر، سبعة مليارات من البشر! البيوماس Biomass الخاصة بالبكتيريا أكثر من كل الكتلة الحيوية للنباتات والحيوانات جميعها! تُصدق هذا الشيء؟ اذهب وأحضر أي مُقرر في علم البكتيريا أو في علم الميكروبيولوجي Microbiology عموما، وابحث عن الشيء هذا. انظر البيوماس Biomass الخاص بالبكتيريا. وزن البكتيريا على الكوكب، أثقل من وزن كل النباتات – انظر كم حجم الغابات وما إلى ذلك – ومن كل الحيوانات! الله أكبر! أي معناها هذه مسألة رهيبة؟ طبعا، وهي من أوائل الأشكال التي ظهرت على الكوكب.

ليس هذا الدرس! الدرس أن البكتيريوم ما هو؟ خلية واحدة. البكتيريوم ليس Organsm، ال  Organsm لا بد أن يكون ماذا؟ تجمعا كبيرا، أي كائن حي كامل، من ألوف أو ملايين أو ملايير الخلايا. لا، البكتيريوم One cell، خلية واحدة، خلية واحدة فقط! سوف تقول لي انس حكاية الأجهزة. أجهزة ماذا يا ابني؟ نحن نقول لك خلية، لا يُوجد Tissue، ولا يُوجد عضو، ولا يُوجد نسيج، ولا يُوجد شيء. خلية!

إذن لماذا يا عدنان تحكي عن الموضوع هذا؟ ماذا تريد من البكتيريا؟ نعم، انظر إلى الملاحدة والماديين. البكتيريا تتصرف بطريقة أذهلت العلماء! والمفروض تُجنن العالم، خاصة المادي. المؤمن لا يُجن، ولا يحتار؛ لأن بصراحة الجواب واضح عنده. وهذا ليس إله الفجوات، هذا إله الأزمان كلها، إله الأكوان. هذا الفهم اليوم صح، وقبل أربعة مليار وخمسة مليار يوم – أي عمر الأرض – صح، وإلى أن يطوي الله بساط الوجود كله صح، وسيظل صحيحا باستمرار. قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ *. فرعون يسأل موسى، قال له مَن ربك أنت؟ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ *، لم يقل خَلَقَه. وإنما قال خَلْقَهُ *. ما يتناسب مع رتبته الوجودية، مع سهمه في الوجود. ثُمَّ هَدَىٰ *. الله! قال لك القرآن من عند محمد. هذه النظرية الآن ستفهمها! الآن ستفهم الآية هذه، ستفهمها حين نتكلم عن البكتيريا. الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ *. كل شيء! حتى البكتيريوم؟ طبعا، حتى البكتيريوم، وحتى الإلكترون Electron، والبروتونProton ، والميزون Meson، أي شيء! ما دام هو شيء، انتهى. الله هو الذي أعطاه خَلْقه ورُتبته، وهداه. إذن كلمة هَدَىٰ * ألا تشي بالغائية؟ طبعا، هي أصلا تعبير غائي. هداه؛ لكي يصل إلى ماذا؟ إلى الDestination  الخاص به، الهدف! هذا هو.

وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى *. سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *، سَبِّحِ *؛ لأنه إله حق، لا يُوجد باطل في خلقه، وكل شيء بحق، بقانون. سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى *. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى *! نأتى الى البكتيريا؛ ما قصة البكتيريا إذن؟ انظر إلى الأعجوبة! أعاجيبها كثيرة جدا جدا جدا! يُوجد نوع من البكتيريا التعاونية، يُسمونها Myxococcus xanthus.

Myxococcus xanthus؛ هذا النوع من البكتيريا كما قلت لكم أذهل العلماء، حيّر العلماء! لماذا إذن؟ يُوجد عندنا نظرية في العلم يُسمونها ماذا؟ مأساة الشائع أو المشاع The tragedy of the commons. هذه في الثمانية والستين، صكها العالم هاردين Hardin، وتكلم عنها. باختصار – وهذه تصدق على كل الموائل وعلى كل الأنظمة البيئية والحيوية – ما دام يُوجد عندي كائنات حية – حتى البكتيريا، حتى الفيرس Virus، مع أنه ليس حيا وليس ميتا، على العتبة بين الاثنين، لا إله إلا الله! دراكولا Dracula، عجيب هذا! -، فلا بد من مصادر للغداء. المُهم قال لك حتى البكتيريوم، التي هي خلية واحدة – لا جهاز عصبي ولا دماغ ولا ما يحزنون – لها مصادر للغذاء. قال لك حتى البكتيريا هذه، لا بد وأن يكون عندها ماذا؟ مصادر للغذاء. والمصادر عموما محدودة، لا تُوجد مصادر لا مُتناهية، لا تُوجد! كل شيء عدا الله ماذا؟ محدود، له حد! قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا *. وما القدر هو؟ حدود الشيء في الزمان والمكان وفي كل شيء وفي الصفات، تُوجد حدود، كل شيء غير الله مُقدَّر، له قدر! فقال لك المصادر محدودة. الآن إذا الكائنات التي تتنافس على هذا المصدر، لا تسلك سلوكا تعاونيا، فما الذي يحصل؟ المصدر له عتبة، أي حد أدني، Threshold، عتبة مُعينة، طالما العتبة هذه موجودة، المصدر يُجدِّد نفسه. أعطه فقط الفرصة، وسيرجع يُجدِّد نفسه! يتكاثر ويتوالد! العشب، الحشيش، الحيوانات، الأسماك! أي شيء، يرجع. لكن إذا تم انتهاك وتجاوز العتبة – أخذنا تحت العتبة -، يهلك المصدر، ينتهي المصدر، يُستنزف، انتهى! وإذا عُدم المصدر، فني المصدر، فما الذي يحصل؟ الذي وجوده وغذاؤه موقوف على هذا المصدر، بالتالي ماذا؟ يهلك، ينتهي.

ولكن نحن نرى ملايين الأنواع عمرت الأرض، ولا زالت، ها هي! وموجودة! طبعا سوف تقول لي هناك انقراض، هل أنت نسيت الانقراض يا عدنان؟ الملاحدة يُحبون كثيرا حكاية الانقراض هذه! ولئلا ندخل في موضوع الانقراض، أنا أرى الانقراض قصة نجاح، وليس قصة فشل! ما رأيكم؟ قولوا هكذا، قولوا عدنان قال هكذا، ادّعى هكذا. أنا أدّعي هذا! الانقراض قصة نجاح، وليس قصة فشل، كما يقول الملاحدة. ولذلك يستخدمون الانتخاب الطبيعي والتطور على أنه لا يُوجد إله؛ لأن هناك انقراضا!

لأن عموما مُتوسط أعمار الأنواع – إذا أخذنا هكذا وسطيا – مليون سنة. وبعضها تُعمّر حتى خمسين وسبعين ومئة مليون، لكن عموما مليون، إلي مليونين. هذا فشل؟ إلا إذا كان هذا المادي المسكين والمُلحد المُهوّس، يظن أن هناك شيئا يُوجد ليخلد! لم يقل لك أي مُتدين أو أي تأليهي هناك شيء يُوجد ويخلد. أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ *، كله مُرصد للفناء والعدم، و؛ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ *.

الباقي الوحيد الأزلي الأبدي هو الله. لكن لما كائن ما شاء الله يُوجد ويتطور ويعيش ويتأقلم ويتكيف ويبقى مليون ومليوني سنة، هذه قصة فشل؟ قصة نجاح هذه. وبعد ذلك ينتهي الأمر، بارك الله فيما رزق، اذهب، اترك المجال لغيرك. أليس كذلك؟ فانتبهوا، الانقراض قصة نجاح وليس قصة فشل.

فنأتي ونقول نحن نرى أن البكتيريا هذه عمرها أكثر من ثلاثة ملايير سنة تقريبا، وموجودة! لماذا إذن؟ كيف هي موجودة؟ انظروا إلى الأعجوبة الآن! لا إله إلا الله! على فكرة، قبل أن أشرح الأعجوبة، هل هذه العتبة حسية؟ ليست حسية، ولا يُمكن أن تعرفها، حتى أنت كبشر! ما رأيك؟ أي أنت الآن حين تأتي إلى مرعى وترعى، لا تقدر على أن تعرف، أنك حين أحضرت خمسمائة رأس غنم، في المرعى هذا، بالمساحة هذه، كان من المُمكن أن تتجاوز العتبة، وتؤدي إلى ماذا؟ إلى إعدام وإفناء المرعى. لا تقدر على أن تعرف! لكن يُمكن لواحد دارس ومُتعلم أن يعمل عملية ماذا؟ حسابية رياضية. ويقول لك! أي تحتاج إلى حساب، فهي قضية عقلية، قضية ماذا؟ عقلية. ليست قضية مادية حسية مبينة.

فهل تُريد من البكتيريوم أو البكتيريا عموما أن تُدرك؟ تُريد منها أن تعمل حساباتها الرياضية وتعرف؛ أي ما الذي نعمله؟ وما الذي لا نعمله؛ لكي لا ينتهي المصدر؟ لا إله إلا الله! ما الذي يحدث؟ قال لك الذي يحدث مع البكتيريا التي ذكرتها هذه – العجيبة هذه – أن الغذاء حين يشح ويبدأ يُقتّر المصدر، تتخذ تقنية أو تستخدم تقنية عجيبة جدا جدا! ما هي؟ تبني ما يُعرف بالجسم الثامر. وتقدر على أن تقول الجسم المُثمر. ال Fruiting body.  ال  Fruiting bodyالجسم الثامر أو الجسم المُثمر! ما الجسم المُثمر؟ باختصار هو يتكون من طبقتين؛ الطبقة التي تحت عيدان، عصي هكذا، بكتيريا عصوية؛ لأن البكتيريا عندها أنواع كثيرة وأشكال كثيرة، بكتيريا ماذا؟ تأخذ شكل العيدان، تتكيف لشكل العيدان! والتي فوقها تكون ماذا؟ أبواغ أو جراثيم، Spores يُسمونها في الميكروبيولوجي Microbiology، جراثيم! تحت عيدان، وفوق ماذا؟ جراثيم. انتبه! كل البكتيريا التي استثمرت في نفسها؛ لكي تبني ماذا؟ في الجسم المُثمر، عن طريق العيدان، ستهلك ولن يكون لها ذرية. انتهى، أي لن تتكاثر، هي تتناسخ، وسوف تنتهي. وكل البكتيريا التي استثمرت في ماذا؟ في ال Spores. هي التي ماذا؟ تظل تمتد، ويظل وجودها ساريا.

حلو؟ الآن التفسير التطوري أو التفسير المادي )الذي يُمكن أن يكون علمويا أو إلحاديا) ماذا يجب أن يفترض مبدئيا هو؟ أنا أقول لك يجب أن يفترض أنه لا تُوجد بكتيريا صارت عيدانا، إلا لأن الانتخاب الطبيعي أهلها لذلك، وهي لا تستطيع إلا أن تكون عيدانا. غير صحيح، هنا الذي خيبهم، هذه صدمة كبيرة للماديين. أبدا! البكتيريا التي تصير عيدانا أو تصير ماذا؟ Spores. الاثنتان! كل منها قادر أن يصير ما يُريد! يقدر على أن يصير Spores، ويقدر على أن يصير عيدانا! هو صالح للاثنتين، بنفس القدر! لا إله إلا الله!

سوف تقول لي أنت يا عدنان أتعبت مُخي. وشعري الآن، وأنا أتكلم، والله بدأ يقف. تُريد أن تفهمني أن البكتيريا تُمارس التضحية؟ عندها مفهوم التضحية؟ الله أكبر! قبل أن تقول لي تضحية أصلا، هي كيف فهمت أن المصدر شحيح، وأن إذا ما ضحيت، أو ما عملت هكذا، فستكون النتيجة غير محمودة؟ وبعد ذلك مَن علّمها أن تعمل ماذا؟ الجسم الثامر هذا. ولماذا بعضها تُضحي بنفسها عن طواعية ورضا وسماح، وتُعطي فرصة الامتداد لغيرها؟ ما الذي يحدث هنا؟

أي وعي؟ تتحدث عن أي وعي؟ عن أي ذكاء؟ عن أي مُخيخ؟ وعن أي مُخ؟ وعن أي جُملة عصبية؟ أنا أحدثك عن خلية واحدة. البكتيريا خلية واحدة! فسّر يا مادي، فسّر يا مُلحد. أنا بالنسبة لي كمؤمن القضية محسومة ومفهومة، ومُرتاح جدا، أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ *، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى *، واسمه رب كل شيء، خالق كل شيء ومليكه وربه. وما معنى الرب؟

 

فيينا (24/12/2021)

داروين وصفقة جحا – الجزء الثاني

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: