غسان الكشوري باحث مغربي مهتم بالشؤون الدينية والفلسفية
غسان الكشوري
باحث مغربي مهتم بالشؤون الدينية والفلسفية

كشف التقرير السنوي الرابع للتنمية الثقافية، الذي تصدره مؤسسة الفكر العربي، أن نسبة القراءة بين العرب تدهورت بشكل مخيب، ففي الوقت الذي يشكل معدل القراءة عند الأوربي ما متوسطه 200 ساعة سنويا، نجد أن العربي يقرأ ما متوسطه 6 دقائق سنويا. وان كل 20 عربي يقرؤون كتابا واحدا في العام، بينما الأوربي يقرأ ما يقارب 7 كتب في السنة. ويبدو أن القراءة لا تزال تشكل أزمة في حد ذاتها قبل أن تكون طريقا للنمو والتطور للحاق بالركب الحضاري.

يتبادر إلى الأذهان سؤال بدهي؛ هل هذا العربي الذي لا يقرأ هو الذي قام بكل هذه الثورات !؟ هل هناك علاقة لثورته بدرجة وعيه ؟ هل حقا العرب لا يقرؤون ؟ ما علاقة القراءة والتعليم بالانتفاضة والثورة ؟ كثيرة هي الأسئلة التي نتشاركها داخل الوطن العربي مع الذي خارجه حول ماهية الثورات ؟ وهل كل ثائر قرأ كتاب “من الديكتاتورية إلى الديمقراطية” لجين شارب، أو قرأ عن ماهية الاستبداد في كتاب “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد” لعبد الرحمن الكواكبي ؟ ماذا لو كان مستوى التعليم في الدول العربية مواكبا للأوربي، كيف سيكون الوضع ؟ …

ليس ثمة شك في أن الذي يقرأ سبعة كتب في السنة لا يمكن أن تفوته قولة توماس جيفرسون “أن الذين يقرؤون هم الأحرار”. وقبل أن يحيلها إلى السياق العربي ودور القراءة فيه، يبحث عن معنى الحرية في الفكر العربي( تاريخيا وليس إيديولوجيا). وبذلك يكون للعربي حيزا مهما في باحة فكره… ولعله بداية المكتسبات.

في زمن الثورات، يبدو كل شيء قابلا للترابط. وتصعب معها تفكيكية الأحداث. لكن يسهل معها استعمال الآليات لكثرة توفرها ولسرعة تداولها. فالوسائل التقنية كان لها دور بارز في صنع جزئيات الثورة، وكذلك الظرفية العالمية لتشارك التجارب أضحت أكثر وضوحا. إلا أن الجانب التعليمي، بشقه الممارساتي لعملية القراءة، لم يستجب لمتطلعات العصر وجودة توظيفه بالشكل الذي ينتج أثرا وليس بالشكل الذي ينتظر مؤثرا. ولهذا يعاب على التعليم في الوطن العربي انه يخضع لعوامل تحد من فاعليته؛ منها الربح والسياسية. وإذا رجعنا إلى الدول العربية ورغم تفاوت النسب، نجد أن نسب الأمية لا ترتبط بدرجة النمو أو الاقتصاد الإجمالي لميزانية الدولة، بل بسياسة التعليم المتبعة، أو بالأحرى المبتغى السياسي من التعليم والمجال المعرفي.

ولعل عالم المستقبليات المغربي الدكتور المهدي المنجرة، وفي حوار أجرته معه مجلة عالم التربية سنة 2006، أجاب عن سؤال المدرسة والتربية في تحقيق التنمية في العالم الثالث انه “في سنة 1965، أي أزيد من 40 سنة، كان مؤتمر الوزراء الوحيد لمحاربة الأمية، وباعتماده دراسات لخبراء، تم التوصل فيها إلى انه يمكن محو الأمية في ظرف لا يتجاوز 10سنوات؛ إلا أن المشكل أو العائق الذي حال دون هذه الغاية، كان سياسيا؛ لان اغلب حكام العالم الثالث لم يريدوا محو أمية شعوبهم؛ علما منهم، انه إذا ما محيت أمية هذه الشعوب، لن يستمر بقاء هذه الحكومات أو هؤلاء المسئولين بدول العالم الثالث، سواء داخل القطاع العمومي أو شبه العمومي أو الخاص… إذن هناك مصالح شخصية داخلية، إلى جانب المصالح الخارجية للدول الغربية؛ لان هذه الأخيرة بدورها، لا ترغب في محو الأمية داخل مجتمعات الجنوب، حتى لا تتمكن من تحقيق استقلالها”… وما ثغرة شاه إيران إلا في التعليم.

رغم أن اكبر خطأ للمشاريع التنموية أنها صودرت في الصورة السياسية، إلا أنها لا تزال الغاية المثلى للأمم النهضوية. ولا يزال مشروع النهضة الحضارية يجد دعامته في ثلاث مرتكزات: محو الأمية، والاعتماد على اللغة الأم في التعليم، والبحث العلمي. وهذه الركائز تتمحور في جوهرها على القراءة. فـ”الأمة التي لا تقرا تموت قبل أوانها”، كما قال مالك بن نبي.

تبقى مجموعة من الأسئلة لابد ان نطرحها، وهي صرخة في واد ذهبت مع الريح. نربط بها المآلات  ونلملم الجراح لما يبدو في موضوع القراءة من تحد لكل أحادي الرؤية، وضيقي الأفق ومقفر الأمل.

ما هو برنامج الدولة في تشجيع المتعلمين على القراءة ؟ ما هي البيداغوجية المتبعة للارتقاء بطرق التدريس وليس التلقين ؟ ما الفرق بين الأمي الذي لا يقرأ والمتعلم الذي لم يعد يقرأ ؟ ولماذا أصبح المتخرج انطوائيا على مجال تخصصه فقط ؟ لماذا لا يهتم المشتغلون بالعلوم الإنسانية، بشكل جدي، بظاهرة العزوف عن القراءة من كل جوانبها، النفسية والاجتماعية والتاريخية ؟ ولماذا يكتفي بعض المتخصصين بتقديم أرقام وإحصائيات عن نسبة القراءة، ولا يقدمون حلولا علمية وعملية ؟ ولماذا يعكف المثقفون في بروجهم العالية عن الشأن الثقافي تطبيقيا وليس نظريا ؟ أين دور المجتمع المدني في المسألة الثقافية، أو بالأحرى أين هو هذا المجتمع المدني؟ ما هي ميزانية الدولة المخصصة لإعادة إحياء روح القراءة ؟ …؟

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: