د. عمرو شريف
د. عمرو شريف

أثبت علماء النفس السلوكيين ان هناك اختلافا واضحا بين سلوك الذكور وسلوك الإناث ، مما دفع عالم النفس البريطاني سيمون بارون كوهين الي ان يتحدث عن عقل ذكوري تنظيمي وعقل أنثوي تعاطفي .

وهنا سؤال يطرح نفسه ، ما هي الاليات الكامنة وراء هذا الاختلاف ؟

يرجع معظم الباحثين هذه الاختلافات الي تأثير العوامل الثقافية التربوية المكتسبة ( التنشئة Nurture ) التي تعمل علي ارضية من العوامل البيولوجية الخلقية ( الفطرة Nature ) ، وأصبح المطلوب معرفة مدي تأثير كل من هاتين المجموعتين من العوامل ، وتحديد أيها اكثر أهمية .

والاسلوب العلمي لمعرفة ذلك ، هو ان نقوم بتنشئة مجموعتين من الصغار ، احداهما من الذكور والاخري من الإناث ، بأسلوب تربوي متماثل لا نفرق فيه بين الجنسين ، فاذا نشا الذكور والإناث وقد تبنوا سلوكا متشابها اثبت ذلك سيادة دور التربية ، واذا نشأوا متمسكين بالفوارق السلوكية بين الذكور والإناث ، اثبت ذلك سيادة دور الفطرة …ولكن ، كيف نوفر مثل هذه الظروف التربوية المتماثلة ، أين نجد علي كوكبنا هذا مجتمعا يقبل تنشأة ذكوره وإناثه بنفس الاسلوب ؟! !

لقد اتاحت اسرائيل للباحثين هذه الفرصة ! وذلك في المزارع الجماعية الإسرائيلية المعروفة باسم ” الكيبوتس Kibbutz ” ، حيث يتم تجميع المهاجرين الجدد لتدريبهم علي نمط الحياة في المجتمع الجديد .
وتقوم إدارة هذه التجمعات ( وليس الوالدين ) بتنشئة الصغار ، ويكون ذلك دون اي تفرقة بين الجنسين ؛ فمثلا يرتدون في المدرسة وخارجها نفس الملابس ، ويلتزمون بنفس قصة الشعر . كما يمتنع توجيه ايه تعليمات للأطفال تظهر التمايز الجنسي ؛مثل لا تبكي كالبنات ولا تتسلقي الأشجار كالأولاد . ويمتنع تشجيع البنات علي اللعب بالعرائس وكذلك لعب الذكور بالمسدسات والسيارات ، ويتركون جميع الاطفال يختارون ما يشاؤون من ألعاب . وهكذا ….
توقع المسؤولون عن هذه التجمعات ان بمرور عدد من الأجيال ستتلاشى الفوارق بين الذكور والإناث وتصبح ذكري ! لكن لاشئ من ذلك حدث ، فبالرغم من مرور أربعة اجيال ، مازال الاطفال يكبرون وهم حريصون علي ممارسة دورهم الفطري كذكور وكإناث . فما ان يصل الفتيان والفتيات الي المدرسة الثانوية حتي يختار معظم الأولاد دراسة العلوم التطبيقية والرياضيات ، وتختار معظم الفتيات دراسة العلوم الانسانية واللغات ، وهو النمط المميز لكلا الجنسين . وبعد سنوات قليلة تندفع الفتيات بشدة لممارسة دورهن كأمهات ، بالرغم من غياب من يتعلمن منه الأمومة .

هكذا اثبتت الخلفية البيولوجية الفطرية غلبة دورها علي العوامل التربوية في تشكيل مشاعرنا وسلوكياتنا كذكور وإناث .

وهنا يفرض السؤال التالي نفسه ؛ وما هي تلك العوامل البيولوجية التي تحدد توجهاتنا العقلية والسلوكية الجنوسية ؟
الاجابة هي ؛ انها بنية العقل وطريقة أداءه لوظائفه .
فقد ثبت يقينا ان هناك اختلافات جوهرية بين مخ الذكر ومخ الأنثي . فمراكز مخ الذكر قليلة التواصل بعضها ببعض ، كما انها تركن الي الراحة اثناء النوم ، بخلاف مراكز مخ الأنثي شديدة التواصل والتي تستمر في عملها اثناء النوم ! . كذلك تتفوق بعض المراكز المخية في الذكور عن الإناث وبالعكس ؛ فنجد الذكور اكثر تميزا في الرياضيات وادراك الفراغ والتخطيط وانشط جنسيا ، بينما تكون الإناث أمهر لغويا وأقدر علي ادراك ما يدور في عقول الآخرين ، ذلك بالاضافة الي فوارق اخري كثيرة .

والسؤال الاخير ( الذي يفرض نفسه ايضا ) هو ؛ ما سبب هذه الفوارق في بنية المخ ؟
الاجابة هي ، انها الجينات ثم الهورمونات الجنسية التي تفعل فعلها في الجنين .
فالمدهش ، ان جنس الجنين الأصلي ( في كلا الجنسين ) يكون أنثي !!! ، فاذا كان الجنين ذكرا تسببت جينات الذكورة في إفراز هورمونات الذكورة في الجنين ، مما يحول الأعضاء التناسلية الأنثوية الأصلية الي اعضاء ذكورية ، كما يحول بنية المخ الأنثوية الأصلية الي بنية ذكوريّة . اما اذا كان الجنين أنثي ظلت الأعضاء التناسلية الأنثوية وكذلك بنية المخ علي هيئتها الأنثوية .

معني ذلك ان الأنثي هي الاصل …
وكئن الله عز وجل الذي كرم الذكورة بان جعل ادم عليه السلام هو ابو الجنس الانساني ، اراد ان يكرم الأنوثة بان جعلها اصل كل جنين من البشر ، ذكرا كان او أنثي .
سبحانك ربي …

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

أضف تعليق

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: