ريما الخطيب كاتبة أردنية
ريما الخطيب
كاتبة أردنية

حين نسب الله عز و جل في الحديث القدسي الصوم إليه من دون العبادات (كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم، فإنه لي، و أنا أجزي به)، جعل هذا النسب سببآ للتفكر بخصوصية الصوم، فالعليم الحكيم حين يخص شيئآ معينآ بالذكر يعطي الناس مؤشرآ إلى وجود أسرار متعلقة به، و مهما حاولنا الإحاطة بأسراره، لن نستطيع، أكثر ما نقدر عليه هو البحث فيها ليتكشف لنا بعضها، ثم نتفكر و نبحث ثانية، فيتكشف لنا المزيد، و كلما تقدم بنا الزمن، كلما اكتشفنا المزيد، و هكذا نعلم و نتأكد من عجزنا على الإحاطة بكل أسراره، و هذا ما خبرته بكل ما يخصه الله بالذكر.

من فوائد الصوم ما هو غاية في الوضوح، بالأخص لمن يمارسون هذه العبادة، من هذه، فوائد جسدية و نفسية و روحية، من يصوم يشعر بإنسانيته و استعلائه على شهواته، يشعر بقيمته كإنسان و عزته و أنه في وقت صومه تحت رحمة ربه و يستشعر قربه من الذات الإلهية، هو على الأرض بجسده، لكنه يحلق بروحه فيتميز عن باقي المخلوقات بإنسانيته التي أسجد لها الله عباده المكرمين.

كما أن الله قد حدثنا في كتابه العزيز عن المواسم التي هي نعمة للبشر، هذه المواسم و الأعياد التي تعطي الناس الأمل، هي متعة للناس يقومون خلالها بتجديد حياتهم و تحرك الركود و الرتابة، بهذا تصبح الحياة أكثر متعة، تعطيها معنى و أمل بغد أفضل و تجديد لما تعرض للصدأ في علاقاتهم و نفسياتهم، ينتشر فيها العطاء و المسامحة و صلة الرحم التي انقطعت لفترات، تجمع العائلة الواحدة و العائلات فيما بينها، تقرب الجيران، تجمع الغني مع الفقير، كلهم يتسابقون لنيل الأجر و الثواب، إنه مهرجان و فرح.

أسرار الصيام لا تقف عند هذا، تذكر أن للصوم نفحات أخرى، نفحات جَلية، و نفحات خفية، منها ما نعلمه، و منها ما لم نكتشفه بعد، و منها ما أثبته علماء من غير المسلمين، فسبحانه مَن (أعطى كل شيء خَلقهُ ثم هدى).

في الأبحاث الطبية اليوم، كثر الحديث عن فوائد الصوم في معالجة الأمراض، مثل السمنة، و الأمراض المزمنة، كما أثبتت دراسة في عام 1945 أن الصوم يؤخر الشيخوخة، و يطيل العمر، و يقلل نسبة الإصابة بسرطان الثدي، كما أُجريت دراسة عام 2009 شارك فيها البروفيسور المشارك في علم الأحياء (Vaulter Longo) ، و هذه واحدة فقط من دراسات كثيرة تُجرى اليوم عن الصوم، حيث وجد أن الصوم له تأثير مختلف على الخلايا السرطانية و الخلايا السليمة، في حالات الإصابة بالسرطان، فأظهرت الدراسة أن الصوم يجعل الخلايا السليمة مقاومة لآثار العلاج الكيميائي و يجعل قوتها للصمود كبيرة، فالعلاج الكيميائي له تأثير بأنه يدمر الخلايا السليمة و الخلايا السرطانية بدون فرق، فالصوم يعطي قوة للخلايا السليمة لا يعطيها للخلايا السرطانية، و هذا شيء عجيب أذهل Longo فقام بعدها ببضعة سنوات بإجراء دراسات أخرى على الصوم، وجد أنه، أي الصوم، كان سببآ في شفاء أنواع كثيرة من السرطان، لقد أجرى تجاربه على الفئران، وجد أن الخلايا السرطانية أخذت تحاول النجاة بالقيام بعدة تغييرات على عدة محاور فلم تستطع النجاة و تمت محاصرتها بالعلاج الكيميائي، أما الخلايا السليمة فقد زادت قوتها للمقاومة و مناعتها فاستطاعت مقاومة الخلايا السرطانية بالإضافة لصمودها و نجاتها خلال العلاج الكيميائي.

الصوم بحول الله و قدرته جعل الخلايا السليمة قوية، إنه مدد الله من خلال الصوم للإنسان عبر الصوم، مدد على مستوى الخلايا.

عَزا Longo ذلك لأمرَين اثنَين، أولهما: أن الصوم يحفز حساسية الخلايا للإنسولين و يقلل مقاومتها لعمل الإنسولين في الجسم، بمعنى أن الإنسولين يعمل بطريقة سليمة و صحية في الجسم، و معلوم طبيآ أن مقاومة خلايا الجسم للإنسولين هو سبب لعدد كبير من أنواع السرطان. ثانيهما: أنه أثبت أن الصوم يحفز و يحسن عملية تنظيف الخلايا من القمامة التي تتجمع فيها، أي الأجسام الغريبة و السموم فتطردها و تتخلص منها، تصبح الخلايا بهذا أقوى و مقاومة للأمراض و السرطان و العلاج الكيماوي.

سبحان الله، حين ربط ربنا سبحانه و تعالى الصوم بنفسه العَلية، جعل الجزاء عظيمآ لا يعلمه و لا يحيط به إلا هو سبحانه، جزاء في الدنيا و الآخرة، جزاءٌ حتى على مستوى الخلايا … و ما خَفيَ أَعظم …

لو أنك ذهبت لتبحث في فوائد الصوم، ستُثبتُ الكثير، هدفي اليوم ليسى ذلك فقط، أريد أن أصل إلى عظمة الخبير الذي يقول للشيء كن فيكون.

نفحات الصوم تصيب حتى مَن يصوم جوعآ، هكذا أراد الله، فحتى لو لم يصوم عبادة أو لم يكن صومه على المستوى المطلوب، فإن الله لا يعطيه الحسنات للآخرة و لكنه يأجره في الدنيا بالصحة و غيرها، فلا يضيع الحَكَمُ العَدل عمل عامل من الخَلق، فما بالك بمن يصوم إيمانآ و احتسابآ، كم من النفحات الدنيوية و الأخروية سيحصد!

تَفَكّروا بأجواء رمضان، هذا الشهر الذي اصطفاه الله و فضله على باقي الشهور، تلك الفرحة و ذاك الدفء الذي يلف أوقاته، الحميمية الأُسَرية و المجتمعية، للصغار و الكبار، للأغنياء و الفقراء، في الجو، في السماء، على الأرض و في الهواء، هو عيدٌ لأهل الأرض و السماء، ليلة القدر فيه تجمع عالم الأرض بعالم السماء على مائدة الكريم الذي يعطيهم على قدره هو و ليسى على قدر أعمالهم الضعيفة، يعطيهم عطاءً غير مجذوذ.

جَعَلَنا الله ممن يقول لهم الملائكة ادخلوها بسلام آمنين، ادخلوها من باب الريان الذي جعله الله مدخل أهل الصوم الذين تعالَو على شهواتهم طاعة له سبحانه، لقد هانت عليهم حاجاتهم الجسدية، عَلَو بهذه الإرادة إيمانآ بالله و احتسابآ لأجره و ثوابه، قربآ و طاعة إليه جل في عُلاه و تقدست أسماؤه،  لقد أيقنوا أن الله يراهم فحفظوا صومهم و اتقو الله في الخَلَوات، إنها عزة المؤمن و إرادته التي رفعه الله بها و جعله أكرم و أرقى مَن دَب على الأرض.

الحمد لله الذي أوجدنا من العَدَم، الحمد لله الذي جعلنا من البشر، الحمد لله الذي جعلنا مسلمين له، الحمد لله ملء السموات و ملء الأرض، و ملء كل شيء بعد …

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليق 1

اترك رد

  • أتقدم بالتهنئة الحارة للدكتور عدنان ابراهيم و إدارة موقعه بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، هذا المنبر الرائع المتميز، كما أسأل الله العلي القدير أن يسدد خطاكم لما فيه الخير، أسأله تعالى أن يريكم الحق حقآ و يرزقكم اتباعه، و أن يريكم الباطل باطلآ و يرزقكم اجتنابه، كما أحثكم على التجديد و إعادة التقييم و تصحيح المسار بصورة مستمرة، و أن تتقوا الله فلقد و ضعكم في موضع تُسألون عنه يوم العرض عليه، نصركم الله ما دمتم على الحق، متعكم الله بالعافية و الإزدهار و كل الأمة الإسلامية، و أعاده الله على الجميع باليُمن و البركة و السلامة و الإسلام، إنه قادر على كل شيء.

%d مدونون معجبون بهذه: