طارق بدار منتج أفلام ومدون أردني
طارق بدار
منتج أفلام ومدون أردني

بسم الله.. تقول الأسطورة إن واحدة مما كان يشهد لها بكونها أجمل المدن “نيسابور الواقعة في إيران حاليا” شهدت اقتتالا عنيفا بين الحنفية من جانب، والشافعية والشيعة من جانب، ثم اقتتالا آخر بين الشافعية من جانب، والحنابلة من جانب آخر.

الخلاصة

إن لم يفنِ أحد أحدا، لكن فنيت المدينة وصار عاليها سافلها.

وتقول الأسطورة إن الإمام النسائي – راوي الحديث الشهير – قتل لأنه رفض الحديث عن فضائل معاوية، اتهم بالتشيع واجتمع عليه الناس، طعنوه في “أماكن حساسة” في جسده فخرج من الجامع معتلا ومات.

ذات الأسطورة تقول إن المسلمين – العرب منهم خصوصا – لم ولن يتعلموا من تاريخهم، ويصرون على البقاء بلهاء في أفضل أحوالهم.

عطفاً على واحدة من تدويناتي السابقة هنا بعنوان “مش الحوار”، وعلى ما يسمى – اعتباطا – “موجة/ظاهرة ‏عدنان إبراهيم” الذي يصيب اسمه البعض بصعقة عصبية، وعلى كلام عادي جدا ظهر من الدكتور القرضاوي قبل أيام ذكر فيه رأيا فيما يسمى “حد الرجم”، لزم القول إن هناك حربا بلهاء تدور في الأروقة، حربا لا يعرف لم بدأت ومتى ستنتهي.

الإشكالية أن من يخوض هذه الحرب لا يعلم من وضعه فيها، ومتى سيخرج، ولم كانت حربا أصلا.

كل الأمم المتحضرة تحوي تيارات فكرية ودينية وسياسية متشعبة وكثيرة وواسعة ومتناقضة، الأمم البلهاء فقط تحول هذا التنوع لنقمة، لوجود من يعتبرون أنفسهم منزلين من عند الله، يقومون مقام الأنبياء.. بل ويتغولون على ذلك، فالأنبياء مبلغون.. وهؤلاء حكام وقضاة على الوقائع والمصائر، ربما لخوفهم من أن يسحب البساط من تحت أرجلهم ولا يعود لهم مجال للرزق بعد كساد البضاعة.

لا يريد المشايخ – وتيار المدرسة التقليدية في الفكر والدين عموما – استيعاب وجود تيارات أخرى أضحت تتوسع أكثر فأكثر، ولا يريدون استيعاب اختلاف الوسائل واتساع طرق المعرفة وانفتاح كل الملفات وحديث الناس – الشباب خصوصا – عن كل شيء، هذا الرفض يحولهم من تيار فكري يطرح ما لديه بموازاة التيارات الأخرى إلى تيار يهوى شن المعارك نحو من لا يعجبه – ويا ليتها في الاتجاه الصحيح – ولا يشعر بالماء تحت قدميه.

لا يوجد ما يسمى بموجة عدنان إبراهيم، ولا تيار عدنان إبراهيم، قدر الله أن كان هذا الشخص هو “وجه بسطة” اتجاه فكري ديني واسع قديم متجدد يدعو للتجديد، يضم أناسا من شتى المنابت والأصول. أزعم أن التيار واسع ومتفرع، ذو أمواج تصعد وتهبط، هل سمعت بمحمد شحرور؟ عدنان الرفاعي؟ أحمد ماهر؟ جاسم سلطان؟ محمد الشنقيطي؟ حسن المالكي؟ نصر أبو زيد؟ إسلام بحيري؟ هذا الأخير يبدو غرا ربما؟ طيب ماذا عن التاريخ ممن سبقوهم؟ هل قرأت للمعتزلة؟ للظاهرية؟ أم لم تقرأ لهم لأن الأئمة أربعة فقط. طيب من وضع الأئمة الأربعة؟ الله؟ أم بشر بهم أحد الأنبياء؟

يا سيدي، أحكامك التي ترشقنا بها نقلا عن منتسبي تيارك ستبقى بلهاء، لماذا؟ لأنها لا تناقش أصل المشكلة، بل تعتمد – كما أقول دوما – على رد فعل قُصاصي: فيديو أو جملة صغيرة تقتطع من سياقها العام، ويُحكم عليها وعلى صاحبها وعلى تيارهم، وتبقى المشكلة تراوح محلها، ويبقى منظرك أبلها. لا يهمني تقديس الأشخاص ولا أحبه، لكن قبل أن تحكم على عدنان إبراهيم – صاحبك – دعك مما يقال، ترو واستمع بهدوء. النهج الذي يتبعه إقليمك ليس الإسلام، تلك رؤية للإسلام لا تتعدى منطقتك، أما التيارات الفكرية الإسلامية حول العالم منذ محمد وحتى اليوم فهي أوسع من أن تلم، وما وصلنا من نتاجها – فضلا عما تم حرقه – لا يمكن حصره. أم أنك تحكم على المسلمين بأنهم “أمة المليار”، وفي أول أزمة فكرية يصبحون “أمة الألف اللي معي في الحارة”؟

أقرب لك الفكرة أكثر؟ حسنا، شاهدتُ كل خطب الرجل منذ عام 2011، نحن الآن في 2016، على افتراض أن في السنة 50 أسبوعا، وهناك خطبة واحدة كل أسبوع، فقد استمعت لـ 250 خطبة، علما أن خطبه تدور في فلك الساعة فما فوق، يعني أكثر من 250 ساعة على الأقل.

ماذا بعد؟ شاهدت 90% من سلاسله: التعريف بمباحث الفلسلفة: 15 ساعة، سلاسل الصحابة ومعاوية: 30 ساعة، أبو حامد الغزالي: 10 ساعات، الإلحاد: 17 ساعة، وتوقفت عند سلسلة نظرية التطور، عدا عن لقاءاته وبعض برامجه المتلفزة وندواته وخطبه القديمة.

ماذا يعني ذلك؟ يعني أني أدرى منك – أيها القصاصي – بمحاسن الرجل ومثالبه ونسق تفكيره ومنهجيته وخوارقها، قصاصاتك لن تقنع، لأنك – وإياها – في واد، والحديث وأصل الإشكالية في واد، وما يزال منظرك أبلها، وما زلت أدعو لتكوين رؤى حقيقية وللمداولة قبل إطلاق الأحكام، لأجلك أولا.

دار قبل أشهر على تويتر حوار بين من قَدم نفسه – ولعله كان قُدم – أنه من العقلاء الوسطيين أصحاب منهج التقريب بين التيارات الفكرية ومنهج الحوار العلمي الهادئ الرصين، وبين أحد من ذكرت أسماءهم في الأعلى، أذكر أنه اعترض على جملة استفتاحية، ثم جلس يتحدث ويتحدث ويسهب ويسترسل في ما لا علاقة له بالموضوع، ثم بدأ يسوء خلقه، ثم انسحب على أنغام عبارات على شاكلة: تراجع وصدقني سيغفر الله لك، ما يعني “الكحوشة” على نتيجة الحوار قبل خوضه: أنت مذنب مخطئ تائه جاهل، وأنا بطلك المخلص .. “المنقذ من الضلال”. المشكل الآخر أن طالعنا بعدها – وربما قبلها – بمنشور عظيم يعتد فيه بنفسه أنه خاض “حروبا” مع تيارات مختلفة وقضى عليها. ياللذكاء.

المؤسف بعد كل ما ذكرت أن تضايق وامتعض واشمأز أتباع هذا التيار – المعتاد على اللعب في خط الهجوم – حينما وصفهم طبيب نفسي – قبل أشهر أيضا – بالمرضى، في حين يقذعون غيرهم ليلا نهارا بما تيسر. المؤسف الأكبر أني تساءلت أمام أحد المستشارين بالأمس عن منظرنا المضحك القائم على استجرار مسائل فقهية وفكرية لاكتها الألسن دشليون مرة منذ آلاف السنين، فأجابني بأن هذا حال الأمم المأزومة.

ماذا أريد؟

أيها “الكبراء”، تواضعوا، وناقشوا بهدوء.

أيها “الناس”، استمعوا – بالتاء – ثم امشوا.

أيها البلهاء ممن رفضوا كونهم أيا من ذلك، بلهكم يؤسفنا.

أيها المشايخ الذين تقولون كلاما في جلساتكم الخاصة وتقولون غيره في المجالس العامة بدعوى الحفاظ على الجماهير.. حسابكم أمام الله عسير.

 

نشر على موقع هافينغتون بوست عربي

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: