سامي الفرج
سامي الفرج

لعل ما يجرني للحديث عن الحرية في عالمنا هو ذلك الالتباس الذي يعتور فهم العقل العربي للحرية، و يغبش الرؤية السليمة لهذا المعنى. و الحق يُقال أن الفلاسفة، قديما و حديثا، شرقا و غربا اختلفوا في تحديده، و افترقوا في تبيان معقباته و لوازمه. إلا أن العقل العربي الراهن يُجمع، إن لم يكن يؤكد في كل مناسبة على اقتران لوازم الحرية و معقباتها بالفوضى العارمة التي تجتاح كل جانب من جوانب الحياة بشأنيها العام و الخاص. و لا يرى فيها، خصوصا في مساءل العقيدة و الإيمان، إلا شرا يحف الإنسان المسلم من كلا ضفتي نهر حياته “الهادئ”. فيؤْثِرُ بذلك هذا العقل نظاما من التفكير يقوم على استعباد الإنسان للإنسان روحيا و عقليا، و يفضله على اختلاف الرأي و تباين زوايا النظر، و افتراق سبل الأفهام، و اجتراح أساليب جديدة في التفكير. معللا، هذا العقل العربي، أن الإجماع ضروري، و أن كل اختلاف و لو كان ضئيلا بإمكانه تقويض مشروع الوحدة.
و الواقع أن هذا التفسير الساذج باعتباره يتردد على ألسنة العوام و السوقة، و الماكر باعتباره لعبا بالكلمات من طرف الحكام و الساسة يدعم الطغيان و الاستبداد العربي القائم على كل مستوياته، ذلك بأن استقرار الدول يكون في ظل الاختلاف و دون ذلك فهو ركود و لا يمكن أن يكون استقرارا البتة.
و عوْداً على بدءٍ، فإن الحرية لم تكن في يوم من أيام عالمنا العربي مقرونة بالمسؤولية. إذ أن المجتمع الحر، و بالتالي السليم، يساءل أفراده عن ما فعلوه كل من موقعه. و لعل المفارقة العجيبة في عالمنا العربي و التي سجلها بذكاء الدكتور العلامة عدنان ابراهيم أن كلمة “مسؤول” تحيل، معيشيا و واقعيا، و ليس تجريديا و لغويا، إلى شخص لا يُسأل عما يفعل؛ في حين أن كلمة “مسؤول” تعني أنه يُساءل من طرف سائل أو أكثر.
إذا ذهبنا نقيم علاقة المسؤولية بالحرية و مشينا خطوات يسيرة في سبيل هذه المتلازمة، نستطيع أن نبرهن ببساطة صادمة أن من لا يكون حرا لا يمكن أن يكون مسؤولا. لا يمكن لمسجون أن يعتبر مسؤولا عن شيء في العالم ( لهذا يُعتقل أصحاب المواقف الحرة، للحد من مسؤولياتهم تجاه مجتمعاتهم). من جهة أخرى، من لا يكون مسؤولا ليس بالحر. كيف يمكن للفرد العربي اليوم أن يصبح حرا و عندما يكسر كأسا يمر كأنه لم يكسرها ؟ إنه لم يتحرر من نفسه الصغيرة بعد، فأنى له أن يتحرر من الطاغية الذي يحكمه ؟
الحرية عند العربي لا تزال تنحصر في حرية اختيار الأكل على قوائم المطاعم، حرية اختيار الملابس و حرية اختيار القنوات على التلفزيون، دون أن تنداح لتشمل حرية التفكير فضلا عن حرية التعبير الحقيقي عن ما يجول في قريحته من أفكار اجتماعية، اقتصادية أو سياسية. و بالتالي، المسؤولية لهذا الفرد تجاه مجتمعه تبقى منزورة التأثير، محدودة النطاق.

تعاليق

تعاليق الفايسبوك

تعليق 1

اترك رد

  • أبشِرْ … ساحت بنا مقالتك و صورتها ( الصحراء ) إلى معنى قوله تعالى { إن للمتقين مفازا } فالمفازة في اللغة معناها : الصحراء و المفاز هو الفوز في قطع هذه المفازة ـ الصحراء الشاسعة ـ و هذه المفازة كتبها الله علينا طالما نحن في هذه الدنيا و كلما قويَ إيمان العبد كان أكثر قدرة على قطعها بنجاح و الوصول إلى الجانب الآخر من الحدائق و الأعناب و الكواعب الأتراب ووووو فكل ما ذكره تعالى في القرآن من أوصاف للجنة فيه في الدنيا جزء منه لكنه يوم القيامة يُضاعَف أضعافاً كثيرة … علماً بأن كلمة [ كواعب ] تدل على نساء فيهن من أثر الكعبة شيء ، و كلمة [ أتراب ] :تؤكد هذا المعنى حيث أننا نعلم الحديث [ فاظفر بذات الدين تربت يداك ] أي حصلتَ على أثرٍ ثمين و صار بين يديك ، و علي بن أبي طالب كان يكنيه رسول الله ب[ أبا تراب ] أي تِرب رسول الله أي آخذٌ من أثره صلى الله عليه و سلم …..

%d مدونون معجبون بهذه: